|
كيف نكون أوفياء حقا لفقيدنا الراحل الخاتم عدلان ؟
|
ذات مساء شديد السواد , قابلت الفقيد الخاتم عدلان للمرة الاولي وجها لوجه .. كان ذلك في يوم من سنوات الانقاذ الاولي حالكة السواد .. كان وقتها يمارس نشاطه السياسي و الحزبي متخفيا عن أعين جندرمة الامن .. كان في ثوب ابيض ناصع البيان وعمامة و ضعها علي راسه بعناية .. و لحية أطلق لها العنان .. كان علي أن استضيفه بمنزلي لبضعة أيام ريثما يتدبر امره لمكان آخر ... سعدت بهذه الاستضافة ايما سعادة وهمست لنفسي : ستكون أياما دسمة و تمنيت أن تكون أطول مايمكن .. عندما كنا تلامذة في المدرسة الاهلية الثانوية بأمدرمان في منتصف السبيعينات , كنا نسمع من طلاب الجبهة الديمقراطية كثيرا عن الخاتم عدلان و كنا نتابع أركان النقاش في كلية التربية المحاورة لمدرستنا العتيقة و كثيرا ما يردد الطلاب المتناقشون اسمه و احسب انه و قتها كان مستضافا في سجون سلطة نميري .. و عندما دخلنا جامعة الخرطوم و تقتحنا علي العمل السياسي المنظم في الجبهة الديمقراطية تعرفنا علي تأريخها و علي قادتها وسمعنا كثيرا عن سيرهم .. سمعنا عن الخاتم عدلان و عن صدقي كبلو و عن انصاف عووضة و كنا نمتلئ زهوا و فخرا عندما نسمع تلك الحكاوي عن ذلك الجيل من قادة الحركة الطلابية الديمقراطية ... و كنت قد قرأت قبل يوم واحد من رحيل الخاتم عدلان في هذا المنبر مقالا للاخ منان تحدث فيه عن كيف انه اذا تحدث فقيدنا الراحل في ندوة ترتعد أوصال الظلاميين و كيف أن خطبه كانت تزود الطلاب الوطنيين و تلهمهم الثقة و الوجهة .. تذكرت هذا الحديث و تيقنت منه تماما حينما اعود بالذكريات الي جامعة الخرطوم في أواخر السبعينات ووقتها كان الخاتم عدلان قد تخرج منذ زمن ليس بالقليل و رغما عن ذلك لم يسكت لسان طلاب الاتجاه الاسلامي عن ذكر سيرته .. قلت لابد أنه كان يمثل بعبعا مخيفا لهم .. غير ذلك اليوم شديد السواد الذي قابلته فيه للمرة الاولي , استمعت اليه لاول مرة متحدثا في الندوة الشهيرة التي أقامها الحزب الشيوعي يوم 2 مايو 1985 و لعمري فقد أسرتني أولا عبارته التي افتتح بها خطابه : "المجد للشعب الذي جعل ذلك ممكنا" .. وكما يقولون " فالجواب يبين من عنوانه " و تعرفنا علي الهواء مباشرة علي أي طراز من القادة هو الخاتم عدلان و الذي توجه في ذلك اليوم بخطابه الي جمهور المثقفين شاحذا فيهم همة البحث و المعرفة ... و قد كانت ليلة بيضاء حقا اضاءت الكثير من اماكن العتمة برغم غلبة اللون الاحمر علي أبراج اضاءة الميدان الشرقي .. يومها خاطب الخاتم عدلان عقول الناس و نطق فكرا و رصف لنفسه بذلك طريقا تميز به عن الاخرين .. الفكر .. الفكر سلاح المناضل. بعد تلك الليلة بنحو 5 او 6 سنوات , شاءت الظروف أن اتشرف باستضافته بمنزلي علي النحو الذي ذكرته في صدر هذا المقال وكانت تلكم هي المرة الاولي أن ألتقي به شخصيا .. كثيرون يعرفون الخاتم عدلان من خلال ندواته و كتاباته و لكن أن تتعرف عليه لحما و دما و ملحا و ملاح وونسة شيئ اخر .. كانت الظروف السياسية في تلك الايام يسودها الظلام الشامل و بيوت الاشباح في أوج حبروتها وحفلات التعذيب البشري و الاغتيال الاسن في مجدها .و الملاحقةوحملات التفتيش لاتهدأ .. انطباعي الاول أنه شخص هادئ الطبع , يميل الي السكون و الهدوء .. تحدثنا يومها كثيرا وفي مواضيع شتي .. تحدثنا عن ثورة التكنولوجيا و عن عصر الكمبيوتر .. تحدثنا عن تحالف الديمقراطيين و الشيوعيين و عن المستقبل السياسي لطلاب الجبهة الديمقراطية من غير الشيوعيين بعد تخرجهم .. و كان يسال اسئلة تقود الي مزيد من الاسئلة تحث علي البحث و التقصي !! و لمست فيه الروح الحميمة و الندية في النقاش .اذ لا تحس أنك تتحدث الي شخص اكبر منك عمرا و تجربة و معرفة .. كان متواضعا للغاية .. تحس في لحظات الونسةمعه أنه يتعلم منك وكنت أستعجب لذلك و أنا من ؟؟ " حتة مهندس " كما قال مرتضي احمد ابراهيم لجعفر نميري .. مجرد قزم أمام عملاق !!! كان مستمعا من الطراز الاول بصورة تحتار معها , يعطيك الثقة في نفسك وفي قدراتك العقلية و يشجعك دون أن تشعر علي البحث و هذه صفة نادرة في هذا الزمان المعوج .. تلك الايام كان فقيدنا الراحل منكبا علي القراءة و الكتابة و عرفت لاحقا أنه لم يكن هنالك شيئ خاص يستوجب كل ذلك المجهود من القراءة و الكتابة و لكنها فقط احدي نشاطاته اليومية.... كنت استغرب من ذلك الشخص الذي يقضي الساعات الطوال يقرأ و يكتب دونما كلل و لا ملل وهذه خصلة أخري ميزته أيضا : الصبر ! و لماذا لايصبر وهو صاحب قضية بذل لها كل حياته منذ منتصف الستينات .. انه الالتزام و الاخلاص للهدف و تحمل الصعاب و المشاق .. حدثنا الخاتم, أنا و زوجي ابتسام,في تلك الايام كثيرا عن تيسير مصطفي و عن ابنه حسام ووقتها لم يكن أحمد مولودا ..واشواقه لهما اذ كانا في لندن .. مهما كتبنا فلن تعبر الكلمات عمايجيش في النفس من حزن دفين ومن جرح عميق خلفه هذا النبأ الفاجع وكأن أحدا قد شق الراس بفأس كبيرة .. يا لها من فجيعة و يالها من ايام لاندري متي يزول بؤسها و ضيقها .. حينما يمسك بتلابيبك هذا الحزن العميق تحس انك مخنوق و مكتوم عنك الهواء .. عزائي لنفسي و للصابرة المكلومة تيسير و الابناء حسام و أحمد و لرفاق الخاتم في حزبه السابق و لزملائه في " حق" و لكل مواطن سوداني حلم بخبز و حرية وسلام ..
و سنظل أوفياء للقيم التي رفع فقيدنا من شانها : قيم الحرية و الديمقراطية و العدالة الاجتماعية .. و علي ذات الدرب انا سائرون تمجيدا للانسان و عقله و احتراما لحقه في الحياة .. وان غاب عنا الخاتم عدلان بجسده , ففكره باق يتزود منه الوطنيون و الديمقراطيون في معركتهم النبيلة من أحل انسان السودان .. وفاؤنا الحقيقي لفقيدنا الراحل , تكون باعلاء قيم الديمقراطية و احترام العقل و التواضع واحترام الاخر و تأسيس معان الحوار .. و فاؤنا له تكون يتثمين شأن البحث و النقد و المراجعة المستمرة للافكار علي ضوء الواقع و الجرأة في التعبير عن الافكار و الاخلاص لقضية الانتماء لانسان السودان .. فهلا كنا أوفياء له ؟؟؟
خالد محمد الطيب الدمام 25/4/2005
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: كيف نكون أوفياء حقا لفقيدنا الراحل الخاتم عدلان ؟ (Re: Khalid Eltayeb)
|
الأخ العزيز خالد الطيب تحياتي أولاً لك ولشعبناخالص التعازي في فقيد البلاد المفكر والمناضل الخاتم عدلان فتنا نحن طلاب الجبهة الديمقراطية في منتصف التسعينات وفي وقت كان مجرد التفكير منزوعاً بشخصية الخاتم عدلان ذلك من خلال أفكاره النيرة التي طرحها أنذاك والتي أصبحت في مثل هذا اليوم من أبجديات المراجعة الفكرية داخل حزبنا الخاتم عدلان لم نتعرف عليه كما عرفته وكما حدثتني عنه وعن شخصيته في كثير من الامسيات . الخاتم الذي يمثل أحدي قلادات العمل السياسي والفكري في بلادنا ؟. ذاد أحترامي من خلال وجودي في هذا المنبر من خلال ما كان يقدمه من أطروحات موضوعيه في سبيل السودان الذي قضي عمره وهو يحلم في أكتمال بنياته . لكم سنفتقد لأسهاماته ولكم كنا حريصين علي قراءته في حديث الثلاثاء . هؤلاء الملايين الذين فجعوا في رحيله هم الرصيد الحقيقي لما كان يمثله الفقيد الراحل الاستاز الخاتم عدلان . لشعبنا ولجميع أصدقائه العزاء . وأمنياتي أن تواصل في سرد المزيد من تفاصيل الراحل . لك الود والتقدير . خضر حسين
| |
|
|
|
|
|
|
Re: كيف نكون أوفياء حقا لفقيدنا الراحل الخاتم عدلان ؟ (Re: خضر حسين خليل)
|
تموت الأسد في الغابات جوعا ولحم الضان تأكله الكلاب القلب يحزن والعين تدمع ولانقول الا ما يرضي الرب اللهم لانسألك رد القضاء ولكن نسألك اللطف فيه اللهم أرحم وأغفر للخاتم وأسكنه دارا خيرا من دارناووسع مرقده وأجعل قبره روضة من رياض الجنة واطرح البركة في ذريته واسبغ على الجميع الصبر وانا لله وانا اليه راجعون
| |
|
|
|
|
|
|
|