|
مرثية للاخ الخاتم عدلان بقلم زميله د. آدم بقادي
|
رثائية .. هذه كلمات للحزن والفرح والخاتم والوطن
كان الخاتم بسيطا كالحقيقة، كان مدركا كالعارف، كان عطوفا ورقيقا كمن عرف معاناة الانسان .. هل نفرح لأنه عاش بيننا، ؟ أم نحزن لأننا فقدناه فى هذا المنعطف الخطير من تاريخ الوطن .. لو كان فى وطنى حزمة من أمثال الخاتم لكان الوطن فى مصاف الدول الكبرى .. كان متجردا، وكان مدركا وكان شجاعا، عاش ومات فقيرا الا من دريهمات عمل لها ساعات الليل والنهار .. لكنه مات غنيا بمحبة من عرفوه قبل أصدقائه وأهله .. من الصغار قبل الكبار، فقد كان رحبا كالوطن، وكريما كالعطاء ...
هل نحزن لفقد الخاتم، أم نفرح لاقامته بيننا فى القلب والخاطر والذاكرة .. وفى الوطن الذى يحاول النهوض من جراحاته، وفى الكلمات والمواقف التى سجلّها بمعاناته لأجيال قادمة تتطلّع للحقيقة والمعرفة ..
عندما نتحدث عن الراحل المقيم فنحن نصف الخاتم، فقد كانت حياته رمزا ومثلآ ومعنى، ولعل أروع ما قدمه كانت حياته السهلة الممتنعة .. ما كان يتحاشى الحقيقة حتى لو كانت عليه، كان منصفا وكان جسورا، وما كان يكابر أو يجادل ليسجل نصرا على حساب الحقيقة كما يفعل الكثيرون من ساستنا و‘مثقفينا‘، ممن أدمنوا مغالطة الواقع وتزويره ... ولعلها لم تكن مصادفة أن وجدت حركة حق نفسها مهاجمة من الحكومة والمعارضة معا .. لأن من يتوخى الحقيقة سيقف وحيدا، يعيش ويموت وحيدا – لأن عشق الحقيقة والتواؤم مع الذات لايتمشى مع النفاق، مجافاة الواقع والمتاجرة بالدين .
كان الخاتم رفيق درب منذ أيام جامعة الخرطوم فى الستينات والسبعينات من القرن الماضى، وما أجمل الرفقة والرفاقية .. كان ماركسيا لا يشق له غبار، وكانت مساهماته حول تطبيق الماركسية على الواقع السودانى متفردة مما اثرى الواقع والنظرية.
كان الخاتم منذ تلك الأيام البعيدة، القريبة أيام التكوين فى جامعة الخرطوم والجبهة الديمقراطية، عميق وبعيد الرؤيا، كان يختلف ولا يخالف أو يعادى. وقد أدت ثقافته المتقدمة الى العمل على تكوين حركة القوى الجديدة الديمقراطية (حق) التى صارت ملاذا لكثير من الحادبين والمهتمين بشئون الوطن، الديمقراطية وحقوق الانسان. والتى نتوقع لها مساهمة كبيرة فى اثراء العمل السياسى وترشيده فى مقبل الايام.
كان الخاتم وحتى آخر أنفاسه يعمل على تغيير نفسه وتطويرها باستمرار، متوائما مع ذاته، صوفى النزعة (وليس متصوفا) .... لقد ترك لنا ارثا لو تبصرناه، سيكون لنا زادا لسنوات طويلة قادمة ورؤى ستضىء مقبلات الأيام فى مسيرة الوطن صوب الديمقراطية.
دعونا أيها الأحبة نحتفى ونحتفل بحياة الخاتم، ففيها الكثير الذى يستحق الاحتفاء والاحتفال، وفيها عطاء بلا ضفاف من اجل سودان جديد....
أما الحزن فهو توأم الفرح الذى لا يستقيم بدونه .. وحزنى الشخصى أنى لا أستطيع أن أرفع سماعة الهاتف ‘لأتونس‘ مع الخاتم .. ألا ما أقسى الزمن والحياة والاشياء ... وقلبى، كل قلبى مع تيسير، حسام وأحمد وكل من أحب الخاتم وأدركه .. وعزائى للوطن الذى فقد أندر وأعزّ ابنائه المخلصين....
آدم بقادى
24 أبريل 2005
الساعة الثالثة صباحا
مانشستر بريطانيا
|
|
|
|
|
|