|
Re: الجُـوع ..! قصـة .. (Re: هشام الطيب)
|
[3] والجُـوع كائن أصفر اللون مُفترس بلا رأفة ، شيّد مسكنه بداخلي بعد أن التهَّم ثُلة العصافير التي كانت تضحك في بطني كلما نفد الغذاء. كـاد الجوع أن يقضي عليّ يومها ، كانت ليلة مشئومة ، حين صارعني بعد أن كان يصرخُ بأعلى صوته حاولت أن أتماسك حينها لكن دون جدوى ، أسقطني أرضاً . كان البرد حليف الجوع يومئذ في تلك المعركة ، ولم يكُن لي من حليف سوى الحظ الذي جلب احد سكان المدينة حين اصطحبني إلى المشفى في ذلك المساء لولاه لكُنت الآن أغطُ في نوم عميق تحت هذه الأرض التي تكتظ بالجوعى وبحلفاء الموت الأشرار. لو خلا الليل من أيامنا لكُنت قد عشتُ متماسكاً دون ان أُبرم معه أية اتفاقيات . لامناص إذاً ؛ فالبرد قارص ، ومخيف جداً وبقائي صامداً على سطح هذا الكوكب يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالتخلص من الجوع كأساس للإنطلاق نحو صناعة حياة أفضل أكون انا متماسكاً فيها بالقدر الذي يوفِر لي قطع الخُبز ولأخوتي الجوعى على أرصفة المدينة .
| |
|
|
|
|
|
|
Re: الجُـوع ..! قصـة .. (Re: هشام الطيب)
|
[4] أقنعتُ الجوع بعد جدال كثيف بأني سأوقع معه إتفاقية أظلُ بموجبها متماسكاً الى حد ما ولأضمن قطعة خبز يومية لإخوتي تبقيهم أحياء . عرضتُ عليه إتفاقية (الغذاء مقابل الصمود) وبالفعل اتفقنا ، لكنه كان منذ يومها يتضجر ويتذمر كلما تأخرت في تنفيذ البنود . يخاطبني بصوته المتضجر الذي يَدُك حُصون بطني : - لن تقوى على المسير إن لم تنفذ بنودنا التي اتفقنا عليها. - ستموت واقفاً في هذا الشتاء .. ما أصعبه من موت كلا ..لن أموت واقفاً ، كلا لن أموت هكذا .. أقول في نفسي .. ونفسي التي باتت تصارع هوى نفسي تأبى أن تموت ، وأخرى تفضل الموت من هذا الضجر . لكنني أنصاع لمطالبه في نهاية المطاف حينما أفكر ملياً في مصير إخوتي الذين يتوسدون أرصفة المدينة يغرقون الشوارع بالدموع .
| |
|
|
|
|
|
|
Re: الجُـوع ..! قصـة .. (Re: هشام الطيب)
|
[5] - بدلاً من فتات الخُبز ، ستأكل وجبة كاملة في كل يوم .. يقول الجوع. - لا ، لا أملك ثمن الوجبة ، سأكل قطعة خبز واحدة .. أقول أنا .. - إذاً ستموت واقفاً .. - حسناً ؛ سأتناول الطعام كما اتفقنا ، وستقدم لي مايقيني من شرور الموت وحلفائه في هذا الشتاء . - لن تنجو من برد الشتاء .. - دعك منه ، سأقاومه إن لم تخرق عهدك معي .. الليل كائنٌ أعمى متوحش بلا رحمة أخشى قُدومه في كُل يوم خاصةً في أيام الشتاء القارص الشوارع تكون باردة وجوالات "الخيش" التي أتوشحها صباحاً تكون كما قطعة صغيرة أمسك بها ليلنا الأعمى ويوشكُ على التهاما في سواد الفناء المظلم . واخوتي الجوعى الصغار يغرقون شوارع المدينة بالدموع لايتوسدون سوى التراب ، لايحلمون سوى بقطعة خبز تُبقيهم أحياء صامدين . يَكون الليل قد غزى نهارات االمدينة ويكون الجوع مثل بقية الاشرار في هذي المدينة قد نقض اتفاقه معي بعد أن اهديته قطعة خبز يابسة. كما نقض عهده مع كُل الكائنات الضعيفة . ثُم مضى يبحثُ عن حلفاء آخرين.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: الجُـوع ..! قصـة .. (Re: هشام الطيب)
|
[6] صاحب المقهى يرتدي معطفه الأنيق ، يُمسك قداحة سوداء فاخرة ، وسيجارة .. صوَّب نحوي نظرات الاضطهاد البغيضة بعد أن أيقظ موسيقى الموت من نومها في مسرح مساء شتوي قُدِّر لي أن أكون بطله. ترنحتُ انا في الدروب راقصاً على انغام موسيقى الموت ، توشحت جوال الخيش وضربت بآلتي الموسيقية جرساً أخير قبل أن اسقط. - ورنِش ، ورنش ، ورنِش.. الموت أهون من حياة الجوع ، سيظل قلبي ينبض من تحت الأرض للأطفال في أرصفة المدينة .
| |
|
|
|
|
|
|
Re: الجُـوع ..! قصـة .. (Re: هشام الطيب)
|
وللجوعي قصص كثيرة، فعندما مرت فوق اجسادنا الغضة الشاحنة المحملة بالدقيق والسكر لم تكترث لجوعنا ولا شعورنا بالدف من تدثر جوالات الخيش، فكانما مكتوب علينا ان نموت وفوقنا ما كنا نحلم به. الي الامام ودي جدعة بمناسبة قصص الجوع
| |
|
|
|
|
|
|
Re: الجُـوع ..! قصـة .. (Re: Mohamed Salih Dafalla)
|
Quote: لولاه لكُنت الآن أغطُ في نوم عميق تحت هذه الأرض التي تكتظ بالجوعى وبحلفاء الموت الأشرار |
العزيز هشام ياخ شكراً لهذا الجوع .. وشكراً لهذه الكتابة الصادقة ولولاه ياهشام لكنا وكنا و
كنا
دمت ايها الصديق
| |
|
|
|
|
|
|
Re: الجُـوع ..! قصـة .. (Re: هشام الطيب)
|
الأخ الأصغر العزيز هشام الطيب لك مني التحية والتجلة ووافر الإحترام شكراً لهذا النص الجميل وعظيم اتفاق الغذاء مقابل الصمود مع خالص تحياتي د. صلاح البشير
| |
|
|
|
|
|
|
|