من تلك المحاولات اليائسة والبائسة التي تلجأ اليه الرغبات، هروباً من قبضة الوقائع الفظّه، أن تقوم بتخليق الاوهام وتصديقها في ذات الوقت، ثم تخطو قُدماً في إعادة إنتاجها حقائقاً لا يأيتها الباطل أو هكذا فقد بدأ لي (حينما زرت الخاتم بمنزله بشمال لندن مع الشاعر سيد احمد بلال والأديب الإعلامي عمر الطيب في نهار الاثنين 18/4/ 05).
ترآى لى إن شُعل عقل الخاتم لقادرة بما تملكة من توهجٍ وتوقد علي رد الزحف السرطاني علي عقبيه وإبادة كل تشكلات ذراته الدقيقه و إستسلاما لإغراء التفكير بالرغبات، وحينما بدأ الخاتم يتبسم ثم يضحك ويطلق النكات الساخرة قفزت في ذهني فكرة بدت لي من العلم في شىء وهي:- ان من مفاجات هذا العقل المتوقد أن يفرز أشعة كهرو-ذهنية لتتعقب مسالك السرطان في الخلايا فتجتثة من اغواره الماكرة وتزيل أثارة الحربائية ليعود الجسد الي سابق حيويتة ونضارته، واذا كان جزءاً أصيلا من وظائف العقل تجديد نسيج الخلايا بحيوات المناعة فلا بد أن يكون من طبائع نشاطه أيضا الحفاظ علي توازن الجسم و مصادمة خبيث الامراض دون أي تدخل أو عون خارجي. و حينما حدثنا الخاتم (و كانه يزيلُ عنا ذلك الإحساس الخامد الذي تسلل الي وجوهنا و اللغة السالبة غير المباشرة التي تنطقها أجسامنا) بأن شهيتة للطعام والتي ذهبت حينما داهمة المرض قد عادت إلي سابق نبضها وتحفزها،عندها إجتاحنا جميعا الارتياح وعثرنا فيه علي أملٍ جديد بأن الشيخوخة التي دبّت في امد جدُّ وجيز الي ملامح الخاتم وتقاطيعه وحجمه والذي تناقص منكمشا الي حد مثير للاضطراب والفزع حتي كاد الكرسي الذي يجلس عليه ان يبتلعه تماما من الاثار الواضحة لفقدان الشهية والامساك عن الطعام.
وحينما تأكد للخاتم بانه نجح الي حد كبير في نفض نثار وغبار الاسي من عيوننا ومشاعرنا وانه عبّرَ بنا من عتبات التسِّآل والخوف عليه الي إمتاع الموانسة عن تفاصيل الحياة اليومية توادد مع عمر الطيب ودبدر وسألني عن حالي وأحوالي في اكستر التى تركتها الى ليدز ورجا سيد احمد بلال أن ينظم لقاءاً او أُمسية شعرية وكل ذلك بالطبع من بشائر العافية والعودة الي مربع الحياة الاول، ثم خرجنا من باب منزله ونحن أكثر تدفقاً وأقلُ وجوماً علي نقيض ما كنا عليه حنيما دخلنا وتفرسنا فيه بكثير من الانقباض وتاكل الروح، او هكذا جمحت بنا أعنة رغابئنا وقاومنا بضراوة أن نري او نصغي الي الخاتم المريض والذي تبادل بكياسة وشجاعة الادوار مع عواده و زواره الصحاح فأضحى هو الزائر المعافى و الطبيب المدواي الذي يبعث روح الفرح والدعابة و التفاؤل في عائديه (المرضى الصحاح)
غشيت الخاتم في ثنايا جلوسنا معه إغفاءة لبضع ثانية من الزمان وبدا وكانه في جفن الردى وهو نائم ثم إنتفض وواصل ما أنقطع من الكلام بعقل مضىٌ وكأن تلك الاغفاءة الصغيرة القصيرة فقرة استطرادية في جملة كاملة. بعد أيام أربع من هذا اللقاء الذي سيظل في الذاكراة ما بقيت على قيد الحياة سجل الخاتم عدلان فى الخامسة من صباح السبت الثالث والعشرين من ابريل اولي هزائمه في ثورتة الدائمة عبر حياته الملأى بالوقائع والمواقع ومضاء الخطى وضياء البصيرة ولكنه لن يعود بكل اسف هذة المرة لينقل لنا بوضىء كلماته وتوقد قناديل ذهنه وحضوره النافذ النبيل مذاق تجربة ان يودع الحى روحة.
-2-
إذا كان بعض المتعلمين والمثقفين السودانيين بوقاتً وطبولاً للدجل والشعوذة ومعاطن الإستبداد جليا او خفيّاً، وأخرين قد بذلوا جهداً عصامياً ليتأهلوا بجدارة ان يكونوا كوراثاً قوميةً علي طوال البلاد و عرضها فإن الخاتم عدلان هذا القروى القادم من ام دكت بغرب المناقل يعدُّ بحق وعن جدارة من ثروات السودان القوميه في التنوير العقلاني ورائد لا يكذب اهلة للنهوض الاجتماعي شاهرا ابدا سيف عقله وجم زمانه لتوطين الديمقراطية والمجتمع المدني ورفع القواعد من بناء الفكر الفلسفي في بيت السودان الكبير.
أضحي السودان اليوم أكثر فقراً واقل حيوية بوفاة الخاتم عدلان
رفعت الاقلام وجفت الصحف.
رحم الله الخاتم عدلان رحمة واسعة بقدر شجاعة عقله و تماسكه والعزاء للسودان اولا واخيرا .
(عدل بواسطة al-Hameem on 04-25-2005, 10:26 AM) (عدل بواسطة al-Hameem on 04-25-2005, 10:37 AM) (عدل بواسطة al-Hameem on 04-26-2005, 02:52 AM) (عدل بواسطة al-Hameem on 04-27-2005, 09:41 AM)
04-25-2005, 12:04 PM
عبد الحميد البرنس
عبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة