دعواتكم لزميلنا المفكر د.الباقر العفيف بالشفاء العاجل
|
ثوار دارفور وإمكانية فهم آلية الصراع
|
بعد كل هذه السنين من الحرب الضارية بين ثوار دارفور والسلطة المركزية يتيقن المرء أن السلاح لم يستطع تحقيق كل الرغبات السياسية لدى الطرفين. الثوار -أو المتمردون، أو كيفما اتفق للحكوميين- كانوا يريدون تحقيق بعضٍ من أهداف سياسية مهما كان الثمن، فيما كانت السلطة تريد سحق هذه الرغبات الاقليمية ولو أدى ذلك إلى كوارث إنسانية. واذا كان الثوار قد مارسوا شكلاً من التضحيات بأنفسهم وأهليهم، فإن السلطة مارست أيضاً، في مواجهتهم، نحرا للرصيد الاجتماعي السلمي في دارفور. وإذا كانت السلطة قد واجهت الإدانة جراء قمعها لمعارضيها عوضاً عن إدارة حوار سياسي معهم كيلا تتشعب المسألة الوطنية، فإن ما يقدح في فهم الثوار هو غياب الوضوح الفكري والسياسي في طرحهم ما أدى إلى إصطراعهم بشكل مقيت في ظل إفتقاد الآلية القيادية المتحدة التي تعصمهم من تعدد مراكز إتخاذ القرار وتوحدهم بعيداً، أو مع إنتماءاتهم الايديولوجية والقبائلية. إن إنهزام مشروعهم الحربي عند تصفح إتفاق أبوجا، والذي وصف بالضعف حتى من قبل زعيمهم السابق مناوي، لم يكن إفرازاً لاختراق حكومي أو لضغط دولي فقط، وإنما كذلك لقصر نظر القيادة السياسية للحركة التي هي موسومة بقلة الخبرة في العمل السياسي، علاوة على أنها تفتقد عنصر الانسجام والوئام القبلي، الذي بدأ منذ ما سمي بمؤتمر (حسكنيته). إن الاختراق الحكومي والضغط الدولي ما كان لهما أن يجدا أرضاً خصبة لو أن توحداً قيادياً صامداً حدث بين القادة الثوار أو أن حواراً حقيقياً متجرداً تم حول الاتفاق قبل التوقيع عليه. إن الحديث عن الاختراق أو الضغط يعطي إنطباعاً وكأن تنازلاً مبدئياً تم حول (مطالب الحركات) التي دائماً ما تربط في سياق مشروعية العمل العسكري بأماني أهل دارفور، هؤلاء الذين صار يتحدث باسمهم أكثر من أربعة من الفصائل العسكرية، وعليه بدت مفردة (أهل دارفور مستخدمة في صراع الفصائل بعضهم البعض، كما يستخدم الأصوليون مفردات الغيبيات لتتقوى حججهم، وهكذا إنتهينا إلى شيع وطوائف دارفورية أقل ما يقال عنها إنها جميعها لا تملك مشروعاً مدروساً للهم القومي أو مشروعاً خلاقاً حول كيفية إعادة ترميم دارفور، ليس ذلك فحسب وإنما بقيت دارفور تعيد إنتاج الأزمة العراقية التي أصبح وقود نارها فصائل إثنية ومذهبية. إن ما يكذب قدرة القيادات الثورية في الانتصار في حالات الحرب والسلم مع المركز ليس هو الخلوص إلى مناصب إنتهازية يتهافتون عليها كما الفراش، وإنما تعقيدات المشكل السوداني والتي سيحسون بها حين يمارس النظام المد والجزر معهم حول تنفيذ الاتفاق كما حدث ذلك مع المعارضة الشمالية والحركة الشعبية. سيدرك الثوار أن هذه التعقيدات السياسية السودانية -والتي لم يصدروا بشأنها خطابا للمعالجة- تتطلب وعياً أساسياً بطبيعة الظروف الداخلية للسلطة المركزية نفسها والتي لم يغير الاتفاق شيئاً في بنيتها، وهي على أية حال سلطة تتحكم بخيوط اللعبة السياسية وتفاصيلها، وأنها الجسم الصلب المتماسك والمتحرك بالألغاز والسحر والرشاقة السياسية في الالتفاف على الآخرين، والواقع يقول إنه ما لم يحدث تغيير بنيوي في خارطة جسم هذه السلطة، فإن الذين يأتون لاصلاحها عبر الاتفاقيات سيصبحون فيما بعد جزءاً من تركيبة تعاملاتها المشفرة، والسؤال هو كيف يفلح إصلاحيو دارفور، الذين لا يملكون الآليات السياسية والاقتصادية والاعلامية والقانونية والدباوماسية، كي يحرروا السودان؟ بل وهم في خاتمة المطاف يستعينون بهذه السلطة -ضمن عطيات المزين- من أجل الاستمرار في الحياة، قبل الاستمرار في تحقيق المشروع السياسي الجديد. ثم ما هو الضامن للاتفاق؟ وإذا كان ثمة شئ يذكر، فإن الشئ الذي جعل الحركة الشعبية لتحرير السودان قادرة على الوصول إلى أهدافها هو صمودها أمام إغراءات ومناورات واستهدافات السلطة المركزية، ولم يكن ذلك الصمود إلا المصد الاولي، إزاء التخاذل داخل محليته والإغراءات والإختراقات المركزية المتعددة والضغوطات الإقليمية التي جابهها العقيد جون قرنق بثاقب نظر ودهاء التفكير والإصرار على تجاوز الذاتي إلى الموضوعي في نضاله، وصحيح أن الحركة الشعبية لاقت ذات تشويهات المركز لقضيتها العادلة، ومن ثم تعرضت إلى هزات عسكرية وسياسية أطالت تحقيق حلمها، وذلك بسبب الانقسامات الحادة التي لازمتها، غير أن صلابة جون قرنق وتوافره على قدرات ومزايا نادرة في توظيف التضادات المحلية والقومية والاقليمية والدولية أتاحت إستقراراً خلاقاً في المحافظة على المبادئ والأهداف الاستراتيجية. بالنسبة لثوار دارفور، ونسبة لإفتقارهم للميزات القيادية العسكرية والسياسية الملهمة وخلوهم من الكاريزما، لم يفكروا في خلق هيكلة عسكرية/ تنظيمية يتجاوزوا بها الطموحات أو الإختلافات الايديولوجية والشخصية والقبلية، فضلاً عن ذلك فإن التكوين العفوي للتنظيم لم يستتبعه تنظير عميق يستقطب كادرات دارفور المتدربة في شؤون التنظيم السياسي والاعلامي والقانوني، وبدا أن الذين يديرون العمل السياسي لم يكونوا يمتلكون إلا الحماس الشديد للثورة، بينما الثورة ليست عملاً شعورياً رافضاً للظلم فحسب، إنها الرؤية التي تجسد البدائل للواقع الجديد عبر إستلهامها من الماضي وقراءتها لتفاصيل الحاضر بذهنية تقدمية. إن القيادات الثورية لم تكن لتحظى بالقدرة الفكرية في تأسيس الرؤية حول ما يجب أن يكون عليه واقع السودان بعد تحقيقهم للسلام الجزئي مع سلطة مركزية، هي محل فشل فيما يتعلق بإدارة القطر وهو ذات الفشل الذي دعاهم وآخرين إلى الثورة لتغيير الوضع برمته وليس النظام فحسب. إن القيادات الثورية التي عرفناها عبر الاعلام تعاني فقراً فيما يخص التقعيد الفكري السليم للقضايا السودانية التي أرقت مضاجع مناضلي المركز قبل الهامش، وأهرق الكثير من حبر المعالجة للأزمات، نقول هذا خصوصاً إذا ربطنا بين إلتزام الثوار سودانوياً كما بدا ومسمى حركاتهم التي تأخذ شكلاً قومياً، وأيضاً إذا دلتنا أدبيات بعضهم أن السودان الجديد إنما يقوم على عدالة الواقع ومساواة الناس. بعد أن تنتهي أزمة دارفور سوف يعود كل ثوارها إلى مربع سؤال (كيف السبيل إلى إصلاح المركز حتى تنصلح دارفور؟) وعندها سوف يبدأون التفكير حول حزم من تعقيدات بالجملة ما كانوا ليتوقعونها لاسيما عندما يجلسون في الكراسي الوثيرة التي لا تحل ولا تربط وحدها، ذلك أن السلطة في السودان لها أسرارها وتقاليدها الراسخة، ولم يكن موظفوها من أبناء دارفور على بينة من الأسباب التي تساعدهم في تملك الوظائف المفصلية -إلا القلة التي فهمت أن (المسألة) تحتاج إلى قدر من شطارة د. خليل أو علي الحاج أو صلاح علي الغالي أو صافي النور، ولكن المشكلة أن هؤلاء وحدهم لم يستطيعوا خدمة دارفور أو السودان، كون أن تفكيرهم كان دون التفكير القومي الرسالي، المفقود الآن عند بعضٍ مدسوس من ثوار دارفور، والذين حتماً يفكرون حول حجم وظائف ومستحقات ما بعد الخدمة، أكثر من التفكير حول إصلاح المركز الذي يصلح دارفور. إلى ذلك ستكون من خيبات الأمل لو أدرك مناوي إنه يستطيع أن يفعل شيئاً لدارفور إن لم يفعل إصلاحاً في مربع المركز أولاً، ذلك أن مصير دارفور رهن بمصير الاصلاح السياسي العام، الذي نعتقد أنه هو الذي سيصنع الاستقرار في آليات وأجهزة مناط بها تطوير السودان، أما إن كان يأمل وبعض أفراد تمت مكافأتهم بالمنصب السعي ليجعل من وظيفتيه المركزية والاقليمية سبباً للوصول إلى زملائه السابقين في الميدان والاستماع إليهم حتى يسهم قومياً في تجنيب دارفور مزيداً من الدماء فإنه بذلك يكون قد مهد شيئاً مهماً نحو الاصلاح المركزي، فمنصبه الجديد يتطلب جهداً قومياً عادلاً طالما نشده في فترات الحرب، وطالما أن الفهم الجديد الذي يجب أن يضيفه لمؤسسة الرئاسة هو الابداع السياسي لا الثأر مِنْ مَنْ يقاتلونه في الميدان بقناعات مثلما كان هو يقاتل بقناعاته.
نقلا عن السوداني
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: ثوار دارفور وإمكانية فهم آلية الصراع (Re: صلاح شعيب)
|
الاخ صلاخ ... تحياتي اتفق معك في تحليلك للحركات وطرائق تفكيرها ... ولكن اختلف معك في جوهر الموضوع .. لفظيا قد يبدو انصرافيا او هامشا . ولكن اذا تعمقنا فيه يعتبر هو " اصل الموضوع " .. وهو تعريفك للحركات وقياداتها بالثورية والثورار .. نتابع ... هذا .
Quote: بالنسبة لثوار دارفور، يتناقض مع هذا .. ونسبة لإفتقارهم للميزات القيادية العسكرية والسياسية الملهمة وخلوهم من الكاريزما، لم يفكروا في خلق هيكلة عسكرية/ تنظيمية يتجاوزوا بها الطموحات أو الإختلافات الايديولوجية والشخصية والقبلية، |
فالتعريف للثورى هو ان يتميز بالقيادة الفكرية الملهمة والسياسية والعسكرية و الشخصية الكاريزمية .. وقبل كل هذا يكون لديه القدرة العالية للتعبير عن قضيته فكرا و برامجا .. وعليه في تقديرى يجب اعادة النظر حول " جوهر الموضوع " و اعادة تعريفه.. وهنا سوف تتجلى الكثير من الحقائق التي تحجبها " ضبابية الالقاب " ..!! ولك التحية
| |
|
|
|
|
|
|
Re: ثوار دارفور وإمكانية فهم آلية الصراع (Re: صلاح شعيب)
|
الزميل الصحافي الطاهر ساتي
شكرا علي مداخلتم التي تفتح أفقا للحوار , ويسرني قبل الرد القول إنني من المتتبعين لعمودك المقروء وأظن إنك إضافة إلي جيلنارغم إختلافي معك في التوجه والقناعات وآمل المواصلة في هذا التجويد في الكتابة وسحب البساط من من الجيل السابق خصوصا وإنني أري أن هنالك أسماء كبيرة تملأ افق الصحف بلا شئ بينما أن الجيل الجديد المبدع يكابد من أجل إثبات وجوده.
وبعد أخي الطاهر إن الواقع يقول أن هناك سلطة غشيمة ما تزال تكرر إنها أتت ب " ثورة الانقاذ" فكيف لا يستوي مفهوم الثورة مع من قرروا مجابهتها.. وهي من بعد سلطة موجدة للقهر والظلم والقتل والفساد والهيمنة علي مصير شعب السودان في الوقت الذي لايمثل كادرها وأتباعها 10 في المئة من السودانيين إن لم تكن النسبة أقل..علي جانب آخر فإن الثورات لا بد أن تجابهها إشكالات تنظيمية وهيكلية, فلو إنك قرأت عن الثورة الفرنسية لوجدت كيف أن الاغتيالات مابين الثوار والتباينات الكبيرة في افكارهم قبل نجاحهاهو شئ طبيعي يسبق أي ثورة ولكن تكون الاهمية بالتنبيه إلي مناطق الضعف والخلل ضرورة لا ستقامة الثورات علي جادة الطريق الصحيح.. بالنسبة لثوار دارفور ضمن مقالي إننهم يفتقدون لكاريزما القائد ويغيب عنهم الوضوح في التنظير حول بعض الجوانب المتصلة بواقع السودان..ولكن هذا الضعف وبعض من عيوب اخري لا ينفي ثوريتهم أللهم إلا لو كانت السلطة لم تجلس معهم للتفاوض وعدتهم ك " متمردين " هذا اللفظ الذي لاكته أجهزة الاعلام حين ربطته بثوار الحركة الشعبية منذ بدايتهم ثم تفاجأنا بدخول زعيمهم الخرطوم دخول الفاتحين..ومن يستقبله ..؟ إنه خازن المدينة وحاشيته..وربما لو عدت اخي الطاهر إلي صدر المقال لوجدتني قلت هذا :
Quote: بعد كل هذه السنين من الحرب الضارية بين ثوار دارفور والسلطة المركزية يتيقن اي أمرئ أن السلاح لم يستطع تحقيق كل الرغبات السياسية لدي الطرفين. الثوار ــ أو المتمردون, أو كيفما أتفق للحكوميين ــ كانوا يريدون تحقيق بعضا من أهداف سياسية مهما كان الثمن فيما كانت السلطة تريد سحق هذه الرغبات الاقليمية ولو أدي ذلك إلي كوارث إنسانية. ولو أن الثوار كانوا مارسوا شكلا من التضحيات بأنفسهم وأهليهم, فإن السلطة مارست أيضا, في مواجهتهم, نحرا ً للرصيد الاجتماعي السلمي في دارفور. |
والواقع إنني لا يهمني كثيرا أن تكون الجماعة المسلحة في دارفور ثوارا أو متمردين, بقدر ما يهمني هو كيفية معالجة المشكلة السودانية من جذورها وفي هذا تجدني أطعن في هذا الفيل الذي اوجد مشكلة دارفور وغير مشكلتها وربما من هنا تجد ان مقالي وجوهره نابع من رد فعل لوجود هذا الفيل وليس ظله.
أما وإن كنت تري أن هذه الجماعة المسلحة في دارفور ــ وتلك التي صارت شريكا في السلطة رغم ارتباطها باسرائيل والغرب كما لو أن الاعلام السوداني يكذب ذلك الآن ـــ مجرد قطاعين طرق أو متمردين أو كما يتفق, فماأقل من يجدوا تعريفا إنتظرك به..
مع مودتي
| |
|
|
|
|
|
|
|