وجدته جالسا تحت شجرة النيم العجوزة في ذلك الحي الشعبي العريق .. ساندا ظهره الى جذعها الضخم .. شبه نائم ممسكا بيده اليمنى صفارته العتيقة ( زنبارة ) المصنوعة من الصفيح .. وبالأخرى أكياس الحلوى بمبية اللون .. بدا لي مشهد بائع حلاوة قطن في تلك الحالة أشبه ب استراحة محارب عائد من المعركة.. اقتربت منه لقطع غفوته واستدراجه لدردشة لا تخلو من غرض صحفي .. بادرته بالتحية ثم اشتريت منه قطعتين من الحلوى تمهيدا لفتح جسر للحوار معه .. قلت له : أنت مواطن مكافح وتأكل من عرق جبينك .. لكن الا تتفق معي ان حلاوة قطن فيها شئ من الغش .. صاح مستنكرا كلامي : كيف ؟ أجبته : أنت تعرض بضاعة شكلها خادع .. عندما يشتري طفل قطعة حلوى كبيرة ومنتفخة زاهية اللون .. ثم بمجرد وضعها داخل فمه تختفي وتتلاشى ولا يبقى منها سوى الهواء والقليل من طعم السكر .. حاول البائع تبرير موقفه بأن الزبون ( الطفل ) على علم بخواص البضاعة ويقبل عليها باستمرار .. حاولت اقناعه ان الطفل لا يعي طرق وأساليب الخداع الذي يمارس عليه .. ويستغل التجار شغفه واصراره في الحصول على كل ما تقع عينه عليه .. لكنه بطبيعة الحال لم يقتنع بما ذكرته له فهو يمس المهنة التي يأكل منها عيش .. ولكم أن تعلموا ان بائع حلاوة قطن الذي جادلته خريج جامعة .. اختصر الطريق الوعر المحفوف بالاحباطات و ولج الى عالم التجار المتجولون الرحب .. وهو يصف مهنته بأنها نوع من أنوع السياحة برغم ما يجده من رهق .. سؤال ألحت به خاطرة أثناء كتابتي لهذا الموضوع : ما هو وجه الشبه بين حلاوة قطن وبين الوعود التي يطلقها ساستنا ( حفظهم الله ) لمواطنيهم ويمنونهم بها ؟ التحية لباعة حلاوة قطن المنتشرين عبر أحياء بلادي.. الجوالة منهم والواقفون على زوايا المدارس وحتى أولئك القابعون في قاعات الجامعات ينتظرون الوقت الذي تلفظهم فيه الجامعة لينضموا الى مضطهدي السوق أو الى جيوش العطالة .
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
منتصرمحمد زكى
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست