|
سقيفة السلطان
|
سقيفة السلطان ------------
إختفت السقيفة التي ماأظلت أحدا سواه. بهيكلها الخشبي المهيب . مسيراتها الضفيرة من سعف النخيل . ذات العماد مغروزة الأوتاد في تربة إنكسار الجفون .
يُرى رأي العين في غيابه عن حاضرة المملكة ملثما كالطوارق في طوافه القريب على الزرع والضرع فيما وراء صهريج المياه العاطل أو البعيد على الأمصار الشرقية منحنيا عند الباب العالي , يدخل و يخرج بلا تحية . نباتي . تأتيه بالطعام والشراب آنية الإشارة . ذات الطعام والشراب كل يوم . الشاي الأحمر مع القرقوش الخارج لتوه من الفرن الترابي - الضريح - في الأبكار , 3 بيضات من دجاج البيت , جبن وعسل من قصب السكر, و في الغداء بقول مسلوقة أو فـطائر مغمسة في اللبن الرائب , يكتفي في العشاء بكوب حليب , ولايعدم طبق الخوص التمر ليل نهار .
لا يهش إلا في وجوه ذويه من طرف الأم ولا تمتد يده إلى خبيز الموائد في الأعياد و الأعراس و المآتم . يسافر بغير وداع متعمدا إختيار التوقيت الذي يكون فيه أهل الدار نيام.
كان يعاني من آلام مبرحة في المعدة ترتد بداياتها إلى طلاقة الشباب , لكن أحدا لم يسمعه وهو يتوجع . وعندما تشتد عليه وطأة المرض المزمن تربد ملامحه و يكفهر اللثام . بادي الضجر من ثرثرة المعاودين وخاصة النساء الطـاعنات في السن ينسحب من الحوش المستباح بأصوات العباد محكما على ديوان العزلة السلطانية رتاج اللثام . الديوان الخالي من الزينة و الطنافس و الرياش . يعاف أكثر ما يعاف إلتماع الشفقة في العيون المـطلة على بئر ضعفه وإنكساره . سئل في أخريات ساعاته : من أحب الناس إليك ? قال: كبرى بناتي. وريثة نزقه الدائم , تقطيبته و صمته المسير للأشياء . عاد الدلو في صبيحة شاتية بلا ماء. ساعتها فقط علم الناس أن السلطان المحتضر كان يجيد الرسم بخط كوفي جميل . تلك كانت وسيلته الوحيدة في إيصال رغباته للمحيطين بسريره الراحل في عامه الأخير. فالعلة النادرة التى إصطفت السلطان حبست صوته في زنزانة الحلق وهي الزنزانة التي حُبست فيها أصوات الخلائق , الناس والطير و الأنعام .
سقيفة السلطان التي صمدت طويلا أمام هوج الرياح وأمـطار البـطانة تتطاير, الآن , بقاياها المخلعة في هفهفة كتاب مرقوم .
عثمان محمد صالح, فنراي , هولندا , 09.10.2009
(عدل بواسطة Osman M Salih on 10-10-2009, 05:20 PM) (عدل بواسطة Osman M Salih on 10-10-2009, 06:03 PM) (عدل بواسطة Osman M Salih on 10-10-2009, 09:19 PM) (عدل بواسطة Osman M Salih on 10-10-2009, 09:48 PM) (عدل بواسطة Osman M Salih on 10-11-2009, 05:58 AM)
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: سقيفة السلطان (Re: Abdel Aati)
|
سلام وتحية يا ابن اختى عساك طيب وحالك دائماً من خير الى خير نستمتع بكتاباتك العذبة الرقراقة الراقية فلا تحرمنا منها وكن كما عودتنا جميلا جميلا
| |
|
|
|
|
|
|
Re: سقيفة السلطان (Re: bushra suleiman)
|
Quote: نباتي . تأتيه بالطعام والشراب آنية الإشارة . ذات الطعام والشراب كل يوم . الشاي الأحمر مع القرقوش الخارج لتوه من الفرن الترابي - الضريح - في الأبكار , 3 بيضات من دجاج البيت , جبن وعسل من قصب السكر, و في الغداء بقول مسلوقة أو فـطائر مغمسة في اللبن الرائب , يكتفي في العشاء بكوب حليب , ولايعدم طبق الخوص التمر ليل نهار . |
ولا يعدم طبق الخوص التمر ليل نهار.. ولا يعدم طبق الخوص التمر ليل نهار...
تفاصيل مرسومة بعناية,بعيون خبير فاحصة و ريشة لونت حروف الكلمات من زوايا بصرية نافذة.. من علي الطبيعة والواقع المعاش..
شكرا لك .. ايها الجميل...
| |
|
|
|
|
|
|
Re: سقيفة السلطان (Re: هواري نمر)
|
ثم ماذا بعد ذلك الحال المائل ياعثمان ..لا من وريث ولا من مغامر سيشتد الوجع ..ويرتفع غناء العزلة ..ربما في " التساب" القادم يستفرغ النهر أكثر من اللازم.. يدك حدوده القديمة في محاولة أخيرة منه لتذكر رائحة الطمي .. ذاكرة الاراضي البكر ..
لك التحية
| |
|
|
|
|
|
|
|