دعواتكم لزميلنا المفكر د.الباقر العفيف بالشفاء العاجل
|
Re: تسجيل صوتى كامل ليوم الخاتم عدلان بواشنطن وصدور كتابه القالوا بكرى سرق قروشه-توجد صور (Re: بكرى ابوبكر)
|
الأخ بكري
خبر سار جداً.
ومثل هذه الأعمال والانجازات تـُـخرس الحاقدين على مسيرة هذه الموقع الذي يفضح ممارساتهم اللاإنسانية بحق الوطن. ولـن يـدخروا جهداً وحيلة في النيل من هذا الموقع بإدعاءات سخيفة مثل موضوع الكتاب ومسرحية كاشـأ إلخ.
كنت أتمنى أنْ يأتي مثل هذا البوست من الأصدقاء في (حق)، وهذا بمثابة صوت لوم وعتاب شديد للحركة. آمل أنْ تتداركـه بالسرعة المطلوبة نسبةً للظروف التي أحاطت مراحل إصدار الكتاب ليس من أجل إزجـاء صوت شكر لبكري أبو بكر على مبادرته بإصدار كتاب للراحل الخاتم فحسب، ولكن أيضاً للتأكيداً على دور هذا الموقع في نشر الاستنارة التي عاش من أجلها الراحل الخاتم، والكلمة الحرة في ظروف كانت الكلمة مخنوقـة في داخل الوطن.
تحياتي للجميع.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: تسجيل صوتى كامل ليوم الخاتم عدلان بواشنطن وصدور كتابه القالوا بكرى سرق قروشه-توجد صور (Re: بكرى ابوبكر)
|
في حضره العشاق الكبار للوطن أرضاً ... إنسان ....خطاب حسن أحمد
تعود الروح للخالق
ترجع للرب
وللشعب ترجع انت
ترجع ليهو
كما كنت..
داخل فيهو إذا..
جيت..
مارق بيهو إذا..
فُت...
داخل فيهو إذا..
جيت..
مارق بيهو إذا..
فُت...
....
"..في خلوة الروح ,سيسر الاطفال حتماً,سيضئ وجوههم الإبتسام ,ويتملكهم طرب حقيقي, وهم يطالعون في تمهل, سيره الابطال..وهي تتبدي.. من علي لوح الوطن..".
....
..مبكر كالعاده أستيقظ هذا الصباح,اٌعرضني للمياه الدافئه,أرتدي خارطتي،
وأخرج الي حيث العربه...
..أدر محركها بقصد التسخين
... يشتعل من لسعه واحده: المُحرك
...وكذا النص,
منذ تلك اللحظه ..
السجائر..هاهي..تستقر علي فمي واحده
عود ثقاب..ولاعه..تُقابه
اي شئ..
هاهو مارقاً من انفاسي ,يشعل النص اللفافه..
.. منذ تلك اللحظه
.....
القمر!!
كيف اتفق انك لم تزل هنا,
ودالقاً... ايضاً... كانك في اوج الليل
انهاراً من الفضه..
انه الصباح يا قمر..
...
اوجه نفساً عميقاً نحو استدارته المهيبه..
تمتصه المسافه الخرافيه بيننا..
يبتسم في سخريه اعرفها..
.. نار النص تضطرم بالداخل
وعلي الفم لفافه ..!!
... وماذا يعنيك انت؟
...
سخريته تنتقل للنجوم..وماذا بك انت الاخري
.. نارٌ في الداخل لا تطفئها لفافه..
..نارٌ..في..لا..تط..
..لفا..في..آفه..
...مالك وناري ..ايتها التيجان,
ومن قال انني أصلاً..اريد لها الانطفاء..
ذوبي في البعيد ..كفي عبثاً..ايتها التيجان..
فالصباح اطل..
......
تتوامض اضواءها في براءه عابثه
ساحبه خيوط النعاس
من حناجر العصافير-امراء النهار-
غريب امر هذا الصباح
ساخرةٌ السنتها ايضاً
النارالتي في داخلي تضطرم..
كيف لم انتبه ؟ كل هذا الوقت!!
انكم لا تلتقيان, او علي حافه الوداع دائماً يكون ال...
- تيجاناً لليل كُنتم ... أو امراء للنهار..
فعلي حافته دائما ...يكون اللقاء..
الا لمن جسُر
علي فك طلسم الناموس..
في حالتك ايتها التيجان, ونزل إلي الدرب..
......
- من اتي ...من
- لقد مر من هنا..
- عبر من هناك..
سيقول صائد السمك انني حييته1
في طريقي للغرق
وآخرون قالوا
انني سبحت بكامل الثياب
والحق ان النهر لم يكن هناك
والناس بالناس..والناس كالناس...والناس في الناس
و النهر لم يكن هناك
..قد..
او قل انه لاقاك..قد،
يكون!
فمن اتي..متى.!
وكيف ذهب.!
لقد مر من هنا
عبر من هناك
قد تراه من بعيد..قد في الطريق..وقد
ذات سجنٍ
او في اجتماع او ندوه
قد يكون قد حدث او لم يحدث قط
لكنك تعرفه
تاج اتى
و
تاج ذهب
هو ذاك الذي..كان ان نزل..الي الدرب
و مر من هنا
له اقدامٍ و ايادي و يفكر...و ينام
كما من حقه ان يذهب
فيفعل
فلا تعد تراه
يعود الي من حيث جاء
الي تلك المملكه الليليه
غامضه الارجاء
ف....
سلامٌ عليك..
ايها الخاتم عدلان
سلامٌ عليك يا ايها ...الخاتم الهادى احمد رجب
وانت تغادر
سلامٌ عليك يوم جئت
عقب الفيضان الكبير
وقبل استقلال البلاد
و سلامٌ علي الثوره المُغلفة في تابوت
في نُبل رحلتها
لتحقن الارض ...
سلام
سلامٌ علي الروح..العناد..البلاد...الأبي
سلامٌ.... سلام
قال وليم2...
:وقد كان وليم هذا يعمل اساساً خارج المِرسحِ حذاءً للخيول.كان يستلم منهم ألجمتها 3،الخيول حتى إذا خرجوا عقب كل عرض...السادة الرواد،وجدوها في حوذته..فأعاد اليهم الألجمه...ثم كان ان دلّف وليم هذا إلي الداخل.. دلّف إلي المسرح و ترك الخيول...لم يعد يستلم و يعيد الالجمه. فلم تعد تراه الخيول .. دلّف الي الداخل ولم يعد حتي الآن..
فلماذا تركت الحصان4 يا خاتم؟
لماذا وحيده..تركت الخيول؟
- قال وليم شكسبير علي لسان هاملت
5محمد عبد الرحيم قُرني - قال هاملت علي لسان
..الدنمارك..
وكانت الكاميرا الاولي علي الوجه..
- وكان هاملت يدخن، وكان آخر نَفَسْ،
- و كانت الكاميرا الثانيه تتابع رحلة عقب السيجاره الملقاة علي الارض
اكمل هاملت الجمله و قدمه تدخل الكادرلتدوس علي العقب.
..سجِن..
لتكتمل الجمله..
الدنمارك سجن..
وقفت علي حيلها السجون ذلك المساء ،
فهل كنت هناك..؟
...
يا الله
سبع ايام لي في سبع ليالي6
يحتدم ضرام النص
اعود للمنزل..اخلي حقيبتي من عُده بوابه اللون...و اشحذها بما احتاج... لمواجهتك يا ايها النص..اشتعل فيني كيف شاء لك الإشتعال...
أضرمني فوضاك و اضرمك لوعتي ... قناعاتي...جنون
بيننا هذا اللهب
هذي الشوارع
عجله القياده
درجات السرعه
شارات الوقوف
الإنطلاق
فأنا الآن في طريقي إليك.
.......
ها... انا... ذا..أفتح...باب العربه
"لك الحمدُ يا..
مستوجب الحمد دائماً
علي كل حالٍ
حمدَ
فانٍ
لدائمِ..."
... شكراً لك ياتاج المغُنين
يا منشدنا حين نحتاجك
فلك الحب كله يا
7عبد العزيز محمد داؤود
إنه بسم الله عليك توكلنا
ببركتك نركب الدروب
....
فالتشتعل ايها النص
كيف شاء لك الاشتعال
- نار تاكل نار -
-حريق لاقي حريق-
........................................................ ً
"..في خلوةِ الروحِ ,سيَسرُ الاطفال حتماً ,سيضئ وجوههم الإبتسام ,ويتملكهم طربٌ حقيقي, وهم يطالعون في تمهلٍ, سيرهَ الابطال..وهي تتبدي.. من علي لوحِ الوطن..".
...
زاغ الصراع ذات جمعه قدت من وطن توب السبت..
عميري8 :-
شايف الحاصل ده .. :-
كارثه
عميري :-
و العمل :-
بتتحل
عميري :-
- تفتكر
:-
- يمشوا بس ، ما في طريقه غير انهم يمشوا
-:
زاغ الصراع ذات جمعه
الدوش:9
القال ليهم..انقوذونا منو ؟
:-
قدت من وطن توب السبت ..
الدوش:
وانقذونا من شنو؟
.............
وضع يده علي كتفي وقال بصوته ذاك الهادئ القوي عميق القرار
"تعرف يا خطاب .."
: الشعب السوداني ده..،
وكنا علي شارع من شوارعها جامعه الخرطوم..بين الكافتيريا والإنمائيه، احمِل و صديق
للعميريPoster ملزمتين من الورق الصقيل ذلك ال
ملفوفات علي ايديهم نسخ منه يحملونها بعنايه
داخلني احساسٌ مريع بأنهم يحملون شهادات تخرج من زمن أخضر
إلي زمن ردئ
..واصل استاذي علي المك10
شعب غريب جداً:.. حا يقعد يعاين للبتاعه دي لحدي ما براها ...طاخ ..زي الثمره المعطوبه ..تدق الدلجه"
وتفرقنا...
ذهب كل في إتجاه..
يا بشرى11 .. يحمل شهادة تخرجه تلك لرصد احوال الغد..
....
ينكربش الحلم
البعد
قرب يوافينا إبتعد
لو مدت إيد
كان إنجبد12
...
- آدم
ما تصحى يا خي
-: في شنو ؟
- الإذاعه
-: ماله الإذاعه؟
- الظاهر إنو في إنقلاب
-: ليه يعني
بس FILL UP-لانه موسيقي دكتور الفاتح الطاهر دي
-ليه بس إنقلاب..ما ممكن تكون حاصله أي حاجه تانيه ياخي؟
......
-قاموا بيهو فلان و فلان وفلان
- ياخي..!
-: شنو مالك؟
- جبهه
-: نعم..؟
- ديل الكيزان..
....
كُنا غلابه
و ليل و ربابه
متلمين فوق قوز و نغني
قلنا الصحرا
تشهِِِِِِل غابه
وحلم قريب ماهو تمني
تنسف فجأة الشوق دبابه
وفِينا غنانا
يصِنّ فد صني
.....
كلما كنا نغنيه علي
شارع النيل تغيب وإنطوي13
...
و توالي رحيل الرجالِ الشُهُب
إلي متى تجرحنا النيازِك بالرحيل
من منهم لم يمض بعد
أيها الساده
و إلي متي انتم جالسون علي ككر الفجيعهِ هذا؟
إلي متي.. تماماً
أعني ما اقول
لك الهديل يا خاتم
الهديل الجميل
الهديل الطويل
ذاك الممتد حتي شغاف الأرخبيل
لك الحفي من الندى
الندى من الظلال
تنفج الآن كالبتلات الزنازين
كُل أبواب السجون التي عبرت
داخلاً أو خارجاً
و قد قلت ما قلت
تنفتح الآن
لمزيدٍ من المساجين الجُدد
حتى آذان الفجر الموقوت
وتنفتح على الككر المنصوب على تلٍ من الجماجم
نيران الغضب
ذاك الساكن مُذ اول شهيد
ذلك الحريف الذي يعرف متى وكيف
ينفلت بحيث لا يقوي
علي إخمادها احد
"..قل هو الله احد،الله الصمد،لم يلد ولم يولد،ولم يكن له كفؤاً احد"
صدق الله العظيم
.....
إنه
أو...
14هُبلي ..
-:يا خاتم
- نعم
-: ما أخرجك عن بسطام
- طلب الحق
-: و ما جاء بك
- طلب الحق
-: أجب بوضوح
- حركه القوي الجديده الديمقراطيه ...حق
-: ومن يكن هؤلاء
- إنهم هناك ..يمكنك أن تنظر اليهم من حافه التابوت
.....
" ..يستدرجونك فأنتظرهم خارج الوقت و لا تلقي السلام على أحد"
هُبلي
لن ينكفئ على الماء بعد اليوم،القرع
ستضرب الأشجار على سطح النهر،
لن يضرب النحاس الآن
يؤجل العزف
حتى آذان الفجر
إنه..او..هُبلي
الذي تتنفس تحت صرامه خطاه الأرض
كما تفعل الأسماك تحت الماء
في صمت وأناة
كلها لحظات وتنبلج الإشاره
صافره الوقت
فداومِن على الصمت
..........
:-15
قمريه تقاطع الأميّه
خليهن يرتاحو شويه
ما الفجع الواقع غلاب
والدمع يريح.. يا أخيه
.......
-:كما كُنتن دائماً
خلف سور الاحزان هذا ..ظَلَلنَّ
............
:-إنفتق المرتق
بي صفحه
الزافره الجات
دافره قويه
ضُلعا ممنوعه
من الفرحه
من حقها تبكي
بحريه
....
-:خلف هذا السواد الذي يكللكُنَ
هذا الخيش الذي من خْلّلِِ
فتحاته فقط..تَرينَ الوجود
العالم...البلاد...العناد..
....
سافِر..16
لك ان تنام الآن17
سافِر
فالحب يسقي بذره الإمكان
سافِر
و الشجر الصديق
مطارات الوداع ضجت قدامك وراك بيضاء
لك ان تنام الآن
و سماك غناي
ما حيله العمر إن ما كفى18
فالحب يسقي بذره الإمكان
نفساً مطامنه و مرضيّه
و الشجر الصديق
لي ربها ترجع و المنفى
و الشجر الصديق
لى شعبها ما بنسى قضيّه
.........
ظللن في مواقعكن الآن على امتداد البلاد
فالخاتم الآن يحلق
كلها لحظات
و يدخل النسر..العُقاب/ المجال
كلها لحظات
......
لن يدق نحاس
لن يضرب على جلد الطبل الفخيم
لإعلان الموت
فالموت مُعلن
يؤجل الدق عليه
تُعّلق زراع الطبّال في كوه الشمس
و الجلد مُحمى أسارساً
في إنتظارالإشاره
في إنتظار حلول الوقت
كلها لحظات
فظللن كما أنتن
العيون التي في طرفها ..غضب
و الأيادي التي تتمنطق
الحسام..الرؤى..والعصى
كلها لحظات و تخرجن إلي الشوارع
نحو القصر..الوزارات..المكاتب..المطارات..
الأسواق...كل المحلات..الساحاتِ..في كلِ البلد
منذ لحظه التحليق
مروراً بالهبوط الجليل
إنتهاءً بدخول السيف الي الغمد
إلتحام جسد الثورة..بجسد الأرض
إنه..الأ..هُبلي الذي لن يتمكن من خرق صرامته أحد
إنه طقس الصرامه..الفخامه
للعشاق الكبار للوطن
أرضاً و إنسان
طقس الإحترام الأخير..الكبير
لرحله الجسد نحو اللحد
فتجمّلن بالصبرِ
و تزيّن بالجلد
إنتظرتُن مقدمه طويلاً
و كذا فعلت الأرض، الإنتظار
حتي في احلك الأحوال ترحاب
نعم هكذا الأحباب
إذا لم ألقاك فوق الثرى
فالنلتقي عِزّ التراب.
هو صك القضيه،
مهر الحريه..
شرف النضال،
هكذا الأحباب..
إذا لم ألقاك فوق الثرى..
فالنلتقي عِزّ التراب.
"...إن بناء حركه جديده، مثل حركتنا،تضلع بمهام تاريخيه مثل مواجهه سلطه فاشيه،وبناء وطن جديد ليست أمراً سهلاً و لا نزهه قصيره.إنها من نوع التحديات التاريخيه التي تستوجب حشد الطاقات الذهنيه والجسديه، وتفجير القوى الكامنه لدى كل أعضاءها وإستلهام الصفات و الخصائص االبطوليه،شجاعةً و صلابةًً و إستقامه،و بذلاً و إستعداداً للتضحيه بالنفس في سبيل الهدف،و محاربه للإرث السلبي لامحق المتمثل في البحث عن المغنم الشخصي و الدوران حول الذات، وإنتباها لومضات العبقريه الشعبيه، 19لتوظيفها...توظيفاً واعياً من أجل خدمه القضيّه النبيله."
.....
نه هنا الآن?
لقد اخترق المجال
إنه الخاتم
نسركم المحلق
عقابكم الجميل
هاهو يحلق الآن
و عيونه ترصد كل شي
أي ندب
علي جسم لحظه التحليق
فهو
أو ...هُبلي
هُبلي لحظه الخروج
هو الوقت
نعم
هكذا تماما ً يكون ال ..أ...هُبلي
نعم هكذا هو الخروج
ما أروعكن
و أنتن تنتظمن الشوارع
بطول و عرض البلاد
صاعدات علي الدرج الممنوعه
مخليات لمن فيها
ركضاً في خوف
هيبه ووحل
أحد
هذا هو..الأ...هُبلي ...الزمن..السحيق/الجديد...هذا هو خطابكم المفتوح بعد طول إنغلاق
فالخاتم يحلق الآن..في سماء الوطن.
لقد ساد الصمت
إنتظم الصمت
نعم هي لحظه النظر إلي أعلى
يمكنكن النظر الآن إلي أعلى
إنه على وشك ال...هبوط... الإنقضاض
على حفيره الذي طالما عطش
إنه هنا الآن موقناً تماماً
يكمل دوره التحليق
ويستعد للهبوط
هاهو الآن يتخذ شكل وضوحه الاخير
يكملُ دورته....النِسر
.........
من خلّل الخيشِ .. حُللِِ السواد..
في صمتٍ عالٍ تغنت نساء الأ..و..هُبلي
...
أجمل نعش
البيطير
تشوفو،
.. الأرض غمامه
وهو يشوفه
حفير
....
المستقربه فيهو سجونك
إنها ما قادره
تقبضك
وإنك حايم
بي برّه
ممدود الإيد و الفكره
للأصفاد المنتصره
على أعتاب الغد،
شموس بُكره
مسجون غير قابل للقبض
مسجون مسكون بالرفض
و الرفض مسكون بالقدره
على إحداث التغيير
و التغييروهج
و الفكره أصل الثوره
......
في لحظه صدق
جلسوا سجونك
يحكوا لى بعض
- كوبر
- شالا
20- و بورسودان
ورخى سجن ورا سجن أضانو
في البدء...
سجون السودان- مما قامت فيهو سجون تلوها
سجون الجيران
شويه شويه
إندمجت في الونسه سجون الكون
تسأل واحد لا أذكر مين:-
عن أول مره نفضت
توب الحريه في
... وجه الشمس؟
.. و دخلت
قال كوبر:-
مايو
واحد وسبعين
:- يعني قبال يوليو بشهرين؟
.. وبدت الرحله بين جوه و برّه
برّه و جوه
آخر مره لما إتنفس شعبك.. قلعك
من إصبع سجنك
لأصابع الناس المنتصره
ما دام العرس إلي ليالي
.........
عشرق موال
حلق الأمه
حلت زمه
محل النمه
ونزلت في الجوف سكين الغدر
تختار سجنك
براك ..ها ..المره
تدخل في الناس
تخش الأرض
تفتش عن عصب البركان
عرق المرو.. الأصلي
أصل النبع الجوفي
لحدي
ما تقزفك الأرض
.....
لي خارج الخارج
برّه البره
الجسم عليل..لكن أصلب
و الصبر جميل..لكن أصعب
تمرق يا خاتم
من أصبع سجن
لي أصابع الناس المنتصره
تمرق
لي صباع هجره
صباع برّه
و ما أدراك
ما برّه
.......
جالسين كُنا..في كنبه ..أمام مكتب الناظر
لا ليس تماماً...
جالسين كنا ..ك"لعيبه محترفين" علي.." كنبه الاحتياطي"
و كنا نتبادل الحوار
نُغِلب علي الكنبه شرائح الأفكار
تنتظر كنت
الإعتراف بتنظيمك عضواً .. كامل العضويه في هيئه قياده التجمع الوطني الديمقراطي،
و أنا فقط
أنتظرحُكم الإفراجِ عن إذاعه المعارضه
من حبسها في أربع ساعاتٍ لكل الإسبوع
لتتحول لأربعه عشر ساعه
من ساعتين لكل ثلاثه أيام و نصف،
لسبع ساعاتٍ
أذهب كنتَ و أجئ..إلي مكتب الناظر..
للتحدث مع كابتن الفريق،
و نعود للجلوس
كلما جاءوا للإجتماع
أزكرها تماما..تلك اللحظه
من تحتنا تمتد رقعه الوطن
لم نقل كلاماً يذُكر،في بلاغه أدارت العيون
الحوار....
الشمس أقرب كانت إلي اليافوخ، فاستطالت الظلال،خاصه
مع إنحدار الجبل
ذات جمله:-
إلتفت إليك،ل..أقول
هالني ما رأيت
أقوام الشعب...بكل عروقها
كانت تمور...علي زجاج نظارتيك...متماسكه السماكه
و عيونك تفحص يومهم بدقه
.... ذات اللفته
دلفت بين العدسه و العين، و قبعت هُناك،بكل الجلاء،أرقب ما يدور
.....
حين ألتفاتك نحوي
كنت ما زلت أراهم وأسمعك
بإبتسامه وامضه
أجبت على تلصصي
و عدت إلي ذات اللحظه..مسقط الإرتكاز،
فأعدتني إلي ذات الزاويه،موقعي
بين العدسه و العين
فمرقوا بكل جلاء من كل الأقاليم
و كان صوتك يخرج إليهم بكل الألسنه...اللغات..اللهجات
فَسَرت إبتسامك لصالحي
أنك أشهدتني،و نحن وقوفٌ هناك،علي ما يدور
.....
ذات لفته ثانيه..
...نسراً خرافيا ..لا عموديا تحلق،بل أفقياً يبرح قمه الجبل
الذي كنا على قمته نقف
ظلك ما زال هنا إلي جانبي،
كنت تحلق داخلاً فضاء الرقعه
تتطاير الأوراق و يغني الصفق
لصفقة جناحيك العظيمين
تحلق
آخذاً في الدخول
و ظِلك هنا ينكسر في إنحدار الجبل.!
لم تكن وفق قوانين الرؤيا تصغر
كلما إبتعدت كنت تكبر
كُلما إبتعدت هتفت
: يا خاتم
ظِلُك هنا
كيف طِرت
ظِلُك ما زال هنا جوار ظلي
أذاهب أنت لإحتضانهم جميعاً
أم ذاهب أنت لتنقض..؟
....
ذات جملة منك..التفت إليك
راجع كُلٌ منا،ما قاله للآخر
نازلين درج ذلك الحجر21
كأننا كنا نراجعُ
تفاصيل درس عتيق..
لفته أخيره..
كانت كتلك الجمله التي يود قولها كلٍ للآخر،
بعدها عدنا إلي الصمت،
...لم يكن غريباً نفاذ الوطن،من أجسامنا،
أثناء هذا التمرين الصباحي،
إلي صدر القميص.
.......
أجمل نعش البيطير
تشوفو الأرض غمامه
وهو يشوفه حفير
- هذا هو الختام -
أنا في رحله العوده منك..أيها النص
وها أنت يا خاتم تكمل دورتك الأولى
بالتحليق في فضاء الوطن
و بالدخول إلي رحم الأرض
إيذاناً بميلادٍ جديد
أعلم ماذا تفعل حين تدخل إلي الأرض
تفتش عن عصب البركان
عروق المرو
عيون النبع
ستتبدى الآن أوضح
ستجئ كما جئت قبلاً
أكثر وضوحاً
تتباهى بتحليلك أصابع الناس المنتصره
تقف هنا العربه
كما وقف النص
لكن برغم..وأنا أسحب المفتاح
ما زلت أسمع أبواق الوازا..
الضربات على القرع القديم المكفي على الماء
مثلما أرى الأشجار وهي تضرب على سطح النهر
الدفوف المخنوقه في الكهوف النائيه
كما النحاس
مع أن يد الطبّال ما زالت معلقه في كوه الشمس
و الطبل أحمى ما يكون
في إنتظار صافره الوقت
و أراك بذات الوضوح الذي تراك به النساء
محلقاً في المنتصف تماماً على وشك الهبوط
إنه.. أل ..أو....هُبلي
طقس الحفاوه و الجلد
و أنا أبتعد من العربه
حاملاً أوراقه،النص
داهمني إحساس غريب
..يالك...يا صديقي
إنه في يدي
كيف هو...مازال هناك على مقعدِ القياده
متأكد أنا أنني أمنتها العربه
فما هذا الضوء
عُدت..تأكدت من تأمينها..و ذهبت
إلتفت وأنا بالباب
كانت العربه قد عاودت إلتماعها
أدركت الآن أنني مازلت
في حضره العشاق الكبار للوطن
أرضاً...إنسان
و في الخدمه سأظل
خطاب حسن أحمد
1 من قصيده للشاعر عاطف خيري
2الكاتب المسرحي البرطاني
3 المرسح هي ترجمه عربيه اولي لكلمه المسرح عن اللغه اللاتيني
4 ممثل و مخرج سوداني و استاذ للدراما
5مدخل لقصيده واحد و ستون ثانيه للمناضل عبد العزيز النور خلف من تاليف كاتب النص
6 من قصيده مصابيح السماء الثامنة و طشيش للشاعر محمد الحسن سالم "حميد"
7 مغني و منشد سوداني
8 شاعر ،مغني،ممثل و مخطط برامج
9 شاعر و استاذ للمسرح
10 كاتب و استاذ للاداب ومترجم
11 كاتب قصصي و استاذ للادب الروسي
12 من قصيده مصابيح السماءالثامنة و طشيش للشاعر محمد الحسن سالم "حميد"
13من قصيده غناء العزله ضد العزله للشاعر الصادق الرضي
14هو طقس قديم لقبايل البجه..يمارس عند موت عظيم
15 من قصيده مصابيح السماء الثامنة و طشيش للشاعر محمد الحسن سالم "حميد"
16من قصيده للشاعر قاسم ابو زيد
17قصيده للشاعريحي فضل الله
18 من قصيده مصابيح السماءالثامنةو طشيش للشاعر محمد الحسن سالم "حميد"
19 من الوثيقه التاسيسيه لحركه القوي الجديده الديمقراطية "حق"
20 سجون سودانيه
21الحجر يعني الجبل في بعض لغات السودان
(عدل بواسطة Marouf Sanad on 09-19-2006, 01:34 PM)
| |
|
|
|
|
|
|
Re: تسجيل صوتى كامل ليوم الخاتم عدلان بواشنطن وصدور كتابه القالوا بكرى سرق قروشه-توجد صور (Re: بكرى ابوبكر)
|
الاخ العزيز/ بكري أبوبكــر
التحية الطيبة، وعاطر الثناء ، على هذا العمل التنويري الهمام ، لراحلنا العزيز،المناضل الحقيق والأجدر بصفة النضال بما تفترضه من علمٍ واستقامة؛ ذاك الأغبش المتنـوِّر والوطني الغيور : الخاتم عدلان .. الرجل الأريب النّابه، الذي أفنى حياته في سبيل مسيرة التنوير السودانية ، وهو تام القناعة بجدارة ما يقوم به ، وأغلب الناس يحمدون له تلك المسيرة النبيلة فداءاً للوطن السوداني ، برغم ملابسات الحكم الشمولي وظروف التهجـّر القسري خارج الوطن ..
التحية لكل الذين أســهموا ببذل الجهد والمال والإهتمام لقيام هذا اليوم المشهود ، والذين حـقـّـقوا وجــود الكتاب الخاص بجزء من كتابات الرّاحل " الخاتم عدلان " على صفحات هذا المنبر الثقافي، العام، بسودانيزأون لاين ،وجعلوه واقعاً تنويريـّاً يمشي بين الناس ، تتغلغل أفكاره في تـُربة واقعنا السوداني الكالح، وتتـشــرّب رحيقَ أفكاره أفئدةُ الناس ، حالما تزيـَّنتْ به أرفف المكتبات ..
إن الكلمات ، أخي بكري وصحبه الميامين ، لا تفي هذا الصنيع الكبير الذي انجزتموه ، ومعَ أنـّكم " أُصــلاء " في رفد حركة التنوير السودانية من خلال إنجاز هذا الكتاب ، ومعَ أنـّكم ، كذلك، أُصــلاء في اهتمامكم بالإنتاج الفكري للاستاذ الراحل ، الخاتم عدلان ، كواحدٍ من العلامات الفكرية والسياسية البارزة في وطننا الحبيب ، إلآ أنـّنا في حركة القوى الجديدة الديمقراطية " حق " ، أكثرُ تقديراُ وامتناناً لما قمتم به من عملٍ خلآق بنشر هذه المساهمات للفقيد الراحل " الخاتم عدلان ، المُلهِم، والمؤسـِّس ، والقادح ذهنـه ، مُشاركةً مع قليلين من صحـبِـه، في تأسيس حركة القوى السودانية الجديدة ، فكراً وتنظيماً وبرامجاً ؛ بَـذَرَ نبتتها في تُربة الوعي السوداني، وسـَهِر على رعايتها بما أوتِيَ من علمٍ وفكرٍ ومثابرة ، وهاهي الآن ، تنمو في اطّراد ، وتشقُّ طريقها واثقةً بما تحتويه وأمينةً لأفكار الخاتم عدلان ومجاهداته الفكرية والوطنية ..
ودمتم ،،/
| |
|
|
|
|
|
|
Re: تسجيل صوتى كامل ليوم الخاتم عدلان بواشنطن وصدور كتابه القالوا بكرى سرق قروشه-توجد صور (Re: بكرى ابوبكر)
|
العزيز بكري شكرا كثيرا علي الحضور والتغطيه الممتازه فقد أعطي حضورك طعم خاص للأمسيه. أود أن أقدم صوت شكر خاص نيابة عن اللجنه المنظمه للأستاذ خالد كودي الذي قام بتصميم لوحة الخاتم للمره الثانيه بعد أن فقدنا اللوحه التي قام بتصميمها من قبل. فله منا عميق التقدير والعرفان. وأرجو من بكري إضافته أسم خالد علي الوحه. قام كل الحضور بالتوقيع علي الصوره ومن ثم قمنا بتسليمها للأخت تسيير أرملة عزيزنا الخاتم. الشكر لكل من ساهم بهذا العمل ولتكن إنطلاقه لتوثيق موروثات مفكرينا.
إبراهيم الحاج
| |
|
|
|
|
|
|
Re: تسجيل صوتى كامل ليوم الخاتم عدلان بواشنطن وصدور كتابه القالوا بكرى سرق قروشه-توجد صور (Re: صديق عبد الهادي)
|
ورقة الدكتور بشرى التي قدمها الاستاذ هاشم الحسن
إبداعية اللغة في خطاب الخاتم عدلان بشرى الفاضل ليست هناك وظيفة من وظائف اللغة لا تتكشف فيها الإبداعية الأسلوبية اللسانية للمفكر السوداني الراحل الخاتم عدلان (1948-2005م). ويظهر ذلك جلياً من خلال المادة التي توفرت لنا من كتاباته في المقالات والمقابلات والترجمة والندوات والوثائق الحزبية ومشاركاته المختلفة سواء عبر قنوات التلفزة أو منابر المناقشات السودانية وخصوصاً في بوستات المقابلة معه و الترحيب به في المنبر العام للمشاركين بسودانيز أون لاين عبر الإنترنيت في النصف الثاني من ديسمبر عام 2003م.يعتمد هذا البحث على المادة اللغوية التي أتاحها (لقاء 20 ديسمبر)* بصورة أساسية وذلك لما نرى فيه من ميزات عديدة أهمها: صياغة الإجابات بقلم الخاتم عدلان، وفي هذا كشف عن أسلوبه في الكتابة، وكونه يخاطب جمهوراً وإن كان غير مرئي، لكن الكثيرين منهم ممن يعرفهم وغالبيتهم ممن يعرفونه؛وهذا يوفر الخواص الشبيهة بأجواء الندوات؛ وأخيراً لأن هذه المادة صيغت في الفترة التي سبقت مرضه ووفاته مباشرة الشيء الذي يتيح لنا الإطلاع على أسلوبه في تشكله النهائي. هنالك نفر من السودانيين توفرت له إبداعية التعامل مع اللغة العربية في السودان بأكثر من غيرهم ومن هؤلاء من نحا بأسلوبه منحى تقليدياً يهدف للجزالة مع الاستطراد، على طريقة الأقدمين، حتى ليكاد الكاتب من هؤلاء أن يخرج عن المادة التي هو بصددها أو موضوع مبحثه (عبد الله الطيب ) ومع هؤلاء يتفق الخاتم في اقتناص اللقايا والشوارد والاستعانة بالأقوال المأثورة والشعر حسب مقتضى الحال في المادة التي هو موضوعه. مثال ذلك نجده في أبيات المتنبي التي أوردها في المقال عن ابن رشد حين قال الخاتم "وكأنما كان المتنبي يعني ابن رشد حين قال مادحاً عبدالواحد بن العباس الكاتب" ثم أورد الآبيات (1) . لكن لغة الخاتم لا تقف عند هذا الحد الذي يبدو تقليديا. وإلى جانب هؤلاء هناك من يصوغ العربية كما لو انه يفكر بغيرها سواء في لغته الأم أو اللغة الأجنبية التي يتقنها ويكتب بالعربية مع ذلك ( جمال محمد احمد) إذ تظهر في لغة هذا الفريق من سمات تدخل لغته الأولى والتأثر باللغات الأخرى مسائل من نوع الاختلاف في ترتيب الكلمات في الجملة عما درج عليه الكتاب والقراء في العربية وكذلك التقديم والتأخير.ومع هؤلاء يتفق الخاتم عدلان في النأي بأسلوبه من الحشو والزوائد والاستطرادات غير الضرورية أو ما يعرف بال preambles. وهناك إلى جانب هؤلاء من تميزت لغته تميزاً إبداعياً واضحاً في الميل بقاموسه اللغوي نحو جماليات اللغة وشعريتها قبل الأفكار (عبد الله على إبراهيم). فهذا الكاتب يتعامل مع اللغة على النقيض من الخاتم عدلان. ينطلق عبد الله على إبراهيم من شعرية اللغة إلى الأفكار،بينما يجيء الخاتم بأفكاره إلى شعرية اللغة .أحيانا تجد مقالات عبد الله على إبراهيم معلقة من عناوينها. وعلى الرغم من السمات الإيجابية في بعض مقالات هذا الكاتب، خصوصاً كتاباته الباكرة ـ ونشير إلى الأدبية النقدية منها كما في (كيف احطوطب عشب إشراقة) ـ إلا أن مثل هذه المقالات يكاد ينتهي غرضها في العنوان: كأن الباحث يريد أن يقول لنا في هذا المثال، أن ثمة احتيطاب في ديوان التجاني أريكم إياه.وقد أوشك الكاتب أن يتخلى عن كتابة مقاله المذكور، حين تم العثور على النسخة الأصلية للديوان "إذ تحقق في الإيجاب مقصود مسعاه السلبي "وفق ما قال الكاتب نفسه (2) ومن شاكلة شعرية اللغة مع عدم منطقية الأفكار نطالع عند عبدالله على إبراهيم أيضا مقالاً نقديا بعنوان (من الضوضاء إلى الحب)(3) ولا نعتقد إن التجاني وعد في البيت الوارد في الحاشية أدناه ** بمثل هذا الشعر حين يكتهل كما أن رواج التجاني لم يجيء من القدرة المبددة بل من المنجزة. ولا يتسع المجال هنا لمزيد من المناقشة لهذا الموضوع. وهناك إلى جانب هؤلاء من كتب بلغة تجمع بين خصائص مختلفة لكن يغلب عليها طابع التأثر باللغات الإنجليزية والفرنسية مع احتفاظها بالجزالة في اللغة العربية الفصحى الكلاسيكية مع ذلك ومن هؤلاء (منصور خالد، على المك، صلاح احمد إبراهيم وغيرهم) ونجد مثالاً لما ذكرنا في كتابة على المك التالية:".. كان (وليام بليك) الشاعر فناناً يرسم، وكذلك كان شاعر لبنان جبران، وأنا لست مثل هذا ولا ذاك... كنت لعهد الدراسة الثانوية ألوذ بحصة الفنون هربا من العلوم "(4) ومع هؤلاء يتفق الخاتم عدلان في الانتقالات السلسة بين اللغتين العربية والإنجليزية وبإيراد نصوص من المركزية الأوربية بالإنجليزية أو مترجمة أو باللغتين معا ًوبالشواهد والأسماء وبمقتطفات يقوم بترجمتها مباشرة للعربية لأغراض موضوعه. وقد تفرد محمد المهدي المجذوب في أسلوبه النثري الإبداعي، بخاصية الانتقال السلس بين ضفتي العربية الفصحى المعاصرة في السودان وعاميتها، في مسعاه لسودنة العربية سواء أكان ذلك بقصد أو بدونه.ومثال ذلك في قول المجذوب "عيش الريف والشاي الملبون وثغاء الشياه وخوار البقر والسوميت صلاة استسقاء. النيل في أعصابي المشدودة. الشمس تقطر العسل.الذباب أخضر. مرت خادم العقرب في جلبابها المشدود الأسود. وقفت تصغي. إلى أين ستك ذات العقد السام حازمة؟ الفيران سمان مشدودات الذيول.تهرول في الخوف الشره. تشعر بالخوف السعيد." (5).ويتفق الأداء اللغوي عند الخاتم عدلان مع أداء المجذوب في الجمل القصيرة المتواترة. وهذه الخاصية تظهر عند الخاتم في الندوات السياسية ، وفي الانتقال السهل السلس بين الفصحى والعامية ،وفي عدم الركون إلى المألوف والإكليشيه، بل في توخي الجدة ،خصوصاً في ربط صفة جديدة بالموصوف.ترد الصفات التالية في نص المجذوب أعلاه(خادم العقرب في جلبابها المشدود الأسود، الخوف الشره، الخوف السعيد).وفي لغة الخاتم عدلان نطالعالفرية الجرباء، زمهرير العزلة، المطاردة الشرسة، أكمة الأسماء المستعارة، خطابك العدواني السام، أبخرة الخصومات، المذابح التنظيمية الفادحة) (لقاء 20 ديسمبر ) ومن أمثلة النعوت الغبتداعية الخارجة عن المالوف قول المجذوب : الخوف السعيد في النص الوارد هنا أعلاه. . وقول الخاتم "الذين كانوا يدعون تأييد انضمامنا للتجمع يلوذون بالصمت السعيد . وغير هذا كثير . وعلى الرغم من أن المجذوب ينسب الصفة للمجرد أحيانا إلا أن الخاتم عدلان قد سار في هذا الطريق نحو الأبعد. واستخدم بعض المفكرين السودانيين ، في نظرنا، اللغة العربية بقدر الحاجة للتعبير عن أفكارهم بحيث لا تزيد ولا تنقص. ومن هؤلاء نشير إلى الأستاذ محمود محمد طه الذي استخدم اللغة في سعيه العرفاني كما يستخدم عابد ماء الوضوء في بلد شح ماؤه فلا يزيد عن حاجته في فرائض الضوء وسننه قطرة واحدة" " ليس هناك رجل هو من الكمال بحيث يؤتمن على حريات الآخرين. فثمن الحرية الفردية المطلق هو دوام سهر كل فرد على حراستها واستعداده لتحمل نتائج تصرفه فيها" (6) ومع هذا المنحى في الكتابة يتفق الخاتم عدلان حين يتعلق الأمر بالتعريف الذي يجيء عنده نتيجة للتأمل وصف الخاتم عدلان ما تحدث الأستاذ محمود عنه قبله بعقود بأنه " احتكار الرشد" جاء ذلك في السؤال الاستنكاري ضد الطائفية الذي رد به على خالد عويس " هل هنالك احتكار للرشد أكثر من هذا؟"(لقاء 20 ديسمبر) ومن أمثلة التعريف التأملي عند الخاتم " يجب أن يكون هناك متصل ديني يوافق المتصل الإنساني" (لقاء 20 ديسمبر)، " الانقسامات تهدر الطاقات، وهي إجهاض هائل بحق، وهي ابغض الحلال في السياسة." يجيء استخدام الأستاذ محمود للغة فوق ذلك بإبداعية عالية كما إن تأمله في أفكاره وسعيه العرفاني سار بالتوازي مع التدقيق في عباراته.اتسعت رؤيته لكنه عبر عنها بما قل ودل بحيث لم يقصر التعبير اللساني عما عبر عنه إن جاز لنا فصل اللغة عن الفكر مهما اتسعت تلك الرؤية. لكن محموداً لم يستخدم كلمات زائدة عن غرضه في البيان." الخطأ كل الخطأ ظن من ظن أن العقاب في النار لا ينتهي إطلاقاً فجعل بذلك الشر أصلاً من أصول الوجود وما هو بذاك وحين يصبح العقاب سرمدياً يصبح انتقام نفس حاقدة لا مكان فيها للحكمة وعن ذلك تعالى الله علواً كبيراً." (7) تلاحظ أن الأستاذ محمود يرد الكلمات لأصولها الأولى فكلمة (إطلاقا)ً وكلمة (تعالى) تشير إلى هذا الاستعمال. *** أما الآخر فهو في نظرنا الخاتم عدلان ونعتقد أن الخاتم يقتصد في الشق الأول من تفكيره أي حينما يكون وحده مع أفكاره لكنه يلجأ لتزيين كلامه بجمل يختم بها كل فكرة لأنه في الغالب يتوجه لمستمعين. وتجيء عبارات الخاتم الإيضاحية الشارحة عقب وضوح الفكرة لأغراض جمالية إيقاعية في الندوات بهدف إحداث أكبر قدر من الإثارة بعد التحليل للسخرية من أفكار خصومه مثلاً و لأسباب أخرى. وتكون حاجة الخاتم للغة لأغراض جمالية هنا بنفس حاجته لها في المرحلة التي تكون فكرته فيها في حالة تبلور مع الفارق في أن الخاتم يستفيض بالمزيد من التفاصيل بعد أن تكون فكرته قد وضحت للسامع أو القارئ.لأنه في الغالب يتوجه لمستمعين حاضرين من ذلك مثلا قوله "…رفع البلاغات عن الزملاء نتيجة لكلمة تفوهوا بها في حالة من حالات الاسترخاء"(لقاء 20 ديسمبر) كان يمكن أن يتوقف الخاتم عدلان هنا ويفيد السامعين لكنه يمضي ليحدث التأثير فيهم ويكسبهم على جانبه فيقول "..مما يثير داخل الحزب في النهاية أجواء شبيهة بأجواء رواية جورج اورويل 1984 وعين الأخ الكبير التي لا تخطيء الأفكار وهي تنبت غضة في الدماغ" الصورة الإبداعية الأخيرة التي ختم بها الخاتم فكرته صورة قوية إذ يشبه الأفكار وهي تتشكل في أطوارها الأولى داخل الدماغ بالنبات وعلى مثل هذه الجملة الأخيرة بالذات يستند الخاتم عدلان على نشدان كسب الجمهور الذي يسوقه لذلك سوقا عبرالفظاعات التي رسمها أورويل في روايته الشهيرة وعبر صورة المجسمة المرعبة ل "الأخ الكبير" قدم الخاتم عدلان قسطا كبيرا من مساهماته الفكرية شفاهة عبر الندوات المتنوعة العديدة والمناقشات الفكرية التنظيمية الداخلية الحزبية. يمكننا تقسيم نشاط الخاتم عدلان الفكري لثلاثة أقسام فبالإضافة للندوات الاتصال الجماهيري المباشر فهناك فترة السجن والاعتقال التحفظي وهي تتخلل الفترة الأولى أما الفترة الأخيرة فيمكننا آن نطلق عليها فترة لندن لما فيها من تنوع ثر شهد مرحلة التحقق الفكري التام للخاتم عدلان كمفكر وانتصر لجانب الكتابة والتوثيق بأكثر من الفترتين السابقتين فظهرت دراساته ومراجعاته الفلسفية و مقالاته وترجماته بالإضافة إلى الحوارات التي أجريت معه ومشاركاته الموثقة عبر القنوات الفضائية ووسائط شبكة الاتصالات الدولية.وجولاته بهدف إقامة سلسلة ندوات كانت آخرها سلسلة الندوات بأمريكا قبيل مرضه الأخير. نقف عند مجودين للغة العربية هما محمود محمد طه والخاتم عدلان فنجد أنه لا يزيد (لحاف) اللغة عن جسد أفكارهما بحيث لا تكون هناك حاجة لقطع أي من طرفي المعادلة (الأفكار - اللغة). لكن المفكرين يختلفان في النظر للغة فهي عند الأستاذ محمود أوعية طوع مسيرته العرفانية يأخذ منها ما يشاء هو يطوعها ولا ينظر لإبداعاتها إلا كمنتج ثانوي لمسعاه الرئيس. وهي عند الخاتم أداة يسعى لتجويدها بالتوازي مع إبانة أفكاره.هي ليست في منزلة أدني من الأفكار. نحن هنا إزاء علويتين مختلفتين وخلق إبداعي للغة مخصوص،أحدهما دون إفاضة حين يتم جلاء الفكرة هو ما يصدر من الأستاذ محمود حيث التأويل والآخر بإفاضة حيث المنطق و يبحث دائماً عن براعة الاستهلال كما يبحث عن براعة الخاتمة أي عن الإيقاع الذي يختم به فكرته حتى بعد أن تتضح ولذا فاستخدام الصورة Image عند الخاتم يختلف من استخدامها عند محمود. والصورة التي نعنيها هنا هي "الصوغ اللساني المخصوص، الذي بواسطته يجري تمثل المعاني تمثلاً جديدا ومبتكراً، بما يحيلها إلى صور مرئية معبرة " ( ولا يقف الحد في لغة الخاتم التعبيرية عند الصورة المرئية فحسب بل يتجاوزها بما يماثل الصورة الشعرية الحديثة الشبيهة بالصورة السينمائية أو اللوحة التجريدية في تقطيعها واعتمادها على الجزئي الموحي القائم على اللقطات المتجاورة والمتراكم والمتداخل في اللاوعي (9) تكتمل الصورة الفنية في نثر الخاتم عدلان كما في الشعر.بحيث لا يمكن أن نضيف إليها أو نحذف منها وهي صورة اقتربت من المفهوم الغربي الأوروبي لها ولم تقف في حدود الصورة الشعرية العربية. الصورة عند الخاتم تغذيها ذاكرة ضخمة وينتقل الخاتم عدلان بين اللغتين العربية والإنجليزية بسلاسة لإتقانه كلتيهما منذ ريق الحداثة، إضافة إلى ما نهله من ثقافاتهما الشاسعة المتنوعة.حسبنا أن نشير إلى موقفين ففي (لقاء 20 ديسمبر) أورد الخاتم عدلان واقعة لقاء بعض ممثلي حق بعبد العزيز خالد قائد تنظيم قوات التحالف السودانية. تحدث الخاتم سلبياً عن ذلك اللقاء فقال أن عبد العزيز خالد رأى أن تأتي عضوية حق لتنظيم التحالف على أساس فردي فقال لهم: (بمجرد دخولك تكون قد فقدت حقك في الخروج ) قالها بالإنجليزية: "Once in, never out." نلاحظ أن الخاتم ترجمها ترجمة تجعلنا نحس بتهكمه من عبارة عبد العزيز خالد الذي قال جملته بالإنجليزية فقط. صاغ الخاتم الترجمة العربية لعبارة عبد العزيز خالد صياغة صحيحة أولاً لكن ربط بين الجملتين معاً بطريقة جعلت الجملة الإنجليزية التي تفوه بها عبد العزيز تثير ضحك المستمعين.وبتتبعنا في لغة الخاتم للسبب الكامن وراء هذه المفارقة نجد أنه حشد قبل هاتين الجملتين صوراً أخرى إضافية تقودنا لحالة الضحك المذكورة من ذلك مثلاً: قيادة التحالف تعتقد أنها حصلت على حجر الفلاسفة في المجال السياسي. والمثال الثاني للانتقال السلس نجده عندما تحدث عن ماركس(لقاء 20 ديسمبر ) فقال"... لما تنبأ به الرجل (يقصد ماركس) في حماسته الشبابية العارمة وبدفع روحه الأقوى من الصخر كما قال عن نفسه: The passions of my soul are rougher than the rocks of the mountain. " ومن ذلك أيضا " … من قبل الإشانة أو الديمونايزيشن لحركة صغيرة حسبها الآخرون عملاقاً يهم بابتلاعهم "(لقاء 20 ديسمبر ) كتب الخاتم الكلمة الإنجليزية أعلاه بحروف عربية وهي أكثر قوة في تعبيريتها من إشانة فكان الخاتم اضرب عن (إشانة) بعد أن أدت الغرض جزئياً ليسعفه قاموسه اللغوي البديل ـ الذي نعتقد أنه لا يقل تمكنه فيه عن تمكنه في العربيةـ بكلمة تعني التحويل لشيطان أو لكائن شبيه بالشيطان. تنتقل الجملة عند الخاتم تدريجياً من الإفادة العادية نحو التجريد الذي يستفيد من القراءات العديدة وصولاً إلى جملة الختام التي عادة ما تحمل الصورة بتعريفنا لها المشار إليه أعلاه ففي (لقاء 20 ديسمبر) نجد شاهداً على ذلك في الرد على عبدالرؤوف " …. هذه نقاط لا أستطيع التعرض لها جميعا.لأنها تشمل التنظير والتاريخ والتصورات والأحلام وغير ذلك. … إلى آخر ما جاء في خطابك العدواني السام ." فالانتقال في كلمات الجملة الأولى تم من كلمة (التصورات) إلى كلمة ( الأحلام ) مما يشير بوضوح على عدم اتفاق الخاتم مع السائل والانتقال في الجملة الثانية تم من كلمة (العدواني) إلى كلمة (السام).ويمكن أن يكون الكلام عدوانياً لكن كونه كلام سام من الاستعارات التي يبدع فيها الخاتم في خطابه في الندوات. ولا يتوانى الخاتم في استخدام الأقوال المأثورة أحياناً بمعناها الذي ورد في التراث العربي "فكيف أذمه وقد وقف مخطئاً ومصيبا في نفس الوقت ؟ تلك إذن قسمة ضيزى" (في الرد على عادل ـ لقاء 20ديسمبر)،" إن لم يكن معادياً للديمقراطية ، مصادقاً لها بالأقوال، التي تصبح في هذه الحالة هراء كالكلام بلا معاني كما قال أبو الطيب المتنبي" (لقاء..) "أريد أن أطلب منك شيئاً صغيراً.لا تدخل حق من فضلك لأنك يمكن أن تلدغ من نفس الجحر مرتين" ( في الرد على أسامة. لقاء20 ديسمبر) وغير ذلك كثير ,وعلى الرغم من أن الأقوال وأبيات الشعر المأثورة أصبحت معلبة وقد شبعت تكراراً إلا أن استخدامها ليس مباشرة في مبتدر الكلام أو الفكرة وليس مباشرة بل لتدعيم الحجة أو لوضع لمسة عليها من التراث هو من الأساليب التعبيرية التي يلجأ إليها الخاتم . درج الخاتم عدلان على التحدث في الندوات باللغة العربية وكذلك كانت مخاطبته للمرحبين به وبسائليه في سودانيز اون لاين (10) ولذلك يعمد أحياناً إلى تغيير صياغة الأقوال المأثورة في العامية السودانية للفصحى " بينما يخرج المنشق لأنه يعرف أن القبة خالية من الفقيه" ( لقاء 20 ديسمبر ).يتأمل الخاتم في كلماته أثناء صياغتها فيأتي بما يضيف إليها من حيث لا يتوقع السامعين والقارئين مستخدماً إمكانات اللغة وموسيقاها بأقصى درجة "وحركوا قوتهم ا لمتعددة الوجوه، والمعروفة القسمات، والمعروقتها أيضاً" (من المقال عن ابن رشد). ويستخدم الإيقاع" أعرف انك لن تغتري. فأنت مشغولة عن الغرور، وهو المظهر الخواء ، بالإبداع والخلق وهو الجوهر الملاء" في الرد على تماضر شيخ الدين (لقاء 20 ديسمبر).ويستخدم الصفات في تتال يفضي للمفارقة" يمكن للرأي آن يعبر عنه ببيان مكتوب أو ببيان شفاهي أو إيمائي في حالات الصم والبكم." في الرد على عدلان عبد العزيز (لقاء…). ويضمن قصص كاملة من التراث في جملة واحدة معتمداً على معرفة المخاطب بها ومثال ذلك ما أورده في خاتمة بوست اللقاء معه في 2 يناير 2004م بسودانيز اون لاين " حين قلت له ماذا تريد من لندن يا حاج ـ يقصد والده ـ قال لي أريد أن أشم قميصك يا ولدي "وتكتمل الصورة حين ندرك أن الخاتم أخبرنا سابقاً أن والده اصبح كفيفاً. ويورد بعض تأملاته محكية " أشرت في عدد من المرات إلى أهمية المقارنة بين جني التفاح في مزرعة وهو عمل يدوي وتفاحة نيوتن التي أدت إلى اكتشاف نظرية الجاذبية " (لقاء 20 ديسمبر) .قدمنا هنا جوانب من إبداعية الخاتم في خطابه ولا نعتقد بأننا حصرنا كل جوانب تلك الإبداعية في هذه الورقة .وحينما تتوفر أعماله الكاملة مستقبلًا نأمل آن يتم النظر بتدقيق اكثر قي هذا الموضوع من قبل الدارسين. ولا اشك في أن الخاتم عدلان شاعر . وقد خبرت جانباً من نظمه الشعر في مقطع شعري أرسلت لي معزياًَ من سجن سواكن عام 1982م "… حزنك عن هذا الكاهل يا خي … لا اعرفها إلا فيك فلتعرف جزءاً منها في هذا قلبي ديوان قروي مبذول دون استئذان" ولا يحتاج إثبات شاعرية الخاتم لمثل هذه الشواهد وربما يعرف بعض أخص المقربين إليه مخطوطات شعرية له فينشرونها لكن شعره منشور بين الناس منذ زمن بعيد وقد تجلى في الندوات والحوارات واللقاءات والمقالات والتأليف وفي الحساسية اللسانية الإبداعية الفائقة لهذا المفكر العظيم وهو يصوغ فكره من حليب الروح.
ثبت المصادر
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
*في 20 ديسمبر والأيام التالية حتى نهاية ديسمبر عام 2003م استضاف المنبر العام ب(سودانيز اون لاين) الخاتم عدلان في لقاء مفتوح طرحت عليه خلاله اسئلةعديدة أجاب عليها جميعها وبالترتيب. قدم للقاء أمجد إبراهيم واللقاء محفوظ بمكتبة الخاتم عدلان في ذلك الموقع على الإنترنيت وبأرشيف النصف الثاني من عام 2003م والنصف الأول من عام 2004م بالمنبر العام، سودانيز اون لاين 1ـ نشر المقال بجريدة الأضواء بتاريخ...أكتوبر 2004م ونشره أمجد إبراهيم بسودانيز اون لاين في 7 أكتوبر 2004م ويرد المقال ضمن مخطوطة كتاب (ما المنفى وماهو الوطن) ، الخاتم عدلان، (تحت الطبع).وأبيات المتنبي التي استخدمها الخاتم عدلان في ذلك المقال هي : "الحازم اليقظ الأغر،العالم الفطن الألد،الأريحي الأروعا،الكاتب اللبق الخطيب،الواهب الندس اللبيب،الهبرزي المصقعا" 2ـ مجلة الدراسات السودانية، العدد الأول، المجلد السادس، فبراير 1981، ص 3ـ انس الكتب ـ ملاحظات حول التأليف السوداني ـ إبراهيم، عبد الله علي، الخرطوم، دار جامعة الخرطوم للنشر، 1984، ص 33
** قدم الكاتب في هذا المقال نقداً لكتاب عبد الحي عن الآثار النثرية الكاملة للتيجاني وعلى الرغم من انه أتثنى على عبدالحي في مجهوده وقال إنه شخص مناسب جداً لمهمة مناسبة لاستضاءة الأكاديمي فيه بالشاعر إلا أنه عاد ونسف قدرات عبد الحي نسفاً بحيث لا تتسق تلك النتيجة مع المقدمة, وفي المقال نفسه من الضوضاء إلى الحب كيف يقول " تحيف التجاني على نفسه حين قال: هو فني إذا اكتهلت وما زال على ريق الحداثة فني لما صار غليه هذا البيت من تبرير حب غريب للتيجاني. وهو حب لشعره الذي وعد به حين يكتهل لا الذي كتبه بالفعل. وراج التيجاني بفضل هذا الحب رمزاً للقدرة المبددة لا المنجزة.ومنطق هذا الحب رهان بين الشعر والعمر لم يصدق في الغالب ولذا كان هذا الحب عقيماً على ضوضائه. ولا نعتقد أن التجاني وعد في بيت الشعر المذكور بمثل هذا الشعر حين يكتهل كما إن رواج التجاني لم يجيء من القدرة المبددة بل من المنجزة. ولا يتسع المجال لمزيد من المناقشة لهذا الموضوع
4ـ المك، على، وهل أبصر أعمى المعرة، الخرطوم، الدار السودانية، 1974، ص ص 9 و10 5 ـ آداب، مجلة كلية الآداب ، جامعة الخرطوم ،مطبعة جامعة الخرطوم ، 1992، العدد الاول، ، ص 34 .
6 ـ أسس دستور السودان، أم درمان، 1945، ص 12 7 ـ الرسالة الثانية للإسلام، ص 104 *** ويمكن ولمزيد من توضيح تدقيق الأستاذ محمودمحمد طه في اللغة أن نشير لنص سر الحياة:" قديماً هام الناس بسر الحياة الأعظم هاموا بسر القدرة وبسر الخلود فجرى الفلاسفة وراء ما أسموه يحجر الفلاسفة وبحث الكيماويون عما أسموه إكسير الحياة وحلم القصاصون بخاتم المنى وبالفانوس السحري ولم يظفر أي من هؤلاء بشيء مما كانوا يبتغون.قل لهؤلاء جميعاً ولغير هؤلاء من سائر الناس إن سر الحياة الأعظم هو الفكر. الفكر الحر. الفكر القوي الدقيق الذي يملك القدرة على أن يفلق الشعرة ويملك القدرة على أن يميز بين فلقتيها.(أسئلة وأجوبة الكتاب الأول ص 3) . ومن ذلك أيضاً: "أمران مقترنان ليس وراءهما مبتغىً لمبتغ وليس دونهما بلاغ لطالب: القرآن وحياة محمد.أما القرآن فهو مفتاح الخلود. وأما حياة محمد فهي مفتاح القرآن " (أسئلة وأجوبة، الكتاب الثاني ص26) 8ـ بشرى موسى صالح، الصورة الشعرية في النقد العربي الحديث، المركز الثقافي العربي، بيروت، 1994، ص 3. 9ـالمصدر نفسه ص 170 وانظر أيضا عباس عبد الجبار, مرايا على الطريق، بغداد، دون تاريخ، ص 12. 10ـ بوست رجاء العباسي للترحيب به في 13 ديسمبر والأيام التالية وبوست أمجد إبراهيم في 20ديسمبر والأيام التالية ،الإنترنيت، سودانيز اون لاين، المنبر العام .
| |
|
|
|
|
|
|
Re: تسجيل صوتى كامل ليوم الخاتم عدلان بواشنطن وصدور كتابه القالوا بكرى سرق قروشه-توجد صور (Re: Marouf Sanad)
|
المهندس بكري ابوبكر شكراً لهذه المجهودات البائتة التي لا تخطئها عين .شكراً لنقل هذه الحيوية السودانية التي اجترحت في هذا الملتقى بدء مشروع الراحل العظيم.ولا أجد من الكلمات ما اعبر به عن ضخامة مجهود الدكتور الباقر العفيف صديق الخاتم عدلان وصفيه في سنوات غربته في العقد الاخير .وبالطبع كانت تيسير مصطفى طائر جنة هذا الملتفى ترفرف حيث حلت وروح الراحل الخاتم عدلان معها ناثرة عبقها على المكان. شكراً لمعروف سند على نشر ورقتي(إبداعية اللغة في خطاب الخاتم عدلان) هنا وشكراً لهاشم الحسن الذي قرأها في واشنطن في تلك الامسية نيابة عني . كنت تلقيت الدعوة للحضور ولم تمكنني ظروف التاشيرة والإجازة من الحضور. كتاب الخاتم عدلان الذي جاء بعنوان (ما المنفى وماهو الوطن) هو الكتاب الاول ويليه الكتاب الثاني فيما علمت من الدكتور الباقر عن لقاء الخاتم بعضوية سودانيز اون لاين وبوست الترحيب به. الذين شاركوا بالدفع المقدم للكتاب ستصلهم إن شاء الله النسخ الخاصة بهم ونأمل ان يتم ذلك سريعاً وحين أستلم كوتة جدة ساسلم بنفسي كل مشارك نسخته في يده.عدد كتب جدة 44 كتاباً لكن عدد المشاركين اقل نسبة لشراء البعض اكثر من كتاب .كنت ارغب في معرفة مساهمات الرياض وإلى اين انتهت. الراحل الخاتم عدلان مفكر سوداني كبير وسياتي حين من الدهر فيكتشف السودانيون اي عقل فقدوا واية جذوة انطفأت ولكن إلى حين.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: تسجيل صوتى كامل ليوم الخاتم عدلان بواشنطن وصدور كتابه القالوا بكرى سرق قروشه-توجد صور (Re: Bushra Elfadil)
|
قرأت تلك الورقه والتى دبجها الدكتور بشرى الفاضل مخرجا لللآلئ من شعب الخاتم المرجانيه فى أعماق بحر لغته ذلك الزاخر الوافر بصنوف الإعجاز البلاغى المطرز بالمحسنات البديعيه والموشح بدلالات التوريات الهلاميه لا بل يعتلى جمال اللغه رصانة الفكر واتساقه معها...إتساق ما يبدعه الكريستيان ديور مع جسد عارضته...فتشتهى المعروض والعارض بدرجة واحده....ومقارنة دكتور بشرى بجمالية اللغه عند الخاتم واللغه كصفائح ناقله عند محمود محمد طه حيث تظل اللغه وسيله ناقله للأفكار عند محمود بترشيد أبدع بشرى بوصفه بترشيد ماء الوضوء دون شح ولا كرم بينما تتجمل اللغه عند الخاتم كحامله للأفكار وحامله لقوامها الفارع الخيروزى بوشاح حريرى يتثاءب عند خصرها وكذلك مقارنا جماليات لغة المجذوب وقدراته فى الإفصاح مستفيدا من معارفه بلغات آخر وكذلك جمال محمد أحمد وعلى المك وعلى شاكلتهم تشكلت لغة الخاتم بسلاسه تنتقل بك بعفويه مفرحه خالطا ومازجا وشارحا وموضحا بعيون من الأدب الفصيح والعامى أو العالمى بمعرفه توثيقيه تدل على عمق معرفته وسمؤ قدراته فى الإفصاح فبتلك الورقه إستطاع أن يقدم الخاتم تقديم العارف والواقف على تفاصيل التفاصيل فى فكره.... تنبأ دكتور بشرى بأن سيتم إكتشاف الخاتم كفيلسوف ومفكر إفتقدته الأمه فى ظرف حرج...............................................
منصور
| |
|
|
|
|
|
|
Re: تسجيل صوتى كامل ليوم الخاتم عدلان بواشنطن وصدور كتابه القالوا بكرى سرق قروشه-توجد صور (Re: Hussein Mallasi)
|
ورقة الاستاذ صديق عبد الهادي
آن اوان التغيير ... مرة أخرى
في الذكرى الاولى لرحيل المفكر ... الخاتم عدلان
صديق عبد الهادي فلادلفيـــــا
" و كأن أنوار العلم الصافية ، هي الأخرى، لم تعد لها قدرة السطوع سوى علي خلفية من الجهل مظلمة" (1) ( كارل ماركس.)
و تلك حقيقة عصرية بسيطة يستشفها المرء من الاستنكار الذكي لماركس، بأن بروز الحقيقة ليس بالضرورة أن يكون مرتبطاً بوجود جهل مطلق، أو ان إشراقها مشروطٌ و رهينٌ به. فمن نسبية المعرفة، يمكن لأنوار علم الغد الصافية أن تسطع علي خلفية علم الامس ، التي كانت بالغة البهاء ، و التي بالفعل قد كانت ... كاملةً بمقاييس الأمس!!! فمن هذه الحقيقة البسيطة اسعى لتناول مساهمة الراحل " الخاتم عدلان" ـ آن أوان التغيير ـ بالتحليل ، و الذي آمل في التوفر علي قدرٍ معقولٍ و مقبولٍ من الموضوعية فيه.
مقدمة/
كتب الخاتم مساهمته التي نحن بصددها في أوائل التسعينات من القرن المنصرم . كان ذلك في عام 1993م، و قد قام الحزب الشيوعي السوداني بنشرها كاملةً في العدد رقم 157 من مجلته الداخلية المعروفة بإسم "الشيوعي"، و هي مجلة نظرية معروفة ، عادةً ما تُقدم فيها مساهمات الاعضاء الفكرية، إثراءً للحوار النظري. و تلك مهمة درجت علي حملها مجلة "الشيوعي" منذ عقودٍ خلت. أثارت تلك المساهمة الفكرية الرصينة للراحل " الخاتم عدلان " جدلاً غنياً واسعاً، تعدى حدود الحزب الشيوعي و مواعينه إلي أوساط المفكرين، و الأكاديميين و الساسة. لم تقف تداعيات تلك المساهمة عند منعطف الإختلاف الفكري فحسب ، و إنما ساهمت في إنقسامٍ و خروجٍ علي الحزب تكونت علي إثره حركة القوى الجديدة، "حق". و لا تزال تداعيات تلك المساهمة تدفع بالجدل و الحوار داخل الحزب الشيوعي و خارجه.
في تناولي لهذه المساهمة أحاول الإجابة عن سؤالين ـ في إعتقادي ـ أساسيين ، هما :
أولاً/ هل ما قدمه الخاتم في مساهمته تلك ، يمثل تجربته في الحزب الشيوعي فحسب؟
أم ،
ثانياً/ إن كان ما قدمه تخطى ذلك ، بل تعدى تجربته كقيادي ، و نفذ إلي لب النظرية الماركسية ، هل إستطاع الخاتم أن يقدم نقداً كافياً و مقنعاً لمرتكزات تلك النطرية؟.
يبدو أن الخاتم في كتابته لهذه المساهمة حاول هو الآخر الإجابة عن أسئلة كان يرى إلحاحها إذ كتب ، " هذا العبور من عصر البطولة إلي عهد الإنحطاط ، هل يخصنا نحن ، في الحزب الشيوعي السوداني ؟ هل يمكن أن يكون مصيرنا كمصير الآخرين؟ و هل سنشترك يوماً في قمع شعبنا و قهره بالسلاح ؟و هل في مآسي الأحزاب الشيوعية الأخرى و مصائرها شيئاً نتعلمه منها ؟ و هل في إستطاعتنا أن ندير ظهورنا لما حدث ، و نتعامل كأن شيئاً لم يكن؟" (2). فبالإضافة إلي ذلك ، و مما يؤكد قناعة الخاتم بما يود كتابته، و كذلك يؤكد حرصه علي موضوعية محتواه ، أشار و بشكلٍ واضحٍ إلي أنه ، " و ليس في نية كاتب هذه السطور ، أن يكتفي بالإجابات العاطفية ، و الجمل الطنانة المفجرة للحماس و العواطف النبيلة" (3).
و لكي يكون طرحه متماسكاً ايضا حاول الخاتم من البداية طمر الهوة التي كان يُفهم أو يُراد لها أن تميز الحزب الشيوعي السوداني عن بقية الأحزاب الشيوعية ، خاصة الأوربية الشرقية منها ، أي انه حاول تأكيد حقيقة أن النظم الإشتراكية التي حاقت بها الكارثة كانت تقوم علي شروطٍ عامة ، مثل ملكية الدولة لوسائل الإنتاج، و سلطة حزب الطبقة العاملة...الخ.، و هي كلها منطلقات نظرية ماركسية، يشترك فيها الحزب الشيوعي السوداني مع الاحزاب الشيوعية و الإشتراكية التي أقامت تلك النظم. إنها نظمٌ لم تسقطها شروط الخصوصية ، التي تميز ، في العادة ، أي حزبٍ عن آخر، او أي بلدٍ عن آخر، و إنما سقوطها ـ أي سقوط الأنظمة الإشتراكية ـ يرجع إلي الشروط النظرية و الفلسفية العامة المشتركة بين كل الاحزاب الشيوعية و الإشتراكية. فقد كتب قائلاً ، "صحيح أننا حزب سوداني شديد الإعتزاز بسودانيته . و لكن الأحزاب الشيوعية الأخرى ، كانت أحزاباً وطنية هي الأخرى ، شديدة الإعتزاز بإنتمائها القومي من دون شك. و قد كانت لها مآثرها ، و تضحياتها و أبطالها و حاولت ، كما حاولنا ، أن تخضع الماركسية لمقتضيات واقعها ، ربما أقل قليلاً ، أو أكثر قليلاً. و لكننا ـ كحزب شيوعي ـ لو وضعنا في نفس الظروف التي وجدت هذه الإحزاب نفسها في خضمها ، لفعلنا مثلما فعلوا ، مع أن البصمات السودانية لن تكن معدومة."(4) جاء هذا الكلام مباشراً ، و ليس فيه أي "عاطفة" أو "جمل طنانة".
إن الحقيقة التي تجعل هذا الكلام جديراً بالتأمل ، أنه لم يُطرح بناءاً علي الجانب النظري لوحده ، و إنما علي الوقائع العملية ، هي الأخرى ، لحدٍ ما، إذ أن النظم الإشتراكية أُسقطت و أُجبرت علي التغيير بكاملها!!! و ذلك مما أسقط دعاوى "الخصوصية" ، التي لم تشفع لأيٍ منها أن يتفادى أيلولته إلي الزوال، كما و أن ذلك السقوط هو كسرٌ لا يمكن جبره بزعم الخطأ في التطبيق، كما يزعم بعض المنظرين الباحثين عن طمئنة النفس و تمنيتها، عزاءاً لإمتصاص هول الواقعة !!! وهو منطقٌ لو غيض لنا قبوله، لقبلنا مبدأ الدولة الدينية علي إطلاقه، و هو ما لا يُعقل، لأن الدولة الدينية لا تنتج غير دولةٍ دينية !!! و بكل آحاديتها و غلوائها!!!. إن المسألة في جملتها ترتبط بالأسس الفلسفية و النظرية. و هذا جانبّ سننظر في تناول الخاتم له، و الذي أعتقد أنه كان تناولاً لم يمس كل الجوانب الجوهرية في النظرية الماركسية، أي ( Has fallen short).
كتب الخاتم عن عجز الحزب الشيوعي و عن الشيخوخة التي بدأت تدب في مفاصله . و قد حاول إنجاز مهمة تشريح تجربة الحزب الشيوعي السوداني و مآلاتها ، من خلال الإجابة عن سؤالٍ اساسٍ و حاسم ، و هو " هل حقق الحزب الشيوعي شعاره الاساسي في التحول إلي قوة إجتماعية كبرى ، و إلي حزبٍ جماهيري مؤثر و فعال علي النطاق الوطني؟"(5) ، و كذلك من خلال التعرض الي قضايا اخرى كقضية "المركزية الديمقراطية" ،" الجبهة الوطنية الديمقراطية"، و قضية " الحزب و المثقفين."
لابد من ملاحظة أن الخاتم لم يفرد جزءاً خاصاً بنقد النظرية الماركسية في مساهمته، و إنما ، في سياق عام، حيث أدغم نقده لها في تناوله لتجربة الحزب من خلال القضايا التي ذكرنا أعلاه...إلا أن ذلك لا ينتقص من قيمة ما قدمه في صدد نقده للنظرية ، فذلك الإدغام قد يكون أن فرضته طبيعة المساهمة نفسها.
علي سؤال " القوة الإجتماعية الكبرى" ، أجاب الخاتم بالنفي، أي أن الحزب الشيوعي فشل في تحويل نفسه إلي قوة إجتماعية كبرى!!!و في إجابته تلك إستند علي إستعراض ملامح الصيغة التي إعتمدها الحزب في تحقيق هدفه، و قد لخصها في : اولاً/ " تأهيل الحزب لنفسه بترقية إلمامه بالماركسية اللينينية"..." و لا يتم ذلك إلا بجذب خيرة المثقفين إلي صفوف الحزب، و إغناء حياته الداخلية و إتساعها للصراع الفكري الخلاق"(6). ثانياً/ "تدعيم مواقع الحزب وسط الطبقة العاملة ، و جعله الحزب الاول في صفوفها، من حيث النفوذ السياسي و الوجود التنظيمي"(7). ثالثاً/ "تمديد تنظيمات الحزب لتغطي كل أنحاء الوطن ، و ذلك بإعتماد أشكال تنظيمية مرنة، تستجيب لمقتضيات التطور غير المتوازن للمجتمع السوداني"(. رابعاً/ بناء الجبهة الوطنية الديمقراطية، كحركة جامعة،متعددة الاشكال و الصور ، لتعبر عن تحالف العمال و المزارعين و المثقفين و الرأسماليةالوطنية"(9).
قبل النظر في ملامح الصيغة التي إستعرضها الخاتم اود أن الخص الاسباب التي أوردها هو لتأكيد عدم نجاح الحزب في التحول إلي قوة إجتماعية كبرى: السبب الاول/ "القمع الشرس الذي ووجه به الحزب منذ تأسيسه و حتى اليوم"(10). السبب الثاني/ ضيق القطاع الحديث، و إتساع القطاع التقليدي حيث يصعب بناء تنظيم وطني حديث كالحزب الشيوعي يتخطى الإنتماءات القبلية و الطائفية و العرقية. السبب الثالث/ قيام الحزب علي اساس الماركسية اللينينية ، و كذلك الموقف الفلسفي المادي الشمولي للماركسية حيث يصعب التوفيق بينه و بين التصورات الدينية حول الكون و الخلق، و قد ادى ذلك إلي قيام حائط عزل بين الحزب و الجماهير بفضل العمل السياسي المضاد من قبل احزاب اليمين. السبب الرابع/ شمولية برنامج الحزب السياسي ـ كما اشار الخاتم ـ حيث يطرح الحزب ثلاثة مراحل للتنفيذ، و هي مرحلة الثورة الوطنية الديمقراطية، الإشتراكية ،و أخيراً المرحلة الشيوعية.
بالنسبة لملامح الصيغة التي تبناها الحزب، لأجل أن يصبح قوة اجتماعية كبرى لم يشر الخاتم إلي الدور الذي آله الحزب علي نفسه في بناء و دعم الحركة المطلبية ، و ذلك من خلال العمل الدؤوب في النقابات منذ تأسيسها ، إن كانت العمالية أو غير العمالية ، كنقابات الموظفين و المهنيين و إتحادات المزارعين، حيث دفع الحزب الشيوعي إلي الحركة النقابية بأطيب كوادره خبرةً و تجرداً مما وسع من نفوذ الحزب خارج المدن و المناطق الحضرية، و تقف مثالاً علي ذلك حركة المعلمين التي تكاد أن تكون قد دفعت بنشطائها إلي كل بقاع السودان بقطاعيه الحديث و التقليدي معاً. و كذلك حركة الشباب و النساء، إذ ساعدت هاتان الحركتان علي توسيع نفوذ الحزب ، و هذا ما لم تفصح عنه صياغة النقطة الثالثة في كتابة الخاتم حول الملامح.
اما الملمح الاساس و المركزي الذي لم يدرجه الخاتم فيما ذهب اليه، هو نجاح الحزب ، و قد يكون دون سواه من الاحزاب الاخرى، نجاحه في صياغة ، و دفع مفهوم "العمل الجبهوي" في الحياة السياسية في السودان. كان لإعتماد الحزب ذلك التقليد و الإيمان به و الثبات عليه دورٌ كبير في دفع الحزب في إتجاه ان يكون قوة إجتماعية في المستوى الذي وصل اليه في اوقات مجده، هذا من جانب، أما من الجانب الآخر، فقد كان تبني "العمل الجبهوي" سلاحاً إستخدمه الحزب بفلاح شديد في كسر طوق العزلة الذي كثيراً ما كانت تحاول الانظمة العسكرية أن تضربه حوله. اصبح تقليد "العمل الجبهوي" جزءاً اصيلاً من ثقافة الحزب الشيوعي، و لقد كان الحزب مبدئياً في التعاطي معه، إذ أن الحزب لم يحد عن ذلك التقليد إلا نادراً، و قد لا تحفظ ذاكرة التاريخ غير حالتين من الخروج البائن عليه، و لكن أي حالتين هما ، و إلي حدٍ كانتا مكلفتين ؟!!!، الاولى هي موقف الحزب من إنقلاب مايو 1969 ، قبل حدوثه مباشرةً ، و أثناء و بعد حدوثه، أما الثانية ، فهي محاولة إنقلاب 19 يوليو 1971 ، حين حاول الحزب إختصار المراحل في الوصول إلي السلطة و فشل !!! ففي الحالتين نجد ان الحزب دفع ثمناً باهظاً أقله كسر الطموح في أن يصبح قوة إجتماعية كبرى!!!.
و في هذا الامر قد يُشار إلي علاقة الحزب الشيوعي السوداني بالإنقلابات التي حدثت في غضون الديكتاتورية العسكرية الاولى ، اي قبل مايو 1969م. وفي الرد علي ذلك يمكننا القول بأن الموقف الواضح و الصارم بخصوص موضوع التداول السلمي للسلطة و عبر الإنتخاب تمٌ تبنيه بواسطة الحزب ، و بشكل لا يقبل التأويل في مقررات المؤتمر الرابع 1967م. كان ان تطرق الخاتم لموضوع "العمل الجبهوي" في تصديه لمسألة الجبهة الوطنية الديمقراطية، إلا انه كان تناولاً مختصراً، لم يعكس أهمية و ثقل "العمل الجبهوي" في حياة و تطور الحزب الشيوعي السوداني. قد لا يكون المرء غير صائبٍ اذا ما ارجع جذور "العمل الجبهوي" التاريخية إلي الحركة النقابية السودانية التي إرتبط بها الحزب الشيوعي إرتباطاً وثيقاً منذ نشأتها الاولى.
إن "العمل الجبهوي" هو ، في الاساس ، نشاطٌ تاكتيكي و ليس عملاً إستراتيجياً. إنغمس الحزب الشيوعي في ذلك النشاط التاكتيكي ـ بالطبع لضروراته ـ إلي الحد الذي غاب فيه عنه افق العمل الإستراتيجي ، حيث أننا نجد أن الحزب أنتج قادة نقابيين من طراز رفيع في الحركة النقابية العمالية و غير العمالية، إلا أنه فشل في إنتاج مفكرين يشغلهم إنتاج الفكر و التجديد لضخ الحياة في الحزب!!! و قضية الفكر بالنسبة للحزب الشيوعي ، و أي حزب ، بالتأكيد هي قضية إستراتيجية من الدرجة الاولى ، و ذلك بالقطع ما يدفع المرء للقول ، و في هدوءٍ تام ، بأن الحزب الشيوعي ظلّ عملياً، و لردح طويل ، حزباً تاكتيكياً و ليس تنظيماً إستراتيجياً، ما فتأ يقتات علي مؤنة فكرية غاضت منابعها!!! أعتقد أنه ظلّ يعمل كمنْ لا حيلة له ، و علي قاعدة " رزق اليوم باليوم " فيما يتعلق بالمعرفة ، و الفكر. و لا اعتقد ان ذهابنا إلي ذلك ينبئ عن أي قسوة في توصيفنا لحالة الحزب الشيوعي السوداني.
إن الاسباب التي ذكرها الخاتم كمسوغٍ لفشل الحزب في ان يصبح قوة إجتماعية كبرى يمكن تلخيصها في القمع المستمر الذي طال الحزب، وجود قطاع تقليدي كبير بعيداً عن نفوذه ، و اخيراً شمولية الموقف الفلسفي و البرنامج السياسي اللذين إتبعهما الحزب. فلو أردنا الوقوف عند الاسباب التي عددها الخاتم فإننا نتفق معه حول ان القمع المتواصل ،بالفعل، كان سبباً في الحد من تطور الحزب و إنتشاره ، و هذا هو النصف الاول من الحقيقة ، فيما كان يترتب علي القمع ، ام نصفها الآخر فهو أن الحزب كان يخرج منهكاً دائماً بعد كل ديكتاتورية ، إلا أنه و في الوقت نفسه يكون أكثر إصراراً و هو مملؤ ٌ بروح التحدي و التفاؤل، بل و اكثر إقبالاً علي الحياة ، و قد يُذكر أن حوالي 70% من عضوية الحزب كانت ان طرقت ابوابه بعد أنتفاضة مارس/ أبريل 1985م. و هذه ظاهرة في حد ذاتها ليست جديدة في تاريخه ، تكاد ان تكون حدثت بعد ثورة اكتوبر 1964م. فتلك كلها شواهد تجعل باب الامل، علي الدوام ، مفتوحاً أمام الحزب.
اشار الخاتم إلي عامل القطاع التقليدي علي أنه ، " يضم الأغلبية الساحقة للسكان ، و يمثل قوة جذبٍ هائلة إلي الوراء" ، و كذلك يمثل واقعاً فيه ، " يكون من العسير بناء تنظيمٍ وطني حديث يتخطى الانتماءات القبلية و الطائفية و العرقية ، و النزعات الإقليمية"(11). هذه الإشارة صحيحة إلا أنه لا يمكن قبولها علي إطلاقها، و في ذلك لا نحاكم ما ذهب اليه الخاتم في شأن القطاع التقليدي، بالوقائع المحققة اليوم و المتمثلة في ان القطاع التقليدي اصبح اليوم في حالة حراك غنية و هائلة لا سابق لها جعلته ـ اي القطاع التقليدي ـ يفك إساره ، و يكف عن حالة و جوده خارج دائرة الصراع في السودان، و إنما نحاكم إشارة الخاتم تلك ، بوقائع تاريخية وصلت حد إختراق القطاع التقليدي ، و تلك الوقائع تتمثل في قيام تلك التنظيمات من الاتحادات ، و الروابط الإقليمية ، مثل إتحاد ابناء جبال النوبة ، نهضة دارفور ، إتحاد ابناء البجا و غيرها. وهي تنظيمات كانت تضم طلائع و نشطاء القطاع التقليدي منذ بعيد فجر الإستقلال. لا احد ينكر ان الحزب الشيوعي لعب دوراً في دعم و تشجيع تلك الاتحادات. و تلك التنظيمات كانت الحضن الذي شبّ و قوي فيه عود عددٍ غير قليل ممن إرتبطوا ، و يرتبطون بالحراك الذي ينتظم مناطق القطاع التقليدي اليوم.
كل ذلك لا ينفي ، بالطبع ، تفوق نفوذ الحزب في القطاع الحديث عليه في القطاع التقليدي، و لكننا نجد ، ايضاً ، أن إنحسار توجه الحزب إلي القطاع التقليدي كان مرتبطاً بغياب الديمقراطية و مصادرتها علي مستوى الوطن ، من جانب، و من الجانب الآخر ، مرتبطاً بحقيقة " شمولية الانتماء الفلسفي" ، و " شمولية الموقف و البرنامج السياسي"، و هو أمرٌ ارى أن التوفيق قد حالف الخاتم في تناوله ، خاصةً عندما قام بتشريح دقيق لموضوع " الجبهة الوطنية الديمقراطية" ، و مسألة " المركزية الديمقراطية"، و كذلك معضلة " الحزب و المثقفين". في معالجته لهذه القضايا الثلاث جاء نقد الخاتم الاساس للنظرية الماركسية، و ذلك ، بالقطع ، بالإستناد علي تقييمه لتجربة الحزب الشيوعي السوداني. تقدم الخاتم بنقدٍ لمفهوم " الجبهة الوطنية الديمقراطية" من حيث القوى الاجتماعية المكونة لها، و تنظيماتها و دور الحزب الشيوعي الاساس فيها، إذ انه يمثل القلب منها بفضل المكانة و الدور الذى كان من المفترض أن تلعبه الطبقة العاملة السودانية في ذلك التحالف الجبهوي. و الحزب الشيوعي ما تبوء تلك المكانة إلا بإعتبار أنه حزب الطبقة العاملة ، ايديولوجياً!!!. إنصبّ نقد الخاتم علي إصرار الحزب و إستماتته في عدم قيام قيادة مركزية للقوى المكونة للجبهة الوطنية الديمقراطية ، لأن الحزب كان يقوم بدور القيادة بالوكالة لتنظيمات الجبهة الوطنية الديمقراطية ، و لقد وصل في تحليله إلي القول ، " و كنتيجة مباشرة لمقولة "لا قيادة مركزية للجبهة الوطنية الديمقراطية" تشرزمت بصورة مؤلمة قوي الجبهة الديمقراطية. فنشأت الروابط الإشتراكية وسط المهنيين بمختلف تخصصاتهم كمنظمات قطاعية محدودة الوجود ، محددة الصلاحيات ، تعالج في نشاطها ، النقابي اساساًن قضايا محددة تقتصر في الغالب الاعم علي جماهير قطاعها. و قد كانت هذه محنة قاسية للمثقف الديمقراطي الذي يملك بحكم وعيه و علمه و خبرته و نضاله، رؤية وطنية شاملة ،و يبحث عن حيز وطني لفكره و فعاليته ، و الذي تعود من خلال حياته الطلابية أن يلعب دوراً مؤثراً و مدوياً في القضايا الوطنية، سواءً من خلال الجبهة الديمقراطية ، او من خلال المؤسسات الطلابية المختلفة و الإتحادات . و بدلاً من ان يجد نفسه في تنظيم فاعل علي النطاق الوطني عند تخرجه و اثناء حياته العملية ، فإنه يجد نفسه محشوراً في "غيتو سياسي" لا يخرج منه إلا في المناسبات الوطنية الكبيرة ، إن لم نقل إلا في الثورات و الإنتفاضات"(12).
لم يتعرض النقد المتماسك الذي قدمه الخاتم لمسألة " الجبهة الوطنية الديمقراطية" ، لأي نقد او تصدي مضاد يُذكر، إذا ما إستثنينا الجزئية الخاصة بـ "ديمقراطية الفراكشنات" ، و التي تقدم فيها د. صدقي كبلو بنقدٍ لما ذهب اليه الخاتم في هذا الشأن، ضمّنه في كتابه "موسم الهجرة الي اليمين".
من الناحية النظرية كان من المفترض أن يقيم نقد الخاتم، لمسألة " الجبهة الوطنية الديمقراطية" ، أن يقيم الدنيا و لا يقعدها، لأن هذه المسالة تمثل ركيزة اساسية من الركائز النظرية للحزب الشيوعي السوداني، فهي تمثل "الإبن الشرعي" لتطور أفكاره، و إضافته و وثبته الجبارة علي مستوى التنظير . كان الحزب يتباهى بها في وجه الاحزاب الوطنية الاخرى . و لكن برغمه لم يثر ذلك النقد الموجّه اليها حفيظة المجابهة الفكرية ضد الخاتم من قبل الشيوعيين ، لان اكثريتهم كانوا مشغولين ، حينها ، بتطبيق اللائحة ، و رصد خروقاتها اكثر منه انشغالهم بمحتوي الإختلاف و جوهره الفكري!!!.
من أميز ما قدم من نقدٍ ، كان ذلك الذي وجههه الخاتم لمبدأ "المركزية الديمقراطية" ، ذلك المبدأ الذي يسير حياة الحزب الداخلية ، و يرمي بظلاله الكثيفة علي كل انشطته!!!. اشار الخاتم إلي أنه برغم ما قيل في مدح هذا المبدأ فإن الحجج الساندة له تتلخص بالنسبة له في ضمان وحدة الحزب ضد التكتل و الإنقسام اولاً ، ثم ثانياً إيجاد نظام طاعة حديدي يرتفع بفعالية الحزب. في إعتقادي أن الخاتم أغفل مسوغاً ثالثاً راجحاً ، و هو الحفاظ علي جسد الحزب من الإختراقات المضادة ، و أعتقد إن كان هنالك من هدفٍ وحيد نجح الحزب في تحقيقه علي مر السنين ، هو تقليل فرص الإختراقات لتنظيم الحزب من قبل أعدائه، هذا إذا ما قارناه ببقية الاحزاب السياسية السودانية في هذا الصدد. علي كل حال حتى هذا الهدف كان من الممكن تحقيقه بوسائل اخرى افضل و اقل تكلفة إذا ما وضعنا في الإعتبار الثمن الباهظ الذي دفعه الحزب نتيجة إعتماده ذلك المبدأ ـ اي مبدأ المركزية الديمقراطية ـ بدلاً عن إشاعة ديمقراطية حقيقية في الحياة الداخلية للحزب. و عند هذه النقطة اتفق مع الخاتم في قوله :" و هكذا فإن وحدة الحزب و فعاليته يمكن ضمانها بإعتماد الديمقراطية وحدها كمبدأ تنظيمي"(13)، بل أنه ، كان من الممكن أن تضمن له جسداً معافى ، و تخرج به من حالة الإنكماش و الضمور. كان الخاتم محقاً حين ذكر أن هذا المبدأ هو لينيني الاصل ، و ليس ماركسياً ، و قد دفعت إلي صياغته ثم تبنيه بحزم ظروف القمع في روسيا القيصرية !!!.
عدد الخاتم مثالب " المركزية الديمقراطية" بشكل دقيق ، كان أقلها ، " أن الحديث عن إمكانية وجود أقلية داخل إطار "المركزية الديمقراطية" ليست سوى واحدة من إستهبالات الفكر السياسي و التنظيمي الاكثر مرارة و الاكثر إثارة للهزء. و إذا كانت الاقلية لا توجد داخل الحزب ، فإن الرأى الآخر لا يوجد بالتالي ، بالنسبة للمجتمع ، حيث يفترض أن يعبر عضو الحزب عن رأي الحزب بصرف النظر عن وجهة نظره الشخصية"(14). إنه نقدٌ متماسك لا يجد المرء مناصاً سوى الإتفاق معه. بالرغم من أن ما قاله في "المركزية الديمقراطية" قد جبّ ما قبله ، تجدني لا ارى مبرراً لعدم وقوف الخاتم عند قضية "الإنقلابات العسكرية" ، بإعتبار كونها واحدة من تجليات "المركزية الديمقراطية" ، باهظة التكلفة ، إضافة إلي انها ظاهرة ضاربة الجذور في تاريخ الحزب ، و هو ما إعترفت به قيادة الحزب ، و لكن دون ان ترده إلي جذره ، حيث جاء " فقد عارضنا إنقلاب نوفمبر 1958 بوصفه إنقلاباً رجعياً، و أيدنا و شاركنا في محاولات الانقلاب الاربع التي قام بها ضباط و صف ضباط و جنود وطنيون لاسقاط الفريق عبود في اول مارس 1959، و في 4 مارس 1959 ، و في 22 مايو 1959 ، و نوفمبر 1959"(15). حين المقارنة بما ورد اعلاه يصبح غير كافٍ قول الخاتم ، " و أجير الحزب ، ساعة الإقتضاء ، أن يحارب السلطة المايوية بسلاحها ذاته ، سلاح الإنقلاب العسكري . أعطي موافقته ، بصرف النظر عن كون تلك الموافقة صريحة أو ضمنية ، لتفجير حركة 19 يوليو 1971 ، عله بذلك يفتح الباب لحكم الجبهة الوطنية الديمقراطية ، و إنجاز مرحلة الثورة الوطنية الديمقراطية ، و مفضلاً في كل الأحوال مواجهة إحتمالات الهزيمة علي الإستسلام دون قتال . نقول ذلك دون أن نغلق الباب امام تقييم شامل لتلك الفترة المضطربة يستند علي الكشف المأمول عن كل الحقائق"(16). السؤال الذي يتبادر للذهن في هذا المقام ، ألم يكن الخاتم يلم بتلك الحقائق التاريخية عن علاقات الحزب الشيوعي بالإنقلابات العسكرية الواردة في التقرير المركزي حول إنقلاب 1971م ، رغم وجوده في قيادة الحزب ، بل و لو وقت في سكرتاريته المركزية ؟!!!. لم يتعامل الخاتم مع قضية "الإنقلابات العسكرية" بروح كمنْ يكتب التاريخ بحياد فحسب ، و إنما لم يستصحب حدة ذهنه ، و نفاذ نظرته الثاقبة و المعهودة في تعاطيه مع القضايا الشائكة ، و ذلك حين أشار طفيفاً إلي إنقلاب مايو 1969م ، برغم مما كان يمثله ذلك الإنقلاب من إنعطافة فاصلة في تاريخ الحزب ، إذ قال، " و يعتبر إنقلاب مايو من أقسى الإمتحانات في تاريخ الحزب الشيوعي . و إذا إتفق الناس او إختلفوا ، فثمة شئ لا شك فيه وهو أن تلك المواقف كانت محكومة بالمبادئ ، و بعيدة عن كل إنتهازية سياسية ، و متسمة بروح الصدام دفاعاً عن قيم الديمقراطية و التقدم. و من الحقائق المشهودة أن الحزب قد رفض كل إغراءات السلطة و إمتيازاتها ، و لفظ بحزم أؤلئك الذين رأى في تصرفاتهم تهافتاً علي المصالح الشخصية ، أو تغليبأً للإعتبارات التكتيكية علي حساب الشعب، و ديمقراطية الحكم ، و سعادة الجماهير."(17) في هذا الامر ، تبنى الخاتم سائد الكلام و سائره في صفوف الحزب !!!. إن الشواهد التاريخية و الوثائق تقول بغير ذلك ، سيما لو دقق المرء النظر فيما حوت من وقائع. و في هذا الشأن رأيت أنه من المفيد ان اورد المقتطف المطول التالي :
" مما لاشك فيه، وقتها، ان سماء الوضع السياسي في البلاد كانت ملبدة بغيوم التوقع ، بل و بالإستعداد و القابلية للتغيير... كانت كل المؤشرات تؤكد ذلك... هذا على صعيد الظروف الموضوعية ،و لكن على الصعيد الذاتي لأولئك الذين نفذوا إنقلاب مايو 1969م هل كان الوضع مستتباً و والظرف مهيئاً ؟ و هل ساهم الحزب الشيوعي في ذلك التهيوء ؟ و هل كانت مساهمة الحزب عاملاً مؤثراً في وصول ذلك التضافر بين ما هو موضوعي و ما هو ذاتي الي نهاياته و من ثم نجاح انقلاب مايو 1969م ؟؟.
للإجابة علي هذه الأسئلة لابد من العرض لحقائق صلدة ، لينبني عليها اجتهادٌ موضوعي و منتج ، و من هذه الحقائق :
أولاً/
ورد في تقرير سكرتارية اللجنة المركزية حول 19 يوليو 1971 : " إجتماع المكتب السياسي الذى إنعقد في 9/5/69 م ، ناقش إقتراح العسكريين بالإنقلاب ، و رفض الفكرة استناداً الي ما توصلت اليه اللجنة المركزية في مارس 1969 م حول التكتيك الإنقلابي. " ص 72 .
بالقطع ان العسكريين المُشار اليهم يشملون اعضاء تنظيم الضباط الاحرار ، و ذلك بحكم ان ذلك التنظيم ذو علاقة سياسية و تنظيمية ، في آنٍ معا ً ، بالحزب الشيوعي السوداني.
في النص اعلاه لابد من التمييز بين حقيقتين ، الأولى هي أن اللجنة المركزية ناقشت ، في دورتها في يوم 23 مارس 1969 ، التكتيك الإنقلابي كمفهوم فحسب و ليس كإقتراحٍ محدد قدمه العسكريين كما هو موضح اعلاه. و حدث أن رفضت ذلك المفهوم .
أما الحقيقة الثانية فهي أن " إقثراح العسكريين بالإنقلاب " لم تناقشه اللجنة المركزية بشكل منظم إلا في مساء يوم 25 مايو 1969، اي بعد وقوعه ، و ذلك بناءً علي إفادتين :
الإفادة الاولى /
هي تلك التى اوردها د. فاروق محمد إبراهيم في مقاله المميز المنشور في مجلة قضايا سودانية العدد الرابع في أبريل 1994 م ، حيث كتب قائلاً :
" و لعل الزميلين نقد و التجاني يذكران في اجتماع اللجنة المركزية في دورة 23 مارس 1969 أن بعض الأعضاء طلبوا معرفة تفاصيل عما يجري داخل القوات المسلحة و ما يجري من تحضير لإنقلاب بين الضباط الأحرار ، فرد عبد الخالق ( هذا العمل يتعلق بحياة و موت زملاء يعملون في هذا المجال . اقول لكم كلام هنا و باكر يطلع في خباز( مقهى شهير في الخرطوم) . لو المكتب السياسي طلب مني برضه مش ح اقول له. إنتم إخترتوني لهذه المسئولية و أنا أنفذها بالطريقة التي اراها صحيحة) . " ص 26 .
بالمناسبة هذه واحدة من الإفادات التي تجنب الاستاذ التجاني الطيب الرد عليها في معرض رده الضافي علي د. فاروق محمد إبراهيم....ا.
الإفادة الثانية /
اوردتها سكرتارية اللجنة المركزية في تقريرهر حول 19 يوليو 1971 كما يلي :
" إجتماع المكتب السياسي الذى انعقد في 9/5/1969 ناقش إقتراح العسكريين بلإنقلاب و رفض الفكرة استناداً الي ما توصلت إليه اللجنة المركزية في مارس 69 ، حول التكتيك الإنقلابي . لم تتبعه دعوة سريعة للجنة المركزية لعرض الأمر عليها، ليس فقط لوضعها في الصورة أو لإعلامها بتطورات الوضع السياسي ، بل لتعبئة و توحيد مجموع الحزب في مواجهة الفكر الإنقلابي و التكتيك الإنقلابي." ص 72 . (خط التأكيد من عند الكاتب.)
من هتين الإفادتين تبرز ملاحظتان في غاية الأهمية ، الأولى هي أن ما توصلت إليه اللجنة المركزية في مارس 1969 م كان متطابقاً تماماً مع قرارات المؤتمر الرابع حول الموقف الرافض للإنقلاب. و الملاحظة الثانية هي أن فكرة انقلاب مايو 1969 م كانت متداولة في المكتب السياسي ، و بإشارة اكثر دقة ، كانت تفاصيلها محصورة بين تنظيم الضباط الاحرار و المكتب السياسي ممثلاً في السكرتير العام لحزبنا ـ الشهيد عبد الخالق محجوب ـ ."(1
و مما هو قمينٌ بالإشارة أنه كانت لـ "المركزية الديمقراطية" اوجه عدة و مسالك متنوعة ، لم يقف عندها الخاتم رغماً من اهميتها .و منها أن "المركزية الديمقراطية " ، وجدت غطاءاً آمناً تحت عدة مفاهيم جاذبة وطنانة ، كان لها صدى في حياة الحزب الداخلية ، و قد كانت تُردد أحياناً بفهمٍ و مكرٍ و أحياناً بدون فهم.نورد مثالاً علي ذلك مفهوم "وحدة الفكر و الإرادة"!!!. دعنا ننظر في الجزء الاول من هذا المفهوم ، و هو "وحدة الفكر" ، قبل أن نعطف عليه "الإرادة"، " إن الوقوف الطويل عند "وحدة الفكر" و التأمل فيها تستدعيه حقيقة ان الناس يدخلون هذا الحزب لاسباب مختلفة و من منطلقات متباينة، منهم منْ دخل من منطلقات فلسفية بحتة كالراحل الخاتم عدلان، و منهم منْ جاء على أساس البرنامج السياسي....الخ. بل و اكثر من ذلك قد يكون هنالك بعضٌ من اعضاءٍ منذ دخولهم هذا الحزب و حتى مغادرتهم هذه الحياة الدنيا لم يكن لهم علم بما ذهب اليه "ماركس" في تشريحه للتركيب العضوى للرأسمال من حيث تكوينه من رأسمالٍ ثابتٍ و اخرٍ متغيرٍ!!! ، و ان إختلافه ـ اى "ماركس" ـ مع الاقتصاديين الراسماليين في هذا الصدد كان حول موضوعة ان راس المال المتغير قوامه قيمة "قوة العمل" و ليس كما يعتقدون هم ـ اي المنظرون الرأسماليون ـ ان راس المال المتغير ، الي جانب "قيمة قوة العمل" يضم ايضاً " قيمة المواد الخام" و بكل انواعها !!!. و قد يكون هنالك ايضاً من الاعضاء منْ هم اكثر حميةً و استبسالاً في الدفاع عن الحزب ، ولكن لا يقع ضمن معرفتهم او حتى إهتمامهم كيف تُنتج القيمة الزائدة ؟!!! رغم ان مفهوم " القيمة الزائدة" او " فائض القيمة" يمثل ركناً اساساً في النظرية الماركسية ، إذ بدونه سينهار بناؤها باكمله علي رؤوس منظرييها و علي رؤوس الاشهاد بكلكلهم !!!. ففي حزبٍ قد يكون هذا واقعه هل يمكن ان نفهم "وحدة الفكر و الإرادة" سوي انها تعميم مبهم مختار بدقة لتكريس اوضاع لا تزدهر فيها غير "المركزية الديمقراطية ؟!!!. (19).
إن الشواهد متعددة علي صميمية " المركزية الديمقراطية" في تاريخ الحزب ، وعلنا نجد مثالاً حياً ، و ليس نظرياً ، في حادثة مؤتمر الجريف الذي كشف عن حيثياته د. فاروق محمد إبراهيم ، إذ أن ما كتبه في هذا الشأن لم يجد الرد و لم يتم التصدي له أو نفيه .علي اية حال ، سيكون ما قال به د. فاروق عالقاً فوق رؤوس قدامى الشيوعيين و قيادة الحزب... و سيظل ذلك سؤالاً مشهراً في وجهنا جميعاً ، دون إستثناء!!!.
اخذنا علي الخاتم في نقده للمركزية الديمقراطية وقوفه العابر علي ظاهرة الإنقلابات و علاقة الحزب الشيوعي بها ، و لكن كما اوضحنا اعلاه انه ايضاً لم يتناول او يتطرق لمفهوم "وحدة الفكر و الإرادة " برغم مما مثله و يمثله ذلك المفهوم من ركن اساس في حياة الحزب و نشاطه.
الحزب الشيوعي السوداني حزب مثقفين !!! و هذا تناقضه !!!
عن علاقة الحزب الشيوعي السوداني بالطبقة العاملة السودانية يقول الخاتم ، " إن الحزب الشيوعي السوداني قد بذل جهداً كبيراً و متصلاً لتأكيد هويته "البروليتارية"، و "ترقية" تكوينه البروليتاري. و قد أدى ذلك ، في نظرنا، إلي سيادة إهتمامات ضيقة ، و غذى روح الإنتظار الحالم لتلك اللحظة التي تنمو و تنضج و تسود فيها الطبقة العاملة. و قد أدى ذلك إلي غربة الشيوعيين عن واقعهم غير البروليتاري اساساً. فأعرضوا عن عن الإنخراط اليومي الحميم في معرفة الواقع و توجيهه وفق منطقه الخاص و ليس وفق تصورات ذهنية غير واقعية".(20)
في حقيقة الامر أن نشاط الحزب الشيوعي لم يكن وقفاً علي الطبقة العاملة ، و إنما نشط الحزب بشكل اساسي ، خاصة في العقود الاخيرة ، وسط فئات و طبقات إجتماعية غير عمالية. و هذه الطبقات غير العمالية هي التي رفدت الحزب بجل اعضائه و قياداته. الشاهد ، ان الحزب الشيوعي لم "يعرض عن الانخراط اليومي الحميم "، و إنما كان موجوداً بشكل لصيق بفكر طبقي "عمالي" وسط طبقات "غير عمالية" !!!، و قد اصبح يتجه إلي طبقاتٍ ، بفكرٍ لم يُنتج أصلاً لتسليحها !!! فهذه واحدة من معضلات الفكر حين يُحشر حشراً في قالب طبقة واحدة، و المعضلة هذه تمثل جانباً واحداً من جوانب ازمة الحزب الشيوعي ، اما الجانب الاخر من الازمة، فهو تعامل الحزب الشيوعي مع الفكر الماركسي و بشكل "طبقي " متزمت ، و ذلك بإعتباره مقياساً صارماً و اساس للتصنيف بين العضوية ، و كل ذلك في حزبٍ يمثل العمال نسبة ضئيلة فيه!!! ، في حين ان المنحازين فيه لفكر الطبقة العاملة ـ و هم ليسوا بعمال ـ يمثلون الاغلبية الساحقة!!!.
كان التعامل الميكانيكي مع ذلك الفكر لتأكيد " الهوية البروليتارية" و "نقائها" قد أضر بالحزب كثيراً. نلمس واحدة من تجليات ذلك الضرر في إشارة محكمة، لخصها الخاتم قائلاً ، " كما أن النقاء البروليتاري قد تطابق في كثيرٍ من الاحيان مع التعصب و الجمود و إحتقار الرأى الاخر ، و قمعه، بإعتباره يمثل "فكراً غريباً" عن آيديولوجية الطبقة العاملة. لقد كانت هذه التهمة فادحة بالفعل. فالتعبير عن "أفكار غريبة" يعني الوكالة الفكرية عن طبقات اخرى ، و تمثيل مصالحها ، غير المشروعة ، داخل الحزب. و هو عمل يمكن ان يوصم بالخيانة، و في حالة براءة الشخص من تهمة الخيانة فانه في هذه الحالة لن يكون بريئاً من الجهل ، و لا من عدم نضوج الانتماء البروليتاري.و تكون مجهوداته السابقة كلها في التثقيف الماركسي قد ضاعت هباء".(21)
إن التركيبة الطبقية للحزب الشيوعي السوداني لا تؤكد باي حال من الاحوال انه حزب "عمالي" ... ليست هنالك إحصائيات دقيقة ، و لكن لا أعتقد ان منْ ينتمون الي الطبقة العاملة يمثلون نسبة معتبرة في الحزب. و هذا وضعٌ تعكسه نتائج آخر انتخابات نقابية قبل إنقلاب الجبهة الاسلامية في 30 يونيو 1989م ، حيث لا مقارنة تذكر بين وزن و نفوذ الحزب في نقابات الموظفين و المهنيين ، و وزنه و نفوذه في نقابات العمال !!!، لقد كان وجود الحزب بين العمال ضعيفاً، و ذلك لضعف أعضائه من العمال، و علي النقيض منه ، تماماً، كان وجوده في حركة الموظفين و المهنيين، و هي الحركة الحضن، و المفرخة للمثقفين ، اؤلئك الذين يعتمد عليهم الحزب في المساندة و المناصرة، و في الذهاب بين الناس للتبشير برسالته الطبقية!!!. في الواقع لم ينفرد الحزب الشيوعي السوداني لوحده بتلك المفارقة المحزنة ، و إنما الحركة الشيوعية العالمية و بكل أحزابها، قد عاشت تلك المفارقة ، و ستظل تعيشها ، و ذلك امرٌ تفرضه حقائق واقعية متعلقة بالتركيبة العضوية نفسها للاحزاب الشيوعية، حقائق تتناقض مع التصورات و التجريدات الذهنية . فالحزب الشيوعي السوفيتي ، اعرق الاحزاب الشيوعية قاطبةً ، لم يكن احسن حالاً ، " فى اواخر الثمانينات من القرن المنصرم و عشية بدء زوال الاتحاد السوفيتى كانت الاحصاءات تشير الى ان في الدولة السوفيتية 25 مليوناً من العاملين ذوى الياقات البيضاء، و اولئك هم الموظفون والمهنيون من اطباء ومهندسين و علماء ومتخصصين فى حقول مختلفة. نجد ان 30% من ذوى الياقات البيضاء كانوا اعضاءاً فى الحزب الشيوعى السوفيتى ،هذا من جانب ، اما من الجانب الاخر فان عدد العاملين ذوى الياقات الزرقاء فيقدر بثلثي سكان الدولة وهؤلاء هم العمال بكل فئاتهم فاحصائياً يقدر عددهم بـ 160 مليون تقريباً وهم يمثلون الطبقة العاملة فى الدولة . نجد ان 7% فقط من العمال هم اعضاء فى الحزب الشيوعى السوفيتى !!!.
لابد من ملاحظة ان الحزب الشيوعى هو حزب الطبقة العاملة الا اننا نجد ان 93% من الطبقة العاملة خارج الحزب الشيوعى الذى يحكم الدولة ويسيرها بإسمها !!! ، فهذا وضع لا يمكن تفسيره او بالاحرى تبريره الا من خلال السياقات النظرية عن الانحياز الطبقى !!!."(22)
إن " الوكالة الطبقية" تلك، و بالإستناد علي ما تحقق من تجارب ، تحتم ضرورة إعادة النظر في التعامل مع الفكر بشكل عام ، و بشكل خاص الفكر الثوري التقدمي . فلقد وضح من تجارب الاحزاب الشيوعية العالمية دون إستثناء ، أنه حتى ولو إنسلخ أعضاء الحزب من منشأهم الطبقي ، و إنحازوا كلية لفكر الطبقة العاملة، فإن ذلك لن يجعل منهم عمالاً!!!. الفكر التقدمي بشكلٍ عام ، و الفكر الماركسي جزءٌ من، له المقدرة كفكرٍ للعدالة الإجتماعية ، علي خلق احزابٍ جاذبة ، احزاب لكل الناس ، مفتوحةً للشعب. و هذه بالقطع حقيقةٌ يكمن ، في إستيعابها الواقعي ، الخروج من الحصر القسري و الميكانيكي لفكر العدالة الإجتماعية بمجمله في طبقةٍ ما ، و هو حصرٌ نابعٌ من التوهم بان الماركسية ، هي خلاصةٌ و مستودعٌ نهائي لفكرة العدل الإنساني !!! هذا كله من جانب ، أم من الجانب الآخر ، فإن في إستيعاب حقيقة تلك المقدرة ، إقرارٌ بالتحول و التغير المرتبط بدنامية النشاط الانساني في جانبه الاقتصادي ، و التكنولوجي ، و كل جوانبه الاخرى.إنه تحولٌ قد يفضي في المستقبل إلي زوال طبقاتٍ كاملةٍ وفق تعريفها الكلاسيكي ، و إلي بروز اخرى لم يحيط التعريف الكلاسيكي بخصائصها ، و بقدراتها ، و كذلك بضرورتها في صيرورة العملية الانتاجية، تلك العملية التي تمثل عاملاً حاسماً في صناعة التاريخ البشري.
نقد الماركسية /
إن المتتبع لكتابة الخاتم في "آن اوان التغيير" ، يلحظ أن نقده للنظرية الماركسية أو اسسها جاء مضمناً في ثنايا تناوله المفصل لتجربة الحزب الشيوعي السوداني ، و الذي كان في مركز قيادته يوماً.لا اقول أن نقده جاء عفوياً ، و لكنه لم يكن، احياناً، مركزاً و واضح المعالم ، بل انه في بعض منها جاء معمماً، بالنسبة للقارئ العادي، دون تشريح ، و ذلك مثل الإشارة الي "شمولية الموقف الفلسفي " الماركسي.(23)، او مثل " وإن المطلع علي اعمال ماركس لن يجد في ترشيحه للبروليتاريا لقيادة التاريخ الانساني سوى اسباب واهية".(24) إذا سألنا عن ماهية الاسباب الواهية ، فاننا لا نجد اجابات نظرية شافية و مقعدة في صلب "آن اوان التغيير"، لتبين وهن تلك الاسباب . حتى ان الخاتم حين اشار إلي تعلق ماركس الرومانسي بالبروليتاريا في عشرينيات عمره ، لم يذكر حقيقة ان ماركس كان أن تحدث عن المجتمع الشيوعي و هو في سن الخامسة و العشرين ، و لم يكن يمتلك، حينذاك ، أي تصورٍ علمي ، وذلك علي خلاف الطريقة التي عالج بها "جونثان وولف" نفس النقطة ، والذي قال محللاً ، " و في الحقيقة ، أن ماركس تنبأ بالوصول إلي المرحلة الشيوعية في وقتٍ مبكر من حياته، في حوالي سنة 1843م ، ـماركس مولود في 1818م (الكاتب) ـ ، قبل سنوات من تطويره الخطوط الاساسية لنظريته في التاريخ ـ المادية التاريخية (الكاتب)ـ و في كلماتٍ أخرى إن تنبوءه ذلك لم يكن مستخلصاً من النظرية ، و إنما صُممت النظرية لتدعم ذلك التنبوء الذي قام به ماركس".(25) علي أية حال برغم مما ذكرنا اعلاه عن كتابة الخاتم ، فإننا نجد في بعض الاحيان أنه قد لمس جوهر النظرية الماركسية في بعض جوانبها ناقداً. إصطف الخاتم إلي جانب المفكرين الذين شككوا في مستقبل النظرية الماركسية ، و خاصة جانبها التاريخي ، و الذي يعتمد بشكلٍ اساس علي مقولة ان البروليتاريا هي التي سترث حركة التاريخ، و ذلك بتوجيهها لها في وجهة بناء المجتمع الشيوعي!!! بحسب أن البروليتاريا هي المنتج الرئيس للثروة و الخيرات. طعن الخاتم كغيره من المنظرين المهتمين في امكانية إستمرار الطبقة العاملة كما تصورها ماركس، نوعاً و كماً في المستقبل، بل شكك في مقدرتها الحفاظ علي دورها في عملية الانتاج، أي إنتاج الثروة و الخيرات للمجتمع ، حيث قال ،ً " و أصبحت المعرفة و المعلومة و الفكرة ،و التصميمات الذهنية ، هي ادات الإنتاج الاساسية. و هذه تمتلكها الطبقات الجديدة ، و الفئات الجديدة، التي ولدتها الثورة العلمية التكنولوجية. و قد اصبحت هذه الفئات و الطبقات هي المنتجة الاساسية للثروة ، و اصبحت هي الوحيدة القادرة علي قيادة المجتمع. لقد تضاءل دور البروليتاريا...."(26)
رغم أن هناك اسئلة مشروعة حول الطبقات الجديدة إلا أن مستقبل العملية الإنتاجية يحبل بكثيرٍ من الإحتمالات و التحولات العميقة، و التي ستعيد تعريف الطبقات و دورها ، قطعاً سيكون المنطلق الاقتصادي هو احد مشتركات التعريف و سيكون له دوره في تشكل الصراع، و لكنه لن يكون الوحيد و الاساس كما ذهبت و تذهب الماركسية في تفسيرها الآحادي المشتط ، كما امن " جونثان وولف" في هذا المقتطف الحُجة ، " و في النهاية قد يتوجب علينا مناقشة ما قد يمثل الإشكال الاعمق في كل ذلك. إن حجة ماركس العظمى ، تقوم علي نظرية ان كل المجتمعات السابقة إنقسمت علي اساس طبقي ، و تفسير ذلك الإنقسام الطبقي يكمن فيما هو إقتصادي. من هذا المنطلق يبدو اننا لو استطعنا خلق ظروفٍ لا حاجة فيها للتطاحن حول ما هو إقتصادي ،لن يكون هناك ، حينئذ، من داعٍ لوجود طبقات، و بالتالي ستكون لدينا الارضية لاجل خلق مجتمعٍ لا طبقي. إلا أن الدعوة القائمة، هي ان الاساس الذي نشكل فيه انفسنا للقيام بادوار جماعية هو أساس إقتصادي. و لكن هل هذا الامر صحيح ؟ ، واضحٌ اننا في العالم الواقعي نرى مجموعات تصارع بعضها بعضاً من منطلقاتٍ شتى، العرق ، الدين ، القومية ، و النوع ، و هذه كلها تخلق إنقسامات و صراعات. إن الإجابة الماركسية لهكذا حالة ، هي أن كل تلك الصراعات في جذرها ، لها اساسٌ إقتصادي. هكذا في النهاية ، يبدو أن الامر ـ أي الموقف الماركسي (الكاتب) ـ لا يعدو أن يكون مجرد جمود"(27)
في إعتقادي ، انه لابد من تحرير الماركسية من يقينياتها الاساسية ، التي فقدت جزءاً كبيراً من قوة إقناعها ، و ذلك لفقدانها تماسكها ، و موضوعيتها كحقائق، و من اهم تلك الحقائق " مفهوم القيمة" و تعريفه الماركسي ، و الذي توصل اليه ماركس من خلال نظريته المعروفة بنظرية العمل. إن اهمية مفهوم القيمة تأتي من حقيقة أنه من الدعائم الاساسية التي تقوم عليها النظرية الماركسية باكملها، و لانه من خلال ذلك المفهوم تمّ التوصل الي مفهوم "القيمة الزائدة " او " فائض القيمة"، و بالتالي التوصل إلي صياغة حصيفة و جاذبة للإستغلال ، ليست علي مستوى مفهومي فحسب ، و إنما علي اساسٍ رياضيٍ ، و ذلك لتثبيت حقيقة نسبيته و إطلاقيته. ساعدت المعالجة تلك ، كغيرها من معالجاتٍ مماثلة لمفاهيم أُخرى ، في إضفاء العلمية علي النظرية الماركسية. و لكن برغمه ، اصبح التصدع واضحاً علي جدار مفهوم القيمة الماركسي، لان جزءاً غير يسير من السلع المنتجة اصبح يُنتج بدون المرور من بين يدي العامل و بدون الإرتواء من عرقه ، او الخضوع لجهده المباشر و عضلات جسده " المنهك"!!!. اصبح اعمل المجسد ، هو السمة السائدة في الانتاج. و هو المنقول معرفياً و تكنولوجياً عبر الزمن، ذلك العمل الذي قام به أناسٌ أو عمالٌ تمّ حساب "وقت العمل الضروري إجتماعياً" ـ حسب ماركس ـ لقيمهم المنتجة وفق شروط لا علاقة لها بشروط اليوم!!! رغم ان عملهم يتجسد "حياً" في قيمة سلع نستهلكها اللحظة ، مما يدخل مفهوم "القيمة الزائدة" في "وعثة" وعثاء!!!. فإن كان نقد ماركس الحصيف للاقتصاد السياسي للراسمال قد مكنه من "إخراج" عملاق التاريخ ـ فائض القيمة ـ من "ثقب إبرة" . فإنه علي العكس منه تماماً اليوم، حيث لن تستطيع حصافته تلك ، إسعافه في عصرنا هذا ، من تمرير نفس العملاق خلال اكثر ابواب التاريخ إتساعاً ـ أي الانتاج بمعايير تكنولوجية اليوم ـ . إن حساب القيمة الزائدة او فائض القيمة ، اصبح عصيّاً بمنهج ماركس اليوم.( القيمة الزائدة هي موضوع بحث منفصل سننشره مستقبلاً).
بل ، و من جانب آخر يعتقد بعض الماركسيين ، و منهم منْ هو اكثر غلواً، مثل "مايكل ليبويز" ، ان ماركس كان آحادي الجانب في تعريفه لقيمة قوة العمل . جاء ذلك في كتابه الموسوم ، "ما بعد راس المال"، و الذي حاز بواسطته علي جائزة "آيزاك و تمارا دتشير "التذكارية لسنة 2004م ، حيث قال ، " و بعد ، كما لاحظ "بوب روثورن" أن هذا التعريف ـ أي تعريف قيمة قوة العمل (الكاتب) ـ حقيقةً لا يختلف عن التعريف الذي قدمه الإقتصاديون الكلاسيكيون ، من امثال "ريكاردو" . أنه نظر للعامل كحيوان يعمل، كماكينة. لقد قيل ببساطة أن قيمة قوة العمل يجب ان تكون كافية للحفاظ علي تلك الماكينة لإستعاضة تآكلها ، و إستهلاكها، و كذلك للتمكين من إحلال بديلها (المناسب) ".(2
هناك سؤالٌ لابد لنا من الإجابة عليه، و هو هل ثبوت عدم جدوى التعريف الماركسي للطبقات ، أو زوال طبقات، كان يتغنى بها ماركس ، بشكلها الكلاسيكي، يعني أن الشُقة بين منْ يملك و منْ لا يملك اصبحت اضيق ؟! ، و أن العالم قد أصبح يسير نحو عدلٍ محتوم؟!
للإجابة عن هذا السؤال ، و بشكل موضوعي ، لابد من العرض لبعض الإحصائيات التي تسند تلك الإجابة.
اورد المكتب الفدرالي للاحصاء في الولايات المتحدة الامريكية ان جملة عدد منْ هم تحت خط الفقر لعام 2005م بلغت 38،231،521 شخص ، و عدد الاطفال من بين هؤلاء وصل الي 13،008،489 أي ان اكثر من ثلاثة عشر مليون طفل يعيشون تحت حد الفقر في اغنى دول العالم !!! كما و انه حين يُصنف منْ هم تحت حد الفقر علي اساس النوع يكون عدد النساء 21،661،017 و عدد الذكور 16،570،504 ، اي ان عدد النساء يفوق عدد الرجال تحت خط الفقر!!!. و المؤشرات الحالية تنبئ بان الوضع لن يكون باحسن منه لهذا العام 2006م. هذا علي مستوى الولايات المتحدة الامريكية ، و لكن لنرى الامر علي مستواً آخر ، " في عام 2003م ، انتجت المؤسسات الـ 500 الاكبر في العلم 40% من إجمالي الإنتاج المحلي في العالم ، بينما كانت توظف و هي مجتمعة 1،1% ( واحد و واحد من عشرة في المائة ) من مجموع القوى القادرة علي العمل في العالم"(29). و هذا يعني ، بالطبع، أن 98،9% من القوى القادرة علي العمل في العالم لا تنتج غير 60% من إجمالي الانتاج المحلي في العالم!!!. ولكن لابد من ملاحظة أن ليست كل القوى القادرة علي العمل موظفة و مستوعبة في العملية الإنتاجية، هناك نسبة كبيرة من القوى القادرة علي العمل تعاقر البطالة ، إذ أن الإحصائيات توضح أن عدد العاطلين عن العمل قفز من 500 مليون في منتصف الثمانينات إلي 840 مليون في عام 1994، بل و وصل إلي بليون عاطل عن العمل في عام 1996م (30). أما اليوم ، فيمكننا أن نُسلم يقيناً ، ان هناك جيوش جرارة من العاطلين عن العمل علي وجه المعمورة!!!.
إنها إحصائيات تجعلنا نجيب علي سؤالنا الذي طرحناه في إستهلال هذه الفقرة بالنفي. كما و انها في نفس الوقت تفتح الباب علي مصراعيه ـ وليس موارباً ـ للحديث عن أناسٍ لا علاقة لهم بالانتاج ، اي خارج العملية الانتاجية، وذلك بابٌ لا سبيل فيه للحديث عن قوى عاملة، يمكنها أن تنتظم أو تُنطم في نقابات و تنظيمات عمل ، لتضع ضغوطاً علي الراسمال . و بمنطق الاشياء فإن ذلك يلوح بالسؤال المشروع عن "الطبقة العاملة" و "حزبها" الذي يجبل منها كما جبل آدم من الصلصال، و كذلك السؤال عن إمكانيتهما ، اي "الحزب" و "طبقته" ، في التأثير علي العملية الانتاجية ، و تعطيلها عن طريق الاسلحة الطبقية المعهودة من إعتصام و إضرابٍ ، و غيرها !!!!. هذا فيما يتعلق بالجانب الكلاسيكي من الماركسية من ناحيةٍ ، أما من الناحية الثانية ، فحين نربط هذا الوضع بإنهيار النظم الاشتراكية و زوالها ، تكون قد إنهارت تماماً ، امام اعين المنظرين ـ كل المنظرين ـ و بدون إستثناء مقولة " تعميق أزمة الرأسمالية العامة"، و تكون قد قعدت قعوداً لا حراك بعده. و هذه مقولة اصيلة من بنات الفكر الماركسي اللينيني ـ المدللات ـ ، كان مفادها ان " ازمة الراسمالية العامة" تتعمق ، و تتحقق بفضل تناقضاتها الداخلية كنظام ، و بفضل دينامية و إتساع النظام الاشتراكي و طبقته العاملة ، و قوى التحرر الوطني.
الإشارة اعلاه لم يكن نقصد منها غير النظر إلي ما طرأ و جدّ ، و بالتالي تأكيد تأثيره علي مجمل مرتكزات الفكر الماركسي. و هي إشارة بالإضافة إلي ما ذكرناه من قبل ، تصب في وجهة تأكيد حقيقة بروز طبقات و فئات جديدة إكتسبت مقدرات غير مسبوقة بفضل الثورة التكنولوجية ، و إلا كيف نفسر ان 1،1 % من القوى القادرة علي العمل يمكنها إنتاج 40% من إجمالي الإنتاج المحلي في العالم !!!. و لقد كان الخاتم محقاً حين لخص ذلك في قوله ، " و هذه ظاهرة جديدة لم يعرفها ماركس و لم ينظر لها".(31)
بناءاً علي كل ما أوردناه من عرض، تجدني اميل في إجابتي علي السؤالين اللذين ابتدرت بهما هذه الورقة ، إلي القول بان مساهمة الخاتم هذه قد تخطت تناول تجربة الحزب الشيوعي، و التي عالجها معالجة العارف ، إلي نقد النظرية الماركسية ، إلا أن نقده لها ، لم يكن كافيا ، و قد يكون ذلك متعلقٌ بطبيعة المساهمة و قصد توجيهها الي اكبر قطاع من القراء ، إن كانوا داخل الحزب او خارجه.
ما قبــــــــل الختـــــــــــــام/
قبل أن آت إلي خاتمة هذه الورقة ، هناك سؤالٌ كان دائماً يلحُ علي ذهني، و هو ، هل كان الخاتم ينوي الخروج من الحزب عندما تقدم بمساهمته تلك ؟
حين يطلع المرء علي "آن اوان التغيير" ، لابد له من ان يلمس جرأة الطرح المضمّن فيها. و كذلك المحاولة الجادة في الإتيان إلي الحقيقة من منافذ عدة. لقد كانت محاولة للكتابة صادقة من شخصٍ لم يتنازل عن موضوعيته تحت إغراء الحجة التي بدت له ، و إمتلك ناصيتها، بل انها من شخصٍ إمتنع عن الإنحدار إلي أي إنكارٍ غير لائق لحقائق درج علي التغاضي عنها نفرٌ غير قليل ،في تاريخ هذا الحزب ، هذا إن لم يكن قد جهدوا في تشويهها ، و عمدوا للإفتراء عليها!!!، فلقد قال الخاتم مُنصفاً و مُحقاً : "و ما اشرنا اليه في هذه الاسطر السابقة، و بهذه الصورة الخاطفة، ليس قليلاً بالنسة إلي حزبٍ يحمل مواصفات الحزب الشيوعي.و لم نورده نحن إلا بقصد إثبات ما نعتبره الحقيق في حق حزبٍ إمتنع علي الدوام عن الإنخراط في مديح الذات. و قد شئنا أن نثبت أيضاً أن التضحيات الجسيمة لم تكن عبثاً ، و أن الجهود العظيمة التي بذلتها أجيال الحزب لم تكن عملاً لا طائل من ورائه ، و أن الدماء الذكية التي جاد بها قادته و مناضلوه لم تضع هدراً".(32) . هكذا تكلم الخاتم عن الحزب الذي ترعرع فيه. لم يتنكر الخاتم للتقدم ، رغم ان حقائق ليست قليلة كان يؤمن بها ذات يومٍ، قد فقدت ، بالنسبة له، ثباتها و بريقها!!!.
تجدني اجيب علي السؤال الوارد اعلاه ، أيضاً، بالنفي. لا اعتقد ان الخاتم حين قدم مساهمته كانت لديه نيتة مبيتة علي الخروج رغم إدراكه لجرأة ما كتب . لم يُعرف عنه طيلة حياته الحزبية ما يشير الي نزوعه للمساومة ، او الوقوف الي جانب انصاف الحلول. كان مصادماً عن وعي ، و يستند إلي معرفةٍ و ثقافةٍ حقيقيتين اهلاه ، منذ وقت مبكر ، لمواقع قيادية منذ ان كان طالباً. كان يعتقد أنه من الممكن ان يقود تغييراً من داخل الحزب، و ذلك بناءاً علي قناعته التي افصح عنها حين قال، " و عندم ينظر المرء الان و يجيل النظر داخل الحزب الشيوعي السوداني، فإنه يرى مظاهر الشيخوخة قد دبت في كل شئ ، و تخللت جميع الخلايا. و لكنه يرى مع ذلك إمكانيات هائلة للنهوض بالإستناد إلي جديد ينبت بين الانقاض ، و حياة تتمخض من كوم الرماد ."(33)
إن الإعتقاد في إمكانية التغيير قد يكون ان عززه الظرف العام المتمثل في فقدان النظام الإشتراكي العالمي لمشروعيته و عجز الماركسية عن ان تكون في مستوى التحديات المطروحة، لا سيما علي مستوى الحراك الفكري و النظري لإستيعاب المتغيرات الكونية، هذا من جانب، اما من جانبٍ آخرٍ، فقد يكون أن عززه الظرف الخاص بالحزب الشيوعي السوداني، الذي كان وقتها يشهد ضموراً في حركته تحت قمع نظام الجبهة الإسلامية الفاشي، و ضمور منتوجه الفكري ، و تلك معاناة لازمت الحزب لعقود طويلة.
يدور كثيرٌ من لغط الكلام ، إن كان عن إدراكٍ أو غير إدراك، حول أن الخاتم دعا إلي حل الحزب الشيوعي ، غير اني اعتقد ان ذلك منزوعٌ عن سياقه، مما جعل تلك "الدعوة" قائمة بذاتها كأنما هي المبتدأ و المنتهى!!! و لكن لننظر كيف كان مجمل السياق ، " 13 ـ ما ندعو إليه هو إنعقاد المؤتمر الخامس للحزب الشيوعي في فترة لا تزيد عن عام من نشر هذه الورقة. و نعتقد أن كل الصعوبات يمكن تجاوزها. تقدم لهذا المؤتمر كل التصورات المطروحة ، بما فيها هذا التصور الذي أفضنا في الحديث عنه. و في حالة تبني هذا التصور، يحل الحزب الشيوعي السوداني".(34)
يتضح بما لا يدع مجالاً للشك أن تلك "الدعوة"، جاءت مشروطة بـ "و في حالة تبني هذا التصور"، و هذا في اعتقادي موقف ديمقراطي و عادل غض النظر عن الاتفاق او الاختلاف .
إن الطريقة التي أُدير بها الصراع في الخارج عند خروج الخاتم من السودان كان لها دور بارز في تشكيل الصراع و دفعه إلي نهاياته المعروفة، التي إنتهى اليها. و لا اعتقد ان الخاتم لو كان بيننا اليوم لانكر مساهمته في ذلك الصراع ، الذي طالما خرج عن مألوفه في بعض الاحيان. عُومل طرح الخاتم في ذلك الظرف تحديداً بمقاييس عاطفية و أخلاقية ـ لا أعفي نفسي منها ـ رغم قناعتي بموضوعية قدر كبير من طرحه. جاء طرح الخاتم بالتغيير في وقتٍ عصيبٍ يمر به السودان و حزبنا علي وجه الخصوص. عددٌ كبير من أعضاء الحزب كانوا رهن الإعتقال و التعذيب اليومي ، بل و الإغتيال بواسطة أمن الجبهة الإسلامية. فذلك بالقطع ظرفٌ يجعل اي دعوة ، إن كانت للإصلاح أو التغيير ، و مهما كانت وجاهتها ، عرضة للطعن الأخلاقي ، و لا يهمنّ علي اي "تاريخٍ ناصعٍ" إتكأت!!!. لا شك عندي ، أنه سلوكٌ يجد جذره في ذلك الجزء المتخلف من إرثنا الثوري المعبر عنه في "أن لا صوت يعلو فوق صوت المعركة"!!!، أو علي أقل تقدير من حس الإستهانة و الإستنكار غير المبرر ، و المستمد من ذلك الجزء من ثقافتنا السودانية المعبر عنه في ، "انتو في شنو و الناس في شنو"!!!، في حين أننا نعلم أن كل الاشياء تعمل في ترابطٍ جدلي !!! ، و لكن علي اية حال لسنا علي إستعداد لقبول ذلك!!!.
إن معظم ما قال به الخاتم ، حينذاك ، اصبح مقبولاً اليوم ، دون أن تُمتشق لاجله الحسام ، أو تُشرع له السنان ، أو يُسمع لقعقعة الحدائب صليلٌ ، في سبيله . لا اعتقد أن هنالك من عاقل في الحزب الذي خرج عليه الخاتم سيختلف مع أو يمانع في قبول ، " إن الأساس الفلسفي لتوجيهات الحزب الديمقراطية هو إيمانه بأن مسائل الحكم ، و تحديد طبيعة النظم الإجتماعية، و صياغة قواعد الإجتماع البشري، هي مسائل إنسانية دنيوية، المرجع فيها هو الشعب ، و الصراع حولها يعبر عن مصالح إجتماعية تخص الجماعات و الطبقات و الفئات المكونة لهذا المجتمع. و لا يحق لطرف من اطراف هذا الصراع ان يدعي أنه معبر عن إرادة السماء أو ممثل للإرادة الإلهية المتعالية . كما لا يحق له ان يصف الآخرين بانهم خارجون عن طاعة الله او ممثلون لحزب الشيطان. و من هذه الزاوية فإنه يتبنى موقفاً علمانياً مستقيماً ـ و العلمانية لا تعني بالطبع ، كما يعرف كل شخص مستنير ، غير متحامل علي الحقيقة الموضوعية ، و غير منخرط في وأدها ، معاداة الدين أو إستبعاده من الحياة، إنها علي العكس من ذلك تعني ضمان الحرية الدينيةإعتقاداً و ممارسةً. و ضمان حرية الضمير و تؤمن بالمساواة بين الاديان ، و تناهض الاضطهاد الديني بكل اشكاله. إن الحزب العلماني يرفض تحويل الصراع الإنساني إلي صراعٍ ديني ـ و يسعى إلي إيجاد حل ديمقراطي لكل الصراعات و هو ما لا يتوفر لغير العلمانيين." (35)
لا أعتقد أن هناك علماني او حتى اي شخص عاقل ابداً ، سيقيم قطيعة ، اي قطيعة مع هذه الرصانة و النجابة الفكرية.
و في الختام أعترف بأنني لم استطع عرض و مناقشة كثير من الافكار التي وردت في " آن اوان التغيير" ، و قد تكون امهات أفكارها ...إلا انني بذلت قدر إستطاعتي المتواضعة ، و ذلك وفاءاً و تقديراً لرفيقٍ أعطى بسخاء جل جهده و فكره و حياته لوطننا دون منٍ أو ندم.
و اختم ورقتي بما سبق و ان كتبته في مقامٍ آخرٍ :
"شكراً للخاتم و لعناصر التجديد".
هوامش/
1- أوردها "جونثان وولف" في "لماذا نقرأ ماركس اليوم" ص 2 ، الطبعة الإنجليزية، مطبعة جامعة اكسفورد، طبعة بيويورك.
2- "آن أوان التغيير" ص9 ، 3- المرجع السابق، ص 10 ، 4-المرجع السابق، ص 10 ، 5-المرجع السابق ، ص 30 ، 6-المرجع السابق، ص 28 ، 7-المرجع السايق، ص 29 ، 8-المرجع السابق، ص 29 ، 9-المرجع السابق، ص 29 ، 10-المرجع السابق، ص 31 ، 11-المرجع السابق، ص 32 ، 12-المرجع السابق، ص 68 و 69 ، 13-المرجع السابق، ص 48 ، 14-المرجع السابق، ص 52 ، 15-تقرير سكرتارية اللجنة المركزية حول 19 يوليو 1971 ، ص 5 ، 16- "اوان التغيير"، ص 17 ، 17-المرجع السابق، ص 16 و 17 ، 18-في تداعيات الكتابة عن الخاتم عدلان/ الحزب الشيوعي و العقلية الإنقلابية مقال للكاتب ص4 و 5، منشور في سودان نايل. 19-في الرد علي صديقي د. صدقي كبلو/لقد عاش الخاتم عدلان بيننا...و سيظل ، مقال للكاتب ص 8 ، منشور في سودان نايل. 20-"اوان التغيير " ، ص 44 ، 21-المرجع السابق، ص 44 و 45 ، 22- في الرد علي د. صدقي كبلو. 23-"اوان التغيير"، ص 34 ، 24-المرجع السابق، ص 43 ، 25-مرجع سابق، جونثان وولف، ص 110 ، 26-"اوان التغيير"، ص 38 ، 27-مرجع سابق، جونثان وولف، ص 121 و 122 ، 28-مايكل ليبويز، " ما بعد رأس المال"ص 103 ، الطبعة الثانية 2003م الانجليزية ، نشر بالقريف ماكميلان ـ نيويورك. 29- وديع الحلبي ، عشرة اشكاليات للراسمالية اليوم، مقال في مجلة شئون سياسية،ص 27، دورية ماركسية بالانجليزية، عدد سبتمبر/اكتوبر 2005م، الولايات المتحدة الامريكية، 30-المصدر السابق، ص 27 ، 31-"اوان التغيير"، ص 38 ، 32-المرجع السابق، ص24 ، 33-المرجع السابق، ص 11، 34-المرجع السابق، ص 108 .
| |
|
|
|
|
|
|
Re: تسجيل صوتى كامل ليوم الخاتم عدلان بواشنطن وصدور كتابه القالوا بكرى سرق قروشه-توجد صور (Re: Marouf Sanad)
|
ورقة دكتور صلاح الزين
في الرحلة العدلانية
صعود الجغرافيا تاريخاً وإنحطاط التاريخ جغرافيةً
مقاربة في بوطيقيا السيرورتين
صلاح الزين
استحدثت إدارة الاستعمار البريطاني، في عشرينات القرن الماضي، مشروع الجزيرة، مشروعاً لضخ الأقطان لمصانع لانكشير في بريطانيا. بمعنىً آخر، نهوض التحديث و علاقاته الرأسمالية في فضاء إجتماعي و جغرافي محضون في أقماط بنية إنتاجية لم تتباعد، بعد، ثقافياً، من إشتراطاتها الطبيعية و علاقاتها القبل رأسمالية مما أسس لإنرفاد تلك البقعة الجغرافية بأوآليات إنتاج القطن و إعادة إنتاج الفقر و التخلف.
إنفرش الفضاء ذاك بمجاميع سكانية ذات أصول إثنية و ثقافية متباعدة و متغايرة تقطن قرىً تتناثر في فضاء الفقر ذاك و تهبه لبوس إجتماعي طبقي يعرِّف المكان و به يتعرَّف.
عادة ما يبدأ التحديث بالجغرافية و يعمل على إزاحتها من حيزها الموسوم بتعالقات المناخ و لون المكان، إلى مكان آخر، يجعل من الجغرافيا جغرافية لتاريخ يصير ويتكون ومن ثم تستبين جغرافية تاريخية لا جغرافية تزهو بالمكان و عبقه.
بكلام آخر، المكان في سيرورته الجغرافية يذهب بالجغرافيا إلى حالة هيولية صماء تعرف، فقط، بتماهيها مع ذاتها، و لا تحيل إلى غير تعريف الرياح كريح و الهواء هواء. إنعجان المكان في المكان و إنوجاد الأخير كجغرافية بملامح مكان لا تتعرف إلا به. بكلمة، سديم المكان في جغرافياه و الجغرافيا في سديم المكان.
و لأن التاريخ يذهب بالزمن و طنينه إلى ما يجعل منه زمن إجتماعي، زمن بذاكرة من خبز و جسد بأهواء، لا زمن لمكان يتعرَّف بذاته و جغرافيا لا ترى أسفلها، أقول، تلازمت الصيرورة الجغرافية و تمفصلت مع صيرورة تاريخية تخلع الجغرافيا من ضلع المكان و تهبها ضلعاً من تاريخ يتراكز على المكان و مخلوقاته فتصير الجغرافيا جغرافية مغموسة في تاريخ تتعرَّف به و يتعرَّف بها- تاريخ إجتماعي تتمفصل الجغرافيا فيه بتاريخ آخر، هو، بدوره، يتمفصل مع جغرافيات أُخَر، جغرافية تنداح خارج حدود تاريخها و تاريخ يرمق و يختال خارج حدود جغرافيته.
و كان ما كان، ذلك الحيز الجغرافي المركون في شمال غرب الجزيرة، و المطرّز، كسماء صيفي، بقرىً منهكة بفقرها، حيث قرية (أم دَكَّتْْ الجعليين) مسقط جبين صديقنا الخاتم، أقول، كان أن نهض ذلك الجزء الذي، وحتى ينشمل بالتاريخ وسيروراته ويعرَّف كمكان تاريخي لسيرورات إجتماعية، أن قايض التاريخ الجغرافيا بالفقر والتراكوما والسركاريا. ومن ثم برزت تلك القرى والكنابي ككانتونات فقر و جيتوهات مرض مقيم، إذ لم توفرها علاقات الإنتاج ودورة رأس المال في إرتكازاتها الخارجية إلى غير ما هي عليه- فضاء مريض يستعلن معالم وجوده الإجتماعي و المكاني بعروق فقر تحزّه من الوسط، تحزّه وتعتصره حتى يكون وجود الناس فيه هو إنوجاد فوق أنامل المرض و حفافي الفقر. وببطء و تريّث، يخب التاريخ نحو إشتهاءاته هو لا إشتهاءات تلك القرى وأناسها إلى ما يجعل المكان، مكانهم، مكان للإنسانية و العيش الكريم.
تأخذ دولة ما بعد الكولونيالية بيد ذلك التاريخ آن إنعيائه بفقر المكان و مجاميعه، تأخذ بيده وتسلس قيادته إلى ما يجعل منه تاريخاً يستقيم في إنعواجه و هو يغذّ السير نحو متاهات دورات رأس المال في تمفصلاتها العالمية. هكذا، هكذا يضخ وطن بأكمله، و فيه تلك القرى، ثروات و بشراً يخاصمون المكان و كأن تمام وجودهم هو هو إنسرابهم في الخارجي الغامض.
تكاثرت تلك القرى و خلفها يركض فقرها القابض بتلابيبها و هو يسوطها نحو وجود إجتماعي بغوايات تخالف وجودها ذاك و تدهنه بإحتمالات وجودٍ مغاير و إمكانٍ نبيل، نبيل و إنساني.
و لأن التاريخ فعل اصطراعي منذ الأزل الذي هو أزله، فقد انفتح أفق أربعينات القرن المنصرم على صباحات خطاب سياسي وفكري يرى إلى التاريخ، ذاك التاريخ المنخور بالصديد، يرى إليه كتاريخ بقامة لا ظل لها، تاريخ يرى ذاته في إمتدادها الزمني، زمن صرف هو هو جوهر زمنه وزمان جوهره، لا تاريخ سيرورات إجتماعية و طبقية بها التاريخ يستقيم تاريخاً يمكن مقاربته وتدوير أطرافه مما يبرز بهاء جماله لا فقط الصديد فيه .
ولد صديقنا في آن الوقت الذي فيه كان الخطاب السياسي و الفكري اليساري ينقر بوابات أربعينات القرن الفائت و يحاول الإنسلال خلل ثقوب كانتونات الفقر تلك و يقول بحقها في أن تطرب الصباح بمسامرات المساءات الفائتة و تعدَّ النهارات لقيلولات لا يصوِّحها رفيف أجنحة الذباب.
و لادتين: ولادة خطاب للإختلاف و حامل محتمل يسوق إختلاف الخطاب إلى ما يجعل من الإختلاف و خطابه قوّة إجتماعية و سياسية تؤخذ في حسبان الخطابات العربسلامية المجاورة لها. و القرى، تلك القرى المتناسلة من تناسل السركاريا و التراكوما ترفل في شراشف فقرها المرشوح في عروق المكان و الكائنات، و لكنها، و بمكر ذرب، ترخي مسامع فقرها لوقع أقدام ترى للفقر وقبحه لا كإبتلاء من الله و إنّما بفعل فاعل يمكن لمسه، شم رائحته و إزاحته من غير إعتذار و إستغفار.
قلنا، في أربعينات القرن المنصرم، بدأت طلائع الشيوعيين و الديمقراطيين في الإنبثاث في أوساط تلك الهيولات الجغرافية و البشرية والتأسيس لحركة سياسية تدرك بوعي غزير القرابة الإبستمولوجية ما بين تشقق الأرجل و إنحسار النظر و محالج القطن التي تدوّر القطن قماشاً و لباساً بعيد المنال حتى في رؤيته ساتراً للفقر و عيوبه. ولأن للخطاب قدرة قراءة العادي في إختلافه و على إزاحته من بداهات وجوده المكرور، و إنسناده بقوى إجتماعية تنتج فائضاً إنتاجياً به تؤسس الدول و الجيوش و الديمقراطيات الصدئة بصدأ حوامل الخطاب، أقول إرتفق ذلك الخطاب بقوى إجتماعية قوامها فقراء المزارعين و العمال الزراعيين في رحلة ترى في الليل سقالات فجر وشيك.
الفقر، في أحد تعريفاته، كفعل إنبتاتي بنائي به تنخلع البنية عن روافعها وصولاً لحالة فرجة تعرض البنية المنخلعة في طبوغرافيا ميتافيزيقية برأس ورأس. الفقر هذا لا يحمل في صيرورته التاريخية ثورة تعيد تركيب البنية و بنائها، و لا ثوّاراً يسحبون الصباحات من جوف عتمة الليالي الفاترة. وإنما الوعي بأسباب الفقر و ألوان زي سيروراته هو ما يجعل البنية مترعة بإحتمال رعافها ثوّاراً و خطابات تعيد للبنية بنية وجودها و عودتها من ميتافيزيقيا بأحابيل إلى وضوحٍ به تستقيم.
ابن مزارع فقير و بيت أكثر فقراً، حملت أحشاؤه باكراً سركاريا صارعها زمناً و تراكوما أهدته إنحسار البصر. ابن لتلك القرى المبذورة في كرم فيّاض لفقر واضح في غموضه و غامض في وضوحه. ابن لذاك الفضاء المغموسة أطرافه في الحاجة و العوز. و لكن، ألم نقل أن الفقر، الفقر وحده لا ينجب صباحات بثوّار؟!
باكراً، باكراً جداً، أولم صديقنا عيني عقله على مشهد الحاجة و العوز ذاك. فقد سبق ولادته بعقد أو يزيد، إنبثاث خطابات اليسار الشيوعي وسط فقراء المزارعيين و عمال الزراعة، المصانع الصغيرة وإتحادات الطلاّب، منظمات الشباب والنساء، إتحادات العمال والنقابات المهنية. و سط هذا المشهد الذي يشي بفضاءات مغايرة تستَّل أسافلها من جلوسات أصدأها طول الجلوس، خطا صديقنا، خطا باكراً نحو ما يستعلن وضوح القرابة الطبقية بين تكرار الفصول و تَسَفُّلِ المكان. بين أن تكون منتجاً في فصلين ومعدماً في كل الفصول… حمل صديقنا وعي وضوح العلاقة تلك، تزيَّا به و تهندم، قرابة خمسين عاماً ما بين سجون، على غير ما أريد لها، تشحذ وضوح القرابة تلك، و إختفاءات تنقع الروح بالسِرِّي في التاريخ و تمظهراته.(هناك ورقة تقرأ مسيرة الخاتم الطلابية ونضالاته) .
يرى الفكر إلى الظاهرة/الواقع على مستويين: مستوى به تبدو الظاهرة كما هي عليه، تستعلن نفسها بسفور فيه تنعدم المسافة بين الرائي و موضوع الرؤية فيصير أحدهما الآخر في تماثلٍ يُماثلهما إلى حد صيرورتهما واحداً أحد، لا رائي و منظور إليه. يتماهى الإثنان و يتطابقان، مما يغرق المسافة بين العقل الرائي و موضوع الرؤية بسراب ميتافيزيقي ميتاواقعي به تكون الظاهرة و إحداثياتها بنية بقدمين: أحداهما في بداية أبد لا بداية له و الأخرى في نهاية أبد لا نهاية له. منطقاً، تصبح الظاهرة هي هي، هي ما كانت و ما تكون وما ستصير، جوهر إلهي يسبح بألوهيته و آلهة تتجوهر بالتسبيح ذاك... مستوى ثاني: فيه يرى العقل الرائي للظاهرة كظاهرة قيد الإنجاز، لم تتكوّن وتستقر بعد، ما هي عليه الآن لن تكونه بعد حين لأنها ما كانته من قبل، ظاهرة تتكوّن لتصير و تصير لتتكوّن... بداهةً، المسافة بين هذا العقل الرائي و موضوع الرؤية تزوِّقها عين التاريخ و إشتراطات الإسترابة والشك الإبستيمي.
يتفارق المستويان، ليس في بنية منظور النظر لموضوعه، وإنما في إنتاج معرفة بموضوع الرؤية. معرفة به تموضعه في إشتراطاته التاريخية، أو أخرى تركزه خارج شروطه تلك فتكون المعرفة به هي هي سيرورته هو.
المستوى الأول يتماهى مع موضوعه ومن ثم لا ينتج معرفة به لأنه صاره، لم يخالفه أو يتفارق معه. و إن أنتج معرفة به فإنها معرفة الفكر اليومي، كما يسميها "مهدي عامل"، التي تتطابق و لا تنزاح لتنتج معرفة بموضوعها فتكونه و يكونها في بلادة سعيدة تزهو بغبائها و ضمور المفاهيمي فيها.
المعرفة تأتي من الإختلاف و التفارق، هكذا يقول المستوى الثاني، الذي ينتج معرفة بموضوعه عندما يتخالف معه، أي لا يصيره، لا يكونه و إنما ياتي إليه إستدباراً و كأن المعرفة هي قول و إنتاج المختلف الذي يزيح و يقضم العادي في متنه وأطرافه المصقولة، حد السأم، بتكرار العادات و المألوف. هو بالضد من اليومي الذي يرمم موضوعه، يزوِّقه و ينشره لريح البداهة و بلادة العقل السعيد بغبائه، هو تهديمي، تفكيكي، إزاحي، ينتهك المقدس و يزفه إلى سماواته ليمكث هناك، هناك بعيداً عن رجس الأرض و صرير أبوابها الممض.
أن إختلف معك يعني أن أحبُّك، بأن لا أكونك و لا تكونني إذ أن فعل الحب هو جهد ثنائي، لا واحداً يتكرر…
أقول: و كأن المعرفة هي معادل الحب، الحب في سيرورته الإختلافية التي تذهب بالمحبين إلى بذر الأرض بكل ما هو مختلف و شقي، و شقي بإختلافه السعيد.
بالمفهوم أعلاه تنتفي أطروحة التعاقد السرمدي مع الحزب الثوري و خطاباته، تنتفي تلك المسافة التي فيها يصير الثوري إستطالة عادية، إستطالة عادية و تافهة لحزبه و الحزب إمتداداً لأهواء الثوري وأمزجته المنتلفة بالإستطالات تلك، و لتحل محلها مسافة سرية، سرية و واضحة تُجلِس الإثنين حول طاولة، طاولة معدّة بحكمة لإقتناص المفاجئ أو خسران السري في التاريخ و تبدياته. إنه تعاقد الشهيات التي تنفّض عندما ينعدم المشتهى.
إستطراداً، تتنوّع خروجات الثوري عن خطابات الحزب منظوراً لتلك الخطابات كشُرَف للرؤية و الرؤيا لا مخازن ومخابيء لفكر و ممارسة أغلقت و ختمت بختم السلطان الذي لا سلطان عليه. هناك إنتقال وإنتقال، خروج و خروج، أشبه بتبديل القدم حتى يستقيم الجسم واقفاً، واقفاً لا آيلاً للإنحناء و الركوع. إنه إنتقال داخل بنية الخطاب في تعددية تبدياته، لا خطواً خارجه و هجراً مرير. الإنتقال داخل حقول الخطاب المتعددة لتمضيض بنية حقول الخطاب نفسه لا مفارقة تقصم ظهر الخطاب و تعصف به إلى السديم و العدم.
هكذا، كان خطو صديقنا الخاتم، في تسعينات القرن المنصرم. خطواً خارج أحد حقول الخطاب و ولوج إلى الخطاب ذاته من بوابة حقل آخر لا يستقيم الخطاب إلا به، شيء أشبه بالخروج على الصياغة في سياق السياق، أو خروج من أقماط تهفهفت نحو أخرى تسند المولود و الميلاد. خروج نحو نفس الحلم و إن من بوابة مغايرة، ليبقى الحلم حلماً مشرعاً على كل بوابات الولوج.
ظرفان، عالمي و محلي، اسسا لذلك الخروج الذي هو هو دخول آخر في الخطاب ذاته من دون تذريره و نثره لرياح الكهانة وقساوسة العدم.
إنسدّ القرن الماضي وإنردم بحدثين؛ نهوض الخطاب العربسلامي وإنهيار أقاليم الإشتراكية؛ الأول محلياً والآخر عالمياً، و كأن قدر ذاك من هذا أو ضرورة الموت في الموت مرتين و ما بين الموتين من خلخلة و إرتجاج تستلزم، فيما تستلزم، ضرورة إعادة النظر، نظرياً و ممارسياً، في الذي كان و الكائن وما سيكون. إنه سؤال التاريخ، التاريخ حين يمكر ، و هو أمقت الماكرين.
أقول، تزامن خروج صديقنا مع الموتين أعلاهما و كأنه خروج من نشيد الموت إلى ما يعيد في الموت ضرورات الحياة عوض كونه موتاً ميتاً وإلى عدم.
بحساسية المفكر، لا الموظف التنظيمي، الذي كانه صديقنا طوال سنوات عمره في الحزب الشيوعي، رأى الى ما رأى إليه، و كأي مفكر لم ينختم عقله بعد بإكتمال الإجابة و إنعطاب السؤال و القلق، خطا نحو فجر ما رآه و كأنه يقول للذين رابطوا: ثمّة أفجار عدّة لليل واحد، ذائقات عدّة لنصٍ واحد، وخروجات عن متن لتمتين المتن ذاته و حلمه.
إشتمل المشروع الحضاري الأسلاموي، بسبب من غربته التاريخية في زمان البنية ومكانها، على آليات تفكيكية أفضت إلى تفكيك المشروع الحضاري نفسه. ولكن، و في الآن ذاته، مهّدت لتقليص البنية إلى بنية أخرى تعرّف بشكل الشفاه و حلمة الأذن و تصويتات اللغة و تخارجاتها… بكلام آخر، أثننة تلك الكليّة التاريخية المسمّاة (السودان) و القذف بها إلى وحدات مكانية وجغرافية ترى في صراع السيرورات التاريخية صراع الجغرافيا ضد الجغرافيا، لون البشرة ضد لون البشرة، و لثغة اللسان ضد لسان بلثغات مغايرة، لا صراعاً إجتماعياً طبقياً بإستراتيجيات و شراك تاريخية تتقن الإصطفاف الطبقي عبر المكان والجغرافيا، رائحة الفصول و الطعام، إنتهاءاً بهيئة الجسد، خواتم الحكايا، قيلولات الظهيرة وتعاطي الطرب ورنين الدفوف. بمعنى آخر، نجح المشروع الحضاري الإسلاموي، في سقوطه الداوي ذاك، بسبب من إرتفاقه بمشروعات سابقة بزي مختلف، أقول ، نجح في ترحيل تلك البنية و صراعاتها، اللازمة لها، إلى ما يجعل منها بنية تصطرع على المكان ومحمولاته لا بنية تشتمل على بنيات مشمولة في تاريخٍ الصراع فيه ترجيع لخبز يبحث عن حريته و حرية تبحث عن خبزها. هكذا، هكذا إنحط التاريخ إلى هيولية الجغرافيا و عطن المكان فيها، انحسر وبهت، و تضاءل إلى حيز مكاني و جغرافي يمكن الإستيلاء عليه بجيوش صغيرة منهكة بتضخم الجغرافية فيها و أسلحة تفتقر، فيما تفتقر، إلى رشادة النظرية و المنهج، لتنتهي ، أعني الجيوش و أسلحتها، إلى قرابة، بالضرورة طبقية و آيدلوجية، مع مرشح الخطاب وتمكث هناك، ترقب بذل يعوزه الإحساس بالخيانة لخروجها الداوي من تاريخية الصراع إلى جغرافيتة. مركز همّش الهامش و أعاد تهميشه ممركزاً: فضيحة البنية عندما يُقرأ التاريخُ جغرافياً.
بذات السياق يمكن النظر إلى تحلل أقاليم الإشتراكية وأقانيمها، في الجغرافية الأخرى من كونية التاريخ وإنحطاط إمبراطوريتها التاريخية إلى جغرافيات تبحث عن تاريخ لها مؤود. و الفرق بين التجربتين هو فرق بين جغرافيا و تاريخ و جغرافيا وتاريخ.
في صباحات إنخلاع الجغرافيا من التاريخ وإنخلاع التاريخ من الجغرافيا، كان خروج صديقنا الخاتم خروج على عبثية ذلك التخلع و صدأه و دخول إلى ذات بوابات الصباح لرتق الإنفكاك ذاك و فتقه، خروج المفكر الذي يرى إلى إعادة صياغة الممارسة كأنبل السبل لممارسة النظرية وإعادة تفكيكها. أبن ميلاد بذاكرة بارحت فيها كانتونات الفقر تلك، في ذلك الجزء من مشروع الجزيرة، إنوجادها المكاني و صعود الجغرافيا نحو التاريخ و أبن خروج آخر فيه ترجل الوطن الإشتراكي من حصان التاريخ إلى حوافر الجغرافيا وروثها. من كلا الخروجين خرج بحثاً عن درب آخر يشي بإنحطاط أقل.
مفكر مختلف كان صديقنا، و إختلاف بقلق يزوبع الإقامات السعيدة بيقين الإجابة وموت السؤال.
ما خان ولا انحرف، و لكنه ذاهب لذات الصباح الممكن ولوجه من بوابات شتى.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: تسجيل صوتى كامل ليوم الخاتم عدلان بواشنطن وصدور كتابه القالوا بكرى سرق قروشه-توجد صور (Re: عبد المنعم ابراهيم الحاج)
|
الأخ بكري
لك ولكل الذين سجلوا للتأريخ هذا اليوم الفريد التجلة والتقدير بأن أوفيتم بالعهد الذي قطعتموه علي أنفسكم ليري الكتاب النور لتقطع "جهيذة قول كل خطيب" لم يكن الراحل المقيم ألعملاق " الأستاذ " الخاتم عدلان" رجلا أحدا بل كان عقل أمة وقلب شعب ونبض جيل مضي وجيل بقي وجيل زرع بذرته ولما يأتي أكله بعد . لكم الشكر بأن يبلغ التحدي مداه بأن يصبح "السفر" جسما وروحا يبقي علي مر الزمن وتواردالسنوات سرمديا أبديا!! ما اعظم الكلمة المكتوبة اذ هي أمضي من السلاح !! تمضي الرصاصة باردة بعدأن تصيب وتصبح فارغة وتلتزم الكلمة مكانها وزمانهاتتجددوتكتسب معني ومغزي يتماهي ويتسامي بشرايين العبارات وخيوط اللغة. وتخلد الكلمة تحتفظ بحرارتها علي الدهور !! وان افتقدناالجبل الأشم فقد أثمرت جهود كل من أسهم في هذا لانتاج الذي ينوء بحمل اسم صاحبه الأجل قبل ان نتصفح داخله لضخامة السيرة وصفاء السريرة وثراء الفكر والقدرة علي الجدل و التناظر والتمكن من افراد الكلام وتقاطع الحجة بالحجة. اليوم فقط يرقد الفقيد ممتنا بان رجالا و نساء صدقوا ما عاهدوا الله عليه وختموا فصلا لحياة علي قصرها كانت بقياس الزمن دهرا وفخرا!! لكم جميعا التحية بأن اوصلتم السفينة الي بر الأمان وهي تحمل علي ظهرهانذراالتزمتم الايفاء به احقاقا للحق وليكون رصيدا ومنهلا يغترف منه الطلاب و الرواد والباحثين والدارسين والمؤرخين دون ان ينضب معينه أو يجف!! لقد خلدتم الخاتم شكرا لكم!! وألف شكر يا بكري وارجو سحب عبارة " القالو بكري أكل قروشه" من عنوان الموضوع اذ انت أكبر من ان تلتفت الي الصغائر وكفي فقط الرصيد الذي اثري هذه لمساحة التي وثقت الحدث بالصورة والصوت!!!
| |
|
|
|
|
|
|
|