|
يا لهذا الزمان!!!
|
جلس الى جوارى فى ذلك الصباح الباكر وأنا أرتشف فنجان القهوة فى موقع الوسط من ذلك العتيد موقف المواصلات حيث جموع النسوة من بائعات الشاى والقهوة والزلابية اللائى إنتشرن فى ذاك الميدان الفسيح وقد إحتللنه تماماً وهن فى كامل الإستعداد لبدء دراما هجوم قوات المحلية فى أى لحظة بين الترقب والحذر يأسرهن الصبر الجميل . هو شاب من قلب المدينة فى العقد الثانى من عمره وقد بدت عليه أثار النعمة والجاه ممسكا بسيجارة ينفس بدخانها فى كل الأرجاء ، كان قلقاً والتوتر يأخذ منه كل مأخذ فتارةً يتلفت ماسحاً بنظره أنحاء المكان وتارةً يهب واقفاً ويجلس تارةً أخرى يرسل الزفرات وهو يهمهم يحدث نفسه ولايدرى أن حديثه كان جهراً (ياربى ما جات مالا؟ ؟ ياربى عيانه ولا شنو ؟؟) وجيوش الأسئلة تدور برأسه وتحاصره من كل صوب فمال ناحيتى وسألنى (ياعمو بالله الساعه كم ؟؟) بينما كانت تزين معصمه ساعةً ذهبيةً تجهر كل العيون فأجبته بالأوان الذى تشير إليه ساعتى المتهالكة. سألنى مرة أخرى ( عليك الله يا حاج زمان كنتوا بتشربوا الشاى والقهوة فى السوق؟؟) لم أدرى ما علاقة سؤاله هذه المرة بالسؤال السابق عن الساعة حاولت أن أربط مابين السؤالين ومن ثم أفكر فى إيجاد الإجابة المناسبة ، وقبل أن أجيب على سؤاله رأيته مهرولاً ناحية عربة (هايس) كانت قد وقفت للتو فى الجوار وقد نزلت منها فتاة حسناء وهى تحمل كيساً سارع هو بحمل الكيس عنها وقد إلتفت جميع من كان بالمكان صوب تلك الحسناء فسألت بدورى المرأة التى أشرب عندها القهوة ( ما هذا ؟ من تكون هذه الحسناء؟؟) فقد داهمتنى بالإجابة على أعجل مايكون الرد ( دى ما ياها الموقفه حالنا وخاربه سوقنا فى الموقف دا). وفهمت من هذا بأنها زميلة مهنة فى بيع الشاى والقهوة وأنها تقاسمهن الجلوس فى هذا الميدان الذى فاض عن سعته بهن وسط صخب وضجيج كمسنجية الحافلات والباعة المتجولين وأصحاب البارد وكل ينادى ويروج وقد إختلط ذلك بصياح بعض المتسولين طلباً للرحمة والإحسان . قفزت بى الذاكرة الى بواكير الصبا فى تلك المدينة ونحن حينها تلاميذ بالمدرسة الإبتدائية تذكرت تماماً أنه لم يكن فى تلك الفترة مشاهد لنساء فى مقتبل العمر أو فتيات فى ريعان الشباب يقمن بممارسة أى عمل فى الأسواق غير أولئك الحبوبات والخالات اللائى كن يبعن لنا الفطور بالمدرسة لم يكن هنالك خروج للعمل فى السوق كخروجهن السافر فى الزمان الأغبر هذا والإنتشار العريض بعد أن سقطت أقنعة الحياء وأجبرتهن الحياة بضغوطها أن يقمن ببيع الشاى والقهوة والأكل والعمل فى الإتصالات وفى المكاتب وفى كل مكان وزمان. تذكرت ذلك السوق الصغير أو سوق أزهرى كما تحلو تسميته للبعض وأزهرى هذا ليس هو صاحب السوق أو شيخه إنما لمجاورة السوق لحى أزهرى حيث سمى ذلك الحى نسبةً للرئيس الراحل الزعيم إسماعيل الأزهرى والذى تم توزيع القطع السكنية للمواطنين فى عهده. تذكرت أنه لم يكن فى هذا السوق من النساء إلا الحبوبات و كبيرات السن واللائى خرجن للعمل فى السوق بدوافع جمع المال لأداء فريضة الحج الى بيت الله الحرام بمكة المكرمة ، فكانت أوجه العمل الذى يقمن به فى ذلك الزمان لايتعدى التشاشة وهى التجارة البسيطة فى إحتياجات البيوت والأسر مثل الويكه واللوبيا والفول السودانى والتسالى والنبق واللالوب والعرديب والمحريب والمقاشيش والهبابات ودهن الساق والودك وزيت الكركار والروب والشيح والحرجل والجردقه والعطرون . فياله من زمان فشتان ما بينه وبين الآن.
|
|
|
|
|
|