هل يمكن الخروج فى مسيرة يوم 26 يناير فى ذكرى تحرير الخرطوم ؟

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-26-2024, 06:26 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الاول للعام 2010م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
01-05-2010, 11:43 PM

Nazar Yousif
<aNazar Yousif
تاريخ التسجيل: 05-07-2005
مجموع المشاركات: 12465

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
هل يمكن الخروج فى مسيرة يوم 26 يناير فى ذكرى تحرير الخرطوم ؟

    مجرد فكرة لاحراج قانون الأمن الجديد ولقياس
    العلاقة بين "السودان العريض "و"السودان الجديد".
    يمكن تحويل المسيرة الى بقاء الناس بمنازلهم بعد
    الخامسة مساء واطفاء الأنوار وفقا لاقتراح " الحاج " .
                  

01-06-2010, 06:18 PM

Nazar Yousif
<aNazar Yousif
تاريخ التسجيل: 05-07-2005
مجموع المشاركات: 12465

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: هل يمكن الخروج فى مسيرة يوم 26 يناير فى ذكرى تحرير الخرطوم ؟ (Re: Nazar Yousif)

    قوى الاجماع الوطنى ( جوبا)
    معنية بالأمر لأنها أفصحت عن
    رغبتها فى النزول الى الشارع.
                  

01-07-2010, 12:21 PM

Nazar Yousif
<aNazar Yousif
تاريخ التسجيل: 05-07-2005
مجموع المشاركات: 12465

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: هل يمكن الخروج فى مسيرة يوم 26 يناير فى ذكرى تحرير الخرطوم ؟ (Re: Nazar Yousif)



    تداعيات تظاهرة السابع من ديسمبر :

    تظاهرة يوم الاثنين السابع من ديسمبر، برغم ضآلة عدد المشاركين وقمعها في مهدها، إلا أنها أحدثت تغييرا جذريا أعاد تشكيل كل واقع وفصول مستقبل السودان السياسي ..

    فقد وقع انقلاب عسكري فعلي قاده رئيس الحكومة بنفسه وأطاح جناح نيفاشا الذي كان يقوده علي عثمان طه واستولى جناح القهر بقيادة نافع علي نافع على كامل مقاليد الحكومة. وأصبح على جناح نيفاشا تقديم فروض الولاء والطاعة لجناح القهر الذي صار تحت زعامة رئيس الحكومة المشير عمر حسن أحمد البشير وتحت إمرة نافع على نافع الذي انضم إليه الجنرال صلاح قوش ..
    تظاهرة السابع من ديسمبر الصغيرة المقموعة أحدثت تحولا عميقا في مجرى العلاقة بين الحكومة وبين الحركة الشعبية يكاد يكون قد وضع حدا لعلاقة الشراكة. فقد قررت الحكومة الجديدة فصل الجنوب من جهة الشمال بصورة مسبقة وقبل موعد الاستفتاء! ..

    تظاهرة السابع من ديسمبر بدّلت العلاقة بين الحركة الشعبية وبين أحزاب المعارضة تبديلا تاما أعادها إلى نقطة ما قبل تشكيل ما كان يعرف بالتحالف الوطني الديموقراطي، وهو التحالف الذي أهملته الحركة وتوجهت إلى إبرام اتفاقات نيفاشا ..

    كيف لحركة السابع من ديسمبر المحدودة المقموعة في مهدها أن تؤدي إلى وقوع انقلاب عسكري وتخلط الأوراق وتعيد توزيعها وتحدث كل هذه التقلبات في الواقع السياسي السوداني؟

    نبدأ بالانقلاب لأنه الحدث الأساسي الذي أثر في كل المجريات الراهنة وبالتالي تداعياتها الوشيكة منها والبعيدة. أول الكلام أن الحكومة الراهنة لا تأبه بالأحزاب ولا بالحركة الشعبية ولا تعيرهم جميعهم اهتماما أو مجرد التفاته. لكن الحكومة الراهنة تخشى من شيء واحد أكثر من خشيتها من الله والموت هو حركة الشارع السوداني. مهلا .. حركة الشارع نقطة لا يمكن المرور عليها هكذا بسرعة لأن حركة الشارع، وإن لم تظهر لحد الآن، فقد كانت "قوة الدفع الخفية" التي دفعت مسيرة السابع من ديسمبر وحولتها من مجرد تظاهرة صغيرة مقموعة إلى محور محرك للأحداث أفرز كل التداعيات الراهنة داخل وخارج الحكومة وخلط الأوراق وأعاد توزيعها إلى كل ما يجري من فرز واستقطاب وفصل للجنوب. ولكي ندرك ماذا تعني حركة الشارع السوداني ومدى الذعر الذي تقذفه في قلب الحكومة وفرائصها، نعود إلى تلك الملايين التي خرجت تلقائيا لاستقبال الدكتور جون قرنق عند وصوله للخرطوم. في ذلك اليوم خرجت الخرطوم تماما عن يد الحكومة. وقد كان في مقدور تلك الجموع أن تستلم السلطة في غضون ساعات وتصطاد أركان الحكومة كما الفراشات. وكل من تتبع أخبار مساء يوم ذلك الاستقبال غير المسبوق كان يستطيع أن يقرأ الوجوم وقلة الحيلة التي اكتنفت وجوه جميع أقطاب الحكومة برغم الابتسامات المجففة المعلّقة. ولو كانت تلك الملايين تعلم الغيب وتداعيات الأحداث وموت قرنق المباغت لما رجعت من حيث أتت.

    ومن منظور الذعر المتأصل عند الحكومة من الشعب، فإن تظاهرة السابع الصغيرة، حتى قبل خروجها، جسدت للحكومة بعبع الشعب المرعب القابع خلف تداعيات المسيرة وهو يوشك على الانقضاض. فالدعوة للمسيرة شكّلت أول خروج منظم وسافر ومسنود بقوى سياسية يطالب بالحريات الديموقراطية منذ عقدين من الحكم العسكري الدكتاتوري الصارم. لذلك، وقبل خروج المسيرة بعدد من الأيام شرع أركان الحكومة في البحث حول كيفية التعامل مع التظاهرة حتى لا تتحول إلى نقطة انطلاق شعبي عريض. ومما زاد الرعب هلعا أن الحكومة برئيسها وأجنحتها تعلم تمام العلم أشواق المجتمعات السودانية للانعتاق وللحرية الديموقراطية. وبناء على هذه الحقيقة التي تشكل قاسما مشتركا عند كل قيادات الحكومة وتوابعها، لم يسقط أي طرف في الحكومة عن حساباته أن المسيرة قد تكون مقدمة لخروج عريض للشارع السوداني، وبالتالي فلتان الأمر كله عن يد الحكومة. لذلك لم يكن الاختلاف بين جناحي الحكومة حول مغبات أن تتحول المسيرة إلى عمل جماهيري عارم، لكن وقع الاختلاف حول كيفية تفادي ذلك. ومن هنا قدم كل من جناحي الحكومة تصوره حول تفادي خروج الجماهير الواسع وتحجيم المسيرة من حيث القوامة والأهداف.

    كان جناح نيفاشا يرى ضرورة السماح بالمسيرة تحت محاصرتها برقابة أمنية صارمة، وأن ذلك من شأنه أن ينتهي بالمسيرة إلى إعادة الخلاف مرة أخرى إلى النقطة التي بدأ منها، أي إلى طاولات المجلس الرئاسي الانتقالي والمجلس الوطني الانتقالي. وبذلك يتم احتواء التذمر وتنفيس الاحتقان والظهور للرأي العام السوداني والعالمي في لبوس القبول بالتحول الديموقراطي والانتخابات، ومن ثم حصر الموضوع كله في إطار الخلاف بين الحكومة وبين الحركة الشعبية. ربما لم يخرج هذا الرأي عن سياق الآراء التي ظل يطرحها جناح نيفاشا مثل رأيه في ضرورة الاستمرار بأي صورة من الصور في الوفاء ولو بهوامش اتفاقات نيفاشا، والسعي الحثيث للتوصل إلى قواسم مشتركة مع الحركة الشعبية (لكون الحركة الشعبية هي نفسها حركة شمولية عسكرية يمكن التفاهم معها)، وانتهاج أسلوب الأخذ والعطاء قدر الممكن في ما يتعلق بالقوانين المقيدة للحريات و"تعديل" القوانين المتعارضة مع الدستور الانتقالي دون إبطالها ودون التخلي عن الحكم الشمولي لكن شرعنته بالانتخابات. أي أن جناح نيفاشا يرى اتخاذ "السياسة" وسيلة مقدمة لمعالجة الأمور العالقة قبل أن يمضي الوقت ويحين زمن الاستحقاقات فتجد الحكومة نفسها في مواجهة جميع الاستحقاقات دفعة واحدة. وإذا صدقت قراءتي، وأظنها كذلك، فإن جناح نيفاشا ظل يعتقد أن "السياسة" هي المطية الوحيدة لشرعنة الحكومة من خلال الانتخابات بدلا عن الاستمرار في الحكم بالجبر الذي سوف ينتهي لا محالة إلى مواجهة مع الشعب لها مثيلاتها في تاريخ السودان المعاصر. وغني عن القول أن مسارات تطورات الأسابيع الماضية أكدت اقتراب هذا الجناح من الحقيقة التي أضحت ماثلة. وبديهي أن يعتمد فريق نيفاشا تقديم حصان السياسة على عربة وكرابيج القمع لكن دون التخلي التام عن فرض القوة، أو ما أستطيع تسميته هنا "تسييس القوة" بدلا عن الاعتماد على القهر الصرف. فالرجل الذي يقود جناح نيفاشا، على عثمان طه، مهما اختلفنا معه وبرغم شموليته القائمة، فهو سياسي متمرس تربى في أحضان العمل السياسي، لذلك لا يستطيع أن يتخلى عن امتطاء السياسة كوسيلة لتكريس الشمولية القائمة بنقلها على محفة السياسة إلى المرحلة القادمة من تاريخ السودان. ونسند ما ذهبنا إليه بما رشح عن الحركة الشعبية الأسبوع قبل الماضي من أن "الحركة كانت على وشك التوصل إلى تفاهم مع علي عثمان طه، إلا أن بعض أطراف الحكومة حالت دون ذلك" وهذه الأطراف بالبداهة هي جناح القهر والقمع الذي يتزعمه نافع علي نافع. لكن أطروحات وجناح نيفاشا نفسه ظلا على الهوامش منذ فترة بعيدة منذ ساد اعتقاد راسخ في أوساط الحكومة أن الوفاء ببنود نيفاشا سوف ينتهي إلى تفكيك الحكومة، وأن احتمالات العودة للحكم بالانتخابات مفازة لا نجاة فيها.

    أما جناح القهر فقد كان من البديهي أن يرى العلاج في قمع المسيرة بالقوة بما في ذلك قمع قيادات الحركة الشعبية المشاركة في التظاهرة. هذا الموقف يتسق تماما مع مواقف هذا الجناح الذي يؤمن أنهم قد استلموا السلطة بالقوة، واستمروا فيها بالقوة والتعذيب، والقوة تظل هي الوسيلة الوحيدة للاستمرار في الحكم، وما غير القوة والقهر هو تفريط. وقد عبّر هذا الجناح عن موقفه في أكثر من مناسبة وبوضوح لا لبس فيه سواء بالأفعال العنيفة من قتل وتعذيب، أو بالقول في عبارتهم المشهورة " نحن استلمناها بالقوة والعندو قوة يجي يستلمها .." وطبعا لا يخرج عن إطار العنف والقتل والقهر ممارسات الحكومة منذ وقوع انقلابها العسكري وبيوت الأشباح والإعدامات. ويتجسد العنف لفظا في أحاديث لحس الكوع وغيرها من الملافيظ الغلاظ التي تصدر بانتظام عن نافع علي نافع، وأحاديث تقطيع الأوصال التي يطلقها الجنرال صلاح قوش.

    كان على كل جناح أن يطرح أمام رئيس الحكومة تصوره عن كيفية التعامل مع مسيرة السابع من ديسمبر وتداعياتها المحتملة. كان كل جناح على ثقة أن رئيس الحكومة سوف يؤيده. فمن جهته ظن جناح نيفاشا أن الاصطدام باستحقاقات نيفاشا الذي أفرز المتغيرات الأخيرة قد برهن على صحة توقعاته. وظن هذا الجناح أن هذه الحقيقة كفيلة أن تعيده من الهامش إلى مركز القوة والقرار. وبالمقابل انكفأ جناح العنف والقهر على موقفه، باعتبار أن إطلاق ولو قدر ضئيل من حرية التعبير سوف يخرج الأمر عن يد الحكومة بما لا يمكن السيطرة عليه لاحقا. وعليه تمسك هذا الجناح بمواجهة المسيرة بالعنف والقمع بما في ذلك قمع رموز وجماهير الحركة الشعبية الشريك في الحكم دون اعتداد بأي عواقب تنجم عن ذلك، فغضب الحركة الشعبية هدف يطلبه هذا الجناح حثيثا. هذا الموقف يتسق دون شك مع سياسات جناح القمع منذ سنوات الحكومة الأولى، ثم رأيه أن نيفاشا كانت خطأ عظيما وأن انفصال الجنوب يوفر المناخ المناسب لتمكين حكمه في الشمال. وضمن هذا التوجه ظل هذا الجناح يشن الحملات ويطلق التصريحات المتشددة والمسيئة ضد الحركة الشعبية طيلة الأعوام الأخيرة الماضية بعبها تغضب وترحل! ثم لا ننسى أن جناح القهر ظل مسيطرا منذ المرحلة التي أعقبت وصول الدكتور جون قرنق للخرطوم ولم تخرج عن مخيلة هذا الجناح مظاهر الاستقبال غير المسبوق الذي حظي به قرنق. وكما ذكرت فوق فإن خروج ما يزيد عن ستة ملايين قد أدى إلى خروج السلطة في الخرطوم في ذلك اليوم خروجا تاما عن يد الحكومة، وهي تجربة مرعبة لا يود هذا الجناح مجرد التفكير في احتمال حدوث ما يشابهها ولو من بعيد. وتفاديا لأي احتمال من هذا النوع المخيف ظل جناح القهر الاجتماعي يحكم قبضته على السلطة، وانزوى جناح نيفاشا إلا قليلا. وتعبا لذلك جمدت الحكومة بواسطة برلمانها كل خطوات تنفيذ استحقاقات نيفاشا. وعلى هذا التوجه قدم جناح نافع رأيه لرئيس الحكومة في نقطتين: أولا الموافقة الفورية والكاملة على القوانين الثلاثة التي تطالب بها الحركة الشعبية الخاصة بالجنوب وهي قوانين الاستفتاء لتقرير مصير جنوب السودان، وقانون الاستفتاء في منطقة أبيي، وقانون المشورة الشعبية لمنطقتي جنوب كردفان والنيل الأزرق. وثانيا أطلاق يد أجهزة أمن الحكومة لقمع المسيرة في مهدها، وقمع أي تحرك جماهيري مهما كان عدد القتلى في صفوف الشعب. وقد أكد نافع بنفسه نوايا حكومته عندما قال أنهم على استعداد لتقيم مائة ألف شهيد. هذا الرقم ،مائة ألف، في حد ذاته يؤكد بدون شك إدراك الحكومة لحجم المعركة الكبيرة مع الشعب .. مثلما يفضح مدى عمق خوف الحكومة من المواجهة مع الشعب ..

    مضت دقائق الأيام التي سبقت المسيرة عصيبة وقاسية على الحكومة. فكلما اقترب الموعد المضروب للمسيرة ارتفع "ضغط الحكومة" ومع ارتفاع ضغط الحكومة ارتفعت وتيرة الخلاف بين جناحيها. ومع تسارع الساعات والاقتراب من موعد المسيرة لم يعد الصراع مكتوما كما السابق بل تحول إلى معركة مكشوفة وأصبح الفتق بين جناحي الحكومة أخدودا عظيما لا يمكن رتقه أو ردمه ولا يغطيه سحاب المجاملات التي سقطت فظهرت الملاسنات والتهديدات. أصبحت المعركة معركة بقاء أحد الجناحين وذهاب الآخر، ولم يعد في قيد الإمكان التوفيق بين وجهتي نظر متعارضتين متناقضتين تقومان على إرث قديم من المرارات والضغائن والمكائد المتبادلة. فالشمولية الواحدة التي جمعتهما ضاقت ولم تعد تتسع لهما معا. وبعد أن كان رئيس الحكومة ينتفع شخصيا من صراع الجناحين أصبح عليه أن يختار أحد الموقفين. وهنا وقع الانقلاب العسكري. فقد رفض رئيس الحكومة مقترح جناح نيفاشا جملة وتفصيلا وانحاز بثقله العسكري والأمني إلى جناح القهر وتولى قيادته بنفسه وأطاح جناح نيفاشا بشكل كامل لا رجعة عنه في الأفق المنظور. وتبعا للحالة الانقلابية، أطلق رئيس الحكومة يد جناح القهر ومنحه حرية التصرف، وعلى جناح نيفاشا الخضوع وتنفيذ ما تأمر به الحكومة الجديدة. وقد تجسد موقف رئيس الحكومة في تبنيه المقترحات المقدمة من جناح نافع وهي الموافقة الفورية والكاملة على القوانين الثلاثة المتعلقة بالجنوب. وقد هدفت هذه الموافقة إلى تحقيق هدفين مزدوجين أولهما منح الحركة الشعبية كل ما يلزم للانفصال ودفعها بقوة نحو الانفصال، وثانيهما عزل الحركة الشعبية عن تجمع قوى جوبا، من ثم الاستفراد بأحزاب المعارضة، وإعداد كل ما يلزم لقمع الشارع السوداني. وقد بدت هذه الأهداف في الكلام الذي قاله نافع علي نافع قبيل إعلان الاتفاق وهو يتحدث حديث المنتصر: "سوف نتفق مع الحركة الشعبية".. وأن الأحزاب سوف تذهب إلى مزبلة التاريخ ..

    ما حدث في بحر الأسبوعين الماضيين كان انقلابا عسكريا أمنيا كاملا ضد جناح نيفاشا. الانقلاب تم بهدوء وحسم وبدون ضوضاء عدا تلك التي شهدتها ردهات الحكومة. طبعا درج الناس على الانقلابات العسكرية أو انقلابات القصر التي تضرب فيها المارشات العسكرية وتصدر فيها البيانات الهامة وقرارات الإقصاء والإبعاد والاعتقال المنزلي أو السجن. لكن الحكومة الانقلابية الجديدة ليست على هذه الدرجة من الغباء حتى تلجأ إلى إصدار مثل هذه الإعلانات المجانية المناوئة لها! فالإعلان عن مثل هذه البيانات سوف يكشف الانقسام وحالة الإقصاء الأمر الذي يضعف الحكومة الجديدة ويعري ظهرها أمام الرأي العام الداخلي والدولي ويقصي عنها قاعدة مهمة من أتباع جناح نيفاشا علاوة على الرصيد الشخصي لعلي عثمان طه. كما أن الإعلان عن الانقلاب من شأنه أن يؤكد أن الحركة الجماهيرية حتى قبل ظهورها قد حققت ما لم تكن تحلم به من نجاح. وفي المقابل لم يلجأ الجناح الذي أطيح به ولا أظنه سوف يلجأ إلى الخروج العلني عن الحكومة لأن بقاؤه الشكلي يضمن له فرصة المناورة من جديد انتظارا أن تصل سياسة الهروب إلى الأمام بالرئيس وجناح القهر إلى نهاية النفق المسدود، فيصبح جناح نيفاشا هو البديل لإنقاذ الإنقاذ! والأهم من كل ذلك أن جناحا الحكومة يدركان أن كلا منهما يشكل النصف المكمل لكرة الحكومة الشمولية، وخروج أي منهما يقسم الكرة إلى نصفين فيكون التفكك الذاتي والنهائي. لذلك حرص ويحرص كل جناح على بقاء الجناح الآخر. ومع ذلك لا نستبعد أن تكون قد صدرت تعليمات مشفوهة إلى قيادات جناح نيفاشا بممارسة دورهم العادي في دولاب الإدارة .. والبقاء داخل البلاد .. فظهور على عثمان في اجتماعات المجلس الرئاسي أو ظهوره إلى جوار نافع أو افتتاحه للمؤتمرات كنائب لرئيس لحكومة أو غيرها من التمظهرات لا تغير كثير شيء من حقيقة الانقلاب العسكري الأمني الذي وقع ..

    وحتى لا يخرج علينا من يقول أن ما جرى لم يكن انقلابا عسكريا، نقول أن الانقلاب العسكري هو استملاك ناصية القرار بالقوة المسلحة، وما جرى لم يشذ عن هذه القاعدة الانقلابية سواء تم الانقلاب من خارج السلطة أو من داخلها سيان. أقل ما يؤكد حقيقة الانقلاب أنه تم على أيدي القيادات العسكرية الأمنية "المشير" رئيس الحكومة ونافع علي نافع الذي ظل إلى اليوم الرئيس الفعلي لأجهزة أمن ومخابرات الحكومة برغم تنحيه الشكلي، مضافا إليه الجنرال صلاح قوش الذي أصبح ساعد نافع الأيمن. الانقلاب، لمن يرى، مجسد اليوم على أرض الواقع. فالبلاد تحت حالة الأحكام العرفية، وهذا ما أكده قادة الحركة الشعبية عن "حالة طوارئ غير معلنة" وأجهزة أمن الحكومة تسيطر على كل كبيرة وصغيرة بسلطات مفتوحة، والدستور الانتقالي المعطل أصلا تم استبعاد أي فرصة للبحث فيه، والاعتقالات طالت حملة الحصانات الدستورية البرلمانية المفترضة (باقان عرمان) وطالت حتى وزير الدولة للداخلية، وهوامش الحريات تم سحبها عدا بعض تمظهراتها في المجلس الوطني الانتقالي والصحف من أجل التعتيم على ما جرى. وتكريسا للصلاحيات المطلقة لأجهزة أمن الحكومة التي نفذت العملية الانقلابية، فقد أجاز برلمان الحكومة الجديدة بصورة نهائية قانون الأمن الوطني الذي يعطي حصانات كاملة لأفراد أجهزة أمن الحكومة ووضع في أيديهم سلطات مطلقة أكثر مما كان في أيديهم في السابق خاصة في حالات إلقاء القبض والاعتقال والتفتيش والحجز والمصادرة دون رقابة قضائية أو برلمانية. أي أن القانون المجاز لا يعدو كونه قانونا للطوارئ والأحكام العرفية بحيث يستطيع أي فرد في هذه الأجهزة اعتقال أي شخص بما في ذلك نواب رئيس الجمهورية وأعضاء البرلمان والوزراء .. فما قولك في المواطن العادي أو المعارض؟

    والانقلاب وصل البرلمان ..

    والانقلاب انتقل أيضا إلى مدرجات ما يعرف بالمجلس الوطني الانتقالي. فعلى حد علمنا أن نائب رئيس الحكومة توصل إلى اتفاق مع نائب رئيس المجلس الوطني يقضي أن يقوم نائب رئيس المجلس باستلام المذكرة من المسيرة. إلا أن هذا الاتفاق قد تم تكسيره بالتوازي مع قمع المسيرة .. فمن يا ترى يجرؤ على تكسير كلام نائب الرئيس غير الرئيس والمجموعة الانقلابية؟ هذه الحقيقة وحدها تبصم على عمق الخلاف وتؤكد انتقال كامل الصلاحيات إلى رئيس الحكومة وأركان حربه. زد على ذلك أن تجاوز نائب الرئيس لرئيس البرلمان والتنسيق والاتفاق مع نائب رئيس البرلمان تكشف عن انسداد القنوات وعمق الخلاف بين نائب رئيس الحكومة وبين رئيس المجلس الوطني. وتعود حواجب الدهشة إلى مواقعها عندما نعلم أن رئيس البرلمان نفسه ضمن المجموعة الانقلابية.

    في ذات السياق تأتي إجازة مناديب الحكومة في المجلس الوطني لقانون الاستفتاء في الجنوب بأغلبيتهم الميكانيكية دليلا فاقعا على الحالة الانقلابية وعلى عدم اعتداد رئيس المجلس الوطني ومناديب الحكومة بأي اتفاق سياسي توصل إليه نائب رئيس الحكومة. فقد تم الاتفاق بين علي عثمان وبين د. رياك مشار نائب رئيس حكومة الجنوب على أجازة القانون كما هو، أو كما قال مشار: "إن القانون جرى الاتفاق عليه بأن يجاز كما هو في اجتماع اللجنة السياسية. كما تمت إجازته في مجلس الوزراء" .. ويستغرب مشار متسائلا: "كيف بعد كل هذا يتنصل حزب المؤتمر الوطني من الاتفاق؟ .." ولعل مشار قد لمس بنفسه جزء من سبب تنصل المؤتمر الوطني بقوله: "إن ما حدث من تنصل يكشف وجود خلافات داخل حزب المؤتمر الوطني" لكن يبدو أن مشار لم يرى أبعد من مجرد خلاف، وإلا لكان قال أن "الحكومة الجديدة تنصلت عن الاتفاق" ! وفي ذات النهج والسياق يؤكد غازي صلاح الدين العتباني رئيس كتلة المؤتمر الوطني في المجلس الوطني الانتقالي عدم الاعتداد بما يتفق عليه علي عثمان طه نائب رئيس الحكومة يقوله: "لا أدري لماذا أصبح توقيع طه ومشار مقدساً لدى الحركة بهذه الصورة؟ .." ويكشط غازي ومناديب الحكومة ما اتفق عليه نائب رئيس الحكومة بجرة قلم عن طريق تعديل القانون وإجازته. ويقطع أحمد إبراهيم الطاهر رئيس البرلمان بعدم أهمية ما يصدر عن نائب رئيس الحكومة أو ما يتفق عليه بقوله: "المجلس لا يطيع القوى السياسية أو يجري وراءها وينفذ رغباتها .." وهو قول مردود لجهة أن الطاهر وبرلمانه ينفذ حرفيا التعليمات المنزلة عليه من لدن رئيس الحكومة ونافع علي نافع بتعديل القانون واستفزاز الحركة الشعبية بصفاقة. لقد كان الطاهر ومجلسه ينفذون كل التعليمات التي يتلقاها من نائب رئيس الحكومة قبل أن يتلقى التعليمات الجديدة التي تأمره بتجاهل ما يصدر عن نائب رئيس الحكومة. ولا يفوت على الفطنة أن هذه "التعليمات الجديدة" تحمل بوضوح بصمات نافع على نافع خاصة لجهة عدم الاعتداد بالطرف الآخر وغلظة القول، كما تحقق هدفين مزدوجين من أهدافه أولهما ترسيخ الانقلاب داخل البرلمان، والهدف الثاني جزء من "سياسة تكريه الحركة الشعبية" واستفزازها للحد الأقصى حتى تضطر الحركة الشعبية إلى تنفيذ الانفصال من جانب واحد بينما تظل يد الحكومة نظيفة .. ومن بعد تمد الحكومة أصبعها إلى الحركة الشعبية وتدينها داخليا ودوليا بجريرة فصل الجنوب، وسنعود إلى ذلك. زد علي ذلك أن فسخ الحكومة الجديدة لاتفاق علي عثمان ـ مشار يعني أن الحكومة الجديدة قد استخدمت نائب رئيس الحكومة كمجرد فخ لتمرير قانون جهاز الأمن ثم التنصل من اتفاق قانون الاستفتاء! وفعلا وقعت الحركة الشعبية في الفخ. ومن نوافل الكلام أن فسخ الحكومة لاتفاق علي عثمان ـ مشار يعني المزيد من التأكيد أن أي اتفاقات لاحقة يبرمها نائب رئيس الحكومة لا قيمة لها. (سمعت قبل قليل خبرا عاجلا مفاده أن قانون الاستفتاء تمت إعادته للمجلس الوطن الانتقالي لأجازته حسب ما تم الاتفاق عليه بين علي عثمان طه وبين رياك مشار. لو صدق الخبر فقد كذب رئيس المجلس الوطني الانتقالي كذبة لا يمكنه لمها! .. قال المجلس لا يطيع القوى السياسية قال .. تطيع يا أحمد إبراهيم الطاهر وتنفذ التعليمات! والزعم بإمكانية إعادة القانون للمجلس لأن رئيس المجلس لم يوقع عليه بعد هي كذبة سخيفة لا يصدقها عاقل لأن توقيع رئيس المجلس هو عمل إجرائي ليست له أدنى قيمة .. والراجح أن سبب الإعادة هي أن النائب الأول لرئيس الحكومة سوف لن يوقع على القانون لأن توقيع رئيس الحكومة منفردا لا يجعل القانون نافذا بحكم أن الجنوب هو محل سريان القانون.

    أما على صعيد الخطاب السياسي للحكومة الجديدة، فإن نافع علي نافع وصلاح قوش وإبراهيم الطاهر غلاة المتشددين هم المتحدثون باسم الجناح المسيطر أو الحكومة الانقلابية، علاوة على من تبعهم مثل مصطفى عثمان اسماعيل وغيره من على شاكلته. وتتضح معالم السيطرة في خطاباتهم المتشددة ضد الحركة الشعبية والتلويح المستمر بقمع الشعب، وهي تلميحات تعكس حالة الخوف، وتأكيدهم استلام مفاصل البلاد بالقوة. من ذلك قول الفريق أول صلاح عبد الله قوش "المؤتمر الوطني أعد العدة لإيقاف عبث الأحزاب .. والانتفاضة الشعبية التي تدعو لها الأحزاب مستحيلة الحدوث .. ودعوة الحركة الشعبية لإقامة الشغب دعوة فاشلة .. وأعداء السودان، ويقصد أعداء الحكومة الجديدة، يدعمون ولاءات قديمة انتهت وماتت هي وأصحابها .. وسيذهبون لمزبلة التاريخ عبر صناديق الاقتراع وسيلقِّنهم الشعب درساً قاسياً .. " لماذا يا قوش "درسا قاسيا" طالما أنها ستكون انتخابات حرة ونزيهة حسب ما تزعمون؟ ..!! كل هذه رسائل واضحة تعلن عن التحول الانقلابي بدلا عن التحول الديموقراطي الذي حلمت به الجماهير غداة إقرار اتفاقات نيفاشا ودستورها الانتقالي الذي لم يرى النور، وحلموا بها عشية وصول جون قرنق للخرطوم.

    رئيس الحكومة ..

    صحيح أن رئيس الحكومة قد كرس نفسه خلال السنوات الطويلة الماضية في نقطة الاحتكام والمرجعية بين جناحي حكومته. كما نجح رئيس الحكومة في أن يبدو في مظهر المعتدل. وقد تنسحب صفة الاعتدال على بعض سلوكه الشخصي، لكن المتغيرات التي طرأت بسبب ذعر الحكومة من حركة الجماهير دفعته أن يقود بنفسه جناح القهر وإقصاء جناح نيفاشا. لماذا؟
    الإجابة على السؤال تتطلب من الجميع إجراء استعراض سريع لأفعال وأقوال رئيس الحكومة منذ انقلابه العسكري إلى آخر تطور. لجهة القول فهو القائل "نحن جينا بالسلاح .. والعندو سلاح يجي يستلمها" أو قوله "نفاوض من يحملون السلاح .." أو قوله لجنوده وهم في طريقهم إلى دارفور "ما عاوز أسرى .." وهذا أمر "بالواضح" للجنود للإسراف في القتل خارج كل الأعراف الإنسانية والحربية لأنه يحرض على قتل الأسرى. يقول الرسول الكريم "استوصوا بالأسارى خيرا" وكان صلى الله عليه وسلم يمنع قتل غير المحارب والنساء والأطفال والشيوخ، كما يمنع هدم الصوامع وغيرها من دور العبادة. وعلى ذلك درج القادة الذين يحضون جنودهم على عدم الإسراف في القتل أو قتل الأسرى أو اغتصاب النساء أو هتك الأعراض. أما أن يبدر التحريض على قتل الأسرى عن رئيس الحكومة السودانية الراهنة فإنه يعني وبوضوح أن القتل هو الوسيلة الوحيدة المعتمدة عنده وحكومته لمعالجة قضية دارفور، وطبعا القتل هو أقصى سقف ممكن للعنف، فكما ليس بعد الكفر ذنب، فليس بعد القتل عنف. والعنف والقتل هنا ليستا مجرد سياسة أو تخويف، بل حقيقة صراح مثلت في التمثيل بالأسرى السياسيين في بيوت الأشباح تحت إشراف نافع علي نافع ورعاية رئيس الحكومة. وكذلك عندما بعثت هذه الحكومة مئات آلاف الشباب إلى محرقة الحرب في الجنوب لقتل أنفسهم وقتل إخوة لهم في صورة نادرة ومقززة من صور دفع شباب يفّع إلى الانتحار الجماعي. لذلك لا يستطيع أحد أن يحمل حسن الترابي وحده أوزار تلك المحرقة، فرئيس الحكومة هو المسؤول الأول والمباشر أمام الله والناس أجمعين لا يغسله تراب ذهاب الترابي عن الوزر والمسؤوليات التاريخية. وكذا الحال بالنسبة لعمليات الإعدام التي تمت بدم بارد، وأيضا حالات تعذيب السياسيين والأبرياء في بيوت الأشباح التي لا تقع تبعاتها على نافع وحده، فرئيس الحكومة يتحمل كل المسؤولية في حال علمه ويتحمل العبء الأكبر من المسؤولية في حال عدم علمه.

    هذه المعطيات المادية تؤكد جملة من الحقائق، أولها أن رئيس الحكومة هو جزء أصيل من فصيل التشدد وفرق الموت داخل حكومته. وثانيا انه نجح في إخفاء هذه الحقيقة تحت غلالة الزهد في الحكم. وثالثا أن تكريسه لنفسه خلال السنوات الطويلة الماضية في نقطة الاحتكام والمرجعية بين جناحي حكومته كانت ضمن وسائله للبقاء على سدة الرئاسة. ورابعا أنه، أي رئيس الحكومة، لا يتورع عن القيام بكل ما يضمن له الاستمرار في رئاسة الحكم مهما بلغت درجة القسوة والتشدد. ولمجمل الأسانيد لم يكن من الغريب أنه وقف بلا مواربة مع جناحه الأصلي، جناح القهر، جناح نافع علي نافع وصلاح قوش، أو جناح الاستمرار في الحكم بالبطش والعنف. لا نريد أن ننحي باللائمة على المؤسسة العسكرية بأنها السبب الوحيد في تطبيع رئيس الحكومة، فالفريق إبراهيم عبود كان ضابطا لكنه أثر سحب المؤسسة العسكرية عن الحكم وترك الرئاسة وقد كان في مقدوره ارتكاب المجازر والاستمرار في الحكم ولو إلى بعض حين.

    شاوشيسكو ..

    واضح أن رئيس الحكومة لا يريد أن يقطع ما تبقى من شعرة معاوية مع جناح نيفاشا لعله يحتاجه في ملمات غير منظورة. لكننا إذا نظرنا في عتمة سراديب الملمات غير المنظورة هذه، فقد نرى أن رئيس الحكومة قد وضع نفسه في وسط دائرة من المتشددين الذين أصبحوا كل السلطة وكل الحكومة وما على الرئيس إلا تنفيذ إرادتهم. لقد سار رئيس الحكومة في دهليز التشدد، وظل الدهليز يضيق كلما توغل فيه حتى لم تعد هنالك مساحة كافية تمكنه من الاستدارة والعودة. وبالنظر إلى تجارب الحكومات الشمولية في العالم فإن سيطرة المجموعة المتشددة العنيفة تعتبر حالة عادية تمر بها كل الحكومات الشمولية لأنها تشرنق نفسها في نهاية مطافها تشرنقا ذاتيا ضمن دائرة صغيرة مغلقة مكونة من الغلاة والمتشددين. وبسبب ضيق الدائرة وتكونّها من مجموعة واحدة ذات توجه واحد متشدد مثلها مثل أي خلية آحادية، فإنها تعجز عن استيعاب مجموعتين متناقضتين في جوفها كالذي جرى في السودان وغير السودان، وهذه واحدة من حسنات الشمولية لأنها تقترب بنفسها من نهاية أجلها سواء بتشرنقها وبالتالي عزلتها وتساقط أجنحتها وصيرورتها كهدف معزول مكشوف يسهل ضربه، أو أنها تدمر نفسها تدميرا ذاتيا عندما تحيط بها الضغوط تماما مثلما تفعل العقرب التي تلدغ نفسها عندما تحيط بها النيران من كل جانب. ومن حيث أن المجموعة المتشددة تدخل بدورها في معركة البقاء، فإنها تجعل من الرئيس كبش فداء مثلما حدث للرئيس الروماني نيكولاي شاوشيسكو الذي تم إعدامه بواسطة جنرالاته بعد أن جعلوا منه رمزا للدكتاتورية والقهر، وصنعوا من جثته وجثة زوجته الواحدة معبرا للخلاص. وهكذا دائما تكون نهاية أي رئيس شمولي حيث يأتيه ما يحذر في مكمنه من مأمنه على يد المجموعة التي أراد أن يجعل منها ملاذا آمنا لنفسه .. ولن تجد لسنة الله تبديلا.

    الجيش .. حمّال الأذية لا ينقلب ولا يخلو من الوزر ..

    أما الجيش، أو ما كان بعرف بالقوات المسلحة السودانية، فقد تم تحييده بصورة تامة ولم يتم إشراكه في العملية الأخيرة. ذلك أن نزول القوات المسلحة يعري ما يجري، ثم إن الأمر لا يتطلب دبابات أو مدفعية ميدان ثقيلة لأنه ليس صراعا بين ألوية عسكرية، والأهم من كل ذلك عند الحكومة أن نزول الجيش يجعل الجيش هو المسيطر، ويضع الجيش في موضع اللاعب الأساسي الذي بيده معظم الأوراق ويستحيل إعادته إلى ثكناته الأمر الذي يقلب كل معادلات العملية الانقلابية التي جرت. وما يؤكد خوف الحكومة من الجيش أنها لم تستخدم الجيش في مواجهة حركة العدل والمساواة عندما دخلت العاصمة. وهكذا تجد الحكومة الشمولية نفسها بين سندان جيشها ومطارق الشعب ! لكن معضلة الجيش أن كل شيء جرى ويجري باسمه، فالحكومة تظل تحمل مسمى "حكومة عسكرية" مثلها مثل حكومة مايو وحكومة عبود .. مع فارق أساسي هو أن حكومتي مايو وعبود كانتا فعلا عسكرية والجيش فيهما كان هو المسيطر خلافا لهذه الحالة الماثلة .. فالحكومة اسمها اليوم وبعد زوالها "حكومة عسكرية" لكن المؤسسة العسكرية التقليدية لا تحكم!

    نزول الخلاف إلى القواعد

    بكل تأكيد لن تلجأ الحكومة الجديدة إلى إنزال تعليمات عسكرية واضحة بهذا الخصوص إلى قواعدها لعدة أسباب طبعا على رأسها إحاطة الأمر بالسرية، زد على ذلك سوف يصعب على مؤيدي جناح نيفاشا تقديم فروض الولاء والطاعة لجناح نافع المسيطر الآن. لكن المشهد لا يخلو عن ردود أفعال مكتومة ومتضاربة بين الفرح والقرح. وفي حال اضطرار الحكومة إلى الإعلان عن إقصاء الجناح الآخر، وهذا احتمال بعيد، فسوف يعقب ذلك حركة خروج فردي واستقالات محدودة .. وكل يغنّي ليلى مصالحه ..

    سقوط ورقة الدين !

    من أبرز الملاحظات أن الحكومة الجديدة لم تلجأ هذه المرة إلى الاستخدام المكثف لورقة الدين ورفع المصاحف على رؤوس البنادق كما تفعل عادة. إذ يبدو أن ورقة الدين لا تنفع في مثل هذه الملمات! فقد فصلت العير وحدث الانقلاب وتمكن جناح البطش والتخويف داخل الحكومة. وفي ال أن استخدم الجناح الغالب ورقة الدين، ففي مقدور الجناح المغلوب استخدام نفس الورقة، فيكون للحكومة أكثر من دين! ومع ذلك كانت هناك فتوى تكفير المتظاهرين التي اختفت رائحتها سريعا وسط روائح الغازات الأخرى المسيلة للدموع، ثم ذلك الحديث المعزول الذي خرج عن مصطفى عثمان اسماعيل الذي قال فيه " أن التحدي الماثل أمامنا هو تقديم النموذج السياسي الرسالي، والمؤتمر الوطني ليس غاية، وإنما وسيلة لبناء سودان الشريعة الجديد" .. رسالي حته واحده يا مصطفى عثمان اسماعين صاحب حديث الشحادين؟ طيب، ماذا كنتم تبنون على مدى 20 عاما؟ أم أن بناء المجتمع الرسالي على طريقتكم يستغرق وقتا أطول مما يستغرقه بناء عمارات وأبراج ماليزيا وجزيرة النخلة في بحر دبي؟
    وحتى نغرق ورقة الدين كما غرق فرعون، أو نحرقها ونذريها في بحر النسيان كما أحرق سيدنا موسى إله السامري، نقول أن الشعب السوداني يطالب اليوم بأمرين أساسيين:

    أولا: حق الشعب الذي شرعه له الله في الحرية والتعبير لأن ما غير ذلك هو الأسر والعبودية لغير الله وعبادة الفرد،

    ثانيا: حق الشعب الذي شرعه له الله في الاختيار الحر لمن يتولى إدارة شؤونه العامة نيابة عنه، لأن ما غير ذلك هو الدكتاتورية التي بعث الله الرسل تترى لمحقها وإزالتها لأن الدكتاتورية صنم حي من أصنام الشرك بالله. وبما أن هذه الحقوق واردة في محكم التنزيل، فإن الحكومة تقع في الجانب المناوئ لإرادة الله ومنها إرادة الشعوب، حيث أضحت الشعوب هي التي تحقق إرادة السماء في الأرض بعد انقطاع الرسالات السماوية بخاتم الأنبياء الرسول الكريم محمد بن عبد الله وأصبح في حرز الشعوب ما يكفيها من الحجة والمنطق والعلم.

    لا انتخابات حرة .. لا تحول ديموقراطي ..

    إذن فقد كانت مسيرة السابع الصغيرة هي الصاعق الذي فجّر الصراع المكتوم بين جناحي الحكومة، والمحصلة تجسدت في إطباق جناح العنف على كامل مقاليد الحكومة. ولما كان الخوف من الشعب هو السبب المباشر في انقضاض هذا الجناح وإحكام سيطرته، يبقى من البديهي أن الحكومة في شكلها هذا سوف تمضي قدما في تنفيذ خطتها الرامية إلى حمل الشعب السوداني مقيدا مكبلا إلى صناديق الاقتراع. بعبارة أوضح الحكومة الجديدة لا ترغب في حريات ولا ترغب في تحول ديموقراطي ولا ترغب في انتخابات حرة أو غير حرة نزيهة أو غير نزيهة، ومن يرى غير ذلك عليه أن يتحسس سمعه وبصره .. بل وعقله.

    لكن المأزق الكبير مازال في انتظار الحكومة الجديدة .. الشعب .. نعم الشعب الذي حاولت الحكومة الهرب عن طريقه مرورا بكل الأزقة الضيقة والملتوية والمنعطفات والقفز فوق حوائط الاستحقاقات وبيدها السكاكين والمطاوي كلص ليلي لكي تشرعن وجودها بعد الانتخابات. هي محاولة يائسة للهروب إلى الأمام .. عام؟ .. ثلاثة أعوام أخرى؟ .. ثم ماذا؟ .. الحكومة كادحة إلى الشعب كدحا ولسوف تلاقيه. الشعب سوف يرفض سكوتا نتيجة الانتخابات التي أصبحت مؤكدة إذا سار الحال على ما هو عليه. ومن بعد سوف يرفض الحكومة نهارا جهارا ..

    (2)

    تظاهرة يوم الاثنين السابع من ديسمبر، برغم ضآلة عدد المشاركين وقمعها في مهدها، إلا أنها أحدثت تغييرا جذريا أعاد تشكيل كل واقع وفصول مستقبل السودان السياسي ..

    فقد وقع انقلاب عسكري فعلي قاده رئيس الحكومة بنفسه وأطاح جناح نيفاشا الذي كان يقوده علي عثمان طه واستولى جناح القهر بقيادة نافع علي نافع على كامل مقاليد الحكومة. وأصبح على جناح نيفاشا تقديم فروض الولاء والطاعة لجناح القهر الذي صار تحت زعامة رئيس الحكومة المشير عمر حسن أحمد البشير وتحت إمرة نافع على نافع الذي انضم إليه الجنرال صلاح قوش ..
    تظاهرة السابع من ديسمبر الصغيرة المقموعة أحدثت تحولا عميقا في مجرى العلاقة بين الحكومة وبين الحركة الشعبية يكاد يكون قد وضع حدا لعلاقة الشراكة. فقد قررت الحكومة الجديدة فصل الجنوب من جهة الشمال بصورة مسبقة وقبل موعد الاستفتاء! ..

    تظاهرة السابع من ديسمبر بدّلت العلاقة بين الحركة الشعبية وبين أحزاب المعارضة تبديلا تاما أعادها إلى نقطة ما قبل تشكيل ما كان يعرف بالتحالف الوطني الديموقراطي، وهو التحالف الذي أهملته الحركة وتوجهت إلى إبرام اتفاقات نيفاشا ..

    كيف لحركة السابع من ديسمبر المحدودة المقموعة في مهدها أن تؤدي إلى وقوع انقلاب عسكري وتخلط الأوراق وتعيد توزيعها وتحدث كل هذه التقلبات في الواقع السياسي السوداني؟

    نبدأ بالانقلاب لأنه الحدث الأساسي الذي أثر في كل المجريات الراهنة وبالتالي تداعياتها الوشيكة منها والبعيدة. أول الكلام أن الحكومة الراهنة لا تأبه بالأحزاب ولا بالحركة الشعبية ولا تعيرهم جميعهم اهتماما أو مجرد التفاته. لكن الحكومة الراهنة تخشى من شيء واحد أكثر من خشيتها من الله والموت هو حركة الشارع السوداني. مهلا .. حركة الشارع نقطة لا يمكن المرور عليها هكذا بسرعة لأن حركة الشارع، وإن لم تظهر لحد الآن، فقد كانت "قوة الدفع الخفية" التي دفعت مسيرة السابع من ديسمبر وحولتها من مجرد تظاهرة صغيرة مقموعة إلى محور محرك للأحداث أفرز كل التداعيات الراهنة داخل وخارج الحكومة وخلط الأوراق وأعاد توزيعها إلى كل ما يجري من فرز واستقطاب وفصل للجنوب. ولكي ندرك ماذا تعني حركة الشارع السوداني ومدى الذعر الذي تقذفه في قلب الحكومة وفرائصها، نعود إلى تلك الملايين التي خرجت تلقائيا لاستقبال الدكتور جون قرنق عند وصوله للخرطوم. في ذلك اليوم خرجت الخرطوم تماما عن يد الحكومة. وقد كان في مقدور تلك الجموع أن تستلم السلطة في غضون ساعات وتصطاد أركان الحكومة كما الفراشات. وكل من تتبع أخبار مساء يوم ذلك الاستقبال غير المسبوق كان يستطيع أن يقرأ الوجوم وقلة الحيلة التي اكتنفت وجوه جميع أقطاب الحكومة برغم الابتسامات المجففة المعلّقة. ولو كانت تلك الملايين تعلم الغيب وتداعيات الأحداث وموت قرنق المباغت لما رجعت من حيث أتت.

    ومن منظور الذعر المتأصل عند الحكومة من الشعب، فإن تظاهرة السابع الصغيرة، حتى قبل خروجها، جسدت للحكومة بعبع الشعب المرعب القابع خلف تداعيات المسيرة وهو يوشك على الانقضاض. فالدعوة للمسيرة شكّلت أول خروج منظم وسافر ومسنود بقوى سياسية يطالب بالحريات الديموقراطية منذ عقدين من الحكم العسكري الدكتاتوري الصارم. لذلك، وقبل خروج المسيرة بعدد من الأيام شرع أركان الحكومة في البحث حول كيفية التعامل مع التظاهرة حتى لا تتحول إلى نقطة انطلاق شعبي عريض. ومما زاد الرعب هلعا أن الحكومة برئيسها وأجنحتها تعلم تمام العلم أشواق المجتمعات السودانية للانعتاق وللحرية الديموقراطية. وبناء على هذه الحقيقة التي تشكل قاسما مشتركا عند كل قيادات الحكومة وتوابعها، لم يسقط أي طرف في الحكومة عن حساباته أن المسيرة قد تكون مقدمة لخروج عريض للشارع السوداني، وبالتالي فلتان الأمر كله عن يد الحكومة. لذلك لم يكن الاختلاف بين جناحي الحكومة حول مغبات أن تتحول المسيرة إلى عمل جماهيري عارم، لكن وقع الاختلاف حول كيفية تفادي ذلك. ومن هنا قدم كل من جناحي الحكومة تصوره حول تفادي خروج الجماهير الواسع وتحجيم المسيرة من حيث القوامة والأهداف.

    كان جناح نيفاشا يرى ضرورة السماح بالمسيرة تحت محاصرتها برقابة أمنية صارمة، وأن ذلك من شأنه أن ينتهي بالمسيرة إلى إعادة الخلاف مرة أخرى إلى النقطة التي بدأ منها، أي إلى طاولات المجلس الرئاسي الانتقالي والمجلس الوطني الانتقالي. وبذلك يتم احتواء التذمر وتنفيس الاحتقان والظهور للرأي العام السوداني والعالمي في لبوس القبول بالتحول الديموقراطي والانتخابات، ومن ثم حصر الموضوع كله في إطار الخلاف بين الحكومة وبين الحركة الشعبية. ربما لم يخرج هذا الرأي عن سياق الآراء التي ظل يطرحها جناح نيفاشا مثل رأيه في ضرورة الاستمرار بأي صورة من الصور في الوفاء ولو بهوامش اتفاقات نيفاشا، والسعي الحثيث للتوصل إلى قواسم مشتركة مع الحركة الشعبية (لكون الحركة الشعبية هي نفسها حركة شمولية عسكرية يمكن التفاهم معها)، وانتهاج أسلوب الأخذ والعطاء قدر الممكن في ما يتعلق بالقوانين المقيدة للحريات و"تعديل" القوانين المتعارضة مع الدستور الانتقالي دون إبطالها ودون التخلي عن الحكم الشمولي لكن شرعنته بالانتخابات. أي أن جناح نيفاشا يرى اتخاذ "السياسة" وسيلة مقدمة لمعالجة الأمور العالقة قبل أن يمضي الوقت ويحين زمن الاستحقاقات فتجد الحكومة نفسها في مواجهة جميع الاستحقاقات دفعة واحدة. وإذا صدقت قراءتي، وأظنها كذلك، فإن جناح نيفاشا ظل يعتقد أن "السياسة" هي المطية الوحيدة لشرعنة الحكومة من خلال الانتخابات بدلا عن الاستمرار في الحكم بالجبر الذي سوف ينتهي لا محالة إلى مواجهة مع الشعب لها مثيلاتها في تاريخ السودان المعاصر. وغني عن القول أن مسارات تطورات الأسابيع الماضية أكدت اقتراب هذا الجناح من الحقيقة التي أضحت ماثلة. وبديهي أن يعتمد فريق نيفاشا تقديم حصان السياسة على عربة وكرابيج القمع لكن دون التخلي التام عن فرض القوة، أو ما أستطيع تسميته هنا "تسييس القوة" بدلا عن الاعتماد على القهر الصرف. فالرجل الذي يقود جناح نيفاشا، على عثمان طه، مهما اختلفنا معه وبرغم شموليته القائمة، فهو سياسي متمرس تربى في أحضان العمل السياسي، لذلك لا يستطيع أن يتخلى عن امتطاء السياسة كوسيلة لتكريس الشمولية القائمة بنقلها على محفة السياسة إلى المرحلة القادمة من تاريخ السودان. ونسند ما ذهبنا إليه بما رشح عن الحركة الشعبية الأسبوع قبل الماضي من أن "الحركة كانت على وشك التوصل إلى تفاهم مع علي عثمان طه، إلا أن بعض أطراف الحكومة حالت دون ذلك" وهذه الأطراف بالبداهة هي جناح القهر والقمع الذي يتزعمه نافع علي نافع. لكن أطروحات وجناح نيفاشا نفسه ظلا على الهوامش منذ فترة بعيدة منذ ساد اعتقاد راسخ في أوساط الحكومة أن الوفاء ببنود نيفاشا سوف ينتهي إلى تفكيك الحكومة، وأن احتمالات العودة للحكم بالانتخابات مفازة لا نجاة فيها.

    أما جناح القهر فقد كان من البديهي أن يرى العلاج في قمع المسيرة بالقوة بما في ذلك قمع قيادات الحركة الشعبية المشاركة في التظاهرة. هذا الموقف يتسق تماما مع مواقف هذا الجناح الذي يؤمن أنهم قد استلموا السلطة بالقوة، واستمروا فيها بالقوة والتعذيب، والقوة تظل هي الوسيلة الوحيدة للاستمرار في الحكم، وما غير القوة والقهر هو تفريط. وقد عبّر هذا الجناح عن موقفه في أكثر من مناسبة وبوضوح لا لبس فيه سواء بالأفعال العنيفة من قتل وتعذيب، أو بالقول في عبارتهم المشهورة " نحن استلمناها بالقوة والعندو قوة يجي يستلمها .." وطبعا لا يخرج عن إطار العنف والقتل والقهر ممارسات الحكومة منذ وقوع انقلابها العسكري وبيوت الأشباح والإعدامات. ويتجسد العنف لفظا في أحاديث لحس الكوع وغيرها من الملافيظ الغلاظ التي تصدر بانتظام عن نافع علي نافع، وأحاديث تقطيع الأوصال التي يطلقها الجنرال صلاح قوش.

    كان على كل جناح أن يطرح أمام رئيس الحكومة تصوره عن كيفية التعامل مع مسيرة السابع من ديسمبر وتداعياتها المحتملة. كان كل جناح على ثقة أن رئيس الحكومة سوف يؤيده. فمن جهته ظن جناح نيفاشا أن الاصطدام باستحقاقات نيفاشا الذي أفرز المتغيرات الأخيرة قد برهن على صحة توقعاته. وظن هذا الجناح أن هذه الحقيقة كفيلة أن تعيده من الهامش إلى مركز القوة والقرار. وبالمقابل انكفأ جناح العنف والقهر على موقفه، باعتبار أن إطلاق ولو قدر ضئيل من حرية التعبير سوف يخرج الأمر عن يد الحكومة بما لا يمكن السيطرة عليه لاحقا. وعليه تمسك هذا الجناح بمواجهة المسيرة بالعنف والقمع بما في ذلك قمع رموز وجماهير الحركة الشعبية الشريك في الحكم دون اعتداد بأي عواقب تنجم عن ذلك، فغضب الحركة الشعبية هدف يطلبه هذا الجناح حثيثا. هذا الموقف يتسق دون شك مع سياسات جناح القمع منذ سنوات الحكومة الأولى، ثم رأيه أن نيفاشا كانت خطأ عظيما وأن انفصال الجنوب يوفر المناخ المناسب لتمكين حكمه في الشمال. وضمن هذا التوجه ظل هذا الجناح يشن الحملات ويطلق التصريحات المتشددة والمسيئة ضد الحركة الشعبية طيلة الأعوام الأخيرة الماضية بعبها تغضب وترحل! ثم لا ننسى أن جناح القهر ظل مسيطرا منذ المرحلة التي أعقبت وصول الدكتور جون قرنق للخرطوم ولم تخرج عن مخيلة هذا الجناح مظاهر الاستقبال غير المسبوق الذي حظي به قرنق. وكما ذكرت فوق فإن خروج ما يزيد عن ستة ملايين قد أدى إلى خروج السلطة في الخرطوم في ذلك اليوم خروجا تاما عن يد الحكومة، وهي تجربة مرعبة لا يود هذا الجناح مجرد التفكير في احتمال حدوث ما يشابهها ولو من بعيد. وتفاديا لأي احتمال من هذا النوع المخيف ظل جناح القهر الاجتماعي يحكم قبضته على السلطة، وانزوى جناح نيفاشا إلا قليلا. وتعبا لذلك جمدت الحكومة بواسطة برلمانها كل خطوات تنفيذ استحقاقات نيفاشا. وعلى هذا التوجه قدم جناح نافع رأيه لرئيس الحكومة في نقطتين: أولا الموافقة الفورية والكاملة على القوانين الثلاثة التي تطالب بها الحركة الشعبية الخاصة بالجنوب وهي قوانين الاستفتاء لتقرير مصير جنوب السودان، وقانون الاستفتاء في منطقة أبيي، وقانون المشورة الشعبية لمنطقتي جنوب كردفان والنيل الأزرق. وثانيا أطلاق يد أجهزة أمن الحكومة لقمع المسيرة في مهدها، وقمع أي تحرك جماهيري مهما كان عدد القتلى في صفوف الشعب. وقد أكد نافع بنفسه نوايا حكومته عندما قال أنهم على استعداد لتقيم مائة ألف شهيد. هذا الرقم ،مائة ألف، في حد ذاته يؤكد بدون شك إدراك الحكومة لحجم المعركة الكبيرة مع الشعب .. مثلما يفضح مدى عمق خوف الحكومة من المواجهة مع الشعب ..

    مضت دقائق الأيام التي سبقت المسيرة عصيبة وقاسية على الحكومة. فكلما اقترب الموعد المضروب للمسيرة ارتفع "ضغط الحكومة" ومع ارتفاع ضغط الحكومة ارتفعت وتيرة الخلاف بين جناحيها. ومع تسارع الساعات والاقتراب من موعد المسيرة لم يعد الصراع مكتوما كما السابق بل تحول إلى معركة مكشوفة وأصبح الفتق بين جناحي الحكومة أخدودا عظيما لا يمكن رتقه أو ردمه ولا يغطيه سحاب المجاملات التي سقطت فظهرت الملاسنات والتهديدات. أصبحت المعركة معركة بقاء أحد الجناحين وذهاب الآخر، ولم يعد في قيد الإمكان التوفيق بين وجهتي نظر متعارضتين متناقضتين تقومان على إرث قديم من المرارات والضغائن والمكائد المتبادلة. فالشمولية الواحدة التي جمعتهما ضاقت ولم تعد تتسع لهما معا. وبعد أن كان رئيس الحكومة ينتفع شخصيا من صراع الجناحين أصبح عليه أن يختار أحد الموقفين. وهنا وقع الانقلاب العسكري. فقد رفض رئيس الحكومة مقترح جناح نيفاشا جملة وتفصيلا وانحاز بثقله العسكري والأمني إلى جناح القهر وتولى قيادته بنفسه وأطاح جناح نيفاشا بشكل كامل لا رجعة عنه في الأفق المنظور. وتبعا للحالة الانقلابية، أطلق رئيس الحكومة يد جناح القهر ومنحه حرية التصرف، وعلى جناح نيفاشا الخضوع وتنفيذ ما تأمر به الحكومة الجديدة. وقد تجسد موقف رئيس الحكومة في تبنيه المقترحات المقدمة من جناح نافع وهي الموافقة الفورية والكاملة على القوانين الثلاثة المتعلقة بالجنوب. وقد هدفت هذه الموافقة إلى تحقيق هدفين مزدوجين أولهما منح الحركة الشعبية كل ما يلزم للانفصال ودفعها بقوة نحو الانفصال، وثانيهما عزل الحركة الشعبية عن تجمع قوى جوبا، من ثم الاستفراد بأحزاب المعارضة، وإعداد كل ما يلزم لقمع الشارع السوداني. وقد بدت هذه الأهداف في الكلام الذي قاله نافع علي نافع قبيل إعلان الاتفاق وهو يتحدث حديث المنتصر: "سوف نتفق مع الحركة الشعبية".. وأن الأحزاب سوف تذهب إلى مزبلة التاريخ ..

    ما حدث في بحر الأسبوعين الماضيين كان انقلابا عسكريا أمنيا كاملا ضد جناح نيفاشا. الانقلاب تم بهدوء وحسم وبدون ضوضاء عدا تلك التي شهدتها ردهات الحكومة. طبعا درج الناس على الانقلابات العسكرية أو انقلابات القصر التي تضرب فيها المارشات العسكرية وتصدر فيها البيانات الهامة وقرارات الإقصاء والإبعاد والاعتقال المنزلي أو السجن. لكن الحكومة الانقلابية الجديدة ليست على هذه الدرجة من الغباء حتى تلجأ إلى إصدار مثل هذه الإعلانات المجانية المناوئة لها! فالإعلان عن مثل هذه البيانات سوف يكشف الانقسام وحالة الإقصاء الأمر الذي يضعف الحكومة الجديدة ويعري ظهرها أمام الرأي العام الداخلي والدولي ويقصي عنها قاعدة مهمة من أتباع جناح نيفاشا علاوة على الرصيد الشخصي لعلي عثمان طه. كما أن الإعلان عن الانقلاب من شأنه أن يؤكد أن الحركة الجماهيرية حتى قبل ظهورها قد حققت ما لم تكن تحلم به من نجاح. وفي المقابل لم يلجأ الجناح الذي أطيح به ولا أظنه سوف يلجأ إلى الخروج العلني عن الحكومة لأن بقاؤه الشكلي يضمن له فرصة المناورة من جديد انتظارا أن تصل سياسة الهروب إلى الأمام بالرئيس وجناح القهر إلى نهاية النفق المسدود، فيصبح جناح نيفاشا هو البديل لإنقاذ الإنقاذ! والأهم من كل ذلك أن جناحا الحكومة يدركان أن كلا منهما يشكل النصف المكمل لكرة الحكومة الشمولية، وخروج أي منهما يقسم الكرة إلى نصفين فيكون التفكك الذاتي والنهائي. لذلك حرص ويحرص كل جناح على بقاء الجناح الآخر. ومع ذلك لا نستبعد أن تكون قد صدرت تعليمات مشفوهة إلى قيادات جناح نيفاشا بممارسة دورهم العادي في دولاب الإدارة .. والبقاء داخل البلاد .. فظهور على عثمان في اجتماعات المجلس الرئاسي أو ظهوره إلى جوار نافع أو افتتاحه للمؤتمرات كنائب لرئيس لحكومة أو غيرها من التمظهرات لا تغير كثير شيء من حقيقة الانقلاب العسكري الأمني الذي وقع ..

    وحتى لا يخرج علينا من يقول أن ما جرى لم يكن انقلابا عسكريا، نقول أن الانقلاب العسكري هو استملاك ناصية القرار بالقوة المسلحة، وما جرى لم يشذ عن هذه القاعدة الانقلابية سواء تم الانقلاب من خارج السلطة أو من داخلها سيان. أقل ما يؤكد حقيقة الانقلاب أنه تم على أيدي القيادات العسكرية الأمنية "المشير" رئيس الحكومة ونافع علي نافع الذي ظل إلى اليوم الرئيس الفعلي لأجهزة أمن ومخابرات الحكومة برغم تنحيه الشكلي، مضافا إليه الجنرال صلاح قوش الذي أصبح ساعد نافع الأيمن. الانقلاب، لمن يرى، مجسد اليوم على أرض الواقع. فالبلاد تحت حالة الأحكام العرفية، وهذا ما أكده قادة الحركة الشعبية عن "حالة طوارئ غير معلنة" وأجهزة أمن الحكومة تسيطر على كل كبيرة وصغيرة بسلطات مفتوحة، والدستور الانتقالي المعطل أصلا تم استبعاد أي فرصة للبحث فيه، والاعتقالات طالت حملة الحصانات الدستورية البرلمانية المفترضة (باقان عرمان) وطالت حتى وزير الدولة للداخلية، وهوامش الحريات تم سحبها عدا بعض تمظهراتها في المجلس الوطني الانتقالي والصحف من أجل التعتيم على ما جرى. وتكريسا للصلاحيات المطلقة لأجهزة أمن الحكومة التي نفذت العملية الانقلابية، فقد أجاز برلمان الحكومة الجديدة بصورة نهائية قانون الأمن الوطني الذي يعطي حصانات كاملة لأفراد أجهزة أمن الحكومة ووضع في أيديهم سلطات مطلقة أكثر مما كان في أيديهم في السابق خاصة في حالات إلقاء القبض والاعتقال والتفتيش والحجز والمصادرة دون رقابة قضائية أو برلمانية. أي أن القانون المجاز لا يعدو كونه قانونا للطوارئ والأحكام العرفية بحيث يستطيع أي فرد في هذه الأجهزة اعتقال أي شخص بما في ذلك نواب رئيس الجمهورية وأعضاء البرلمان والوزراء .. فما قولك في المواطن العادي أو المعارض؟

    والانقلاب وصل البرلمان ..

    والانقلاب انتقل أيضا إلى مدرجات ما يعرف بالمجلس الوطني الانتقالي. فعلى حد علمنا أن نائب رئيس الحكومة توصل إلى اتفاق مع نائب رئيس المجلس الوطني يقضي أن يقوم نائب رئيس المجلس باستلام المذكرة من المسيرة. إلا أن هذا الاتفاق قد تم تكسيره بالتوازي مع قمع المسيرة .. فمن يا ترى يجرؤ على تكسير كلام نائب الرئيس غير الرئيس والمجموعة الانقلابية؟ هذه الحقيقة وحدها تبصم على عمق الخلاف وتؤكد انتقال كامل الصلاحيات إلى رئيس الحكومة وأركان حربه. زد على ذلك أن تجاوز نائب الرئيس لرئيس البرلمان والتنسيق والاتفاق مع نائب رئيس البرلمان تكشف عن انسداد القنوات وعمق الخلاف بين نائب رئيس الحكومة وبين رئيس المجلس الوطني. وتعود حواجب الدهشة إلى مواقعها عندما نعلم أن رئيس البرلمان نفسه ضمن المجموعة الانقلابية.

    في ذات السياق تأتي إجازة مناديب الحكومة في المجلس الوطني لقانون الاستفتاء في الجنوب بأغلبيتهم الميكانيكية دليلا فاقعا على الحالة الانقلابية وعلى عدم اعتداد رئيس المجلس الوطني ومناديب الحكومة بأي اتفاق سياسي توصل إليه نائب رئيس الحكومة. فقد تم الاتفاق بين علي عثمان وبين د. رياك مشار نائب رئيس حكومة الجنوب على أجازة القانون كما هو، أو كما قال مشار: "إن القانون جرى الاتفاق عليه بأن يجاز كما هو في اجتماع اللجنة السياسية. كما تمت إجازته في مجلس الوزراء" .. ويستغرب مشار متسائلا: "كيف بعد كل هذا يتنصل حزب المؤتمر الوطني من الاتفاق؟ .." ولعل مشار قد لمس بنفسه جزء من سبب تنصل المؤتمر الوطني بقوله: "إن ما حدث من تنصل يكشف وجود خلافات داخل حزب المؤتمر الوطني" لكن يبدو أن مشار لم يرى أبعد من مجرد خلاف، وإلا لكان قال أن "الحكومة الجديدة تنصلت عن الاتفاق" ! وفي ذات النهج والسياق يؤكد غازي صلاح الدين العتباني رئيس كتلة المؤتمر الوطني في المجلس الوطني الانتقالي عدم الاعتداد بما يتفق عليه علي عثمان طه نائب رئيس الحكومة يقوله: "لا أدري لماذا أصبح توقيع طه ومشار مقدساً لدى الحركة بهذه الصورة؟ .." ويكشط غازي ومناديب الحكومة ما اتفق عليه نائب رئيس الحكومة بجرة قلم عن طريق تعديل القانون وإجازته. ويقطع أحمد إبراهيم الطاهر رئيس البرلمان بعدم أهمية ما يصدر عن نائب رئيس الحكومة أو ما يتفق عليه بقوله: "المجلس لا يطيع القوى السياسية أو يجري وراءها وينفذ رغباتها .." وهو قول مردود لجهة أن الطاهر وبرلمانه ينفذ حرفيا التعليمات المنزلة عليه من لدن رئيس الحكومة ونافع علي نافع بتعديل القانون واستفزاز الحركة الشعبية بصفاقة. لقد كان الطاهر ومجلسه ينفذون كل التعليمات التي يتلقاها من نائب رئيس الحكومة قبل أن يتلقى التعليمات الجديدة التي تأمره بتجاهل ما يصدر عن نائب رئيس الحكومة. ولا يفوت على الفطنة أن هذه "التعليمات الجديدة" تحمل بوضوح بصمات نافع على نافع خاصة لجهة عدم الاعتداد بالطرف الآخر وغلظة القول، كما تحقق هدفين مزدوجين من أهدافه أولهما ترسيخ الانقلاب داخل البرلمان، والهدف الثاني جزء من "سياسة تكريه الحركة الشعبية" واستفزازها للحد الأقصى حتى تضطر الحركة الشعبية إلى تنفيذ الانفصال من جانب واحد بينما تظل يد الحكومة نظيفة .. ومن بعد تمد الحكومة أصبعها إلى الحركة الشعبية وتدينها داخليا ودوليا بجريرة فصل الجنوب، وسنعود إلى ذلك. زد علي ذلك أن فسخ الحكومة الجديدة لاتفاق علي عثمان ـ مشار يعني أن الحكومة الجديدة قد استخدمت نائب رئيس الحكومة كمجرد فخ لتمرير قانون جهاز الأمن ثم التنصل من اتفاق قانون الاستفتاء! وفعلا وقعت الحركة الشعبية في الفخ. ومن نوافل الكلام أن فسخ الحكومة لاتفاق علي عثمان ـ مشار يعني المزيد من التأكيد أن أي اتفاقات لاحقة يبرمها نائب رئيس الحكومة لا قيمة لها. (سمعت قبل قليل خبرا عاجلا مفاده أن قانون الاستفتاء تمت إعادته للمجلس الوطن الانتقالي لأجازته حسب ما تم الاتفاق عليه بين علي عثمان طه وبين رياك مشار. لو صدق الخبر فقد كذب رئيس المجلس الوطني الانتقالي كذبة لا يمكنه لمها! .. قال المجلس لا يطيع القوى السياسية قال .. تطيع يا أحمد إبراهيم الطاهر وتنفذ التعليمات! والزعم بإمكانية إعادة القانون للمجلس لأن رئيس المجلس لم يوقع عليه بعد هي كذبة سخيفة لا يصدقها عاقل لأن توقيع رئيس المجلس هو عمل إجرائي ليست له أدنى قيمة .. والراجح أن سبب الإعادة هي أن النائب الأول لرئيس الحكومة سوف لن يوقع على القانون لأن توقيع رئيس الحكومة منفردا لا يجعل القانون نافذا بحكم أن الجنوب هو محل سريان القانون.

    أما على صعيد الخطاب السياسي للحكومة الجديدة، فإن نافع علي نافع وصلاح قوش وإبراهيم الطاهر غلاة المتشددين هم المتحدثون باسم الجناح المسيطر أو الحكومة الانقلابية، علاوة على من تبعهم مثل مصطفى عثمان اسماعيل وغيره من على شاكلته. وتتضح معالم السيطرة في خطاباتهم المتشددة ضد الحركة الشعبية والتلويح المستمر بقمع الشعب، وهي تلميحات تعكس حالة الخوف، وتأكيدهم استلام مفاصل البلاد بالقوة. من ذلك قول الفريق أول صلاح عبد الله قوش "المؤتمر الوطني أعد العدة لإيقاف عبث الأحزاب .. والانتفاضة الشعبية التي تدعو لها الأحزاب مستحيلة الحدوث .. ودعوة الحركة الشعبية لإقامة الشغب دعوة فاشلة .. وأعداء السودان، ويقصد أعداء الحكومة الجديدة، يدعمون ولاءات قديمة انتهت وماتت هي وأصحابها .. وسيذهبون لمزبلة التاريخ عبر صناديق الاقتراع وسيلقِّنهم الشعب درساً قاسياً .. " لماذا يا قوش "درسا قاسيا" طالما أنها ستكون انتخابات حرة ونزيهة حسب ما تزعمون؟ ..!! كل هذه رسائل واضحة تعلن عن التحول الانقلابي بدلا عن التحول الديموقراطي الذي حلمت به الجماهير غداة إقرار اتفاقات نيفاشا ودستورها الانتقالي الذي لم يرى النور، وحلموا بها عشية وصول جون قرنق للخرطوم.

    رئيس الحكومة ..

    صحيح أن رئيس الحكومة قد كرس نفسه خلال السنوات الطويلة الماضية في نقطة الاحتكام والمرجعية بين جناحي حكومته. كما نجح رئيس الحكومة في أن يبدو في مظهر المعتدل. وقد تنسحب صفة الاعتدال على بعض سلوكه الشخصي، لكن المتغيرات التي طرأت بسبب ذعر الحكومة من حركة الجماهير دفعته أن يقود بنفسه جناح القهر وإقصاء جناح نيفاشا. لماذا؟
    الإجابة على السؤال تتطلب من الجميع إجراء استعراض سريع لأفعال وأقوال رئيس الحكومة منذ انقلابه العسكري إلى آخر تطور. لجهة القول فهو القائل "نحن جينا بالسلاح .. والعندو سلاح يجي يستلمها" أو قوله "نفاوض من يحملون السلاح .." أو قوله لجنوده وهم في طريقهم إلى دارفور "ما عاوز أسرى .." وهذا أمر "بالواضح" للجنود للإسراف في القتل خارج كل الأعراف الإنسانية والحربية لأنه يحرض على قتل الأسرى. يقول الرسول الكريم "استوصوا بالأسارى خيرا" وكان صلى الله عليه وسلم يمنع قتل غير المحارب والنساء والأطفال والشيوخ، كما يمنع هدم الصوامع وغيرها من دور العبادة. وعلى ذلك درج القادة الذين يحضون جنودهم على عدم الإسراف في القتل أو قتل الأسرى أو اغتصاب النساء أو هتك الأعراض. أما أن يبدر التحريض على قتل الأسرى عن رئيس الحكومة السودانية الراهنة فإنه يعني وبوضوح أن القتل هو الوسيلة الوحيدة المعتمدة عنده وحكومته لمعالجة قضية دارفور، وطبعا القتل هو أقصى سقف ممكن للعنف، فكما ليس بعد الكفر ذنب، فليس بعد القتل عنف. والعنف والقتل هنا ليستا مجرد سياسة أو تخويف، بل حقيقة صراح مثلت في التمثيل بالأسرى السياسيين في بيوت الأشباح تحت إشراف نافع علي نافع ورعاية رئيس الحكومة. وكذلك عندما بعثت هذه الحكومة مئات آلاف الشباب إلى محرقة الحرب في الجنوب لقتل أنفسهم وقتل إخوة لهم في صورة نادرة ومقززة من صور دفع شباب يفّع إلى الانتحار الجماعي. لذلك لا يستطيع أحد أن يحمل حسن الترابي وحده أوزار تلك المحرقة، فرئيس الحكومة هو المسؤول الأول والمباشر أمام الله والناس أجمعين لا يغسله تراب ذهاب الترابي عن الوزر والمسؤوليات التاريخية. وكذا الحال بالنسبة لعمليات الإعدام التي تمت بدم بارد، وأيضا حالات تعذيب السياسيين والأبرياء في بيوت الأشباح التي لا تقع تبعاتها على نافع وحده، فرئيس الحكومة يتحمل كل المسؤولية في حال علمه ويتحمل العبء الأكبر من المسؤولية في حال عدم علمه.

    هذه المعطيات المادية تؤكد جملة من الحقائق، أولها أن رئيس الحكومة هو جزء أصيل من فصيل التشدد وفرق الموت داخل حكومته. وثانيا انه نجح في إخفاء هذه الحقيقة تحت غلالة الزهد في الحكم. وثالثا أن تكريسه لنفسه خلال السنوات الطويلة الماضية في نقطة الاحتكام والمرجعية بين جناحي حكومته كانت ضمن وسائله للبقاء على سدة الرئاسة. ورابعا أنه، أي رئيس الحكومة، لا يتورع عن القيام بكل ما يضمن له الاستمرار في رئاسة الحكم مهما بلغت درجة القسوة والتشدد. ولمجمل الأسانيد لم يكن من الغريب أنه وقف بلا مواربة مع جناحه الأصلي، جناح القهر، جناح نافع علي نافع وصلاح قوش، أو جناح الاستمرار في الحكم بالبطش والعنف. لا نريد أن ننحي باللائمة على المؤسسة العسكرية بأنها السبب الوحيد في تطبيع رئيس الحكومة، فالفريق إبراهيم عبود كان ضابطا لكنه أثر سحب المؤسسة العسكرية عن الحكم وترك الرئاسة وقد كان في مقدوره ارتكاب المجازر والاستمرار في الحكم ولو إلى بعض حين.

    شاوشيسكو ..

    واضح أن رئيس الحكومة لا يريد أن يقطع ما تبقى من شعرة معاوية مع جناح نيفاشا لعله يحتاجه في ملمات غير منظورة. لكننا إذا نظرنا في عتمة سراديب الملمات غير المنظورة هذه، فقد نرى أن رئيس الحكومة قد وضع نفسه في وسط دائرة من المتشددين الذين أصبحوا كل السلطة وكل الحكومة وما على الرئيس إلا تنفيذ إرادتهم. لقد سار رئيس الحكومة في دهليز التشدد، وظل الدهليز يضيق كلما توغل فيه حتى لم تعد هنالك مساحة كافية تمكنه من الاستدارة والعودة. وبالنظر إلى تجارب الحكومات الشمولية في العالم فإن سيطرة المجموعة المتشددة العنيفة تعتبر حالة عادية تمر بها كل الحكومات الشمولية لأنها تشرنق نفسها في نهاية مطافها تشرنقا ذاتيا ضمن دائرة صغيرة مغلقة مكونة من الغلاة والمتشددين. وبسبب ضيق الدائرة وتكونّها من مجموعة واحدة ذات توجه واحد متشدد مثلها مثل أي خلية آحادية، فإنها تعجز عن استيعاب مجموعتين متناقضتين في جوفها كالذي جرى في السودان وغير السودان، وهذه واحدة من حسنات الشمولية لأنها تقترب بنفسها من نهاية أجلها سواء بتشرنقها وبالتالي عزلتها وتساقط أجنحتها وصيرورتها كهدف معزول مكشوف يسهل ضربه، أو أنها تدمر نفسها تدميرا ذاتيا عندما تحيط بها الضغوط تماما مثلما تفعل العقرب التي تلدغ نفسها عندما تحيط بها النيران من كل جانب. ومن حيث أن المجموعة المتشددة تدخل بدورها في معركة البقاء، فإنها تجعل من الرئيس كبش فداء مثلما حدث للرئيس الروماني نيكولاي شاوشيسكو الذي تم إعدامه بواسطة جنرالاته بعد أن جعلوا منه رمزا للدكتاتورية والقهر، وصنعوا من جثته وجثة زوجته الواحدة معبرا للخلاص. وهكذا دائما تكون نهاية أي رئيس شمولي حيث يأتيه ما يحذر في مكمنه من مأمنه على يد المجموعة التي أراد أن يجعل منها ملاذا آمنا لنفسه .. ولن تجد لسنة الله تبديلا.

    الجيش .. حمّال الأذية لا ينقلب ولا يخلو من الوزر ..

    أما الجيش، أو ما كان بعرف بالقوات المسلحة السودانية، فقد تم تحييده بصورة تامة ولم يتم إشراكه في العملية الأخيرة. ذلك أن نزول القوات المسلحة يعري ما يجري، ثم إن الأمر لا يتطلب دبابات أو مدفعية ميدان ثقيلة لأنه ليس صراعا بين ألوية عسكرية، والأهم من كل ذلك عند الحكومة أن نزول الجيش يجعل الجيش هو المسيطر، ويضع الجيش في موضع اللاعب الأساسي الذي بيده معظم الأوراق ويستحيل إعادته إلى ثكناته الأمر الذي يقلب كل معادلات العملية الانقلابية التي جرت. وما يؤكد خوف الحكومة من الجيش أنها لم تستخدم الجيش في مواجهة حركة العدل والمساواة عندما دخلت العاصمة. وهكذا تجد الحكومة الشمولية نفسها بين سندان جيشها ومطارق الشعب ! لكن معضلة الجيش أن كل شيء جرى ويجري باسمه، فالحكومة تظل تحمل مسمى "حكومة عسكرية" مثلها مثل حكومة مايو وحكومة عبود .. مع فارق أساسي هو أن حكومتي مايو وعبود كانتا فعلا عسكرية والجيش فيهما كان هو المسيطر خلافا لهذه الحالة الماثلة .. فالحكومة اسمها اليوم وبعد زوالها "حكومة عسكرية" لكن المؤسسة العسكرية التقليدية لا تحكم!

    نزول الخلاف إلى القواعد

    بكل تأكيد لن تلجأ الحكومة الجديدة إلى إنزال تعليمات عسكرية واضحة بهذا الخصوص إلى قواعدها لعدة أسباب طبعا على رأسها إحاطة الأمر بالسرية، زد على ذلك سوف يصعب على مؤيدي جناح نيفاشا تقديم فروض الولاء والطاعة لجناح نافع المسيطر الآن. لكن المشهد لا يخلو عن ردود أفعال مكتومة ومتضاربة بين الفرح والقرح. وفي حال اضطرار الحكومة إلى الإعلان عن إقصاء الجناح الآخر، وهذا احتمال بعيد، فسوف يعقب ذلك حركة خروج فردي واستقالات محدودة .. وكل يغنّي ليلى مصالحه ..

    سقوط ورقة الدين !

    من أبرز الملاحظات أن الحكومة الجديدة لم تلجأ هذه المرة إلى الاستخدام المكثف لورقة الدين ورفع المصاحف على رؤوس البنادق كما تفعل عادة. إذ يبدو أن ورقة الدين لا تنفع في مثل هذه الملمات! فقد فصلت العير وحدث الانقلاب وتمكن جناح البطش والتخويف داخل الحكومة. وفي ال أن استخدم الجناح الغالب ورقة الدين، ففي مقدور الجناح المغلوب استخدام نفس الورقة، فيكون للحكومة أكثر من دين! ومع ذلك كانت هناك فتوى تكفير المتظاهرين التي اختفت رائحتها سريعا وسط روائح الغازات الأخرى المسيلة للدموع، ثم ذلك الحديث المعزول الذي خرج عن مصطفى عثمان اسماعيل الذي قال فيه " أن التحدي الماثل أمامنا هو تقديم النموذج السياسي الرسالي، والمؤتمر الوطني ليس غاية، وإنما وسيلة لبناء سودان الشريعة الجديد" .. رسالي حته واحده يا مصطفى عثمان اسماعين صاحب حديث الشحادين؟ طيب، ماذا كنتم تبنون على مدى 20 عاما؟ أم أن بناء المجتمع الرسالي على طريقتكم يستغرق وقتا أطول مما يستغرقه بناء عمارات وأبراج ماليزيا وجزيرة النخلة في بحر دبي؟
    وحتى نغرق ورقة الدين كما غرق فرعون، أو نحرقها ونذريها في بحر النسيان كما أحرق سيدنا موسى إله السامري، نقول أن الشعب السوداني يطالب اليوم بأمرين أساسيين:

    أولا: حق الشعب الذي شرعه له الله في الحرية والتعبير لأن ما غير ذلك هو الأسر والعبودية لغير الله وعبادة الفرد،

    ثانيا: حق الشعب الذي شرعه له الله في الاختيار الحر لمن يتولى إدارة شؤونه العامة نيابة عنه، لأن ما غير ذلك هو الدكتاتورية التي بعث الله الرسل تترى لمحقها وإزالتها لأن الدكتاتورية صنم حي من أصنام الشرك بالله. وبما أن هذه الحقوق واردة في محكم التنزيل، فإن الحكومة تقع في الجانب المناوئ لإرادة الله ومنها إرادة الشعوب، حيث أضحت الشعوب هي التي تحقق إرادة السماء في الأرض بعد انقطاع الرسالات السماوية بخاتم الأنبياء الرسول الكريم محمد بن عبد الله وأصبح في حرز الشعوب ما يكفيها من الحجة والمنطق والعلم.

    لا انتخابات حرة .. لا تحول ديموقراطي ..

    إذن فقد كانت مسيرة السابع الصغيرة هي الصاعق الذي فجّر الصراع المكتوم بين جناحي الحكومة، والمحصلة تجسدت في إطباق جناح العنف على كامل مقاليد الحكومة. ولما كان الخوف من الشعب هو السبب المباشر في انقضاض هذا الجناح وإحكام سيطرته، يبقى من البديهي أن الحكومة في شكلها هذا سوف تمضي قدما في تنفيذ خطتها الرامية إلى حمل الشعب السوداني مقيدا مكبلا إلى صناديق الاقتراع. بعبارة أوضح الحكومة الجديدة لا ترغب في حريات ولا ترغب في تحول ديموقراطي ولا ترغب في انتخابات حرة أو غير حرة نزيهة أو غير نزيهة، ومن يرى غير ذلك عليه أن يتحسس سمعه وبصره .. بل وعقله.

    لكن المأزق الكبير مازال في انتظار الحكومة الجديدة .. الشعب .. نعم الشعب الذي حاولت الحكومة الهرب عن طريقه مرورا بكل الأزقة الضيقة والملتوية والمنعطفات والقفز فوق حوائط الاستحقاقات وبيدها السكاكين والمطاوي كلص ليلي لكي تشرعن وجودها بعد الانتخابات. هي محاولة يائسة للهروب إلى الأمام .. عام؟ .. ثلاثة أعوام أخرى؟ .. ثم ماذا؟ .. الحكومة كادحة إلى الشعب كدحا ولسوف تلاقيه. الشعب سوف يرفض سكوتا نتيجة الانتخابات التي أصبحت مؤكدة إذا سار الحال على ما هو عليه. ومن بعد سوف يرفض الحكومة نهارا جهارا ..

    وحتى أعود إلى الحركة الشعبية والأحزاب وفصل الجنوب في الحلقة التالية بإذن الله، أقول لجناح نيفاشا: كلمة السر "كاديما" ...

    سالم أحمد سالم

    [email protected]
    باريس

    24 ديسمبر 2009







    تظاهرة يوم الاثنين السابع من ديسمبر، برغم ضآلة عدد المشاركين وقمعها في مهدها، إلا أنها أحدثت تغييرا جذريا أعاد تشكيل كل واقع وفصول مستقبل السودان السياسي ..

    فقد وقع انقلاب عسكري فعلي قاده رئيس الحكومة بنفسه وأطاح جناح نيفاشا الذي كان يقوده علي عثمان طه واستولى جناح القهر بقيادة نافع علي نافع على كامل مقاليد الحكومة. وأصبح على جناح نيفاشا تقديم فروض الولاء والطاعة لجناح القهر الذي صار تحت زعامة رئيس الحكومة المشير عمر حسن أحمد البشير وتحت إمرة نافع على نافع الذي انضم إليه الجنرال صلاح قوش ..
    تظاهرة السابع من ديسمبر الصغيرة المقموعة أحدثت تحولا عميقا في مجرى العلاقة بين الحكومة وبين الحركة الشعبية يكاد يكون قد وضع حدا لعلاقة الشراكة. فقد قررت الحكومة الجديدة فصل الجنوب من جهة الشمال بصورة مسبقة وقبل موعد الاستفتاء! ..

    تظاهرة السابع من ديسمبر بدّلت العلاقة بين الحركة الشعبية وبين أحزاب المعارضة تبديلا تاما أعادها إلى نقطة ما قبل تشكيل ما كان يعرف بالتحالف الوطني الديموقراطي، وهو التحالف الذي أهملته الحركة وتوجهت إلى إبرام اتفاقات نيفاشا ..

    كيف لحركة السابع من ديسمبر المحدودة المقموعة في مهدها أن تؤدي إلى وقوع انقلاب عسكري وتخلط الأوراق وتعيد توزيعها وتحدث كل هذه التقلبات في الواقع السياسي السوداني؟

    نبدأ بالانقلاب لأنه الحدث الأساسي الذي أثر في كل المجريات الراهنة وبالتالي تداعياتها الوشيكة منها والبعيدة. أول الكلام أن الحكومة الراهنة لا تأبه بالأحزاب ولا بالحركة الشعبية ولا تعيرهم جميعهم اهتماما أو مجرد التفاته. لكن الحكومة الراهنة تخشى من شيء واحد أكثر من خشيتها من الله والموت هو حركة الشارع السوداني. مهلا .. حركة الشارع نقطة لا يمكن المرور عليها هكذا بسرعة لأن حركة الشارع، وإن لم تظهر لحد الآن، فقد كانت "قوة الدفع الخفية" التي دفعت مسيرة السابع من ديسمبر وحولتها من مجرد تظاهرة صغيرة مقموعة إلى محور محرك للأحداث أفرز كل التداعيات الراهنة داخل وخارج الحكومة وخلط الأوراق وأعاد توزيعها إلى كل ما يجري من فرز واستقطاب وفصل للجنوب. ولكي ندرك ماذا تعني حركة الشارع السوداني ومدى الذعر الذي تقذفه في قلب الحكومة وفرائصها، نعود إلى تلك الملايين التي خرجت تلقائيا لاستقبال الدكتور جون قرنق عند وصوله للخرطوم. في ذلك اليوم خرجت الخرطوم تماما عن يد الحكومة. وقد كان في مقدور تلك الجموع أن تستلم السلطة في غضون ساعات وتصطاد أركان الحكومة كما الفراشات. وكل من تتبع أخبار مساء يوم ذلك الاستقبال غير المسبوق كان يستطيع أن يقرأ الوجوم وقلة الحيلة التي اكتنفت وجوه جميع أقطاب الحكومة برغم الابتسامات المجففة المعلّقة. ولو كانت تلك الملايين تعلم الغيب وتداعيات الأحداث وموت قرنق المباغت لما رجعت من حيث أتت.

    ومن منظور الذعر المتأصل عند الحكومة من الشعب، فإن تظاهرة السابع الصغيرة، حتى قبل خروجها، جسدت للحكومة بعبع الشعب المرعب القابع خلف تداعيات المسيرة وهو يوشك على الانقضاض. فالدعوة للمسيرة شكّلت أول خروج منظم وسافر ومسنود بقوى سياسية يطالب بالحريات الديموقراطية منذ عقدين من الحكم العسكري الدكتاتوري الصارم. لذلك، وقبل خروج المسيرة بعدد من الأيام شرع أركان الحكومة في البحث حول كيفية التعامل مع التظاهرة حتى لا تتحول إلى نقطة انطلاق شعبي عريض. ومما زاد الرعب هلعا أن الحكومة برئيسها وأجنحتها تعلم تمام العلم أشواق المجتمعات السودانية للانعتاق وللحرية الديموقراطية. وبناء على هذه الحقيقة التي تشكل قاسما مشتركا عند كل قيادات الحكومة وتوابعها، لم يسقط أي طرف في الحكومة عن حساباته أن المسيرة قد تكون مقدمة لخروج عريض للشارع السوداني، وبالتالي فلتان الأمر كله عن يد الحكومة. لذلك لم يكن الاختلاف بين جناحي الحكومة حول مغبات أن تتحول المسيرة إلى عمل جماهيري عارم، لكن وقع الاختلاف حول كيفية تفادي ذلك. ومن هنا قدم كل من جناحي الحكومة تصوره حول تفادي خروج الجماهير الواسع وتحجيم المسيرة من حيث القوامة والأهداف.

    كان جناح نيفاشا يرى ضرورة السماح بالمسيرة تحت محاصرتها برقابة أمنية صارمة، وأن ذلك من شأنه أن ينتهي بالمسيرة إلى إعادة الخلاف مرة أخرى إلى النقطة التي بدأ منها، أي إلى طاولات المجلس الرئاسي الانتقالي والمجلس الوطني الانتقالي. وبذلك يتم احتواء التذمر وتنفيس الاحتقان والظهور للرأي العام السوداني والعالمي في لبوس القبول بالتحول الديموقراطي والانتخابات، ومن ثم حصر الموضوع كله في إطار الخلاف بين الحكومة وبين الحركة الشعبية. ربما لم يخرج هذا الرأي عن سياق الآراء التي ظل يطرحها جناح نيفاشا مثل رأيه في ضرورة الاستمرار بأي صورة من الصور في الوفاء ولو بهوامش اتفاقات نيفاشا، والسعي الحثيث للتوصل إلى قواسم مشتركة مع الحركة الشعبية (لكون الحركة الشعبية هي نفسها حركة شمولية عسكرية يمكن التفاهم معها)، وانتهاج أسلوب الأخذ والعطاء قدر الممكن في ما يتعلق بالقوانين المقيدة للحريات و"تعديل" القوانين المتعارضة مع الدستور الانتقالي دون إبطالها ودون التخلي عن الحكم الشمولي لكن شرعنته بالانتخابات. أي أن جناح نيفاشا يرى اتخاذ "السياسة" وسيلة مقدمة لمعالجة الأمور العالقة قبل أن يمضي الوقت ويحين زمن الاستحقاقات فتجد الحكومة نفسها في مواجهة جميع الاستحقاقات دفعة واحدة. وإذا صدقت قراءتي، وأظنها كذلك، فإن جناح نيفاشا ظل يعتقد أن "السياسة" هي المطية الوحيدة لشرعنة الحكومة من خلال الانتخابات بدلا عن الاستمرار في الحكم بالجبر الذي سوف ينتهي لا محالة إلى مواجهة مع الشعب لها مثيلاتها في تاريخ السودان المعاصر. وغني عن القول أن مسارات تطورات الأسابيع الماضية أكدت اقتراب هذا الجناح من الحقيقة التي أضحت ماثلة. وبديهي أن يعتمد فريق نيفاشا تقديم حصان السياسة على عربة وكرابيج القمع لكن دون التخلي التام عن فرض القوة، أو ما أستطيع تسميته هنا "تسييس القوة" بدلا عن الاعتماد على القهر الصرف. فالرجل الذي يقود جناح نيفاشا، على عثمان طه، مهما اختلفنا معه وبرغم شموليته القائمة، فهو سياسي متمرس تربى في أحضان العمل السياسي، لذلك لا يستطيع أن يتخلى عن امتطاء السياسة كوسيلة لتكريس الشمولية القائمة بنقلها على محفة السياسة إلى المرحلة القادمة من تاريخ السودان. ونسند ما ذهبنا إليه بما رشح عن الحركة الشعبية الأسبوع قبل الماضي من أن "الحركة كانت على وشك التوصل إلى تفاهم مع علي عثمان طه، إلا أن بعض أطراف الحكومة حالت دون ذلك" وهذه الأطراف بالبداهة هي جناح القهر والقمع الذي يتزعمه نافع علي نافع. لكن أطروحات وجناح نيفاشا نفسه ظلا على الهوامش منذ فترة بعيدة منذ ساد اعتقاد راسخ في أوساط الحكومة أن الوفاء ببنود نيفاشا سوف ينتهي إلى تفكيك الحكومة، وأن احتمالات العودة للحكم بالانتخابات مفازة لا نجاة فيها.

    أما جناح القهر فقد كان من البديهي أن يرى العلاج في قمع المسيرة بالقوة بما في ذلك قمع قيادات الحركة الشعبية المشاركة في التظاهرة. هذا الموقف يتسق تماما مع مواقف هذا الجناح الذي يؤمن أنهم قد استلموا السلطة بالقوة، واستمروا فيها بالقوة والتعذيب، والقوة تظل هي الوسيلة الوحيدة للاستمرار في الحكم، وما غير القوة والقهر هو تفريط. وقد عبّر هذا الجناح عن موقفه في أكثر من مناسبة وبوضوح لا لبس فيه سواء بالأفعال العنيفة من قتل وتعذيب، أو بالقول في عبارتهم المشهورة " نحن استلمناها بالقوة والعندو قوة يجي يستلمها .." وطبعا لا يخرج عن إطار العنف والقتل والقهر ممارسات الحكومة منذ وقوع انقلابها العسكري وبيوت الأشباح والإعدامات. ويتجسد العنف لفظا في أحاديث لحس الكوع وغيرها من الملافيظ الغلاظ التي تصدر بانتظام عن نافع علي نافع، وأحاديث تقطيع الأوصال التي يطلقها الجنرال صلاح قوش.

    كان على كل جناح أن يطرح أمام رئيس الحكومة تصوره عن كيفية التعامل مع مسيرة السابع من ديسمبر وتداعياتها المحتملة. كان كل جناح على ثقة أن رئيس الحكومة سوف يؤيده. فمن جهته ظن جناح نيفاشا أن الاصطدام باستحقاقات نيفاشا الذي أفرز المتغيرات الأخيرة قد برهن على صحة توقعاته. وظن هذا الجناح أن هذه الحقيقة كفيلة أن تعيده من الهامش إلى مركز القوة والقرار. وبالمقابل انكفأ جناح العنف والقهر على موقفه، باعتبار أن إطلاق ولو قدر ضئيل من حرية التعبير سوف يخرج الأمر عن يد الحكومة بما لا يمكن السيطرة عليه لاحقا. وعليه تمسك هذا الجناح بمواجهة المسيرة بالعنف والقمع بما في ذلك قمع رموز وجماهير الحركة الشعبية الشريك في الحكم دون اعتداد بأي عواقب تنجم عن ذلك، فغضب الحركة الشعبية هدف يطلبه هذا الجناح حثيثا. هذا الموقف يتسق دون شك مع سياسات جناح القمع منذ سنوات الحكومة الأولى، ثم رأيه أن نيفاشا كانت خطأ عظيما وأن انفصال الجنوب يوفر المناخ المناسب لتمكين حكمه في الشمال. وضمن هذا التوجه ظل هذا الجناح يشن الحملات ويطلق التصريحات المتشددة والمسيئة ضد الحركة الشعبية طيلة الأعوام الأخيرة الماضية بعبها تغضب وترحل! ثم لا ننسى أن جناح القهر ظل مسيطرا منذ المرحلة التي أعقبت وصول الدكتور جون قرنق للخرطوم ولم تخرج عن مخيلة هذا الجناح مظاهر الاستقبال غير المسبوق الذي حظي به قرنق. وكما ذكرت فوق فإن خروج ما يزيد عن ستة ملايين قد أدى إلى خروج السلطة في الخرطوم في ذلك اليوم خروجا تاما عن يد الحكومة، وهي تجربة مرعبة لا يود هذا الجناح مجرد التفكير في احتمال حدوث ما يشابهها ولو من بعيد. وتفاديا لأي احتمال من هذا النوع المخيف ظل جناح القهر الاجتماعي يحكم قبضته على السلطة، وانزوى جناح نيفاشا إلا قليلا. وتعبا لذلك جمدت الحكومة بواسطة برلمانها كل خطوات تنفيذ استحقاقات نيفاشا. وعلى هذا التوجه قدم جناح نافع رأيه لرئيس الحكومة في نقطتين: أولا الموافقة الفورية والكاملة على القوانين الثلاثة التي تطالب بها الحركة الشعبية الخاصة بالجنوب وهي قوانين الاستفتاء لتقرير مصير جنوب السودان، وقانون الاستفتاء في منطقة أبيي، وقانون المشورة الشعبية لمنطقتي جنوب كردفان والنيل الأزرق. وثانيا أطلاق يد أجهزة أمن الحكومة لقمع المسيرة في مهدها، وقمع أي تحرك جماهيري مهما كان عدد القتلى في صفوف الشعب. وقد أكد نافع بنفسه نوايا حكومته عندما قال أنهم على استعداد لتقيم مائة ألف شهيد. هذا الرقم ،مائة ألف، في حد ذاته يؤكد بدون شك إدراك الحكومة لحجم المعركة الكبيرة مع الشعب .. مثلما يفضح مدى عمق خوف الحكومة من المواجهة مع الشعب ..

    مضت دقائق الأيام التي سبقت المسيرة عصيبة وقاسية على الحكومة. فكلما اقترب الموعد المضروب للمسيرة ارتفع "ضغط الحكومة" ومع ارتفاع ضغط الحكومة ارتفعت وتيرة الخلاف بين جناحيها. ومع تسارع الساعات والاقتراب من موعد المسيرة لم يعد الصراع مكتوما كما السابق بل تحول إلى معركة مكشوفة وأصبح الفتق بين جناحي الحكومة أخدودا عظيما لا يمكن رتقه أو ردمه ولا يغطيه سحاب المجاملات التي سقطت فظهرت الملاسنات والتهديدات. أصبحت المعركة معركة بقاء أحد الجناحين وذهاب الآخر، ولم يعد في قيد الإمكان التوفيق بين وجهتي نظر متعارضتين متناقضتين تقومان على إرث قديم من المرارات والضغائن والمكائد المتبادلة. فالشمولية الواحدة التي جمعتهما ضاقت ولم تعد تتسع لهما معا. وبعد أن كان رئيس الحكومة ينتفع شخصيا من صراع الجناحين أصبح عليه أن يختار أحد الموقفين. وهنا وقع الانقلاب العسكري. فقد رفض رئيس الحكومة مقترح جناح نيفاشا جملة وتفصيلا وانحاز بثقله العسكري والأمني إلى جناح القهر وتولى قيادته بنفسه وأطاح جناح نيفاشا بشكل كامل لا رجعة عنه في الأفق المنظور. وتبعا للحالة الانقلابية، أطلق رئيس الحكومة يد جناح القهر ومنحه حرية التصرف، وعلى جناح نيفاشا الخضوع وتنفيذ ما تأمر به الحكومة الجديدة. وقد تجسد موقف رئيس الحكومة في تبنيه المقترحات المقدمة من جناح نافع وهي الموافقة الفورية والكاملة على القوانين الثلاثة المتعلقة بالجنوب. وقد هدفت هذه الموافقة إلى تحقيق هدفين مزدوجين أولهما منح الحركة الشعبية كل ما يلزم للانفصال ودفعها بقوة نحو الانفصال، وثانيهما عزل الحركة الشعبية عن تجمع قوى جوبا، من ثم الاستفراد بأحزاب المعارضة، وإعداد كل ما يلزم لقمع الشارع السوداني. وقد بدت هذه الأهداف في الكلام الذي قاله نافع علي نافع قبيل إعلان الاتفاق وهو يتحدث حديث المنتصر: "سوف نتفق مع الحركة الشعبية".. وأن الأحزاب سوف تذهب إلى مزبلة التاريخ ..

    ما حدث في بحر الأسبوعين الماضيين كان انقلابا عسكريا أمنيا كاملا ضد جناح نيفاشا. الانقلاب تم بهدوء وحسم وبدون ضوضاء عدا تلك التي شهدتها ردهات الحكومة. طبعا درج الناس على الانقلابات العسكرية أو انقلابات القصر التي تضرب فيها المارشات العسكرية وتصدر فيها البيانات الهامة وقرارات الإقصاء والإبعاد والاعتقال المنزلي أو السجن. لكن الحكومة الانقلابية الجديدة ليست على هذه الدرجة من الغباء حتى تلجأ إلى إصدار مثل هذه الإعلانات المجانية المناوئة لها! فالإعلان عن مثل هذه البيانات سوف يكشف الانقسام وحالة الإقصاء الأمر الذي يضعف الحكومة الجديدة ويعري ظهرها أمام الرأي العام الداخلي والدولي ويقصي عنها قاعدة مهمة من أتباع جناح نيفاشا علاوة على الرصيد الشخصي لعلي عثمان طه. كما أن الإعلان عن الانقلاب من شأنه أن يؤكد أن الحركة الجماهيرية حتى قبل ظهورها قد حققت ما لم تكن تحلم به من نجاح. وفي المقابل لم يلجأ الجناح الذي أطيح به ولا أظنه سوف يلجأ إلى الخروج العلني عن الحكومة لأن بقاؤه الشكلي يضمن له فرصة المناورة من جديد انتظارا أن تصل سياسة الهروب إلى الأمام بالرئيس وجناح القهر إلى نهاية النفق المسدود، فيصبح جناح نيفاشا هو البديل لإنقاذ الإنقاذ! والأهم من كل ذلك أن جناحا الحكومة يدركان أن كلا منهما يشكل النصف المكمل لكرة الحكومة الشمولية، وخروج أي منهما يقسم الكرة إلى نصفين فيكون التفكك الذاتي والنهائي. لذلك حرص ويحرص كل جناح على بقاء الجناح الآخر. ومع ذلك لا نستبعد أن تكون قد صدرت تعليمات مشفوهة إلى قيادات جناح نيفاشا بممارسة دورهم العادي في دولاب الإدارة .. والبقاء داخل البلاد .. فظهور على عثمان في اجتماعات المجلس الرئاسي أو ظهوره إلى جوار نافع أو افتتاحه للمؤتمرات كنائب لرئيس لحكومة أو غيرها من التمظهرات لا تغير كثير شيء من حقيقة الانقلاب العسكري الأمني الذي وقع ..

    وحتى لا يخرج علينا من يقول أن ما جرى لم يكن انقلابا عسكريا، نقول أن الانقلاب العسكري هو استملاك ناصية القرار بالقوة المسلحة، وما جرى لم يشذ عن هذه القاعدة الانقلابية سواء تم الانقلاب من خارج السلطة أو من داخلها سيان. أقل ما يؤكد حقيقة الانقلاب أنه تم على أيدي القيادات العسكرية الأمنية "المشير" رئيس الحكومة ونافع علي نافع الذي ظل إلى اليوم الرئيس الفعلي لأجهزة أمن ومخابرات الحكومة برغم تنحيه الشكلي، مضافا إليه الجنرال صلاح قوش الذي أصبح ساعد نافع الأيمن. الانقلاب، لمن يرى، مجسد اليوم على أرض الواقع. فالبلاد تحت حالة الأحكام العرفية، وهذا ما أكده قادة الحركة الشعبية عن "حالة طوارئ غير معلنة" وأجهزة أمن الحكومة تسيطر على كل كبيرة وصغيرة بسلطات مفتوحة، والدستور الانتقالي المعطل أصلا تم استبعاد أي فرصة للبحث فيه، والاعتقالات طالت حملة الحصانات الدستورية البرلمانية المفترضة (باقان عرمان) وطالت حتى وزير الدولة للداخلية، وهوامش الحريات تم سحبها عدا بعض تمظهراتها في المجلس الوطني الانتقالي والصحف من أجل التعتيم على ما جرى. وتكريسا للصلاحيات المطلقة لأجهزة أمن الحكومة التي نفذت العملية الانقلابية، فقد أجاز برلمان الحكومة الجديدة بصورة نهائية قانون الأمن الوطني الذي يعطي حصانات كاملة لأفراد أجهزة أمن الحكومة ووضع في أيديهم سلطات مطلقة أكثر مما كان في أيديهم في السابق خاصة في حالات إلقاء القبض والاعتقال والتفتيش والحجز والمصادرة دون رقابة قضائية أو برلمانية. أي أن القانون المجاز لا يعدو كونه قانونا للطوارئ والأحكام العرفية بحيث يستطيع أي فرد في هذه الأجهزة اعتقال أي شخص بما في ذلك نواب رئيس الجمهورية وأعضاء البرلمان والوزراء .. فما قولك في المواطن العادي أو المعارض؟

    والانقلاب وصل البرلمان ..

    والانقلاب انتقل أيضا إلى مدرجات ما يعرف بالمجلس الوطني الانتقالي. فعلى حد علمنا أن نائب رئيس الحكومة توصل إلى اتفاق مع نائب رئيس المجلس الوطني يقضي أن يقوم نائب رئيس المجلس باستلام المذكرة من المسيرة. إلا أن هذا الاتفاق قد تم تكسيره بالتوازي مع قمع المسيرة .. فمن يا ترى يجرؤ على تكسير كلام نائب الرئيس غير الرئيس والمجموعة الانقلابية؟ هذه الحقيقة وحدها تبصم على عمق الخلاف وتؤكد انتقال كامل الصلاحيات إلى رئيس الحكومة وأركان حربه. زد على ذلك أن تجاوز نائب الرئيس لرئيس البرلمان والتنسيق والاتفاق مع نائب رئيس البرلمان تكشف عن انسداد القنوات وعمق الخلاف بين نائب رئيس الحكومة وبين رئيس المجلس الوطني. وتعود حواجب الدهشة إلى مواقعها عندما نعلم أن رئيس البرلمان نفسه ضمن المجموعة الانقلابية.

    في ذات السياق تأتي إجازة مناديب الحكومة في المجلس الوطني لقانون الاستفتاء في الجنوب بأغلبيتهم الميكانيكية دليلا فاقعا على الحالة الانقلابية وعلى عدم اعتداد رئيس المجلس الوطني ومناديب الحكومة بأي اتفاق سياسي توصل إليه نائب رئيس الحكومة. فقد تم الاتفاق بين علي عثمان وبين د. رياك مشار نائب رئيس حكومة الجنوب على أجازة القانون كما هو، أو كما قال مشار: "إن القانون جرى الاتفاق عليه بأن يجاز كما هو في اجتماع اللجنة السياسية. كما تمت إجازته في مجلس الوزراء" .. ويستغرب مشار متسائلا: "كيف بعد كل هذا يتنصل حزب المؤتمر الوطني من الاتفاق؟ .." ولعل مشار قد لمس بنفسه جزء من سبب تنصل المؤتمر الوطني بقوله: "إن ما حدث من تنصل يكشف وجود خلافات داخل حزب المؤتمر الوطني" لكن يبدو أن مشار لم يرى أبعد من مجرد خلاف، وإلا لكان قال أن "الحكومة الجديدة تنصلت عن الاتفاق" ! وفي ذات النهج والسياق يؤكد غازي صلاح الدين العتباني رئيس كتلة المؤتمر الوطني في المجلس الوطني الانتقالي عدم الاعتداد بما يتفق عليه علي عثمان طه نائب رئيس الحكومة يقوله: "لا أدري لماذا أصبح توقيع طه ومشار مقدساً لدى الحركة بهذه الصورة؟ .." ويكشط غازي ومناديب الحكومة ما اتفق عليه نائب رئيس الحكومة بجرة قلم عن طريق تعديل القانون وإجازته. ويقطع أحمد إبراهيم الطاهر رئيس البرلمان بعدم أهمية ما يصدر عن نائب رئيس الحكومة أو ما يتفق عليه بقوله: "المجلس لا يطيع القوى السياسية أو يجري وراءها وينفذ رغباتها .." وهو قول مردود لجهة أن الطاهر وبرلمانه ينفذ حرفيا التعليمات المنزلة عليه من لدن رئيس الحكومة ونافع علي نافع بتعديل القانون واستفزاز الحركة الشعبية بصفاقة. لقد كان الطاهر ومجلسه ينفذون كل التعليمات التي يتلقاها من نائب رئيس الحكومة قبل أن يتلقى التعليمات الجديدة التي تأمره بتجاهل ما يصدر عن نائب رئيس الحكومة. ولا يفوت على الفطنة أن هذه "التعليمات الجديدة" تحمل بوضوح بصمات نافع على نافع خاصة لجهة عدم الاعتداد بالطرف الآخر وغلظة القول، كما تحقق هدفين مزدوجين من أهدافه أولهما ترسيخ الانقلاب داخل البرلمان، والهدف الثاني جزء من "سياسة تكريه الحركة الشعبية" واستفزازها للحد الأقصى حتى تضطر الحركة الشعبية إلى تنفيذ الانفصال من جانب واحد بينما تظل يد الحكومة نظيفة .. ومن بعد تمد الحكومة أصبعها إلى الحركة الشعبية وتدينها داخليا ودوليا بجريرة فصل الجنوب، وسنعود إلى ذلك. زد علي ذلك أن فسخ الحكومة الجديدة لاتفاق علي عثمان ـ مشار يعني أن الحكومة الجديدة قد استخدمت نائب رئيس الحكومة كمجرد فخ لتمرير قانون جهاز الأمن ثم التنصل من اتفاق قانون الاستفتاء! وفعلا وقعت الحركة الشعبية في الفخ. ومن نوافل الكلام أن فسخ الحكومة لاتفاق علي عثمان ـ مشار يعني المزيد من التأكيد أن أي اتفاقات لاحقة يبرمها نائب رئيس الحكومة لا قيمة لها. (سمعت قبل قليل خبرا عاجلا مفاده أن قانون الاستفتاء تمت إعادته للمجلس الوطن الانتقالي لأجازته حسب ما تم الاتفاق عليه بين علي عثمان طه وبين رياك مشار. لو صدق الخبر فقد كذب رئيس المجلس الوطني الانتقالي كذبة لا يمكنه لمها! .. قال المجلس لا يطيع القوى السياسية قال .. تطيع يا أحمد إبراهيم الطاهر وتنفذ التعليمات! والزعم بإمكانية إعادة القانون للمجلس لأن رئيس المجلس لم يوقع عليه بعد هي كذبة سخيفة لا يصدقها عاقل لأن توقيع رئيس المجلس هو عمل إجرائي ليست له أدنى قيمة .. والراجح أن سبب الإعادة هي أن النائب الأول لرئيس الحكومة سوف لن يوقع على القانون لأن توقيع رئيس الحكومة منفردا لا يجعل القانون نافذا بحكم أن الجنوب هو محل سريان القانون.

    أما على صعيد الخطاب السياسي للحكومة الجديدة، فإن نافع علي نافع وصلاح قوش وإبراهيم الطاهر غلاة المتشددين هم المتحدثون باسم الجناح المسيطر أو الحكومة الانقلابية، علاوة على من تبعهم مثل مصطفى عثمان اسماعيل وغيره من على شاكلته. وتتضح معالم السيطرة في خطاباتهم المتشددة ضد الحركة الشعبية والتلويح المستمر بقمع الشعب، وهي تلميحات تعكس حالة الخوف، وتأكيدهم استلام مفاصل البلاد بالقوة. من ذلك قول الفريق أول صلاح عبد الله قوش "المؤتمر الوطني أعد العدة لإيقاف عبث الأحزاب .. والانتفاضة الشعبية التي تدعو لها الأحزاب مستحيلة الحدوث .. ودعوة الحركة الشعبية لإقامة الشغب دعوة فاشلة .. وأعداء السودان، ويقصد أعداء الحكومة الجديدة، يدعمون ولاءات قديمة انتهت وماتت هي وأصحابها .. وسيذهبون لمزبلة التاريخ عبر صناديق الاقتراع وسيلقِّنهم الشعب درساً قاسياً .. " لماذا يا قوش "درسا قاسيا" طالما أنها ستكون انتخابات حرة ونزيهة حسب ما تزعمون؟ ..!! كل هذه رسائل واضحة تعلن عن التحول الانقلابي بدلا عن التحول الديموقراطي الذي حلمت به الجماهير غداة إقرار اتفاقات نيفاشا ودستورها الانتقالي الذي لم يرى النور، وحلموا بها عشية وصول جون قرنق للخرطوم.

    رئيس الحكومة ..

    صحيح أن رئيس الحكومة قد كرس نفسه خلال السنوات الطويلة الماضية في نقطة الاحتكام والمرجعية بين جناحي حكومته. كما نجح رئيس الحكومة في أن يبدو في مظهر المعتدل. وقد تنسحب صفة الاعتدال على بعض سلوكه الشخصي، لكن المتغيرات التي طرأت بسبب ذعر الحكومة من حركة الجماهير دفعته أن يقود بنفسه جناح القهر وإقصاء جناح نيفاشا. لماذا؟
    الإجابة على السؤال تتطلب من الجميع إجراء استعراض سريع لأفعال وأقوال رئيس الحكومة منذ انقلابه العسكري إلى آخر تطور. لجهة القول فهو القائل "نحن جينا بالسلاح .. والعندو سلاح يجي يستلمها" أو قوله "نفاوض من يحملون السلاح .." أو قوله لجنوده وهم في طريقهم إلى دارفور "ما عاوز أسرى .." وهذا أمر "بالواضح" للجنود للإسراف في القتل خارج كل الأعراف الإنسانية والحربية لأنه يحرض على قتل الأسرى. يقول الرسول الكريم "استوصوا بالأسارى خيرا" وكان صلى الله عليه وسلم يمنع قتل غير المحارب والنساء والأطفال والشيوخ، كما يمنع هدم الصوامع وغيرها من دور العبادة. وعلى ذلك درج القادة الذين يحضون جنودهم على عدم الإسراف في القتل أو قتل الأسرى أو اغتصاب النساء أو هتك الأعراض. أما أن يبدر التحريض على قتل الأسرى عن رئيس الحكومة السودانية الراهنة فإنه يعني وبوضوح أن القتل هو الوسيلة الوحيدة المعتمدة عنده وحكومته لمعالجة قضية دارفور، وطبعا القتل هو أقصى سقف ممكن للعنف، فكما ليس بعد الكفر ذنب، فليس بعد القتل عنف. والعنف والقتل هنا ليستا مجرد سياسة أو تخويف، بل حقيقة صراح مثلت في التمثيل بالأسرى السياسيين في بيوت الأشباح تحت إشراف نافع علي نافع ورعاية رئيس الحكومة. وكذلك عندما بعثت هذه الحكومة مئات آلاف الشباب إلى محرقة الحرب في الجنوب لقتل أنفسهم وقتل إخوة لهم في صورة نادرة ومقززة من صور دفع شباب يفّع إلى الانتحار الجماعي. لذلك لا يستطيع أحد أن يحمل حسن الترابي وحده أوزار تلك المحرقة، فرئيس الحكومة هو المسؤول الأول والمباشر أمام الله والناس أجمعين لا يغسله تراب ذهاب الترابي عن الوزر والمسؤوليات التاريخية. وكذا الحال بالنسبة لعمليات الإعدام التي تمت بدم بارد، وأيضا حالات تعذيب السياسيين والأبرياء في بيوت الأشباح التي لا تقع تبعاتها على نافع وحده، فرئيس الحكومة يتحمل كل المسؤولية في حال علمه ويتحمل العبء الأكبر من المسؤولية في حال عدم علمه.

    هذه المعطيات المادية تؤكد جملة من الحقائق، أولها أن رئيس الحكومة هو جزء أصيل من فصيل التشدد وفرق الموت داخل حكومته. وثانيا انه نجح في إخفاء هذه الحقيقة تحت غلالة الزهد في الحكم. وثالثا أن تكريسه لنفسه خلال السنوات الطويلة الماضية في نقطة الاحتكام والمرجعية بين جناحي حكومته كانت ضمن وسائله للبقاء على سدة الرئاسة. ورابعا أنه، أي رئيس الحكومة، لا يتورع عن القيام بكل ما يضمن له الاستمرار في رئاسة الحكم مهما بلغت درجة القسوة والتشدد. ولمجمل الأسانيد لم يكن من الغريب أنه وقف بلا مواربة مع جناحه الأصلي، جناح القهر، جناح نافع علي نافع وصلاح قوش، أو جناح الاستمرار في الحكم بالبطش والعنف. لا نريد أن ننحي باللائمة على المؤسسة العسكرية بأنها السبب الوحيد في تطبيع رئيس الحكومة، فالفريق إبراهيم عبود كان ضابطا لكنه أثر سحب المؤسسة العسكرية عن الحكم وترك الرئاسة وقد كان في مقدوره ارتكاب المجازر والاستمرار في الحكم ولو إلى بعض حين.

    شاوشيسكو ..

    واضح أن رئيس الحكومة لا يريد أن يقطع ما تبقى من شعرة معاوية مع جناح نيفاشا لعله يحتاجه في ملمات غير منظورة. لكننا إذا نظرنا في عتمة سراديب الملمات غير المنظورة هذه، فقد نرى أن رئيس الحكومة قد وضع نفسه في وسط دائرة من المتشددين الذين أصبحوا كل السلطة وكل الحكومة وما على الرئيس إلا تنفيذ إرادتهم. لقد سار رئيس الحكومة في دهليز التشدد، وظل الدهليز يضيق كلما توغل فيه حتى لم تعد هنالك مساحة كافية تمكنه من الاستدارة والعودة. وبالنظر إلى تجارب الحكومات الشمولية في العالم فإن سيطرة المجموعة المتشددة العنيفة تعتبر حالة عادية تمر بها كل الحكومات الشمولية لأنها تشرنق نفسها في نهاية مطافها تشرنقا ذاتيا ضمن دائرة صغيرة مغلقة مكونة من الغلاة والمتشددين. وبسبب ضيق الدائرة وتكونّها من مجموعة واحدة ذات توجه واحد متشدد مثلها مثل أي خلية آحادية، فإنها تعجز عن استيعاب مجموعتين متناقضتين في جوفها كالذي جرى في السودان وغير السودان، وهذه واحدة من حسنات الشمولية لأنها تقترب بنفسها من نهاية أجلها سواء بتشرنقها وبالتالي عزلتها وتساقط أجنحتها وصيرورتها كهدف معزول مكشوف يسهل ضربه، أو أنها تدمر نفسها تدميرا ذاتيا عندما تحيط بها الضغوط تماما مثلما تفعل العقرب التي تلدغ نفسها عندما تحيط بها النيران من كل جانب. ومن حيث أن المجموعة المتشددة تدخل بدورها في معركة البقاء، فإنها تجعل من الرئيس كبش فداء مثلما حدث للرئيس الروماني نيكولاي شاوشيسكو الذي تم إعدامه بواسطة جنرالاته بعد أن جعلوا منه رمزا للدكتاتورية والقهر، وصنعوا من جثته وجثة زوجته الواحدة معبرا للخلاص. وهكذا دائما تكون نهاية أي رئيس شمولي حيث يأتيه ما يحذر في مكمنه من مأمنه على يد المجموعة التي أراد أن يجعل منها ملاذا آمنا لنفسه .. ولن تجد لسنة الله تبديلا.

    الجيش .. حمّال الأذية لا ينقلب ولا يخلو من الوزر ..

    أما الجيش، أو ما كان بعرف بالقوات المسلحة السودانية، فقد تم تحييده بصورة تامة ولم يتم إشراكه في العملية الأخيرة. ذلك أن نزول القوات المسلحة يعري ما يجري، ثم إن الأمر لا يتطلب دبابات أو مدفعية ميدان ثقيلة لأنه ليس صراعا بين ألوية عسكرية، والأهم من كل ذلك عند الحكومة أن نزول الجيش يجعل الجيش هو المسيطر، ويضع الجيش في موضع اللاعب الأساسي الذي بيده معظم الأوراق ويستحيل إعادته إلى ثكناته الأمر الذي يقلب كل معادلات العملية الانقلابية التي جرت. وما يؤكد خوف الحكومة من الجيش أنها لم تستخدم الجيش في مواجهة حركة العدل والمساواة عندما دخلت العاصمة. وهكذا تجد الحكومة الشمولية نفسها بين سندان جيشها ومطارق الشعب ! لكن معضلة الجيش أن كل شيء جرى ويجري باسمه، فالحكومة تظل تحمل مسمى "حكومة عسكرية" مثلها مثل حكومة مايو وحكومة عبود .. مع فارق أساسي هو أن حكومتي مايو وعبود كانتا فعلا عسكرية والجيش فيهما كان هو المسيطر خلافا لهذه الحالة الماثلة .. فالحكومة اسمها اليوم وبعد زوالها "حكومة عسكرية" لكن المؤسسة العسكرية التقليدية لا تحكم!

    نزول الخلاف إلى القواعد

    بكل تأكيد لن تلجأ الحكومة الجديدة إلى إنزال تعليمات عسكرية واضحة بهذا الخصوص إلى قواعدها لعدة أسباب طبعا على رأسها إحاطة الأمر بالسرية، زد على ذلك سوف يصعب على مؤيدي جناح نيفاشا تقديم فروض الولاء والطاعة لجناح نافع المسيطر الآن. لكن المشهد لا يخلو عن ردود أفعال مكتومة ومتضاربة بين الفرح والقرح. وفي حال اضطرار الحكومة إلى الإعلان عن إقصاء الجناح الآخر، وهذا احتمال بعيد، فسوف يعقب ذلك حركة خروج فردي واستقالات محدودة .. وكل يغنّي ليلى مصالحه ..

    سقوط ورقة الدين !

    من أبرز الملاحظات أن الحكومة الجديدة لم تلجأ هذه المرة إلى الاستخدام المكثف لورقة الدين ورفع المصاحف على رؤوس البنادق كما تفعل عادة. إذ يبدو أن ورقة الدين لا تنفع في مثل هذه الملمات! فقد فصلت العير وحدث الانقلاب وتمكن جناح البطش والتخويف داخل الحكومة. وفي ال أن استخدم الجناح الغالب ورقة الدين، ففي مقدور الجناح المغلوب استخدام نفس الورقة، فيكون للحكومة أكثر من دين! ومع ذلك كانت هناك فتوى تكفير المتظاهرين التي اختفت رائحتها سريعا وسط روائح الغازات الأخرى المسيلة للدموع، ثم ذلك الحديث المعزول الذي خرج عن مصطفى عثمان اسماعيل الذي قال فيه " أن التحدي الماثل أمامنا هو تقديم النموذج السياسي الرسالي، والمؤتمر الوطني ليس غاية، وإنما وسيلة لبناء سودان الشريعة الجديد" .. رسالي حته واحده يا مصطفى عثمان اسماعين صاحب حديث الشحادين؟ طيب، ماذا كنتم تبنون على مدى 20 عاما؟ أم أن بناء المجتمع الرسالي على طريقتكم يستغرق وقتا أطول مما يستغرقه بناء عمارات وأبراج ماليزيا وجزيرة النخلة في بحر دبي؟
    وحتى نغرق ورقة الدين كما غرق فرعون، أو نحرقها ونذريها في بحر النسيان كما أحرق سيدنا موسى إله السامري، نقول أن الشعب السوداني يطالب اليوم بأمرين أساسيين:

    أولا: حق الشعب الذي شرعه له الله في الحرية والتعبير لأن ما غير ذلك هو الأسر والعبودية لغير الله وعبادة الفرد،

    ثانيا: حق الشعب الذي شرعه له الله في الاختيار الحر لمن يتولى إدارة شؤونه العامة نيابة عنه، لأن ما غير ذلك هو الدكتاتورية التي بعث الله الرسل تترى لمحقها وإزالتها لأن الدكتاتورية صنم حي من أصنام الشرك بالله. وبما أن هذه الحقوق واردة في محكم التنزيل، فإن الحكومة تقع في الجانب المناوئ لإرادة الله ومنها إرادة الشعوب، حيث أضحت الشعوب هي التي تحقق إرادة السماء في الأرض بعد انقطاع الرسالات السماوية بخاتم الأنبياء الرسول الكريم محمد بن عبد الله وأصبح في حرز الشعوب ما يكفيها من الحجة والمنطق والعلم.

    لا انتخابات حرة .. لا تحول ديموقراطي ..

    إذن فقد كانت مسيرة السابع الصغيرة هي الصاعق الذي فجّر الصراع المكتوم بين جناحي الحكومة، والمحصلة تجسدت في إطباق جناح العنف على كامل مقاليد الحكومة. ولما كان الخوف من الشعب هو السبب المباشر في انقضاض هذا الجناح وإحكام سيطرته، يبقى من البديهي أن الحكومة في شكلها هذا سوف تمضي قدما في تنفيذ خطتها الرامية إلى حمل الشعب السوداني مقيدا مكبلا إلى صناديق الاقتراع. بعبارة أوضح الحكومة الجديدة لا ترغب في حريات ولا ترغب في تحول ديموقراطي ولا ترغب في انتخابات حرة أو غير حرة نزيهة أو غير نزيهة، ومن يرى غير ذلك عليه أن يتحسس سمعه وبصره .. بل وعقله.

    لكن المأزق الكبير مازال في انتظار الحكومة الجديدة .. الشعب .. نعم الشعب الذي حاولت الحكومة الهرب عن طريقه مرورا بكل الأزقة الضيقة والملتوية والمنعطفات والقفز فوق حوائط الاستحقاقات وبيدها السكاكين والمطاوي كلص ليلي لكي تشرعن وجودها بعد الانتخابات. هي محاولة يائسة للهروب إلى الأمام .. عام؟ .. ثلاثة أعوام أخرى؟ .. ثم ماذا؟ .. الحكومة كادحة إلى الشعب كدحا ولسوف تلاقيه. الشعب سوف يرفض سكوتا نتيجة الانتخابات التي أصبحت مؤكدة إذا سار الحال على ما هو عليه. ومن بعد سوف يرفض الحكومة نهارا جهارا ..

    وحتى أعود إلى الحركة الشعبية والأحزاب وفصل الجنوب في الحلقة التالية بإذن الله، أقول لجناح نيفاشا: كلمة السر "كاديما" ...

    سالم أحمد سالم

    [email protected]
    باريس

    24 ديسمبر 2009


                  

01-07-2010, 04:21 PM

Nazar Yousif
<aNazar Yousif
تاريخ التسجيل: 05-07-2005
مجموع المشاركات: 12465

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: هل يمكن الخروج فى مسيرة يوم 26 يناير فى ذكرى تحرير الخرطوم ؟ (Re: Nazar Yousif)

    Quote: تظاهرة السابع من ديسمبر الصغيرة المقموعة أحدثت تحولا عميقا في مجرى العلاقة بين الحكومة وبين الحركة الشعبية يكاد يكون قد وضع حدا لعلاقة الشراكة. فقد قررت الحكومة الجديدة فصل الجنوب من جهة الشمال بصورة مسبقة وقبل موعد الاستفتاء! ..
                  

01-07-2010, 04:48 PM

Nazar Yousif
<aNazar Yousif
تاريخ التسجيل: 05-07-2005
مجموع المشاركات: 12465

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: هل يمكن الخروج فى مسيرة يوم 26 يناير فى ذكرى تحرير الخرطوم ؟ (Re: Nazar Yousif)

    نقد: الى الشارع ( السجن أو القبر)
    بتاريخ : الخميس 07-01-2010 10:42 صباحا

    مقترح بتسيير موكب جماهيري إلى القصر
    تحالف المعارضة يطالب أعضاء مفوضية الانتخابات بـ (استقالات جماعية)
    صديق يوسف: المفوضية اكتفت بقبول (200) طعن دون القيام بأي إجراء
    الخرطوم: سامية إبراهيم
    دفع السكرتير السياسي للحزب الشيوعي محمد إبراهيم نقد بمقترح لقيادات الأحزاب و القوى السياسية بتنظيم مسيرة جماهيرية لمنظمات الأمم المتحدة

    والحكومة لتمليكها كافة الوثائق التي تؤكد تزوير السجل الانتخابي بدلاً عن الحديث حول خوض الانتخابات أو مقاطعتها، واعتبر أنّ الخطوة من شأنها (تنظيف الموقف السياسي من الاحتجاج أو الغفلة و بذل ما هو ممكن لذلك الهدف سواء كان السجن أو القبر).

    في وقت طالب فيه عضو التحالف فاروق ابو عيسى أعضاء مفوضية الانتخابات بالاستقالة من مناصبهم واصفاً السجل الانتخابي بالمزوّر و غير الصالح لأن يكون أساساً لانتخابات حرة و نزيهة وعزا فاروق مطالبتهم باستقالة أعضاء المفوضية إلى تآكل الثقة فيما بينها والأحزاب واستدرك ابوعيسى قائلاً: ما زالت أبوابنا مفتوحة للتعامل معهم ونعطيهم الفرصة لإصلاح منهج المفوضية تجاه الشعب السوداني لتحديد مصيره، فيما شددت عضوة المكتب السياسي لحزب الأمة مريم الصادق على ضرورة توقيع مذكرة تفاهم بين الأحزاب والمفوضية و تفعيل الشراكة الثلاثية مع مجلس الأحزاب في مهام المفوضية منتقدة قصور المفوضية في تدريب وكلاء الأحزاب على رقابة الانتخابات و البالغ عددهم (40) ألف و شددت مريم على ضرورة الرقابة الدولية و طالبت بمشاركة الاتحاد الأوربي والإفريقي.

    وكشفت مريم عن أنّ لجنة التعبئة بالتحالف تعكف على التحضير لتسيير موكب لرؤساء الأحزاب إلى القصر الجمهوري بجانب إقامة ندوات في الداخل و الخارج بهدف خلق جو ديمقراطي.

    وأشار مسؤول الانتخابات بالحزب الشيوعي صديق يوسف إلى أنّ المفوضية لم تنفذ أي إجراء من الطعون المقدمة من التحالف ضد ترسيم الدوائر و البالغ عددها (800) طعن بالرغم من قبولها لـ (200) طعناً، و عدد الخروقات التي وقعت في ولايات السودان المختلفة و العاصمة وخارج السودان و ذكر منها تسجيل (1958) شرطياً في نقطة شرطة بدائرة (توتي) رغم أنّ العدد الفعلي للقوة العاملة بالنقطة (5) أفراد، بجانب تسجيل (2037) ناخباً في حي المطار بالخرطوم في حين أنّ العدد الحقيقي (924) ناخباً.

    وحذّر رئيس المكتب السياسي للمؤتمر الشعبي كمال عمر من عواقب وخيمة لا تحمد عقباها في حال قيام الانتخابات في هذه البيئة و التي قال إنّها غير ملائمة خاصة في ظل فقدان الثقة فيما بينهم و المفوضية و في ظل وجود سجل انتخابي غير معترف به، واتهم كمال الحكومة بعدم الجدية في إجراء العملية الانتخابية.

    http://www.ajrasalhurriya.net/ar/news_view_8242.html
                  

01-07-2010, 08:46 PM

Nazar Yousif
<aNazar Yousif
تاريخ التسجيل: 05-07-2005
مجموع المشاركات: 12465

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: هل يمكن الخروج فى مسيرة يوم 26 يناير فى ذكرى تحرير الخرطوم ؟ (Re: Nazar Yousif)

    تحالف أحزاب المعارضة السودانية يطالب «الرئاسة» بوقف «تزوير» كشوف سجلات الانتخابات
    زعيم «الشيوعي» يؤكد أنه فقد الثقة في مفوضية الانتخابات: المخالفات تتطلب احتجاجات تقود إلى السجن أو القبر
    الخميـس 21 محـرم 1431 هـ 7 يناير 2010 العدد 11363
    جريدة الشرق الاوسط
    الصفحة: أخبــــــار
    الخرطوم: إسماعيل آدم
    أعلن تحالف المعارضة السودانية والحركة الشعبية، المعروف بـ«قوى الإجماع الوطني - إعلان جوبا» تصعيد موقفها الرافض لما تسميه «التزوير» في كشوف سجلات الانتخابات في البلاد، المقرر إجراءها في أبريل (نيسان) المقبل. وقالت إنها بدأت في التحضير لموكب يتم تسييره في الأيام القبلة لرفع مذكرة إلى مؤسسة الرئاسة تطالبها فيها بوضع حد «لتزوير» الانتخابات، ووقف «انحياز» مفوضية الانتخابات لحزب المؤتمر الوطني الحاكم بزعامة الرئيس عمر البشير. وقدم التحالف، بالأرقام، ما اعتبره أدلة للتزوير في إجراءات الانتخابات، وقال إنه فقد الثقة، تماما، في مفوضية الانتخابات.

    واقترح السكرتير العام للحزب الشيوعي السوداني المعارض «محمد إبراهيم نقد»، في غضب شديد، الخروج في موكب يسلم مذكرة لهيئة الأمم المتحدة والحكومة ترفض «تزوير إجراءات الانتخابات بالأدلة». وحرض نقد تحالف «المعارضة والحركة الشعبية» بالقول «علينا أن نخرج في هذا الموكب حتى لو قادنا إلى السجن أو القبر». وقال «السكوت على التزوير يكسبه الشرعية». فيما اعتبرت الحركة الشعبية مفوضية الانتخابات بمثابة «الدبابة الثانية» لحزب المؤتمر الوطني. وحذرت المعارضة بأن «الانتخابات إذا ما تمت وفقا للإجراءات التي تمضي الآن فسيحدث ما لا تحمد عقباه».

    وخصص التحالف مؤتمرا صحافيا أمس في دار الحزب الشيوعي المعارض في العاصمة الخرطوم، لتصعيد موقفه حيال إجراءات الانتخابات، وشن ممثلوهم عبر المؤتمر الصحافي هجوما عنيفا على مفوضية الانتخابات، كما طال هجومهم حزب المؤتمر الوطني. وقال نقد في المؤتمر الصحافي إن التحالف «لا يتعامل مع قوى عقلانية ولا قوى حكم القانون.. وإنما نحن نتعامل مع مزورين»، وأضاف نقد أن «التزوير الذي يحدث في إجراءات الانتخابات يفترض أن يكون مركزا لنشاطنا الانتخابي في الوقت الحالي». وقال «إذا كان رؤساء أحزاب التحالف سيجتمعون في الفترة المقبل فإن أول قرار لهم يجب أن يكون الخروج في موكب لتسليم مذكرة للأمم المتحدة والحكومة وغيرها من الجهات بالتزوير الذي حدث مصحوبا بالأدلة»، وأضاف «ومن بعد يمكن أن نتحدث عن قيام الانتخابات من عدم قيامها». وتابع «ولكن لا يمكن أن نترك التزوير يكتسب الشرعية ويكون سابقة تاريخية». وشدد نقد على أنه من الضروري «تنظيف سجلنا السياسي من هذه الغفلة»، كما شدد على أن «هذه التجاوزات تتطلب القيام باحتجاجات تقود إلى السجن أو القبر لا يهم.. ولكن لابد منها».

    من جانبه، وزع «المحامي فاروق أبو عيسى، القيادي في التجمع السوداني المعارض، اتهامات قاسية في اتجاه مفوضية الانتخابات والبرلمان السوداني، وقال في المؤتمر الصحافي إن القوى السياسية وافقت على أعضاء مفوضية الانتخابات «رغم معرفتنا بأنهم حزبيون، ولكن المفوضية صارت استجابتها لمطالب الأحزاب المعارضة ضعيفة، فيما تقوم بتسهيل أمور حزب المؤتمر الوطني.. لبن على عسل مع المفوضية». واعتبر موقف وأوضاع البرلمان في الفترة المقبلة يكتنفه الغموض. وقال إن البرلمان أصبح «مثل الوداعية»، أي المنجمة. وأضاف «لا يعرف ما إذا كانت الدورة المقبلة ستأتي أم لا»، واتهم أبو عيسى البرلمان بأنه فشل في إجازة قوانين التحول الديمقراطي وفي إلغاء أي قانون غير ديمقراطي». ومضى في هجومه على البرلمان يقول «إنهم يضحكون في وجهك ويخفون لك وراء ظهورهم سكينا». وقال «كما أننا فقدنا الثقة تماما في مفوضية الانتخابات».

    وردا على أسئلة الصحافيين، كشف أبو عيسى أن اجتماع عقده رؤساء التحالف في منزل الصادق المهدي رئيس حزب الأمة بعد إجازة البرلمان قانون الأمن، المثير للجدل، أقر تسيير موكب إلى القصر الرئاسي لإلغاء القانون أو تجميده، وقال «الآن لجنة التعبئة تحضر لموكب يتم إنفاذه في الأيام المقبلة لرفع مذكرة لمؤسسة الرئاسة حول مطالب المعارضة. وردا على سؤال آخر قال أبو عيسى إن السجل الانتخابي الحالي «سجل مُزر لمصلحة المؤتمر الوطني إلى أن يثبت العكس»، وحذر «سنعطي مفوضية الانتخابات فرصة أخرى لتؤكد عدم انحيازها لحزب المؤتمر الوطني.. وتضع مساحة متساوية لكل الأحزاب». وفي المؤتمر الصحافي استعرضت مريم الصادق المهدي، القيادية في حزب الأمة بزعامة الصادق المهدي، تحركات للتحالف مع مفوضية الانتخابات «لجعل الانتخابات حرة ونزيهة»، وقالت «جلسنا مع المفوضية مرتين لنرفع لها التظلمات.. غير أن المفوضية تقول لنا إن تظلمات الأحزاب ترفع إلى مجلس الأحزاب» الجهة المسؤولة عن الأحزاب. وكشفت عن «اتفاق تم على تكوين شراكة ثلاثية بين المفوضية ومجلس الأحزاب والأحزاب لتمهيد أرضية لانتخابات حرة ونزيهة إلا أن ذلك لم يتم». وشددت «نطالب المفوضية بالجلوس إلى القوى السياسية، والتواضع على مذكرة تفاهم توضح دور المفوضية، كضامن لحرية الانتخابات، وقالت «ونطالب بأن تكون الرقابة الأساسية رقابة حزبية».

    وكشفت مريم الصادق أن أحزاب «تحالف جوبا» لديها خطة تعبوية كاملة للعمل على دفع تنفيذ استحقاقات الانتخابات، تشمل تعبئة سياسية ودبلوماسية وميدانية، وقالت «اتفقنا مع حديث المؤتمر الوطني بأن الأمم المتحدة لا يحق لها مراقبة الانتخابات باعتبارها ممولة لها»، وأضافت «ولكن وجهنا دعوات للاتحادين الأوروبي والأفريقي ليكونا جزءا أصيلا من الرقابة».

    وردا على الموقف النهائي للتحالف من حيث المشاركة في الانتخابات أو مقاطعتها، قالت مريم المهدي، إن أحزاب التحالف «تدرس في داخل أجهزتها الحزبية الموقف النهائي للمشاركة في الانتخابات من عدمها، وستعلنها في اجتماع لقادة هذه الأحزاب في مقبل الأيام»، بينما وصف كمال عمر المسؤول السياسي لحزب المؤتمر الشعبي بزعامة الدكتور حسن الترابي، المناخ السياسي في البلاد لأنه «مختلط بالتجاوزات والانتهاكات»، كما وصف مفوضية الانتخابات بأنها «غير أمينة لأداء رسالة الانتخابات»، وقال «لو ربطنا ما حدث في المفوضية والبرلمان في الفترة الماضية فإنه يشير إلى جملة تؤكد أن الحكومة غير جادة في إجراء الانتخابات الحرة النزيهة». وشكك في السجل الانتخابي، وقال هذا السجل الانتخابي «مضروب»، أي تالف، وحذر من أن الانتخابات «لو تمت في هذه الهيئة ستحدث ما لا تحمد عقباه». كما شكك ممثل الحركة الشعبية في المؤتمر الصحافي «بطرس قرنق» في عمل مفوضية الانتخابات، وقال إن إجراءات المفوضية «لا تبشر بانتخابات حرة نزيهة»، وأضاف أن ما يصدر عن المفوضية يجعلها «دبابة ثانية» لحزب المؤتمر الوطني. وقدم صديق يوسف، مسؤول الحزب الشيوعي للانتخابات جملة أرقام دلل بها على ما سماه تزوير إجراءات الانتخابات، وقال إن المفوضية من جملة 800 طعن قُدم لها في تحديد الدوائر الجغرافية، قبلت 200 وحتى الآن لم نسمع أي تغيير حدث في الدوائر الجغرافية التي قبلت فيها الطعون.

    وقال إن مفوضية الانتخابات قالت إن نسبة التسجيل للسجل الانتخابي بلغت 80%، وأضاف أن هذا دليل على التزوير «لأن التجارب المشابهة الأفريقية والآسيوية تشير إلى أقل من ذلك» وقال إن نسبة التسجيل في آسيا بلغت «65%»، كما أن مركز كارتر للسلام قال إن نسبة التسجيل ضعيفة فكيف يكون ضعيفا وتصل النسبة إلى 80%. وكشف أن السجل الانتخابي للقوات النظامية كشف أن جزيرة توتي، وهي جزيرة في نهر النيل قبالة الخرطوم، على الرغم من أن بها قسم شرطة صغيرا، كشف السجل أن بها 1958 عسكريا، وقال إن «حي المطار الذي يسكنه الرئيس البشير ونائبه الأول سلفا كير وعدد من أساتذة الجامعات أظهر الإحصاء السكاني أن به 924 شخصا، فيما أظهر السجل أن به 1730 شخصا. وقال يوسف إن هذه الأدلة تؤكد أن السجل الانتخابي مزور. وقال إن تعداد السودانيين خارج السودان 6 ملايين شخص سُجل منهم 102 شخص فقط نتيجة للعراقيل التي وضعتها المفوضية أمام التسجيل في الخارج.

    في الأثناء، شاعت تسريبات صحافية أن المكتب السياسي لحزب الأمة المعارض اعتمد ترشيح الصادق المهدي لانتخابات رئاسة الجمهورية المقبلة، وأكدت مصادر مطلعة داخل الحزب أن المهدي أرجأ إعلان هذه الخطوة إلى حين قراءة خارطة التحالفات مع القوى الأخرى خلال المرحلة القادمة. وقال الفريق صديق محمد إسماعيل، الأمين العام للحزب، عقب الفراغ من اجتماع المكتب السياسي للحزب، إن الحزب قرر خوض الانتخابات ومواصلة العمل لتحقيق مطلوبات النزاهة والحرية، وأضاف: تقدمنا بمقترح للمفوضية القومية للانتخابات بتكوين لجنة مشتركة من الجهات ذات الصلة تقوم بتهيئة المناخ الملائم للانتخابات، باعتبار أن خطوات الانتخابات فيها كثير من الممارسات المهددة لمبدأ الحرية والنزاهة، بيد أنه قال إنها لم ترد حتى الآن.

    وقال بيان صادر عن مكتب الصادق المهدي، أمس، إنه لو أجريت الانتخابات في موعدها في أبريل (نيسان) 2010 ولم يوف بالاستحقاقات المطلوبة، فهنالك 3 خيارات إما المقاطعة، أو خوضها مهما كانت الظروف، أو خوضها بحد أدنى من الشروط، ونبه إلى أن الخيار الثالث مرهون بتجميد قانون الأمن، وإلزام أجهزة الدولة النظامية والمدنية بالابتعاد عن العمليات الانتخابية، وأكد أنه مهما كان رأيهم النهائي فسيواصلون خوض الانتخابات وتحديد مرشحيهم في كل مستوياتها دون تردد.
                  

01-07-2010, 08:46 PM

Nazar Yousif
<aNazar Yousif
تاريخ التسجيل: 05-07-2005
مجموع المشاركات: 12465

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: هل يمكن الخروج فى مسيرة يوم 26 يناير فى ذكرى تحرير الخرطوم ؟ (Re: Nazar Yousif)

    تحالف أحزاب المعارضة السودانية يطالب «الرئاسة» بوقف «تزوير» كشوف سجلات الانتخابات
    زعيم «الشيوعي» يؤكد أنه فقد الثقة في مفوضية الانتخابات: المخالفات تتطلب احتجاجات تقود إلى السجن أو القبر
    الخميـس 21 محـرم 1431 هـ 7 يناير 2010 العدد 11363
    جريدة الشرق الاوسط
    الصفحة: أخبــــــار
    الخرطوم: إسماعيل آدم
    أعلن تحالف المعارضة السودانية والحركة الشعبية، المعروف بـ«قوى الإجماع الوطني - إعلان جوبا» تصعيد موقفها الرافض لما تسميه «التزوير» في كشوف سجلات الانتخابات في البلاد، المقرر إجراءها في أبريل (نيسان) المقبل. وقالت إنها بدأت في التحضير لموكب يتم تسييره في الأيام القبلة لرفع مذكرة إلى مؤسسة الرئاسة تطالبها فيها بوضع حد «لتزوير» الانتخابات، ووقف «انحياز» مفوضية الانتخابات لحزب المؤتمر الوطني الحاكم بزعامة الرئيس عمر البشير. وقدم التحالف، بالأرقام، ما اعتبره أدلة للتزوير في إجراءات الانتخابات، وقال إنه فقد الثقة، تماما، في مفوضية الانتخابات.

    واقترح السكرتير العام للحزب الشيوعي السوداني المعارض «محمد إبراهيم نقد»، في غضب شديد، الخروج في موكب يسلم مذكرة لهيئة الأمم المتحدة والحكومة ترفض «تزوير إجراءات الانتخابات بالأدلة». وحرض نقد تحالف «المعارضة والحركة الشعبية» بالقول «علينا أن نخرج في هذا الموكب حتى لو قادنا إلى السجن أو القبر». وقال «السكوت على التزوير يكسبه الشرعية». فيما اعتبرت الحركة الشعبية مفوضية الانتخابات بمثابة «الدبابة الثانية» لحزب المؤتمر الوطني. وحذرت المعارضة بأن «الانتخابات إذا ما تمت وفقا للإجراءات التي تمضي الآن فسيحدث ما لا تحمد عقباه».

    وخصص التحالف مؤتمرا صحافيا أمس في دار الحزب الشيوعي المعارض في العاصمة الخرطوم، لتصعيد موقفه حيال إجراءات الانتخابات، وشن ممثلوهم عبر المؤتمر الصحافي هجوما عنيفا على مفوضية الانتخابات، كما طال هجومهم حزب المؤتمر الوطني. وقال نقد في المؤتمر الصحافي إن التحالف «لا يتعامل مع قوى عقلانية ولا قوى حكم القانون.. وإنما نحن نتعامل مع مزورين»، وأضاف نقد أن «التزوير الذي يحدث في إجراءات الانتخابات يفترض أن يكون مركزا لنشاطنا الانتخابي في الوقت الحالي». وقال «إذا كان رؤساء أحزاب التحالف سيجتمعون في الفترة المقبل فإن أول قرار لهم يجب أن يكون الخروج في موكب لتسليم مذكرة للأمم المتحدة والحكومة وغيرها من الجهات بالتزوير الذي حدث مصحوبا بالأدلة»، وأضاف «ومن بعد يمكن أن نتحدث عن قيام الانتخابات من عدم قيامها». وتابع «ولكن لا يمكن أن نترك التزوير يكتسب الشرعية ويكون سابقة تاريخية». وشدد نقد على أنه من الضروري «تنظيف سجلنا السياسي من هذه الغفلة»، كما شدد على أن «هذه التجاوزات تتطلب القيام باحتجاجات تقود إلى السجن أو القبر لا يهم.. ولكن لابد منها».

    من جانبه، وزع «المحامي فاروق أبو عيسى، القيادي في التجمع السوداني المعارض، اتهامات قاسية في اتجاه مفوضية الانتخابات والبرلمان السوداني، وقال في المؤتمر الصحافي إن القوى السياسية وافقت على أعضاء مفوضية الانتخابات «رغم معرفتنا بأنهم حزبيون، ولكن المفوضية صارت استجابتها لمطالب الأحزاب المعارضة ضعيفة، فيما تقوم بتسهيل أمور حزب المؤتمر الوطني.. لبن على عسل مع المفوضية». واعتبر موقف وأوضاع البرلمان في الفترة المقبلة يكتنفه الغموض. وقال إن البرلمان أصبح «مثل الوداعية»، أي المنجمة. وأضاف «لا يعرف ما إذا كانت الدورة المقبلة ستأتي أم لا»، واتهم أبو عيسى البرلمان بأنه فشل في إجازة قوانين التحول الديمقراطي وفي إلغاء أي قانون غير ديمقراطي». ومضى في هجومه على البرلمان يقول «إنهم يضحكون في وجهك ويخفون لك وراء ظهورهم سكينا». وقال «كما أننا فقدنا الثقة تماما في مفوضية الانتخابات».

    وردا على أسئلة الصحافيين، كشف أبو عيسى أن اجتماع عقده رؤساء التحالف في منزل الصادق المهدي رئيس حزب الأمة بعد إجازة البرلمان قانون الأمن، المثير للجدل، أقر تسيير موكب إلى القصر الرئاسي لإلغاء القانون أو تجميده، وقال «الآن لجنة التعبئة تحضر لموكب يتم إنفاذه في الأيام المقبلة لرفع مذكرة لمؤسسة الرئاسة حول مطالب المعارضة. وردا على سؤال آخر قال أبو عيسى إن السجل الانتخابي الحالي «سجل مُزر لمصلحة المؤتمر الوطني إلى أن يثبت العكس»، وحذر «سنعطي مفوضية الانتخابات فرصة أخرى لتؤكد عدم انحيازها لحزب المؤتمر الوطني.. وتضع مساحة متساوية لكل الأحزاب». وفي المؤتمر الصحافي استعرضت مريم الصادق المهدي، القيادية في حزب الأمة بزعامة الصادق المهدي، تحركات للتحالف مع مفوضية الانتخابات «لجعل الانتخابات حرة ونزيهة»، وقالت «جلسنا مع المفوضية مرتين لنرفع لها التظلمات.. غير أن المفوضية تقول لنا إن تظلمات الأحزاب ترفع إلى مجلس الأحزاب» الجهة المسؤولة عن الأحزاب. وكشفت عن «اتفاق تم على تكوين شراكة ثلاثية بين المفوضية ومجلس الأحزاب والأحزاب لتمهيد أرضية لانتخابات حرة ونزيهة إلا أن ذلك لم يتم». وشددت «نطالب المفوضية بالجلوس إلى القوى السياسية، والتواضع على مذكرة تفاهم توضح دور المفوضية، كضامن لحرية الانتخابات، وقالت «ونطالب بأن تكون الرقابة الأساسية رقابة حزبية».

    وكشفت مريم الصادق أن أحزاب «تحالف جوبا» لديها خطة تعبوية كاملة للعمل على دفع تنفيذ استحقاقات الانتخابات، تشمل تعبئة سياسية ودبلوماسية وميدانية، وقالت «اتفقنا مع حديث المؤتمر الوطني بأن الأمم المتحدة لا يحق لها مراقبة الانتخابات باعتبارها ممولة لها»، وأضافت «ولكن وجهنا دعوات للاتحادين الأوروبي والأفريقي ليكونا جزءا أصيلا من الرقابة».

    وردا على الموقف النهائي للتحالف من حيث المشاركة في الانتخابات أو مقاطعتها، قالت مريم المهدي، إن أحزاب التحالف «تدرس في داخل أجهزتها الحزبية الموقف النهائي للمشاركة في الانتخابات من عدمها، وستعلنها في اجتماع لقادة هذه الأحزاب في مقبل الأيام»، بينما وصف كمال عمر المسؤول السياسي لحزب المؤتمر الشعبي بزعامة الدكتور حسن الترابي، المناخ السياسي في البلاد لأنه «مختلط بالتجاوزات والانتهاكات»، كما وصف مفوضية الانتخابات بأنها «غير أمينة لأداء رسالة الانتخابات»، وقال «لو ربطنا ما حدث في المفوضية والبرلمان في الفترة الماضية فإنه يشير إلى جملة تؤكد أن الحكومة غير جادة في إجراء الانتخابات الحرة النزيهة». وشكك في السجل الانتخابي، وقال هذا السجل الانتخابي «مضروب»، أي تالف، وحذر من أن الانتخابات «لو تمت في هذه الهيئة ستحدث ما لا تحمد عقباه». كما شكك ممثل الحركة الشعبية في المؤتمر الصحافي «بطرس قرنق» في عمل مفوضية الانتخابات، وقال إن إجراءات المفوضية «لا تبشر بانتخابات حرة نزيهة»، وأضاف أن ما يصدر عن المفوضية يجعلها «دبابة ثانية» لحزب المؤتمر الوطني. وقدم صديق يوسف، مسؤول الحزب الشيوعي للانتخابات جملة أرقام دلل بها على ما سماه تزوير إجراءات الانتخابات، وقال إن المفوضية من جملة 800 طعن قُدم لها في تحديد الدوائر الجغرافية، قبلت 200 وحتى الآن لم نسمع أي تغيير حدث في الدوائر الجغرافية التي قبلت فيها الطعون.

    وقال إن مفوضية الانتخابات قالت إن نسبة التسجيل للسجل الانتخابي بلغت 80%، وأضاف أن هذا دليل على التزوير «لأن التجارب المشابهة الأفريقية والآسيوية تشير إلى أقل من ذلك» وقال إن نسبة التسجيل في آسيا بلغت «65%»، كما أن مركز كارتر للسلام قال إن نسبة التسجيل ضعيفة فكيف يكون ضعيفا وتصل النسبة إلى 80%. وكشف أن السجل الانتخابي للقوات النظامية كشف أن جزيرة توتي، وهي جزيرة في نهر النيل قبالة الخرطوم، على الرغم من أن بها قسم شرطة صغيرا، كشف السجل أن بها 1958 عسكريا، وقال إن «حي المطار الذي يسكنه الرئيس البشير ونائبه الأول سلفا كير وعدد من أساتذة الجامعات أظهر الإحصاء السكاني أن به 924 شخصا، فيما أظهر السجل أن به 1730 شخصا. وقال يوسف إن هذه الأدلة تؤكد أن السجل الانتخابي مزور. وقال إن تعداد السودانيين خارج السودان 6 ملايين شخص سُجل منهم 102 شخص فقط نتيجة للعراقيل التي وضعتها المفوضية أمام التسجيل في الخارج.

    في الأثناء، شاعت تسريبات صحافية أن المكتب السياسي لحزب الأمة المعارض اعتمد ترشيح الصادق المهدي لانتخابات رئاسة الجمهورية المقبلة، وأكدت مصادر مطلعة داخل الحزب أن المهدي أرجأ إعلان هذه الخطوة إلى حين قراءة خارطة التحالفات مع القوى الأخرى خلال المرحلة القادمة. وقال الفريق صديق محمد إسماعيل، الأمين العام للحزب، عقب الفراغ من اجتماع المكتب السياسي للحزب، إن الحزب قرر خوض الانتخابات ومواصلة العمل لتحقيق مطلوبات النزاهة والحرية، وأضاف: تقدمنا بمقترح للمفوضية القومية للانتخابات بتكوين لجنة مشتركة من الجهات ذات الصلة تقوم بتهيئة المناخ الملائم للانتخابات، باعتبار أن خطوات الانتخابات فيها كثير من الممارسات المهددة لمبدأ الحرية والنزاهة، بيد أنه قال إنها لم ترد حتى الآن.

    وقال بيان صادر عن مكتب الصادق المهدي، أمس، إنه لو أجريت الانتخابات في موعدها في أبريل (نيسان) 2010 ولم يوف بالاستحقاقات المطلوبة، فهنالك 3 خيارات إما المقاطعة، أو خوضها مهما كانت الظروف، أو خوضها بحد أدنى من الشروط، ونبه إلى أن الخيار الثالث مرهون بتجميد قانون الأمن، وإلزام أجهزة الدولة النظامية والمدنية بالابتعاد عن العمليات الانتخابية، وأكد أنه مهما كان رأيهم النهائي فسيواصلون خوض الانتخابات وتحديد مرشحيهم في كل مستوياتها دون تردد.
                  

01-07-2010, 08:48 PM

Nazar Yousif
<aNazar Yousif
تاريخ التسجيل: 05-07-2005
مجموع المشاركات: 12465

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: هل يمكن الخروج فى مسيرة يوم 26 يناير فى ذكرى تحرير الخرطوم ؟ (Re: Nazar Yousif)

    Quote: وكشفت مريم الصادق أن أحزاب «تحالف جوبا» لديها خطة تعبوية كاملة للعمل على دفع تنفيذ استحقاقات الانتخابات، تشمل تعبئة سياسية ودبلوماسية وميدانية، وقالت «اتفقنا مع حديث المؤتمر الوطني بأن الأمم المتحدة لا يحق لها مراقبة الانتخابات باعتبارها ممولة لها»، وأضافت «ولكن وجهنا دعوات للاتحادين الأوروبي والأفريقي ليكونا جزءا أصيلا من الرقابة».

    وردا على الموقف النهائي للتحالف من حيث المشاركة في الانتخابات أو مقاطعتها، قالت مريم المهدي، إن أحزاب التحالف «تدرس في داخل أجهزتها الحزبية الموقف النهائي للمشاركة في الانتخابات من عدمها، وستعلنها في اجتماع لقادة هذه الأحزاب في مقبل الأيام»، بينما وصف كمال عمر المسؤول السياسي لحزب المؤتمر الشعبي بزعامة الدكتور حسن الترابي، المناخ السياسي في البلاد لأنه «مختلط بالتجاوزات والانتهاكات»، كما وصف مفوضية الانتخابات بأنها «غير أمينة لأداء رسالة الانتخابات»، وقال «لو ربطنا ما حدث في المفوضية والبرلمان في الفترة الماضية فإنه يشير إلى جملة تؤكد أن الحكومة غير جادة في إجراء الانتخابات الحرة النزيهة». وشكك في السجل الانتخابي، وقال هذا السجل الانتخابي «مضروب»، أي تالف، وحذر من أن الانتخابات «لو تمت في هذه الهيئة ستحدث ما لا تحمد عقباه». كما شكك ممثل الحركة الشعبية في المؤتمر الصحافي «بطرس قرنق» في عمل مفوضية الانتخابات، وقال إن إجراءات المفوضية «لا تبشر بانتخابات حرة نزيهة»، وأضاف أن ما يصدر عن المفوضية يجعلها «دبابة ثانية» لحزب المؤتمر الوطني. وقدم صديق يوسف، مسؤول الحزب الشيوعي للانتخابات جملة أرقام دلل بها على ما سماه تزوير إجراءات الانتخابات، وقال إن المفوضية من جملة 800 طعن قُدم لها في تحديد الدوائر الجغرافية، قبلت 200 وحتى الآن لم نسمع أي تغيير حدث في الدوائر الجغرافية التي قبلت فيها الطعون.
                  

01-08-2010, 06:00 PM

Nazar Yousif
<aNazar Yousif
تاريخ التسجيل: 05-07-2005
مجموع المشاركات: 12465

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: هل يمكن الخروج فى مسيرة يوم 26 يناير فى ذكرى تحرير الخرطوم ؟ (Re: Nazar Yousif)

    Quote: شاوشيسكو ..

    واضح أن رئيس الحكومة لا يريد أن يقطع ما تبقى من شعرة معاوية مع جناح نيفاشا لعله يحتاجه في ملمات غير منظورة. لكننا إذا نظرنا في عتمة سراديب الملمات غير المنظورة هذه، فقد نرى أن رئيس الحكومة قد وضع نفسه في وسط دائرة من المتشددين الذين أصبحوا كل السلطة وكل الحكومة وما على الرئيس إلا تنفيذ إرادتهم. لقد سار رئيس الحكومة في دهليز التشدد، وظل الدهليز يضيق كلما توغل فيه حتى لم تعد هنالك مساحة كافية تمكنه من الاستدارة والعودة. وبالنظر إلى تجارب الحكومات الشمولية في العالم فإن سيطرة المجموعة المتشددة العنيفة تعتبر حالة عادية تمر بها كل الحكومات الشمولية لأنها تشرنق نفسها في نهاية مطافها تشرنقا ذاتيا ضمن دائرة صغيرة مغلقة مكونة من الغلاة والمتشددين. وبسبب ضيق الدائرة وتكونّها من مجموعة واحدة ذات توجه واحد متشدد مثلها مثل أي خلية آحادية، فإنها تعجز عن استيعاب مجموعتين متناقضتين في جوفها كالذي جرى في السودان وغير السودان، وهذه واحدة من حسنات الشمولية لأنها تقترب بنفسها من نهاية أجلها سواء بتشرنقها وبالتالي عزلتها وتساقط أجنحتها وصيرورتها كهدف معزول مكشوف يسهل ضربه، أو أنها تدمر نفسها تدميرا ذاتيا عندما تحيط بها الضغوط تماما مثلما تفعل العقرب التي تلدغ نفسها عندما تحيط بها النيران من كل جانب. ومن حيث أن المجموعة المتشددة تدخل بدورها في معركة البقاء، فإنها تجعل من الرئيس كبش فداء مثلما حدث للرئيس الروماني نيكولاي شاوشيسكو الذي تم إعدامه بواسطة جنرالاته بعد أن جعلوا منه رمزا للدكتاتورية والقهر، وصنعوا من جثته وجثة زوجته الواحدة معبرا للخلاص. وهكذا دائما تكون نهاية أي رئيس شمولي حيث يأتيه ما يحذر في مكمنه من مأمنه على يد المجموعة التي أراد أن يجعل منها ملاذا آمنا لنفسه .. ولن تجد لسنة الله تبديلا.
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de