دكتور ترابي وشيخ حسن!يا سلام يا فتحى الضو ذكرتنا دكتور جيكل ومستر هايد! مقال جميل

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-06-2024, 09:57 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الرابع للعام 2009م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
11-18-2009, 11:15 AM

jini
<ajini
تاريخ التسجيل: 02-05-2002
مجموع المشاركات: 30720

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
دكتور ترابي وشيخ حسن!يا سلام يا فتحى الضو ذكرتنا دكتور جيكل ومستر هايد! مقال جميل

    Quote: دكتور الترابي وشيخ حسن (1)



    فتحي الضَّـو



    [email protected]



    عندما يطالع القراء الكرام هذا المقال يكون (شيخ حسن) عندئذ قد خلع جلبابه وعمامته السودانية المعروفة بعد مغادرته العاصمة القطرية الدوحة، وما أن هبطت الطائرة في مطار شارل ديغول بالعاصمة الفرنسية باريس حتى خرج منها (دكتور الترابي) وقد إرتدى بدلة أفرنجية كاملة تزينها ربطة عنق أنيقة. وقد يكون عندئذ قد فرغ من مقابلاته الرسمية في المكاتب الفخيمة والصوالين المغلقة أو غير الرسمية في مقر سكنه واقامته، ولعله يكون أيضاً قد طلب من مرافقيه أن يتجهوا به نحو شارع الشانزلزية الشهير ليستذكر خُطىً مشاها (حسن عبد الله حمد الترابي) الطالب الشاب الذي جاء إلى فرنسا قبل ما يناهز النصف قرن لينهل العلم من جامعاتها. وعندما تحقق له يومذاك ما أراد.. تأبط شهادة الدكتوراة من جامعة السوربون، ويمم وجهه شطر الخرطوم تسبقه غاية استرخصت الوسيلة. ولهذا عندما وصلها وضع (شيخ حسن) العمامة على رأسه وإعتلى منبر الحركة الاسلامية، ثمَّ نظر يمينه فرأى شيوخاً أينعت رؤوسهم، فقالت له نفسه الأمارة بالزعامة ها قد حان قطافها، فلم يتوان في أن يفعل بهم ما فعله الحجاج إبن يوسف الثقفي بأهل العراق. ثمَّ جلس (دكتور الترابي) على منصة جامعة الخرطوم ونظر إلى يساره، فرأى زرقاء اليمامة تُبشر اصحاب الياقات البيضاء بشجر يسير من بعيد، فصدقها حين كذبها قومها، ثم خرج في الناس خطيباً ونذيراً وبشيراً بثورة اكتوبر!

    قليلون هم الذين يعلمون لماذا اختار الرجل المقل في سفرياته الخارجية – طوعاً أو كرهاً - هاتين العاصمتين اللتين لا يجمع بينهما شيء حتى حروف اللغة الابجدية. ولن أكون مغالياً - وفق قياسات الرأي العام - إن قلت أن هذه الزيارة قد لا تعني جموع الشعب السوداني في كبير شيء، بل أن الترابي نفسه - كما يعرفه الناس - لا يقلقه إن علم كثيرهم أو قليلهم دوافع وأهداف جولته تلك، والتي تشمل دولاً أوربية أخرى. ذلك لأنه يعلم اليقين أن المعنيين بها قوم تركهم خلفه في تلك العاصمة الحمقاء كلما أمعنوا النظر في التاريخ بغروا بطنه، وكلما جاعوا للسلطة أكلوا بثدييهم. لهذا فكثيرون هم الذين يعلمون أن ما بين الترابي وتلاميذه وميض نار خبا تحت الرماد، لن ينتهى مطلقاً بذات السهولة التي اندلع بها، إنه صراع داحس والغبراء السياسي، صراع يظل سرمدياً طالما بقى أحد طرفيه قابضاً بزمام السلطة والطرف الآخر ينظر إليه شذراً، ومن عجب أن الطرفبن يعلمان أنه متى ما إندلعت النار فإنها لن تبقى ولن تذر!

    عقد كامل من الزمن مضى على ما سُمي بالمفاصلة التاريخية بين الاسلامويين عام 1999 أي عشر سنوات بالتمام والكمال لم يهدأ فيها غضب الشيخ على تلاميذه، مثلما لم يخفف تلاميذه من وطأة حقدهم عليه. كلاهما ظل متربصاً بالآخر. هو لا يملك غير أن يحصي حركاتهم وسكناتهم ويذكرهم دوماً بأنه ما زال ممسكاً بحبل قد يكون وسيلة نجاتهم او نقيضها. في حين أنهم ما زالوا في حيرتهم يعمهون، إذا أدخلوه السجن احتاروا وإن أخرجوه منه زادت حيرتهم، إذا منعوه من السفر تفاقمت همومهم، وإن سمحوا له بالسفر أفترستهم الشكوك والظنون،إذا وضعوه في الاقامة الجبرية جاء من يقول لهم إن الشيخ وحده القادر على تفسير حلم السلطة السمينة والسنوات العجاف، وإن اخرجوه خطب فيهم بطريقته التي يعرفونها وقال لهم أيها العير إنكم لسارقون. سيظل ذلك سجالاً في مسرح عبثي لأن الممثلين أنفسهم لا يعبأون إن كان ساكن القصر غردون أو المك نمر، مثلما أن الجمهور لا يكترثون إن كان ساكن المنشية شيخ حسن أو دكتور الترابي!

    الرواية داخل الرواية تقول إن الشيخ أغضبه أن تلاميذه سرقوا منه مشروع حياته على حين غرة، لكنه لم يكن يعلم في سياق متناقضاته الكثيرة أنه كان يبشر تلاميذه بزوال الطائفتين المعروفتين في الوقت الذي كان يؤسس فيه للطائفية الثالثة في السودان. والشيخ الذي ظل طوال حياته يباغت تلاميذه بالفتاوي التي تثير جدلاً، لم يصدق حين باغتوه بفتوى من جنس ما تعلموه منه تفاضل بين الدين والدولة، وتغلب العاجلة على الآجلة. يومذاك سرت في اوساطنا الطرفة التي اضحكتنا وابكت الشيخ فيما بعد. كان من أطلقها رجل بيننا اشتهر بروح الدعابة والفكاهة والمرح، وحافظ على ذلك في ظروف كان الدم يراق فيها على جانبيه كما تراق أحلام البسطاء. إذ قال لنا الراحل الدكتور جون قرنق دي مابيور إنه كان يعرف من دروس وعبر التاريخ أن الثورات طالما أكلت بنيها، ولكنه للمرة الأولى يرى ثورة تأكل (أبوها) يومذاك قلت لأحد الأصدقاء ولكن هناك مقاربة أخرى لا يعلمها سوى الذين يعرفون الشيخ وخبروا طرائق تلاميذه. إذ الفارق بينهم هو أن الشيخ يمكن أن يدخل معك غرفة واحدة، ثم يغلقها بالمفتاح ويبتلعه أمام عينيك، وتكتشف فجأة أنه غادرها وتركك بداخلها تبحث عن وسيلة تفتح بها الباب بالرغم من إدراكك إنه ابتلع المفتاح. أما تلاميذه فيمكن أن يدخلوا معك غرفة أخرى ويغلقونها أيضاً بالمفتاح، ولكنهم يظلون ممسكين به في أيديهم في نفس الوقت الذي يبحثون فيه عن طريق للخروج. والويل كل الويل لك إن قلت لهم إن المفتاح الذي تبحثون عنه هو في أيديكم!

    من المفارقات المذهلة وعلى عكس الطرفة التي نحت نحو نهايته، قاوم الترابي واستمات في عدم الاستسلام لتلاميذه. بل كثيراً ما بذل جهداً فوق طاقته حتى لا يمنحهم فرصة تجلب السعادة لقلوبهم الجزعة. ويرى الناس إنه كلما تقدم به العمر أتى بفعل حيوى عنوةً لينقص من سنوات عمره، وكأنه يود ان يقول لهم إنه ما زال في بواكير شبابه. قبل ايام قليلة فائتة قالت الصحف إنه تعرض لضربة شمس أثناء مخاطبته جماهير قرية (طيبة) بولاية الجزيرة، وأكدت أكثر من صحيفة أن حالة من حالات الإغماء إنتابته وسقط مغشياً عليه جراء إنخفاض ضغطه. ولكنه واصل جولته بعد ان عولج وكأن شيئاً لم يكن. وعندما عاد إلى منزله في الخرطوم كان أول شيء صرح به أن نفى نفياً قاطعاً تعرضه لأي عارض صحي، وقال إنه يتمتع بكامل صحته وسلامة بدنه. ويذكر الناس أيضاً شماتة غير لائقة صدرت من أحد تلاميذه غير الأوفياء بعد الحادث الذي حدث له في كندا في العام 1993 وترتب عليه بقائه لفترة طويلة في المستشفى، مما حدا بالبعض أن يعتقدوا بأنه لن يعود لسابق حياته الطبيعية. وبدت كأنما تلك فرصة صلى من أجلها تلميذه مهدي أبراهيم صباح مساء، فنطق ذات يوم على هامش مؤتمر كان يحضره في مدينة جوهانسبيرج بمكنون صدره، وقال لأجهزة الإعلام إن (شيخ حسن الترابي نسى القرآن كله بما في ذلك سورة الفاتحة) لكن الشيخ نهض من مرقده، وبدا كأنه أضمر شيئاً ثم عمل من أجله سنين عددا، إذ ردَّ على مهدي أبراهيم والذين تناوشتهم نفس الظنون بطريقة عملية، فعكف على شرح القرآن الذي قيل انه نساه وصدر له كتاب فيما يقارب الألف صفحة (التفسير التوحيدي) في العام 2004 وقيل إنه ثمرة مجهود استمر عشر سنوات!

    لولا السلطة التي يمسك بخناقها الاسلاميون يومذاك، لما كان الخلاف الذي سمي بالمفاصلة بين القصر والمنشية مدعاة للاهتمام أو الإثارة في حد ذاته، ليس لأن ما حدث كان في حكم المتوقع ولا لأن سننه جرت كثيراً بين البشر، ولكن لأن كشف عن متاجرتهم بالدين وأزاح غطاء الانتهازية الذي كان يغطى عوراتهم، بدليل أن اللغة الوقحة التي تطايرت من اصحاب الأفواه المتمضمضة والأيادي المتوضئة أذهلت كل مرضعة عما أرضعت، ورأيناهم يسقطون عباءة الدين كما يسقط المتبطلون حيائهم على قارعة الطريق. ولأن من كان والغاً في مثل هذا السوء ليس لديه وازع اخلاقي يردعه، نحسب أن بعضهم ما يزال سادراً في خصومته بفجور بالغ، إذ استهواهم ترديد تلك اللغة البئيسة كأنهم يزمعون تأليف قاموس يتنافسون به مع سفهاء العالم. ومثل هؤلاء لا يأبهون كثيراً إن إتسقت تلك اللغة مع قيم وأخلاق وثقافة المجتمع أو غرقت في بحر لجي. فهم من فرط شوفونيتهم يظنون أنهم لا يمكن أن يبنوا مجداً أو يتسلقوا سلماً من سلالم الترقى في التنظيم الماسوني إلا إذا عبروا على جثة عرابه، ومن المفارقات أيضاً أن الذين كانوا يدعون أنهم حملة مشاعل المشروع يومذاك، اتضح أنهم أفنوا زهرة شبابهم وهم يمنون النفس بإيماءة من الشيخ السابح في ملكوته الخاص، وإن حدث وابتسم في وجوههم تلك الابتسامة التي تنطوى على ألغاز لا يعلم كنهها إلا هو.. تهفو قلوبهم وترقص نفوسهم طرباً لكأنما قمر بني هاشم زارهم في المنام.. واحال دياجير ليلهم إلى نهار يجهر الأبصار!

    يعد الترابي من اكثر السياسيين السودانيين الذين اسبغ الناس عليهم ألقاباً مختلف معانيها. فثمة من شبهه بميكافيللي لأنه بحسب الزاعمين هو مكرس النفعية والواقعية في السياسة السودانية، كما أنه لا يجد حرجاً في الوصول إلى غاياته بغض النظر عن الوسيلة التي يتخذها، وبالرغم من ذلك فإن له قدرة كبيرة في الدفاع عن آرائه حتى ولو أكد الجميع خطلها. وهناك من شبهه براسبوتين الذي ما زال الجدل دائراً حول طبيعة شخصيته، في كونه أي نوع من البشر.. رغم مرور ما يقارب القرن على مماته. وعندما اصبح مستشاراً للرئيس المخلوع هناك من رأى في وظيفته تلك شبهاً بالخدمات التي كان يقدمها الوزير هامان لرئيسه فرعون. ولعل الناس يتذكرون في ذلك العهد تحديداً كيف أن الترابي لم يتورع مطلقاً في تقبل كل فنون الإذلال التي إنهمرت عليه من سدنة الاتحاد الاشتراكي، أدناها قول صحف التنظيم أن الرئيس القائد زوده بنصائحه، وتلك ديباجة تصرف لمعشر القراء كلما نوى المستشار القيام بجولة خارجية، لكن الغريب في الأمر ان الترابي كان يتقبل تلك الإهانات كأنما احداً يلقى عليه شعراً مادحاً!

    يحلو للترابي أن يمارس هوايته في السلطة من وراء حجاب، ولذا قد يذكر الناس كيف كان حاله يوم ان كان بين تلاميذه يدير الدولة السنية بسبابه، وفي نفس الوقت كيف كان طموحه جامحاً نحو أممية تسقط الحدود وتزيل حواجز الزمان والمكان. وفي سبيل ذلك الهدف (الديني النبيل) أصبح منزله في المنشية محجاً لكل من القى السمع وهو شهيد، كان أقطاب التنظيم يتقاطرون عليه كما يتقاطر النمل الأبيض في فناء مملكته، واصابت ذات العدوى قوماً آخرين من النفعيين والانتهازيين ومرضى السلطة، ممن ليست لهم علاقة عضوية بالتنظيم. وكذلك اصبحت المنشية أو مدينة قمْ - كما اطلق عليها بعض الساخرين - قبلة للدبلوماسيين العاملين في السفارات والمنظمات والوكالات الأجنبية، وبنفس القدر أمَّها زوار البلاد من مختلف الملل والنحل، وجاؤها صحافيون يبحثون عن رأس الخيط في صناعة القرار، وفوق هذا وذاك هبط عليها قادة حركات الاسلام السياسي الذين كانوا يطمحون في تطبيق ذات التجربة المعلولة في بلدانهم كيفما أتفق.

    أياً كان الرأي سلباً أم ايجاباً حول شخصية الترابي، فلا أعتقد أن الناس سوف يختلفون في أنه يظل أكثر السياسيين السودانيين إثارة للجدل. ولا يعتقد عاقل أن ذلك محض صدفة، فهو فعل منظوم يقدره شيخ حسن حق تقديره، أي يقتره حيناً ويبسطه أحياناً أخر بغية أن يظل دائماً مادة الاثارة في الجدل المطروح. فهل يا ترى أدمى هذا القيد معاصم تلاميذه رغبةً في الحرية المشتهاة؟ بعضهم قد يقول نعم وبعض آخر قد يقول لا، ولكن لن يجرؤ أي من الفريقين أن يقول همساً أو جهراً أن ما تم عشية الرابع من رمضان كان رغبة في الانعتاق من سيطرته أو هرباً من سطوته. وبغض النظر عن الاجابة فإنهم يعلمون أن الترابي من شدة إعتداده بنفسه ظل لا يأبه كثيراً.. سواء انفض من حوله الحواريون أم استبقوا أنفسهم في امبراطوريته. ويبدو لي - والله أعلم – إنه من فرط إعتداده وثقته بنفسه فهو يؤمن إيمان العجائز أن الجانحين سيأتون إليه طوعاً ليدفعوا الجزية السياسية وهم صاغرون!

    صفوة القول أن تلك الآراء وغيرها أفصح عنها الترابي بوضوح شديد في حوار صحفي أجرته معه صحيفة (الشروق الجزائرية) مؤخراً، ونظراً لأهميته فقد استوقفنا فيه أنفسنا بحثاً عن المفتاح الذي ابتلعه الرجل وهو في قمة نشوته السياسية. ولكن قبل ذلك يجدر بنا ان نختم بما يخدع الطرفين، فقد قال الرجل في هذا الحوار - تصريحاً وتلميحاً - أنه يمكن أن يعفو عن تلاميذه بشروط. ذلك ما بدا لكأنما (شيخ حسن) بمكافيلليته المعهودة قال إنه سيغفر ولكن (دكتور الترابي) ردَّ عليه قائلاً إنه لن ينسى!

    إنها جولة في عقل سياسي شارك حاكماً في السلطة فأودت إنتفاضة شعبية بذاك الحاكم إلى مزبلة التاريخ. ثم عاود الكرة وأوصل حاكماً آخراً للسلطة.. لكن هذا أشتد ساعده عليه فخلعه من ذات السلطة... وما زال الرجل يقف عند ملتقي النيلين بين مصدق ومكذب!!
                  

11-18-2009, 11:18 AM

jini
<ajini
تاريخ التسجيل: 02-05-2002
مجموع المشاركات: 30720

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: دكتور ترابي وشيخ حسن!يا سلام يا فتحى الضو ذكرتنا دكتور جيكل ومستر هايد! مقال جميل (Re: jini)

    Quote:

    دكتور الترابي وشيخ حسن (2)



    فتحي الضَّـو



    [email protected]



    بالرغم من أن حبراً كثيراً قد أريق منذ حدوث ما سُمي بالمفاصلة الكبرى بين جناحي القصر والمنشية في الرابع من رمضان الموافق 12/12/1999 إلا أنه لم يسأل أحد منَّا نفسه عن الأسباب الحقيقية لهذا الإنقسام الذي فرَّق بين الترابي وتلاميذه؟ بل نستطيع القول إنه حتى بعض المعنيين بالأمر لم يسألوا أنفسهم هذا السؤال وأسئلة أخرى ذات صلة. مثل هل ثمة بنود سرية تواصي عليها الطرفان تحت رعاية وساطة التنظيم الدولي التي جاءت من خلف الحدود وفشلت في التقريب بينهما؟ ما هو المسكوت عنه في هذا الانشقاق؟ وهل ما حدث طلاق بائن بينونة كبرى لا رجعة فيها أم أنه بائن بينونة صغرى تحتمل عودة الطرفين إلى سابق عهدهما؟ وأياً كان الإفتراض.. هل الخلاف حقيقي أم أنه ممسرح رغم ما يتراءى من فجور في الخصومة؟ متى ابتدأ الخلاف أصلاً؟ هل يعقل أن تكون إنتخابات الولاة هي السبب في انقسام كبير كهذا؟ وهل كان الخلاف بين دكتور الترابي والفريق عمر البشير أم بين الشيخ حسن وحوارييه؟ ومن هم هؤلاء الحواريون الذين لم يودوا إزاحة النقاب عن وجوههم؟ وهل انحازوا بناءاً على مواقف إنتقامية أم ثأرية؟ وهل هناك منهم من لا يزال على صلة باطنية بالشيخ رغم المحن والأحن؟ وإلا كيف يصار للشيخ أن يعلم بحركاتهم وسكناتهم وخططهم وتفكيرهم بل ونواياهم رغم السرية المحكمة التي تحيط بأعمالهم؟ وهل ذلك جزء من طبائع الشخصية السودانية أم فعل مقصود من باب الولاء للشيخ أو إمتداد لوصل لم ينقطع أصلاً؟ و بنفس المستوى على الصعيد الثاني.. هل هناك من يلعب دور (الغواصة) في جماعة الشيخ لصالح الطرف الآخر (يُذكر أن المسكوك المشار إليه هو من إنتاج الجماعة نفسها)؟ وهل ما زال البعض يعتقد أن المِحنة التي دخلت فيها (الحركة) ليست لها (بركة) إلا عند الشيخ لإنقاذها؟ وإن صح ذلك.. يبقى السؤال: إنقاذها مِنْ مَن ولماذا؟

    بالطبع هناك اسئلة كثيرة تترى على الساحة وهي تبحث عن اجابة شافية، ولا شك أن القاريء الحصيف يدرك تماماً أن من أثارها قادر على فك طلاسمها، هذا إن لم نقل إنه يمتلك بنواصيها حقاً (ولكن صديقنا الاستاذ عادل الباز رئيس تحرير هذه الصحيفة قال إنه تعب من المحاكم والملايين التي دفعها مصحوبة بندم الكسعي) بيد أن ذلك أمر لن يطول إنتظاره، فالطرفان اليوم يبدوان أكثر تأهباً من ما مضى على كشف المستور، ليس حباً في سواد عيون الحقيقة ولكن بغضاً في عيون صانعيها. ونحن إذ نثير هذه الاسئلة ليس بمناسبة سفر الترابي إلى خارج السودان (قال لنا أحد مرافقيه تصحيحاً إنها رحلة علاجية، تقتصر على فرنسا وحدها ولا تشمل إي دولة أوربية أخري) ولكن ما دعانا لنبشها من تحت الركام، هو مناسبة مرور عقد كامل من الزمن على حدث الإنقسام، الأمر الذي يعتبره البعض كافياً لتأكيد حقيقته من جهة، وكفيل بإزاحة ما إلتبس من غموض في ملابساته من الجهة الأخرى. ولا شك أن هذا يجييء في ضوء إستسلام العقل السياسي السوداني للتفسيرات الظاهرية لأي خلاف يطرأ بين جماعتين، وقد يصبح ما يروج له طرف هو الحقيقة المسلم بها عيناً، خاصة إذا ما امتلك هذا الطرف الامكانات المادية الضخمة التي يعمل على تسخيرها من أجل تأكيد مزاعمه، وذلك بغض النظر عن خطئه أو صوابه.. وبعدئذ يصبح من العسير التراجع أو تصديق التفسير الحقيقي حتى لو أصبح واضحاً كالشمس في كبد السماء. ولا شك أن القاريء الكريم يشاركني القناعة نفسها التي تؤكد أن الإسلاميين هم اكثر الناس ولاءاً لمنهج وزير الدعاية النازي بول جوزيف جوبلز (اكذب واكذب حتى يصدقك الناس) بل من عجب أن هذه العصبة التي إقتبست من الاسلام اسمه كمرجعية، لم تتوان في وضعه جانباً، والاستعاضة عنه في تعاملاتها السياسية ببروتوكلات آل صهيون تشبهاً، ومنها اختارت تحديداً أهم بروتوكولين. اولهما القائل بإمكانية السيطرة على الجماهير بواسطة الإعلام، وثانيهما القاضي باخضاع المجتمع بواسطة المال.

    ولكن فلنمتثل لظواهر الأشياء مثلما فعل البعض في تفسير طبيعة الخلاف، فالملاحظ أن جماعة القصر منذ اللحظة التي مسكت فيها بخناق السلطة صمتت تماماً عن الكلام المباح، واصبح جُل همها إغراء الذين بقوا إلى جوار الشيخ للحاق بركبهم. في حين أن جماعة الشيخ ظلوا يعزون ما حدث إلى التباين والاختلاف حول مسألة الحريات، وهو قول ما فتيء يردده الشيخ نفسه وآخره في الحوار الذي أجرته معه صحيفة (الشروق الجزائرية) مؤخراً وقلنا إنه يعد من أهم الحوارات التي أوضح فيها آرائه بوضوح شديد، ولسوف نستند عليه في تقييم القضايا موضع هذه السلسلة. إذ قال (نحن دخلنا السجن كما دخل سائر الساسة، لكن لما بدأنا ننزل منهج الإسلام بدأ الخلاف بين القوة المطلقة وبين الشورى) وهو تفسير غير واقعي إن لم نقل غير صحيح البتة، وقد يلقى على الترابي بأثقال تلك الفترة كلها، خاصة بعدما زاد عليه بمثال ناقض أفعاله وافعال الآخرين في الفترة المذكورة (دولة المدينة كانت شورى يتمتع فيها المنافق واليهودي بالحرية فكانوا يتكلمون في الله سبحانه وفي النبي صلى الله عليه وسلم كما يشاءون، يعني ما دام الإنسان يتكلم فرُدّ عليه بالكلام إذا لم توافقه عليه، وقد كان في المدينة «حزب الشيطان» كما في الآية: «أولئك حزب الشيطان». حينها قلنا: لابد أن نرجع إلى أصول الدين.. علينا أن نبسط السلطة اللامركزية ونبسط الحرية اللامركزية والشورى ونقيم مثالا للإسلام) ويمكن القول إختصاراً إن ذلك حديث إختزل الشعب السوداني كله في العصبة ذوي البأس، ولا يمكن أن يستقيم عوده إلا إذا اعتبرنا تكميم الأفواه يومذاك هو الحرية المشار إليها عندئذٍ!

    إن فاتحة الكتاب في الأسئلة الكثيرة التي أثارها الانقسام توضح بجلاء أن الخلاف كان في جوهره خلافاً من أجل السلطة، وهو الحقيقة التي لا يود الطرفان إقرارها، لربما كسوفاً لأن الإقرار يعني تعرية تلاعبهم بالعقيدة الاسلامية في ظل ما شنفوا به آذان الخلق من شعارات جوفاء تشير إلى زهدهم في السلطة (لا للسلطة ولا للجاه هي لله هي لله) وكذلك شعارهم الآخر (لا لدينا قد عملنا..نحن للدين فداء) وفي الحوار المشار إليه لم يكتف الترابي بعدم إقرارها وإنما نفاها بجرأة من لا يخشى لومة لائم (نحن لم نختلف على مواقع سلطة فلا يظنّن أحد أني كنت أريد أن أكون رئيسا، وقد كان يمكنني أن أكون كذلك) وفي واقع الأمر لم يظن أحد إنه كان يود أن يكون رئيساً لأنه كان رئيساً بالفعل. ولا شك أن هذه الحقيقة يمكن أن تسلط الضوء على طبيعة صراع السلطة نفسه، أي ماهيته وكيفيته؟ فقرائن الأحوال تقول إن كثير من تلاميذ الشيخ إفتعلوا الخلاف للخروج من جلبابه والانعتاق من سطوته وهيمنته عليهم، وذلك بعدما ما تنسموا نفحات السلطة بكل صولجانها وجبروتها وظل وجوده عائقاً بينهم وبين الاستمتاع بها!

    وإمعاناً في إلباس الخلاف ثوباً كثير الثقوب، للتأكيد على انه ليس صراع سلطة من منظوره، يقول الترابي أيضاً (نحن لم نختلف على الكراسي والمناصب وإنما على المبادئ) وهو قول لا يمكن أن يقع موقع صدق في نفوس الذين خبروا مدى تلهف العصبة ذوي البأس للسلطة وملذاتها. فهل يمكن أن يصدق أحد ما أن محمد الحسن الأمين الشهير (بنقطة نظام) كان يعمل من أجل ترسيخ المباديء وذلك عندما إنحاز للترابي إبتداءاً ثم خرج للناس بعد حين ببيان تبرأ فيه من الترابي نفسه بافعال واهية كانت تبحث عن مشجب. وبنفس القدر هل يمكن لأحد أن يقول أن بدر الدين طه كان يمثل المبدئية في أبهى معانيها يوم أن انحاز للترابي أولاً، ثم ادار له ظهره بكل خنوع أمام كاميرات التلفزيون لينضم للجوقة الموسيقية التي تعزف شعار الزهد في السلطة. وبالمقابل لماذا لا نشهد العكس أي خروج أحد من السلطة إلى المعارضة التي يمثل الشيخ جزء منها؟ في التقدير أن الترابي ينفى صراع السلطة ليس بغرض إنكاره ولكن بهدف استصغار تلاميذه، فهو لا يريد أن يمنحهم شرف مضارعته حذوك الكتف بالكتف. ولهذا عوضاً عنهم هو يضع الجهة التي تلبى له رغائبه في صراع يظنه متكافيء، ويقول للقراء إنه الغرب بكل امكاناته المادية والبشرية (كان يُفترض أنني لو ذهبت إلى الجنوب لوجدتهم من أكثر الناس كرها لي، فالغرب يُغريهم بهذا «الأصولي الذي جاء بالشريعة والجهاد») ويزيد أيضاً (نحن كلما اقتربنا من الحكم مارس الغرب ضغوطاته على النظام السوداني من أجل منعنا والحجر علينا) ولكن يا قارئنا الكريم إن استحسنت هذه الفرضية منَّا، هلا سألت نفسك مثلنا أيضاً وقلت: ولكن لماذا يستصغر الترابي تلاميذه؟

    لهذا الزعم عدة أسباب أولها يعلم الناس أن لكل فرد من البشر طبائعه وسلوكياته التي تشكل شخصيته، وفي هذا الاطار يمكن القول أن الترابي دأب على التعامل مع تلاميذه بشيء من القسوة والتعالي المقصود، وقد يتعمد احياناً الاستخفاف ببعضهم لشيء في نفسه، مثل إضفاء ألقاب ساخرة على شخصيات في حدود مجالسه الخاصة. وبالطبع شمل ذلك وزراء ومسؤولين يمسكون اليوم بتلابيب امهات القضايا، ونحسب أنه ما كان ليتورع يومذاك أن يقول لأحدهم بمنطوق العادات السودانية، أثناء مساعدته في صب الماء على راحتيه: الشاطر بدرس في سنة كم؟ وكنا قد وثقنا لتلك النزعة في كتابنا الموسوم بـ (سقوط الأقتعة) على لسان واحد من أهل مكة السابقين، جاء ذلك في مقال (صحيفة أخبار اليوم 11/6/2000) كتبه دكتور الطيب زين العابدين، قال فيه (إن معاملة دكتور الترابي للقياديين والتنفيذيين في الدولة كان فيها كثير من الاستفزاز والاستخفاف ولهذا السبب انحازت القيادات التي تربت في الحركة للفريق البشير) زد على ذلك ثانياً: التجلة التي يضفيها الحزبيون على رؤساء أحزابهم والتي تصل أحياناً حد القداسة، وهي خصلة تتناصفها أحزاب اليمين واليسار بقدر سواء، ولم يكن الترابي وسط تلاميذه استثناء. أما ثالث الأسباب فتكمن في أن الرجل شديد الاعتداد بنفسه ومكونات شخصيته مثل قوله في الحوار المذكور (ثم زيادة على كوني رجل قانون فأنا رجل درست الشريعة وأحفظ القرآن وكتبت في قضايا السياسة والحكم عدة كتب. لقد سجنني النميري قبلهم سجنا طويلا) وهو قول كرره كثيراً ويزيد عليه دوماً تأكيده بأنه يتحدث الإنجليزية والفرنسية بطلاقة ويلم ببعض اللغات اللاتينية الأخري، وهي صفات تجعله لا يكتم مشاعر الفخر والزهو على كل من تسول له نفسه منازعته السلطان، فقد جاء في حوار له مع (الحياة اللندنية 7/5/2000) قوله الصريح حد الغرور (تأثيري لا يكمن في وظائفي السياسية بل في كتبي وافكاري.. من يعرف الرئيس البشير؟ فأنا معروف في جميع أنحاء العالم وليس في السودان فقط)!

    في واقع الأمر لو أننا تأملنا ظاهرة ما يسمون بشيوخ الحركة الاسلامية الذين يضارعون الترابي سناً ويقاربونه تجربة، لن تجد بينهم ما يمكن أن يشار إليه بالبنان بإعتباره ألف كتاباً حتى لو كان هذا الكتاب في حجم (جزء عمَّ) بل أن الفقر الفكري نفسه شمل حتى الجيل الثاني من القيادات الشابة. ومن المفارقات أن الدكتور حسن مكي الذي يسميه البعض بمفكر الحركة الاسلامية ظل هو الوحيد الناشط في مجال التأليف، علماً بأن إنتاجه من الناحية العلمية والأكاديمة والبحثية أمر فيه نظر كما يقول البخاري، وتكاد تقتلك الدهشة حينما ترى أن الحركة الاسلامية منذ نشأتها وإلى الآن، لم ينجز اعضاؤها مجتمعين ما انجزه دكتور الترابي وحده في مجال التأليف والتي تجاوزت ال 15 مؤلفاً بغض النظر عن محتواها. ومن المفارقات أن كتابه المسمى (الحركة الإسلامية.. التطور والنهج والكسب) ظل المرجع الرئيس لكل من أراد توثيق تاريخ الحركة وآليات عملها وانشطتها. وإلحاقاً لفقر الحركة الاسلاموية في مجال التأليف يمكن القول أن الكتاب الوحيد الاستثناء والذي استوفى المعايير البحثية هو كتاب الدكتور عبد الوهاب الأفندي (الثورة والاصلاح السياسي في السودان) بالرغم من أنه كتاب نقدي وليس توثيقي. ونحن قد سقنا كل هذه الدلائل للتأكيد على أن فقر الكوادر الاسلاموية في مجال التأليف منح بالمقابل دكتور الترابي إحساس التفوق، وحدا به أن يضع نفسه في مكان يصعب الوصول إليه من قبل شيوخ وشباب الحركة!!

    حاشية:

    كتب إلى كثير من القراء الكرام مستغربين تأكيدي شهادة الدكتوراة التي نالها حسن الترابي من جامعة السوربون في فرنسا، وفي واقع الأمر هي كذلك، وهو موضوع سبق وأن قتله وأحياه بحثاً صديقنا الاستاذ مصطفي البطل ضمن مقال له تحت عنوان (رجال حول حرف الدال) وضمن اختياراته كانت درجة الترابي العلمية تلك، وقد استند فيها على ثقاة سبق لبعضهم أن رآها رأي العين في مصادرها. ويذكر أن التشويش قد حدث أساساً جاء على إثر استعراض الكاتب أمير طاهري كتاباً لكاتب فرنسي في صحيفة الشرق الأوسط، وكان عبارة عن حوار مطول أجراه الأخير مع الترابي. وعلى كل لا أعتقد أن في الأمر ما ينبغي أن يشغلنا عن القضية الأساسية وهي النظر لشخصية الترابي بالمنظور الجدلي، في محاولة لتفسير ما حدث بمنهج يتجاوز المنهج الظاهري!

    عن صحيقة (الأحداث) 15/11/2009

                  

11-20-2009, 05:38 PM

jini
<ajini
تاريخ التسجيل: 02-05-2002
مجموع المشاركات: 30720

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: دكتور ترابي وشيخ حسن!يا سلام يا فتحى الضو ذكرتنا دكتور جيكل ومستر هايد! مقال جميل (Re: jini)

    !
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de