دعواتكم لزميلنا المفكر د.الباقر العفيف بالشفاء العاجل
|
مقال الثلاثاء: بين عبد الخالق محجوب وعبد الله علي إبراهيم: محاولات في الإعدام المعنوي.
|
هذا مقالي للأضواء الغراء هذا الأسبوع، وهو يتعرض لمحاولات الدكتور عبد الله علي إبراهيم للإعدام المعنوي لعبد الخالق محجوب، بعد أن قتله أعداؤه جسديا.
بين الدكتور عبد الله على إبراهيم، والأستاذ الشهيد عبد الخالق محجوب:
لا يكتفي الدكتور عبد الله علي إبراهيم، بأقل من الإعدام المعنوي لليسار، ممثلا في واحد من أوضأ رموزه: الأستاذ الشهيد عبد الخالق محجوب. ومن خلال إشارات مبثوثة في عدد لا يحصى من المقالات، يحاول عبد الله على إبراهيم أن يمدح عبد الخالق محجوب بأن ينسب إليه قيما ومواقف لم تكن حياة الشهيد وموته، إلا نفيا ودحضا لها. وإذا كان ما حدث لعبد الخالق محجوب صبيحة الثامن والعشرين من يوليو 1971، إعداما جسديا إجراميا نفذه حاكم معتوه، فإن رد فعل عبد الخالق عليه، قد مثل الدرجة العليا من التسامي الفردي، والبطولة الإنسانية، والشجاعة العقلية، التي ألهمت أجيالا من الشعراء والرسامين والمبدعين، بقدر ما ألهمت المناضلين في كل الدروب. ومصدر الإلهام هنا لم بكن تلك الوقفة الأسطورية وحدها، بل كانت السيرة كلها، والقيم التي أضاءت تلك السيرة، والتي لم يزدها الإعدام الجسدي إلا جلاء. أي أن عبد الخالق محجوب، لم يعد منذ تلك المأثرة الباهرة التي خطها بموته، سوى تلك القيم التي عاش من أجلها، وجاد بروحه ودمائه لإضاءتها وسقياها. وهو قد قال لنا بفعله ذاك: جسدي فداء لفكري، دمي زيت لقيمي، عبوري ثمن لبقاء معناي. فإذا أتي من ينسب لعبد الخالق قيما ومواقف نقيضة لما كان يؤمن به، ويرفعها علما على ذكراه، مع كل آيات التمجيد الزائفة وحسرات الفراق المفتعلة، فإنه يحاول إتيان جريمة أفظع من القتل الجسدي، وهي قتل المعنى. وهذا هو ما ظل يمارسه عبد الله علي إبراهيم منذ أن زلزلته الإنقاذ بحضورها الرهيب، وخلعت فؤاده وكسرت جبارته. في كتابه عن الترابي كزعيم للتجديد الإسلامي في السودان، وعن إمكانية حكم البلاد بواسطة فئة القضاة الشرعيين، يورد عبد الله علي إبراهيم الإهداء التالي: " إلى أستاذنا المرحوم عبد الخالق محجوب كنا قد إئتمرنا أو " تآمرنا" على شيئ من هذا الكتاب في فترة من الزمان عند منتصف ستينات القرن الماضي. واستعجلت أنت تخطو وئيدا شجاعا في السكة الخطرة. أو أبطأت أنا. وهذا بعض كسبي من " المحضر السابق" صدقة جارية لروحك السمح العذب، يا أيها الرجل الوسيم." ألاحظ عرضا هنا إستخدام عبد الله على إبراهيم، في إهداء يوجهه إلى عبد الخالق محجوب، لمصطلحين أساسيين في فكر حسن عبد الله الترابي، هما مصطلح الإئتمار، الذي يفضله الترابي لمعناه المزدوج، الظاهر المتعلق بعقد المؤتمرات، والخفي الذي يعني التآمر، فالترابي يعشق مثل هذه المصطلحات ويهيم بها هياما لا فطام منه. ومصطلح "الكسب"، الذي يصور العمل السياسي والفكري، ليس كعطاء يجود به المرء طوعا على الآخرين، بل ككسب يأخذه الفرد عنوة من الجماعة، ويأخذه الحزب غصبا من المجتمع. وأتجاوز عن ظاهرة ذلك المستعجل الذي " يخطو وئيدا"، في مزاوجة مستحيلة بين نوعين من المشي، وأنفذ إلى جوهر فكرة عبد الله، وهي إشراك عبد الخالق في تأليف كتاب لم يكن ليتردد في إستنكار كل مقولة أساسية وردت فيه، ودحضها بحزم فكري عرفه عنه عبد الله قبل سواه. والدليل الذي يسوقه عبد الله على إشتراك عبد الخالق معه في فكرة هذا الكتاب، هو تآمر سري، بينه وبين عبد الخالق. وهي فكرة ليست كاذبة فحسب، بل هي غبية كذلك. لقد أتهم عبد الخالق محجوب بالتآمر في أشياء كثيرة، في مراحل مختلفة من حياته، من مؤامرة الشيوعية الكبرى، وحتى مؤامرة الإنقلاب العسكري. وكانت الإتهامات ذات طابع سياسي واضح، لأن عبد الخالق كان قائدا سياسيا فذا، من أخمص قدميه إلى شعر رأسه. ولكن أحدا لم يتهم عبد الخالق بمؤامرة فكرية. في مسائل الفكر كان عبد الخالق واضحا كالشمس. بل كان يوصي الشيوعيين بأن يكونوا واضحين فكريا مثله، وألا ينحشروا في مواقع الدفاع، حتى لا يتهموا بالإنتهازية. فكيف يمكن لرجل هذا شأنه أن يتآمر مع عبد الله على أفكار هابطة مثل تولية شؤون الدستور والحكم لفئة القضاة الشرعيين، إذا كان ذلك هو الجزء من الكتاب موضوع التآمر، أو تنصيب الترابي زعيما للتجديد الديني، إذا كان موضوع التآمر هو الجزء الثاني من الكتاب؟ وكيف يمكن لعبد الخالق أن يتآمر على كل تاريخه الفكري؟ التآمر المشار إليه هنا، لا يعني سوى أن عبد الله، وقد سار في الدروب الموحشة، بدلا عن "السكة الخطرة"، يريد أن يدعي أنه يفعل ذلك وهو في صحبة رفيعة، كما يريد أن يتأبط ذراع عبد الخالق إلى قبره المعنوي، الذي أعده بدافع الكراهية العميقة التي تسمي نفسها حبا خالدا. وسأوضح ما أجملته هنا عندما أتناول في مقالات قادمة، كتاب عبد الله المدوّن بمداد التهافت المنطقي والمرجّب بعمد الحجج الخاوية. وما أجمله عبد الله هنا في كلمة إهدائه المسمومة، فصله شيئا ما في مقدمته لكتاب عبد الخالق: أفكار حول فلسفة الإخوان المسلمين الذي كتبه الشهيد أواخر الستينات. ولأن الرسالة التي حددها عبد الله علي إبراهيم لنفسه، إزاء عبد الخالق، لا يمكن أن تكون مستقيمة، وإلا كشفت نفسها للدحض المباشر، فإن إلتواءها قد ظهر هنا بأجلى ما يكون الظهور. إن عبد الله إذ يقدم لكتاب، ينتقد دون رحمة، وباستقامة فكرية عظيمة، عرفت عن الشهيد، أفكار الإخوان المسلمين، لا يورد حرفا واحدا، أو فكرة واحدة من الكتاب الذي بين يدي القاريئ، بل يلجأ إلى نسبة أفكار نقيضة لما ورد في الكتاب إلى مؤلفه، بإعتماد مراجع أخرى ليست بين يدي القارئ ولا يؤمل أن يحصل عليها حتى إذا شاء! والأخبار غير السارة بالنسبة لعبد الله، إننا حصلنا على بعضها، ونعمل على الحصول على الأخريات ولو طال السفر، فليكفهر وجهه ما شاء له الإكفهرار! يقول عبد الله علي إبراهيم أن عبد الخالق محجوب، لم يكن معترضا على دعوة الدستور الإسلامي، عند ظهورها، بل كان محبذا لتلك الفكرة، منشرحا إزاءها، ومحتفيا بها. وربما يكون رد فعل كثير من القراء، وهم يطالعون هذه الدعوة الغليظة، أنني أتجنى على الرجل، وأرجمه بالغيب، وأتهمه بما لا يمكن أن يكون قد صدر عنه. ولا أستطيع أن أرد على هؤلاء إلا بكلمات عبد الله علي إبراهيم نفسه الواردة في مقدمته تلك لكتاب عبد الخالق. يقول في صفحة 11 ما يلي: " ويذكر الشيء بالشيئ، فأريحية عبد الخالق الفكرية حيال مشروعية، بل وسداد الدعوة إلى الدستور الإسلامي قديمة. فقد تقبل هذه الدعوى بطيب خاطر في كتابات باكرة له بجريدة الميدان عام 1957، والدعوى إلى مثل هذا الدستور في طفولته بعد" (الدعوى بدلا عن الدعوة وطفولته بدلا عن طفولتها، نقلتها كما وردت في الأصل.) ولكن التأييد المزعوم للدستور الإسلامي، المنسوب لعبد الخالق محجوب، وإيمانه ليس فقط بمشروعية الدعوة، بل بسدادها، لا يتوقف على مقال نشر عام 1957 عندما كان عمر عبد الخالق 30 عاما، بل يمتد معه في دعوى عبد الله حتى مماته على ما يبدو، يقول على ص 13 من مقدمته: " وعليه لم يكن عبد الخالق في عام 1958م، كما لم يكن في عام 1965 م، ممن أستثقل أو إستفظع أو إسترجع –أي جعلها رجعية باطلاق- الدعوة إلى الدستور الإسلامي، بل كان أكبر همه فحص إن كانت الدعوة إليه قد جاءت من باب المواتاة السياسية أم أنها صدرت عن إنشغال سياسي محيط بالخطر الوطني والحضاري بالإستعمار، الخصم الأكبر، وعن عزيمة كتأمين السيادة الوطنية على أساس من العدل الإجتماعي. والدليل على رحابة صدر عبد الخالق لخطاب الدستور الإسلامي هو تنبيهه إلى أن المناقشات التي جرت حول وجوب تطبيقه في ما بعد ثورة أكتوبر 1964م " ولدت وعيا بين الناس لا سبيل إلى إنكاره ولفتت الإنتباه لأول مرة في بلدنا للنظر للدين من زاوية المؤثرات والتقدم الذي أصاب الإنسان في القرن العشرين." وربما يكون روع القاريئ قد هدأ حاليا، بعد أن وقف من عبارات عبد الله، على أنني لم أنسب إليه ما لم يقله. فالعبارات رغم حظها الضئيل من الإبانة، ورغم ما فيها من اللغو والعويش، إلا أنها توضح موقف صاحبها بصورة كافية. إذن كان عبد الخالق محجوب منشرحا لدعوة الدستور الإسلامي، محتفيا بها، غير منكر ولا "مسترجع" لها. كل إعتراضات عبد الخالق محجوب، إنطوت على اعتبارات ثانوية، مثل أنها طرحت في غير محلها، وأنها لم تتشرب بصورة كافية بعداء الإستعمار، كما أنه لم يكن واثقا من أنها "صدرت عن إنشغال سياسي محيط بالخطر الوطني والحضاري بالإستعمار، الخصم الأكبر" أو كما قال! هنا أيضا، يريد عبد الله علي إبرهيم، في مسيرته الهابطة، أن يقنع الناس أنه يسير في صحبة راقية. وهنا أيضا يحاول أن يسوق عبد الخالق محجوب إلى قبره المعنوي، بعد أن تكفل الآخرون بقتله الجسدي. والواقع أن عبد الخالق لم يكن في أية لحظة من لحظات حياته المدونة، من دعاة الدستور الإسلامي، سواء بتوضيحاتها أو بدون توضيحاتها. بل كان خصما لدودا، ومجادلا عميقا عارفا، ضد ذلك الدستور وتلك الدولة، وما كتابه هذا الذي يقدم له عبد الله علي إبراهيم، ولا يذكره بكلمة واحدة، سوى شهادة دامغة على ما نقول. مواقف عبد الخالق محجوب في المعركة الممتدة ضد الدستور الإسلامي معروفة وموثقة، وخطبه داخل الجمعية التأسيسية عندما كان نائبا من نوابها معروفة للجميع، تسميته لتلك الدعوة بالمشبوهة والرجعية معروفة كذلك، ويعرفها عبد الله علي إبراهيم أكثر من سواه. وهذه كلها شواهد سنوردها ونفصل أمرها. ولكنا هنا نكتفي بالدحض المنطقي لمقولات عبد الله علي إبراهيم المتهافتة حول موقف عبد الخالق محجوب. فإذا كانت الرواية التي أعتمدها عبد الله لتلك المقالة التي نشرها عبد الخالق صحيحة، وليس لدي ذرة من الثقة في أمانة عبد الله، فإن جوهر حجة عبد الخالق هي أن المعركة في ذلك الوقت، كانت هي الوحدة ضد هجمة الإستعمار، وليست الفرقة حول الدساتير. هذا لا يعني أن عبد الخالق كان يؤيد الدستور الإسلامي، بل كان يرى أن من يطرحونه إنما يريدون خلط الأوراق، والهروب من المعركة الماثلة إلى معارك أخرى سيأتي أوانها. فلنحارب الإستعمار جميعا كسودانيين، ثم نتعارك بعد ذلك حول الدساتير. وهذا موقف لا أستبعد أن يكون عبد الخالق قد وقفه بناء على التحليل الماركسي في التناقضات الأساسية والثانوية، المعروفة لدى عبد الله دون ريب. وبمعنى أوضح إذا كان عبد الخالق يدعو إلى دستور علماني، وقد كان يدعو إليه حتى إستشهاده، وهو بعض من معانيه الباقية، فإنه يقول دعونا نعرض حاليا عن طرح الدساتير، ودعونا نتوحد ضد الإستعمار وأذناب الإستعمار، وبعد أن نزيح ذلك الخطر فليطرح كل منا دستوره، وفي هذه الحالة فإنني سأعترض على دستوركم الإسلامي، طارحا دستورا علمانيا مستقيما. هذا كل ما يمكن أن يستشفه المحلل الأمين من مواقف عبد الخالق محجوب. المهم أن عبد الخالق محجوب لو كان يدعو إلى الدستور الإسلامي، فإن معانيه كلها تكون قد جفت تقريبا، بقيام الدولة الإنقاذية الأصولية التي ألتحق عبد الله بخدمتها الفكرية، من مواقع الإلتواء والخفاء الشديد والنكران. وإذا كان ذلك مبتغى عبد الخالق، فإن إعدامه المعنوي يكون قد إكتمل. فكيف يمكن أن يكون عبد الخالق داعية للإشتراكية والعدالة والعلمانية والشيوعية، إذا كانت أحلامه تنتهي عند عتبة الدولة الدينية؟ ولست مندهشا لمحاولات عبد الله إعدام عبد الخالق معنويا، لأن ذلك يمثل بالنسبة إليه حاجة نفسية قاهرة. فهو لم يكن ليقدم على مثل تلك المحاولة لولا أنه اختار الإعدام المعنوي لذاته أولا، في مواجهته لأخطار لم يكن من ضمنها الموت. وذلك على النقيض تماما من عبد الخالق محجوب الذي اختار الفناء الجسدي، والبقاء المعنوي، وهو عارف تماما بتبعات خياره. ولا يكتفي عبد الله بمقالات مجهولة كتبت عام 1957، بل يورد وثيقة قضايا ما بعد المؤتمر كشاهد على أطروحته. وهذا ما سنعالجه في حلقة مقبلة.
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: مقال الثلاثاء: بين عبد الخالق محجوب وعبد الله علي إبراهيم: محاولات في الإعدام المعنوي. (Re: Khatim)
|
Quote: " إلى أستاذنا المرحوم عبد الخالق محجوب كنا قد إئتمرنا أو " تآمرنا" على شيئ من هذا الكتاب في فترة من الزمان عند منتصف ستينات القرن الماضي. واستعجلت أنت تخطو وئيدا شجاعا في السكة الخطرة. أو أبطأت أنا. وهذا بعض كسبي من " المحضر السابق" صدقة جارية لروحك السمح العذب، يا أيها الرجل الوسيم." ألاحظ عرضا هنا إستخدام عبد الله على إبراهيم، في إهداء يوجهه إلى عبد الخالق محجوب، لمصطلحين أساسيين في فكر حسن عبد الله الترابي، هما مصطلح الإئتمار، الذي يفضله الترابي لمعناه المزدوج، الظاهر المتعلق بعقد المؤتمرات، والخفي الذي يعني التآمر، فالترابي يعشق مثل هذه المصطلحات ويهيم بها هياما لا فطام منه. ومصطلح "الكسب"، الذي يصور العمل السياسي والفكري، ليس كعطاء يجود به المرء طوعا على الآخرين، بل ككسب يأخذه الفرد عنوة من الجماعة، ويأخذه الحزب غصبا من المجتمع. وأتجاوز عن ظاهرة ذلك المستعجل الذي " يخطو وئيدا"، في مزاوجة مستحيلة بين نوعين من المشي، وأنفذ إلى جوهر فكرة عبد الله، وهي إشراك عبد الخالق في تأليف كتاب لم يكن ليتردد في إستنكار كل مقولة أساسية وردت فيه، ودحضها بحزم فكري عرفه عنه عبد الله قبل سواه. والدليل الذي يسوقه عبد الله على إشتراك عبد الخالق معه في فكرة هذا الكتاب، هو تآمر سري، بينه وبين عبد الخالق.
|
الاخ الاستاذ الخاتم يا له من " بصر حديد " لقد كشفت عن الرجل غطاءه
| |
|
|
|
|
|
|
Re: مقال الثلاثاء: بين عبد الخالق محجوب وعبد الله علي إبراهيم: محاولات في الإعدام المعنوي. (Re: Agab Alfaya)
|
الاستاذ الخاتم
شكرا للمقال وننتظر المواصله
وهذا ما كتبه الشهيد عبدالخالق
Quote: هل صحيح أن الفكرة الشيوعية فى السودان تدعو لاسقاط الدين الاسلامى ؟ كلا ان هذا مجرد كذب سخيف.ان فكرتى التى اؤمن بها تدعوا الى توحيد صفوف السودانيين المسلمين منهم والمسيحين والوثنيين واللادينيين ضد عدوا واحد هو الاستعمار الاجنبى ، وبهدف واحد هو استقلال السودان وقيام حكم يسعد الشعب ويحقق امانيه.وان القوى التى تقف حائلا دون اسعاد وحرية السودانى المسلم او المسيحى لايمكن ان تكون الاسلام لاننا لم نسمع او نقرا فى التاريخ ان الجيش الذى غزا بلادنا عام 1898 هو القرآن أو السنة ولم نسمع فى يوم من الايام ان المؤسسات الاحتكارية البريطانية التى تفقر شعبنا جاءت على اساس الدين الاسلامى او المسيحى .ان الفكر الشيوعى ليس امامه من عدو حقيقى فى البلاد سوى الاستعمار الاجنبى ومن يلفون لفه. اين هذا الهدف من محاربة الدين الاسلامى؟ ان الفكرة الشيوعية تدعو فى نهايتها للاشتراكية حيث يمحى استغلال الانسان لاخيه الانسان .اين هذاالهدف من محاربة الدين الاسلامى ؟ ان الفكرة الشيوعية تدعو الى اخضاع العلم والمعرفه لحاجيات البشرية من بحوث علمية وطبية وادبية وتشذيب الانسان من الخوف والحاجة بانهاء الظروف الاقتصادية والفكرية التى تنشر الخوف من المستقبل وتدفع الانسان تحت ضغط الحاجة الى درك لايليق بالبشر من سرقة ودعارة واحتيال وكذب .أين هذا الهدف من محاربة الدين الاسلامى؟؟
بقى ان اقول للدوائر التى اصدرت هذا المنشور ان الرجل الشريف يصرع الفكرة السياسية بالفكرة السياسية ويعارض فكرة معينة بالحجة والمنطق.ان محاولة تزييف افكار اعدائكم ـ او من تتوهمون أنهم أعداؤكم ـ بهذه الطريقة الصغيرة لاتليق, فوق أنها عيب فاضح.اما اساليب الدس فهى من شيم الصغار ـ الصغار جدا حتى ولو كبرت اجسامهم وتوهموا فى نفسهم علو المقام...
اليسار السودانى فى عشرة سنوات عبد الخالق محجوب
|
| |
|
|
|
|
|
|
Re: مقال الثلاثاء: بين عبد الخالق محجوب وعبد الله علي إبراهيم: محاولات في الإعدام المعنوي. (Re: Khatim)
|
الأخ الدكتور صدقي سلام يبدو لي أن ما كتبته قبل عشر سنوات لا يتطابق مع الموضوع الذي كتبته أنا يوم أمس. فأنا أحاول كشف محاولات عبد الله علي إبراهيم لإعدام عبد الخالق معنويا بإعدام أفكاره الجوهرية. وهو أمر لا أعلم أنك تعرضت له. بل إنك لا تذكره حتى مجرد ذكر في مداخلتك هذه. وهو أمر بدا لي غريبا. أما الفكرة التي أوردتها عن عبد الخالق ومكسيم ردونسون فهي صائبة كليا بطبيعة الحال وأنا أعتمد على مثل هذه النصوص، وهي كثيرة جدا، لإثبات مقولة التزوير الذي تورط فيه عبد الله، خدمة لإحتياجات نفسية وسياسية يود تلبيتها. وقد رجعت إلى النصين اللذين أوردتهما أنت هنا، فلم أجد رأيا لك، بل وجدت مقتطفين، لعبد الخالق ورودنسون. وأعتقد أن المقتطف الثاني وهو لعبد الخالق ناقص في جملته الأخيرة. فقد أوردت المقتطف هكذا: "إن الإحتماء بالدين وفق المفاهيم السائدة كان الطريق المريح والممكن للفئات الإجتماعية التي عجزت عن التفاعل الإيجابي التي تفجرت بعد أكتوبر." وأعتقد أن المعنى ليستقيم يجب إضافة " التفاعل الإيجابي مع التغيرات التي تفجرت بعد أكتوبر." فأرجو تحري الدقة في مثل هذه الأشياء. شكرا جزيلا لك خاتم
| |
|
|
|
|
|
|
Re: مقال الثلاثاء: بين عبد الخالق محجوب وعبد الله علي إبراهيم: محاولات في الإعدام المعنوي. (Re: Khatim)
|
Quote: فالعبارات رغم حظها الضئيل من الإبانة، ورغم ما فيها من اللغو والعويش، إلا أنها توضح موقف صاحبها بصورة كافية. |
أنوه الى أن كتاب "الشريعة والحداثة" تمتع بقدر لا بأس به من الهنات اللغوية، وقد يكون بعضها مطبعيا، وقد حفلت كثير من أجزائه بركاكة أسلوب ومعميات يعمد إليها أحيانا الأكاديميون عندما لا يسعفهم الفكر النير الى ألغاز أشبه بالكلام الذى قيل فيه "هو حديث سيدى بنفهم"، وقد إستخدم السيد الصادق المهدى مرة شيئا من حوشى اللغة وغريبها، فأعجم على من سمعوه فهرعوا الى السيد أحمد المهدى الذى قال لهم أن صادقا مولع بـ "أوابد الكلم" ولم يجدوا بعدها من يهرعون إليه يسألونه عن "أوابد" هذه، خاصة وأن السيدة رباح لم تولد آنئذ، مغلبا ظنا إن جاز القول!! ليتهم كانوا فى مثل وضوح الملاكم محمد على كلاى الذى واجهه يوما صحفيا قائلا: أن النقاد يقولون عنك كذا – فأشكلت الكلمة على كلاى، وقد كانت من الوزن الثقيل – فأجاب كلاى بحضور بديهة "أنا لا أعرف معنى هذه الكلمة، سيدى، ولكن إن كانت تعنى شيئا جيدا فذاك أنا!!"
د. عبدالله على إبراهيم و"إنثروبولوجيا خبر" البداليات
| |
|
|
|
|
|
|
Re: مقال الثلاثاء: بين عبد الخالق محجوب وعبد الله علي إبراهيم: محاولات في الإعدام المعنوي. (Re: محمد أبوجودة)
|
الأخ خاتم، لك الشكر أجزله على المقال القيّم.... وفي واقع الأمر فقد أعدم عبد الله علي ابراهيم نفسه معنوياً أكثر من مرة والتقديم الذي سطره (لا أدري لماذا هو بالذات) لكتاب الراحل عبد الخالق محجوب ليس سوى واحد من سلسلة إعدامات معنوية نفذها ضد نفسه. لك الشكر مرة أخرى، سؤال للأخ صدقى كبلّو إذا تكرم بالعودة الى البوست مرة أخرى، وهو: ما هو مقصد إيراد الفترة الزمنية (عشرة أعوام) التي مرت على كتابتك للمقتطفين الذين ذكرتهما في المداخلة، وهما مقتطفان لا رابط -كما أوضح الأخ خاتم- بينهما والمقال موضوع البوست؟ مع الود،
ع ع
| |
|
|
|
|
|
|
Re: مقال الثلاثاء: بين عبد الخالق محجوب وعبد الله علي إبراهيم: محاولات في الإعدام المعنوي. (Re: Khatim)
|
Quote: البرجوازية السودانية تبحث منذ الاستقلال عن ايدولجية تساعدها على الهيمنة، ولم تكن الايدولجية الليبرالية مناسبة لانها تعني الديمقراطية. |
Quote: لقد عانى بعض جيل طلائع مثقفي البرجوازية الذين شكلوا مؤتمر الخريجين من الانفصام الايدولوجي |
.
وانا اقرآ الفقرات دي اعلاه، بالله شعر جلدي كلب ذي مابقول المثل!
ليه؟
لانو ده رجعني للسنين الخوالي، في شكل فلاش باك، لاجتر الدروس والعبر من فشل اليسار القديم الساحق والماحق والذي انعكس في شكل بلاء متلاحق جري انهار دموع وشب جبال ظلم او سال جداول دم، واليسار الهمام كالزوج، اخر من يعلم!
استاذ الخاتم، اناعارف سلفا حتقول لي ده ماالموضوع الانت طارحو، لكنو بالنسبة لي ده الموضوع الاساسي، وماطرحته، بكل ادب واحترام سلخ نمل او تشريح بعوض، لانو مافي ولا واحد عايز يجاوب سؤال الوجع، والمعالجة الغالية، بتاع بماذا اسهم الشهيد عبدالخالق، المبجل حدالتبجيل لدي كل قطاعات اليسار القديم "تقريبا"، ابتداءا بي عادل عبدالعاطي، مرورا بالخاتم، وانتهاءا بي د.صدقي كبلو، رغم تباين مواقع المذكورين، اليوم بعد ماانكسر "مرق" المعسكر الاشتراكي، واتشتت الرصاص؟
د.ع.ع.ابراهيم الدافعوا عنو غالبية عضوية اليسار القديم بالمنبر، بقيادة قامة كدكتور بولا وهو الانساني، ابدا مامقطوع من شجرة وذهنيتو منتشرة بكثرة بل تمثل قاسم مشترك لكل قبائل اليسار، ممايفضح حقيقة ذهنية هذا القطاع الجهوية، والجلابية تحديدا، وهو المنوط به انجاز مشروع السودان الجديد، كبديل للAnglo-Egyptian سودان، او السودان القديم!
فشل اليسار بزعامة الشهيد عبدالخالق، ومشاركة الاستاذ الخاتم ودكتور صدقي كبلو من اعضاء منبرنا هذا، هو الشجرة المحرمة في هذا الفضاء، ولقد تهرب الاستاذ الخاتم من اجابة اسئلتنا بخصوص فشل اليسار الكارثي، ودوره شخصيا، اكثر من مرة.
فاستغرب جدا وفي ظروفنا الحالية ان يكون تشويه واستغلال د.ع.ع.ابراهيم لي علاقته بالشهيد عبدالخالق، يكون موضوع الساعة للاستاذ الخاتم!
ده ترف ذهني يعود بنا مرة اخري الي سنوات التيه، واليسار القديم يحارب في طواحين هواء برجوازية وطبقية لاوجود لها كمكون لي تركيبتنا الاجتماعية، والدليل علي كلامنا، وبعيدا عن سفسطة التنظير هو فشل الماركسية كاداة تحليل، حيث تسرب واقعنا وتعقيداته من بين مسام هذه الاداة!
بل بسبب غربة مرجعية الماركسية، الحزب الشيوعي السوداني يجد نفسه خارج التاريخ في بلدنا، يقضي يومه لاهثا للاحلاق بايقاع الاحداث المتسارعة، لتجده منكفئ علي وجهه يشكو لطوب الارض عجز شيخوخته، ينادي، عووووووك اقيفوا وارجونا يااخوانا!
استاذ الخاتم، انت مطالب باستيطاح عاجل لدورك ومسؤليتك كسياسي واحد منظري الشيوعي، المسؤول مسؤولية مباشرة علي المستوي الفكري من ماالت اليه الامور، وبالذات انك لاتزال تبجل وتجل اسهام الشهيد عبدالخالق.
من جانبي احترم استشهاد الاستاذ عبدالخالق، ولكن هذا لايعفيه من المسؤلية فكريا واخلاقيا، كقائد سياسي اسهم في تشكيل واقعنا المؤلم هذا.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: مقال الثلاثاء: بين عبد الخالق محجوب وعبد الله علي إبراهيم: محاولات في الإعدام المعنوي. (Re: Khatim)
|
أخي العزيز عمر كلنا أعحبنا بعبد الله علي إبراهيم، في لحظة باكرة من حياتنا. وأعتقد أن عبد الله حالة، أكثر منه ضاحب بناء منطقي متجانس ومتماسك ذاتيا. وأعتقد أنه لو توفرت ظروف سياسية ليست في صالح الجبهة الإسلامية سيكون عبد الله من أعلى ناقديها صوتا. وسيتغير خطابه حاليا كلما ضعف موقف الجبهة. إنه الإنعكاس وليس الأصل. أنظر كيف إنقلب على الترابي حينما فقد السلطة، وأستجوبه إستجوابا أمنيا حول إتفاقه مع الحركة الشعبية الذي تضمن بندا حول توفير السلاح. كما أنظر كيف أكتشف قرابته بعلي عثمان بمجرد سقوط الترابي، وأيلولة الأمر إلى تلميذه. لك الشكر
| |
|
|
|
|
|
|
Re: مقال الثلاثاء: بين عبد الخالق محجوب وعبد الله علي إبراهيم: محاولات في الإعدام المعنوي. (Re: Khatim)
|
أخي الأستاذ الخاتم مقال يبشر بمواجهة فكرية قوية لكتابات الدكتور عبد الله على ابراهيم التي ملأ بها الساحة في الآونة الأخيرة تمجيدا منه للدعاة السلفيين والقضاة الشرعيين ولدستورهم الزائف .. ولعله قد شعر بأنه يسير في طريق موحش ومنكر وهو يكتب بقلمه حياة جديدة لفكر متساقط وقد تخلى عنه أصحابه وعرابوه فأراد أن يستقوى وينعش ضميره بمثل هذه الافتراءات المفضوحة عن رجال عرفوا بوضوح الفكرة ونفاذ البصيرة كالأستاذ عبد الخالق محجوب عليه رحمة الله .. لقد ذكرت أن عبد الله أشار الى بعض كتابات عبد الخالق في عام 1957 واستخلص منها أنه كان محبذا لفكرة الدستور الاسلامي، منشرحا إزاءها، ولكنه عاب عليها أنها لم تتشرب بصورة كافية بعداء الإستعمار!!! وسؤالي هنا هل بدأت الدعوة للستور الاسلامي حينها؟!! وما هو الاستعمار الذي لم تتشرب دعوة الدستور الاسلامي بعدائه والسودان كان قد نال استقلاله منه مسبقا؟!! أرجو أن تلقى بالمزيد من الضوء على هاتين النقطتين حتى نرى بوضوح الحجة التي كان يستند عليها الدكتور في ادعائه هذا .. عمر
| |
|
|
|
|
|
|
Re: مقال الثلاثاء: بين عبد الخالق محجوب وعبد الله علي إبراهيم: محاولات في الإعدام المعنوي. (Re: Khatim)
|
أخي عمر ملاحظاتك في محلها تماما. وكما ألمحت فإن عبد الله يختار مقالات مجهولة لا يسهل الرجوع إليها، ليسهل عليه الإفتراء. وهو يقصد فيما يتعلق بالإستعمار، عودته عن طريق العدوان الثلاثي وعدائه لظهور جمهورية سودانية مستقلة تكون عمقا إستراتيجيا لمصر المعادية للإستعمار. وعلى كل حال المسألة كلها إفتراء في إفتراء، فكما قلت فإن الدعوة للدستور الإسلامي، لم تكن ذات خطر مطلقا، في ذلك الوقت، لأن تيار الإخوان المسلمين الذي كان يدعو إليها كان ضعيفا إلى أبعد الحدود. أشيد بقراءتك الفاحصة.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: مقال الثلاثاء: بين عبد الخالق محجوب وعبد الله علي إبراهيم: محاولات في الإعدام المعنوي. (Re: Khatim)
|
استاذنا الخاتم
لك التحايا
يا عزيزي نحن هنا لكي نتعلم من تجارب الناس... و أنت انسان صاحب تجربة ثرة... بحلوها و مرها... فلا وجود لتجربة انسانية خالية من الآلام و المعاناة ... في نفس الوقت الذي تحفل به نفس التجربة بالنجاحات ... و بالاشياء التي يعتز بها الانسان... من هذا الباب اي باب النجاح و الفشل ... اسمح لي ان اعلق علي تحليك الموضوعي للخطاب الذي تبناه في الاوانة الاخيرة دكتور عبد الله علي ابراهيم... لانه خطاب اكثر من محير... و اخشي ان اكون قد بالغت بعض الشيء ... اذا قلت لك بأن خطاب دكتور ع ع ابراهيم يشبه في كثير من وجوهه الباطنية... خطاب احمد سليمان المحامي ... بعد هجر الاخير للحزب الشيوعي السوداني و التحاقه بالجماعة المفارقة للجماعة!! و قد اندهشنا و الله عندما رأينا اسم عبد الله علي ابراهيم في فصل سنة اولي انقاذ... و قلنا يبدو ان الرجل عاد (لكي يقوي دروسه) كما يقولون!! و لكننا كنا نعلم بان الرجل يجب ان يفط فصل كامل و لا يعود لتقويه دروسه مع الجماعة المربتين فوق رأي... و ما زالت دهشتنا مستمرة ... و لهذا السبب و لغيره من الاسباب قد تشابهت علينا البقر (اليساري و اليميني) من حيث الممارسة و المحصلة النهائية!! و لم نعرف اين هو الحد الفاصل بين هؤلاء؟ ربما يكون سبب هذا الدوار هو عدم الخبرة ... لذا نحتاج لمن هو خبير ليفرز لنا عيشة هؤلاء... و أنت اهل لهذا ... و لا تهتم لقول البعض بان هذا ليس وقته... فلا توجد ساعة صفر محددة لطرق القضايا في السودان... و ان كانت هنالك اولويات فان الاولوية الاولي لطرح الافكار و دراسة النصوص التي يكتبها البعض منا و التي تعني الكثير للبعض الآخر... و لا ادري ما هو الضرر من قراءتك هذه لنص عبد الله علي ابراهيم الان و ليس الغد؟ و لا ادري ماذا يفعل بقية المبعدين من نيفاشا الان؟ لماذا لا يملأون هذا الفراغ بالفكر ... بدلا من الهرولة و الهرجلة السياسيين؟
اخي الخاتم امض الي سبيلك و اكتب و نقب ... فلك قراء و قارئات... و لا تهتم للمطاعنات الفكرية من هنا و هناك... فهذه المطاعنات لن تنفع احدا من الناس... و لن تنفع حتي المطاعنين انفسهم... فنحن نريد ان نروي عطشنا من غياب القراءات النافذة ... و من اعادة قراءة تاريخنا السياسي... حتي يكون البطل بطل و البطلة بطلة... اي بمعني اخر ... نريد ان نري الصورة كما هي... علي ان نقوم بقراءتها دون مؤثرات خارجية لا علاقة لها بالصورة الاصلية!!
اخي الخاتم ... لا ندري كيف يعارض شخص ما نظام الامويين الجدد في السودان و بقوة ... و لكنه في نفس الوقت يدافع عن من يمدحون هذا النظام امثال دكتور عبد الله علي ابراهيم... هل هذه غلوتية ام لا؟ ام اننا نعاني من قصر نظر في القراءة؟
اخي الخاتم ... جميل جدا ان تعيد لنا فتح رياض عبد الخالق محجوب ... و سيكون اجمل ان واصلت في تقليب صفحات هذا السفر... ذاكرا لنا اين اخطا عبد الخالق و اين اصاب ؟ لان اسم الرجل ارتبط بفترة تاريخية مهمة للغاية كما تعرف انت ذلك... فنحن في حاجة ماسة لمثل هذه القراءات ... لان ما كتب حتي الان ... يتمركز بشكل اساسي في التمجيد و لا ذكر للاخطاء الا بشكل عرضي و علي الطائر... و هذا هو اس البلاء في السودان... الكل علي ما يرام ... و لا تنقصنا الا عدم رؤياك الغالية!! و لك الود المقيم... و المعذرة ان كنت قد خرجت عن موضوع البوست... لاننا احيانا نسرح بغنم ابليس في الحوار.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: مقال الثلاثاء: بين عبد الخالق محجوب وعبد الله علي إبراهيم: محاولات في الإعدام المعنوي. (Re: Marouf Sanad)
|
الاستاذ الخاتم
للرجوع للارشيف انقل اليكم بعض تصريحات الشهيد عبدالخالق محجوب لاثراء الحوار حول موضوع النقاش وكتابات د.عبدالله على ابراهيم وتناقضاتها مع تصريحات الشهيد وفق ما تم الاطلاع عليه من شخصى.
Quote: معارضة الدستور الرجعى الدستور بصورتة الراهنه وهم كبير
صرح السيد عبدالخالق محجوب عضو الجمعية وسكرتير الحزب الشيوعى السودانى لوكالة الانباء السودانية:- بان موضوع الدستور بالصورة التى تنظر اليه بها الاحزاب التقليدية.انما هو وهم كبير تعيش فيه هذه الاحزاب مفتعلة صراعا سياسيا حوله لوضع السلطة فى ايدى قطاعات سياسية معينة فشلت فى خلق الاستقرار ومواكبة تطلعات الشعب نحو حياة افضل
الضياء العدد 82 -17-7-1968 -----------------------------------------------------------------------------------------
حلف المخابرات الاميركيه وراء مسودة الدستور السابقة
وتطرق الاستاذ عبدالخالق لمسودة 1967 فقال كلنا نعلم تلك المسودة قد وضعت فى ظروف سياسية تعددت فيها الرحلات للخارج بهدف وضع دستور يرضى جهات اجنبيه معينة.لقد وضعت تلك المسودة تحت تاثير النفوذ الاجنبى والذين وضعوها عملوا تحت تاثير حلف المخابرات الاميريكية المسمى بالحلف الاسلامى
الضياء العدد 87 ,23-7-1968 -----------------------------------------------------------------------------------------
عبد الخالق محجوب يعقب على تعليق محمدابراهيم خليل
وفى سؤال عن رايه فى تعليق السيدين محمدابراهيم خليل وحسن الترابى على حديثه فى الجلسه الاخيره للجمعية قال الاستاذ عبدالخالق محجوب اننا لازلنا نؤمن ونعتقد بان الجو الذى وضعت فيه المسودة السابقة كانت تسيطر عليها عناصر الثورة المضادة بعد اجهاض ثورة اكتوبر وكان التدخل الاجنبى على اشده ممثلا فى الحلف الاسلامى التابع للمخابرات الاميريكية كذلك جاءات المسودة السابقة وبها الكثير من انتهاك الحقوق الاساسية للشعب واضاف الاستاذ عبدالخالق محجوب قائلا.ان التدخل الاجنبى قد اكده السيد رئيس الوزراء فى الجمعية التاسيسية السابقة حين قال ان للدكتور حسن الترابى اتصالات بدوائر اجنبيه
الضياء العدد89 ,26-7-1968 -----------------------------------------------------------------------------------------
|
| |
|
|
|
|
|
|
Re: مقال الثلاثاء: بين عبد الخالق محجوب وعبد الله علي إبراهيم: محاولات في الإعدام المعنوي. (Re: Marouf Sanad)
|
الاستاذ الخاتم أستدللت فى مقالك بمقدمة الدكتور عبدالله التى جاءت كأهداء لروح الشهيد عبدالخالق
Quote: إلى أستاذنا المرحوم عبد الخالق محجوب كنا قد إئتمرنا أو " تآمرنا" على شيئ من هذا الكتاب في فترة من الزمان عند منتصف ستينات القرن الماضي. واستعجلت أنت تخطو وئيدا شجاعا في السكة الخطرة. أو أبطأت أنا. وهذا بعض كسبي من " المحضر السابق" صدقة جارية لروحك السمح العذب، يا أيها الرجل الوسيم. |
وكان تحليلك لهذاء الاهداء كالاتى:
Quote: ألاحظ عرضا هنا إستخدام عبد الله على إبراهيم، في إهداء يوجهه إلى عبد الخالق محجوب، لمصطلحين أساسيين في فكر حسن عبد الله الترابي، هما مصطلح الإئتمار، الذي يفضله الترابي لمعناه المزدوج، الظاهر المتعلق بعقد المؤتمرات، والخفي الذي يعني التآمر، فالترابي يعشق مثل هذه المصطلحات ويهيم بها هياما لا فطام منه. ومصطلح "الكسب"، الذي يصور العمل السياسي والفكري، ليس كعطاء يجود به المرء طوعا على الآخرين، بل ككسب يأخذه الفرد عنوة من الجماعة، ويأخذه الحزب غصبا من المجتمع. وأتجاوز عن ظاهرة ذلك المستعجل الذي " يخطو وئيدا"، في مزاوجة مستحيلة بين نوعين من المشي، وأنفذ إلى جوهر فكرة عبد الله، وهي إشراك عبد الخالق في تأليف كتاب لم يكن ليتردد في إستنكار كل مقولة أساسية وردت فيه، ودحضها بحزم فكري عرفه عنه عبد الله قبل سواه. والدليل الذي يسوقه عبد الله على إشتراك عبد الخالق معه في فكرة هذا الكتاب، هو تآمر سري، بينه وبين عبد الخالق |
الاستاذ الخاتم لا يخفى على فطنة آحد لما للغة العربية من خاصية كالاستعارة بشتى فروعها والمحسنات البديعية وهلم جر، فمن الغريب ما اتيت به من تحليل لايخلو من استخدامك للغة كسلاح اساسي فى هذه المعركة التى ادرتها فى هذا المقال من دون ان تعطى القاريئ اى تحليل منطقى لنقد ك هذا فهل كل ما يحتويه فكر الدكتور عبدالله هو فى هذا الاهداء الموجز فلقد زكرت فى محضر تحليلك فى هذا المقال
Quote: بل يلجأ إلى نسبة أفكار نقيضة لما ورد في الكتاب إلى مؤلفه، بإعتماد مراجع أخرى ليست بين يدي القارئ ولا يؤمل أن يحصل عليها حتى إذا شاء! والأخبار غير السارة بالنسبة لعبد الله، إننا حصلنا على بعضها، ونعمل على الحصول على الأخريات ولو طال السفر، فليكفهر وجهه ما شاء له الإكفهرار! |
هذا يطرح أسئلة كثيرة عن مدى اهمية كتابة التاريخ السياسي لمن عاصرو تلك الاحداث حتى نصل لنوع من الشفافية فى اختلاف الرؤ من شخص الى آخر. الاستاذ الخاتم بقراءة عميقة لما كتبت يستشف القاريئ اشياء كثيرة منها استخدامك للغة فى الكثير منها يستشف التشهير بشخصية دكتور عبدالله اكثر منها نقد فكره الذى اختلفنا معه او اختلفنا فهذه اللغة لا تليق بمقامكم الفكري ، فقد كنت آحد صناع القرار فى الحزب الشيوعى فى يوم ما وفى ظروف عصيبة تركت الحزب لخلافات شخصية اكثر منها فكرية وما دار بينك والاستاذ التجانى الطيب من خلافات لهو شاهد على ذلك من ما يوحي بأن صراعك مع دكتور عبدالله صراع شخصي اكثر منه صراع فكري.
الاستاذ الخاتم كنت تمنيت والكثير من ابناء جيلى الذين جفت مآقيهم فى اللهث وراء معرفة الحقيقة الغائبة عن الكثير من ابناء جيلى أن تسكب لنا عصارة تجربتك بكل ما فيها فى مقالات رصينة حتى تكون لنا غذاء روحي نشبع بها اليتم والخواء الفكري الذى مزقنا فتاتآ نتجرع التسول الفكري تارتآ نحدق صوب اليسار وزخم الثورة وتارتآ نحو الوسط الطائفي الذى ما عادا يمثل طموحات الشباب، وتارتآ بين الاسلام المتشد د الذى حولنا الى عدة دويلات داخل دولة، هذا السودان الذى مذقته الدكتاتوريات العسكرية وتكالب التكنوقراط نحو السلطة من ما خلق واقع مرير ادى بنا الى تخلف عن ركب الديمقراطية والحرية التى عشقها الشعب السودانى الصابر على المحن وأخفاقات الاحزاب السياسية المتمثلة فى الدكتاتورية الداخلية للاحزاب نفسها وأنعدام الممارسة الديمقرأطية داخلها. الاستاذ الخاتم آحمل لك صورة جميلة فى زاكرتى أتمنى ان لا تتزحزح بهذه المناوشات الفكرية، فأنت قامة كان ينظر لها الكثير من ابناء جيلى من انها سوف تقود سفينة الصحوة والتصحيح، لما لك من باع ومحصلة ثقافية ثرة، قل ان توجد فى متسلقى السيا سة فى عالم اليوم ، فأتمنى ان لا تقرا الاحداث كقراءة العجم لشخصية مصطفى سعيد وبت الريس.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: مقال الثلاثاء: بين عبد الخالق محجوب وعبد الله علي إبراهيم: محاولات في الإعدام المعنوي. (Re: Khatim)
|
الاستاذ الخاتم ..
لا شك أن ما تفضلت بذكره يصعب إدراكه بقراءة عادية لكتابات د.عبدالله علي إبراهيم، بل يحتاج إلى قراءة ممحصة للطرح وتدقيق للمتن. وإن كنت أرى أن السطحية التي يتسم بها غالب دعاة الاسلام السياسي لن تعينهم على استقراء المعاني المقصودة في كتابة مثل التي قدمها د.عبدالله إن صح ما ذهبت إليه. إلا أن كشف مثل هذه المؤامرات لا يعد فقط وفاءا للشهيد عبدالخالق وفكره بل هو محاولة لهزيمة هذه التيارات الانتهازية التي تتدثر بعباءة الدين لتخفي وحشية رأسماليتها.
في انتظار المزيد
مع ودي وإحترمي
| |
|
|
|
|
|
|
Re: مقال الثلاثاء: بين عبد الخالق محجوب وعبد الله علي إبراهيم: محاولات في الإعدام المعنوي. (Re: Khatim)
|
الاستاذ الكريم
تاريخ الامة ورموزها هو منارة لاجيالها، فاي محاولة لتشويه او القيام بتأويلات فاسدة او مغلوطة لافكار ومواقف رموز الامة ايا كانت مشاربهم ومنظومات افكارهم لعمري تلك جريمة لا تغتفر. استطيع ان اقول ومن بين قراءات كثيرة لرؤى وافكار قادة الحركة السياسية لمرحلة ما بعد الاستقلال لم وجدت بان عبدالخالق محجوب من بين زعماء قلائل للغاية ممن يتسمون بوضوح رؤية وجلاء في اطروحاتهم وهذا ما يلتمسه المرء في كتابات ومواقف تصريحات عبدالخالق محجوب المتسقة مع شخصية الرجل، هذا مع التذكير بانني من مدرسة لا ترى في الاسلام افيونا لشعب السودان بل تعتقد بان للدين الاسلامي واي دين سماوي او كريم معتقدات دورا اساسيا في التغير الاجتماعي ولكن بعيدا عن ثيوقراطية الحكم والاستغلال باسم الدين او التدين.
ابوساره
********************************************************************************8 مكتوب لك الدهب المجمر تتحرق بالنار دوام
| |
|
|
|
|
|
|
Re: مقال الثلاثاء: بين عبد الخالق محجوب وعبد الله علي إبراهيم: محاولات في الإعدام المعنوي. (Re: Khatim)
|
الفاضل أستاذ خاتم..
كل عام وانت بألف خير..
يقيني ألا خوف على تشويه مواقف الشهيد عبدالخالق محجوب طالما هناك رجال واقلام مثل اقلامك.. حقيقة اتابع كتابات د. عبدالله علي إبراهيم وفي كل مرة انتهي إلى علامات استفهام لا أدري معناها.. اليوم عرفت معنى بعضها..
أذكر ما كتبته أنت في وصف ساعات إعدام عبدالخالق محجوب.. وبنفس الصدق الذي لمسته وغيري.. ألمس صدقا في رد حق الرجل في زمن اختلطت فيه جميع الأشياء..
أتابع مقالاتك بشكل مستمر إلا انني في الشهر الأخير واجهت صعوبات "فنية".. ولدي تعليق معلق على مقالين سابقين (احدهما عن الترابي والآخر عن الخطاب الذي لم تقله الحركة الشعبية).. وحتما ساكتب لك..
تحياتي..
| |
|
|
|
|
|
|
Re: مقال الثلاثاء: بين عبد الخالق محجوب وعبد الله علي إبراهيم: محاولات في الإعدام المعنوي. (Re: Khatim)
|
الأخ سيف الدين جبريل - تحية كتبت
Quote: فمن الغريب ما اتيت به من تحليل لايخلو من استخدامك للغة كسلاح اساسي فى هذه المعركة التى ادرتها فى هذا المقال من دون ان تعطى القاريئ اى تحليل منطقى لنقد ك هذا فهل كل ما يحتويه فكر الدكتور عبدالله هو فى هذا الاهداء الموجز |
والأن فلنقراء ما كتبه الدكتور عبدالله علي أبراهيم عن الأستاذعبد الخالق والدستور الأسلامي لنري هل قسي الخاتم عليه وحمل كلامه ما يحتمله ? كتب د عبد الله ويذكر الشيء بالشيئ، فأريحية عبد الخالق الفكرية حيال مشروعية، بل وسداد الدعوة إلى الدستور الإسلامي قديمة. فقد تقبل هذه الدعوى بطيب خاطر في كتابات باكرة له بجريدة الميدان عام 1957، والدعوى إلى مثل هذا الدستور في طفولته بعد" والأن دعنا نسأل هل كان هذا فعلا موقف عبد الخالق من ما يسمي الدستورالأسلامي ?وأين جاءموقف أو حديث للأستاذ عبد الخالق يؤكد علي سداد الدعوةللدستور الأسلامي أين قال عبد الخالق ذلك نريد دليلا /? وكما تري عدة مقتطفات موثقة تؤكد موقف الأستاذ عبد الخالق حول الدستور الأسلامي توضح حزم وحسم الأستاذ من مسألة الدستور هذا أذا لماذا نسب الدكتور للأستاذ كلاما يناقض جوهريا موقفه من الدستور الأسلامي? وهل أخطاء الاستاذ الخاتم في مواجهته للدكتور في هذه القضيةالخطيرة والتي ترمي عبد الخالق بكل ثقله الفكري ووزنه وتاريخه في معسكرالأسلام السياسي ويعطي مشروعية لدعوة مايسمي بالدستور الأسلامي من المستفيد من طرح دكتور عبد الله علي أبراهيم هذا //?والسؤال الذي يجيب علي كل شئ ماهو موقف الدكتور من موضوع الدستور الأسلامي اليوم ?ولماذ نعارض أصلا الترابي والبشير ودعاة الأسلام السياسي ونطرح دولة مدنية ودستور مواطنة ?هل نرفض هذه الدعوة لأننا نكره البشير - الترابي أو أنها مسألة من تنسحب علي كل يطرح ذات الطرح الأسلاموي ? أرجو أن تجيب علي أسئلتي هذه وأن يشاركنا الأستاذ الخاتم النقاش أيضا كمال
| |
|
|
|
|
|
|
Re: مقال الثلاثاء: بين عبد الخالق محجوب وعبد الله علي إبراهيم: محاولات في الإعدام المعنوي. (Re: بهاء بكري)
|
أخونا خاتم حاولت في الأيام الماضية البحث عن المقالة التي نشرها عبدالخالق محجوب في أخبار الأسبوع. ولكني لم أجدها ووجدت نصا غير كامل في صفحة دكتور بوب التي يوثق فيها لعبد الخالق وأعتقد أن بها بعض الأخطاء المطبعية والتي يقال لا تفوت على فطنة القارئ وهذا هوالنص "كيف ولد شعار الدستور الاسلامى؟ عبد الخالق محجوب الجمهورية الرئاسية التى اقترنت بانتهاك الحقوق الأساسية وتشويه قضية الديمقراطية يروج لها أصحابها بوصفها نظاما اسلاميا أو ما أجمعوا عليه بالدستور الاسلامى .وقد استطاعت الفئات الحاكمة فى بلادنا ومن سار فى ركابها من الكتاب والمعلقين بالصحف أن يدخلوا الرأى العام المستنير فى دوامة من المناقشات التى لا تصل الى نتيجة حول صلاحية "الدستور الاسلامى" لظروف السودان وتكوين أهله الثقافى والحضارى ، وبين ضجيج التأييد وردود الفعل الفعل المعارضة شغل الناس من النفاذ الى أصل القضية . اننى لا أنكر أن هذه المناقشات قد ولت وعيا بين الناس لا سبيل الى انكاره. ولفت الانتباه لأول مرة فى بلادنا بالنظر للدين من زاوية المؤثرات والتقدم الذى أصاب الانسان فى القرن العشرين ، وهى مناقشات تعيدالى الأذهان حركة الاصلاح الدينى التى شملت البلدان العربية المتقدمة فى مطلع هذا القرن . وظل السودان بعيدا عنها الا بين دوائر ضيقة أصابت حظا من التعليم والاستنارة . وكانت لصيقة بالتيارات الفكرية العربية والاسلامية فى تلك الحقبة من التطور . ولكنى أعتقد أنه اذا كان لنا أن نصل الى استنتاجات سياسية سليمة - وهو ما يطلب عند عند اصدار وجهة نظربعينها حول قضية الدستور - فان المدخل لذلك هو دراسة الظروف التاريخية الملموسة والعوامل السياسية الظاهرة والمستترة التى ولد بينها شعار الدستور الاسلامى ، وبصورة أشمل وأكثر دقة تلك الظروف التى ظهر فيها اسم الاسلام كأداة فكرية وكركيزة أيدلوجية للفئات الاجتماعية المالكة والحاكمة فى صراعها ضد القوى الاجتماعية الخارجة عليها مصلحة وعملا . يلحظ الانسان أن هذه الظاهرة بدت واضحة للعيان فى الأيام الأولى لانتصار ثورة اكتوب الشعبية ضد الحكم العسكرى ، وكانت الخطب الملتهبة التى ألقاها السيدان الصادق المهدى ونصر الدين السيد فى اجتماع شعبى بحى المهدية أم درمان ضد الشيوعيين وباسم الاسلام الاشارة الخضراء لسيل متفق من الحملة تحت اسم الاسلام فى وجه "الخطر الشيوعى" كما صور للناس .هذه الظاهرة ما جاءت تسلسلا منطقيا أونتيجة لتطور باطنى مر بفتراته المختلفة فى أحشاء الفئات الحاكمة وأحزابها . لقد ظلت تلك الفئات تعمل تحت ظل النظام البرلمانى حتى نهايته فى عام 1958 دون أن تلجأ لنظرية "اسلامية" تستند اليها . ففى قضية الدستور أجمعت القوى السياسية على مسودة دتور 1958 ، وهى لا تخرج من اطار الدساتير الليبرالية ومن دستور الحكم الذاتى الذى وضعته الادارة البريطانية والقاضى ستانلى بيكر . وفى ميدان جلب الجماهير الى التأييد كانت الفئات الحاكمة تسلك طرقها التقليدية التى بنت عليها مؤسساتها السياسية من قبل . فالائفية تجلب جماهيرها الى التأييد السياسى لها متوسلة بأدواتها القديمة التىظلت تستخدمها لكسب تأييد تلك الجماهير فى حقل النشاط الاجتماعى ومضاعفة النفوذ الأدبى للقادة الطائفيين . مؤلفات مؤسسى الطوائف فيما يختص بالعبادة ، وفى نشر الأفكار الوفية بصورة أو أخرى هى الأداة الفكرية بين الجماهير والأشكال التنظيمية المختلفة من حلقات الذكر والدراسة ومجموعات المائة والجهادية الخ وهذه الأدوات نفسها والتى كانت تستخدم لأغراض المؤسسة الطائفية قبل نشوء الحركة السياسية بصورتها الجديدة . والحزب الوطنى الاتحادى الذى انقسم على طائفة الختمية فى تلك الفترة لم تكن له نظرية أكثر من شعار محاربة الطائفية وهو لم يستطع أن يضع مفهوما اسلاميا أو نظرية اسلامية لتحرير الجماهير من الطائفية كما كان يرى قادته . وذلك لأن مثل هذه النظرية ربما تعارضت أيضا مع مصدر هام من مصادر تأييده الجماهيرى وهى الطوائف الصغيرة وأهل القباب والجماعات الصوفية التى أيدته ورأت فيه وسيلة لحمايتها من تغول الطائفتين الكبرتين . ولا نكون عيدين عن الحقيقة اذا قلنا بأن الحزب الوطن الاتحادى وقتها اعتمد أيضا على مدأ فصل الدين (عن السياسة) حسب تصوره لهذه القضية . والشعار الكبير الذى حكم العمل الدعائى لذلك الحزب فى تلك الفترة وأعنى "سقوط القداسة على أعتاب السياسة كان يحمل فى جوفه هذا المعنى . كما أن مفهوم الحزب الوطنى الاتحادى للدستور كما ظهر فى نشاطه بين الجماهير وفى نشاط مندوبيه فى لجنة الدستور وقتها لم يخرج عن اطار الدمقراطية الليبرالية . وفى هذا الحد انتهى النظام البرلمانى عام 1958 . فهل جرى تطور منطقى لتلك القوى الاجتماعية خلال الحكم أدى الى نمو الفكر الاسلامى على تلك الصورة الحادة التى ظهرت بعد أيام من نهاية الحكم العسكرى . ان مفاهيم تلك القوى الاجتماعية خلال الحكم العسكرى للحكم والدمقراطية وللأدوات الفكرية فى العمل السياسىىلم تتغير على الرغم من أن الحكم العسكرى وخاصة بعد تطبيق الخطة العشرية طرح قضايا جديدة تتطلب ذلك التغيير . أقصى ما وصلت اليه تلك القوى الاجتماعية هى بعض الاستنتاجات الأساسية وليدة تلك المحنة والمعبرة فى نفس الوقت عن ضعفها وعن رغبتها فى تقوية نفوذها ومجهوداتها أمام الحكم العسكرى . كانت تلك الاستنتاجات لا تخرج عن عن فكرة الحزب الواحد الكبير لتلك الطبقات فى صورة اندماج بين حزب الأمة والحزب الوطنى الاتحادى ، لا تخرج عن اعادة النظر فى مشكلة الجنوب بعد أن استفحل أمرها من ناحية وبعد أن أصبح مهما فى نظر تلك الدوائر الاجتماعية كسب الحركة السياسية فى الجنوب بأية طريقة ممكنة . والنقد للنظام العسكرى الذى كانت تلك الدوائر - على شحه وضآلته - لم يكن صادرا عن نظرية الامية بل عن التجريب والمواتاة السياسية التىتبرز نشاط المعارضة ضد الحكم العسكرى . لقد فشلت تلك الأحزاب فى تفهم وجهة نظر الحزب الشيوعى بعد عام 1962 ، والمبنية على افتراض سليم بأن ظروف البلاد قد تغيرت , وأن الثورة السودانية قد دخلت فترة جديدة من مرحلة التقدم الاجتماعى ، مما يتطلب نقد النظام القائم وقتها على نظرية تهيىء الجماهير للصعود الى مستوى أعلى فى كل الميادين ، فى مبدان الثورة الاقتصادية والاجتماعية . اما فى حيز قضية الدستور فد ظل نشاط الدوائر الاجتماعية المعنية وتصورها حبيس أسوار دستور عام 1956 . وما تعدت آمالها العودة الى حكم البلاد بذلك الدستور بالرغم من وفرة تجارب شعبنا البرلمانية ، وعلى تغير الأحوال خلال الحكم العسكرى وعلى تجارب العالم الثالث التى اتخذت مركز الصدارة فى الحياة السياسية المعاصرة لتلك الفترة . من المستحيل اذن البحث عن الفكرة الاسلامية والانتفاض للدين الاسلامى بوصفه نظرية كاملة للعمل السياسى فى باطن موهوم لتلك الأحزاب أو لين الحجج المسوقة والمطروقة حول الأغلبيى ووجوب حماية عقيدتها ، أو بين زعم قائل ببعث وطنى جديد ملأ جوانح تلك الأحزاب وملك عليها أطارها . الصائب فى رأييى هو البحث عن الدواعى فى ظروف ثورة اكتوبر نفسها . لا لزوم لتكرار ما ذهبت اليه من قبلفى وصف تلك الثورة ون نتائج لها ذات اثر على الصراع السياسى فى البلاد ، ولكنى أحصر نسى لفائدة المناقشة ولدواعى الموضوع نفسه فى نقطة واحدة هى أن ثورة اكتوبر كانت تعبيرا عن رغبات شعبية أصيلة فى فى التغيير الاجتماعى . ولأنها دفعت للمقدمة بنظريات التغيير الاجتماعى ولأنها كذلك قد ضمت فى أحشائها قوى ثورية ذات نظرية كاملة فى العمل السياسى . ولأنها ثورة من أجل التغيير الاجتماعى فانها دفعت للمقدمة بنظريات التغيير الاجتماعى وخاصة الاشتراكية . وكان لابد لكل القوى الاجتماعية المتصارعة أن تواجه هذا الواقع وأن تتفاعل معه سلبا أوايجابا ، وعند هذه النقطة والزاوية الحادة للتقدم حكم خطى الفئات الاجتماعيةالمالكة وعجزها وافلاسها فى ملاحقة السير فتفاعلت سلبا مع الظروف الجديدة . فالقوى الطائفية والجماعات المتخلفة ماكان لها من الأدوات ماتستطيع به مواجهة تلك الظروف . كما ان مصالحها أثقل من أى رغبة ذاتية فى التغيير . وأكثر الفئات المنضمة اليها حركة ونشاطا ، وأعنى العناصر اللاأسمالية كانت تعانى من قحط فكرى وجفاف قاتل . ان مصالح تلك الفئات مجتمعة وأعنى تلك المصالح الرامية للمحافظة على مواقع الاستغلال القديمة ودعم مواقع الاستغلال الرأسمالى الجديدة والتى حث خطى نموها الحكم العسكرى ماكان من الممكن الدفاع عنها وفق نظرية صريحة تبرر التخلف فى وجه التقدم الذى الذى أعلت رايته ثورة اكتوبر . ماكان من الممكن الدفاع عن عن الرأسمالية وقدراتها فى وجه أفكار الاشتراكية التى زحمت الآفاق السياسية على تلك الأيام . لقد ذهبت من وجهة النظر التاريخية تلك الحقب التى كان من الممكن فيها لاصحاب النظريات والمصالح الرأسمالية حمل الأمة بأسرها على تأييدهم . الا من قلة أصابت وعيا متقدما - تحت شعارات المساواة والاخاء وتحت شعارات "الفرد الحر" والتجارة الحرة والمناجزةوالمواثبة . وهذه حقيقة تتضح متوهجة فى العالم الثال حيث أجبرت قوى التخلف والعناصر الرأسمالية على مواجهة الحركات الشعبية بنظريات جديدة فى مظهرها على الأقل تخفى تحتها تلك الفئات الحاكمة مصالحها الحقيقية . فى الشمال يتدثر الحبيب بورقيبة بنظريته الخاصة عن "الاشتراكية"ويجتهد فى نشرها واغراق الحركة الشعبية فى لجتها وتشويه فكرة الاشتراكية . وفى الغرب يتصدر ليوبولد نغور الدعوة "لاشتراكية افريقية" كمبرر للاستعمار الحديث وتشد أفكار الجماهير بعيدا عن حقائق التقدم المعاصرة . وفى الهند تنهض اشتراكية غاندى مزيجا من الاشتراكية الفابية وخلط بين الديمقراطية البرجوازية ..وهكذا . ولكن الفئات الحاكمة فى بلادنا تعجز عن هذا الضرب من النظريات التى تبتدعها أو تنقلها . وعجزها ناتج عن ضعف كياناتها الثقافية والاقتصادية مما ظهر جليا فى شح كادرها المستنير ممن له الرغبة فى التحصيل أو القدرة على البيان المقنع . وكيف يظهر مثل هذا الكادر السياسى وأدوات العمل السياسى رجعت على ماكانت عليه فى ميادينها المختلفة الطائفية والسياسية على الصورة التى ألمحت اليها من قبل . ان الاحتماء بالدين وفق المفاهيم السائدة كانت الوسيلة المريحة والممكنة للفئات الاجتماعية التى عجزت عن التفاعل الايجابى مع حركة التغيير الاجتماعى التى تفجرت بعد ثورة اكتوبر 1964 . وهو من هذهالزاوية يمثل رد فعل للصراع السياسى والطبقى الذى أفرزته الثورة . ولا تعبر عن تطور أصيل وتسلسل منطقى مقبول لنشاط الفئات الحاكمة . قد يقال أن هذا تقرير وصفى لما حدث ، ولكن ألا يحق لنا فى ميدان التنظيم أن نتسائل : وما العيب فى أن تلجأ تلك الفئات للاحتماء "بالدين" نظرية لها فى العمل السياسى؟ .. سؤال وجيه نحاول الرد عليه من واقع الحياة السياسية ومن ظروف الصراع الذى تعددت مسالكه وتنوعت صوره بعد أن دخلت بلادنا فترة التغير الاجتماعى . ان المفهوم "الاسلامى" الذى احتمت به الفئات الحاكمة هو الذى يكشف طبيعة تلك الحماية . كما أنه يوضح طبيعة الصراع الدائر فى بلادنا وجوهره . وعندما أتحدث عن المفهوم "الاسلامى" فانما أعنى المفهوم السائد أو الطاغى . ومن الناحية التاريخية لابد لنا أن نلتفت الى الطريقة التى دخل بها الاسلام الى للسودان وهى طريقة يمكن أن نقول أنها بشكل عام طريقة سلمية وهادئة . فقد ظلت المسيحية ى شمال البلاد تشكلسدا أمام الفتح الاسلامى لأكثر من ثلاثة قرون . فالفتح الذى يهدم المؤسسات القديمةويقيم مكانها مؤسسات جديدة يجتث بقدر أو آخر المفاهيم والأفكار القديمة لم يكن متوفرا على ذلك النحو فى بلادنا . ولهذا يمكن القول بأن الفكر الاسلامى دخل السودان مقيدا لوجود مؤسسات قديمة يؤثر عليها ولكنه يتصالح معها . وليس هذا أمرا غريبا ، ففى غرب افريقيا كانت المجموعات القبلية والعنصرية تنتقل الى الاسلام باسلام زعاماتها ومبايعتها . ثم تبدأ بعد ذلك عملية التفاعل مع الدين الجديد كل ما يحمل من مفاهيم فى الفلسفة والعبادة والعلاقات الاجتماعية . وهذا بالطبع يترك أثره على الحياة الاسلامية فى بلادنا . فالسحر والعرف وبعض العادات الاجتماعية الوثنية بقيت على ماهى بصورة أو أخرى وأعطت للمجتمع طابعا محافظا وتخوفا من الجديد . ان الصورة الرائعة التى أوردها ود ضيف الله حول النشاط الدينى فى الفترة التى تصدى لها تعطى الانسان دليلا على الاختلاط بين الفكر الاسلامى والعادات الاجتماعية المستوطنة . فأحاديث كثير من المشايخ خليط بين الزهد الصوفى وبين السحر الأفريقى والفلكلور . وخلافا لبعض البلدان الاسلامية فان الثورة الفكرية للاصلاح الدينى الرامية لتصفية ذلك الخلط ، والتى استهدفت فيما بعد عندما تلاقى العالم الاسلامى مع أوربا وضع الدين مرة أخرى فى مجرى التقدم فان السودان كان حظه ضئيلا .فحركة التطهر الدينى التى قادها الامام محمد أحمد المهدى تعثرت ثم سقطت لأسباب عديدة ، ليس هذا مجال التصدى لها . كما ان حركة البعث الاسلامى على الصورة الجديدة التمسها قلة من المثقفين السودانيين . ما كان لهم بحكم ظروفهم أن ينقلوها الى داخل المجتمع السودانى . وبلادنا فاقدة لثوريين عانت ماعانت وما زالت تعانى من ذلك وتصبح فيها المفاهيم "الاسلامية" السائدة سندا لكل قوى اجتماعية تحاول اخفاء مصالحها الحقيقية أو تزين تلك المصالح . اذا قلنا أن هذا يقع فى ميدان الثورة الفكرية ، فان المفهوم الاسلامى الذى احتمت به الفئات المالكة ضد قوى ثورة اكتوبر الشعبية لم ينصهر أيضا فى لهيب الثورة السياسية . فى الجزائر نجد على سبيل المثال أن المفهوم الاسلامى لعب دورا واضحا فى فى حركة النضال الوطنى . احتمت به الحركة الوطنية ضد سياسة الذوبان الفرنسية . وخاطبت به الجماهير ورفعت به مستوى عاليتها وحماسها الثورى من أجل الحرية الوطنية . وبهذا فان المؤسسة الاسلامية انصهرت بين نيران ذلك الصراع الانسانى الرهيب . ولفظت من صفوفها الأفكار المشوهة الخانقة والجماعات المتسولة باسم الدين . وعبر عن هذه الحقيقة ميثاق طرابلس ورنامج جبهة التحرير فيما بعد . كما انطلق بتلك الحقيقة لسان أحمد بن بيل حينما أشار الى أن للاسلام مفهمومين فى الجزائر .. مفهوم العناصر الرأسمالية ومفهوم الكادحين . وقد انحاز الثوريون الى مفهوم الجماهير الكادحة . أما فى السودان ولظروف محلية فى منطقتنا ... فقد اعتمدت الحركة السياسية بأجنحتها المختلفة على مخاطبة "الوطنى" على فكرة الوطنية . بالاضافة الى هذه الفكرة "الطبقية فى حالات معينة للنشاط الثورى فى بلادنا . والمؤسسات الدينية الرسمية كالقضاء الشرعى أو غير أو غير الرسمية لم تستنهض الجماهير بمفهوم اسلامى ، ولم تستنفر حميتهم الدينية لمقاومة الاستعمار . ولا يكون الانسان متجنيا اذا قال بأن تلك المؤسسات ظلت جزءا من جهاز الدولة الأجنبى وهو فى مجموعه اداة للقهر ."
| |
|
|
|
|
|
|
Re: دكتور عبد الله علي أبراهيم يرد .... (Re: Khatim)
|
رد دكتور عبد الله علي أبراهيم علي حوارت سودانيز أون لائن حول قضية الأستاذ عبد الخالق والدستور الأسلامي ... نقلا عن سودانائل عبدالخالق محجوب: الإسلام وغربة الماركسية د. عبد الله علي إبراهيم [email protected] تدور حول المقال المنشور أدناه مناقشات علي منبر سودانيزأونلاين استفدت منها أن أكثر المعقبين ربما لم يطلعوا علي النص. وكنت كتبته كمقدمة لكتاب استاذنا عبدالخالق محجوب "أفكار حول فلسفة الأخوان المسلمين" الذي صدرت طبعته الثانية عن دار عزة في مطلع هذا القرن. وقد شاب الإصدارة أخطاء كثيرة حتي نصحت الناشر بان يتعوض الله ويوقف توزيع الكتاب. ويبدو ان بعض نسخه قد تسربت ووقع بعضهم عليها ورغبوا في مناقشة محتوي مقدمتي. ولا تثريب. وقد عدت الي مسودتي لأطبع منها النص الذي بين أيديكم كما كان ينبغي له أن يظهر في الكتاب. وقد رأيت مع ذلك ضرورة تغيير بعض العبارات وقد أشرت الي هذه المواضع بعلامة (؟) لمن أراد مقارنة النص في أصله بالنص في الكتاب المنشور علي الناس. وسيجد القاريء أنني لم أوفق في كتابة خاتمة مناسبة للبحث. وسافعل ذلك متي نشرته لاحقاً.
وقد سعدت بهذه السانحة التي وفرها نقدة هذه المقدمة لإذاعتها علي نطاق واسع ليتعرف الجيل الحدث علي فكر استاذنا عبدالخالق محجوب عليه الرحمة.
عبدالخالق محجوب: الإسلام وغربة الماركسية
عبدالله علي إبراهيم
صدر كتاب "أفكار حول فلسفة الأخوان المسلمين" (لأستاذنا عبدالخالق محجوب في آخر الستينات؟) في ذيول المحنة السياسية والفكرية التي أخذت بخناق الحزب الشيوعي السوداني مباشرة بعد انتصار ثورة أكتوبر 1964 التي أطاحت بالنظام العسكري للفريق إبراهيم عبود. وكان الحزب أحد ابرز مهندسي هذه الثورة وقد بوأته منزلة من القوة والنفوذ في الدولة والمجتمع أثارت غيرة خصومه السياسيين. ونجح هؤلاء الخصوم في حل الحزب الشيوعي وطرد نوابه من البرلمان في آخر عام 1965. وكان إلحاد الحزب الشيوعي هو ما شدد عليه هؤلاء الخصوم في حملتهم عليه حتى تحقق لهم إزالة الوجود القانوني للحزب. وكانت القاصمة هي الحادثة التي يشار إليها ب "ندوة معهد المعلمين العالي". ففي تلك الندوة المخصصة لمناقشة البغاء والمجتمع (وكان البغاء منذ عهد الاستعمار ممارسة مشروعة) (في شتاء 1965؟) وقف طالب نسب نفسه للحزب الشيوعي وقال، في المروي عنه، أنه شيوعي وملحد و"أفخر أنني تحررت من خرافة الله . . . أما الدعارة فهي فطرة غريزية في الإنسان وفي بيت الرسول كانت تمارس الدعارة مشيراً إلي حديث الإفك." (1)
وقد استثمر خصوم الحزب مقالة الطالب للتشديد علي إلحاد الشيوعيين بقصد تأليب جمهرة المسلمين عليهم. وقد نجحوا بالفعل في استثارة حملة كبري قضي بها البرلمان علي شرعية الحزب الشيوعي.
انصرف أكثر الشيوعيين وطوائف اليسار، والعهد بهم ما يزال، إلي اعتبار هذه الحادثة داخلة في عداد "استغلال الدين" لتحقيق مآرب سياسية. ولم يغب هذا الاعتبار السياسي بالطبع عن مؤلف هذا الكتاب: الاستاذ المرحوم عبد الخالق محجوب (1926-1971)، السكرتير العام للحزب الشيوعي السوداني منذ 1950. فقد شرح عبد الخالق هذا المعنى بغير هوادة. فقد نظر في كتابات عديدة له الي مطلب خصومه في تطبيق الدستور الإسلامي مما راج آنذاك قبيل حل الحزب الشيوعي. ودرس غلوهم في هذا المطلب بعد حل الحزب الشيوعي (2). وكان رأيه أنه من مفارقة الحكمة أن ينظر المرء الي شعار الدستور الإسلامي وصلاحيته للحكم من زاوية تكوين السودان الإسلامي الثقافي كما يزعم دعاة ذلك الدستور. ورد عبد الخالق هذه الدعوة إلي إسلامية الدولة إلي منابت في السياسة السودانية بخاصة في وقائع ومستجدات نجمت عن ثورة إكتوبر 1964. تساءل عبد الخالق: لماذا احتاج النادي السياسي الحاكم إلي الدعوة إلي الدستور الإسلامي بعد تلك الثورة في حين اكتفي قبلاً بدساتير ليبرالية غير دينية مثل دستور الحكم الذاتي 1954 ومسودة دستور السودان 1958؟ وأجاب عن سؤاله بقوله أن الذي أزعج هذا النادي الحاكم عن الليبرالية إلي الإسلامية هو ما كشفت عنه ثورة إكتوبر عن إمكانية نشوء حركة سياسية مستقلة من نقابات العمال والمهنيين واتحادات المزارعين والحزب الشيوعي. وهي حركة تدير ظهرها نهائياً لهذا النادي وتنزع إلي نهج وأفق اجتماعيين جذريين جديدين. وروع هذا التطور، في قول عبد الخالق، النادي السياسي الذي رأي عياناً بياناً كيف انفصل جهاز الدولة بفضل قوي العاملين وإضرابهم السياسي العام عن السلطة الحاكمة وتركها تامة العري الاجتماعي والسياسي. ولذا سارع النادي الحاكم إلي الدعوة إلي أمرين. الأمر الأول هو تبني الجمهورية الرئاسية بعد أن كان يعتقد في الرئاسة البرلمانية. وأراد بالجمهورية الرئاسية أن يضع في يد رجل زعيم منهم سلطات جامعة مانعة يسيطر بها علي جهاز الدولة. فقد جعلوا الرئيس قيماً نهائياً علي الخدمة المدنية كما يعين القضاة والقيادات العسكرية. أما الأمر الثاني فقد تنادي أهل النادي السياسي إلي الدستور الإسلامي كغطاء إيدلوجي يغطون به إفلاس مناهجهم والتي رأي كيف مجتها طلائع الشعب واستقبلت قبلة أخري.
تساءل عبد الخالق في سياق عرض فكرته عن استغلال النادي الحاكم للدين عن منشأ النبع الإسلامي في الحركة السياسية آنذاك. وتساءل (؟) هل أصابت النادي الحاكم شحنة فكرية مفاجئة حولته عن قناعته الأولي بالدستور الليبرالي إلي الدستور الإسلامي. وفي تقدير عبد الخالق أنه لم ينشأ بين جوانح هذا النادي شوق فكري مرصود معلوم ينتفض للإسلام في جهاد إحيائي فكري مستنير. وغاية الأمر، في قول عبدالخالق، ان الإسلام وقع للحاكمين المأزومين "من باب التجريب والمواتاة السياسية".
ولم يكتف عبد الخالق بهذا البيان عن "استغلال الدين" في سياسة أهل الحكم السودانيين فيما بعد إكتوبر 1964. فقد راجع نفسه حتى لا تكون مقالته عن "استغلال الدين" مما يلقي علي عواهنه. فقد استدرك عبد الخالق قائلاً: وما الخطأ في لجوء النادي الحاكم إلي الدستور الإسلامي في الوقت الذي اختاره؟ وجاء بثلاثة (؟) أسباب في تخطئة هذا اللجوء:
فقد قال أن العيب الذي يراه في هذا النادي السياسي ليس في لجوئه إلي الدين بل في مفهومه للدين. وعاد هنا إلي شرح اعتراضه من أن الدين لم يقع لهذه الفئة السياسية في ميدان ثورة فكرية رشيدة. فهي لم تستنبط إسلامها المرشح للحكم من حركة إصلاح هزت بها قاع العقائد السودانية التقليدية التي كانت الحركة المهدية (1881-189 نفسها مجرد امتداد لها لا ثورة عليها.
وتنويعاً علي ما سبق قال عبد الخالق أن مفهوم هذا النادي للدين لم يكن ثمرة جهاد ضد الاستعمار كما هو حال الإسلام في الجزائر الذي طبعه حرب المستعمرين بنظرات متأملة ناقدة في سياسات فرنسا التذويبية لشخصية المستعمر (بفتح الميم) (؟)، والربط بين التحرير السياسي والروحي والاجتماعي. فإسلام النادي الحاكم السوداني غير ممتحن في دقائق السياسة العامة ومشاغلها وخبراتها في النضال وأشواق العدل الاجتماعي.
ومما زاد الطين بلة أن النادي السياسي السوداني جاء إلي الشعار الإسلامي تابعاً لا رائداً لأنه استقي مدده الفكري والروحي والمالي من القوي الرجعية في العالم العربي والإسلامي التي قبلت العمل في نطاق الأحلاف الاستعمارية ووطنت نفسها علي أفكار التقدم والاشتراكية.
ويذكر الشيء بالشيء. فأريحية عبدالخالق الفكرية حيال مشروعية، بل وسداد، الدعوة إلي الدستور الإسلامي قديمة. فقد تقبل هذه الدعوة بطيب خاطر في كتابات باكرة له بجريدة الميدان (الميدان) عام 1957 (3) والدعوة إلي مثل هذا الدستور في طفولتها بعد. فقد بادرت بعض الهيئات الإسلامية، ومنها حركة الإخوان المسلمين التي هي في القلة السياسية آنذاك، إلي الضغط علي أحزاب الكثرة لتتبنى الدستور الإسلامي قبيل انتخابات 1958. وكان من رأي عبد الخالق أن هذه الانتخابات إنما تدور حول سيادة السودان التي تتهددها قوي الاستعمار التي لا تريد أن يكون "في قلب أفريقيا، وفي الحدود الجنوبية للقومية العربية، أثر لجمهورية سودانية مستقلة حقاً تساند دعوة الحرية في الوطن العربي وتحمل شعلتها في أفريقيا، آخر قلعة للمستعمرين".
لم يعب عبد الخالق علي الهيئات الإسلامية دعوتها للدستور الإسلامي. بل عاب عليها غفلتها عن أن المعركة المقدسة حقاً هي المعركة ضد الاستعمار. فقد استغرب لوقوف هذه الهيئات خلف مرشحي حزب الأمة في الانتخابات وهو الحزب، في تحليل الشيوعيين آنذاك، ركيزة المستعمرين ووكيلهم القديم والحديث في السودان (4). استعان عبد الخالق بلغة القرآن لكي يبين كساد خطة هذه الهيئات في اختيارها الانحياز لحزب الأمة قائلاً:" والله أنتم في واد والشعب في واد آخر غير أن واديكم غير ذي زرع."
وبرغم وصف عبد الخالق لدعوة الدستور الإسلامي بالغموض ومفارقتها لواقع البلاد إلا أنه لم ير وجهاً لجعل الصراع حول صورة الدستور سبباً لانقسام الصف الوطني في وجه الهجمة الاستعمارية. فالمعركة في نظره ليست بين الدستور الإسلامي والدساتير الأخرى. ففي اعتقاد عبد الخالق أن أياً من هذه الدساتير لا يمكن لأنصاره تحقيقه إلا في ظل سودان مستقل الجانب موفور الكرامة. فالدعوة للدستور الإسلامي، في قوله، لا تعفى صاحبها من تحديد موقعه من الاستعمار. وذكر أن باكستان المعلن أنها جمهورية إسلامية هي سند مؤكد للاستعمار وعدو لدود للمسلمين.
وعليه لم يكن عبد الخالق في 1957، كما لم يكن في 1965، ممن استثقل أو استفظع أو "استرجع" (جعلها رجعية بإطلاق) الدعوة إلي الدستور الإسلامي. بل كان أكبر همه فحص إن كانت الدعوة إليه قد جاءت من باب المواتاة السياسية أم أنها صدرت عن انشغال سياسي محيط بالخطر الوطني والحضاري بالاستعمار، الخصم الأكبر، وعن عزيمة لتأمين السيادة الوطنية علي أساس من العدل الاجتماعي. والدليل علي رحابة عبد الخالق لخطاب الدستور الإسلامي هو تنبيهه إلي أن المناقشات التي جرت حول وجوب تطبيقه في ما بعد ثورة إكتوبر "ولدت في الناس وعياً بين الناس لا سبيل إلي إنكاره ولفتت الانتباه لأول مرة في بلدنا للنظر إلي الدين من زاوية المؤثرات والتقدم الذي أصاب الإنسان في القرن العشرين."
ولذا لم ينشغل عبد الخالق بعد واقعة حل الحزب الشيوعي بالإلحاح علي مسالة استغلال خصومه للدين قطعاً لطريق التقدم، وهي واحدة من عباراته المفضلة آنذاك. خلافاً لذلك، رأي عبد الخالق أن تكون محنة الحزب الفكرية مع الإسلام مناسبة يأخذ الحزب نفسه بالشدة النظرية يتأمل قامته الثقافية في مجتمع إسلامي. فقد كتب في "قضايا ما بعد المؤتمر الرابع (196 يقول أن المؤتمر الرابع للحزب (1967) (5) لم يثر مسألة الدين من الزاوية السياسية وحسب. وبعبارة أخري، فالمؤتمر لم يقتصر في خلاصاته فقط علي استنكار استخدام الدين بواسطة النادي الحاكم ستاراً لمصادرة الحقوق الأساسية في مثل حله الحزب الشيوعي. وقال أنه لو كان هذا المغزى السياسي هو كل ما انطوي عليه حل الحزب من مغاز لكان الأمر يسيراً. فالحزب، في نظره، ذو تجربة ثاقبة في العمل بين جماهيره في حين تكتنفه الحملات الناعمة والكثيفة الموجهة إلي إلحاده ومفارقته الجماعة. فهو قد تمرس في النضال الحازم بين العمال والمزارعين والطلاب والمثقفين وعامة الناس المسلمين للدعوة إلي فصل الدين عن السياسة ولم يعان حرجاً أو عزلة بل أصاب سداداً كثيراً. والحزب، من الجهة الأخرى، في قول عبد الخالق، قد تشرب حساسية الناس الدينية وتوسل إلي إقناع الناس بتوقيره ما يوقرون بالمسلك العملي المتأدب في حضرة الإرث الثقافي والعقدي للمسلمين. وبالفعل نجح الحزب في عام 1965 من حماية ظهره سياسياً في وجه حملة العداء التي انتهت بحله وعاد في انتخابات 1968 ليرسل نائبين من دوائر جغرافية لم يجد الناس حرجاً في الانتصار له فيهما. ولم يدر في خلد دهاقنة حملة 1965 أن يستقوي الحزب بالناس هكذا في اقل من ثلاثة ( ؟) أعوام.
لم يرد عبد الخالق أن يتذرع باستغلال خصومه للدين لكي يتفادى الحرج الثقافي الأصيل للفكرة الشيوعية في بلد مسلم. وقد رأي أن يلقي هذه المسالة وجهاً لوجه. فقد دعا في "قضايا ما بعد المؤتمر الرابع" (196 ( 6 ) أن يتأمل الشيوعيون غربتهم و"غربة الفكر الماركسي" التي ارتسمت بغير خفاء من جراء حادثة معهد المعلمين وذيولها. تساءل عبد الخالق: كيف تسنى للرجعية السودانية، بغض النظر عن دوافعها السياسية التي اتخذت الدين أداة ومخلباً، وبغض النظر عن نفوذها في الدولة والتشريع، أن تحرك بسهولة نسبية قطاعاً من الجماهير ضد الحقوق الديمقراطية والدستورية في البلاد حين قبل بحزب الحزب الشيوعي؟ وأضاف قائلاً: كيف تسني لهذه القوي الرجعية أن تنفذ إلي غرضها هذا من خلال استغلال حادث مفتعل لا يعرف أحد حتى ذلك الوقت أبعاده؟
ومن شأن هذه الأسئلة، التي تنأى عن تحميل الخصم كل اللوم علي ما يقع علي الذات من أذى، أن تفضي بهذه الذات إلي مكاشفة ذاتها مما هو في باب النفس اللوامة. وقد ساقت هذه الأسئلة عبد الخالق إلي اجتهادين مرموقين في منهج الحزب الشيوعي تجاه مسالة الثورة والإسلام:
فقد خرج عبد الخالق من تبكيت النفس إلي دعوة الحزب ان يخوض في أمر الدين لا من موقع الدفاع عن نفسه كمتهم في دينه، بل من مواقع الهجوم. وسبيل الحزب إلي ذلك تبسيط الماركسية وجعلها لصيقة بحياة الناس. فتطوير نظرة الحزب للدين، في رأيه، هي في تقريب الماركسية لجماهير الشعب بجعلها جزءاً من تفكيره وتراثه الثوري بإدخالها بين مصادر حضارة الشعب العربية والإسلامية والأفريقية. وهو يري أن هذا التقريب للماركسية هي تبعة علي مثقفي الحزب تلزمهم باكتشاف مصادر هذه الحضارة وعناصر القوة والخير والثورة فيها. فالماركسية، في قول عبد الخالق، ليست مناسبة يخلع (؟) بها الشيوعي هويته الحضارية كمسلم وعرب وأفريقي. خلافاً لذلك، فالماركسية هي "تجديد للمعرفة وسط شعبنا، تجديد لمصادر حضارته وثقافته." وهي مع ذلك (الماركسية؟)لا تقف مكتوفة اليد مبهورة حيال ماضي هذه الحضارة كمثال جامع مانع. وإنما تنفذ إليه بالنقد الدقيق المحيط تتغذى بخير هذه الحضارة وتلفظ ما عداه وتتغلغل يوماً بعد يوم إلي ثري الوطن وثقافته.
فالحزب الشيوعي، في نظر عبد الخالق ، يكسب بالهجوم الذكي المستنير المتفقه في علوم الدين وغير علومه. فلا مخرج للحزب من غربته الفكرية بالاستخذاء وإدارة العقل إلي الجهة الأخرى في وجه ما يلقيه الدين عليه من مسائل وتحديات وفقه. وقال:
"هذه الغربة (الماركسية) التي أشرت إليها لا تحل علي أساس سياسي كما ان مراكز الدفاع مراكز ضعيفة ويمكن أن توصف بالنفاق السياسي ولا توصف بالحالة الجادة لاكتشاف مصادر الثقافة في بلادنا ولاتخاذ موقف تقدمي منها: ما كان مفيداً يدخل في ميدان التطور، وما كان منها يعوق التطور يجب ان يتكلم عنه الشيوعيون بجراة وأن يقفوا بثبات دفاعاً عن مراكزهم"
أما الخاطرة الاجتهادية الثانية (7) التي عنت لعبد الخالق حيال غربة الماركسية في مجتمع إسلامي فهي تفرقته بين الدين كأيدلوجيا، مما يؤدي إلي استغلاله بواسطة الصفوات النافذة لتأمين حكمها بين الناس، (وبين) الدين كيوتوبيا، أي الدين كجغرافيا راسخة لعالم مثالي من العدل والإخاء والمساواة. فدين عامة الناس، اليتوبيا، قد فطر عليه المسلمون، واستمدوا منه أبداً عالماً بديلاً لعنت واقعهم السياسي الأليم، وشغفوا فيه بصور العدالة والإيثار والمساواة، التي هي صفة مجتمع أبكار المسلمين. واسترسل عبد الخالق في وصف الإسلام اليوتوبيا في خيال وفكر عامة المسلمين قائلاً:
"الناس يتصورون هيئة عمر ابن الخطاب حاكم الدولة الإسلامية التي امتدت شرقاً وغرباً وجنوباً وانتشرت تهز أركان العالم حولها وهو مجرد من زيف السلطان وغربته عن الشعب وقد استلقي تحت ظل شجرة مثل عامة الناس لأنه حكم وعدل وأمن شعبه . . . يذكرون مصعب ابن عمير يحف به بذخ الإرستقراطية وهو شهيد في واقعة أحد بعد أن أبلي وهو يحمل لواء الرسول بلاء (؟) لا يدانيه بلاء، وقد خر علي وجهه، ويهم المسلمون بدفنه فلا يجدون له كفناً، إنما هو ثوب رث قصير إن أخفى رأسه أظهر رجليه، وإن اخفي رجليه أظهر رأسه، والنبي (ص) يري فيتلو قول عز وجل: "من المؤمنين رجالاً صدقوا ما عاهدوا الله عليه."
ويستطرد عبد الخالق قائلاً أن هذا العالم المثالي هو الذي يشد أفئدة الناس في واقع يحدق بهم: الفساد فيه وحل، والمحسوبية عاهة، تغلب فيه الاثرة والتفاوت الطبقي اللئيم والفردية القاتلة. وعامة المسلمين أسيرة تناقض بين عالم المثال هذا الذي الإسلام فيه مستودع العدالة والإيثار والمساواة وبين ارتباطهم بقوي النادي السياسي التي تفسد في الأرض، تناقض بين المثال الذي يجعلها ترفض الواقع الفاسد وبين قلة حيلتها وهي أسيرة النادي السياسي وخطته السياسية. ولا مخرج لها من هذا التناقض سوي بنظرية اجتماعية للسلطة تنتقل بها من رهن إرادتها بانتظار فيض القلب الرحيم والمدد المثالي إلي اكتشاف القوة الاجتماعية للتغيير لتحرير نفسها من لعنة وعبودية المال. وويواصل عبد الخالق قائلاً:
"إن الجماهير التي يثير فيها شعار الدستور الإسلامي ما ذهبت إليه من صور إنسانية مدعوة للبحث والتفكير عن ردود شافية لأسئلة تطرح نفسها وتلح بإصرار: هل يمكن تحقيق تلك الصور والمعاني بواسطة سلطة أصحاب المال والمترفين الذين يعملون عن طريق مسودة دستورهم لعام 1968 لدفع البلاد بخطوات سريعة علي طريق الرأسمالية."
من المؤسف إن نظرات عبد الخالق حول غربة الماركسية والدين لم تجد من الخلف الشيوعي لا تجريحاً ولا تطويراً. فلم يتسن للحزب أن يتخطى أطروحة "استغلال الدين" في العمل السياسي" الي الرحاب التي افترعها عبد الخالق. فلم يكن بوسع الشيوعيين انتهاج فقه ماركسي غير فقه "التهويس الديني للسياسة" بالنظر إلي الشروط السياسية والفكرية التي اكتنفتهم لعقود أربعة (؟) منذ آخر الستينات. فقد توالت علي الخلف الشيوعي واليساري عامة النكسات بعد محنة حل الحزب الشيوعي في 1965. وكان الدين ،بصورة أو أخرى،من الملهمات الرئيسية للذين أوقعوا بالشيوعيين الأذى. وصح هذا التقدير أو لم يصح، فالذي استقر في خاطر الشيوعيين هو أن خصومهم كادوا لهم بالدين وما زالوا يكيدون. والمعروف أن الدين قد اصبح أيدلوجيا الرئيس نميري البديلة لليسارية الثورية بعد فراقه الدامي مع الشيوعيين بعد انقلاب 19 يوليو 1971 . وقد تدرج نميري بالشعار الديني حتى أقام دولته الإسلامية في 1983. ثم جاء انقلاب 1989 الإسلامي الذي شتت شمل اليساريين في أطراف الأرض والغرب المسيحي بالذات. وليس من المستغرب إذاً أن ينشغل الشيوعيون بمحض غريزة الدفاع (عن النفس؟) بأطروحة استغلال الدين وتنويعاتها مثل إرث الإسلام في مجافاة حقوق الإنسان واضطهاد المرأة وغيرها مما اتفق للغرب من صور نمطية عن الإسلام. وهي صور يعاد إنتاجها وترويجها في ملابسات عالم ما بعد الحرب الباردة الذي جري تصنيف الإسلام فيه ك "خطر" دولي بواسطة دهاقنة الفكر الأمريكي. وهكذا تناصر واقع محلي سوداني وواقع عالمي لكي يبعدا الشيوعيين عن افتراع معني للإسلام في السياسة غير معني استغلاله في هذه السياسة.
ولم يتسن للشيوعيين وهم بهذا الانشغال ب "تهويس" الدين أن ينموا فكرة عبد الخالق عن يوتوبيا الإسلام التي تعبئ المسلمين حول المثال الباكر لمجتمع النبي (ص) والصحابة الذي اتسم ببساطة الحكم وكرامة الرعية. وقد رأينا كيف حاكم المسلمون حكومتي نميري والإنقاذ الإسلاميتين بقواعد هذه اليوتوبيا الناقدة النافذة حين اشتطتا في البوليسية أو الفساد أو المحسوبية. وقد اخرج هذا النقد النميري من طوره فقال ببجاحة وكفرانية أنه يعلم أن للبيوت في الإسلام حرمة غير أن إسلامه هو إسلام "النط" في البيوت وتفتيشها. وقال الدكتور الترابي أن هذه اليوتوبيا قد قعدت بالحركات الإسلامية دون استحداث برنامج متدرج عملي تأخذ به مجتمعاتها من واقعها إلي مثال الإسلام. فهذه الحركات، في نظر الترابي، تعلقت بمثل تشخص نحوها بالأماني. فحالة الكمال الإسلامي لن تقاربها الدولة الإسلامية وقد لا تبلغها. فهذه الدولة لن تنشأ تامة وهي تولد من واقع إسلامي منحط، بل ستبدأ من بعض الطريق ثم تتقدم نحو مثل الإسلام. وأضاف الترابي أن الحركات الإسلامية المعاصرة اعتزلت المجتمع وتجافت عنه لإخفاقها في تحقيق المثال الإسلامي. وانطوت علي هذه اليوتوبيا تنتظر حدوث معجزة تحقيق أمانيها. وهكذا يري هذا الناشط الإسلامي الكبير كيف أن اليوتوبيا الإسلامية قد تصبح قيداً علي(؟) الحركة الإسلامية المعاصرة وسبباً للنكوص والخيبة (.
وكان بوسع الخلف الشيوعي أيضاً أن يصوب بعض خاطرات عبد الخالق. فكلمة عبد الخالق في أن الدعوة للدستور الإسلامي لم تنشأ عن تنوير إسلامي سوداني هي عين الصواب إذا انصرف بها إلي الأحزاب التقليدية الطائفية. ولكننا، وبآخرة، قد نميل إلي تخطئتها إذا عنت الحركة الإسلامية الحديثة الناشئة آنذاك والتي تحالفت مع تلك القوي الطائفية علي المستوي السياسي وآذت الحزب الشيوعي. غير أن تحالفها السياسي لم يمنعها من احتضان جذوة ما تروم التجديد الديني والتحديثي وبخاصة تحت قيادة الدكتور حسن الترابي منذ نصره علي خصومه التربويين في الحركة في عام 1969. والمعلوم إن الشيوعيين لم يحتاطوا فكرياً لدرس هذه الحركة التي عدوها اجتماعياً فريقاً من أتقياء الريف "الكيزان" وعدوها سياسياً امتداداً فاشستياً للحركة المصرية التي اشتهر إرهابها بين شيوعي السودان نقلاً عن خبرة لهم بها في مصر (9) وفي مقاومتها للناصرية التي عقد الشيوعيون معها أحلافاً متأرجحة. ولم يقرأ الشيوعيون الحركة الإسلامية في نصها وتجلياتها السودانية وبخاصة خلال صراعها المرموق للاستقلال عن قبضة "الشيخ" المصري المتمثل في التنظيم العالمي لحركة الأخوان المسلمين الذي أراد للتنظيم السوداني أن يكون فرعاً تابعاً. وقد شددت حركة الترابي طوال هذا الصراع علي أصولها في الديمقراطية السودانية في طيات الحركة الطلابية والشعبية (10). وقد استحسنت دائماً خاطرة للأستاذ محمد إبراهيم نقد، السكرتير العام للحزب الشيوعي، قال فيها أننا حاكمنا الأخوان المسلمين في السودان بما نعرفه عن الإخوان المسلمين المصريين. وهذه خطة عاجزة.
مصادر وهوامش البحث:
حسن مكي محمد احمد، حركة الإخوان المسلمين في السودان، 11944-1969، الخرطوم 1982، صفحة 83.
نشر بعض هذه الكتابات في جريدة "أخبار الأسبوع" في أعداد صدرت في 12-3-1969 و10-4-1969. والأفكار الواردة بعد هذه الإشارة ماخوذة من هذين المقالين ما لم أشر بغير ذلك.
نشر الكلمة الولي في "الميدان" بتاريخ 12-10-1957 والأخرى في نوفمبر من نفس السنة وفات علي حصر اليوم مع كثير الأسف.
راجع الحزب الشيوعي هذه الفكرة المركزية ونفض يده عنها في وثيقة "قضايا ما بعد المؤتمر الرابع" التي صدرت في 1968. غير أن الفكرة ظلت تراوح في مكانها ولم تتسرب إلي الوعي الجمعي للحركة.
في الوثيقة المسماة "الماركسية وقضايا الثورة السودانية" وصدرت منها طبعتان، أول إنشائها في 1967 وجاءت الأخرى في 1986. وقد نسبت الوثيقة الدعوة للدستور الإسلامي بواسطة "القوى الرجعية" إلي الإفلاس السياسي تاركة الحياة السياسية العلمانية ناشرة جواً من "الدجل الديني مس كل أوجه الحياة في البلاد، ويهدف في النهاية إلي قيام سلطة باسم الدين." غير أن الوثيقة نبهت بعدم كفاية الدفاع عن الحياة السياسية العلمانية وشعار فصل الدين عن السياسة كموقف وحيد للحزب وطالبت (؟) الحزب بتنمية خطة فكرية تربط بين قضية الدين الإسلامي وعلاقته بحركة التقدم الاجتماعي. أنظر الصفحات 168-170 من الطبعة الثانية.
الوثيقة هي نص التقرير المقدم من المكتب السياسي إلي البلجنة المركزية للحزب في دورة إستثنائية في منتصف يونيو 1968 . وكل الفكار الواردة بعد منها إلا حين نستثنى.
وردت هذه الخاطرة الثانية في مقاله بأخبار الأسبوع بتاريخ 17-4-1969.
وجدت معني الترابي في مسودة له عنوانها "نظرات في الفقه الإسلامي". وفي المقال الموسوم "في أصول الفقه الإسلامي السياسي."
أنظر كتاب للأستاذ الرشيد نائل في هذا المعني صدر في آخر الستينات.
أنظر كلمة لي عن لاهوت الدكتور حسن الترابي نشرتها في مجلة "أفريقيا اليوم" في آخر عام 1999 (تصدر عن دار جامعة إنديانا للنشر وتجدها معربة في كتابي "الشريعة والحداثة" ؟)
| |
|
|
|
|
|
|
|