|
(الدوجماطيقية ) او العقل المغلق
|
الدوجماطيقية تعريب لكلمة Dogmatism، ولها ترجمات عديدة، مثل: وثوقية، قطعية، توكيدية، إيقانية، معتقدية.
وهي تعني الاعتقاد الجازم واليقين المطلق دون الاستناد إلى براهين يقينية، وإنكار الآخر ورفضه باعتباره على باطل مطلق!
ومن ثم فهي مبدأ التعصب، وسمة لكل متزمت، ومنشأ الحروب العقائدية.
والدوجماطيقة ليست مذهبا فلسفيا أو دينيا، وإنما هي –في أكثر معانيها انتشارا- سمة وطريقة تفكير تتسم بها أي فرقة أو مذهب أو فلسفة تزعم امتلاك الحقيقة المطلقة بشكل شامل، ولا تقر بأنها قد تحتمل شيئا من الخطأ أو النقص، وتقطع بأن ما تحوزه من معارف ومعتقدات لا يقبل النقاش ولا التغيير، حتى وإن تغيرت الظروف التاريخية، أو السياقات المكانية والاجتماعية؛ فهي إذن مقدسة ومنزهة عن أي نقد، وعدم إخضاع هذه المعتقدات لفحص نقدي أو تحليلي يراجع الأسس التي تقوم عليها، ودون بحث في حدود وقدرات العقل المعرفية، فضلا عن عدم تمحيص الطرق التي توصل إلى المعرفة الصحيحة في كل لحظة تاريخية.
يواجه الفكر المعاصر خطر الاستقطاب من طرفين متنازعين، يتمثلان فى رؤيتين للغلو أصبح لهما الصوت الأعلى فى الجدل الجاري على مختلف الساحات، وفي العديد من الثقافات، وهما: تيار التطرف العلمانى وتيار التطرف الديني.. إذ يتحدث التيار الأول وكأن الله غير موجود، بينما يتحدث التيار الثانى وكأن الإنسان غير موجود ! بمعنى أنه ينزع من الإنسان كل فاعلياته ومسئولياته ومواهبه. التيار الأول جعل مرجعيته المادة وقيم القوة وطموحات الفردية، والتيار الثانى يفهم تعاليم الله على أنها تعاليم شكلية حرفية تتعلق بالظواهر أكثر مما تتعلق بالبواطن، ومن ثم حوّلها من تعاليم للروح والجسد معا إلى تعاليم طقوسية، وقتل فلسفتها التقدمية من ناحية "العدل" والروحية من ناحية أخرى (الإحسان).
وكلا التيارين –رغم تعارضهما بل وتشاحنهما على الساحتين الثقافية والسياسية– يشتركان في مجموعة من السمات التى تجعل الصراع بينهما صراعا عقيما، هي: توهم الاستئثار بالحقيقة، ونفى الآخر، وقصور البصر والبصيرة، وثقافة التسلط، والانغلاق على نظام قيم معين بصورة نصية، وعدم الرغبة في فتح قنوات للحوار، وازدراء الرؤى المخالفة وتخوينها، وعدم السعي للبحث عن أرضية مشتركة. وهذه كلها ببساطة هي سمات الدوجماطيقية.
وفي ظننا يكمن المنشأ الفلسفي للتطرف في طبيعة منهج التفكير؛ فالعقل المتطرف عقل مغلق على نفسه، عقل ذو بعد واحد، ومن ثم يستحيل عليه أن يرى غير أفكاره هو، ويعتبرها ثابتة لا تقبل المناقشة، ومؤكدة بشكل نهائي
|
|
|
|
|
|