ملابس قديمة .. أصدقاء قدامي .. قصة قصيرة للاستاذ عثمان محمد صالح

دعواتكم لزميلنا المفكر د.الباقر العفيف بالشفاء العاجل
مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 12-13-2024, 01:45 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مكتبة أحمد الملك(ahmad almalik)
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
09-10-2003, 12:15 PM

ahmad almalik
<aahmad almalik
تاريخ التسجيل: 04-03-2003
مجموع المشاركات: 753

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
ملابس قديمة .. أصدقاء قدامي .. قصة قصيرة للاستاذ عثمان محمد صالح

    ملابس قديمة … أصدقاء قدامي
    قصة قصيرة
    بقلم عثمان محمد صالح

    في اواخر العقد الثمانيني من القرن الماضي، شاءت تصاريف القدر وتقلبات الاحوال ان احزم أمتعتي القليلة مقتلعا خيمة العمر المنصوبة بحذاء جدول صغير يشق حواشات القطن والقمح والفول السوداني في قرية منسية في ضواحي حلفا الجديدة، حاطا الرحال بصوفيا المدينة المحروسة بالجبال الشماء من كل جانب .
    كان ذلك الانتقال وريثا لكل احلام اليقظة في الهجرة والاغتراب ووليدا لرغبة جامحة في اكمال الدراسة الجامعية بالخارج، عمده فيما تلي من السنوات دفق المشاعر الحانية التي غمرتني بها صديقتي البلغارية ميلينا وعضدته دواعي البحث عن فرصة للعمل والاستقرار تحت شمس السماء الجديدة، وآزرته ترديات الاوضاع وانحدارها المستمر في السودان الأمر الذي جعل اوتاد خيمتي تنغرس عميقا في أحشاء تربة البلقان .
    كان الزمان اوان تحول وتغيير كوني رهيب، كانت الزلازل الاجتماعية قد بدأت في ممارسة نشاطها بعد طول جمود وسكون والشيوعية تلفظ أنفاسها الاخيرة وهي مسجاة في مستشفي الطوارئ السياسية بشرق اوروبا . كان الافق السياسي ملبدا بالغيوم والسحائب الثقال تتدافعها الريح والناس في حال من الترقب والانتظار القلق لما سيسفر عنه مقبل الايام وما ستتمخض عنه مسيرة الاحداث السياسية المتسارعة ذات الصدي العالي، يكاد البعض أن يمسك بتلابيب البعض الاخر، وقد أذنت بريسترويكا ميخائيل جورباتشوف بنهاية عهد ومولد عهد آخر .
    في غضون تلك الاعوام، ونحن نطل بإندهاش من فوق منصة التاريخ علي مشهد انبثاق عالم ضبابي الملامح والهوية، قيد النشوء والتكوين، كانت تتعتق ببطء بعد ان استوت علي نار هادئة خمر الصداقة بيني وأسامة الخواض وعوض التيجاني : سودانيان شاءت صدفة تقاطع الاقدار وتلاحم المصائر الحياتية في تلك الرقعة المتميزة من العالم أن تأتلف قلوبنا كما يجب أن تأتلف القلوب . وحدت بيننا هموم عضال، آخت بيننا اهتمامات وشئون اخر جلها جاد واقل القليل منها عابث. آوتنا لسنين طوال مساكن المدينة الطلابية حيث وقتنا من ويلات البرد والامطار والثلوج حجرة في عمارة أثرية يعمل مصعدها الكهربائي وفق المزاج وحسب الرغبة في أغلب الاحايين ! كانت الحجرة تحفة في العراقة والقدم !، غارقة في جو مشبع بالكآبة والوحشة يقبض الروح ويسلمها الي بارئها، تفوح منها علي الدوام رائحة التبغ العمالي الرخيص ماركة (ملينيك) بإختصار كانت الحجرة تفتقر في الاساس الي كل ما يجعل من المكان بقعة صالحة للعيش الادمي، مستأنسة، يهف اليها الفؤاد والجسد المتعب. لم تتعد محتويات الاثاث فيها الاشياء التالية : ثلاثة أسرة بحالة لا بأس بها، خزانة عتيقة للكتب، غبراء تنوء تحت ثقل المعاجم والمجلات الفلسفية وبعض الدراسات والبحوث باللغة البلغارية في حقلي الادب وعلم الاجتماع، مائدة للطعام متوسطة الحجم، مقعد وحيد ودرج كنا نتبادل استخدامه عند الكتابة . وكانت لها اطلالة من الطابق التاسع علي الفضاء المرصوف بالاحجار والاسمنت والممتد من مدخل العمارة رقم 8 حتي سكة الترام المتجه الي حي كينياجيفو . ثم هبت علينا ذات ليلة رياح التغيير ونحن في غفلة من الامر .
    ما تزال مطبوعة في ذاكرتي احداث العام 1992 والتي كان عوض التيجاني يصفها دائما بالقسوة والغلظة علي عصبتنا الصغيرة : أرهقنا فيها الافلاس الدائم، أحدق بنا الاملاق المزمن، طاردتنا فلول الفاقة وحاصرنا الجوع من كل جانب فأخذنا نترنح ذات اليمين وذات اليسار كمن تتخبطه أيادي الشيطان في حلكة ليل دامس، وصرنا نري شراك الموت منصوبة في كل مكان .
    في ذات صباح ضاق بنا الحال فيه، واستحكمت حلقات الجوع واستبدت سطوة الحوجة، وغابت عن الافق تباشير الفرج والغوث بعد أن باءت بالفشل الذريع كل محاولات الاستدانة والعثور علي عمل وتعسرت سبل الحصول علي قوارير البيرة والكوكاكولا الفارغة والتي كنا نجمعها بعد منتصف الليل من امام الحجرات في العمارة التي نسكنها او من مخلفات السكاري في الحدائق العامة، ثم نبيعها مقابل الحصول علي وجبة طعام رخيص الثمن في المطعم الطلابي. عندها تفتقت في ذهن واحد من ثلاثتنا فكرة وضعناها مباشرة وبلا تردد موضع التنفيذ الفوري : أن نبيع ملابسنا في أي سوق شعبي !
    جمعنا حصيلة الملابس في حقيبة كبيرة تبادلنا حملها حتي محطة الترام، ثم توجهنا صوب حي الغجر (سيغا نسكا ماخالا) وصلنا بعد ساعة من الزمان الي سوق شديد الازدحام اخذنا نعرض فيه محتويات الحقيبة في خجل علي الباعة والمارة . وعندما توسطت شمس الظهيرة قبة السماء كانت حصيلة العرض والطواف هزيلة ومحبطة للآمال : لم نتخلص سوي من قميص وسترة ربيعية بعناهما في لحظة يأس بثمن بخس جعلنا نشعر بالخزي والعار من أنفسنا . عندها قررنا الرجوع حفاظا علي ما تبقي من ماء الوجه. وبينما كنا نشق صفوف الناس في طريق العودة، صادفنا رجل عجوز كان يجلس في سكينة واطمئنان امام متجر صغير. توسمنا فيه بشارة المنقذ عند الغرق وتراءت لعيوننا المكتئبة علامات الشاري المنتظر، حياه اسامة الخواض بطريقة مسرحية مضحكة ثم بادره بالسؤال بعد ان حك فروة رأسه دلالة علي التردد والارتباك : نهارك سعيد يا سيدي، هل ترغب في شراء ملابس قديمة بثمن معقول ؟
    استيقظ العجوز من شروده الطويل قائلا : ماذا قلت .. أصدقاء قدامي ؟
    دون ان يكون شيئا مما سيأتي قد دار بخلده، كان الرجل العجوز قد ألقمنا حجرا ناريا لم نتمكن من ابتلاعه بسهولة. كان في سؤاله شئ من الافحام وشئ من الحزن وشئ من السخرية اللاذعة بما يكفي لأن نلملم اطراف كرامتنا ونمضي في حال سبيلنا دون أن نلتفت الي الوراء بعد ان تبين لنا ان (سمع) العجوز كان ضعيفا وأنه فوق ذلك كان خارج الزمان والمكان هائما علي وجهه يفتش عن أصدقاء قدامي رحلوا عن هذه الدنيا وتركوه وحيدا غارقا في بحر من الكهولة والذهول .

    * هذه القصة حلقة من سلسلة يعكف الكاتب علي تسطيرها بعنوان : اوراق مبعثرة من كتاب العمر .
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de