|
|
 زقاقات وحواري الاعلام المصري
|
ربما لأول مرة منذ وقت طويل يحدث أن أجلس أمام شاشة التلفاز كل هذا الوقت ، حدث هذا في عطلة هذا الاسبوع عندما ظللت أتنقل بين القنوات المصرية وبعض القنوات الأخرى ، شدني كما الكثيرين في البداية متابعة الأحداث بعد الصدمة التي مني بها بعض السودانيين من تطاول وافتراءات على السودان وأهله وأمنه من بعض مقدمي البرامج في بعض القنوات المصرية أثناء تغطيتهم لأحداث صاحبت مغادرة بعثة مشجعي المنتخب المصري وتعرض بعضهم لاعتداءات من الجمهور الجزائري ، وتجلت هذه الدراما حينما كانت ترد افادات شهود العيان من الخرطوم ويقوم بالرد عليها هؤلاء مقدمي البرامج ، كان هذا في البداية..ولكن ما حدث بعد ذلك أن ما شدني لم يكن هذا الموضوع بالذات ، خاصة بأن هناك من أتى في هذه القنوات مشكوراً يحمل معه "جردل" ماء محاولاً اطفاء ما اشتعل في صدور السودانيين ، ثم بعض الافادات من المواطنين المصريين شهود العيان الذين كانوا ينفون ما قيل عن السودان..والذي تحول بعد ذلك الى موقف رسمي من النظام المصري بعد تحرك الخرطوم واستدعاءها للسفير المصري (الأمر الذي اعتبر أن فيه شئ من المبالغة من الحكومة السودانية).
على كل حال كما قلت..أن ما جعلني أتابع هو شئ آخر..هو محاولة للفهم! فهم هذه الهستريا التي اجتاحت الاعلام المصري اتجاه الاحداث والتي افرزت هجوم كاسح على الجزائر..مشجعي فريقها وحكومتها ثم شعبها نفسه.
|
|
 
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: زقاقات وحواري الاعلام المصري (Re: محمد يوسف الزين)
|
والحقيقة أن المسألة كانت صعبة للغاية بالنسبة لي ، وهي أن أستوعب رد الفعل هذا ، ربما كانت أسهل قليلاً لمن تعود على الشعب المصري وسكن في أحياء مدنها وأزقتها..أقول هذا لأن الأمر حتماً يحتاج لمثل هذه الخلفية والتي تفهم نفسية وتركيبة المصريين..لأقرب الفهم ما حدث أشبه بـ"الخناقة" الكلاسيكية التي تحدث في أي من الحواري الشعبية في مصر..عندما تُرد ما يعتبره المجني عليه "اساءة".. بطريقة الوقوف في منتصف الشارع والبدء في الزعيق والتهديد المصحوب بالشتائم ، وتلخصه هذه القصة التي حدثت لي أثناء وجودي في أحد المدن الخليجية عندما كنت أركب مع أحد اصدقائي السودانيين من ابناء بلدي في سيارته عندما أخطأ في الاصطدام بأحد السيارات الواقفة على الشارع وسرعان ما ترجل سائق السيارة وهو أحد المقيمين المصريين في تلك الدولة وبدء في الصراخ ، تقدم صديقي للاعتذار وقام باخراج محفظته لتغطية الخسائر خاصة أن الضرر خفيف ولا يستدعي انتظار الشرطة والتي قد تكون صعبة علينا جميعاً خاصة ونحن مجرد أجانب مقيمين ولا نلقى دائماً المعاملة الجيدة من الشرطة ، انتقل صديقي من الاعتذار الى الحدة بعد اصرار المصري على مبلغ كبير وفجأة قفز الشاب المصري الى الوراء وبدأ في الصراخ وبدأ في (لأ بأآآآ) وفي (أنا حأعمييييلك) وفي (ما تعرفنييييش) ، انتهى ذلك الصراخ بسرعة لأن صديقي الذي احترقت اعصابه تماماً تقدم بسرعة ولكم الشاب المصري في وجهه لكمة أطاحت به ، ثم اشتركت مع صديقي في الدهشة حينما نهض الشاب الذي صمت وهو يتحسس اللكمة حينما قال (إيه ده؟!! مافيش شتيمة في الاول؟! مفيش يابن الايه ويابن الايه؟!).
| |
|
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: زقاقات وحواري الاعلام المصري (Re: محمد يوسف الزين)
|
ماعلينا..ونعود للموضوع..
بعد كم هائل من الساعات المجانية أمام التلفاز والمشاهدات والسماع لاطراف عديدة..سأحاول أن أحكي رواية ما حدث وما جعل معظم الاعلام المصري يقوم بكل الـ"هذا الذي لم نفهمه!" والذي تطور (هذا الذي لم نفهمه!) وأصبح رأي عام مصري كما شاهدنا.
روايتي تقول ..أن الاعلام الرياضي استثمر قبل شهر تقريباً امكانية صعود المنتخب المصري لكأس العالم وبدأ مشروع التعبئة للجماهير المصرية..وكل وشطارته (مقدمي البرامج والصحفيين) في زيادة شعبيته الشخصية وجذب أكبر عدد من المشاهدين ، مع الملاحظة أنني الان لا أشكك في رغبة هؤلاء الاعلاميين ووطنيتهم (على حد تعبيرهم) ولكن أتكلم باختصار عن المهنية ، تطور الأمر الى أن يصبح حرب على الجزائر نفسها وساعد في ذلك الخلفيات التاريخية في كرة القدم بين البلدين والتاريخ القريب يذخر بتلك الحساسية بين جماهير المنتخبين التي تطورت في أحيان كثيرة الى احداث شعب.
الى أن وقعت حادثة تعرض حافلة المنتخب الجزائري حالة وصوله الى القاهرة الى عملية رشق بالحجارة..فتحرك المذيعون وفعلوا بعض من الـ"هذا الذي لم نفهمه!" ، بعضهم اجتهد فتفرغ لتكذيب الخبر ودحضه ، وبعضهم بدء في الاساءة للشعب الجزائري..اساءة وصلت الى حد النيل من القيم التاريخية للجزائر ، في المقابل استثمرت صحيفة جزائرية هذا وبدأت في تضخيم الاحداث بدورها فروت تفاصيل موت بعض المشجعين الجزائريين قبل مباراة القاهرة. صادف كل هذا جمهور جزائري متطرف أصلاً وشديد التعصب ، حينما كانت تعد مصر أن هذه حرب نفسية واعلامية فقط كان الشباب الجزائري يعدها شئ آخر..
تستعد الخرطوم وتقبل التحدي.
استثمرت الحكومة الجزائرية هذا الحدث لتكسب ود الشعب ، وهي فرصة مثالية لافراغ الغضب ، ولا يتحدث أحد عن (وطنية) رئيسها ولكن عن تسخير امكانيات دولته من أجل كرة القدم فيقوم بأكبر عملية جسر جوي في التاريخ بين الجزائر وبلد افريقي اخر ، بلد وهو السودان لم يشهد طيران جزائري مباشر بين عاصمتيه ، حيث كان السفر عن طريق دول أخرى.
| |
|
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: زقاقات وحواري الاعلام المصري (Re: محمد يوسف الزين)
|
وفي نفس الوقت كان الاعلام المصري يؤكد تحقيق الحلم لدرجة أن يحلف بعض مقدمي البرامج (قسماً مغلظاً) أن المنتخب المصري سيفوز وسيتأهل وأن الاحتفال سيكون من الخرطوم. وهو نفس ما يفعله كل الاعلام العربي بالمناسبة..وهو أن يبيع للجمهور ما لا ليس في يده. فتحركت الحشود نحو مطار القاهرة لحضور الاحتفال في الخرطوم..المصريين..وكان بينهم الاعلاميين والفنانين..للـ"شو" وللـ"احتفال"..الذين ليس لديهم أدنى فكرة.
يرتكب السفير المصري أكبر أخطاءه..حينما يحاول أن يتدارك موقفه وهو عدم تحذير هذه الجماهير واخبارهم أن من يظن أن الجو سيكون ودي واهم..فيخبر جميع الحضور في السفارة المصرية أن الجمهور الجزائري يضمر الشر وأنه مسلح وأنه اشترى كل الاسلحة البيضاء من اسواق الخرطوم..
ينتشر الرعب بين الوافدين..رعب كبير..خاصة بعد معرفتهم بالاعداد الحقيقية للجماهير الجزائرية..وخاصة لأنهم لا يعرفون السودان ،
هذا الرعب هو سبب الهستريا الاولى التي حدثت حينما تحركت الباصّات تحمل مصريين بسرعة بعد المباراة بهدف بلوغ مطار الخرطوم باسرع ما يمكن ،
ولكن الجزائريين كانوا ينوون الشر فعلاً ، ولكن ربما شر آخر غير ما تصوروه ، الغرض التخويف والتنكيل ونشر الرعب..وليس القتل.
يحدث ما يحدث في الخرطوم من رشق لثلاث باصات بالحجارة من قبل جزائريين ، ومناوشات من قبل جزائريين آخرين منعها الشرطة والأمن السوداني ، ثم يحدث ما يحدث في القنوات المصرية ، التي كان واضحاً من بعض مقدمي برامجها الرغبة في التصعيد ، لأنهم ببساطة كانوا يختصرون الافادات المطمئنة ويسترسلون في الافادات التي تثير الهلع. خاصة أنها كانت تأتي من شهود مشاهير.
يتضح فيما بعد أن لا وجود لوفيات أو أذى جسيم ولكن اصابات خفيفة نتيجة تكسر زجاج نوافذ.
الشرطة السودانية أكثر المتضررين من الاحداث ، لأنهم أكثر من تعب ، وكانوا يستحقون أن ينالوا نتيجة تعبهم..ألا وهو الراحة. راحة نفسية يجلبها الشعور بالنجاح وليست راحة جسدية. فيتحدث أكبر مسؤليها بكل المهنية كما تعلموا نافين الاحداث واضعين كل ما قيل في حجمه.
يبدأ الاعلام المصري بـ "هذا الذي لم نفهمه!" ، استنفار وشحذ للهمم وبذل كل الغالي والنفيس وكل مهارات الكلام في سبيل اثبات أن الشعب المصري ليس "جبان" وأنه غدر به من قبل أحقر واسوأ شعوب الأرض الجزائر! واصبحت كل الجهود منصبة ناحية الظفر بلقطة أو أكثر تعرض نكاية الجزائريون في بلدهم بمصر ورموزها.
| |
|
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: زقاقات وحواري الاعلام المصري (Re: محمد يوسف الزين)
|
حتى أن هذا المجهود الذي بذل يتضائل مع تغطيات أكثر أهمية بكثير من قبل محطات تلفزيونية في بلدان أخرى..لبنان مثلاً في التاريخ القريب وهي الدولة التي لديها خبرة في الاعلام (ليست كمصر ولكن فالنقل أفضل من باقي الدول العربية) أثناء أحداثها من اغتيال لرئيس وزرائها ثم جلاء القوات السورية ثم الغارات الاسرائيلية على الجنوب وبيروت ، لم يحدث فيها ما يحدث الان في مصر.
يستثمر المنتخب المصري ومن خلفه اتحاد الكرة وحتى مقدمي البرامج الرياضية في هذه الاحداث..وينتهي الى الأبد اخفاق منتخبهم في الوصول لكأس العالم.
تستثمر الحكومة المصرية وحزبها الوطني هذه الأحداث في وقوف كل مصر خلفها ، فيتصل علاء مبارك ببرنامج رياضي في قناة مصرية! ولمن لا يعلم "برستيج" وطقوس المصريين لا يدرك مدى كبر هذا الأمر عندهم ، لأنهم هناك كل ما زادت ثقل الشخصية كلما همش الجميع من برجه العالي.
يزيد "الزعيق" والصراخ حينما تدرك هذه المحطات التلفزيونية المصرية أنهم وحدهم تماماً في الفضاء وأن هناك تجاهل ، حينما لم تهتم المحطات الأخرى ذات الثقل الأكبر كقناة الجزيرة أكثر المحطات العربية التزاماً بالمهنية والحياد. (ليست كاملة ولكن أكثر) بالخبر. يزيد عندهم الشعور بأنهم متهمون في شجاعتهم ومتهمون في مصداقيتهم كذلك.
يستثمر الحزب الوطني الحاكم في مصر أكثر ، فيتحرك باتجاه هوى الجماهير التي عبئت تماماً.
ما أريد قوله أن هناك عدة دروس يستفاد منها..
أولاً: ليس لدينا اعلام يستطيع أن يكون في المستوى ، ليس في مثل هذه الأزمة فقط ، اذا وضعنا الامكانيات جانباً فالامكانيات التي تملكها ثلاث محطات فضائية سودانية ليست سيئة ، ولكن ليست هناك مهنية حقيقية ، ليس هناك فكر يتطور لهذه المحطات ، ليست لدى مالكيها أو مديريها رغبة في احترام ما يقدم ، ليس لديها مواهب حقيقية تستطيع أن تنقل طبق مزين كقطعة جاتوه ما يريد أن يقوله السودانيون ، فيلتهمه المشاهد العربي ويستوعب.
ثانياً: فقدت عندي بعض المحطات المصرية وبرامجها مصداقيتها الى الأبد.
ثالثاً: أرجو أن يكون السودانيين الان أقرب الى فهم العقلية المصرية ، هناك طبعاً الكثير من المثقفين المصريين الذين خرجوا ونددوا بسلوك محطاتهم الفضائية ، ولكن يبقى هناك الكثير من المستثمرين في مصر ، من يبيعون ويشترون في الاخلاقيات.
عذراً للاطالة ، واعفو لي ان كان كلامي مملاً أو ركيكاً.
فقط هي شحنة أردت أن أفرغها ، لأمسح هذا الأمر من دماغي وأتفرغ بعدها لحبيبي خروف الأضحية الذي قيل لي أنه صار بـ 400 جنيه سوداني.
| |
|
|
|
|
|
|
| |
محمد يوسف الزين
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست