كتب الكاتب الفاتح جبرا المتوفرة بمعرض الدوحة
|
|
 يا سلام ياخ دهـ التمباك ولا بلاش : إلي أثرياء الحرب
|
ثم اليس من الطبيعي يا سادتي أن يشمل الإهداء كل مهزومي المعارك الانسانية ..؟
حسناً اليهم :
طيب :
جاء (طارق) مرتدياً لبس جندي هارب من الجحيم بخطي مهزومة وبإبتسامة ماكرة بعض الشئ سلم علينا سلاماً سريعاً ثم جلس دون أن يقول له أحد (إتفضل ياخ) ..!
هذه بلاد تدخلك بلا إستئذان لذا لم يكن هناك ثمة ما يخالف دخلنا (طارق) ثم بدأ في خلع جنديته المهزومة (بوتاً إثر بوت) راقبناه الي أن إنتهي أخيراً من خلع (كاب) جنديته التي لطالما تمرغ فيها عملاً بالحكمة المأثورة (كان فاتك الكاكي اتمرغ في ترابوا) .
للجنود صيحةً يصيحوها بعدها يقضون علي أخضر الذي أمامهم ويابسها هكذا حدثنا ذات شتاء طويل رجل يدعي (محمدين) وظيفته في الدنيا أن يساهر بالذين ترمي بهم الأقدار في (معسكره) . كان الزمان عسكري الخطي أما المكان معسكر للخدمة الوطنية (الالزامية) وجدنا أنفسنا بعد جلوسنا لامتحانات الشهادة السودانية لها التجلة إذ كان من عجائب الدنيا أن تحلم بمقعدك الجامعي دون المرور من بين يدي (محمدين) وأمثاله .
بحذر بالغ إستطعت الإقتراب من (طارق) لإحساسي البالغ أن ثمة شبه بينه وبين (محمدين) كثير صفات تجمعهما ذات الصرخة ذات المشية ذات الملابس المهزومة ذات الدخول بلا إستئذان سألني مباشرة يا خينا ما ألقي عندك سفة تمباك ؟
ناولته وأنا سعيد إذ إنني في تلك اللحظة كنت أتخير طريقة تمكنني إقتحام الرجل
بالمناسبة التمباك ده وارد الخرطوم يعني ممكن تقول عليهو نمرة واحد هكذا ذكرت وأنا أشكر التمباك في سري كونه سهل لي كثير طرق .
ياسلام ياخ ده التمباك ولا بلاش . هكذا أجاب طارق دون أن يتذوق طعم التمباك والذي في الأصل لم تسمع اذناه بالخرطوم .
سألته مباشرة :
ياخ بتعرف (محمدين) رقيب أول شغال تعلمجي في معسكر ........ (كنت أظن أن العساكر يحفظون وجه بعضهم)
محمدين محمدين محمدين
ثم صاح بصوته الذي لم يعد فيه ما يثير الدهشة والله أنا طبعاً نزلت المعاش لي فترة طويلة لكن بكون لاقيتوا .
ذاكرة الرجل كانت عبارة عن (مجروس) ضخم وبندقية آلية وأعداء كثر حتي بعد أن آب الي القرية إستصحب معه ذاكرة الحروب لذا لم يكن غريباً أن تجده متخندقاً داخل بئر مهجور مقضياً نهاره كله إحتماءاً من غارة مفاجئة لا تدور الا في رأسه الصغير . في أحايين أخري يظل متخذاً من النخيل ساتراً فيضحك من حوله الأطفال ساخرين من رعب الرجل .
إنتصف الليل وأكمل القمر استدارته و(القعدة) تمضي لنهائياتها المألوفة غناء يسيل من الأفواه ورغوة الحياة تتجدد رغوةً إثر رغوة والقوم وصلوا لمناطق أخري في كون ما يسمي ( بالحالة القردية) وهي حالة أشبه بإنفتاح المسام يكون فيه الانسان أقرب للقرد في صفاته وجلساته وقفزاته وتجلياته وظرافته غير أن (طارق) وعلي جنونه المقيم بقي رافضاً لنظرية (النشوء والتطور) ليخرج داروين مهزوماً ستة صفر .
يا شباب ياخ لو سمحتوا نظموا القعدة دي شوية .
هااااااااااهاهههااا
والله دي قصة كدي يا طارق إنت رتب نفسك نحن بالكتير الفي راسنا ده يخلص بنعمل إعادة ترتيب لي روحنا هكذا تحدث (جمال) وهو مثقف شامل وهلالابي متعصب تخرج منذ سنوات من إحدي الجامعات العريقة مزارع وأب لبنت أسماها حسب مزاجه الثوري (وطن) .
قال جمال :
لطالما حلمت بوطن يحضنني بحثت عن ذلك طويلاً تيقنت أخيراً أن أحضان وطني لاتسع الجميع في الحقيقية نحن نعيش يا صاحبي في وطن (مقطوع الاطراف) قطعت أوصاله بفعل القوانين والدساتير والأفاعيل وووووووو الحاجات التانية . الان أعود لمنزلي وإحتضن وطني زي الترتيب دفء غريب الان أحضاني تسع (وطن) ووطني تسع أحضاني . وها أنا الآن خرجت منتصراً من معركة ما يسميه المثقفون الثوريين بـ (أحضان الوطن) .
هيق هيق هيق أراد (عاطف) أن يشارك غير أنه لم يستطع .
بدأ (ميمي) يدندن دندنته المعروفه لينضم اليه (جمال) و(عاطف) علي الطبل ثم بدأو في الغناء
قلتو جايين إنتو تبنو
بقيتو في البنيان تهدوا
قلتو جايين تنقذونا
بقيتو في المسدود تقدوا
شعبي صابر ولا مسكين
شعبي معذور ديمة يسأل
والسؤال مالاقي ردو
تطاردهم الاوطان من وحل الي وحل تدخلهم عنوةً تظل حاضرة في عيون الناس لا ينسوها في كريم لياليهم عامرة الانس والغناء بشر (طارق) مثله مثل كل فقداء الوطن الذين يأتوك ياوطني هكذا جريحي الخاطر والوجدان لا تسعهم الا كلمات شعراء منفيين آثروا الهروب علي موائد لا تسع بساطة مفرداتهم ها هوذا (طارق) يخلع جنديته المهزومة يعود الي أجواء وطنه معافي بعض الشئ هوذا (جمال) يستعيد ليالي رفاق مضوا بعيداً ليبقوا في داخله أوطان صغيرة يبحث عنهم كلما هبت رياح الحضور . ها (عاطف) يغني ممسكاً الطبل كطبال محترف هوذا (ميمي) يفاجأ الجميع بسفره بعد أن فعل ما لم يفعله مواطن سوداني من أجل البقاء .
هو ذاهب الي بلاد (ويش لونك ، عساك طيب ،، أقول ،، يا زلمي) بلاد المكيفات الباردة والآمال العراض ليتها يا صاحبي تستوعب أمرك لو عرفوك يا فتانا الوردي لاستقبلوك علي مشارف مدنهم .
لم يعد في الأمر ثمة محفز يا (ميمي) أذهب لعل الأمور تستقيم غير إني واثق من عودتك فالغربة لا تروض أمثالك ثم غنيت بعد طول غياب :
الطبقة الما حتسوقنا
من بعد وصلنا القاع
العبرة الماسكة حلوقنا
من فيي ناس الدجال
الوهم الداير يسوقنا
أصبح مفضوح الحال
ما فضل الا قلوبنا
بسلاحنا نعدل المال
سقطت منه دمعتان أضاءتا ما حولنا كان نصف الحضور قد رقدوا محتضنين أمانيهم حالمين أحلامهم البسيطة كان طارق يهم مرةً أخري في الدخول لجنديته المهزومة رأيته يبحث عن (بوته) أطلق صيحته المحاربة ثم مضي كرجل فاته قطار العمر بخاطر نصف مكسور وبعبرةٍ واضحة لا تخفي حتي علي القرود .
تحاملت وميمي لحمل (جمال) . (عاطف) ممدد كأجمل ما يكون الفتي لا يقوي علي الحركة بجسده النبيل تركناه الي جانب (علي) . أجهش (ميمي) ما إن لوحنا بأيدينا ببكاء حار مكتوم دسست له بحكايات قديمة (عن وطن القماري) في حقيبة صغيرة يحملها لوحنا له آخر تلويحة قبل أن يغوص الفتي انيق الأحلام في زمرة المسافرين والعائدين بعد قضاء إجازاتهم السنوية كان يوماً عصيباً لم يتوفر لي حضوره عن قرب لكن أبلغ الظن أن المشهد كان أسخن من هذا بكثير .
والله المستعان
|
|
 
|
|
|
|
|
| |
خضر حسين خليل
Osman Musa
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست