انعي لكم القاضي والاستاذ صلاح حسن الذي رفع سيادة القانون وانتصر للديمقراطية

Quote: ولد القاضي صلاح حسن في مدينة أم درمان، حي بيت المال في 19/04/1929م، والده المرحوم حسن عبدالرحمن منصور، كان يعمل رئيساً لتسجيلات أراضي أمدرمان وبحكم الوظيفة تنقل صلاح مع والده من أمدرمان والدويم ونعيمة من مدن النيل الأبيض ثم مدينة الأبيض ووالد القاضي صلاح حسن جموعي نزح أجداده إلى جزيرة توتي مع المحس منذ زمن قديم وهو ابن عم الأديب المعروف معاوية نور ووالدة الفقيد الحاجة فاطمة بلال محمد عبدالقادر، والدها بلال محمد عبدالقادر المنصور المشهور بـ (بلال أفندي) من أوائل موظفي حكومة السودان وهو من مواطني بري ، ووالدته العازة بت بلال حفيدة السيدة المحســنة (أم شم) بت فرح، كبيرة آل فرح ببري اللاماب. درس الفقيد جزء من مرحلة الكتاب بامدرمان، بيت المال، ثم بالأبيض الوسطى، ثم أمدرمان الأهلية الوسطى، في الفترة من العام 1944- 1948 ومن أساتذته بالمدرسة البروفيسور عبدالله الطيب والصحفي المعروف محمود الفضلي والدكتور محمد خليل جبارة والصحفي بشير محمد سعيد، عليهم رحمة الله جميعاً. التحق الفقيد بكلية غردون التي انتقلت بسبب ظروف الحرب العالمية الثانية من الخرطوم إلى المدرسة الأميرية الوسطى بأمدرمان وبعد اكتمال بناء مدرسة وادي سيدنا الثانوية تم قبول الفقيد بها كأول دفعة للمدرسة في العام 1946م ومن دفعته في مدرسة وادي سيدنا الثانوية الدكتور أحمد عبدالعزيز والأديب الطيب صالح والشاعر مبارك عبدالوهاب، وبعد امتحانات الشهادة في العام 1948م حصل الفقيد على شهادة كامبيردج وقبل في كلية الطب بكلية الخرطوم الجامعية، وبسبب رغبة والده انتقل إلى كلية القانون بالتبادل مع المرحوم الفاتح عبود حيث قبل الفاتح عبود بالطب وبعدها ترك الفاتح عبود كلية الطب ولكنه لاحقا هاجر لدراسة القانون في جمهورية مصر العربية وتخرج وعمل محامياً إلى أن توفاه الله في الستينيات. كان من ضمن دفعة مولانا صلاح حسن في كلية القانون القاضي الفاتح عووضة زميله وصديقه وصهره ورفيق دربه والمرحوم المحامي مامون سنادة وانضم الثلاثة من المدارس العليا النظامية وذلك بجانب طلاب من كبار السن تم اختيارهم من سجل الموظفين الممتازين بالهيئة القضائية، وكان من ضمنهم البروفيسور الصديق الأمين الضرير والمحامي الرشيد نايل والقاضي صالح عتيق والمحامي عمر أبوبكر، رحمهم الله جميعاً. تخرج مولانا صلاح حسن من كلية القانون جامعة الخرطوم عام 1951م، وتم تعيينه قاضياً بالهيئة القضائية وعمل بمدينة شندي ثم مروي ثم عطبره ثم الدامر والحصاحيصا والأبيض والنهود وقد اشتهر بالعلم والمعرفة والقدرة على تحقيق العدالة من خلال التطبيق الصحيح لأحكام القانون دون مجاملة، وله العديد من الأحكام المنشورة بمجلة الأحكام القضائية التي أرست سوابقا هامة وساهمت في أعمال تشريعية ضخمة، كما شكلت أرائه القانونية الجريئة والشجاعة وجدان العديد من الذين عملوا بالمهنة أو درسوا القانون، والأمر متروك للأخوة من المشتغلين بمهنة القانون للتداخل حول ما أرساه الفقيد من سوابق وأدب في المجال القانوني، لكن نوضح ثلاثة مواقف مشهودة وهامة في سيرة الفقيد نوضحها كما يلي: الموقف الأول: انتدب الفقيد لجنوب السودان في أعقاب أحداث تمرد 1955م لمحاكمة المتسببين في أحداث التمرد في مختلف مدن الجنوب ونظر خلال انتدابه في العديد من القضايا الخاصة بموضوع التكليف وشهد عنه تطبيق أحكام القانون بتجرد ودون مجاملة للسلطات. الموقف الثاني: أثناء فترة حكم الرئيس الراحل إبراهيم عبود وفي العام 1962م تقدم مصطفى أبو حسنين بعريضة من داخل سجنه بمدينة الأبيض عن طريق محاميه الحاج الطاهر إلى القاضي صلاح حسن الذي كان يعمل قاضياً مقيماً بها تضمنت الرسالة تعرض الشاكي للتعذيب من قبل ضباط بالجيش حددهم بالاسم وبناء على أوامر مباشرة من الحاكم العسكري بالأبيض في تلك الفترة وهو المرحوم ألأميرالاي الزين حسن والمعروف بعسكريته المنضبطة لدرجة التطرف، ولقد أمر القاضي صلاح بفتح بلاغ واستدعاء كل الضباط محل الشكوى وإحضارهم أمامه للتحقيق، وعلم أن الحاكم العسكري رفض تنفيذ أوامر القبض، مما استدعى رئيس القضاء وقتها القاضي أبو رنات بالاتصال بمولانا صلاح حسن طالباً منه إرسال أحد القضاة للتحقيق مع الشاكي داخل السجن ثم البت في الأمر بعدها، وكلف القاضي صلاح حسن مولانا القاضي أبيل ألير والذي كان مساعداً قضائياً يمضي فترة تدريبية بالأبيض الذي عاد من السجن حاملاً محضراً التحقيق مؤكداً حدوث واقعة التعذيب وهنا أصدر القاضي صلاح حسن باعتقال كل الضباط ورفض أيضاً الحاكم العسكري تنفيذ الأمر مما خلق أزمة سياسية بين الجهازين في مدينة الأبيض انتقلت آثارها للخرطوم والعديد من المدن الأخرى وفوجئ القاضي صلاح حسن باستدعاء من رئاسة الهيئة القضائية للاستعداد للسفر في بعثة إلى المملكة المتحدة للحصول على الماجستير، وخرجت وقتها مدينة الأبيض بكل جموعها لوداع القاضي النبيل لموقفه الشجاع. الموقف الثالث: في العام 1966م صدر أمر بطرد نواب الحزب الشيوعي من الجمعية التأسيسية وتم رفع قضية دستورية نيابة عن النواب المطرودين وهو ما يعرف بقضية الحزب الشيوعي (عز الدين علي عامر، وجوزيف قرنق، ضد حكومة السودان). ونظرت القضية أمام القاضي صلاح حسن وأصدر حكماً رصيناً قوياً عادلاً باللغة الإنجليزية في ثمان صفحات قرر بموجبه بطلان قرار طرد النواب، وأمر بعودتهم لممارسة أعمالهم النيابية في الجمعية التأسيسية، غير أن حكومة الصادق المهدي رئيس الوزراء وقتها رفضت تنفيذ الأمر زاعمة أنه حكم تقريري غير ملزم، مما أدى إلى خلق أزمة سياسية كان نتيجتها تقدم رئيس القضاء وقتها القاضي العالم بابكر عوض الله باستقالته، وإمعانا في استفزازه أصدرت السلطة التنفيذية قراراً بقبول استقالة رئيس القضاء وأرسل القرار له وهو في طريقه إلى المطار للسفر للقاهرة، ولعل هذا من الأسباب التي دفعت القاضي بابكر عوض الله بأن يعود مع جعفر نميري بالانقلاب العسكري عام 1969م. خلال حكم الرئيس السابق جعفر نميري كلف الفقيد برئاسة لجنة الميثاق الوطني، كما كلف رئيساً لمجلس جامعة الخرطوم لعدة سنوات. اعتقل الفقيد في العام 1971 بعد أن تم تعيينه رئيساً للقضاء من قبل قائد انقلاب يوليو هاشم العطا، وظل بسجن كوبر لمدة ستة أشهر ثم غادر في العام 1972م للعمل بدولة قطر حيث عين رئيساً للمحاكم العدلية بها وساهم في وضع أسس النظام القضائي وإجراءاته بدولة قطر، ثم غادر بعدها إلى أبوظبي للعمل رئيساً للدائرة القانونية بصندوق النقد العربي لأكثر من 15 عاما وشهد له بالشجاعة والمهنية دفاعاً عن حقوق الصندوق من خلال متابعته لرئيس الصندوق السابق (جواد هاشم) الذي هرب إلى أمريكا اللاتينية مختلساً حوالي 75 مليون دولار من أموال الصندوق، واستطاع الفقيد ومن خلال تنسيقه مع العديد من الجهات ذات الصلة ومن ضمنها مجلس العموم البريطاني في إعادة الكثير من ممتلكات الصندوق المنهوبة. واجه الفقيد المرض بشجاعة رغم قسوة الآلام. زوجة الفقيد هي السيدة الفاضلة سميرة عثمان خالد شقيقة الراحل الرشيد عثمان خالد ومحمد نور والطاهر بأمريكا وللفقيد عدد من الأبناء هم: السكي صلاح ويعمل بصندوق النقد العربي ود. حسن يعمل محاضراً بكلية الآداب جامعة الخرطوم والسيدة سيزا وهي أرملة المرحوم الدكتور معاوية إدريس ودكتورة هند وهي حرم المهندس شهاب شبيكة والمهندسة جميلة وهي حرم المهندس صلاح.