|
محمود محمد طه : ربع قرن منذ الاستشــهاد.
|
*
محمود محمد طه : ربع قرن منذ الاستشــهاد.
نستذكر اليوم سيرتكَ و قد رحلتْ ، شامخاً ، عالياً ، سامقاً ، وأنت تُذلّ النفس لملك الملوك . (1)
قلتُ لنفسي : - كم مضى من الزمان منذ أن كان هو بين العامة من الناس ؟ ـ هل نحن نحتفي بمن قدحوا الفِكر وبسطوا بين أيدينا طريقاً إليه ؟
سأل نفسه أن يتحرر ، فولج بيتاً رصفه المُستعمِر كي يُضيق عليه ، فحبسه منذ أواخر الأربعينات من القرن الماضي كي يتوقف ويُرجع سيف الفِكر إلى " جفيره " ، فجلس لدُنيا الصفاء . أمسك بقطرات اللغة القرآنية ، وتواجد مع النص . فهبطت عليه عوالم عصره كلها . قرأ تاريخه كله : " لِمَ ، كيف ، لماذا ، متى ومَنْ ؟" وانفتحت السيرة . قرأ من دفاتر الأقدمين وتجارُب المُحدثين : عقائد ، وتاريخ ، وعلم نفس ، وفلسفة ونهل من كل المتوفر بكل أطيافه . جلس يُراقب عن كثب كيف كان النبي يعيش حياته في خاصة نفسه . وعلى خطاه توسم الطريق . على وقع أقدامه البهية تحسس الطريق المُحمدي حافياً . فتساقطت القشور التي اصطحب النََقلة معهم من أسفار الأقدمين دون تبصُر . درس دولة المدينة " يثرب " الأولى ، وكيف احتبست الرسالة المحمدية عن طلاقتها ونشوتها وحريتها ، أمام مجتمع دون تلك الآفاق . لِمَ توقف التسامُح الذي بدأ به الذكر الحكيم أول أمره ؟، وعلِمَ أن الأمر ليس وسيلة من يستنصر بالتسامُح كي يأتي بالغلظة آخر المطاف . فتخفت الرسالة الثانية التي رأى الأستاذ " محمود " أنها اختبأت عن مُجتمعٍ لم يكُن مؤهلاً لحملها والتبشير بجواهرها . فبرز سؤاله الكبير : لِمَ كان النسخ ؟ ، ولِمَ بقي الذكر الحكيم ناسخه والمنسوخ بين دفة تلك اللغة القرآنية ؟ جاءت فتوحاته الفكرية في كل منعطف ، مُبشراً بدولة التسامُح التي اختبأت طوال هذه السنوات لإنسان اليوم والغد . كل بلاد نمت فيها الحرية عرفت أن في وطنٍ اسمه السودان اغتيل في يناير 1985 م رجلاً ، هو صاحب فكر، احتفى في كل منابره بالفكر المُعارض ، لأنه في الأصل يُحرضُ لإعمال الفكر . أخصب الدّين بالتأويل وتحدث عن أن مُصيبة العقيدة " رجال الدين " ، أو رجال السلطان .
(2)
قال عن الصلاة :
هي أن يكون الله في البال . تتنقل النية في كل مراحل الوضوء ، تتفكر أنت في الجوارح وتُحاسبها وأنت تتوضأ : أي حلال وأي حرام ؟ . تحمد جانب الخير وتستغفر زلات العُمر . أن تنزَّل خفيضاً أمام رَبِكَ . ما يخرج من الفم هو الذي ينجس كما قال النبي يسوع المسيح . طهارة الظاهر من طهارة الباطن .قلة الماء من النعيم . الطهارة الداخلة هي العلم . وبين العلم والماء صلة وثيقة : {أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقاً فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ }الأنبياء30 قال ابن عباس : "الماء القرآن والأودية القلوب ." الوضوء طرف من الصلاة .فأنت واقف أمام ملك الملوك . تقرأ القرآن حرفاً و كلمة ، وتتأمل معانيه . تُغسل نفسك بعبوديتك لمالك المُلكْ. أحسن العُباد من يشتغل بنفسه . حضرة الإحرام وحضرة السلام : تدخل واحدة وتخرج لأخرى . الصلاة حظ النفس من العبادة . قال النبي الأكرم : " إن الشيطان يجري في أحدكم مجرى الدم فضيقوا عليه " الصلاة الوسطى هي الصلاة بين الصلاتين . تتنفل أنتَ بما تطيق لملئ الفجوات . لا يوجد صوفي إلا وله صلاة الليل ، يقوم في الثلث الأخير من الليل ..... كل عابد متصوف حق ، يرى النبي حُلماً أو يقظةً . وإن لم ير النبي في نومه يخاف . ألزم أنتَ الاستغفار فقد قال العارفون : " كان لنا أمانان من العذاب ، ذهب النبي الأكرم فبقي الاستغفار " {وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ }الأنفال33
(3) هذا أنت سيدي ،
مُجلجلٌ في مُخاطبتك ، سلكت مسلك من أحببت ، فأخرجك نهجه الفسيح إلى المحبة الكُبرى . ضَمُرتْ نفوس الذين أرادوا إسكات الفكر ، فنالوا من جسدكَ ، وهي سيرة كل الجُهلاء الذين لا يعرفون أن للفكر سلطان فوق كل السلاطين .
بهية سيرتك تعلو من فوق قامات أندادك . برزت بنقائك وترفُعكَ عن الصغائر . كان في اليدِ أن تغتني أو تنتظر مغانم السياسة في منعطفات المصلحة ، فكان مواطنيك أحباءك . هاجرت إليهم ، وكان التلاميذ في كل العصور يُهاجرون إلى العلماء . كسرت أنتَ حاجز الزمن بينك وبين العلم فولجت أبواباً تقود " للعلم اللدُني " وتلمست صدق الأحاديث من عرضها على الأنوار القرآنية فقلتها وكتبتها دون مَرَاجِع .
صدق أبو الطيب في شعره وهو ما رأينا فيه من خصالكْ :
جَرَى الخُلفُ إلا فيكَ أنّكَ وَاحدٌ وَأنَكَ لَيْثٌ وَالمُلُوكُ ذِئابُ وَإنّ مَديحَ النّاسِ حَقٌّ وَبَاطِلُ وَمَدْحُكَ حَقٌّ لَيسَ فيهِ كِذَابُ وَلكِنّكَ الدُنيا إليَّ حَبيبَةً فما عَنكَ لي إلاّ إليكَ ذَهَابُ
عبدالله الشقليني 13/01/ 2010
*
(عدل بواسطة عبدالله الشقليني on 01-13-2010, 08:50 PM) (عدل بواسطة عبدالله الشقليني on 01-13-2010, 08:59 PM) (عدل بواسطة عبدالله الشقليني on 01-13-2010, 09:29 PM) (عدل بواسطة عبدالله الشقليني on 01-14-2010, 01:07 PM)
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: محمود محمد طه : ربع قرن منذ الاستشــهاد. (Re: أبوبكر بشير الخليفة)
|
*
Quote: شكرا لك على حفز مشاعر الانسان فى دواخلنا |
الحبيب : أبوبكر بشير الخليفة تحية طيبة وود كثير نذكر بالعيون الرقراقة بالحُزن ، ونحن نشهد أنه قد تجملت بمقدمكم السجون ، وارتحل معكم من ارتحل إلى محبس بورتسودان . لقد كانت أيامكم عند الصبا الباكر دوحة يعرف فيها المرء أن داعية الفكر ، وداعية الحُرية قد أمسك بالعروة الوثقى ليكون إنساناً فاضلاً . الشكر الجزيل أن كنت بيننا ، وما مدحك لما نكتُب إلا جرعة محبة ، لكم التحيات الزاكيات وكل الذين بطرفكم هناك .
*
| |
|
|
|
|
|
|
Re: محمود محمد طه : ربع قرن منذ الاستشــهاد. (Re: عبدالله الشقليني)
|
استاذ عبدالله الشقليني..
ياله من حدث، هز قلب الكون كله، ... كان رسول سلامي حقيقي، محب للكون بأسرة، لا عدواة له، سوى في احترام "الشريعة"، حيث هناك فاعلين، ولكنه يرى الفاعل، الوحيد، الأحد، فلذا ظل مبتسما، أمام حبل المشنقة، لرؤية الفاعل الكبير، فهوي يرى ووحدة المعاني، من خلف تعدد الشخوص.. وعاش، الحياة الطيبة، كل أنفاسه الكريمة، كانت تشع حنو، وفرح، ومعرفة بالبيئة، وبالأنسان، وبالزمان..
ولا يزال كتابه مفتوح لتذوق طرف من أفاقه البعيدة، فقد عاش بلا خوف، أو طمع، أ و حقد، وجسد، في حياته كلها، مقولته المشهورة، والتي تشع من كل كتبه (حياة الفكر، وحياة الشعور)، وتتأتى هذه، إلا بسلامة القلب وصفاء الذهني، أنها الحياة الكاملة، أنها جنة المأوى، مأوى اللحظة الحاضرة، بعيدا، عن حزن الماضي، وخوف الغد، كما ذكر الأخ الدرديري..
حتى النملة، هذا الكائن الضيئل، كان يحس بها، وبروحها، وبألمها، فقد كان يتوضأ، كما وصفته، بالماء، بالمعرفة، وقد تجسدت، بالحياة، حين غرقت نملة صغيرة في ماء الوضوء، غرس اصبعه الكريم، بمهل في تلك الترعة الصغيرة، وأنتظر بمحبة أن تتسلق النملة الغرقى اصبعه، كي ينتشلها، وهو يحس بالنملة، كما كان يحس بأبنه الغريق، محمد في بحر رفاعة، حنان عظيم، ورحمة للعالمين، وقصة الجردل مشهورة، جردل السجن، فقد كان يدخله معه الغرفة، خوفا عليه من الشمش والتراب والغبار، رفيقا، بالأحياء والأشياء.
فأي قدوة هذا؟ لوطن يحتاج لرجل سلام، عاش في سلام مع نفسه، ومع الاحياء والأشياء، وكان زاهدا، بحق، ومعرفة، لإدراكة بأن الكنوز كلها، الكنوز الحقيقة قدت في جسد الانسان، وهي كنز (القلب، والعقل)، وهي البحر الذي لا ينفد، من تجليات المعرفة، وخمر الشعور..
كان بسيطا، كان عريقا، كان صبوحا، تشف معه القلوب والعقول، يسحرك بطيبة قلبه، وبأنسه الخلاق، وتثمل روحك معه، حسا ومعنى، وحين تقرأ له تحس بأن كل حرف قاله، حرف حي، مشرق، صادق، ملئ بري المعرفة، والتحقيق، حروفه مؤثرة، كأنه تنشد بين السطور، وهي حروف تتوغل في التفهيم ومسح الغبار عن القارئ بصورة غريبة، كأنه يمسد ويخيط خواطرك الممزقة، كأنه، عبر قراءته، ينقذك من غول المسافة، وحزن الغربة، وكتاباته، رصينة، تنسج أواصر حقيقية، مع الكون كله، المرئي، واللامرئي، وتذوب الحدود الوهمية بين المعارف كلها، وبين المادة والزمان والمكان، ... كان اصيلا، متفردا..
وفي قصة حياته الحقيقية، أي عيشه مع تلاميذه ما يسحر، ويترك أثرا، أكثر من كتبه، ولكنه كان متواضعا، عن كشف قدراته في العيش لله، بالله..
محبتي، استاذ الشقلني، لكلامك المؤثر، والذي تركني أكتب بلا حول، أو قوة..
سلامي ومحبتي..
....
| |
|
|
|
|
|
|
Re: محمود محمد طه : ربع قرن منذ الاستشــهاد. (Re: عبدالله الشقليني)
|
محمود محمد طه : ربع قرن منذ الاستشــهاد(7)
عند زيارة الدكتور" دالي" في صحبة أهل الكرازة
في صحبة أهل الكرازة من تلامذة الأستاذ( محمود محمد طه)
يقولون في المحبة الإلهية :
أموتُ إذا ذكرتُكَ ثم أحيا.. ولولا حُسن ظني ما حييتُ فأحيا بالمنى وأموت شوقاً ..فكم أحيا عليكَ وكم أموتُ شرِبتُ الحبَ كأساً بعد كأسِ .. فما نفد الشرابُ وما رويتُ
رفعتُ الهاتف النقال وأنا بصحبة الصديق ( عبد الرحيم ) ذات مساء وسمعت صوت (دالي ) أحد صحاب الأستاذ محمود وأحد تلامذته . قلتُ مُرحباً بقدر ما تيسر لي من لغة الترحاب الخجول وهبط الوجد سيد المؤانسة وانعقد اللسان . بيني وبين رؤيته عياناً نيفٌ وثلاثون عاما . كذا الدُنيا تدور بكَ وبالشمس التي تنظرنا كل يوم ولم يتيسر الأمر إلا الساعة ! . هبطت طائرته الإمارات العربية المتحدة لتمنحه يومين ، خصصهما لرؤية من يستطع من الأصدقاء والمعارف والأحباب .رغب هو لقاءنا رغم ضيق وقته والسفر. قال إن الدنيا ليست ملك أيدينا وسيزور الصحاب جميعاً في أبو ظبي ساعة زمان من عصر يوم غد ، فما كل ما تشتهي الأنفس تلقاه . أيمكن أن يعود الذي خرج من بين أيدينا مُعسراً لا يملُك إلا فكرة جاذبة أحبتُه وأحبها ؟ . صدق من قال :
قلوبُ العاشقينَ لَها عيونٌ .. ترى ما لا يراه النَّاظرونا
لا يلجُ الزمان ساعة صفائنا كما يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ ، بل يأتي خفيف الظل لا ينتظر . يقف على الغُصنٍ بُرهة ، ثم يفترق الأحباء بوعد أن يتقابلوا في فضاءٍ أرحب . تؤاخينا العاصمة ... و ترمينا بالمحبة . التقينا ساعة الوداع ! . أقلّتنا سيارة للمطار يقودها الصديق ( علي ) .على يساري ( دالي ) وعلى المقعد أمامي الصديق ( عبد الرحيم ) . هم بصفاء نفسٍ وصدق سريرة . تجاذبنا أطراف الحديث ، وتلمسنا الجانب الرخو من هوى الأنفُس. واقتسمنا شراكة محبة هادئة في منعطف العُمر . حبلها ممدود حتى نوشكُ أن نكون شُركاء طريق و جُلساء طعام العقول ، وشاربي كؤوس سُكر المحبين لمُتعة الفكر . فتحوا أبواب الزمن الماضي ومُستقبل الأيام وانكسار الشرق أولاً ثم الغرب لاحقاً. بعض الحديث جُرعات مُكثفة وكبسولات تنتظر خلوتَكَ لتنمو وتزدهر . الطريق إلى المطار أقصر مما عهدتُه ويقصُر أكثر إن كنتَ في صحبة الدُرر التي أجلتها نيران الدعوة ، وقد تلمّس طريقها الأستاذ " محمود محمد طه " منذ أواخر الأربعينات من بعد اعتكافٍ في محبسه ، ثم اعتكافه اللاحِق في " رُفاعة " ثم نثر كنوزه للعامة والخاصة . ما أعذبها نُزهة قصيرة بصحبة الأحباب وهم يتسامرون ، فسيارة الصديق ( علي ) فرِحةٌ بلقائنا .تلتف على حبائل الطريق راقصةٌ كي يمُد لها الزمان فسحةً ولا يمُد لها لسانا. نزعنا أنفسنا من الزمان برهة وتفرّستْ القلوب وهي تنظر بعيونها التي ترى وتَفرَح بصحبة الذين حملوا الكرازة في صدورهم . فتشوا الأرض الخصبة ليُدفنوا ثمرها لينمو في مُقبِل أيامهم . جاء المطر زخاً وتيسرت سُبل حياتهم بقدر زهدهم في زينة الدُنيا وهي تتبدى لهم وهم في شغل عن بذخ نعيمها . انحسرت رغباتهم عن بهرجها وهبت عليهم رياحين محبة تجلو الذاكرة من تعب السنين وبطء مسير العافية. يُعينك صفاؤهم أن تنتبه إلى نفسكَ وتُحاسبها على أصغر الهفوات و " اللَّمَمْ " . أبعدَتهُم عن موطنهم الذي أحبوه غِلظة " أهل الظاهر" وهم يتتبعونهم بالعصي الغليظة التي أسرفت حتى توسّمت أجسادهم بآثار القهر . لم يكتفِ " أهل الظاهر " إلا بمعلمهم " محمود محمد طه " ليستشهِد في الجمعة العظيمة. نَذْكره اليوم حيث تُرفرف طيورُ الجنان من فوق مِقعده جالساً في أحلامنا وفي المآل الذي ينبغي له بإذن كريم فاض على نفسه ومنحنا دُنيانا التي فيها نحيا .تََذكَّر تلامذة الأستاذ أيامهم الحزينة الأولى في المهاجر من عنت قهر الماضي . تبصروا ملاطفة المولى لِنَبيه الكريم في الذكر الحكيم وفي سورة الضُحى حين غشته غمامة الحُزن من تأخُر الوحي :
{ والضُّحَى{1} وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى{2} مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى{3} وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَّكَ مِنَ الْأُولَى{4} وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى{5} أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوَى{6} وَوَجَدَكَ ضَالّاً فَهَدَى{7} وَوَجَدَكَ عَائِلاً فَأَغْنَى{ 8 }
صبروا و صابروا ، وتنـزَّلت عليهم السكينة من ربهم وغَشتْ أعشاشهم أطيافُ الغمامِ بأجنحتها الرحيمة . بدءوا حياتهم على الضفاف التي تتسع للمراعي وهي تنبسط اخضراراً بمدّ البصر . عرِفوا أن أرض الله واسعة فهاجروا فيها ولم يكونوا ظالمي أنفسهم . قلوبهم مكنوزة بالخير . بمسلكهم يحسِنون لأعدائهم ولمن يحبونهم . بدأ ثُلة مع تلامذة الأستاذ "محمود محمد طه "تجميع أقوال الشهيد وأسفاره ولقاءاته المسموعة والمكتوبة ودونوها من بعد صحوتهم من إعسار التشتُتْ و افتتحوا "منبر الفكرة ". جلس للتدوين والتدقيق نفرٌ كريم منهم على نار الفكرة التي تُدفئ من برودة الحياة عند موات العقول . أوقد عندهم السراجُ زيتَه وعمّت الأضواء القُرى والمدائن في أركان الكون . أحسنوا همُ عملهم عملاً بقول النبي من عمِل عملاً فليتقنه ) و نَهَلْنا نحن من عذوبة لغة كاتب الرسالة الثانية من الإسلام وتفرُّد نهجه . آل على نفسه بعد أن عمّتْ الجهالة أن يمهر الدفاع عن الفكر بالدم . بأحضان أهل السودان ونحن نودع الدكتور ( دالي ) ، امتلأت الرئة ببلسمٍ ضاحِك . فكانت نار الفراق سلاماً علينا جميعاً وعليه وهو يودعنا بأمل اللقاء القريب . طرِبَتْ الذاكرة وأخرجت من ثمرها البهيج قول ابن منصور العاشق لربه :
وَبَدَا له مِنْ بعدِ مَا اندَمَلَ الهَوَى .. بَرقٌ تَألقَ مَوْهِناً لَمَعاَنُهُ يَبْدُو كَحَاشيةِ الرِّداء ، وَدُونهُ .. صَعْبُ الذُّرَى مُتَمنِّعٌ أَركَانُهُ فَدَنا لينظُرَ كيفَ لاحَ فَلَمْ يُطِقْ .. نَظَراً إليهِ ، وَصَدَّهُ سَجّانُهُ فالنارُ ما اشْتَمَلتْ عليهِ ضُلُوعُهُ .. والماءُ ما سَحَّتْ بِهِ أَجْفَانُهُ
عبد الله الشقليني 23/12/2008 م
*
(عدل بواسطة عبدالله الشقليني on 01-17-2010, 05:51 AM)
| |
|
|
|
|
|
|
Re: محمود محمد طه : ربع قرن منذ الاستشــهاد. (Re: حاتم علي)
|
Quote: الاستاذ محمود محمد طه ==============
سوف تبقى مثل نجم السعد تحيا بالدواخل ريثما تصفو السماء بالذي سلمت و روح الفداء
ستبقى رغم الموت ... غير محدود الإقامة |
أخي الأكرم : حاتم علي هذا بيتُك فانثر ما طاب لك ، فقد كان الراحل نجماً ينشر الضوء في سماوات الفكر ولم تزل روحه تشهد وتتنزل من بين أغصان شجرة المعرفة ، وتبثنا وهج من جيب التاريخ
*
| |
|
|
|
|
|
|
Re: محمود محمد طه : ربع قرن منذ الاستشــهاد. (Re: عبدالله الشقليني)
|
نختار من لغة الأستاذ في الرسالة الثانية نصوصاً في اللغة الباهرة :
1. وتحية للرجل وهو يمتخض، اليوم، في أحشائها، وقد اشتد بها الطلق، وتنفس صبح الميلاد. 2. وإنما طريقه في المصحف، ولكن المصحف لا ينطق، وإنما ينطق عنه الرجال. 3. وإنما نسخت آيات الأصول في معنى أنها أرجئت، وعلق العمل بها فيما يخص التشريع، إلى أن يحين حينها، ويجئ وقتها، وهو الوقت الذي نعيش نحن اليوم في تباليج فجره الصادق.. 4. فالعشبة الضئيلة التي تنبت في سفح الجبل، فتخضر، وتورق، وتزهر، وتثمر، ثم تلقي ببذرتها في تربتها، ثم تصير غثاء تذروه الرياح، أكمل من الجبل الذي يقف فوقها عاليا متشامخا، يتحدى هوج العواصف..
*
| |
|
|
|
|
|
|
الجمعة الحزينة (Re: عبدالله الشقليني)
|
المهندس عبدالله الشقليني وضيوفه والقراء الكرام تحية الشوق الممدود... رغم ما يعتريني اليوم من وهن ومن آلام متعددة.. أحب أن أبعث إليك وضيوفك الكرام بهذه الرسالة, وقد بعدت بها قبل قليل لأستاذنا العارف البدر ين يوسف التأويل وهو عندي أعظم الناس معرفة للأستاذ الجليل محمود محمد طه! الجمعة الحزينة ..
المخبأ بالظهور !! الروح السائلة تنزف ندى على جباه الأزهار الموت يتربص لامتصاص الأزهار الوديعة يتشكل الكائن الشفيف بمطلق الحرية ووفق الكسب المتراكم لساعات الصفا والتأمل الخالي من شوائب الزمن هنا والآن تسقط المسافات ... تقوم دورة جديدة للوجود يكون فيها الحضور وتكون فيها أنت بثوبك القشيب حاضرا في كل الشئون منذ آلاف السنين وأنت تتبدى للعيان ألا ترونه ..! إنه فيكم تظهره المحبة ... كم منّا من يعرف حقيقة نفسه ؟! وكيف لنا أن نعرف حقيقة ذاك المخبأ بالظهور !! ... التلاميذ ؟! الحريق يشب في زغب الحواصل والشجر اليتم يخيم على العصافير , والمأوى يحترق جناحا الطائر المكسور تغوص في الرماد بحثاً عن الأجنة ولا أجنة تنجو من جنون الحريق المفتعل !! ... الدمع ينهال من مقل البؤساء مطراً للحزن ... اليوم اعتلى الأستاذ الجليل أعلى عتبات الكمال المنشود , أراه وهو يحدق في عالمنا الراسخ في الأغلال بتلك الابتسامة المضيئة , الحارقة لسلطان الخوف والممجدة للأحرار ابد الدهر . فالرجل الحر قد أكمل التسبيح ورفع الغطاء عنه حتى أصبح الوجود الآن يناديه بعد أن كان يناجيه من وراء حجاب , وقد علم ذلك أهل الذوق منذ زمنٍ بعيد ـ في الوقت ذاته قد تم حجبه عن طوائف الاعتراض والإنكار ـ وقد قال قائلهم : من يعترض علينا لا يهتدي إلينا *** إنا قد استغنينا عن أهل هذي الدار وعند غروب ذلك اليوم المهيب لم تغب الشمس المعروفة لوحدها.. بل لقد غاب معها ذلك الكوكب الساطع وصعدت روح الإنسان الكامل إلى علاها التليد ومقامها الخالد , واستأثرت السماء ببقعة ضوء لم تستطع الأرض احتمال وهجهاالمتزايد بعد أن توغلت في الركن اليماني من كعبة القلوب وامتزجت بروح الأحبة فأصبحت حاضرة عند هبة النسائم وغيوم السماء . تلك روح تستطيع أن تتبين ملامحها عند بلُّورة ندى الأزهار كما يمكنك سماع صوتها أثناء زقزقة العصافير وهديل الحمائم.. لقد استطاع صاحبها من مخاطبة أحبابه بالرغم من اختلاف العوالم ! وما ذلك إلا لعظمة الشوق: علم الشوق مقلتي سهر الليالي *** فأصبحت من غير نوم تراك ! فالشوق يفني مساحة الفضاء بين المحبين يطوي الزمن ويكشف الغطاء عن خلوة القبر الصمدية , كما علمنا من إشارة أستاذنا العارف البدر بن يوسف عند رحيل ( الفرح الطاهر ) في نفس الجمعة الحزينة 18/1 من نهر الهجرة إلى الله , أللهم أجعل فناءنا في نهر الهجرة إليك ... فما ينبغي لتلك الخلوة المهيبة أن تحول بين من تعانقت قلوبهم وتمازجت أرواحهم وتجانست ذواتهم وفق سيمفونية الكون المنتظمة , أبداً , أبدا !! فسلام على الأستاذ في العالمين ... وسلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين,,,
أبوبكر
| |
|
|
|
|
|
|
Re: الجمعة الحزينة (Re: أبوبكر حسن خليفة حسن)
|
الاستاذ الشفيف / عبد الله الشقليني
التحية لك ولكل من حضر مرسمك هذا
لست ادري اتكتب الحروف ام انك ترسم الكلملت، فالذي اراه لوحة بديعة عز من يرسم مثلها
لك دوام محبتي، واشكر روائعك التي تغسل دواخلنا عند كل قراءة.,.,
| |
|
|
|
|
|
|
Re: الجمعة الحزينة (Re: جمال المنصوري)
|
*
Quote: الاستاذ الشفيف / عبد الله الشقليني
التحية لك ولكل من حضر مرسمك هذا
لست ادري اتكتب الحروف ام انك ترسم الكلملت، فالذي اراه لوحة بديعة عز من يرسم مثلها
لك دوام محبتي، واشكر روائعك التي تغسل دواخلنا عند كل قراءة.,., |
الحبيب : جمال المنصوري وكما الشاعر جمّاع : نمشي على الدرب الطويل ولا يطيب لنا مدى إن الحياة بسحرها نغمٌ ونحنُ لها صدى
هذه هي سجادة الوفاء لمن نذر النفس رخيصة للفكر ، وللتنوير .
شكراً أن كنتَ اليوم معنا .
*
| |
|
|
|
|
|
|
Re: الجمعة الحزينة (Re: أبوبكر حسن خليفة حسن)
|
الحبيب : أبوبكر حسن خليفة
هذا يوم الأصفياء ، تعبُر ريحهم السنوات وتحصد حقول الزمان . هذا يومَكِ أيتها الجباه العالية ، إن الغُرة البيضاء من وهج نور التقوى لا يتصنعها المرء ، بل تأتي عميق إحساسه بهذا العُمر الذي فيه عُمرنا طيف يعبرُ بُرهة ، وسكينة تسكنُ العُمر دهراً . اجتمعت النقائض وتصالحت النفوس في نهر الحياة . شكراً لكَ أن كنتَ اليوم معنا ، ونفائس " البدر" العارف بالله بين ظهرانينا تُزين لغة المحبة التي هي قبسٌ من الروح الكُبرى .
*
| |
|
|
|
|
|
|
|