|
Re: د.عبد الله علي إبراهيم مرشحا للرئاسة؟؟؟ بقلم عزالدين صغيرون !!! (Re: الرفاعي عبدالعاطي حجر)
|
عبد الله علي إبراهيم مرشحا للرئاسة؟ (2)
حتى هذا لا يبشر بخير!
عزالدين صغيرون
هي رسالة – طالما هفت وتاقت نفسي لتلقيها – من أستاذي وصديقي وأخي الدكتور عبد الله جلاب ، وهي من ذلك النوع من الرسائل التي يتبادلها الأصدقاء ، يناقشون ، أو يتحاورون حول آراء بعضهم البعض ، لافتا فيها نظري إلى بضع نقاط ينبغي أن توضع في الإعتبار ، وأعتقد أن من حق الناس عليَ أن أوضح ، وأزيل غموض ، ما يمكن أن يفهم على نحو غير الذي أعنيه ، أو أقصده وأهدف إليه .
(زاوية..ومحددات )
1/ وأول ما أريد ايضاحه هنا : هو التأكيد على أنني لم أقرأ عبد الله علي إبراهيم في إطار ما يقوله البعض..وما ينبغي لي أن أحاكمه في إطار في رؤيتهم له أو تقييمهم لمواقفه .
وحاشا لله أن أجهل فضل الدكتور الفاضل ، أو أن أغمطه دوره وإسهامه الثر في الثقافة السودانية ، ولست بتلك الأهمية ، وليس رأيي بتلكم القيمة ليؤثر في تحجيم دور الدكتور ، أو الحط من مكانته ، إذا ما افترضنا توفر القصد وسؤ النية - لعلة نفسية ما - في محاولتي لقراءة موقف دكتور عبد الله ، في شأن عام يتجاوزنا معا.
2/ وفي الواقع فإن المسألة – فيما أرى – أكبر مما كنت أقدر وأتصور ، والسبب في ذلك – مما قد يدهشك - هو مكانة الدكتور وقدره – وهو قدر كبير – فالدكتور "زولا ما ساهل" نظرا لكسبه الواضح والمؤثر في ثقافتنا السودانية.
وهنا تحديدا تكمن خطورة تأثير خياراته الإجتماعية والسياسية.
وفي تقديري إن هذا النوع من الرجال يجب الوقوف عند كلامهم وما يعلنون من مواقف ، لما لها ، ولهم ، من تأثير على الناس ، خاصة بين الشريحة الشبابية ، وكلنا الآن بات يعرف يقينا بأنهم أصبحوا الرهان الوحيد ، بالنسبة لمستقبل هذا الوطن ، الذي يواجه تهديدا يطال وجوده ذاته - هذه المرة - ، بعد ما فعل به الكبار ما فعلوا.
هذه هي الزاوية التي أطل منها على موقف الدكتور عبد الله.. وهذا هو الإطار.
(وعي ما/قبل الحداثة)
ومن هذا المنظور دعنا نسأل : ما مشكلة السودان ؟
إنه بلد يتوفر على كل شئ ، من تنوع وتعدد عرقي وثقافي في ثرواته البشرية ، وما يماثلها في ثرواته الطبيعية ، ما يؤهله لأن يكون في مصاف الدول الكبرى. ورغم هذا ها أنت تراه على ما هو عليه من ضعف و"هلهلة" ، الأمر الذي يثير دهشة العالمين ، لا دهشتنا نحن السودانيين فحسب ، و دائما يظل السؤال معلقا ، أو مسلطا على رؤوسنا ، سيفا ، يذكرنا بالعجز والخيبة والفشل : لماذا؟. ورغم أن الناس ظلوا يبحثون عن إجابة على هذا السؤال ، ويجتهدون في بحث الأسباب ، معتمدين في ذلك على مختلف مناهج الفلسفات والنظريات السسيوسياسية والسسيوثقافية ، - ولا تنسى أن قطاعا متناميا أصبح يبحث عن إجابة شافية على هذا السؤال في المخابئ اللاهوتية الماورائية ، بعد أن فشل العلم في مساعدته – ورغم ذلك لم يستطع أحدا - ما فيما نعلم - أن يضع أصبعه على الجرح رغم وضوحه الساطع.
فما هو هذا السبب؟
السبب – ببساطة ، فيما نعتقد - يعود إلى غياب مفهومي "الأمة" و"الدولة" في الوجدان السياسي للسودانيين ، أو مكونات الكيان السوداني ، وخاصة نخبه السياسية والثقافية الإجتماعية ، التي ، ولضعف ، أو غياب وعيها بمفهومي الأمة والدولة في فكرها السياسي ، ظلت تقوم بتقديم "الآيديولوجية" على الأمة والدولة معا !!.
ذلك أن العقل السياسي السوداني لازال يدرج في مراحل الوعي القبلي والطائفي والعشائري ، أي أنه ما يزال يشتغل في مستويات ما قبل الوعي السياسي ، العقلاني ، الموضوعي.
ويمكنك أن تستنتج ببساطة وسهولة بعد ذلك إن تمدد هذا الوعي الما قبل الحداثي ، إنما يتم خصما على مساحات تمدد الوعي السياسي المفترضة ، و التي تنكمش وتتقلص إلى مستوياتها الدنيا.
وفي ظروف تاريخية معينة يمكن أن يتخذ هذا الوعي - "ما قبل الحداثي" - مسارا مضادا ، فيقوم بتوظيف الرصيد المعرفي للفرد ، أو الجماعة في خدمته ، وتحقيق مصالح مجموعته الإثنية ، وهنا تكون الكارثة التي لا محيص عنها.
(التأسيس على جرف هار)
وعلى عكس ما درج أولئك "الهويويون" الذين ما برحوا ينظرون إلى "المركبات الثقافية" للشعوب نظرة إستاتيكية ، بإعتبارها مياسم /طبيعية/ثابتة ، فإننا يجب أن ندرجها ونضعها في سياقها التاريخي/الموضوعي ، ليتسنى لنا تفسيرها ، واستخلاص آليات تغييرها.
وبناء على ذلك ، دعنا نضع في إعتبارنا الآتي :
* إن جذور هذه المشكلة فيما أرى ، ترجع إلى لحظة قيام الممالك الإسلامية – مع التحفظ على الصفة والتسمية – المستعربة في كل من سنار ودار فور وكردفان (1450-1504 م) ، التي كرست بصورة كاملة هيمنة المجموعات الإسلامية /المستعربة ، وسيطرتها الإقتصادية والثقافية والإجتماعية والسياسية على المجموعات السودانية الأخرى.
إلا أن قيام هذه الممالك/السلطنات ، كان – من ناحية أخرى– واحدة من نتائج وإفرازات إتفاقية البقط ، وصيغتها الهلامية ، إذ كانت أقرب إلى اتفاقيات الهدنة التي ترجئ وتؤجل حسم الصراعات ، منها إلى اتفاقيات السلام التي ترتب الأوضاع بين المتقاتلين على صيغة نهائية يرضى بها الطرفان المتنازعان..
كانت إتفاقية أمنية..
أو قل إتفاقية هدنة.. فرضتها ظروف الطرفين.
لقد أوقفت القتال والإعتداءات المتكررة بين الغزاة العرب الآتون من الشمال المصري المستعمر – عربيا – وبين النوبة المستقرين والبجة المنفلتون من كل قيد ، ولكنها لم تضع حلولا نهائية متفقا عليها بين طرفي النزاع ، ولكنها كانت صيغة هلامية تركت الباب مفتوحا ليحسم الصراع ثقافيا وإجتماعيا وإقتصاديا ، بعد أن أعطت الغزاة حرية التجارة في الأراضي السودانية ، وألزمت السكان بالتعهد بصيانة وحراسة مساجدهم... و..
وباقي القصة معروف للجميع بالطبع.
(مهام جديدة..ورجال آخرون)
وبدون الدخول في التفاصيل ، فإن كافة هذه المعطيات التاريخية أفرزت أوضاعا لا يمكن أن تتمخض عنها "أمة" بالمعنى الصحيح ، والذي يمكن أن تتأسس عليه "دولة" بالإشتراطات الحديثة للدولة.
ولذا فإن أي حديث الآن ، وقبل حسم هذه الإشتراطات ، عن الديمقراطية والتنمية الشاملة المستدامة ، يصبح كلاما "فارغا" من أي مضمون أو معنى..
أو كما نقول في اللسان الدارج "كلام ساكت"..
أي كلام "غير متكلم"
وهو الكلام الصامت الذي لا يقول شيئا..
هو : هواء ودخان.
والحال أن مسألة تكوين "أمة" وبناء "دولة" يحتاج إلى "وعي" جديد ومختلف نوعيا ، يعالج هذا الخلل في معادلة الاجتماع السوداني. وما يفعله د.عبد الله على إبراهيم هو خارج هذا السياق تماما.
فالدكتور عبد الله علي إبراهيم ليس سياسيا بأية حال من الأحوال ، إنه كاتب ومفكر وأكاديمي في المقام الأول ، وإذا ما خاض تجربة العمل الحزبي في شبابه ، فإنه لم يكن بدعا في ذلك بين من هم في مثل عمره أو سني مراحله التعليمية آنذاك.
إلا أنه – يقينا - لم بكن سياسيا ، أو محترف عمل سياسي ، وما ينبغي له أن يكون ، خاصة في بلد مثل السودان حيث السياسة هي لعبة الطامحين الذين لا يملكون من مقومات تحقيق طموحاتهم شيئا غير: الشره المفرط للسلطة ، والقدرة على الكذب ب"بجاحة" وقوة عين ، وأهم من ذلك ، التجرد من "الإيمان" بأي شئ سوى السلطة ، والتلاعب بالمبادئ وتوظيفها في تحقيق طموحاتهم السلطوية.
لذا فإنك تتوقع من الدكتور عبد الله علي إبراهيم إذا ما عزم على الترشح لرئاسة الجمهورية منافسا للمشير عمر حسن أحمد البشير رئيس الجمهورية ، ورئيس حزب المؤتمر الوطني الحاكم ، وفي ذهنه معطيات الواقع السياسي والإقتصادي في السودان بكل تعقيداته التي باتت واضحة في ذهن أبسط مواطن يعيش في أقصى أقاصي المليون ميل ، أن يتعامل مع هذه المسألة تعاملا أكثر جدية. (لعب خارج الحلبة)
فمسؤوليته كمفكر وأكاديمي ، يتمتع بخبرة العمل الحزبي ، تفرض عليه أن يقدم للناس بيانا وتحليلا تشخيصيا يوضح لهم فيه طبيعة الأزمة التي يعيشونها ، والتحديات التي تواجه الوطن ، وأسباب كل ذلك ، ثم ا، يطرح لهم برنامجا سياسيا وإجتماعيا وإقتصاديا واضحا ، وخطط عمل واقعية . أما أن يأتيهم هكذا ليطرح نفسه منافسا بإعتباره وجها جديدا في هذه الغابة خال اليدين من أي شئ ، وخاوي الوفاض من أي رؤية تفتح للناس أفقا يخرجهم من هذا الوضع البائس ، لأمر يدعو للتساؤل فعلا ، بل أخشى – أكثر من ذلك – إنه يكشف عن استهتار وعدم مسؤولية في التعامل مع القضايا التي لا تحتمل اللعب. ولذا قلت من قبل إن الدكتور ليس أكثر من "نسخة" – محسنة ربما – من نفس الوجوه القديمة ، التي تحمل صورة قديمة للسودان آن لنا أن نتخلص منها ، إذا كنا حريصون على هذا الوطن . إن التحدي الذي يواجهنا جميعا الآن ، وبشكل لم يكن أكثر إلحاحا ، هو أن نسعى بجدية لإرساء قواعد "نظام سوداني جديد". والدكتور الفاضل ، بما يطرحه ، والطريقة التي يطرحه بها ، هو بالتأكيد خارج هذا السياق تماما. فالمطلوب الآن ، وبإلحاح هو ، العمل على بلورة الملامح النهائية ل"الأمة" ، وتأسيس ، وإرساء قواعد "النظام " السوداني الجديد. (في اتجاه الحلم القديم) في رسالته – التي أتحفني بها – يشير الصديق الدكتور عبد الله جلاب إلى " أن فكرة السودان الجديد ليست حكرا على أحد. فهناك من نادى بها مع علي عبد اللطيف وعبيد حاج الأمين وهناك من سمى بها صحيفة مثل أحمد يوسف هاشم وهناك من تغنى بها مثل الكابلي وهناك من دعى لها بدون توضيح يذكر مثل الحزب الشيوعي السوداني وهناك من جعل منها حداء تمرده مثل أبادماك وهناك من دعى لها من على فوهة البندقية مثل جون قرنق " وهو قول صحيح بلا جدال ، وكما يقول جلاب "قد يكون في كل واحدة من ذلك قبس من الفكرة السودانية وهي في طريقها إلى الولادة بعد مخاض طويل وصعب". نعم أتفق معه في أن هذا الحلم ظل يراود الكثيرين من أبناء هذه الأمة ، إلا أن الوقت قد حان – فيما أرى – لأن تبلور هذه الأشواق و الأحلام ، وأن يصاغ هذا الحدس ، في رؤية إستراتيجية موحدة ، وميثاق وطني جامع ، ووعاء دستوري محكم ، ليتأسس على كل ذلك "نظام سوداني جديد
ولعلك تلاحظ بأنني أتحدث عن "نظام سوداني جديد".. وليس عن "سودان جديد" ، لأن السودان القديم لا عيب فيه ، ولا ينقصه شئ ، سوى "نظام" يرتب أوضاع مكوناته البشرية والطبيعية على نحو – أكثر إنسجاما - يحقق إستقرارها و نماؤها ، ويتيح إستغلالها على نحو يعود بالنفع عليه ، وعلى هذه المكونات.
وهذا - كما هو واضح - هدف يحتاج إلى تكاتف كل قطاعات الأمة السودانية ، بمختلف مجموعاتها العرقية الإثنية والعقائدية ، وإلى تضافر جهود كافة تشكيلاتها الحزبية ، وتنظيماتها المدنية، وهو عمل شاق ، وطويل ، وكثير ومضن ، يحتاج إلى جهد ، وطول نفس وصبر.
وأما ما يفعله الدكتور عبد الله الآن فجهد لا طائل وراءه ، اللهم إلا إذا قصد به "تسجيل موقف" ، وعند الدكتور في ظننا جميعا ما هو أكثر من تسجيل المواقف ‘ فسيرته تكشف عن معدن مقاتل شرس وجسور ، وعن مفكر قوي الحجة والشكيمة ، وهذا ما يحتاجه وطنه الآن.
وليعتبرها الدكتور دعوة محب يعرف قدره ، للمشاركة ، ولا يرضى له/منه ، ما هو أقل .
عزالدين صغيرون
Email:[email protected]
| |
|
|
|
|