|
محمد أركون..نقد العقل الإسلامي شرارة الخلاف مع الخصـوم
|
محمد أركون..نقد العقل الإسلامي شرارة الخلاف مع الخصـوم د. مهند مبيضين * 29/12/2005 * يرى جيرار ليكرك في كتابه الصادر حديثا بعنوان «العولمة الثقافية الحضارات على المحك»، أن محمد أركون واحد من المستشرقين العرب الذين يعيشون في الغرب، والذين استخدموا أساليب تقنية ومعرفية ترتبط بالعلوم الإنسانية من اجل فك طلاسم مجتمعاتهم الخاصة (ليكرك ـ 2005، ص 402).ويمضي ليكرك في تفحص خطاب أركون حين قدم للغرب واصفا إياه بقوله:«قدم أركون نفسه مثقفا مسلما من أصل بربري، وأراد ان يكون إصلاحيا مبشرا بالإصلاح، أي منخرطا في حركة التطور التاريخي».تكشف طروحات ليكرك في كتابه المشار إليه أعلاه، حول محمد أركون وعبد الله العروي وادوارد سعيد، طبيعة الرؤية التي رأى بها المفكرون الغربيون بعضا ممن استشرقوا في الغرب، أو من تقدموا للدراسات الإسلامية والمعرفية عن العرب بأدوات غربية، غير أن هذا التأثر المباح لا يمنع من الاعتراف بأن محمد أركون واحد من أعلام الدراسات الإسلامية القلائل في العالمين العربي والإسلامي، الذين يملكون مشروعا فكريا حقيقيا، يتجاوز إطار الجامعة والدراسات الأكاديمية، ليصب في همّ التحديث والتنوير الذي طالما شغل روّاد النهضة العرب منذ نهاية القرن التاسع عشر.أنجز محمد أركون، على مدى الأربعين سنة الماضية من البحث والتدريس في جامعة السوربون، عددا كبيرا من البحوث والمؤلفات حول الفكر الإسلامي والظاهرة الدينية، جاءت في معظمها باللغة الفرنسية، وترجمها إلى العربية هاشم صالح، الذي وصف مرارا صعوبة ما قام به وما يواجهه من صعوبات في ترجمة نص اركون، فيقول:«وقد ترجمت له حتى الان ما لا يقل عن سبعة كتب..لكن على الرغم من كل ذلك، كنت اشعر دائما بأن المهمة لا تزال ناقصة، وأن فكره لا يزال صعبا حتى على القارئ المثقف، وقد تلقيت بالفعل أكثر من شكوى، من هنا وهناك، تطالبني بتوضيحه أكثر، وبتسهيله أكثر».
مشروع اركون الفكري سُكِن مشروع محمد أركون الفكري، منذ البداية، بهاجس الأنْسَنَة في السياق العربي الإسلامي، وبهاجس القطيعة مع الخطابات الآيديولوجية الموجَّهة إلى الخيال الاجتماعي.يعمل بجهد دؤوب على فهم «الظاهرة الدينية»، وفق منهج التاريخ المقارن للأديان، وعلى إنتاج تاريخنا الخاص بعمل الذات على الذات، وبتحقيق قراءة نقدية للتاريخ الذي ينتجه الآخرون لنا.أركون رجل رصين وصارم في تعامله مع نتائج البحوث التي يصل إليها، فلا يقدم تنازلات حيال أفكاره ولا يميل إلى المراجعة، فهو متمسك بمشروع تفكيك التراكمات التراثية وانسنتها في مقابل ما يثار عن الفكر العربي الإسلامي من احادية وإلغائية للآخر، لذا نجده يرى ان بغداد مثلت في زمانها نموذجا للفكر الحر المنفتح على العالمية، وقد وجد في هذا المثال من التاريخ العربي الإسلامي، سببا لأن يعارض بعناد شديد أطروحة صراع الحضارات.كرس أركون كصاحب لواحد من أهم المشروعات الفكرية جهده نحو ظاهرة الأنسنة، مستهدفا فيه فتح أفق من نوع جديد في الفكر الإسلامي في ما اسماه بـتطبيق للمنجز، وعده منهجا عقلانيا حديثا في دراسة الإسلام.وظل يسعى جاهدا إلى ترسيخ ذلك، كونه يرى أنه السبيل الوحيد لتحقيق الفهم العلمي للواقع التاريخي المتنوع للمجتمعات الإسلامية.ينتمي أركون إلى جيل فرنسي عالي المستوى في ثقافته وإبداعاته ومناهجه وفلسفاته، فلقد استفاد حتما من تجارب ومنجزات ميشيل فوكو وبيير بورديو وفرانسوا فوريه وغيرهم من الذين أحدثوا ثورة ابستمولوجية ومنهجية في الفكر الحديث، فأراد ان ينحى مثلهم في دراساته وكتاباته عن الفكر الإسلامي، وقد جعله منهجه ينفصل عن مناهج الاستشراف الكلاسيكي، الذي بقي يعاني حصار الارتهان للسياسة، فهاجمها بشراسة متناهية بكل عناصرها ومن يدور في فلكها من المستشرقين الفرنسيين.بالنظر إلى المناخ المعرفي لأركون وبداياته، نجد أن ثقافة الرجل لم تكن منفصلة عن مناهج المستشرقين الفيلولوجية (فقه اللغة) المحترفة وعلى رأسها جهود بريجيس بلاشير، الذي علمه منهجية تحقيق وتدقيق النصوص ومقارنتها ببعضها البعض ودراستها تجريبيا على الطريقة التاريخية الوضعية. منح الفرنسيون أركون طرائقيتهم في البحث، لكنه استطاع ان يخرج على الفكر والطريقة، فاستطاع ان يقدم رؤى جديدة في مقارنة الوقائعيات.وتأثيرها على مسار الفكر دون ان يتانسى أهمية السوسيولوجيا هذا إلى جانب اهتمامه بالألسنيات.عانى أركون كما عانى ادوارد سعيد، سيادة لغة الآخر، حدث ذلك يوم كانت الجزائر تحت مظلة الاستعمار، ويومها قرر الرجل ان النضال السياسي لن يكون طريقه، فاهتدى للنضال الفكري، ولما بدأ التدريس في جامعة السوربون اتبع منهجا يختلف جذريا مع منهج المستشرقين وشرع في محاولاته التحليلية المعتمدة على المقارنة الواسعة سعيا للخروج من الإطارات الضيقة، بيد أن ثمة فرقا بين تعريف أركون بنفسه في الغرب وتعريف ادوارد سعيد، ففي حين قدم أركون نفسه بربريا، نجد ان سعيد قُدم باعتباره شرق أوسطيا في جامعة كولومبيا.تقول أرزولا غونتر، في كتابها الذي تناول محمد اركون ونقده للعقل الإسلامي: «التحق أركون بالسوربون في منتصف الخمسينيات، في أجواء فرنسا ما بين الاعوام 1950 ـ 1960، التي دفعته للتركيز على مصطلح «النهضة».وفي هذه الفترة انهمك أركون مثل بقية أبناء جيله بهموم العالم الثالث، والبحث عن طريق ثالث وتنامي الوعي السياسي، الذي تأثر بطروحات فرانس فانون، ثم جاء التحرير واخيرا النكسة، التي دفعت به الى مأزق نفسي عميق مثل بقية ابناء جيله»، (أرزولا ـ 2004، ص 114).في عام 1971، أصبح أركون أستاذا في حقل تاريخ الفكر الإسلامي بجامعة السوربون.ومنذ 1993، لم ينفك أركون كونه استاذا زائرا في عدد من الجامعات والمعاهد العالمية، لا سيما معهد الدراسات الاسماعيلية في لندن.كما أسس في عام 1999، معهد للدراسات الإسلامية في فرنسا، الذي كان منذ عام 1970، قد اقترحه على الجهات الفرنسية المسؤولة.
نقد العقل الإسلامي سعى أركون من خلال نقده للعقل الإسلامي الى جعل «المستحيل التفكير فيه» أو «اللامفكر فيه»، شيئا يمكن التفكير فيه داخل ساحة الفكر الإسلامي المعاصر، ويقصد أركون بـ «المستحيل التفكير فيه» و«اللامفكر فيه»، ضمن رؤيته، إلى كل ما حذفه الفكر الإسلامي من دائرة اهتماماته منذ القرن الثالث عشر على الأقل، بحيث أصبحت الأشياء التي يمكن التفكير فيها أقل بكثير من الأشياء التي يستحيل التفكير فيها.وهذا بحد ذاته دليل على تحجر هذا الفكر وانغلاقه في شرنقة من المعتقدات الجامدة والمغلقة، ومن هنا جاءت ضرورة النقد.يعد كتاب «نقد العقل الإسلامي»، جوهر ونقطة ارتكاز النقد الذي وجه لأركون، فهو بمثابة الحجر الأساس في أطروحته المعرفية، ففيه حاول الرجل زحزحة المشروعية الإسلامية وتفكيكها من خلال تفكيك مصادر وأسس القانون الشرعي، أي أصول الدين وأصول الفقه، التي اضطلع المفكرون المسلمون طيلة القرون الثلاثة الأولى على تشكيلها، والتي جسدت في حينها قدرة العقل الإسلامي على التحليل والتفسير والاستقراء والاستنباط، والتي عدت في ما بعد، بمثابة القوانين المقدسة والمعصومة التي لا يمكن مناقشتها، رغم تغير الظروف التاريخية والاجتماعية.أعطى كتاب نقد العقل الإسلامي، المسوغ الشرعي لغضب قطاعات واسعة من التيارات الإسلامية الأصولية، ويبدو ان الموقف المتشدد من الكتاب كان حافزا للرجل كي يذهب في البحث من أجل إماطة اللثام وتفكيك خطابهم المعاصر، ولعل هذا الجهد ساهم في توسيع الفجوة بين الطرفين وأجج سعير الافتراق.بالرغم من تعاظم الافتراق بين أركون وخصومه، إلا أن «نقد العقل الإسلامي»، يفرض نفسه بقوة أكثر من أي وقت مضى. فالمراجعة النقدية الصارمة عليها أن تتصدى لكل المعارف الخاطئة وكل الأساطير والشعارات والهلوسات، بشجاعة ودونما أي تنازل أو مساومة، ولعل هذا ما فرض على أركون ان يكون ندا لقلائل ممن عاينوا العقل الإسلامي من زاوية أحادية.كانت نقطة الخلاف الأكثر إثارة للجدل مع الخصوم تكمن في تمييز الرجل بين الظاهرة القرآنية والظاهرة الإسلامية في كتابه «قراءات في القرآن»، الصادر عام 1970، تحت عنوان «الحدث القرآني والحدث الإسلامي»، سببا قويا لاحتدام الصراع بين أركون والتيارات الأخرى، التي تنظر لتجربة الإسلام الحضارية بنظرة مختلفة.المتابع لتراث أركون يجد انه في أكثر من كتاب ومقابلة، أشار إلى أن مصطلح «الظاهرة الإسلامية»، يدل على حدث تاريخي واقعي يمكن حسابه وحصره بدقة، في حين ان مصطلح «الإسلام» هو مصطلح تجريدي، يكاد يكون غامضا، فوق الزمان والمكان، وفوق التاريخ. أي أن استخدام مصطلح الظاهرة الإسلامية، يتيح للباحث استخدام المنهجية التاريخية والاجتماعية الصارمة، وبالتالي يتيح إمكانية إزالة كل الأوهام التي أحيطت بكلمة الإسلام، (أزولا ـ 2004، ص56). يرى اركون أن الحدث القرآني كان في القرن السابع الميلادي، أما الحدث الإسلامي، فرغم انه يبدأ مع الحدث القرآني، لكنه لا يتفرع عنه بشكل كلي، إذ أخذ مسارات أشد تعقيدا وغموضا، وبالتالي فإنه من العسير الكشف عنها من دون استخدام المناهج التاريخية والسوسيولوجية والألسنية. وفي سبيل التفريق بين المصطلحين، نحت محمد أركون مفردات جديدة مثل المصحف والمدونة النصية الرسمية المغلقة ومصطلح أم الكتاب. هدف أركون إلى تشييد قلعة معرفية من الإسلاميات، وذلك بمحاولة تطبيق المنهجيات العلمية، وقد اخضع النص لمحك النقد التاريخي المقارن والتحليل الألسني التفكيكي، وللتأمل الفلسفي المتعلق بإنتاج المعنى وتوسعاته وتحولاته ولم يغرق في الماضي، لكنه استخدم الماضي وأبدع في استخدامه، ممهدا لولادة رؤى جديدة عن عالم شرق المتوسط الذي دخل السوربون، ووجد ان كل التصورات عنه قد أنجزت بالنسبة للعقل الغربي، الذي أنجز مشروعه عن عالمنا في وقت كان العالم الإسلامي قد أدار ظهره للحداثة، ليستفيق من نومه التاريخي على الأمجاد الغابرة.
المناهج الغربية والثقافة الإسلامية زاوج أركون بين مناهج المعرفة الغربية عن الإسلام، محاولا ان يحمل قضية التعريف بالثقافة الإسلامية من باب المدعى عليه إلى باب الرؤى المختلف عليها، فالمعرفة عنده لا تعني السلطة والسلطة ليست إلا العنف والقهر، مقتربا بذلك من ميشيل فوكو.كانت الأنسنة مفتاح العالمية لأركون، فمنحته ان يرى تخلفنا عن الركب بعد اكتشافه أو إعادة اكتشافه لحجم الهوة التي تفصله عن الغرب.ولأجل نفض الغبار عن التخلف دعا الرجل، إلى التفكير في اللامفكر فيه والسائد لدراسة ما تم ويتم إغفاله أو تغييبه لأسباب سياسية ودينية، ويلح هنا على استخدام الأنثروبولوجيا كعلم يعطي المفاتيح اللازمة والمناسبة لاكتشاف الثقافات الأخرى والمذاهب المختلفة. تورط أركون بعد الحادي عشر من سبتمبر بالخوض في مقولة صدام الحضارات فأصدر كتابا برفقة جوزيف مايلا، بعنوان (من مانهاتن إلى بغداد)، رأى فيه أن أحداث 11 سبتمبر، تكشف بطريقة دراماتيكية صارخة، عن ذلك الصراع الطويل الذي اندلع في حوض البحر المتوسط منذ ظهور الإسلام والعالم المسيحي الأوروبي، الذي عد ان توسع الإسلام تم على حسابه في ضفاف المتوسط، وقد ابتدأت الخصومة وتعمقت أكثر بسبب الحروب الصليبية فالامتدادات العثمانية فالتوسعات الاستعمارية، وانتهاء بالصراع العربي ـ الإسرائيلي، فالقصة طويلة لم تولد من عدم فثمة عداء مستحكم بين الطرفين منذ قرون عديدة، هذا بحسب ـ الغربيين ـ القائلين بالصراع بين الحضارات الذي يرفضه اركون.منح محمد أركون تقديرا لجهوده المعرفية، إضافة لرفضه مقولة صراع الحضارات، جائزة ابن رشد للفكر الحر لعام 2003، وقد جاء في ديباجة الجائزة أنها منحت له: (لسعيه إلى طريق التعايش السلمي للثقافات والأديان ،وتقديرا لدوره الريادي في البحث عن جذور عربية أصيلة في المنطق والعقلانية والتنوير).وفي هذا الصدد كان التقاط أركون لدور بغداد المعرفي، حيث أشار إلى أن بغداد أضاءت الدنيا كمدينة عالمية في وقت كان العالم الغربي فيه قد انطفأ.يصعب اختزال منجز أركون المعرفي، في مساحات محدودة، غير ان الرجل استطاع ان يؤسس لفكرة جديدة في الأكاديميات الغربية عن الإسلام ومنظومته المعرفيه، في وقت كان عدد من دارسي الشرق في فرنسا أمثال بردويل يؤسسون، لجراحة مؤلمة استهدفت المكان والناس، الذي كان ادوارد سعيد قد عاينه تذكرا في خارج المكان.ما يملكه أركون اليوم كثير على صعيد الخبرة والمعرفة والقيمة والمنهج، وما أراد ان يؤثر به حدث، استطاع ان يطرح الأفكار والأسئلة من دون مواربة، ومن دون ان يساوم على أفكاره، مؤكداً على التزامه لخط النضال الفكري من اجل فهم أكثر رحابة لحقل الإسلاميات.الاختلاف على ما يثير أركون ممكن، والأسئلة التي يطرحها يمكن لها ان تسهم في إعادة البحث مجددا في التاريخ الإسلامي، وفق مناهج إسلامية رصينة، كأن نستخدم منهج أهل اللغة أو الحديث في فحص ونقد الروايات، لكن هذا لا يعني إلغاء طروحات أركون، لأن الفكر الإسلامي يملك من الرحابة العين الواسعة لرؤية الكثير من الرؤى المختلفة . * استاذ التاريخ والحضارة جامعة فيلادلفيا,الأردن
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: محمد أركون..نقد العقل الإسلامي شرارة الخلاف مع الخصـوم (Re: صلاح شعيب)
|
المقال متماسك وإضاءه لا بأس بها عن اطروحات هذا الرجل،رغم إننا نحتاج
لضوء اكثف . قرأت لاركون كتاب وعانيت ما عانيت فالقراءه له تحتاج للياقه
منهجيه عاليه وفهم للمصطلحات التى يستخدمها وخلفيه معرفيه جيده
الرجل له مراكمه جاده وقيمه وجديره بالوقوف حيالها فهو هرم فكرى لا يستهان به
حضرت مقابله معه فى شكل مناظره مع احد الازهريين فى برنامج الدكتور فيصل القاسم
بقناة الجزيره وصمٍ الازهرى اذاننا بالهتافات والتهاليل والتكبيرات!!! ولم يترك لاركون فرصة ان يسمعنا ما لا يود الازهرى وقبله فيصل القاسم ان نسمع .
لله دره الرجل قامه فكريه حقيقيه احلم بأن اجد من الوقت لى والإصدارات له ما يضيف لى
احلم !!
| |
|
|
|
|
|
|
|