|
فصل من طلاسم البلابل صلاح شعيب
|
تحدرن من شجرة عائلة جدهن الكبير عبد المجيد. كان رجلا ملء السمع، والبصر، في ذلك الزمان الغابر، إذ لا جد يجاريه في مشقة المهام. له تجارب عديدة وفريدة وموحية. كان تدينه البرهاني الساطع قد منحه المرجعية آنذاك للإفتاء في أمر تدين القرى الممتدة على شريط النيل. وأدواره في المجتمع الصغير مع ليبراليته، وصوفيته، وتطبيباته، لعشيرته بالقرآن الكريم جلبت له لقب طلسم. هكذا كانت نشأة بعضهن في هذا البهو العائلي الذي فيه تتداخل الأسر في حلفا دغيم - محطة السمبل. من أشقاء عبد المجيد وجدنا صالحا، وهو أب لوالدة البلابل حيث ارتبطا بعلاقة عاطفية قوية. وهناك كان آل جمال محمد علي، وآخرون، وكلهم ذوو وضعية اجتماعية ميسورة يعيشون داخل حوش العائلة الكبيرة. بل كانوا النخبة التي تشارك في أمر الحل، والعقد، في محيط القرية. أما حبوبتهن فاطمة، وهي بنت عم للجد عبد المجيد، فقد كانت من آل نوبة. عاشوا كلهم في الحوش الذي تتعدد فيه النفاجات. وتتعاون الأسر في ظل قيادة الجد الكبير في منزل يجاور جامع القرية الذي ظلت مئذنته صامدة بعد الغرق. الغرق الذي ما تزال ذكراه تبعث الأسى، والحزن، في قلوب النوبيين الذين عاصروا مجد حلفا القديمة. لقد كانت العشيرة تبني للفرد في تلك القرية الوادعة داخل الحوش حين يتزوج واحد من أبنائها. ولم يكن العرسان الجدد يسعون إلى الانفراد بحلو، ونكد، حياتهم بعيدا عن دفء حياة الأهل والعشيرة. فيكفي طرف من الحوش، وبعض بنايات. فلا شئ يعوض الابتعاد عن ذلك المجتمع الصغير المترابط الأطراف. فمثل شأن العائلات النوبية ارتبطت عائلة عبد المجيد بعلاقة مع بعض الأهل في مصر التي كانت أقرب إليها جغرافيا من الخرطوم. بل أقرب من أبو حمد التي تبعد آلاف الكيلومترات من حلفا. وكانت الصحف، والمجلات، الوافدة من الشمال متوافرة. أما السينما المصرية فكانت تعرض أفلامها باستمرار. والحال هكذا فمن الجائز أن ترى عائلة هنا، وأخرى هناك تشتركان في الجد. ولذلك ليس غريبا أن تكون اللكنة المصرية بادية على لسان الجد عبد المجيد الذي عاش ردحا من الزمن في مصر طلبا للرزق. فقد كان لديه دكان في نجع حمادي مع أخ له. ربما لم يطب لهما المقام طويلا هناك بسبب الحنين الجارف لأرض الأجداد. فعادا، واستقرا، في حلفا دغيم. حلفا الأسرة المترابطة. لم يثبت أن عبد المجيد قد درس في مصر نظاميا. ولكنه درس في قريته. ولكن لبعد المدارس العليا لم ينكب على أمر التحصيل أكثر. أبنه عوض درس أيضا في حلفا، وواصل إلى أن تخرج من كلية غردون. ولكن المؤكد أن الوالدة فاطمة صالح محمد علي بنت عمه لم تتلق تعليما. من أقرباء عوض، والد البلابل، القاضي عوض عبد المجيد، وميرغني محجوب، والقطب الاتحادي الراحل محمد توفيق. ليس ذلك فحسب فلأسرة طلسم آصرة قربى مع شخصيات معروفة مثل أديب السودان الراحل الكبير جمال محمد احمد. هادية تتذكر سنوات دراستها الابتدائية بينما كانت تعيش على كنف حبوباتها. فالوالد كان كثير الترحال بحكم عمله معلما يتنقل من مدينة إلى أخرى. وربما هناك سبب آخر جعلها تواصل تربيتها مع حبوباتها كونهن يحتجن إلى صغيرة تخدمهن، فبقيت معهن. وهي قد ولدت هناك في حلفا دغيم وكذلك شقيقاتها نعمات، وشادية، وحياة. الوالد عوض عبد المجيد درس في غردون، وصار مدرسا متخصصا في العلوم. وتدرج إلى أن صار مديرا لبعض المدارس الثانوية للبنين، والبنات. ولاحقا عمل مفتشا للتعليم، وقضى رهطا من وقته في بعض بيئات السودان. وكان عوض يحكي لبناته، ولأبنائه، ميوله الموسيقية، والادبية، حينما كان في كلية غردون، وكيف أنه تأهل إليها بعد أن أحرز اكبر درجة في اللغة العربية في امتحان الدخول للكلية. إنه كان يحب الشعر، ويحفظ المعلقات عن ظهر قلب. آلة الكمان التي تحصل عليها من مصر لا تفارقه. ويضيف والد البلابل حين يحدثهن أن ظرفا حرجا جعله يتخلى بصعوبة، وحسرة، عن آلة الكمان. فبينما كان يمارس التحصيل العلمي في كلية غردون رأى عوض أن يعتمد على نفسه، ويخفف عن والده عبد المجيد بعض الرهق في بعث نفقات الدراسة. ولحساسيته، واستشعاره بالمسؤولية الفردية اضطر عوض للتخلص من الكمنجة، وباع مكتبته، وبعدها أحس بمرارة فقدان القوس والوتر، ونبع المعرفة. فضلا عن ذلك فأن ميل والد البلابل للقراءة جعله يسرف في شراء الكتب في فترة ضربت البلاد أزمة اقتصادية قاتمة. وآنئذ كان عبد المجيد نفسه قد تأثر بتلك الأزمة، وغادر إلى جوبا رغم أنه كان يمتلك دكانا يدر دخلا وفيرا للأسرة. بل كان التلاميذ يهرعون إلى منزله الذي يجاور المدرسة كلما قرع جرس الإفطار لتناول وجبة الفول. ورغم أن الدكان كان نشاطا جانبيا يتسلي به عبد المجيد نفسه إلا أنه لم يترك مهنة أجداده. فقد كان مزارعا، ويملك أشجارا من النخيل. وتتذكر هادية إذ هي تذهب إلى الحواشات، وكانت تمتطي مع جدها حمارا مثل الحصان، على حد قولها. هناك في الحواشات، كما تقول هادية، تجد الرجال، والنساء، يعملون مع بعض بجد، ونشاط، وهمة. وتتذكر أكثر أن المرأة في مجتمعها الصغير تحوز وقتها على وضع مميز جدا، وهي ترفل في فضاء يحترم إنسانيتها. وتقول إنها لم تسمع قط رجلا يرفع عقيرته على امرأة، أو العكس. تتذكر هادية أنها ركبت قطار الهجرة وانتابها ساعتئذ شعور قبيح، على حد تعبيرها. وتتذكر المظاهرات، والحملات الانتخابية، ورسم الرموز الانتخابية بالفحم في الجدران. وتضيف: "المظاهرات كانت حاجة مأساوية رغم أني صغيرة..كنت منزعجة لأن السفر كان يتم في ثلاثة أيام من بيئة إلى بيئة مختلفة..تترك فيها تاريخ وذكريات مؤلمة..لكن جدي توفى قبل الهجرة سنة ستين..المهم إنو حبوباتي الاتنين كانوا برضو سافروا بقطر الهجرة..حصلت الهجرة وناس دغيم كانوا في قرية 18 وجزء في قرية 21 و22.. ثلاثة أو أربعة قرى وأناس آخرون رفضوا الهجرة..خالات أمي رفضوا يهاجروا معانا..كلما الموية تجيهم يرجعوا للجبل..فقدنا الأراضي والبيوت..التعويض الذي منحونا له كان مأساة..أول أيام الهجرة كانت هناك جهات مختصة حكومية تأتي إلينا بالأكل المطبوخ حسب الاسرة وعددها لغاية الناس تستقر..بالنسبة لموية الشراب كان في صهريج كبير..الناس تقيف للموية بالصف..نجيب الموية بالصفايح..وقت بسيط مر وجاء الخريف..والنوبيون ما معتادين على المطر..وكان البرد بينزل في حلفا لامن المطر ينزل كتير..والتربة رمال وبتشوف الجبال..جبل الصحابة..البيئة صحراوية ما عدا شريط النيل الذي كنا نزرع فيه..ودونا حتة فيها مطر شديد، والبيوت أنشأوها على ميدان طين..مشينا حلفا الجديدة..سفر ثلاثة ايام القطر فيهو غنم وعجايز وشباب..والناس تلملم في القطر الحاجات الفيها قيمة..إنشاء البيوت كان فيهو مأكلة وغير مبنية بذمة..المطرة تصب..والسقف يقوم طاير..والمطر تصب والارض طينية وما تقدر تمشي الدكان الوحيد بتاع عوض..عشان تمشي الدكان تمشي في وحل وطين وكمان تتزلق..أنا عايشت كل الحاجات دي.." هكذا روت هادية جانبا من مأساة التهجير. عوض عبد المجيد درس في بخت الرضا. وبعد أن أكمل أوفد إلى بعثة لإنجلترا، وكانت أبنته الوحيدة آنئذ نادية. لم يستطع إكمال البعثة فعاد ليزاول عشقه لسيارات الأوبيل، وليتنقل بين الخرطوم، والإسكندرية، وبيروت، وألمانيا، في إجازاته السنوية. استهل تدريسه بحنتوب إذ هناك كان المجال أكبر لممارسة هوايته الأخرى في التصوير، والتحميض.. ولقد كان عوض يصنع بطاقات لكل طلبة المدرسة مجانا. وبعد حنتوب انتقل المعلم المثابر إلى بركات ثم بربر، وعطبرة، وكسلا التي أدار فيها مدرسة البنات الثانوية العليا. وهناك بعض مناطق السودان الأخرى التي هاجر نحوها إلى أن استقر في الخرطوم، وسكن في ضاحية العمارات، شارع 41 في أواخر الستينات. في هذه الفترة كانت هادية تواصل تعليمها في المرحلة الابتدائية. قضت ثلاث سنوات في مدرسة حلفا القديمة ثم الجديدة. ولما لم تكن هناك مدارس ثانوية عادت إلى الخرطوم، وعاشت في الداخلية. وكانت تدرس في قرية 15. أما نادية، ونعمات، فكن يعملن معلمات للمرحلة الابتدائية، وتسكن معهن هادية في بيت للمعلمات. ولم تكن هناك مواصلات. ففي فصل الخريف لا يستطيع المرء أن يتجول كثيرا. وبعد حين نجحت هادية في الوسطى، وتأهلت إلى مدرسة وحيدة في القرية. كل ثلاثة اسابيع تزور أهلها يوم الخميس. كان البص الذي يأخذها مع زميلاتها باكرا يأتي بهن في ذلك اليوم عند الثانية عشر ظهرا. وحين تصل هادية إلى القرية يكون شفق المغيب قد أرخى سدوله بينما وجدت الطرق وعرة..والبص لم يكن أكثر من مجرد "لوري" معدل. وقبل عصر اليوم الثاني تعود هادية إلى الداخلية. لم تتذكر هادية أنها زارت مصر. لكن والديها يذهبان إلى أرض الكنانة. أخواتها نعمات، ونادية، ونجاة، كن يرافقن الوالد، والوالدة. في هذه الفترة استقر الوالد عوض في الخرطوم وبالتالي نقلت هادية لتدرس مع الاسرة. ولكن هادية لم ترتح للوضع طوال مدة الثلاثة أشهر فطالبت والدها بالرجوع للداخلية. وما كان منه إلا أن أرسل معها شادية لتكون رفيقة لها في الداخلية. وكانت شادية تسبقها في السنة الدراسية بعام، ونجحت ثم عادت إلى الخرطوم، وبقيت هادية هناك وحيدة. آنئذ قرر الوالد أن تذهب آمال معها إلى الداخلية وكانت تصغرها بمراحل. ونجحت هادية ثم عادت مع آمال لتدرس في الخرطوم الوسطى ودخلت الخرطوم الثانوية في العمارات. في الخرطوم بدأت هادية تتلمس معرفة أعضاء الاسرة لتستقر بينهم. كانت آمال لصيقة بها. وكانت أقرب صويحباتها. وتتذكر هادية هنا أن (حياة كانت أصغرنا وصحبتنا ونتنوس مع آمال..نعلق على أخواتي وتسمعنا لو اقل شكلة معها تمشي تثير الشكوى ونقوليها ما نصاحبك..كنا لصيقات بشكل ما عادي.. البيت كان موزع بصورة طبيعية ديل الكبار وديل الصغار..النور اصغر واحد زي ولدي بنشيلو وعلاقتنا جميلة جدا.. نادر متأثر بأبوي صورة من شخصيتو..بركات زول حنين. الأسرة بشكل عام اخوان واخوات عندنا الود ومفتوحين ووالدنا ربانا على كده ونتعامل بشكل مفتوح. أمي طبعا مرة صعبة جدا جدا وحاسمة ولغتها معانا بس بالعين..شخصيتا قوية وتبرر حتة دي بلابل ونغني ومانقدر نمشي سينما وما تقدر تطلع من البيت..والدنا ليبرالي وواقعي وشجاع جدا ولا يخاف إلا من ربو..) لم تكن لعوض عبد المجيد توجهات فكرية. ولم يكن ليخوض في بحر السياسة. فقط كان يحمل عضوية النادي النوبي الذي كانت له فرقة تقدم الأعمال النوبية. في تلك الفرقة كان خال البلابل (.....) ونعمات ونادية ونجاة قد اشتركوا في تكوين الفرقة التي تقدم الرقص، والغناء النوبي، في نهاية الستينات. اشتركت الفرقة آنذاك في مهرجان في مدينة صوفيا. نعمات، ونجاة، شاركتا في المهرجان بشكل ملفت للنظر.وشاركهن مغن، وعازفون للطار، منهم عبد الحميد أب قرنين. وهكذا استمرت الفرقة حتى عام 1969 وقدمت أعمالها في الاذاعة. بعد قيام مايو أصدر الرئيس نميري قرارا بتكوين فرقة الفنون الشعبية. ولما كانت هناك فرق للكمبلا وأخرى نوبية تمارس نشاطها مستقلة أصبحت هذه الفرق نواة للفرقة الجديدة التابعة رسميا للدولة. أنتدب للفرقة مدرب روسي، ورغبت هادية أن تنضم لأخواتها لكنها لم تحظ بفرصة للانضمام بسبب صغر سنها. ولكن أختها شادية تم ضمها للفرقة بجانب نعمات، ونجاة. ولما كثرت رجاءات هادية، وبكاؤها الدامي صارت عضوا راكزا بالفرقة لتكون الخامسة من الأسرة. بصحبة محمد خير في سونا للأنباء، ووديدي، جال العقيد جعفر فضل المولى الذي أسس، وأدار، الفرقة ربوع السودان. وأخيرا تبلورت الفرقة القومية للفنون الشعبية التي ضمت خمسمائة من مبدعي مختلف مناطق السودان. وكان العقيد فضل المولى قد عمل مديرا فنيا للفرقة أيضا حيث قام بعمل تصميمات للرقص. وكانت لديه مقدرة للتفاهم مع كل قبائل السودان بشكل غير مسبوق. أخذت التدريبات شهورا عدة حتى يتعود المبدعون على المسرح، والازياء، التي صممتها الأستاذة سعدية الصلحي، وبعض الترزية الذين كانوا يزاولون عملهم من مقر في أمدرمان. وتم بناء مسرح الفنون الشعبية ومسرح خارجي للبروفات. وصارت هناك ميزانية ضخمة للفرقة التي تعكس تنوع السودان الإثني، وبيئاته، وموسيقاه. ولما استشعر المسؤولون قدرة هؤلاء المبدعين على تقديم عروض متعددة قرروا الدفع بها إلى بعض مناطق البلاد وهناك قدمت أعمالا لاقت استحسانا. وشيئا فشيئا تطورت الفرقة، وصار أعضاؤها يعشقون ملاقاة بعضهم بعضا، ويحسنون تقديم أكثر من عرض راقص فتقلص العدد ليصبح 120 راقصا، ومغنيا. وكانت أول زيارة خارجية إلى ألمانيا. وفي الأثناء صار عدد بنات عوض عبد المجيد نحو سبعة اخوات في الفرقة. وتحدثنا هادية بقولها(..أخواتي الكبار بحبوا الغنا..نادية ليها تأثير علينا وتقول لينا نعمل مسابقة لأحسن صوت وكانت هي الحكم وتطلب منا الغنا..والحقيقة أن هناك أشياء صغيرة لعبت دور في إهتمامنا بالغناء..كان جارنا في الامارات اسمو مكرم هو مسيحي..الزول ده يوميا بيشغل اسطوانة لامكلثوم نسمعا جو عينا..وكان عندنا ميول فظيعة للغناء..نسمع سوداني..نسمع هندي..اوربي..مريم ماكبا..لبنان..مختلف انواع الفنون..وعندنا الاسطوانات..وحافظين النوبي..حياتنا كلها كانت بهجة..وكلنا نغني.. كنا بنتجول وسافرنا السودان كله من خلال فرقة الفنون لغاية جينا سنة قبلها الصلحي استضاف أبوي وانا وآمال وحياة رقصنا ما خلينا شي..غنينا هندي وبالعربي زي بنات موهوبات اول ظهور لينا في بيت الجاك..لم نكن لنعرف رد الفعل لانو ما عندنا التصاق بالوسط الفني شديد كده..كانت الحاجة هي عمدة البيت..وبعد شوية اتنقلنا إلى أمدرمان شارع النيل لانو ابوي ادوه بيت الحكومة وتلقائيا اتنقلنا لمدارس امدرمان.. بيتنا بالضبط كان جنب الاتحاد القديم للفنانين حيطة بالحيطة.. انا في بداية العالي تغير السلم التعليمي بالنظام القديم قريت الخرطوم الثانوية..وكنا نواصل مع فرقة الفنون الشعبية..بقية اخواتي الكبار صرن معلمات بعد العالي..آنذاك كنا نتواجد بإستمرار في الحيشان التلاتة حيث الاذاعة والتلفزيون والمسرح..نلاقي الممثلين والفنانيين والموسيقيين وقبل ان نبدا الغنا عندنا علاقة بالوسط دي.. كان حمدي بولاد يقدم برنامج تحت الاضواء وكل مرة أقول ليهو عايز اغني واقوم اخاف..اقول ليهو خليها الاتنين الجاي.. وأخير غنيت في برنامج بولاد (الليل الهادي)..غنيت لانو كنت بحب شرحبيل..وهو ما عادي..عمل مزاوجة بين الجاز والغناء..والحقيقة كنت بحب صلاح مصطفى وصلاح بن البادية ومحمد ميرغني لأنو زميل لنادية من خلال التدريس) ولاحقا لعبت الصدفة دورا. فبشير عباس كان قد أكمل لحن نشيد (أبو عاج أخوي) وقرر أن يمنح اللحن لثنائي النغم. ولكن لم يظهرن في الموعد المحدد الذي ضربه الملحن لتحفيظهن اللحن. ولاحقا في زيارة لأسرة طلسم طرح جعفر فضل المولى على بشير عباس فكرة أن يمنح أبناء طلسم فرصة لتسجيل اللحن قناعة بأن صوتهن جميل فوافق. وألح العقيد في طلبه للموسيقار بشير عباس بأن يسعى لعمل إختبار صوت لهن ليتسنى له إختيار الأصوات الجميلة هذي. تحمس الملحن، وسمع البنات الصغيرات اللحن ثم أتى بالعود. وأخيرا وقع الاختيار على شادية، وآمال، وهادية، بيد أن الأولى اعتذرت عن المهمة في آخر لحظة وقالت بأن لديها سببا يمنعها من القناعة بالفكرة..فوقر في ذهن أخواتهن بأنها تتصنع الاعتذار. هنا نهضت حياة التي كانت تلم بكل تفاصيل الفكرة وترجت ضمها إلى الثنائي مجاز الصوت. وكانت لم تكن إلا بنت الاحد عشر ربيعا. فسألها الموسيقار إن كانت تحفظ مقطع اللحن فردت بالإيجاب، وسدرت تسمعه صوتها، وبلا تردد ضمها للفرقة. ذهب الموسيقار، والصغيرات الثلاثة، إلى الإذاعة وسجل العمل. ولكن نهضت مشكلة أخرى. فالثلاثي كان حينذاك لا يملك اسما فنيا لتؤول إليه ملكية النشيد. ولكن على المك الذي كان جزء لا يتجزأ من الوسط الفني، ولا يبرح الحيشان الثلاثة فك المعضلة. فالموسيقار شاور الأديب في أمر إطلاق اسم العصافير على الثلاثي. ولكن الأديب لم يقنع بالتسمية، ورد عليه بالقول إن العصافير تغرد، وإنما تغني البلابل. ومن يومها ذاع الاسم الذي جاء بلا تخطيط مسبق. وهكذا خرج النشيد عبر أثير هنا أمدرمان. وتفاجأ المستمعون بالأصوات الثلاثة تغني ولا تغرد. وتواصل هادية "بعد داك جينا التلفزيون وكان بشير بصفر في مقطع اريج نسمات الشمال بشير ولكن أحل صوتنا محل صفارته. وكان ذلك اول ظهور لنا في التلفزيون والبرنامج كان بتاع متوكل كمال ..وما تنسى في الفترة ديك كنا مستمرين في الفنون الشعبية..ولما غنينا في التلفزيون كان لايف..الناس شافونا في البرنامج قالوا ديل شنو ديل.. وصغار كده واقفات يغنن..النظرة لينا كان فيها دونية..الصحفيين كان واحد ولا اتنين كلامم ايجابي..وكان بيتساءلوا هل البلابل ظاهرة اجتماعية ام رغوة ثم تنتهي؟ ودائما ما تكون الاجابة إننا ما حنستمر..وكان في ناس بيقولو: وطلسم كيف يخلي بناتو يغنوا..اما الجوابات فحدث ولا حرج فتسعين في المية كانت سلبية وعشرة ايجابية..والدنا كان بقول لينا بصوا لي قدامو الوالدة لم تعترض على نشاطنا..ولأننا كنا نسكن حيطة بالحيطة مع الحيشان التلاتة جاء وردي وحمد الريح وصلاح مصطفى، كان النقيب في الفترة ديك، والموسيقيين عبدالله عربي وعوض رحمة واسماعيل وكلهم شجعونا شديد.." إذن لم تمر تجربة بنات طلسم على ما يرام. فالنشيد سبب لهن عوائق في ذلك االعمر الباكر. ففي المدرسة، والشارع، واجهن تجارب مرة، وصارت كل نأمة منهن تسجل بدقة. إن نسيت أحداهن حرفا فالمعلمة تعنف بشدة، ويسمعن عبارات من قبيل: "انتي فاضية ماشايفاك في التلفزيون" ولكن كان هناك معلمون، ومعلمات، يتقبلون التجربة الجديدة بوعي. ولم يستخدموا الفن كشماعة ضد البنات الصغيرات السن. ومع ذلك لم يكن اهتمام الثلاثي بالغناء، والتمثيل، سببا للتقصيرفي دروسه. وكان مجدا في الدرس ولم يضبط له تأثر سلبي بالفن. وتقول هادية "ما بنخلي دقيقة تروح علينا..كنا في فرقة الباسكتبول..ونجي للمسرح..وبشير يجينا بالعود..يومنا كان مليان شديد.. وكلها حاجات بنحبها..ما تلقى فرقة للاكل..وكانت سعادة ما بعدها سعادة.. في الفترة ديك آمال مثلت مع تحية زروق وحياة بتحب التمثيل..انا المسرحية المثلت فيها كانت احلام الزمان لهاشم صديق..الالحان كانت لأنس العاقب..وأتذكر من الممثلات آمنة الحاج والممثلين عوض صديق الله يرحمو..صلاح كركاب أخرج المسرحية وهي أول مسرحية غنائية لايف وما مسجلة وتعرض يوميا وانت تغني لايف.. المسرحية اتعرضت على مدي شهر..في نبتة حبيبتي عملت بروفات مع شرحبيل وكان بيمثل دور فرماس واختارني وما اعارضت..هاشم صديق ده كاتب مبالغ فيهو وهو ما عادي..من الناس النادرين..ماعندو خلل..زول عجيب هاشم صديق وموهوب وصاقل الحاجات بتاعتو بالعلم وزول مثقف وفنان..ولكن وقفت علاقتي بالمسرح القومي وخلصت الثانوي..وكنت بحب الباسكت والطائرة ومشغولة بالحاجات دي كتير. وبعد داك مشيت قدمت للمعهد..أنس كان لصيق بينا جدا زي ود البيت..كان عندو بلدينا قال لي "ياهادية اسمعي لازم تقدمي للمعهد" ومشيت معاهو وقدمت..والمعهد كان فيهو الماحي اسماعيل واسماعيل عبد المعين بدرس..ما درست السنة ديك بعد نجاحي في الاختبارات..ودفعتي مفروض يكونوا عركي وخليل اسماعيل..حصل لينا هجوم وفي الوقت داك في استنكار لأي شئ جديد وده طبيعة السودانيين يصدروا احكامهم قبل ما يفكروا وبعد ما يفكروا في الحاجة يعيدو النظر..ما مشيت المعهد قمت طوالي قدمت في اول دفعة لمؤسسة الاسواق الحرة في المطار..اشتغلت سنة..في اللحظة دي كنت مستمر في الفنون الشعبية ومستمر في الغناء. لم تذهب هادية إلى المعهد رغم تسجيلها في العمادة. وكانت لديها قناعة شخصية بأن تعد نفسها جيدا للدراسة إن هي أرادت التوفيق، ذلك في وقت لم تحسم أمر اهتماماتها المتعددة. وهكذا فضلت تفادي حماس مرحلة الشباب، وتهيئة نفسها جيدا للمستقبل بلا استهتار. ومن أجل أن تحس بعظم، وطعم، المسؤولية في تلك السن قررت أن تجد سبيلا للعمل...فعملت لمدة عام بالأسواق الحرة ثم قدمت طلبا للانضمام إلى المعهد، وكان مقره في المقرن في فندق كيشو. وتم قبولها، وصادف تأنيها في بدء التحصيل الأكاديمي أن وقعت سلطة مايو آنذاك اتفاقية مع حكومة كوريا الجنوبية التي منحت المعهد اربعة من فطاحل معلمي الموسيقى. والحال هكذا لم تترك هادية العمل في الأسواق الحرة، ولم تقلع عن نشاطاتها المسرحية للتفرغ للتحصيل. ثم بدأت تنقلات مقر المعهد فصار كائنا في العمارت بينما هي تقطن في أمدرمان، ولم يكن أمامها إلا استخدام المواصلات العامة. "الناس لامن يشوفوني كانوا بيقولو بلبلة بتهز وترز وراكبة المواصلات..ما كان عندي إحساس بالتعالي..في المعهد كان في نظام عقيم..لازم تتفرغ..المفرغين هم المعلمين ومواهيهم ماشة شان يدرسوا الموسيقى للمدراس بعد التخرج..لكن كونك تكوني شغالة لازم يدفعوا ليك أو أستقيل شان يخدو قروش..المهم كنت بين نارين" هكذا إستدعت هادية ذاكرتها. وأمام هذا الموقف العقيم قررت البلبلة أن تتقدم باستقالتها لمدير مؤسسة الأسواق الحرة، وكان وقتها محمد عطا المنان. ولكنها تفاجأت بالمدير، وهو يمزق أمامها الاستقالة. وقال لها: "كلما تكتبين استقالة سأقوم بتمزيقها ولنرى أينا سيتعب أكثر". وتابع عطا المنان بقوله إن المؤسسة سوف تتحمل تكاليف دراستها غير أنها شكرته، وأردفت بأن ضميرها لن يهنأ بهذا الموقف. وواصلت هاية العمل، ورأت المؤسسة ضرورة إثبات حسن نواياها تجاه إدارة المعهد، وقررت منح أهل الموسيقى والمسرح جهاز تسجيل فخم حتى يخلوا سبيل هادية لتواصل تحصيلها الدراسي. ولكن دون جدوى. وتقول هادية: "بعد داك مرة اشتغل سنتين قلبي يوجعني..في السنة ديك كان قبلوني في الأحفاد ودرست ثلاثة شهور علم نفس وفترت وما قدرت اوفق بين هذه المؤسسات والمسافات طويلة وآثرت أخلي علم النفس الكنت بعشقوا..آمال كانت في جامعة الخرطوم إقتصاد..قرت سنة بين المعهد والجامعة وما توفقت وخلت الاقتصاد وواصلت المعهد..علما في الزمن داك ما بتعرف تاكل عيش كيف بالفن..يا مدرس في الثانويات..أو في الفنون التشكيلية..الحقيقة مافي ضمانات إنو الفن بيأكل عيش..في الفترة ديك اخواتي خلو الفنون الشعبية وبقينا انا وآمال وشادية مستمرين ثم تركت شادية الفن..وبعض أخواتي دربهن مرق..والدي كان يقول لينا ما يهمكم ما تفكروا كده. كان يقول: الفشخرة قصة تانية ولدى تخرجكم من الجامعة تمارسوا الشي البتحبوا وده هو الشي البتنجح فيهو وتكونوا مفيدين للمجتمع وكان يقول أيضا: ما يهمكم كلام الناس..وبرضو يقول إنو أي واحد يمكن يكون مهندس ودكتور..ويمكن يكون سباك ناجح..ويضيف إنو الواحد يمكن يكون دكتور شاطر وهناك برضو دكتور فاشل
|
|
|
|
|
|