الكلب بوبي قصة قصيرة بقلم : أحمد الملك امس مساء عدت الي المزرعة بعد ليلة مبهجة وحافلة قضيتها مع أصدقاء قدامي، كانت ليلة رائعة رغم انها انتهت كالعادة بالعراك اثر الافراط في الشراب، قضيت وقتا طويلا في العودة ذلك أنني في البداية لم أهتد الي مكان المزرعة وحينما وصلت كنت أشعر بأنني علي ما يرام رغم أنه كان من السابق لاوانه (قبل انبلاج الصباح) أن أقرر ما إذا كنت أحتفظ بجميع أعضائي البشرية ام لا . كان المصباح الذي تركته في البهو يضئ المكان إضاءة خافتة ومحزنة حينما خاطبني الكلب بوبي قائلا : ألا تزال تصر علي السهر خارجا كل يوم ؟ كان يضع ساقا فوق ساق وهو غارق في احد المقاعد، وأدركت من رنة اهتمامه المحزون أنه كان مخمورا فقصدت حجرتي حيث احتفظ بمخزون اضافي من الشراب وكان علي ان أتوقع ذلك : لقد وجدت إحدى الزجاجات مكسورة، حينما عدت مرة اخري الي البهو، كان الكلب لا يزال يجلس محزونا وكرر قوله مرة اخري: ألا تزال تصر علي السهر خارجا كل يوم ؟ وأتبع كلمة تزال بعواء خفيف أعطي انطباعا بان الحقيقة كانت تتسرب من شفتيه، كان حديثه محزنا، ففي الماضي كان يمكن توقع مثل هذا الهراء الجميل من النساء مثلا، لكن الزمان تغير والمرء يجب ان يتوقع أن يسمع أي شئ من أي كان . في البداية لم أصب بالذهول فقد لاحظت منذ فترة ان الكلب كان يبدي اهتماما بالاشياء من حوله، كان يحدق باشمئزاز في قطع الاثاث، كما أن نظرات الاحتجاج لم تخمد أبدا في عينيه كلما نظر الي ملابسي . - ألا تزال تصر علي السهر خارجا ؟ كان يتحدث بصوت واضح وحنان منطقي مذهل، ثم عدل وضع ساقه قبل ان يقول : ألا تري هاهو اخر جلباب لك يعود ممزقان كما ان اذنك اليمني أصبحت أصغر قليلا من اليسري، ألا تلاحظ انك عائد من دون حذاء؟ أعاد لي حديثه شيئا من الاعتداد بالاخطاء فأصلحت وضع جلبابي وجلست خجلا علي أحد المقاعد ثم قلت مترددا مثل طفل يعترف للمرة الاولي : لم تقل لي قبلا انك تجيد التخاطب . - وما الفائدة في ذلك؟ لقد كنت اراقبك في صمت، علي المرء ان يتوخي الحذر احيانا لكن هذا ليس مهما، قل لي اولا، ألا تزال تصر علي السهر خارجا كل يوم؟ قلت بحذر : وماذا علي ان افعل في المقابل؟ تبقي في البيت، تقرأ تنظف المكان،تغسل ملابسك، تعتني بشجيرات الورد، ثم أصدر عواء فظيعا ومحزنا قبل ان يقرر : تتزوج! ألا تعتقد أنك تجاوزت قليلا حدود المزاح، لقد كان حديثه سيئا لكني شعرت بارتياح لفكرة أن الامر كله كان مزاحا ثقيلا حتي أنني تأهبت لخلع ملابسي متجاهلا شعورا خفيا أوحي لي بانطباع غريب بأنني اتواطأ مع الكلب في أمر شنيع وعندما سقط الجلباب أرضا سمعته يقول بإشمئزاز طيب : هذه ليست طريقة للعيش الكريم . إنني أكره هذه العبارة، لقد استفز مخزوني من الذكريات، ذلك الذي أحرص علي إيداعه النسيان، فحينما يكون المرء متزوجا يكون مضطرا الي سماع مثل هذا الكلام ربما لمجرد المزاح او قتل الوقت. قلت محاولا تجاهل دقة الموقف : ماذا تعني؟ ثمة وميض حكيم في عينيه من ارتياح محزون قبل أن يقول ألا تستطيع ان تفهم، مثل التلاميذ الاغبياء علي أن أكرر كل شئ، لقد بقيت أراقبك طوال شهر وعندما تيقنت أنك تنحدر سريعا اضطررت الي اقناع نفسي بمصارحتك، هل لك أن تخبرني لماذا تشرب ؟ إنني أشرب لأنسي ! - لتنسي ماذا؟ لأنسي ..، وعلي كل قلت مزهوا، فأنت نفسك الان مخمور كما أنك – وهذا أسوأ – لم تدفع قرشا لقد سرقت ما شربت، وارتحت لهذه الفكرة الخطرة، إنك لص، لكنه قال دون ان يبدو عليه أنه شعر بالعار : أنا لا اجيد التعامل مع البشر، وعلي كل فأنا لا أشرب لأنسي، عندما كنت أعيش في الغابة كنت أشرب لمجرد الشعور بالمتعة، أما اليوم فقد شربت لأنني أعلم أن المرء لا يستطيع مخاطبة البشر وهو في حالة وعي تام . قلت مستعيرا لهجة تهديدية مفيدة : أخشي ان اضطر يوما لطردك من البيت ! فقال دون أدني انفعال : لن يكون الشارع أسوأ من هنا ألم تسمع قصة ذلك القاضي الذي قام بعمل ضمان لمسجون واخرجه من السجن ليبقي في خدمته بالمنزل، فرح المسجون في البداية بهذه الحرية المشروطة ثم اكتشف أن الملل يخيم علي الحياة في بيت القاضي الذي يقضي سحابة يومه في الشراب والنوم واكتشف شيئا مدمرا اخرا : الجوع فلم يكن القاضي يكترث باحضار أي طعام الي البيت وكان يأكل اذا وجد شيئا أمامه والا فأنه لا يكترث لذلك كثيرا، تضور السجين جوعا ومللا وبعد أيام فاجأ القاضي بطلبه المذهل : أنا أريد العودة للسجن يا مولانا ! - ألا تري أنك تنفق وقتك في الكلام بدلا من حراسة البيت من اللصوص ؟ لصوص .. قالها متهكما ثم انفجر ضاحكا حتي استلقي ارضا – هكذا – ثم أردف بعيون دامعة من فرط الضحك: ومن يستطيع أن يميز في هذا البيت بين اللص، وبين صاحب البيت وجامع القمامة ؟! كان الموقف دقيقا للغاية، نعم فقد كان يسخر مني، والواقع أنني كنت واثقا أن موقفي كان ضعيفا، فقد كنت أدخل المناقشة دون حذاء وأذني اليمني أصغر قليلا من اليسري، لذلك آثرت أن أنسحب، وعندما استلقيت في فراشي محاولا تحييد شعور خارق بالهزيمة، كان بإمكاني الاستماع الي ضحكاته المجلجلة التي كانت لا تزال تنطلق من البهو .
عصير برتقال؟؟ماء ؟ ان هذا هو شراب الحصين، اما انا، فعندما اكون ظمآنا فانني اشرب هذا
ــ انت اذن تشرب لتنسى
ــ انسى؟؟ انسى ماذا؟؟ انسى ان امي كانت تجبرني على اكل الدهون التي في اللحم، تلك الدهون الكريهة .. انني امقتها، وهذا الخمر يذكرني بتلك الدهون، انه خمر كريه !!ا
انا واثق ان ذلك كان في زمان ما احد مصادر الهامك يا احمد
ها ها ها ها ها ها ها ها هاهاها هاها
ولك الود
04-11-2003, 10:29 PM
ahmad almalik
ahmad almalik
تاريخ التسجيل: 04-03-2003
مجموع المشاركات: 753
الصاوي أعجبتني جدا فكرتك حتي أنني أجريت مقارنة بين الاثنين لا تنسي ان الكلب الاخر جرفته أيضا موجة الاعترافات لذلك الدكتور الدجال الذي اتضح انه هو من كان في حاجة الي علاج نفسي وليس اي من مرضاه او حتي الكلب، اذكر عبارة لطيفة لذلك الكلب حينما سئل عن والده تذكر أنه طلب منه الا يبتعد كثيرا حينما هم بالخروج من البيت حتي لا يضل الطريق ثم اعترف: لم اره منذ ذلك الحين! الكلب الاول غير واثق ولا حتي من أوهامه يفسر مشاعر الناس خطأ ويقفز في الفراغ في اللحظة التي يقرر فيها ان يقفز الي احضان شخص يحبه ليعرب عن امتنانه، يعترف في حضرة اول طبيب عابر دون ان يكترث له أحد، اما لكلب الثاني فدعنا نطمئن أنفسنا بأنه يتوفر علي قدر من الثقافة لدرجة أنه يبدو منطقيا اثناء حوار غير منطقي أكثر من البني آدم ولا رأيك ايه!
قصة " الكلب بوبى " إعتمدت على تقنية الحوار بشكل كبير وجاور هذا الحوار وصاحبه فى التقدم بالقصة إلى نهايتها أو إلى لحظة التنوير فيها، صاحب الحوار الوصف الدقيق خاصة وصف الحالة الشعورية التى تنناب المتحاورين أثناء الحوار، وهذا ذكاء من الكاتب حيث أنه يجعل القارىء رائياً بعين خياله ما يعترى المتحاور فى داخله بيحث أته يقدم صورة مشاهدة عياناً عاكسة ما فى الداخل ..
اجد أيضاً أن الكاتب قام بأنسنة الكلب " أى أسقط عليه صفات الإنسان" منها الكلام ، وظف الكاتب هذه الأنسنة بطريقة مقنعة حيث لم يجنح إلى شحن شخصية الكلب القصصية بالكثير مما قد يبعدها عن الإقناع والخروج عن الواقع وبالطبع هذا لا يفيد البناء الفنى للقصة .. الكاتب أجاد هنا ونجح فى إقناع القارىء
فى البداية سألت نفسى وظننت أن القصة التى رويت داخل المتن النصى لهذه القصة قد أُقحمت إقحام وأن لا ضرورة لها هنا، ولكنى وبعد القراءة الثانية وجدت أنها قد تمثل نافذة أراد الكاتب أن ننظر من خلالها لهذا " الكلب " وندرك أنه أيضاً يشعر ويجوع ويتألم داخل هذه المهام التى أعطاه إياها الإنسان وهى الحراسة وورد هذا فى الجملة التالية مباشرة للقصة المروية - أى قصة القاضى - وتأتى المفارقة فى رد الفعل الذى قام به " الكلب " وهو الضحك والسخرية من هذا الإنسان الباحث عن أعضائه و التائه ربما حتى عن نفسه
أخى أحمد
كانت هذه مصافحة أولى لقصتك .. أعجبت بها ووجدت أنها تحمل أكثر مما هو مقرؤ، تحمل أبعاداً أعمق بين سطورها وجملها
لك أخى أجمل التحايا
04-14-2003, 08:03 AM
ahmad almalik
ahmad almalik
تاريخ التسجيل: 04-03-2003
مجموع المشاركات: 753
الاستاذة الكريمة : رانيا مامون رغم الزحام من حولنا نشعر كل يوم اننا كنا محظوظين بالانتماء لهذا المنبر، ان نجد فرصة للتواصل ولسماع صوت مبدع مثلك، سعدت جدا باهتمامك لقراءة النص( المتواضع جدا) بصورة متعمقة وبعين مبدعة ناقدة نفذت الي روح النص وتجاوزته حتي شعرت بذيولها تنفذ حتي الي ذاكرتنا. لدي بعض النصوص كتبتها قبل سنوات ولم تنشر او نشرت في حدود ضيقة اعود اليها احيانا لاجراء بعض التعديلات، اعترف ان ملاحظتك لم تكن دقيقة فحسب بل انطوت علي استنباط خارق فالجزء الذي بدا لك مقحما في النص لم يكن بالفعل جزءا من القصة الاصلية فقد اضفته بعد حوالي 13 عاماعلي كتابة النص الاول عام 1990، بالغ الشكر نتمني ان نتعرف اليك اكثر من خلال اعمالك الابداعية .
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة