اغتيال السيد/ تاج الدين أحمد الحلو أحد أعيان محلية برام وأبناء الهبانية وعضو المجلس الوطني

Quote: لقد حدث اغتيال في الأسبوع الماضي للقيادي البارز تاج الدين أحمد الحلو وهو في طريقه من نيالا إلى مسقط رأسه برام، تاج ينتمي إلى عائلة الناظر صلاح علي الغالي ناظر الهبانية، ولكن شخصية تاج طفت على الانتماء القبلي الضيق توسعت دائرتها من جنوب دارفور إلى دارفور كافة ومن ثم إلى السودان بأثره، إذ مثل أهله وشعبه في معظم البرلمانات السودانية بدءاً بمجالس الشعب المايوية وانتهاءً بالمجلس الوطني الحالي ولم يكتف الأمير تاج بالتحف السياسية وانما واصل عطاءه الاجتماعي والأخرى حتى أصبح صديق الجميع بظرفه ونكاته وأريحيته وتواضعه ما من قيادي شاب أو كهل أو شيخ في جنوب دارفور إلا ويعرف تاج الدين الحلو فهو أمير بحق وحقيقة ولإلمامه بطقوس التعامل الاهلي وإلمام شمائله بسلوكيات المجتمع المدني الذي نال من مدارسه قسطاً من التعليم مكنه في أن يكون رجلاً مخضرماً عاش العهدين معاً في وقت واحد. لم أتعرف على الأمير تاج الدين إلا من تعامله الذي تطور إلى صداقة مع جميع أبناء الرزيقات، خاصة الذين يقطنون نيالا في وقت فائت أمثال العميد صالح موسى صالح وعيسى جبريل أبو ناقة وأحمد عبد الرحمن المصري وشارف علي ومسار ومحمود جقر ومن بعد هذا الجيل جاء جيل جادين جود الله دقاش، وعبد الحميد موسى كاشا واسماعيل يحيى وعيسى الرضي وآخرين، واصل الأمير تاج علاقته الاخوية «الحبيبة» مع كل هذه الاجيال، امتدت هذه العلاقة إلى الضعين إلى صديقه العزيز الامير الصافي عبد الحميد ومادبو وحسن شنيبو، من كل هذه التواصلات عرفت الامير تاج الدين عن قرب حتى أصبحت وكأني صديق له رغم فوارق السن والفكر والتوجه، ولكن تاج يعبر فوق كل هذه الحواجز ويرغمك لتكون صديقاً له، للبهجة التي تغلب على جميع ملامح محياه السمح ولتمكنه من ادارة الفاظه وكلماته فيخرجها لك وكأنها عسل مصفى تبلعها دون استعمال أي سائل للتسهيل. كانت هناك مناسبات جعلتني أكون قريباً منه سواء جلسات الصلح القبلي، أو المناسبات الاجتماعية أو حتى جلساتنا الدارفورية في اطار مشكلة دارفور، طيلة هذه الاجتماعات لم اسمع قط من تاج الدين إلا القول الذي يجمع ولا يفرق واذا ما شعر بتوتر الاجتماع يتحف المجتمعين بنكتة تجعل الجميع ينفجر ضحكاً دون انقطاع، أسرد للقراء واحدة من هذه النكات والمداعبات، اختلفنا ذات يوم في اجتماعاتنا الدارفورية وتطاولنا على بعضنا البعض، فقام الامير تاج الدين وقال أنتم يا أولاد دارفور عاوزين تتعاملوامعنا بالنظرية القردية.. فقالوا له ما هي النظرية القردية، قال القرد الصغير دائماً يجلس مع أبيه ويلاحظ طول ذنبه مع ذنب والده، فعندما يتساوى ذنبه مع ذنب والده، فيباغته بضربة قاضية على وجهه، تردى أباه قتيلاً، ثم يقوم مقامه في ادارة الأسرة، فضحك الجميع، وأصبحت هذه النكتة وكأنها تهوية وواصلنا الاجتماع، أكثر ما يحكى عن تاج الدين شقيقي الشهيد أمين عيسى وهو صديقه لأكثر من عشرين سنة - رحمهما الله رحمة واسعة وأدخلهما واخوان المسلمين فسيح جناته- قال لي الشهيد أمين أول ما عرفت تاج في أوائل الثمانينات من القرن الماضي في منزل أحد أبناء الرزيقات وكان تاج حضوراً، يثلج الصدور بالمداعبات والنكات والقفشات ولكنه لم يأخذ راحته للآخر في الكلام لأنه لاحظ ان شخصاً غريباً عليه ربما لا يكون من أبناء الرزيقات خاصة كما ذكر لي الشهيد أمين انه كان يلبس جلباباً مزركش الألوان يميل للخضرة، ومعروف ان أبناء الرزيقات يلبسون الابيض بزي مميز خاص بهم معروف لدى تاج الدين، وعندما تضايق من أمين ربما يكون من جهة أو قبيلةربما «يهبشها» بنكته لا تليق، والموجودون لم يعرفوا تاج بأمين، وقال لي الشهيد لقد شعرت ان تاج الدين ينظر إلي بطرف عينه ثم يواصل نكاته وعندما بلغ بتاج الدين الضيق مبلغاً من أمين فجأة قال يا الرزيقات الزول أبو «خليقاً» أخيضر يعني أبو جلابية خضراء وما يعرفه دا منو عشان تخلونا نأخد راحتنا ولا نقوم نمشي نحنا ما جينا يا رزيقات عشان نأكل نحنا جينا نتونس فضحك الجميع وعرفوه بأمين فقال لي الشهيد أمين من هناك بدأت علاقتي بالأمير تاج الدين أحمد الحلو. د. عمر عبد الجبار من أعز أصدقاء الشهيد تاج الدين وكلاهما أصدقاء للمهندس عبد الله مسار، فقال لي مسار كنا ذات يوم معي د. عمر عبد الجبار وعمر من أبناء الفلاتة نظارة السماني فعندما سمعا تاج الدين بصوته الجهوري ينادي مسار من بعيد اختفى د. عمر تحت السرير وقال لمسار أشتمني لتاج الدين لنسمع ماذا يقول، فدخل تاج الدين فقال له عبد الله مسار الفلاتي عمر ماجاء معك، ولما كان تاج ذكياً حصيفاً وعرف ان مسار لم يتعود أن يتلفظ بهذا الكلام وينعت صديقه بقبيلته عرف ان شركاً نصب إليه فقال هوى يا مسار انتو الرزيقات مصايب أسمع اليوم عاوز ترميني في مصيبة فخرج عمر من مخبأه وضحك الجميع. لقد مات تاج الدين وبموته ماتت شجرة حكمة واحترقت مكتبة شعبية سودانية تعج بالامثال، وانزوت جامعة عرفية نحن في أشد الحاجة إليها مات تاج الدين في ظروف غامضة أشبه بوفاة الشهيد أمين عيسى عليو. هذه الوفيات الغريبة تطرح علينا أسئلة لا بد من الاجابة: من المستفيد من مثل هذه الاغتيالات؟ ومتى تنتهي؟! ومتى نستطيع أن نقبض على هذه الخلية التي أصبحت «مافية» دارفورية. وماهي الضمانات في عدم انتقال هذه الروح الشريرة إلى الآخرين؟ ما دام هناك استهداف لقيادات والحكومة عاجزة في دارفور والخرطوم عن القبض على المتهمين. هناك أربعة عشر متهماً مسجلين في دفاتر شرطة بخصوص الشهيد أمين بنيالا ومدير الشرطة هناك اللواء فتح الرحمن يعلم ذلك وعاجز عن القبض. والآن فقدنا الامير تاج الدين ولازال التحري جاريا ولانعلم هل تنتهي التحريات إلى ماوصلت إليه نتائج التحقيق في الشهيد أمين، ولما كان الشهيد تاج الدين لم يتابع أمر الشهيد أمين فاعتقد فستنتهي قضيته إلى ما انتهت إليه قضية أمين، وكذلك نحن الاحياء وبهذه الطريقة سنقتل غير مأسوف علينا لأننا لم نتابع قضايا اخوتنا الشهداء المظلومين وسينطبق علينا المثل «أكلت يوم أكل الثور الأسود». رحم الله صديقنا الامير تاج الدين فقد كان كنزاً وقد كان نهراً صافياً نغتسل منه اليوم أكثر من مرة من خلال موائده الممدودة، وبسماته المعهودة وحكمه المتواترة. «إنا لله وإنا إليه راجعون».