|
هل يواصل اسماء في حياتنا عن حركة 1967م
|
في ذكراها الثلاثين .. مبارك المهدي يكشف لـ (السوداني) أسرار يوليو 1976 (2) يوليو لم تكن حركة (مرتزقة) كما أشاع النظام المايوي
سعد بحر كان قائد عملية يوليو واستبدل بـ محمد نور سعد لأسباب أمنية
تحل اليوم الذكرى الثلاثين لحركة الثاني من يوليو للعام .1976 تلك الحركة التي كانت من أشرس المعارك التي خاضتها الجبهة الوطنية ضد نظام مايو.. الجبهة الوطنية المشكّلة من الحزب الاتحادي الديموقراطي، حزب الأمة، وحركة الإخوان المسلمين.. نظام مايو اطلق على تلك الحركة (حركة المرتزقة)... وغطى دخان الذخيرة سماء الخرطوم الوادعة في صبيحة ذلك اليوم الثاني من يوليو... وبعد ساعات عاد (نميري) للسلطة وتشكلت المحاكم العسكرية وتم إعدام قائد تلك العملية الشهيد محمد نور سعد.. وبقي اسم العملية (حركة المرتزقة).
(السوداني) توثق لهذه العملية المهمة في مسار تاريخنا السياسي، إذ بعدها جاءت المصالحة الوطنية فأصبح أعداء الأمس هم حلفاء اليوم.
مبارك الفاضل المهدي، أحد الفاعلين في الحركة، يكشف لـ (السوداني) وقائع ما جرى في الثاني من يوليو لعام .1976
من (الكُفرة) بدأ التحضير لانتفاضة شعبان.. لكن تسرع د.زكريا بشير أفسدها
المشاركين كانوا (800) من الأنصار، (30) من الإخوان المسلمين، أما الاتحاديون فقد كان وجودهم سياسياً
حوار: احمد طه - الفاتح عباس ـ تصوير: عباس عزت
كانت تلك مرحلة من مراحل المواجهة مع نظام مايو... نأتي إلى مرحلة معسكرات العوينات وواحة الكفرة.. متى علمت لأول مرة بالاستعداد للمعركة القادمة ضد مايو؟!!
قبل هذه المرحلة حدثت تطورات سياسية مهمة ليس في السودان وحسب، بل في كل المنطقة. ففي السودان حدث انقلاب يوليو 1971 بقيادة هاشم العطا، وانقلب نميري على الحزب الشيوعي السوداني وأعدم قياداته: عبد الخالق محجوب، الشفيع أحمد الشيخ ورفاقهما. هذا أحدث تحولاً كاملاً لنظام مايو من (اليسار) إلى (اليمين)، هذا التحول قاد إلى تحول في مواقف الدول التي كانت تدعم وتؤيد الجبهة الوطنية، وهما السعودية وإثيوبيا. فصالحت اثيوبيا نظام مايو.. وسعت السعودية بقيادة الملك فيصل لعقد مصالحة بين (نميري) والجبهة الوطنية عند زيارة نميري (جدة)، وفعلاً تم توقيع اتفاق بين الشريف حسين الهندي ونميري واتفقا ان يتم إعلان في احتفال جماهيري بالسودان، ولم يلتزم نميري بذلك. اثيوبيا طبّعت علاقتها مع نظام مايو لدرجة أنها لعبت دوراً أساسياً في الوصول لاتفاق أديس أبابا الشهير عام 1972 لإنهاء حرب الجنوب، فالمعارضة المسلحة بإثيوبيا نزع منها السلاح وتحولت المعسكرات إلى معسكرات لاجئين.
على الصعيد الإقليمي حدث خلاف حاد بين النظام المصري والليبي فاستغلت الجبهة الوطنية هذا الخلاف فنقلت نشاطها العسكري من إثيوبيا إلى ليبيا، وتم ذلك تحديداً في عام 1973م. فذهب البعض من هؤلاء عبر السودان إلى ليبيا وتجمعوا في (الكفرة) وهذه مرحلة جديدة ونقلة نوعية في عمل الجبهة الوطنية المعارض لنظام مايو، ومن (الكفرة) بدأ العمل لانتفاضة شعبان 1974، وكان من المفروض ان تكون حركة شعبية كبيرة، لكن د.زكريا بشير إمام أعلن عن هذه الانتفاضة قبل التوقيت الذي حدد لها، مما أجهض المخطط...
بعد ذلك بدأ الاستعداد لعملية الثاني من يوليو لعام 1976م. عندما عرفت بهذا المخطط كنت طالباً بإنجلترا وكنت عضواً نشطاً بالجبهة الوطنية. وبعد تخرجي في عام 1975 قابلت السيد الصادق المهدي بالقاهرة وأنا في طريقي للخرطوم وأمرني الصادق المهدي بعدم الدخول في أي عمل من أعمال المعارضة القائمة الآن. وكانت الأسباب من وراء ذلك عدم (فتح ملف) لشخصي بجهاز الأمن. ففي فبراير 1976 اتصلت بي الجبهة الوطنية وطلبت مني مقابلتهم في (لندن) وتم تكليفي بتجهيز عربات نقل (لواري) وكانت هذه هي المرة الأولى التي اعرف بها عن مخطط عملية يوليو، لأن السرية كانت تفرض مبدأ (المعرفة والمعلومة حسب الحاجة). في مايو 1976 اتضحت الصورة كاملة أمامي للعملية، وهي عملية ذات ثلاثة أضلاع: ضلع عسكري تابع للجبهة الوطنية بالاشتراك، وضلع ثانٍ من كبار الضباط بالقوات المسلحة، وضلع ثالث سياسي وتعبوي للأحزاب السياسية المشاركة في الجبهة الوطنية.
الدعم الليبي هل كان القصد منه تصفية حسابات شخصية مع (نميري)؟ أم هو تأكيد للمقاومة الوطنية لنظام مايو؟
والطبيعي ان أي دعم يأتي لجهة معارضة لنظام ما من نظام آخر يأتي نتيجة للتناقضات بين هذين النظامين، مع الأخذ في الاعتبار تناقضات الحرب الباردة يومها والتناقضات الإقليمية. مثلاً عندما وقفت إثيوبيا والسعودية مع الجبهة الوطنية، كان السبب من ذلك محاربة المد الشيوعي في المنطقة.
وعندما انتهت (مايو الحمراء) جمدت اثيوبيا والسعودية علاقتهما مع الجبهة الوطنية وطبعتا العلاقات مع (مايو).. ولذات الشئ دعمت ليبيا المعارضة السودانية لنظام مايو لحدوث خلافات بين القذافي ونميري. فالمعارضات دائماً تجد الدعم من خلال الناقضات وليس من خلال ما تطرحه تلك المعارضات من رؤى سياسية.
ما هي الكيفية التي تم بها اختيار الشهيد محمد نور سعد ليكون على رأس تلك العملية؟ وهل كان هناك إجماع حوله من الاتحاديين والإخوان المسلمين؟ وهل كان الشخص المناسب لقيادة هذه العملية؟
قحسب متابعتي، فلقد كلفت ذات مرة الالتقاء باللواء سعد بحر والتقيت به وعلمت أنه هو الشخص المكلف بقيادة عملية يوليو 1976، وقد تم إرسال بعض المجندين من الأنصار وكانوا معه بمزرعته. فأخبرني سعد بحر بأنه مراقب مراقبة لصيقة من الأمن وطلب سحب المجندين الذين كانوا معه من مجموعته. وقد أبلغت الجبهة الوطنية بذلك.. فمن الواضح كان الشخص العسكري الذي سوف يقود عملية يوليو 1976 هو سعد بحر، وعندما واجهته مشاكل أمنية تم استبداله بالشهيد محمد نور سعد وكانت له مواقف سياسية مع نظام مايو فجرد من الرتبة واعتقل فاتصل به الإخوة بالجبهة الوطنية وتمت مقابلة بينه وبين السيد الصادق المهدي ود.عمر نور الدائم في المانيا وطرحوا عليه فكرة يوليو ورجوه ان لم يوافق ان يبقي الأمر سراً بينهم!! وقد حصلوا على موافقته ومن ثم طلبوا منه رؤية عسكرية متكاملة للعملية. فكتب رؤيته في حوالي عشرين صفحة اسماها (الجيش والمستقبل) وطبعت في كراسة صغيرة. وكان محور تلك الرؤية هو دور الجيش في النظام الديمقراطي وإبعاده من العملية السياسية وأن يحترف العسكرية فقط!! وقد آمن واقتنع الشهيد محمد نور سعد بتلك المبادرة من خلال تجربته الشخصية مع نظام مايو ومن موقعه كعسكري محترف، وعاش ما حدث للجيش السوداني، وما حدث له شخصياً بوصفه قائداً لسلاح فني بالقوات المسلحة. وحسب علمي- فقد كنت بالداخل- فقد حدث اتفاق فانتقل محمد نور سعد إلى ليبيا وأشرف شخصياً على تدريب القوات الموكول لها عملية الثاني من يوليو، وكانت علاقته مع كل المجموعات علاقة طيبة إلى ان دخل إلى السودان.
هناك حديث بأن الاتحاديين والإخوان المسلمين لم يقتنعا بقيادة محمد نور سعد للعملية لأن حزب الأمة أخفى عليهم هذا الأمر؟
ولا يمكن حدوث هذا لأن الشهيد محمد نور سعد عاش بالمعسكرات في ليبيا لأكثر من عام. والمسائل العسكرية لا تفتح للنقاش السياسي. فعملية يوليو اتفق عليها سياسياً من قبل قادة الجبهة الوطنية، وبعد ذلك تنفذ العملية وفق مبدأ (المعلومة على قدر الحاجة).. فلا يعقل أن يجتمع الشهيد محمد نور سعد بالاتحاديين لتنويرهم بالعملية العسكرية، فهذا يعرض العملية لتسرب المعلومات مما يؤدي إلى إجهاضها!!.
وعندما وصل محمد نور سعد للخرطوم لم يقابل السياسيين، فالسياسيون متروك لهم تنسيق الجهود العسكرية وعليهم انتظار اشارة البدء للعملية من الجانب السعكري. فالسرية المطلقة للعملية فرضت ان يتم الإعلان عنها عبر (البيان رقم واحد)، وتم ذلك بالاتفاق مع السياسيين والضباط العاملين بالقوات المسلحة ممن تم تجنيدهم لهذه العملية.
وهل كان هناك فعلاً ضباط من القوات المسلحة تم تجنيدهم لعملية يوليو 1976م؟
عنعم.. كان هناك عدد كبير من الضباط تم الاتفاق معهم لتأييد عملية يوليو 1976م.
تقريباً كم كان عدد القوة التي شاركت في هذه العملية؟ وهل تمت الاستعانة بعناصر غير سودانية؟
سكل المشاركين كانوا سودانيين (800) عنصر من الأنصار، (30) من الإخوان المسلمين، أما اللاتحاديون فلم يكن لهم وجود عسكري، بل كان وجودهم سياسياً فقط.
ودور الشريف حسين الهندي في المعسكرات؟
مدور الشريف حسين الهندي كان الإشراف على المعسكرات، وكان توزيع الأدوار حسب الآتي: السيد الصادق المهدي يبقى في لندن تحت غطاء أكاديمي وبأن لديه دراسات في جامعة اكسفورد. د.عمر نور الدائم وعثمان خالد بطرابلس على أساس ان لهما نشاطا سياسيا. الشريف حسين الهندي بحكم تكوينه غير ميال للعمل العلني والظهور، ولا يعلن عن مكانه ولا عنوانه فقد أوكلت إليه مهمة الإشراف على المعسكرات.. لذلك ظل الهندي لصيقاً بالعمل العسكري داخل المعسكرات ومشرفاً عليه.
|
|
|
|
|
|