كتب الكاتب الفاتح جبرا المتوفرة بمعرض الدوحة
|
Re: د. عثمان ابراهيم عثمان .. الرائد يصدُق أهله مقالات في مسيرة التعليم في عهد الانقاذ !!! (Re: الرفاعي عبدالعاطي حجر)
|
الرائد يصدق أهله.....رفقاً بالشعب السوداني
(2)"حجوة" الكهرباء في السودان د.عثمان إبراهيم عثمان* يشكل الإمداد بالطاقة الكهربائية هاجساً يؤرق مضاجع الشعب السوداني، لإرتباطه الوثيق بالحياة المعيشية اليومية؛ ففي انقطاعه، أو استمرار إمداده، يكابد الإنسان السوداني ليوفي بمطلوباتهما. إن أقل ضرر يمكن أن يتسبب فيه انقطاع التيار الكهربائي هو: تلف المخزون التمويني للأسرة- إن وجد؛ والذي سوف نتناوله في مقالة لاحقة بمفرده- هذا إذا لم يعطل الأجهزة الكهربائية، فيكون الأذى ماحقاً، وعليك في هذه الحالة أن"تضرب رأسك بالحيطة" فلن تجد من يصغي إليك من المسئولين. أما إذا ما استمر الإمداد، فمن أين لك بتوفير تكاليف فاتورة الدفع المقدم الباهظة؟ سنحاول في هذه العجالة إلقاء الضوء علي هذا الموضوع الهام.
يعلم الكل: أن معظم الإمداد الكهربائي في السودان يعتمد علي التوليد المائي في معظمه، والذي يعد من أرخص الأنواع، ولذا يتبادر إلي الذهن بأن فاتورة الكهرباء في السودان ستكون الأقل علي مستوى محيطنا العربي، مثلاً ،حيث لا تتوافر الأنهار، والتي حبى الله بها السودان في جميع نواحيه. اتساقاً مع المنهج العلمي في طرح القضايا؛ نورد الجدولين التاليين لشرائح الاستهلاك السكني، واللذان يوضحان تفاصيل تعريفة الإمداد الكهربائي المحسوب علي أساس 30 يوماً (مقدرة بالعملة السودانية لتسهل المقارنة)، بإحدى دول الخليج، حيث ينعدم التوليد المائي: (يعطى المشترك فترة سماح لمدة شهر للسداد‘ بعد أن تصله الفاتورة، وإذا لم يسدد تضاف التكلفة للفاتورة اللاحقة، ويمكن أن تتراكم الاستحقاقات لعدة أشهر، قبل أن يعلن المشترك بتاريخ فصل التيار الكهربائي عنه؛ كما توضح بالفاتورة أيضاً: قراءة العداد السابقة، والحالية، وكمية الاستهلاك، وخدمة العداد، واستحقاق الفترة الحالية، أو أي فترات أخرى سابقة، والمبلغ المطلوب سداده):
جدول(1): شرائح الاستهلاك السكني بالخليج
م كيلو وات ساعة قرش 1 1- 2000 3.5 2 2001-4000 6.5 3 4001-6000 8.5 4 6001- 7000 10.5 5 7001- 8000 14.0 6 8001-9000 15.5 7 9001-10000 17.0 8 أكثر من 10000 18.0
جدول(2): معلومات تفصيلية لفاتورة مشترك أغبش بالخليج (1دولار=2.625 جنيهاً)
رقم الحساب 208861710 تاريخ الفاتورة 18/10/2009 المبلغ المطلوب 136.92جنيهاً تاريخ التوزيع 22/10/2009 آخر موعد للسداد 22/11/2009 تاريخ فصل الكهرباء ....................... القراءة الحالية 58915 قيمة الاستهلاك 136.92جنيهاً القراءة السابقة 56059 خدمة العداد 7 جنيهاً كمية الاستهلاك 2856 ك.و.س استحقاق الفترة 136.92جنيهاً عدد الأيام 30 يوم المبلغ المطلوب 136.92جنيهاً
النظرة الفاحصة للجدولين أعلاه، بالمقارنة، مع الإجراءات التي تتبعها الهيئة القومية للكهرباء في السودان، مع مشتركيها، تخرج بالاستنتاجات التالية:
1- إن شريحة الاستهلاك السكني الأولي(1- 2000ك.و.س) المباعة بسعر 3.5 قرشاً بالخليج، تعادلها الشريحة المدعومة بالسودان(1-200 ك.و.س) التي تباع رسمياً بسعر 20 قرشاً، ولكن أصر متنفذو الهيئة بأن تتمتع هي وحدها بالمكرمة الرئاسية، لتباع بسعر 15 قرشاً. فبالرغم من أن هذه الشريحة أكبر بعشر مرات من الشريحة المدعومة إلا أنها الأرخص، بما يقارب ست مرات سعرها الرسمي، وأكثر من أربع مرات سعرها الرئاسي، بالسودان.فلو أن الشريحة المدعومة كانت أوسع مدىً لما احتاج محمد أحمد لهذه المكرمة الرئاسية الشحيحة.
2- إن الشرائح الخمس الأولي، والتي تصل حتى 8000 ك.و.س بالخليج، تباع بسعر أقل من السعر الرئاسي للشريحة المدعومة بالسودان. فهل هنالك أسرة عادية بالسودان تستهلك هذا القدر الهائل من الطاقة الكهربائية في الشهر؟ بالطبع لا، ولكن لا أدري عن أصحاب الڤلل والقصور ذات المسابح!!!!
3- تستطيع أن تشتري، "حتى إذا كنت من أكثر الناس ثراءً بالخليج"، أكثر من 10000 ك.و.س بسعر أقل من السعر الرسمي لشريحة الغبش من أبناء بلدي الحبيب. ولذا فهذه الشريحة في حدها الأدنى تفوق الشريحة المدعومة بالسودان بخمسين مرة. فهل أهلنا في ربوع، وبوادي السودان أكثر ثراءً من أثرى أثرياء الخليج؟
4- استهلك المشترك الخليجي في الجدول(2) ما مقداره 2856 ك.و.س في الشهر ودفع في مقابل ذلك ما يعادل 136.92 جنيهاً سودانياً. فكم يا تري كان سيدفع المواطن السوداني إذا ما استهلك نفس كمية الكهرباء؟ أكيد كان "حايتخرب بيتو". ليس لدي علم بمجموعة شرائح الاستهلاك السكني في السودان، غير الشريحتين: المدعومة، والتي تليها(26 قرشاً)؛ وبتطبيقهما، فقط، علي ذلك المواطن، نجد أنه كان سيدفع 720.55 جنيهاً علي الأقل، بزيادة تبلغ 583.63 جنيهاً، أي بنسبة 426%، مما دفعه ذلك الخليجي المسكين. بحساب بسيط آخر، يتضح أن المواطن السوداني سوف يشتري ما مقداره 586 ك.و.س، علي الأكثر، بالمبلغ إياه(136.92 جنيهاً)، رغم الدعم الحكومي، والمكرمة الرئاسية، وبتعريفة شريحتين فقط من شرائح الاستهلاك السكني في السودان.
5- يدفع الخليجيون ما يعادل 7 جنيهات كأجرة شهرية لعداد الكهرباء؛ وهي تقريباً تساوي ما يدفعه السودانيون لنفس الخدمة؛ ولكن بمقاييس الدخل الشهري نجد أنها تمثل عبئاً كبيراً علي جيوب السودانيين.
6- نظراً لضيق ذات اليد، يعطي الخليجيون فترة سماح لشهر كامل لسداد الفاتورة، ولا يقطع عنهم التيار الكهربائي، إلا بعد تراكم المستحقات لعدة شهور مع الإنذار. بعد إنفاذ مشروع القرن، وتصدير البترول، كان لابد للسودانيين من أن يسددوا قيمة ما يستهلكون من الكهرباء مقدماً؛ فإن نضب وهم يغطون في نوم عميق فلا يلومون إلا أنفسهم؛ ولا بأس إن كانت بأسعار عالية أيضاً، فقد أضحوا من أصحاب الأموال.
بعد هذه السياحة السريعة في بند من بنود المعيشة الضروري، والهام للغني والفقير علي حد سواء، والذي لا يشكل هاجساً للناس في بلاد الله الواسعة الأخرى؛ نجده يسبب هماً وغماً عظيمين للشعب السوداني؛ نخلص لبعض النقاط الواجب تسطيرها كخاتمة لهذا المقال:
1- تعتبر أسعار الكهرباء في السودان الأغلى في العالم، خاصة إذا ما قورنت بالدخل الشهري للمواطن العادي.
2- تخفيض أسعار الكهرباء بنسبة 25% للشريحة المدعومة لا يليق بمقام السيد رئيس الجمهورية، وكان الأحرى أن يطبق علي جميع شرائح الاستهلاك السكني وبنسبة 50% علي الأقل ليستحق الصفة الرئاسية.
3- استبشر السودانيون خيراً بافتتاح سد مروي"مشروع القرن" ذلك الحلم المليارى، واعتبروا أن مشكلة الكهرباء قد حلت إلي الأبد، وأنهم سوف يستمتعون بها بأرخص الأثمان، ولكن "يا فرحة ما تمت" حدث إظلام كامل بالسودان بعد دخول كهرباء السد مباشرة، وتكرر المشهد عدة مرات في صور غير مسبوقة. ولكن ما سبب هذا التردي في الإمداد الكهربائي؟ دار لغط كثير حوله بين المسئولين، ومازال، فكان كبش فدائه مدير الهيئة، ومع ذلك لم تراوح المعضلة مكانها.
4- تحدث الكثيرون عن عدم جاهزية سد مروي لإنتاج الكهرباء عند افتتاحه، آنئذ، ولكن كان القصد أن يتزامن مع إعلان اتهام محكمة الجنايات الدولية للرئيس البشير بارتكاب جرائم حرب في دارفور، ومن ثم إطلاق شعار"السد الرد" في احتفال هتافي راقص، يلجم أفواه الصهاينة، والفرنجة، وأذيالهم من الطابور الخامس. وما دروا بأن الرد علي الاتهامات الجنائية، وانتهاك حقوق الإنسان، والتعدي علي الديمقراطية؛ لا يتم بإقامة مشاريع التنمية، حتى ولو كانت ناجحة، ناهيك عن فشلها الصراح. كما أن مشاريع التنمية تلك: لم تقم إلا ليستفيد نفر قليل منهم من خدماتها، فيدعموا الحزب بما أفاء الله عليهم منها" يعني تأصيل غسيل الأموال المقلوب".
في الختام أهدي هذا المقال للسيد مدير وحدة السدود، والسيد المدير المكلف للهيئة القومية للكهرباء، وأقول لهما: رفقاً بالشعب السوداني... فإن الرائد لا يكذب أهله.
*عميد كلية العلوم بجامعة الخرطوم السابق
| |
|
|
|
|
|
|
Re: د. عثمان ابراهيم عثمان .. الرائد يصدُق أهله مقالات في مسيرة التعليم في عهد الانقاذ !!! (Re: الرفاعي عبدالعاطي حجر)
|
الرائد يصدق أهله.....رفقاً بالشعب السوداني
(3)إنفلات الأمن الغذائي بالسودان؟ د.عثمان إبراهيم عثمان* يعاني كل الشعب السوداني، إلا القلة القليلة جداً، من غلاء فاحش فاق حد الوصف في توفير لقمة العيش الكريم، ولذا صارت معظم الأسر السودانية تكتفي بوجبتين في اليوم، أو تستعيض عن الوجبة الثالثة بكوب من الشاي مع قطعة صغيرة من الخبز، إذا لم تكن تلك قد أصبحت، هي نفسها، وجبة رئيسية، بعد تعذر توفير ساندوتش للاطفال كنتيجة للعوز المادي الذي أصاب معظم هذه الأسر(الصحافة 12/11/2009م). تعرف هذه الحالة بانفراط عقد الأمن الغذائي، والذي على أساسه يقدر عدد الجوعى في البلد المعين(الشرق الأوسط 17/11/2009م)؛ فكم يا ترى أصبح عدد الجوعى من السودانيين؟
عندما نتحدث عن إرتفاع الاسعار، لم تكن في مخيلتنا علي الاطلاق، السلع المستوردة، أو البرجوازية، وإنما المنتج المحلي منها، مما هو ضروري لسد الرمق، أي السلع الاستراتيجية التي تمكن الانسان السوداني من البقاء حياً. وللتدليل العلمي علي السؤال: هل السودان أغلي بلدان العالم؟ سوف نقارن اسعار السلع الإستهلاكية المنتجة محليا،ً مع أسعارها بدول الخليج العربي المستوردة لها. الجدول التالي يوضح أسعار تلك السلع بالعملة السودانية(1دولار أمريكي يعادل 2.625 جنيه سوداني) بإحدى دول الخليج:
كمية الصنف السعر كمية الصنف السعر رطل السكر 90 قرشاً دستة البيض 3.5جنيه كيلو الطماطم 3.5جنيه كيلو البامية 9جنيه ربطة الجرجير 66قرشاً كيلو الليمون 4 جنيه رطل الزيت 2.3 جنيه كيلو الجزر 3 جنيه رطل اللبن 1.4جنيه دستة البرتقال 4 جنيه كيلو البطاطس 1.3جنيه كيلو الموز 2.3 جنيه كيلو البصل الأحمر 1.2جنيه ربطة بصل أخضر 66 قرشاً 3 ربطة رجلة 2 جنيه كيلو لحم بقر 11 جنيه 3 ربطة ملوخية 2 جنيه كيلو لحم ضاني 24جنيه
لقد جهزنا لك، عزيزي القارئ، هذه القائمة لتقوم بنفسك بمقارنتها مع القائمة المطابقة لها في السودان، ومن ثم تخرج باستنتاجات، نأمل أن ترفدنا بها، كبداية لحوار تفاعلي بناء، يدعم هذا الملف الهام. كما يمكنك أيضاً تقدير تكاليف مشترواتك الاستهلاكية الأسبوعية أو الشهرية علي أساسها، لتلحظ كم هي باهظة في السودان. تستطيع، في الخليج، أن تشتري كل مستلزماتك الشهرية من القائمة أعلاه، بالإضافة إلي التفاح، والعنب، والخبز، ورقائق القمح، والدونات، والبقلاوة، والمربات، والعصائر، ومستخلصات الألبان، من لبنة وجبن، والبهارات، وأي مستلزمات أخرى ضرورية؛ ومن أجود الأصناف؛ فلا تتعدى مصاريفك الشهرية أكثر مما يعادل الألف جنيه سوداني؛ فكم كنت سوف تصرف في السودان، في مقابل كل ذلك، شهرياً؟ وكم يتبقى لك من راتبك الشهري؟ لاشك في أنك سوف تكون مطالباً.
النظرة الفاحصة للجدول أعلاه، فيما يختص ببعض السلع الضرورية، تخرج بالملاحظات التالية:
1-علي الرغم من أن السودان من الدول المنتجة للسكر، إلا أن سعر رطل السكر به يساوي أكثر من ضعفه بالخليج المستورد له. لقد بلغ سعر طن السكر في أسواق الخرطوم مايقارب ثلاثة أضعاف سعره العالمي(الصحافة 12/11/2009م)؛ الأمر الذي يوضح بجلاء تدخل الدولة، بجحافل ضرائبها، وجماركها، وزكواتها، ورسومها، في مسار وصول هذه السلعة الإستراتيجية للمواطن المسكين، فطحنته طحناً.
2-يفوق سعر رطل الزيت بالسودان سعره بالخليج، رغم أن السودان مصدر رئيسي للحبوب الزيتية بأنواعها المختلفة، وتميزه بكثرة مصانع ومعاصر الزيوت.
3-تمثل الطماطم العمود الفقري لسلم وجبات المواطن العادي بالسودان، ومع ذلك، يعادل سعر الكيلو منها بالسودان، أكثر من ثلاثة أضعاف سعره بالخليج، حتى لامست أسعار اللحوم.
4-نلحظ أن أسعار اللحوم بأنواعها المختلفة في الخليج، المستقبل لصادرات الثروة الحيوانية من السودان، - تفوق صادراته للسعودية وحدها مايقارب المليون ونصف رأس من الماعز-؛ مساو لأسعارها بالسودان صاحب أكبر الثروات الحيوانية في أفريقيا.
5-تمثل التكاليف اليومية لتوفير الخبز أو الكسرة عبئاً ثقيلاً علي الأسر السودانية؛ ففي الحد الأدنى، تحتاج الأسرة لأربعة جنيهات يومياً. تكاليف هذه السلعة بالخليج تكاد لا تذكر، حيث لا تتعدى ما يعادل الجنيهان فقط، على أكثر التقديرات. الجدير ذكره، أن سعر كيلو دقيق القمح بالخليج، لا يتعدى ما يعادل السبعين قرشاً.
6-توفر الألبان الطازجة بالخليج، بصورة صحية، وراتبة، وبأسعار تقل كثيراً عن الأصناف غير الصحية وغير المنتظمة بالسودان. كما أن السلع عموماً بالسودان رديئة، ومعروضة ومعبأة بطرق غير صحية.
في إعتقادي الخاص أن هنالك جملة من الأسباب قادت لهذا الوضع المزري والفاضح بالسودان، نجملها في الآتي:
1-الفساد المالي والإداري اللذان لم يعودا إستثناءاً، بل عما كل مرافق الدولة-تقرير المراجع العام للمجلس الوطني-، ومسؤوليها، إلا من رحم ربي،- مثل وزير الصناعة رئيساً لمجلس إدارة شركة السكر السودانية(الصحافة 18/11/2009م) ورئيس الجمهورية رئيساً لمجلس إدارة بنك أم درمان الوطني(تواصل خاص)، والشركات المزدوجة(حكومي- خاص)واستثمارات كبار مسؤولي الدولة، ولذا فلا غرو أن تبوأ السودان، بالإشتراك مع العراق، المركز الرابع قبل الأخير، حسب تصنيف منظمة الشفافية الدولية لهذا العام (الشرق الأوسط 18/11/2009م) متفوقاُ فقط علي ثلاث دول- وما هي بدول- عمها الإرهاب، وطحنتها الحروب.
2-إطلاق العنان لأشكال تقليدية وأخرى مستحدثة من الجبايات: رسوم، وضرائب، وجمارك، وزكاة(هي عبادة كالصلاة، لها ميقات، ومقدار معين، من فائض بلغ النصاب، وحال عليه الحول؛ ومع ذلك، تؤخذ من الراتب الشهري- في إزدواجية فاضخة مع الضرائب- الذي لا يغطي تكاليف الأكل، والشرب لخمسة أيام). كما نصبت لهذه الجبايات محاكم إيجازية خاصة، إمعاناً في الإذلال الذي فاق ما لاقاه الشعب السوداني أيام الحكم التركي، سيئ الذكر.
3-ترك الدولة الحبل علي الغارب فيما يختص بتقنين الأسعار، وتبنيها لسياسة التحرير الاقتصادي، في بيئة غير مهيأة لذلك من حيث استمرارية العرض، والطلب؛ في مقابل أجور قاصرة. فالقضية برمتها مفتعلة من قبل الحكومة، بالسماح للمضاربات والسياسات التسويقية التي تصب في صالح تجار المؤتمر الوطني.
4-إتاحة أموال البترول، وإمكانات الدولة الأخرى لصرف بذخي، وغير راشد؛ قصد منه أن يعود بالفائدة الشخصية لمنسوبي المؤتمر الوطني أولاُ؛ ومن ثم دعم الحزب في فعالياته المأجورة(وعود بتسليم أراضي لبعض المغتربين بجدة إبان حملة التسجيل للانتخابات العامة).
بعد هذا العرض، والتحليل لمسببات إنفلات الأمن الغذائي بالسودان يصبح بالإمكان الإجابة على التساؤلات التي طرحت في بداية هذا المقال. فحسب التقديرات المحافظة، هنالك أقلية ميسورة تلامس 5% من سكان السودان، وسنفترض أنهم يتناولون كامل وجباتهم الثلاث في اليوم؛ أما غالب أهل السودان الذين يقدرون بحوالي 38 مليون- حسب آخر تعداد للسكان- فهم من الجوعى (الشرق الأوسط 17/11/2009م).
عند تقدير معدلات الغلاء، لا يؤخذ إرتفاع الأسعار وحده في الحسبان؛ ولكن العامل الأهم هو مدى مقابلة الأجور لتكاليف المعيشة اليومية. فرغم أن قائمة أسعارالسلع الاستهلاكية أعلاه، هي في صالح المواطن الخليجي، وبصورة قد لا تعكس المعاناة الحقيقية للمواطن السوداني؛ إلا أن تدني الأجور المخل بالسودان، حتماً سيضعه ضمن قائمة أغلى البلدان في العالم.
أخيراً، علمنا أن لجنة من اقتصاديين، وقانويين كبار؛ قد كونت لدراسة إرتفاع أسعار السكر غير المبررة، فنقول في هذا الصدد: إن الأسباب معلومة بالضرورة لذوي الشأن، وكل ما مطلوب هو إصدار القرارات الناجزة لمعالجة الأمر بالسرعة المطلوبة، وليس بتكوين اللجان المرتبطة "بالمماحكة" في ذاكرتنا السودانية؛ ومن ثم إتاحة الوقت الكافي للفئة المستفيدة بحصد "زرعها" الحرام.
إفتعلت الإنقاذ، منذ مجيئها، الحروب لتغطي علي عوراتها، بإنفاذ برنامج التمكين وما صاحبه من تشريد وإحالة للصالح العام، فأفقرت الأسر، وحرمتها من أجر عائلها الوحيد، أو الإثنين معاً؛ وها هي الآن تشن حرباً اقتصادية شعواء، بغرض تمويل حملة حزبها الإنتخابية، من عرق الشعب السوداني الذي لم يعد، في معظمه، قادراً على توفير الثلاث وجبات لفلذات أكباده.
أختم، بإهداء هذا المقال للسيد وزير المالية والاقتصاد الوطني، والسيد رئيس جهاز الأمن والمخابرات، وأقول لهما: رفقاً بالشعب السوداني، فالرائد لا يكذب أهله.
*عميد كلية العلوم بجامعة الخرطوم السابق
| |
|
|
|
|
|
|
Re: د. عثمان ابراهيم عثمان .. الرائد يصدُق أهله مقالات في مسيرة التعليم في عهد الانقاذ !!! (Re: الرفاعي عبدالعاطي حجر)
|
سبل الارتقاء بالتعليم العالي في السودان....
بقلم د.عثمان إبراهيم عثمان*
نشرت صحيفة الشرق الأوسط في عددها رقم 11264 بتاريخ 30/9/2009م خبراً مفاده أن جامعة الملك سعود بالمملكة العربية السعودية تعتزم استبعاد الأساتذة غير الأكفاء عن التدريس، وذلك بعد أن وفرت لهم كل السبل الكفيلة بأداء واجباتهم البحثية، والأكاديمية حسب المعايير العالمية. تطالب جامعة الملك سعود أساتذتها كذلك بحيازة موقع إلكتروني خاص لكل منهم بغرض التواصل المعرفي مع الطلاب كشرط لصرف بدل نقدى يعادل 25% من رواتبهم.
هذا في مجال رفع القدرات لأعضاء هيئة التدريس؛ أما السياسة التعليمية بجامعة الملك سعود مثلها مثل جامعتى الملك عبد العزيز والملك فهد فتقوم على نظام السنة التحضيرية(Preliminary Year) التي تعتمد أساساً على تعليم الطالب اللغة الإنجليزية، والحاسوب، وذلك لان التدريس بهذه الجامعات يتم باللغة الإنجليزية، التي تتيح للطالب الاستزادة من أحدث الكتب والدوريات العالمية المتخصصة.
لاغرو إذن من أن تتبوأ الجامعات السعودية مراتباً متقدمة وسط الجامعات العالمية والإقليمية، حيث تحتل جامعة الملك سعود المرتبة الأولى عربياً، والمائة السابعة والتسعون عالمياً، حسب تصنيف ويبوماترمس (Webomatrics Ranking) الاسباني الصادر في يوليو 2009م؛ تليها جامعة الملك فهد للبترول والمعادن(الثانية عربياً و303 عالمياً) فجامعة الإمام محمد بن سعود (الثالثة عربياً و636 عالمياً) فجامعة الملك فيصل (الرابعة عربياً و993 عالمياً) ثم جامعة الملك عبد العزيز(الخامسة عربياً و1072 عالمياً)؛ في حين تأتى جامعة الخرطوم في المرتبة الثالثة والثلاثين عربياً والثامنة والعشرين إفريقياً و 4371عالمياً فجامعة أفريقيا العالمية في المرتبة الستون عربياً والسابعة والخمسون إفريقياً و6482 عالمياً ثم جامعة السودان للعلوم والتكنولوجيا في المرتبة الخامسة والستين عربياً والتاسعة والخمسين إفريقياً و6556 عالمياً، أما بقية الجامعات السودانية، فلم يرد أي ذكر لها ضمن السبعة آلاف جامعة ومؤسسة أكاديمية، وبحثية، التي تم تصنيفها بأحد أبسط المعايير العالمية، وأقلها متطلبات.
يعلم أساطين التعليم فى بلادنا فى الزمن الجميل بأن سر تميز جامعة الخرطوم عالمياً وإقليمياً، كان بسبب تقديمها لكل مقرراتها الدراسية باللغة الإنجليزية مع تبنيها لسنة تحضيرية لطلابها الجدد. استمر هذا النهج حتى قيام ما سمى بثورة التعليم العالي، عندما أرغمت الجامعة على التدريس باللغة العربية، وألغيت السنة التحضيرية بكلية العلوم. أفرز هذا الوضع تدهوراً مريعاً فى مستويات الطلاب الأكاديمية، وفقدوا كذلك ميزة امتلاك ناصية اللغة العالمية، وهو ما كان يميز خريجيها عن خريجى الجامعات العربية الأخرى، والذين لم يحسنوا صنعاً حتى باللغة الإقليمية، فأخطاؤهم بها يندى لها الجبين.
انجلى فشل سياسة تعريب العلوم تلك من خلال الورشة الشفافة التى عقدتها كلية العلوم بجامعة الخرطوم عام 2004م والتى حظيت بحضور مكثف لكل أنواع الطيف السياسى الأكاديمى بغرض تقويم تجربة التعريب بعد أربعة عشر عاماً من إنفاذها. إنزعجت وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، ممثلة فى الهيئة العليا للتعريب لمخرجات الورشة وأوعزت لإدارة الجامعة بمحاسبة كاتب هذه السطور كعميد للكلية حينها بزعم تزويره لتوصياتها. قادنى هذا التصرف ضمن أسباب أخرى لتقديم أستقالتى من عمادة الكلية. "نعام الخرطوم"، كما يحلو للإمام الصادق المهدى أن يردد هذه الأيام، كانت حاضرة للتعامل مع توصيات الورشة، ومع ذلك فإنها قد ألقت حجراً فى البركة الراكدة، حيث أقام اتحاد الطلاب وروابط الكليات الأكاديمية مؤتمرات أخرى للتقويم الأكاديمي، خرجت بنفس توصيات الورشة فكان نصيبها ا"الطناش" أيضاً، فلم نملك حينها إلا أن نقول: قد أسمعت إذ ناديت حياً ولكن لا حياة لمن تنادى.
بحجة تخطى السن القانونية تخلصت الجامعات السودانية العريقة كذلك من خيرة أساتذتها الذين نالوا أرفع الدرجات العليا فى أميز الجامعات العالمية، ومازالوا قادرين على العطاء البحثي والتدريسي بكفاءة، يحسدهم عليها الشباب. أفرز هذا الوضع نقصاً متزايداً في الهيئات التدريسية بها، مما جعلها تعتمد على حاملى درجات الماجستير"المحلى فى الغالب" لسد النقص فى التدريس. وضع كهذا لابد أن يفاقم من تدهور مستويات الطلاب الأكاديمية، ويهمل البحث العلمي كلياً.
إذا كنا فعلاً مهمومين بمستقبل الأجيال القادمة بتجرد، وبغير حسابات سياسية وحزبية، فإن سبل الإرتقاء بالتعليم العالى معلومة لدى كافة الوسط الأكاديمي، والعلمي، بمن فيهم بالطبع من كان وراء ما سمى بثورة التعليم العالى الذين يودون منا أن نكون "أتراكاً أكثر من الأتراك" وضد المصلحة الوطنية العليا للبلاد. نلخص تلك السبل فى الآتى:
تعديل قانونى التعليم العالى والنقابات لينسجما مع الدستور الانتقالي، واتفاقية السلام الشامل. الإهتمام باللغات(اللغتين العربية والإنجليزية على وجه الخصوص) فى مناهج التعليم العام. التزود بالقدر الكافى من الثقافة الدينية، والتربية الوطنية، والمعارف الأساسية، من خلال مقررات التعليم العام، مما يتيح التفرغ للتخصص في التعليم العالي. التدريس باللغة العالمية في مرحلة التعليم العالي وصولاً لاقتصاد المغرفة. إرجاع اعتماد السنة التحضيرية لطلاب الكليات العلمية والمهنية واقتصارها على التزود بالعلوم الأساسية واللغة الإنجليزية والحاسوب. ابتعاث الهيئة التدريسية للتأهيل وحضور المؤتمرات العالمية والإقليمية، وقضاء إجازات التفرغ العلمي بأرقى الجامعات العالمية، لما في ذلك من تلاقح للمعارف والثقافات. اقتصار التدريس على حملة درجة الدكتوراه فقط، بعد اجتيازهم لكورس تدريبى فى التدريس تحت إشراف متخصصين تربويين. توفير المعامل، والقاعات، والأجهزة، والمواد الأخرى اللازمة للعملية التدريسية، والبحثية، مع تزويد المكتبات بالمراجع، والكتب الدراسية، والدوريات الحديثة، وإتاحة شبكة المعلومات العالمية (Internet) للتواصل المعرفي التفاعلي بين الأساتذة، والطلاب. فرض ضوابط صارمة على الجامعات الخاصة، وإلزامها بتأهيل وتدريب هيئة تدريسية خاصة بها، لتخصصات بعينها لا تمس صحة الإنسان وسلامته. صرف رواتب مجزية للهيئة التدريسية تكون كافية للعيش بكرامة، دون اللجؤ للعمل فى أكثر من مؤسسة تعليمية، ومن ثم ادخار الوقت والجهد للتدريس والبحث العلمي. إعادة نظام السكن، والإعاشة، والإعانة للطلاب الفقراء، وفرض رسوم دراسية على الطلاب الأغنياء. إلغاء نظام القبول الخاص، وكل أشكال القبول الأخرى مثل الدبابين، وأبناء الشهداء وغيرها، وقصر القبول فقط على التميز الأكاديمي. إنتخاب الإدارات العليا للجامعات، وعمداء الكليات، ورؤساء الأقسام على أساس برامج يحاسبون عليها فى نهاية فترتهم. يضمن ذلك إنفاذ البرامج والتوصيات المتجردة، ومن ثم التغلب على سياسة دفن الرؤوس فى الرمال التى عانينا منها فى جميع المجالات. إجراء إنتخابات حرة، ونزيهة، لنقابات منفصلة لإعضاء هيئة التدريس، وأخر للموظفين، والعمال بالجامعات كضمانة لتوفير البيئة التدريسية، والبحثية الملائمة بها. عدم تدخل إدارات الجامعات، والدولة فى آليات انتخابات اتحادات الطلاب، وروابطهم الأكاديمية، والثقافية. ختاماً: نأمل أن تضطلع الدولة بمسؤولياتها كاملة نحو توفير مستلزمات التعليم العالي البشرية والمادية فى اتساق تام مع الدستور الانتقالي واتفاقية السلام الشامل، هذا أو الطوفان؛ اللهم إني قد بلغت اللهم فاشهد.
* عميد كلية العلوم الأسبق
| |
|
|
|
|
|
|
|