كم تمنيت أن أكون وحيداً كتمثالٍ هيليني يغطيه السخام، وتتوالى عليه الزوابع والفصول، ولكنني أبداً ما تمنيت أن تصبح عزلتي مخيفةً إلى هذا الحد. عشرة أيام، وهذا هو اليوم الحادي عشر، أطارد الكوابيس بعقلانية مفرطة.
سأكون حالماً إن تمنيت نفسي كرمةً في تلال بعيدة، نحلة في حقول تشع منها الحياة، أوزةً بيضاء تشق بصدرها مياه بحيرة راكدة في شهر أبريل.
خجلٌ أنت مما فعلت ومما لم تفعل، ولكن خجلك لا يقارن البته بذلك الخزي الذي ينتظرنك حينما تفيق من سباتها لتعلم أنك نقضت ضفائرها ضفيرة تلو أخرى، وأنك قطفت أزهار حلمها زهرة زهرة، وسيأكلك الأسى حينما تدرك أنك هدمت جسراً متيناً بين قلبيكما، وأنك أطفأت شمعة حبها لك إلى الأبد.
إليها لوحدها في مثل هذه الأيام من كل عام: لقد كان حبك جنوناً مطلقاً، عاصفةً أطلسية، لوحةً لدالي، قصةً لكافكا، كان شيئاً ما مجرداً لا تحتمله كثافة هذه العوالم الموغلة في التجسيد. لم أكترث أبداً، فقد كنت رحيمةً رغم قسوتك، وادعةً رغم ثورتك، مطيعةً - دون شك - رغم رغبتك، لم تشبهي أحلامي المتوحشة، ولم تكوني بحاجة أبداً إلى روحي المتمردة، على ميراث هذا المجتمع، أخلاقه المنحرفة، وسلوكه المنافق الجبان.
تمنيت أن أكون بساطاً سحرياً لأطوف بك العالم، سلماً كونياً يحملك إلى موطنك الأصلي هناك فوق قباب السماء، وكم تمنيت أن أسمو عالياً عالياً لأرى حقيقتك الوحيدة: ملاكاً سابحاً في بحار الملكوت، وروحاً بريئةً تحط على قلوب الموتى فتضيئها. حلمت بمصباحٍ سحري قديم لأطلب من عفريته ثلاث أمنيات: أن تكوني لي، ولا تكوني لغيري، وأن نكون معاً إلى آخر الدهر.
كم تمنيت، ولكن أمنياتي تنقصها الشجاعة، وأحلامي ينقصها الوضوح. في رحلتي الطويلة رأيت العجائب المدهشات، والحقائق العاريات، ولكنني ما رأيت أبداً حقيقةً أجمل من حقيقتك، ولا معدناً أصفى من معدنك، ولا حتى قطفت يوماً زهرةً تفوقك نضارة وجمالاً.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
ود شاموق
Rawia
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست