|
Re: رحل الصديق( بكار) الذى قال إن مذهبه (الإنسانية) ..والبشير باق !! (Re: قيقراوي)
|
دمعة على بشير عصر يوم الخميس 21 يونيو ، هاتفته ، بعد انقطاع دام أسابيع طويلة، وحادثته في شأن أضحكه، تلك الضحكة الهادئة الوديعة ، التي لا تصل أبدا حد القهقهة، وتناولنا أطراف الحديث ثم انصرف كل منا إلى شأنه ، على وعد اللقاء. صبيحة الجمعة، يوم عمل آخر هنا، أو كما يقول الأمريكان " يوم آخر، دولار آخر". جلست إلى مكتبي، تصفحت البريد الإلكتروني، شرعت في معالجة بعض المسائل التي وجدتها على مكتبي، سمعت الهاتف يرن كما يفعل طيلة أيام العمل، رفعته بآلية ولكني وضعته وأنا زائغ البصر، بين مصدق ومكذب: سودانيز أون لاين تنعى بشير بكار رقد بشير ذلك المساء ، بعد ضحكته تلك بسويعات، كما يرقد كل من قضى يومه مجهدا ، ولكنه لم يشهد مولد صباح اليوم التالي ...لم ينهض من مرقده ذاك ليبدأ مشوار الحياة اليومي سعيا وراء الرزق في الأمم المتحدة وجهادا في سبيل وطنه الذي استوطن جسده وروحه. حمل معه حبا للسودان يفوق العشق والوله (حتى كنت أداعبه باتهامه بالهوس الوطني)، وهمّا مقيما ، مخلوطا بحزن غائر كجرح لا يندمل وهو يري الوطن مقطع الأوصال ، مشردا بين الأمم ، فاقد الصدقية، والناس فيه أحياء كأموات ، لا يهمّم استيقظوا من نومهم أم لم يستيقظوا فليس لديهم في كل الأحوال ما يخسرون ... بل الموت ربح لهم. ولولا أن الموت موعد مضروب لا يقبل تعديلا ولا تبديلا، ولا تقديما ولا تأخيرا ، ونهاية حتمية وإن تعددت الأسباب، لكدت أجزم أن ذلك الحب المشبّع بالأسى هو وحده الذي أخمد قلبه الكبير تحت ضغط لم يستطع هذه المرة الصمود أمامه. كنت أعرف لبشير أصدقاء ومحبين كثر من بين إخوته الجمهوريين وآخرين من نحل ومدارس أخرى، وآخرين تربطهم به صداقة وزمالة وغير قليل من مصلحة مادية، مثل كاتب هذه السطور. كنت في أشهري الأولى من التقاعد، وقد زال مجد الوظيفة وتقلص عائدها المادي ولم أكن قد عثرت بعد على عمل بديل وكنا نلتقي كما يلتقي الأصدقاء والإخوان في مبنى الأمم المتحدة. في أحد اللقاءات قال لي بشير بحيائه الجم، وأحسب أنه كان مدركا لهمي ، أن بإمكاني أن أتعاون مع قسم المحاضر الحرفية العربية الذي كان هو نائب رئيسه آنذاك. قال لي بلباقته المعهودة " أقلّه تشغل نفسك وتعمل ليك قرش قرشين" شريطة أن أجتاز الاختبار اللغوي، وقد كان. ولكنها لم تكن "قرش قرشين" بل كمية لا يستهان بها من الدولارات أعادت الكثير من التوازن إلى ما اختل من وضعي المالي وأتاحت لي الحفاظ على مستوى حياتي إلى حين عثوري على مصدر رزق آخر. وأهم من كل ذلك، علمني التعاون معه قدرا من التواضع كنت أفتقده فقد كان الرجل زميلي في الدبلوماسية السودانية فغدر به أدعياء "الصالح العام" كما غدروا بغيره من خيرة شباب الخارجية والمصالح الحكومية الِأخرى ( لا أدري إن كان السبب أنه جمهوري) فيما لم يمسسني منهم شر ( ربما لأنني كنت أصلا معارا إلى اليونسكو)، ثم تزاملنا مرة أخرى في "منظومة" الأمم المتحدة، وكنت أرفع منه منصبا، فإذا به من موقع المراجع لما أكتب تحت إشرافه يوجهني برفقه المعهود، بل أحيانا بما يشبه الاعتذار، إلى كثير من الأخطاء وأنا الذي كنت أصنف نفسي في عداد العارفين باللغة العربية، ويقينا أنها ، على جمالها، الأصعب بين لغات الأمم . ثم تولى هو نفسه رئاسة القسم ، فلم ير العاملون معه ، وأنا فيهم ، أرفق منه ولا أكثر تواضعا. كان واحدا منهم ...لا أكثر ولا أقل. كنت إذن أعرف عنه كل ذلك ولكن لم أحسب أن حبه في قلوب من يعرفونه يبلغ هذا الحد، فما هي إلا سويعات على نشر الخبر حتى انهمر سودانيو الولايات المختلفة على نيويورك ففاض بهم المسجد عند صلاة الجنازة والمقبرة الإسلامية بنيوجيرسي عند مواراة الجثمان الثرى. لم أشهد بكاء بتلك الحرقة والإحساس بالفجيعة إلا أن يكون على زوج أو ولد أو والد. أخوته الجمهوريون تحلقوا حول جسده الطاهر يسلمونه إلى بارئه مصحوبا بأدعيتهم وباسم " الله" يرددونه بصوت واحد وبلا انقطاع. الآخرون وقفوا واجمين تتحرك شفاهم بصمت بآيات من القرآن الكريم ترحما عليه، والعيون تفيض دمعا. جيرانه في المسكن تعجبوا من هذا الكم الهائل من الرجال والنساء الذي وفد إلى حيهم فجأة فهم لم يكونوا شهدوا مأتما مثل هذا فالعزاء عندهم قوامه بضع أشخاص من المقربين ، يرتدون أزهي لباسهم وحليّهم ويحتسون ما تيسر من المشروبات الروحية مع ما لذ وطاب من الأطعمة الفاخرة على أنغام الموسيقى ثم ينصرف كل إلى شأنه. ماذا يمكن أن يقال عن بشير سوى أن أحدا لم يره يوما عابسا أو غاضبا أو لاعنا أو متوترا أو رافعا صوته؟ ماذا يقال عن رجل حدد لنفسه هدفين أساسين ونذر حياته لهما : الوطن والأسرة، فرحل يحمل معه إخفاقات الوطن ونجاحات الأنجال، وهو نجاح أصبح مضرب المثل في الأسر السودانية وفخرا لنا جميعا لا لأنه فاخر بمثل ذلك الإنجاز أمام الملأ بل لأنه كان نجاحا خارقا بكل المقاييس ولا مجال لإخفائه. رحل بشير إذن وقد ربحت تجارته واستثماره مع شريكته زينب أم العيال التي اقتسمت معه المسؤلية بصبر ونكران ذات وتجرد فتعهدت الشجرة بالرعاية والسقاية والعناية حتى أينعت ثمارا وقطوفا. لله درك يا بشير، وما أحسبك رحلت ألا مطمئنا على مستقبل أنجالك. عزائي إلى محبيك وأصدقائك وزملائك ورفاق دربك في الفكر والسياسة والعمل والوطن ، ولا أخص أحدا منهم : لا إخوتك الجمهوريين فما هم إلا فصيل من فصائل محبيك وإن كانوا الأقرب إلى قلبك ، ولا حركة "حق" التي كنت على دفتها وخسرت برحيلك المفاجئ والمربك زعيما ثائرا، بل لا أخص أحدا بالمرة لأن الكل قد أجمع على حبك بنفس القدر مع اختلاف الأسباب والدوافع. ذاك رصيد حب لا ينبغي لي أن أنقصه بتوزيع الدرجات، ولكنني ، باسمهم جميعا، أكتفي بأن أرفع كفي تضرعا إلى الله العلي العظيم أن يتقبلك قبولا حسنا وأن يجزيك خيرا على ما قدمت في حياتك القصيرة ، وأن يتجاوز عن سيئاتك فما من بشر معصوم، وأن يجعل البركة في من خلفت من عيال نوابغ وأمهم، وأن يرى من بقي وراءك جزءا من أحلامك للوطن وقد تحقق. فلتنم هانئا يا بشير بكار فقد أبليت بلاء حسنا وآن لك أن تستريح.
الفاتح إبراهيم حمد نيويورك
| |
|
|
|
|
|
|
Re: رحل الصديق( بكار) الذى قال إن مذهبه (الإنسانية) ..والبشير باق !! (Re: Omer Abdalla Omer)
|
سيدي البشير بي عيسى بن بكار: من أين صندل نجرت؟؟!! عبدالله عثمان - جامعة أوهايو [email protected] للقاص شوقي بدري عبارة جامعة مانعة في وصف سمت الجمهوريين وخلقهم (ما شفنا جمهوري ما جميل، تقول بنجروهم من الصندل)... لعل تلك العبارة الآية هي ما كنت أبحث عنه أول رؤيتي للعزيز بشير عيسى بكار منذ ما يزيد على الثلاثة عقود. دلفت الى سوح الأستاذ محمود وأنا بعد ابن عشرين، بشير يكبرني بأعوام قليلة، ولكني وجدته في مجتمع الجمهوريين كبيرا، يقود نقاشاتهم الفكرية ويعقد له الأستاذ محمود محمد طه لواء قيادة الوفود الميدانية وغيرها حتى عقد الزيجات بآخرة، يصدر جرائد الحائط، يكتب ويناقش بالعربية والفرنسية، وتصل تقاريره من فرنسا لتقرأ على الملأ فنزداد زهوا به فنتمثله ونود ألو أن لنا كسبه، وهو كسب بعد جد عظيم. ولعل حادثة صغيرة تبيّن لنا أن بشيرا قد أعد لأمر أن يكون "قداميا" منذ صباه الباكر، فقد حدثني مثلا عن كيف أنه أصرّ على أن يتم "تشليخه"، في عهد تكاد تكون أبطلت فيه هذه العادة، فحمل بشير الموسى بنفسه وذهب للشلّاخ ليقوم بتزيينه بتلك الشيوخ الجميلة التي كان يزيدها بشير بسمته ونضاره جمالا على جمال، ولعل هذا الأمر ايضا فيه رمزية "الفداء" الصوفية بصورة من الصور. زملاء بشير، الذين درسوا معه في وادي سيدنا ثم حنتوب، يحدثونك عن كيف أنه كان طالبا ألمعيا مشاركا بكلياته في شتى ضروب الحياة، فقد رفدته البطانة وأرثها العامر بذخائر من المعرفة والدربة قل أن تتوفر لشخص واحد الا أن يكون "مختارا" ومهيأ لأمر عظيم مثلما كان البشير. يحدثنا القاص د. بشرى الفاضل عن بواكير أشعار بشير وفيها يتبين لنا فيها فخره بانتمائه للعنصر الأفريقي الذي لا يزال كثيرون منا يودون ألو يلوذون منه فرارا، ويزيلونه من تاريخهم العربي المجيد!! يقول بشير في مطلع واحدة من قصائده تلك: أنا فتى في قلب قارة العبيد يمينها صحارى يسارها مستنقع الركود ثم كان ذلك ريح طيب، ولا شك، الذي رمى ببشير الى منبع النور، سوح الأستاذ محمود محمد طه، تلاقت الشكول بالشكول فأفتّرت جوانح بشير عن المزيد من تالد العرف الطيب الذي أنطوى عليه بشير. مرّ بشير خلال انغماره في بؤرة ذلكم النور بتجارب روحية غريبة، يضيق المجال عن سردها هنا، ولعل أبرزها تجربة موت حسي تعرّض له بشير خلال تدّربه ، أول عهده بوزارة الخارجية، في معسكر "وداي سيدنا". للوادي نفسه واسمه دلالات روحية عند بشير اذ ارتبطت الأودية، أودية الحقيقة والشريعة، بمعان عرفانية رفيعة عند المتصوفة فكيف بواد صاحبه "سيدنا". لم يشأ بشير، أو لعله لم يؤذن له، أن يتحدث كثيرا عن مكنون تلك التجربة الغريبة، ولكن ما يمكن للمرء أن يتلمّسه من ذلك أن قد ظل بشير في توق لما طولع به بصورة أو بأخرى، ويستبين لنا ذلك التوق في تتبع مسيرة بشير الفكرية والسياسية كلها فقد كان روحا قلقا لا يهدأ وهو يبحث عن خلاص يحسه فيتمناه لنفسه ولغيره. ظل يرفدنا في صالون خاص للجمهوريين بأحاديث تشي عن ذلك التوق مثل كتاباته عن "تجربة الدنو من الموت" و"تجربة ما بعد الموت" وعبارة للأستاذ محمود عثر عليها بشير في دفتر خاص تتحدث عن الحياة "وبالطبع الموت" وكيف أن تلك العبارة أخافته فأحب أن يشرك فيها أخوته لعل واردا منهم ان يعينه في تلمس غياهب تلك الدروب، دروب العودة للوطن القديم عبر الموت أو الإنتصار عليه. ظل شاخصا ببصره لفك طلاسم ذلك اللغز "الموت" وكنت أحس بعباراته عندما أنعي له أحدا من أخواننا (والله البعرفهم بي غادي بقوا أكتر من البعرفهم بجاي)!! أحس في تلك العبارات شيئا من ذلك التوق. استوقفني عزاؤه عند رحيل أحد أكبر أخواننا – جلال الدين الهادي الطيب – وكان قد سبقه بأربعة اشهر الأخ الأكبر – سعيد الطيب شايب، فكتب لنا بشير أنهم عندما كانوا صغارا ويختطف بعض الصياد فراخ القمرية.. كانت القمرية تنوح على صغارها فيتخيلون أنها تقول: الشال سعيد ما يرجا العيد.... الشال بلّال ما يرجا الهلال يقول بشير ، كادت تقول "الشال جلّال ما يرجا الهلال" أحسب أن قمريته هذه تنوح الآن بـ "الشال بشير ما يرجا أمشير" غادرت أمريكا على عجل وكان آخر من اتصلت بهم، في صباح باكر، هو البشير. رد عليّ متوجسا وقال لي "حسبتك تريد أن تنعي لي أحدا من أخواننا"... كان مستعدا لذلك الأمر بالقول والفعل، فظل كأنما نصب له علم فشمر يطلبه يعمل لغد يراه قريبا بلا كلال ويذّكر نفسه وغيره بأن ذلك الغد لابد آت، وفي أمره فكأنه كان يراه، بل يراه، فبشير قد أورثته التجارب في سوح الأستاذ محمود شفافية روحية غريبة، ومن الواضح أن هذه الشفافية لها ايضا جذور ممتدة في الأسرة، فقد حدثنا شقيقه حمد بكار أن والدتهما قبل يومين من انتقال بشير سألت حمدا عن بشير وقالت له أن قلبها يحدثها أن أمرا يحدث لبشير... كان بشير مستشعرا ذلك الأمر ايضا وقد كتب لنا معزيا في الوالدة فاطمة عباس سليمان منذ حوالي ثمانية اشهر قائلا: (لقدكانت فاطمة معجزة من معجزات الفكرة الجمهورية والأستاذ. أشد ما أحزنني أنني كنت منذ سنوات أنوي في زياراتي القصيرة والسريعة إلى السودان أن اصل الأستاذ مجذوب والأستاذة فاطمة والأسرة في معتكفهم اللطيف في الجنيد لأسرّ برؤيتهم ومعيتهم الروحانية العميقة، ولم أتمكن. ستكون زيارتي التي لابد منها والتي آمل أن أجدهم فيها كلهم بخير، زيارة حزينة ولكنها مليئة بالذكريات اللطيفة عن فاطمة الصالحة الفالحة. من الخير لنا جميعا أن نستعد ليوم الرحيل فما أقربه بعد رحيل كل أولئك الأعزاء. ألحقنا الله بزمرتهم وزمرة الصالحين يوم ينادي المنادي. وأن الحمد لله رب العالمين) ظل هكذا بشير، منتقيا من الكلم والفعل أطايبه، مشغولا ومهموما بأمر الإنسان من حيث هو إنسان، وفي ذلكم فقد كان أمر السودان "غاية شريفة" وظف لها نفسه، كل نفسه، وقد رأى بشير الكارثة تكاد تطبق علينا مثلما رآها "ود دوليب" منذ عهد بعيد فكتب بشير في العام 1987 من تشاد مستشرفا ما حلّ بأهل السودان من حكم أهل الجور الذين يقيمون على أنفاسه الآن، كتب قائلا: أنوحُ على قلبي الذي فقدتُهُ وأهلي، وقومي، وداري وربِّي الذي ودَّعَنَا وصار منه القِلَى وهْوَ غاضبُ * * * النذير وتَعْوِي كِلابُ الحيِّ نحوَ السماءِ مِثْلنُا إذ ترى البلاءَ نازِلاً على أهلِ القُرى جميعِهِم يَسْتَويِ لديهِ سادِرُ في غيِّهِ وتائبُ يُخَيِّمُ الموتُ شرقاً وغرباً ومِن كُلِّ الجهاتِ تأتي النوائبُ فالهَرْجُ والمَرْجُ والبطشُ والظلمُ والفقرُ المُذِلُّ يُحيلُ العذارَى بغايا والرجالَ عبيداَ خانعينَ، ولا مَنْ يحاسِبُ * * * ما مِنٌ قريةٍ طغَى المتُرفون فيها وأَفسدوا إلاَّ أتاها الدَّمارُ بياتاً أو قائلينَ وحلَّ العذابُ الواصِبُ ففي بيزنطةَ القديمةَ عبرةُُ وفي بغدادَ بعد عِزِّها ومكَّةَ والمدينةَ لم تَسْلمَا وقد تناوَشَتْهُمَا المُصائبُ ودكَّتْ فئاتُ الظالمينَ البيتَ ذاتَ مرَّةٍ فوقَ من لاذوا بِهِ واستباحتْ نِساءَ المدينةَ أخرى كما يَستبيحُ الغُزاةُ الأجانِبُ افتقدناه كثيرا عندما ذهب للتشاد، دبلوماسيا بسفارة السودان هناك. ظل على ارتباط وثيق بنا يرسل لنا خطابات غاية في اللطافة نظل نستبطىء مجيئها لشدة تعلّقنا بها. كان يكتب لنا بقلم الأديب الأريب، وعين الخبير المدرب، مشاهدات عامة عن انسان التشاد البسيط ويحببه الى أنفسنا. لا أزال أتذكر من خطاباته تلك بعضا مما كان ينقل لنا من نشرة الأخبار في راديو أنجمينا (بعربي تشاد)، وهو قريب من عربي جوبا، فيقول أن ثمة أعلان لـ (فلان إندو بتّان رايح... البلقاهو ليهو ريال مجيدي) ... أو (فلانة إندها سبوء "سبوع" وبتقول لي فلانة وفلانة وفلانة لازم تيجوا" ... ظل بشير هكذا، مشغولا بأمر الناس، من حيث هم ناس، ساعيا في قضاء حوائجهم ولقد يحكي لك الذين زاملوه في أسمرا أو في القاهرة، أو أديس أبابا وجوبا وباريس وواشنطون قصصا وقصص، لا أقول تصل حد الأسطورة، بل هي اسطورة حقيقية. جآءنا مثلا، من بعثة للأمم المتحدة بالصحراء الغربية حاملا أوراق شابة جزائرية تعرّف على اسرتها هناك. بـ "سحره المعهود" هيأ لها مقعدا للدراسة في جامعة بأمريكا، رأت الشابة فيه ما لم تر في غيره فأصبحت تبوح له بما لا تبح به لغيره، فاتحته الفتاة، وقد أصبحت "صاحبة عقيدة" من ذاق وعرف، أن يبحث لها عن عريس تكون مواصفاته هي مواصفات بشير نفسه، شآءت إرادة الله أن تتزوج بطبيب اسمه بشير؟؟!! زميلة لها في السكن، يابانية المنشأ، أخذت بدورها تعتقد أن لهذا "القورو" الأفريقي العظيم "سر باتع" فأخذت تلاحقه بذات الطلب ... كلما نلتق يقول لي "البنية لا تزال تنتظر" أداعبه وأقول له يبدو أن "سرك الباتع" يا شيخ بشير محتاج لدروس تقوية في اللغة اليابانية... كان ذلك هم مقيم له، وهو اسعاد الإنسان من حيث هو انسان.. في آخر لقآءاتنا ناقش معنا كيف لنا أن نساعد أبنائنا في المهجر في أختيار شريك/ة حياتهم.. أقترح علينا أن يبدأ هو بتنظيم لقآءات صيفية تعقد كل مرة في مدينة وقال أنه سيبادر بدعوة الشباب لنيويورك لذلك الغرض. ذلك غيض من فيض من سيرة حياة عامرة، خصبة إنقضت عجلى، وقد وسده أهله ومحبوه "الباردة" في ثرى نيوجرسي وكأني بأخيه وصفيه فتح الرحمن عبدالقادر بابكر، وقد خفّ من كندا لوادعه قد وقف على تلكم الروضة متمثلا قول الطيب صالح في فراق أحد أحبابه (كان خفيفا جدا حين حملناه إلى مثواه الأبدي بين المغرب والعشاء، ولما وسدوه لحده نظرت إليه فإذا هو يشغل حيزا صغيرا من ذلك الفراغ العريض، تركناه مؤتنسا بربه في تلك الوحشة انشاء الله. وقد ودعناه الوداع الذي ما بعده وداع، وكأنني سمعته يقول ضاحكا :"يا أخي على ايه؟ ليه اتعبتو نفسكم؟". انصرفنا صامتين في العتمة بين النور والظلام) ... وإن انصرفوا، يا بشير، فما انصرفوا عن ملالة، وإن اقاموا "جوار روضتك"، فما عن سؤ ظن بما وعد الله الصابرين (سيدنا علي). عن مواجع ذلك "الإنصراف"، كتب الأخ بدر الدين عثمان موسى، أن سيدة من جنوب السودان كانت تبكي موجوعة ثم جثت و"خمشت" قبضة من روض بشير وتلك لعمري "رمزية" تجل عن الوصف فطوبى لتلك السيدة التي عرفت السر، طوبى لها ولكل من عرف أو سمع عن بشير، فبشير "بقية مما ترك آل يعقوب" أنى وقع نفع.
| |
|
|
|
|
|
|
|