أزمة الدراما السودانية ( الورقة التي شاركت بها في ندوة أزمة الاعلام السوداني )

Quote: أزمة الدراما السودانية جهود كبيرة يبذلها القائمون على الدراما السودانية ولكن النتائج لم تصل حتى الآن لمستوى تلك الجهود المبذولة لأسباب عديدة نحاول في هذه المساحة المتواضعة أن نتناول بعضا منها لأن تناولها بالكامل يحتاج لمساحة أكبر . فالدراما بالأساس تحتاج مقومات عديدة نفتقر لبعضها ولانحسن إستخدام بل ونغفل عن كثير من البعض الآخر وهاذين العاملين يشكلان في مجملها أزمة الدراما السودانية . دعونا نبدأ بالعامل الأول وهو مانفتقره من عوامل يأتي في مطلعها عدم الاهتمام بالتأهيل فكاتب السيناريو لاتجتهد الجهات المسؤولة في تأهيله التأهيل الكافي الذي يقوده لحرفية التكنيك الكتابي للسيناريو والحوار ولا هو يهتم بتأهيل نفسه عبر الدورات والدراسات المختلفة ومتابعة ما يطرأ على الساحة من أساليب تتجدد مع تجدد معطيات العمل الانتاجي والتقني ؛ والكاتب بالضرورة هو القاعدة التي يقوم عليها كل العمل الدرامي وهي – القاعدة - في غالبها في الحالة السودانية لا تخرج عن إطار الاجتهاد الشخصي والحس الفطري مما يجعلها تفتقر العمق وتبعد عن المداليل ..ويتعامل كتاب الدراما السودانية مع كتابة الدراما بذات القدر الذي يتعاملون به مع كتابة الفيلم الوثائقي الذي يتشابه مع الدراما في الشكل ويختلف في الكيفية . العامل الثاني الذي تفتقره الدراما السودانية هو عامل الاستسهال فالمعروف في الانتاج الدرامي أنه يحتاج تمويلا ضخما لانتاج أي عمل جيد ويشكل غياب الوعي الدعمي لمنتجي الدراما عقبة أساسية تؤدي لاستسهال التنفيذ ومنها لي عنق الاحتياجات الدرامية وتفصيلها على تمويل قاصر مما ينتج عنه سوء مواقع التصوير وفقر الاكسسوارات ونقص الأجهزة التي يحتاجها تنفيذ العمل واختصار الزمن على حساب الجودة وماتفرزه عملية الاختصار من عدم إختيار الزوايا التصويرية المناسبة وما إلى ذلك من عوامل ترتبط بالتمويل . العامل الثالث الذي تفتقره الدراما السودانية هي الخلط بين الأداء المسرحي والأداء أمام الكاميرا ؛ فحركة الممثل وطريقة أداءه تبقى أقرب للمسرح منها للدراما مما يفقد المشاهد عنصر الاحساس بالواقعية ويبقي إنتباهه في حالة إحساس دائم بالمؤدي لا بالشخصية التي تتم تأديتها لذلك نحس دائما بأن ممثل الدراما السوداني ( ممثل ) وبالمقابل تعتمد الدراما السودانية على اجتهادات الممثل وخروجه عن النص في كثير من الأحيان وهو خطأ درامي كبير . العامل الرابع هو الاخراج فمعظم الأعمال الدرامية يتم إخراجها على طريقة الاخراج البرامجي والوثائقي ويجنح المخرجون إما للخلفيات الطبيعية على طبيعتها لا على الاستديو بفضل قلة التمويل وما تحمله هذه الخلفيات والأمكنة من عيوب في الصورة والصوت وحتى الطرح وإما للبحث عن خلفيات طبيعية طبقية لو جازالتعبير كالمسطحات الخضراء والأبنية وتأتي الخلفيات والمواقع في معظم الأحيان على حساب العمل ففهم نقل الواقع في الدراما لا يعني الواقع الفعلي ولكنه الواقع الوهمي الذي يمتزج بخيال المخرج كما أن المخرج الدرامي السوداني غالبا ما يغفل عن إجادة لغة التواصل الايحائية وهي تتطلب موازنة عمق الصورة والموسيقى والأداء في جمل معينة ومواقف معينة تستهدفها الكتابة الدرامية . وتوحي تلك الغفلة بقطع خيط الفهم العمقي بين الكاتب والمخرج فتخرج الأعمال كالطوب الذي يتم رصه في اهتمام بشكل البناء لا متانته وكالباب الصديء الذي تتم تغطية صدأه بالطلاء فيكون سريع التلف والتحاتت والانكشاف عند إزالة طبقة الصبغ الخفيفة . الموسيقى التصويرية واحدة من الأدوات التي يتم إستخدامها بطريقة سيئة في بعض الأحيان ويتم التغاضي عنها في أحيان أخرى فللموسيقى التصويرية في الدراما وجود ضروري وهام للغاية خاصة الموسيقى التعبيرية الخاصة بظهور الشخصيات الأساسية ونمطيتها وموسيقى الأحداث المفصلية وهو ما أفقد الدراما السودانية جزءا كبيرا من خاصية الشد . اللهجة عامل من العوامل المؤثرة في أزمة الدراما السودانية فللدراما لهجة محسنة يتم استخدامها دون الخروج عن إطار اللهجة الأصلية أو بالأصح يكون التعديل في إطار التعامل مع اللهجة فالللهجة السودانية سريعة الأداء ولا يبالي منفذو الدراما بتخفيف السرعة وتبيين الكلمات وهو ما يفقد الدراما خاصية التوصيل الكامل لكل ما تعنيه ويفقدها بالتالي عددا كبيرا من المتابعين . العقلية التخاطبية تبقى محورا هاما ساهم في عدم إنتشار الدراما السودانية وهي مشكلة ليست في الدراما وحدها بل في مجمل العمل التلفزيوني السوداني حيث يركز القائمون على الأعمال على مخاطبة الذات ولايتسع أفقهم لأبعد من مخاطبة المشاهد السوداني وحتى الكتّاب الدراميين لا يركزون على تسييل الكلمات المحلية وتفكيكها لتكون مفهومة للمتابع غير السوداني ولا يهتمون في تكنيكهم الكتابي بالأدوات التعريفية باللغة والأمكنة والثقافة ومختلف المفاصل الاجتماعية فتخرج الدراما مجرد قصص محبوكة تهتم بآلية التسلسل القصصي فقط وتهمل المضمون الذي يجب أن يحتوي على جرعات متفاوتة من إبراز الثقافة والسياحة والاقتصاد وغيرها من المفاصل الذاتية كإذكاء الروح الوطنية والتضامن الاجتماعي والقيم التربوية المختلفة . هذه بعض العوامل التي تفتقرها الدراما السودانية ... أما المفصل الثاني وهو العوامل التي لاتحسن الدراما السودانية إستخدامها فنتناول بعضا منها في هذه المساحة الضيقة ونبدؤها بالعامل الاجتماعي فالمجتمع السوداني مجتمع حي ومتنوع الثقافات والعادات والطبائع ويزخر بمفردات لاحصر لها وهي في مجملها تشكّل عاملا لم تستفد منه قريحة كتّاب السيناريو بالقدر الكافي ولم تحسن إستخدامه فالمفارقات الجغرافية مادة للعديد من الأفكار التي لاتنتهي ؛ ففي جارتنا مصر على سبيل المثال لاتوجد غير ثلاث مناطق لجغرافيا الدراما هي الصعيد والفلاحين والمتمدنين وقد شكّلت هذه المناطق الجغرافية الدرامية الثلاث مرتكزا لمعظم الدراما المصرية التي استفادت منها لأبعد الحدود ونحن لو حاولنا حصر جغرافيا الدراما السودانية لوجدنا أننا من المفترض أن تكون درامانا ملايين أضعاف الدراما المصرية . العامل الثاني هو الجغرافيا الحدثية فالبلاد منذ عهد بعيد ذخرت بالأحداث المتلاحقة من نكبات وحروب وقيام ممالك وزوال أخرى وتعدد حكومات وانتفاضات وفترات سياسية متباينة من حكم عسكري ومدني ومزيج وقوانين يمينية وأخرى يسارية وأحداث إجتماعية داخلية لا حصر لها لم تتناولها الدراما بالعمق الكافي ولم تتناول أثرها على تركيبة الشخصية الدرامية ولا التكوينة المتباينة للشخصية السودانية وأيضا لم تستغل العوامل الطبقية المختلفة ولا تعدد الحرف فعلى سبيل المثال لانكاد نجد دراما توغل في شخصية الرعاة الرحل وما يصاحبها من تفاصيل قصصية ولا حياة المزارع المستقر ولا القروي القح ولا قاطن الصحراء وأطراف البحر ولا من حكمت عليه الظروف بالعيش في معسكرات النزوح أو حتى المهاجر لخارج الوطن ولكنها فقط تركز على الشخصية الحضرية وكأنها تمثل الشخصية السودانية بالمجمل . من العوامل التي لا تحسن الدراما السودانية استخدامها عامل الجغرافيا الحياتية الثابتة فلو تم تثبيت كاميرا على محطة المواصلات في المحطة الوسطى على سبيل المثال لوجدت أطفال الشوارع ومزحات سائقي التاكسي وأقاصيص راكبي المواصلات وبائعي المياه والعصائر المثلجة وغيرهم وغيرهم ... ملايين الخيوط القصصية والاخراجية من هذا العامل غير أننا كدراما سودانية لم نستفد مطلقا من هذا العامل وربما استفدنا منه على استحياء وباقتضاب في بعض الفيديوكليبات الساخرة . المعاناة بمختلف درجاتها لم نستفد من إمكانيات توظيفها في أعمال درامية فالبرامج الانسانية على سبيل المثال كشفت عن واقع أقرب للخيال منه إلى الحقيقة وأي قصة من قصص ذلك الواقع لو تمت ترجمتها لعمل درامي لامتلأت شاشاتنا بالأعمال الدرامية الناجحة ولكننا لم نستفد من هذه الخاصية ولا حتى من الخاصية الموازية لها وهي الطبقات العليا . العامل الطبيعي هو من أكثر العوامل المغرية بالاستفادة ولكننا غفلنا عنه فالطبيعة المتباينة في البلاد بمختلف المناخات والخصائص من صحراء في الشمال والغرب وتربة طينية بمعطياتها في الجنوب ومعظم الوسط وجبال في الشرق وما إلى ذلك كلها عوامل نائمة لم تتمكن الدراما من إيقاظها لدعم السياحة والاقتصاد ورفعة الحياة الاجتماعية ويأتي عدم الاستفادة من تلك العوامل التي تحتمل مادون الاستديو أما بسبب ضعف التمويل أو جهل المنفذين بمعرفة تلك المناطق أو التكاسل عن وصولها . هذه بعضا من عوامل أزمة الدراما السودانية ويجب أن يتم تدارسها لايجاد الحلول وهي ليست صعبة فالحلول الحقيقية للخروج من أزمة الدراما السودانية تتركز في عدة نقاط أهمها :- 1- الاهتمام بتأهيل كتاب الدراما ومؤديها وفريقها الفني 2- وضع أطر واستراتيجيات لأهداف وطنية واستراتيجية عليا تخدمها الدراما وهو ما يسهم في توفير وتغطية جانب كبير من التمويل 3- التمويل الكافي لخروج العمل الدرامي بالصورة المطلوبة 4- الخروج من دائرة المخاطبة الذاتية إلى نشر الدراما السودانية على المستوى العربي والافريقي والعالمي 5- تقنين مؤسسات العمل الدرامي والسينمائي وجعلها مؤسسات جاذبة وبشروط تتفق مع الجودة . 6- إقامة المهرجانات التنافسية التي ترتقي بالعمل الانتاجي 7- تشجيع الدولة لمؤسسات الانتاج ودعمها بطرق مباشرة وغير مباشرة 8- تسهيل سبل إحتكاك الدراميين برصفائهم عبر مساعدتهم على المشاركة وحضور الملتقيات الدرامية المختلفة 9- إلزام الدولة لمؤسساتها الرسمية وشبه الرسمية بتشجيع الأعمال الدرامية عبر الرعاية وغيرها من السبل الخاصة بالتبادلات المنفعية 10- وضع قواعد مهنية متكاملة لاجازة الاعمال الدرامية .