|
رائحة الموت
|
ما زلت أذكر ذلك اليوم، كلما خطر على بالي طيف أمي التي لا يبارحني ذكرها. كان اليوم جمعة يوافق 14/4/1978م، والوقت وقت امتحانات، إذ كان يوم السبت الموافق 15/4/1978م هو أول يوم لأول امتحان لنا بالجامعة. كنت مستعدا للامتحان، واثقا من نجاحي، ورغما عن ذلك، كنت قلقا مضطرب النفس، ولم أجد تفسيرا لذلك. وكنت أشتم بين الفينة والأخرى رائحة ليست غريبة على أنفي، لكنني لم أستطع تمييزها.
حوالي الساعة الثامنة مساء، جاءنا الدكتور بابكر الأمين والأستاذ عمر حاج إبراهيم زائرين، وكان يسكن معي في الداخلية بأم درمان الأخوان شيخ المغيرة وبابكر البدري وغزالي بابكر. فرحت جدا بزيارتهما‘ إذ كانت الزيارة الأولى، حسبت زيارتهما للاطمئنان علينا و الامتحانات صبيحة الغد.
بعد لحظة صمت، أخذ د. بابكر يقول: يا إسحاق أنت راجل مؤمن وعاقل، هيأت نفسي لسماع خبر غير سار وكان والدي مريضا، إلا أنه أكمل وقال: البركة فيكم والدتكم توفيت فجر الجمعة، كان الخبر مفجعا مؤلما، فأصابني الذهول لوقت قصير، ثم عدت فحمدت الله على قضائه وقدره. وتلقيت التعازي من زملائي.
كانت تلك الليلة أطول ليلة في حياتي، لم تذق عيناي طعم النوم، وظللت أبكي وأبكي بلا صوت ، وما أمر البكاء في السر وقبل طلوع الشمس كنت في فداسي بين أهلي، فعز الصبر فانفجرت باكيا.
لم تكن تلك الرائحة التي كنت أشتمها بين الفينة والأخرى سوى رائحة "الحنوط" التي ألفتها أنفي فأنكرتها.
إسحاق بله الأمين الرياض 12/1/2010م
|
|
|
|
|
|