فى الذكرى الثانية الى كل من عاش النضال ونهل من حب المناضل الراحل المقيم الدكتور جون قرنق

دعواتكم لزميلنا المفكر د.الباقر العفيف بالشفاء العاجل
مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 12-14-2024, 00:06 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مكتبة يحي ابن عوف(يحي ابن عوف)
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
07-09-2007, 05:19 AM

يحي ابن عوف
<aيحي ابن عوف
تاريخ التسجيل: 05-25-2002
مجموع المشاركات: 6335

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
فى الذكرى الثانية الى كل من عاش النضال ونهل من حب المناضل الراحل المقيم الدكتور جون قرنق


    الي كل ابناء السودان الجديد, الي كل من عاش النضال ونهل من حب المناضل الراحل المقيم الدكتور جون قرنق دينق مبيور
    الي كل من بكي عظمة هذا الرجل عند رحيله الي كل من كان له الدكتور قرنق املا وشمعة تخترق جوف ظلامات الانقاذ و حاشيتها
    الي كل الاحرار والثوار في ارجاء الوطن الحبيب في دارفور وشرق السودان وجبال النوبة وجنوب النيل الازرق
    والي ابناء المارد النائم في شمال السوداني
    فى الذكرى الثانية لرحيل و إستشهاد المفكر و المناضل الوطنى الكبير الدكتور جون قرنق دى مبيور

    السؤال يتجدد في ذكري رحيله الزعيم الراحل :
    الدكتور جون قرنق.. أُغتيل أم رحل بفعل سوء الأحوال الجوية ؟!

    غبار كثيف غطى على الرحيل الدرامي رئيس الحركة الشعبية ، الدكتور جون قرنق ، ربما كان ولا يزال بكثافة الحزن الذي خيم على السودانيين ، وهم يستقبلون نبأ تحطم المروحية الرئاسية الى وغندية في احراش الاستوائية بجنوب السودان ، والتي كانت تقله عائدا من زيارة مفاجئة الى يوغندا ، اجتمع فيها الى الرئيس الى وغندي واربعة من السفراء الغربيين بمزرعة موسفيني بضاحية واكتورا التي تبعد عن العاصمة عدة كيلومترات .
    ولم تستطع الحقائق التي اثبتها تقرير اللجنتين الدولية والوطنية ، ان تزيل الغبار والتساؤلات المتشككة حول ملابسات الحادث المأساوي ، لدى قطاع عريض من السودانيين بينهم قيادات نافذة في الحركة الشعبية واسرة الزعيم الراحل !!
    ، واخرين ، خلصت في تقريرها النهائي الى ان الحادث كان قضاء ، نجم عن تحليق قائد الطائرة على ارتفاع منخفض تحت السحب نتيجة سوء الاحوال الجوية، الامر الذي ادي الى ارتطام الطائرة بالجبال التي تنتشر بالمنطقة ، ولم يشر التقرير من بعيد او قريب الى احتمال وجود عملية اغتيال للراحل قرنق ، كما انه استبعد حدوث اعطال فنية . لكن ما يزيد الامر غموضا ان الطائرة الرئاسية الى وغندية كانت مجهزة بأجهزة حديثة تعين على الطيران عندما يتدني مستوى الرؤية سواء كان ليلا او لدي سوء
    الاحوال الجوية ،

    ونوصل

                  

07-09-2007, 06:20 AM

يحي ابن عوف
<aيحي ابن عوف
تاريخ التسجيل: 05-25-2002
مجموع المشاركات: 6335

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: فى الذكرى الثانية الى كل من عاش النضال ونهل من حب المناضل الراحل المقيم الدكتور جون قرنق (Re: يحي ابن عوف)

    ويعزز هذه الحقيقة ما كان اعلنه وزير الاشغال الى وغندي ، جون ناساسيرا في المؤتمر الصحفي الذي اذاع فيه نتائج تقرير لجنة التحقيق في تحطم طائرة قرنق في ابريل ، ان حكومته ستستمر في التحقيق حول الاسباب التي منعت قائد الطائرة (الكولونيل طيار بيتر نياكيرو، الحاصل على ارفع الشهادات في الطيران والأوسمة من قيادة الجيش الى وغندي) ، من استخدام الاجهزة الملاحية المتوفرة لديه بالطائرة للاستعمال خصيصا في حالة الطيران المنخفض مع تدني مستوى الرؤية !!.
    ، افصح ياسر عرمان عن شكوك صريحة في نتائج التحقيق ، حينما قال في لقاء مفتوح مع الصحفيين والكتاب نظمته طيبة برس حول الاستعدادات لاحياء الذكرى الاولى لرحيل قرنق (ان تقرير لجنة التحقيق في طائرة قرنق لايشفي غليلنا ، وانه يثير تساؤلات اكثر من توفيره اجابات) !! ودلل عرمان على شكوكه هذه عندما سأله الدكتور عطا البطحاني رئيس شعبة العلوم السياسية بجامعة الخرطوم ، عن ما اذا كان حديثه هذا مبني على معلومات مؤكدة ام محض شكوك (ان التجارب اثبتت في مثل هذه الحوادث ان استجلاء الحقائق لا يمكن ان يتم بسرعة ، واضاف ان مقتل قرنق ليس شيئا سهلا ، وان تقرير اللجنة رغم اجرائها لمقابلات عديدة مع اطراف ذات صلة بالحادث واجرائها لاستطلاعات واسعة ، لكنه لم يعط اجابات شافية ، واضاف هذا ما استطيع ان اقوله الان ، وسنترك البحث عن الاجابات الى ان يحين وقتها) .

    ونوصل
                  

07-09-2007, 05:32 PM

يحي ابن عوف
<aيحي ابن عوف
تاريخ التسجيل: 05-25-2002
مجموع المشاركات: 6335

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: فى الذكرى الثانية الى كل من عاش النضال ونهل من حب المناضل الراحل المقيم الدكتور جون قرنق (Re: يحي ابن عوف)

    ورغم فجاعة الحادث وما رافقه من احداث مؤسفة من قبل السودانيين نتيجة شكوكهم في ان قرنق الذي كانوا يعلقون على ه امالاً عراضاً قد تمت تصفيته غيلة ، الا ان رغبة دولية وداخلية في الشمال والجنوب وفي دول الاقليم كانت ر اغبة في طي صفحة الرحيل الدرامي ، لذا فإن كثيرا من التحليلات التي استبقت بداية عمل لجنة التحقيق كانت تقطع بان التحقيق هو لاغلاق ملف موت قرنق اكثر من كونه لاجلاء الحقائق ، وتستند تلك التحليلات الى التصريحات الصادرة عن مسؤولين دوليين وفي قيادة الحركة الشعبية والمؤتمر الوطني كانت تدفع بقوة باتجاه ان الحادث قضاء وقدر ، قبل حتي ان تتشكل لجنة التحقيق ، غير ان دوافع هؤلاء المسؤولين كانت تتباين ، حيث يريد بعضهم تهدئة الجماهير الثائرة والمتشككة ، وفي الوقت نفسه انقاذ عملية السلام التي كانت لاتزال بكرا من الانهيار ، بينما تندس بين تلك الدوافع اجندة من يريدون طمس الحقائق ، وهم من عناهم عرمان (بالجهات التي تريد طي الملف في وقت وجيز)
    كانت ارملة الزعيم الراحل قرنق السيدة ربيكا قد ألمحت في مؤتمر صحفي عقدته ، الى شكوكها في نتائج التحقيق ، حينما قالت انها (ستقول رأيها النهائي حول تقرير لجنة التحقيق بعد مقابلتها للرئيس البشير ونائبه الاول سلفاكير) ، خصوصا ان تقارير صحفية كانت قد كشفت ان ربيكا سقطت مغشيا على ها ، ونقلت الى لندن للاستشفاء بعد اطلاعها على تقرير لجنة التحقيق في مقتل زوجها الراحل !.
    السؤال الذي يطرح نفسه استنادا على تلك الشكوك ، من قتل قرنق ولماذا ؟ ، ان القوي التي دبرت الاغتيال كانت فعلت ذلك لانها تقف بالضد من وحدة السودان . ان الوحدة قضية مركزية قديمة في فكر الزعيم الراحل خاض لاجلها المعارك الفكرية منذ ان كان طالبا للدكتوراة بامريكا وحتي عودته ،ان مساعد وزير الخارجية الامريكي الاسبق هيرمان كوهين (يهودي) سأل قرنق ذات مرة عن رأيه (لوفصلنا الجنوب عن الشمال) ، فرد على ه قرنق بسؤال : كيف ستفصل الجنوب عن الشمال وبأية آلى ة ستفعل ذلك ؟ المبعوث الامريكي الاسبق للسلام في السودان هاري جونستون كان قد اخرج ورقة مطالبا قرنق في احدي دعواتهم له لزيارة امريكا عام 1992 بعد انقلاب الناصر وخروج المجموعة التي تطالب باستقلال الجنوب عن الشمال ، والتي كانت تتواجد في واشنطن ، بان يقبل مبدأ حق تقرير المصير للجنوبيين ، لكن قرنق اشترط على هم ان يضموا الى الجنوب كل المناطق المهمشة في السودان

    ونوصل

    (عدل بواسطة يحي ابن عوف on 07-09-2007, 05:36 PM)

                  

07-09-2007, 10:16 PM

يحي ابن عوف
<aيحي ابن عوف
تاريخ التسجيل: 05-25-2002
مجموع المشاركات: 6335

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: فى الذكرى الثانية الى كل من عاش النضال ونهل من حب المناضل الراحل المقيم الدكتور جون قرنق (Re: يحي ابن عوف)

    قال له موافق ثم قال د: قرنق له انه وفقا لهذا المفهوم فان الحاج يوسف يمكنها ان تدخل على اعتبار انها مهمشة ، وزاد انه لن يتسني له ان يناضل من اجل رؤيته الداعية الى سودان جديد الا اذا تواءم مع المستجدات ، والان صار حق تقرير المصير احد الاجندة الرئيسية في الجنوب . ولم نكتف بهذا الحد بل زاد ان (شخصية مرموقة في العالم الى وم زارت قرنق في كبويتا وطالبته بتغيير موقفه ، والقبول بفصل الجنوب عن الشمال مقابل دعمه عسكريا ، فرد على ه قرنق ، لماذا تطرح علىَّ انا هذا العرض ، هناك كثيرون يدعون الى الانفصال في الجنوب اذهب الى هم ! .
    وكان الخبير الامني العميد امن (م) حسن بيومي قد قال من قبل ان القوي التي دبرت الاغتيال من الدقة والنفوذ بحيث يصعب كشف مؤامرتها ، واضاف انها كانت حاضرة في نيفاشا وهي التي اسهمت في ابعاد الدكتور غازي صلاح الدين عن قيادة الوفد الحكومي لعدم (مرونته) من وجهة نظرها ، وقد انتظرت حتي انجز قرنق مهمته بتوقيع الاتفاق وصياغة الدستور ، وقامت بتصفيته ! ، وربما فسر انكفاء قيادة الحركة الشعبية الحالى ة جنوبا أو (اجبارها) على ذلك نسيج المؤامرة !.

                  

07-10-2007, 04:22 AM

يحي ابن عوف
<aيحي ابن عوف
تاريخ التسجيل: 05-25-2002
مجموع المشاركات: 6335

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: فى الذكرى الثانية الى كل من عاش النضال ونهل من حب المناضل الراحل المقيم الدكتور جون قرنق (Re: يحي ابن عوف)

    العين تدمع.,.. والقلوب يعتصرها الحزن العميق ..بعد الامل الذى لاحت بشريانه واختفى .. الفقيد الدكتور جون قرنق هو ملك خالص لكل أهل السودان ولكنه كان قادماً من جنوبه ثائرا وطنياً ..صادقاً يحمل طموحات واحلام وهموم الامة فى النماء..والاستقرار ..والسلام ..لذلك الدعوة الان لولات الامر فينا ولكل الحادبين على مصلحة السودان ونمائه واسقراره .. ولكل العاشقين للدكتور جون قرنق فى نضاله وثورته وكفاحه من أجل المستضعفين فى الارض ان يوحدوا جهودهم وان يلتفوا حول الاجندة والمبادى.. والشعارات التى كان ينادى بها وسقط دونها وهى – السودان الحر المستقل المتحد .. والذى لا مكان فيه لقوى على ضعيف السودان الذى يحكمه القانون والدستور ... وتسود فيه العداله والمساواه والحرية.. والديمقراطيه .. والمحبة ..والسلام .
                  

07-10-2007, 05:05 AM

يحي ابن عوف
<aيحي ابن عوف
تاريخ التسجيل: 05-25-2002
مجموع المشاركات: 6335

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: فى الذكرى الثانية الى كل من عاش النضال ونهل من حب المناضل الراحل المقيم الدكتور جون قرنق (Re: يحي ابن عوف)
                  

07-10-2007, 05:33 AM

يحي ابن عوف
<aيحي ابن عوف
تاريخ التسجيل: 05-25-2002
مجموع المشاركات: 6335

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: فى الذكرى الثانية الى كل من عاش النضال ونهل من حب المناضل الراحل المقيم الدكتور جون قرنق (Re: يحي ابن عوف)



    الدكتور جون قرنق شخص رائع كما لمس الناس اخيرا . ونحن كالعاده نكتشف روعه الاشياء عندما نفتقدها . ونحن شعب لا يريد ان يتعلم ابدا .
                  

07-10-2007, 05:57 AM

يحي ابن عوف
<aيحي ابن عوف
تاريخ التسجيل: 05-25-2002
مجموع المشاركات: 6335

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: فى الذكرى الثانية الى كل من عاش النضال ونهل من حب المناضل الراحل المقيم الدكتور جون قرنق (Re: يحي ابن عوف)




    جاء قرنق الي الخرطوم وقد أراد ان يتحرك في الساحة
    السودانية ويعقد الاتفاقات ويتصرف في الأمور وحيدا، فقرر ان يسافر إلي اوغندا وأن يوقع اتفاقا مع الرئيس موسيفيني دون ان يخطر البشير، وكان الاتفاق يقضي بأن يقوم قرنق بتسليم جيش الرب الاوغندي المعارض الي موسيفيني من خلال طرده من جنوب السودان، في مقابل ان يكون هناك تحالف غير معلن بين موسيفيني وقرنق، بمقتضاه تعتبر اوغندا قرنق حليفا استراتيجيا اول تسانده بكل ما تملك في مواجهة آية محاولة يقوم بها البشير لتهميشه او الحد من اختصاصاته. وكان قرنق قد عبر عن خشيته من ان يتحالف البشير مع مصر ضده، بما يفضي إلي انهاء وضع الجنوب تماما، ولذلك قرر موسيفيني دعمه بكل يملك شريطة انهاء وضع جيش الرب الاوغندي في جنوب السودان.
    لقد ادرك قرنق منذ البداية ان البشير ونائبه علما بأمر زيارته الي اوغندا، وانها بالتأكيد ستكون مجال تحفظ لأنها تمت دون اذن مسبق، الا انه اراد ان يؤكد لهما انه لايزال الرجل القوي وانه يتحرك بصفته رئيسا لحكومة جنوب السودان 'المستقلة'.
    ولذلك عندما اتصل موسيفيني بالبشير ليبلغه ان قرنق كان في زيارة خاصة لبلاده وانه غادرها مساء السبت وفقد الاتصال به وعلي السودانيين ان يبحثوا عنه، كان رد البشير ولماذا لم يستقل طائرة سودانية رسمية، والتقط موسيفيني هذه الاشارة التي لها دلالتها وكرر القول بأن قرنق كان في زيارة خاصة ولم يكن في زيارة رسمية.
    وهكذا في الوقت الذي كان فيه قرنق متوجها الي اوغندا، كان لدي الحكومة السودانية معلومات تشير إلي وجود بوادر تمرد حقيقي في جنوب السودان من خلال القادة العسكريين الذين اقالهم قرنق قبل سفره الي اوغندا. كما أن هناك حالة تذمر كبري لدي قادة جيش الرب علي منطقة الحدود. قد تردد ان عددا من انصار جيش الرب وبعض قادة الحركة الشعبية علموا بالزيارة السرية التي قام بها قرنق الي اوغندا ومضمون اتفاقه مع موسيفيني الخاص بطرد جيش الرب فبدأوا اجراءات التخلص من قرنق.
    وعلي الرغم من سوء الاحوال الجوية وهطول الامطار وكثرة السحب وهي مبررات طبيعية لسقوط الطائرة، إلا أنه من جانب اخر فإن طائرة الرئاسة الاوغندية مجهزة ايضا لمواجهة هذه الظروف الطارئة وان موسيفيني خصص ثلاث طائرات للرئاسة لمواجهة هذه الظروف المناخية الصعبة، وان احدي هذه الطائرات هي التي اقلت قرنق، كما أن الأجواء لم تكن بهذا السوء في هذا اليوم تحديدا.
    والمنطقة التي سقطت فيها الطائرة قريبة من المنطقة الاستوائية التي يسيطر عليها جيش الرب الاوغندي بالاضافة إلي قيادات التمرد الجنوبي والفصائل الاخري المناهضة لقرنق، وانه منذ فترة كان قرنق قد ارسل العديد من جنوده وطائراته الي ذات المنطقة التي سقطت فيها الطائرة لإخماد حركات التمرد، وكانت هذه الهزيمة رسالة واضحة لجيش الرب الذي يسيطر علي اجزاء كبيرة من هذه المنطقة.
    وكان هناك تحالف قوي قد اقامه جيش الرب مع الفصائل المناوئة لقرنق لمواجهة محاولات الغدر به من قبل قرنق، وكان هدف هذا التحالف الرئيسي قتل قرنق والتخلص منه، واعلنوا ذلك في قسم مشترك فيما بينهم.
    .بقي القول اخيرا ان العديد من قيادات الحركة الشعبية لتحرير السودان قد رجحت بالفعل سيناريو اسقاط طائرة قرنق من خلال جيش الرب وبعض القوي الاخري المناوئة، الا انها لم تسع إلي تصعيد الموقف ربما انتقاما من قراره بإقالة الحكومة والقيادات العسكرية الهامة وربما اخفاء للصراعات الداخلية في الجنوب.
                  

07-11-2007, 10:12 PM

يحي ابن عوف
<aيحي ابن عوف
تاريخ التسجيل: 05-25-2002
مجموع المشاركات: 6335

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: فى الذكرى الثانية الى كل من عاش النضال ونهل من حب المناضل الراحل المقيم الدكتور جون قرنق (Re: يحي ابن عوف)



    د. جون قرنق ..
    حضور في سونامي الغياب (2)
    ملاحظات في دفاتر الستينيات
    ياسر عرمان

    الدكتور جون قرنق هدية التاريخ لشعبنا و قد كان قارئا جيدا للتاريخ و من قراءته لتاريخ السودان توصل للصلة و الترابط بين شعوبه و مناطقه الجغرافية المترامية وجيرانه ، بحث باستمرارعن ايجاد الصلة بين الدعوة للسودان الجديد و تاريخه القديم والمعاصر. ويظل التشويه المتعمد وغير المتعمد والدراسة غيرالمنهجية لتاريخ السودان التى ادت وتؤدى الى تزايد البون والتباعد بين اجزاء و شعوب السودان وتكرس الفرقة والشقاق و تقلل من قيمة السودان نفسه وعمق إنتماءاته التاريخية والحالية و المستقبلية والقراءة الصحيحة و الصحية و المتوازنة وحدها هى التى ستدفع بالسودان نحو المصالحة الوطنية الداخلية و التفاعل الصحى خارجيا دون افتعال المعارك بين ماهو افريقى وعربى و شمالى و جنوبى و غربى و شرقى. والسودان الموحد على اسس صحيحة وحده المفيد للعرب و للافارقة و الانتقاص من تاريخ السودان سيؤدى حتما للانتقاص من جغرافيته!! و لذلك التوقف عند الابعاد التاريخية لاطروحة السودان الجديد فى فكر الدكتور جون قرنق هو التوقف بعينه عند قضية وحدة السودان. و الحركة الشعبية لتحرير السودان كمجسد لرؤية الدكتور جون قرنق التى تسعى لاقامة كيان سياسى عابر للاثنيات والاديان واجزاء السودان الجغرافية تعد احد اليات وحدة السودان على اسس جديدة مع إمكانية التوصل لتحالفات عريضة للوصول للسودان الجديد.ولقد ظلت الحركة تمارس دور اكبر من ان يمارسه اى تنظيم سياسى بل اصبحت جزء من عملية البناء الوطنى فهى كيان نادر يجمع قوة مهمة من كافة ارجاء السودان بدات بالجنوبين،النوبة، واهل النيل الازرق و تنتشر فروعها و مكاتبها الان فى بقية اجزاء السودان مما يجعل من عملها السياسى جزء من عملية البناء الوطنى التى تجمع اناس من اعراق و اديان و ثقافات و لغات مختلفة على نحو طوعى فى تنظيم سياسى واحد ولا شبيه لها الا ما قامت به المهدية بتجميع السودانيين من قبائل مختلفة فى اطار واحد وساهمت فى اعادة التشكيل و البناء الوطنى و لذلك فان الحركة الشعبية بالنسبة لى ليست مجرد تنظيم سياسى بل هى جزء من عملية البناء الوطنى التى تجمع (خلق الله ) من كل حدب و صوب و لذا التمسك بها اكبر من مجرد التمسك بعضوية تنظيم سياسى.
    فى اعتقادى المتواضع و بالرجوع لمناقاشات عديدة مع الدكتور جون قرنق استمرت لسنوات طويلة. و بمرور متانى فاحص لفترتى تنزانيا وامريكا فى حياة الدكتور جون قرنق و مع اهمية الفترات اللاحقة لما بعد اتفاقية 1972 وفترة دراسته لنيل درجة الدكتوراة من جامعة ولاية ايو-امز و حتى 16 مايو 1983 تاريخ تاسيس الحركة الشعبية لتحريرالسودان فانه يمكن القول بكثير من الإطمئنان إن الدكتور جون قرنق قد خرج من رحم الستينيات و إن الفترة التى تلت ذلك كانت مرحلة طويلة من الهضم و الإستيعاب و المزيد من التعرف على التركيبة الداخلية للمجتمع السودانى. و الجدير بالملاحظة ان شخصية الدكتور جون قرنق و لغته و احلامه كثير ما احس الناس العاديين و عبروا عن ذلك فى اكثر من مناسبة بانه يذكرهم بقادة حركات التحرر الوطنى الكبار فى الستينيات، إنه رجل استمد دمائه و رائحته من احلام حركات التحرر الوطنى العظيمة و ظل على الرغم من تراجع الدعوة لكيانات كبيرة على مستوى العالم و غياب و تمزق بلدان عديدة متمسكا بوحدة السودان على اسس جديدة و الابطال حقا من استشهدوا دون ان يدروا ان الاستشهاد بطولة!!.
    ملاحظة اخرى هامة ان الدكتور جون قرنق الشديد الحساسية تجاه مكونات السودان و لاسيما تجاه عاملى العروبة و الاسلام كعوامل هامة و جزء لا يتجزأ من تلك المكونات لم يغفل مميزات و خصائص الواقع السودانى مع احتفاظه بتوجهاته العامة تجاه وحدة افريقيا، و قد بلور اطروحته حول السودان الجديد إستنادا على تلك الخصائص و هى فى محتواها مشروع للتعايش و المصالحة على نحو ديمقراطى و العمل المسلح ما هو الا الية يمكن استبدالها باخريات، و قد عكف على تطوير مشروعه من خلال الوقائع الداخلية للسودان دون القفز الى دعاوى كبيرة لا تاخذ الواقع العيانى الملموس، و فى نفس الوقت كان يدرك ان توحيد السودان يحمل فى داخله بذرة صالحة و نموذج لافريقيا بل يتعداها فى قضيتى التعدد و التنوع التاريخى و المعاصر قضايا ذات ابعاد سودانية، افريقية، و عربية (الجزائر و العراق) نموذجا، عالمية فى ان معا. بمعنى اخر توصل دكتور جون قرنق الى إمكانية و ضرورة وحدة السودان من منصة افريقيا، و هبط بمظلتها للواقع السودانى ، و توصل لرؤية حادة و دقيقة بان قصة النجاح و الفشل فى السودان هى قصة افريقية و عالمية، و هى جوهر مساهمته السودانية ذات الابعاد الانسانية و العالمية لاسيما ان قضايا الاثنيات و الثقافة و التعدد و التنوع فى اطار الوحدة اصبحت هماَ عالميا. و قد لخص كل ذلك بان ينتمى السودانيون قبل كل شىء للسودان اولاَ لان هذا ما يجمعهم، و دعا لمشروع وطنى ( السودان الجديد) قائم على روابط و ارضية سياسية، إقتصادية، و ثقافية جديدة.
    كنت اود التطرق فى هذه المقالة لجون لينون مغنى البيتلز العظيم و احد رواد حركة السلام العالمية وذوى البصمات الواضحة عند الشباب فى امريكا الستينيات، و احد ابطال تلك الحقبة حتى إغتياله فى 8 ديسمبر 1980 والذى اكن له اعجابا بلا حدود. ولاسباب متعلقة بالقضية الرئيسية للمقالة ولطول المادة التى جمعتها عنه فسوف اعدها على نحو منفصل فهو انسان يستحق التحية قبل شارات الوداع. و اخيرا اود ان اختتم هذه المقدمة بالقول إننى طوال زمن كتابة هذه المقالة تذكرت العديدين ممن يجدرالتوقف عندهم، بعضهم اصدقاء احياء وشهداء، ولكنى اتوقف عند ثلاثة شخصيات، صديقنا جمال نكروما الذى يجمع العالمين الافريقى والعربى و الذى استمتع دائما بمناقشة قضايا و اطروحات (البان افريكان) معه كل ما التقينا والمناضل العريق للانانيا والحركة الشعبية لتحريرالسودان العم مايكل شار الذى كان يتمنى ان يعود الى جوبا و هاهوذا قد عاد، وعزيزتنا اتونق قرنق مبيور صغرى كريمات والدها شديدة القرب من قلبه والتى لم ينساها فى خطبه التاريخيه فى مفاوضات السلام، والتى هى من اكثر الناس فقدا له.
    كان المساء مساء غير عادى وغير قابل للتكرار، المهاتما ( الروح العظمية ) فى طريقه الى صلوات المساء التى ستشهد مولده من جديد رغم انه قد ولد بالفعل كما هو موضح بجلاء فى شهادة ميلادة فى بروبندار – ولاية قجرات الهنديه- فى الثانى من اكتوبر 1869 ولكن مثله لا يولد مرة واحده بل ان ميلادة الحقيقى سيكون هذا المساء الثلاثين من يناير1948.
    كان البوليس الهندى يبحث عن مجموعة تنتوى الشر بالروح العظيمه وكانت المجموعه تسابق الزمن خوفا من الاخفاق والجسد النحيل والبالى لمها ندراس كرشماند غاندى وهو اسم مولده الموثق فى شهادة ميلاده هو المستهدف وهو جسد متعب من رحلة طويله وشاقة وقابل للفناء أما الروح العظيمه للمهاتما غاندى فلن يطالها احد بل هى فى طريقها الى الخلود الابدى ذلك المساء.
    صادف مولده فى بروبندار- قجرات – ازمنة صعبه تعيشها الهند وبعضها لا يزال!! عنوانها الفقر،البؤس ،الاميه وقبضة صارمه وقتها للمستعمرين البريطانين على مقاليد الامور، ولا ضوء فى نهاية النفق ورغم كل الظلام شق غاندى طريقه وعبر المحيط نحو الكليه الجامعيه بلندن ودرس القانون ونال رخصة المحاماة ثم عاد غافلا للهند وليس بغافل فى عام 1891 .
    فتح مكتبا للمحاماة فى بومباى دون ما نجاح يذكر وبعد عامين من ذلك فى 1893 حدث ما سيغير حياة المحامى الشاب وتاريخ الهند بكاملها. ولان الحياة تنتخب من تشاء من ذوى العزائم والارادات أخطأت شركه قانونيه تعمل فى الهند، وذات فرع ومصالح فى جنوب افريقيا، بالتعاقد مع المحامى الشاب كمستشارا قانونى لمكتبها فى مدينه ديربان، ويا له من خطأ لا يغتفر، لاحقا ستدفع الامبراطوريه التى لا تغيب الشمس عنها ثمن هذا الخطأ العظيم وسينتزع محامى مدينة بومباى الشاب، اغلى درة فى التاج البريطانى تم الاستيلاء عليها بالغصب والحديد والنار، الذى دفعت ثمنه اجساد الهنود المتعبه، ومع ذلك فان تلك الاجساد تستطيع ان تغيب شمس الامبراطوريه التى لا تغيب شمسها (ومحبى المهاتما من بنات وابناء شعب السودان على مر اجيال الامس واليوم يتوجهون بالشكر والتحيه !! لتلك الشركة على هذا الاختيار الذى صادف اهله والعاقبه للمستعمرين فى المسرات....). وصل المحامى الشاب الى جنوب افريقيا واصدم ضميرة الحى صدمة عنيفه ورأى بأم عينيه ان المهاجرين الهنود الذين تم جلبهم الى جنوب افريقيا يعاملون كجنس ادنى فى نظام الفصل العنصرى، فى ظل حرمان تام من الحقوق المدنيه والسياسيه وتعرض هو نفسه لمهانات عديده، و قذف به الى خارج القطار لانه اصر على الجلوس فى الدرجه الاولى ولان مكان الملونيين هو الدرجه الثالثة و.....و.....الخ تعرض لها فى الحياة اليوميه. ونسى محامى ديربان مهمته الاولى ( واللعنة على النقود للابد) وتزعم النضال من اجل الحقوق الاساسيه للمهاجرين الهنود فى جنوب افريقيا، واوفى مهمته حقها، غير عابئ او وجل، لاحقا قال المهاتما غاندى معتزا بسنوات نضاله فى جنوب افريقيا، غير متناسيا افضال الحياة وجنوب افريقيا علية ( انا ولدت فى الهند ولكننى صنعت فى جنوب افريفيا ).
    كان البوليس الهندى يسابق الزمن للحيلوله دون مجموعة ( نهرام قودسى) وكانت المجموعة تسابق البوليس والزمن للوصول الى الروح العظيمه وقامت بتجهيز كل ما يلزم المسدس سريع الطلقات......!! كان المهاتما فى طريقه الى صلوات المساء، وفى تلك الليلة على نحو اخص كان مثقل الضمير كثير الهموم والمخاوف، خائفاَ على الهند لا على نفسه وهو فى حزن طويل..... طويل نال منه اى ما نيل، دائم الاسى والاسف ان جاء استقلال الهند على حساب وحدتها وتفجر العنف الطائفى، بين الهندوس والمسلمين، صام المهاتما من اجل وقف العنف ومن اجل انصاف المسلمين وذكر ان الهند التى عرفها هى التى تجمع الجميع هندوسا ومسلمين وغيرهم، وبذل جهدا خارقا فى الحفاظ على وحدة الهند التى كانت مركز همه، غير عابئ بالمواقع فى السلطه الجديده كان مستعدا لان يكون على رأس الهند مسلما لينقذ راسها وجسدها من التشظى، قدم عدة اقتراحات من بينها ان يكون وكلاء الوزارات من المسلمين كل ذلك فى ظل تواطئ جماعتين من جماعات المثقفين الطامحه فى السلطه وتراها بلونيين اسود او ابيض كارهة لما عداهما من الوان، مضيقة افق الحياة المتسع دافعة الهند نحو رؤية ذات ظل قصير ( المؤتمر الهندى والرابطه الاسلاميه –نهرو وجناح ) خرجت من رحم الهند باكستان، ومن رحم باكستان بنغلاديش، ولا تزال كشمير فى رحم المجهول، ولايزال الاسى يعتصر المهاتما، وماتزال اموال الفقراء تذهب الى جيوب سباق التسلح. وظل المهاتما على موقفه ضد قيام دولة هندوسيه ومع علمانية الهند، وهو الهندوسى عند مولده المسجل والموثق فى بروبندار – قجرت وفى صورة هى الاكثر اشراقا فى صفحات المهاتما كثيرة الاشراق وحينما التهم العنف الطائفى الهندوس والمسلمين فى كلاكاتا واحده من اكبر المدن الهنديه، صام المهاتما ضد الحرق والقتل الذى لايعرف تميزا وهويه حتى توقفت المواجهات......(فعباد الله هل فينا من يصوم قبل الطوفان الذى سيشقنا عما قريب !!)
    فى 13 ينابر 1948 صام المهاتما غاندى مرة اخرى واخيرة ونجح فى جلب السلام بين الهندوس والمسلمين فى مدينة نيودلهى. عند ذلك المساء السرمدى فى 30 يناير 1948 كان المهاتما فى طريقه نحو صلاة المساء والمتطرفيين القوميين الهندوس يغلى مرجلهم ضيق الافق، والذى لا يتسع لتك الروح العظيمه وهم يرفعون الرايات والقيم الهندوسيه ضد صاحبها ومع ذلك فان المهاتما ذهب الى صلوات المساء، وهو الذى قال من قبل اننى عشت حياتى الاولى طفلا ولم اعرف الى اي الديانات انتمى فمن الهندوسيه والاسلام والمسحيه اخذت .......وكان افقه المتسع يستعصى هضمه على القوميين الهندوس، وهم الاغلبية ولسان حالهم يردد بان يشرب غيرهم كدرا وطينا بعد ان يوردو الماء صفوا ومالهم و تلك الروح العظيمه!!.
    عاش المهاتما عشرون عاما او يزيد قليلا فى جنوب افريقيا وبدأ اولها فى تدريس سياسه المقاومه السلبية التى الم بها من مصادر عديده ذكر بعضها فقد تأثر بالكاتب الروسى الكبير ليو تولستوى وتعاليم المسيح والكاتب الامريكى فى القرن التاسع عشر هنيرى ديفيد توريو، ومقالته المشهورة عن ( العصيان المدنى) وهو من قبل ذلك نهل من قيم وتراث الديانه الهندوسيه. وذكر المهاتما لاحقا، ان المقاومه السلبيه والعصيان المدنى اقل من ان توصفان طريقته ومسيرته ونهجه المتكامل وغاياته " نهج الحقيقة والحزم" وارض جنوب افريقيا التى وطأها المهاتما غاندى ستحبل (بالحقيقة و المصالحة). شارك المهاتما فى اثناء حرب البوير فى الصليب الاحمر وبعد الحرب عاد للدعوة الى الحقوق الاساسية للمهاجرين الهنود، وفى 1910 اسس مستعمرة تولستوى وهى مزرعة تعاونية للهنود بالقرب من مدينة ديربان وفى عام 1914 قدمت حكومة جنوب افريقيا تنازلات هامة لغاندى وحركته من ضمنها الاعتراف بالزواج الهندى والغاء بعض الضرائب، ولا بد ان المهاتما الذى لا يتورع عن حبه للعدالة، اينما كان وكانت خرج من هذه المعركة شديد الثقة بنفسه وبشعبه فى جنوب افريقيا وفى الهند البعيدة وشديد التذكر لمباراة قادمة ولملايين الهنود الذين ينهكهم الجوع و المرض فى شبة القارة الهندية التى منها اتى واليها يرجع، كان على موعد مع مأثرة انسانية كبرى بعد ان اسهم وساهم وزرع وحصد وتعلم الزراعة وكانت جنوب افريقيا تمرينا اوليا لما سياتى ، التى ستثمر مؤتمريين هنديين فى جنوب افريقيا وفى الهند وسينجب المؤتمر الهندى فى جنوب افريقيا، شخصيات كبيرة من رفاق مانديلا وكرست هانى امثال احمد كاثرادا رفيق سجن مانديلا الطويل واسماعيل،فاطمة مير ويوسف دادو الذى سيرحل فى اوربا وتقاتل جنازته وهى فى طريقها الى جنوب افريقيا وجي ناندو النقابى واول وزير مواصلات فى حكومة مانديلا الاولى والذى يعشق النساء والنضال وتحكى قصته تلك بطريقة عذبة زوجته الكندية، فى كتاب يؤرخ للسياسة و الحب.
    حزم المهاتما حقائبه وقضاياه وعاد راجعا الى الهند على موعد مع التاريخ وفقراء الهنود ليس فى مكتب محاماة فاشل فى بومباى بل فى محاكمة تاريخية للاستعمار ومرافعة ضمن المرافعات، الاكثر نجاحا على طول تاريخ التصدى للاستعمار الحديث، وماثرة قابلت القوة بالحقيقة والحزم كان ملهمها الاول قائد سياسى وروحى وعلمانى، دونما انفصام بين هذه المكونات وكان عاشقا للهند بمكوناتها المتعددة اثنا وديانات ونوعا ممثلا فى النساء الاكثر اصابة بالظلم فى المجتمع الهندى والانسانى، وكان ما خلف المهاتما بجنوب افريقيا امامه فى الهند.
    كان المهاتما فى طريقه لصلاة المساء الاخيرة، شق الطريق اليه نهرام قودسى وصديقه نارايان ابتى ويعاونه اخوه قوبل يملأ قلوبهما التعصب وضيق منظار الحياة مع اتسعاها وابعدا فتاة تكاد تحجب المهاتما عن مرمى النيران وان لم تبتعد سيفشلا فى مهمتهما،الزمن و البوليس يطاردانهما مع توتر فى الاعصاب وهم حضور عند الروح العظيمة.
    وصل المهاتما الهند، قادما من جنوب افريقيا يتمتع بثراء وغنى واسع بعد ان حصد التجارب ومقارعة الاستعمار، لا المال من جنوب افريقيا وكانت الحرب العالمية الاولى فى بدايتها تشد ثوب بريطانيا فى اتجاه، وغاندى سيشده فى الاتجاه المعاكس وبدا فى اختبار الارض الجديدة ممسكا بحبال الصبر و الحكمة ، الحقيقة و الحزم، شخص الداء وقدم الدواء ذو الجرعات الطويلة و الامبراطورية العجوز تحتفظ بافضل عقولها فى الهند تراقب نشاط المحامى الشاب ولديها تقارير مفصلة عن مواقفه فى جنوب افريقيا ويبدأ ( جرالحبل) غير المتكافىء بين طرفى القوة و الغطرسة و الحقيقة و الحزم تدرك عقول الممثلين للامبراطورية التى لا تغيب الشمس عنها، ان الارض تمور وتدور فيجيز برلمانها فى عام 1919 اعطاء سلطات طوارىء لمكافحة النشاط الثورى و النشاط الثورىفى الهند بطبعه وتاريخه الانسانى، لا يكافح وبموجب لائحة الطوارىء وفى اعظم اختبار لها ترتكب مجزرة ارمستار الشهيرة فى عام 1920 و مقابل القوة والغطرسة، يطرح غاندى الحقيقة بحزم وهو فى ريعان الشباب ممتلىء بالطاقات طرح حملة عدم التعاون مع السلطات الاستعمارية، و استقال المتعلمين من الوظائف العامة، قاطع الهنود المحاكم ، ارجعوا الاطفال من المدارس، واقفلت الشوارع باجساد مكدسة من البشر رافضين التحرك و الانفضاض، رغم الانقضاض و الضرب المبرح من البوليس وتم مقاطعة البضائع البريطانية وطرح غاندى حكم الهنود لانفسهم بأنفسهم وجرب لمس الامبراطورية العجوز فى اهم ادوات قهرها ودافع استعمارها الاقتصاد!! وطالب بوقف استغلال الريف الهندى ووقف تحطيم الصناعات البدائية الهندية وتدمير مرتكزات حياة القرية الهندية وهى قضايا الاغلبية الساحقة من المهمشين الهنود.
    اصبح المهاتما رمزا عالميا لثورة الهنود وعاش حياة روحية مليئة بالصلوات و الصيام وانتهت علاقته مع زوجته او كما قال هو "علاقنتا اليوم مثل الاخ واخته " ورفض تملك اى شىء على وجه الارض ولبس ملابس الطبقات الدنيا فى الهند التى بالكاد تستر جسده، واشتهر بها واشتهرت به مثل كوفية ابا عمار وعاش على لبن الماعز وقليل من عصير الفواكهه وبعض الخضروات احيانا واصبح فى نظر الهنود مقدس وسمى " الروح العظيمة" وارتفعت النفس فارتفعت المكانة " دخلوا الى الدنيا فقراء وكما دخلوا منها خرجوا" مقاومته السلمية دون عنف ترجع بعض جذورها الى تقاليد الديانة الهندوسية عميقة الجذور فى التربة الهندية، ارتبك البريطانيين واساطين مكرهم فى وزارة المستعمرات وقلم المخابرات وهم يحاولون التعامل مع ظاهرته وفى قمة ارتباكهم اعطاه زعماء المؤتمر الهندى المجموعة التى تزعمت الحركة على المستوى الوطنى اعطوه السلطة التنفيذية الكاملة بما فيها تسمية خليفته.
    لا يزال البحث مستمر حول فشل مؤتمر الخريجين فى بلادنا فى اكبر مهامه بناء دولة حديثة على الرغم انه راى الشعاع و النور الهندى مع بعد المسافة وفشل فى ان يقود حركة مستنيرة مرتبطة بوجود جماهيرى فاعل، لبناء دولة حديثة دون التمسح باستار البنى التقليدية للمجتمع السودانى وسيظل البحث قائم لا سيما وإن جمعية الاتحاد السودانى وحركة اللواء الابيض اولى الحركات السياسية ومنظمات المجتمع المدنى الحديثة، التى انتظمت سياسيا خارج البنى التقليدية وقاومت فى اتجاهين مطلقه سهمها الاول صوب الانجليز، وسهمها الثانى نحو توفير قيادة مستنيرة حديثة مرتبطة بوجود جماهيرى فاعل وهى قضية لا تزال مشرعة، مفتوحة للتداول فى دوائر الحداثة و الفكر ولا يزال على عبداللطيف،عبدالفضيل الماظ، عبيد حاج الامين و الاخرين ينتظرون الانصاف ورد الاعتبار فى ذكرى شرف المحاولة لا سيما انهم عند عودة المهاتما الى الهند كانت نيرانهم موقدة وخيولهم مسرجه وعلى عبداللطيف يطرح الاسئلة الكبرى –ان السودانيين ليسواجميعا بعرب ومن الاوفق و الاوقع مخاطبتهم كسودانيين ثم تاتى امرأة من اسيا البعيدة من اليابان، وتعرج على السودان لتحرر شهادة ميلاد جديدة لعلى عبداللطيف ومصادر الثورة السودانية ولا تزال الاسئلة قائمة تنتظر مزيدا من الاجابات.
    عند صلاة المساء الاخيرة اقتربت نيران العنف و التعصب من المهاتما الذى وقف دوما ضد العنف بالرغم من ان اعمال عنف عظيمة وقوى عديدة فى المجتمع الهندى كانت ترى ان السن بالسن و العين بالعين وان غاب حمورابى و البادىء اظلم واربكت هذه القوى خطط المهاتما غاندى احيانا وتكاثرت وتناسلت فى دربه الوعر، من كان يريد ان يوجه العنف ضد الانجليز او من كان يريد ان يصفى حسابات داخلية متعلقة بتركيبة المجتمع الهندى وعلى درب الاخيرة مضى نهرام قودسى شاقا طريقه نحو الروح العظيمة و المهاتما لا يحفل الا بصلوات المساء الاخيرة وهو العازف عن السلطة يعف عند المغنم ولا يخشى البريطانيين وجندهم، ممسكا بعصا السلطة المتمثلة فى نهوض ملايين الهنود خلفه لتحرير الهند مع ذلك النجاح اعترف المهاتما فى عام 1922 ان العنف يكاد يفشل المقاومة السلمية وفى نفس العام ادخل السجن ليخرج فى عام 1924 عام اللواء الابيض فى بلادنا خرج من السجن منسحبا من الحياة العامة مختصرا مهمته وطاقاته نحو توحيد المجتمعات المحلية ثم عاد رويدا رويدا فليس بامكانه الا النضال فحياته تكمن هناك وليس بالامكان تجنب خوض المعارك من اجل استقلال الهند ودعا مرة اخرى الى عصيان مدنى ودعا الشعوب الهندية لرفض دفع الضرائب فى عام 1930 و ستكون كلمة العصيان المدنى متداولة وورافة الظلال على ايام حكم عبود فى السودان تذكرة عبور نحو اكتوبر 1964. دعا المهاتما لرفض ضريبة الملح بالذات و انطلق فى حملته الشهيرة صوب البحر، مكان انتاج الملح وكان نفسه ملحا عظيما لارض الهند تبعته مئات الالاف فى مشهد ما يزال اسراَ ومؤثرا من احمد اباد من كل انحاء الهند وقرى( ومدن الملح) حتى المحيط واعتقل واطلق سراحه بعد وقت وجيز فى عام 1931 ومثلما قدمت التنازلات له فى جنوب افريقيا قدم البريطانيين التنازلات وشمسهم بدات تتجه نحو المغيب وفى نفس العام مثل المؤتمر الهندى، فى لندن، ذهب هذه المرة لا كطالب علم بل مطالبا باستقلال الهند، وممثلا لكل الهند بما تعنيه الهند من كلمة وحضارة وشعوب طلب منه البعض وهو يتاهب لللقاء الحكام البريطانيين فى ارضهم، ان يغير ملابسه ويلبس ملابس تليق بلندن رفض ذلك بحزم وتواضع جم ومثله بالطبع يدرك ان ملابس فقراء الهنود هى تذكرته نحو لندن وعند الصعود الى باب الطائرة تحتاج الى تذكرة صعود وكان يدرك ان المساومة شكلا احيانا تمتد الى الجوهر لم يتوصل لاتفاق مع السلطات البريطانية ومن المعروف فى السنوات اللاحقة ان ونستون تشرشل كان يمقت المهاتما غاندى الذى تحدى جبروته مرارا واثبت تفوقه الروحى وامتلاكه لناصية الحقيقة و الحزم، وعاد المهاتما الى الهند وعاد معه العصيان فى حملة جديدة، وفى 1932 اعتقل مرتين وصام عن الطعام مرات عديدة وطويلة كان صيامه ردا حازما للبريطانيين الذين للمفارقة يخشون موته الذى سوف يزلزل الارض تحت اقدامهم مثل ما يخشون حياته، التى لا محالة ستزلزل الارض هى الاخرى. يبدو لى إن هنالك صلة ما بين المهاتما و مقاومته السلميه و طريقة و نهج الاستاذ محمود محمد طه و قد طرحت هذه السؤال على عدد من الاخوان الجمهوريين الذين اكد بعضهم الصلة على نحو عام و هى قضية تستحق مزيد من التقصى الجاد


    د. جون قرن.
    حضور في سونامي الغياب (2)
    ملاحظات في دفاتر الستينيات
    ياسر عرمان

    الدكتور جون قرنق هدية التاريخ لشعبنا و قد كان قارئا جيدا للتاريخ و من قراءته لتاريخ السودان توصل للصلة و الترابط بين شعوبه و مناطقه الجغرافية المترامية وجيرانه ، بحث باستمرارعن ايجاد الصلة بين الدعوة للسودان الجديد و تاريخه القديم والمعاصر. ويظل التشويه المتعمد وغير المتعمد والدراسة غيرالمنهجية لتاريخ السودان التى ادت وتؤدى الى تزايد البون والتباعد بين اجزاء و شعوب السودان وتكرس الفرقة والشقاق و تقلل من قيمة السودان نفسه وعمق إنتماءاته التاريخية والحالية و المستقبلية والقراءة الصحيحة و الصحية و المتوازنة وحدها هى التى ستدفع بالسودان نحو المصالحة الوطنية الداخلية و التفاعل الصحى خارجيا دون افتعال المعارك بين ماهو افريقى وعربى و شمالى و جنوبى و غربى و شرقى. والسودان الموحد على اسس صحيحة وحده المفيد للعرب و للافارقة و الانتقاص من تاريخ السودان سيؤدى حتما للانتقاص من جغرافيته!! و لذلك التوقف عند الابعاد التاريخية لاطروحة السودان الجديد فى فكر الدكتور جون قرنق هو التوقف بعينه عند قضية وحدة السودان. و الحركة الشعبية لتحرير السودان كمجسد لرؤية الدكتور جون قرنق التى تسعى لاقامة كيان سياسى عابر للاثنيات والاديان واجزاء السودان الجغرافية تعد احد اليات وحدة السودان على اسس جديدة مع إمكانية التوصل لتحالفات عريضة للوصول للسودان الجديد.ولقد ظلت الحركة تمارس دور اكبر من ان يمارسه اى تنظيم سياسى بل اصبحت جزء من عملية البناء الوطنى فهى كيان نادر يجمع قوة مهمة من كافة ارجاء السودان بدات بالجنوبين،النوبة، واهل النيل الازرق و تنتشر فروعها و مكاتبها الان فى بقية اجزاء السودان مما يجعل من عملها السياسى جزء من عملية البناء الوطنى التى تجمع اناس من اعراق و اديان و ثقافات و لغات مختلفة على نحو طوعى فى تنظيم سياسى واحد ولا شبيه لها الا ما قامت به المهدية بتجميع السودانيين من قبائل مختلفة فى اطار واحد وساهمت فى اعادة التشكيل و البناء الوطنى و لذلك فان الحركة الشعبية بالنسبة لى ليست مجرد تنظيم سياسى بل هى جزء من عملية البناء الوطنى التى تجمع (خلق الله ) من كل حدب و صوب و لذا التمسك بها اكبر من مجرد التمسك بعضوية تنظيم سياسى.
    فى اعتقادى المتواضع و بالرجوع لمناقاشات عديدة مع الدكتور جون قرنق استمرت لسنوات طويلة. و بمرور متانى فاحص لفترتى تنزانيا وامريكا فى حياة الدكتور جون قرنق و مع اهمية الفترات اللاحقة لما بعد اتفاقية 1972 وفترة دراسته لنيل درجة الدكتوراة من جامعة ولاية ايو-امز و حتى 16 مايو 1983 تاريخ تاسيس الحركة الشعبية لتحريرالسودان فانه يمكن القول بكثير من الإطمئنان إن الدكتور جون قرنق قد خرج من رحم الستينيات و إن الفترة التى تلت ذلك كانت مرحلة طويلة من الهضم و الإستيعاب و المزيد من التعرف على التركيبة الداخلية للمجتمع السودانى. و الجدير بالملاحظة ان شخصية الدكتور جون قرنق و لغته و احلامه كثير ما احس الناس العاديين و عبروا عن ذلك فى اكثر من مناسبة بانه يذكرهم بقادة حركات التحرر الوطنى الكبار فى الستينيات، إنه رجل استمد دمائه و رائحته من احلام حركات التحرر الوطنى العظيمة و ظل على الرغم من تراجع الدعوة لكيانات كبيرة على مستوى العالم و غياب و تمزق بلدان عديدة متمسكا بوحدة السودان على اسس جديدة و الابطال حقا من استشهدوا دون ان يدروا ان الاستشهاد بطولة!!.
    ملاحظة اخرى هامة ان الدكتور جون قرنق الشديد الحساسية تجاه مكونات السودان و لاسيما تجاه عاملى العروبة و الاسلام كعوامل هامة و جزء لا يتجزأ من تلك المكونات لم يغفل مميزات و خصائص الواقع السودانى مع احتفاظه بتوجهاته العامة تجاه وحدة افريقيا، و قد بلور اطروحته حول السودان الجديد إستنادا على تلك الخصائص و هى فى محتواها مشروع للتعايش و المصالحة على نحو ديمقراطى و العمل المسلح ما هو الا الية يمكن استبدالها باخريات، و قد عكف على تطوير مشروعه من خلال الوقائع الداخلية للسودان دون القفز الى دعاوى كبيرة لا تاخذ الواقع العيانى الملموس، و فى نفس الوقت كان يدرك ان توحيد السودان يحمل فى داخله بذرة صالحة و نموذج لافريقيا بل يتعداها فى قضيتى التعدد و التنوع التاريخى و المعاصر قضايا ذات ابعاد سودانية، افريقية، و عربية (الجزائر و العراق) نموذجا، عالمية فى ان معا. بمعنى اخر توصل دكتور جون قرنق الى إمكانية و ضرورة وحدة السودان من منصة افريقيا، و هبط بمظلتها للواقع السودانى ، و توصل لرؤية حادة و دقيقة بان قصة النجاح و الفشل فى السودان هى قصة افريقية و عالمية، و هى جوهر مساهمته السودانية ذات الابعاد الانسانية و العالمية لاسيما ان قضايا الاثنيات و الثقافة و التعدد و التنوع فى اطار الوحدة اصبحت هماَ عالميا. و قد لخص كل ذلك بان ينتمى السودانيون قبل كل شىء للسودان اولاَ لان هذا ما يجمعهم، و دعا لمشروع وطنى ( السودان الجديد) قائم على روابط و ارضية سياسية، إقتصادية، و ثقافية جديدة.
    كنت اود التطرق فى هذه المقالة لجون لينون مغنى البيتلز العظيم و احد رواد حركة السلام العالمية وذوى البصمات الواضحة عند الشباب فى امريكا الستينيات، و احد ابطال تلك الحقبة حتى إغتياله فى 8 ديسمبر 1980 والذى اكن له اعجابا بلا حدود. ولاسباب متعلقة بالقضية الرئيسية للمقالة ولطول المادة التى جمعتها عنه فسوف اعدها على نحو منفصل فهو انسان يستحق التحية قبل شارات الوداع. و اخيرا اود ان اختتم هذه المقدمة بالقول إننى طوال زمن كتابة هذه المقالة تذكرت العديدين ممن يجدرالتوقف عندهم، بعضهم اصدقاء احياء وشهداء، ولكنى اتوقف عند ثلاثة شخصيات، صديقنا جمال نكروما الذى يجمع العالمين الافريقى والعربى و الذى استمتع دائما بمناقشة قضايا و اطروحات (البان افريكان) معه كل ما التقينا والمناضل العريق للانانيا والحركة الشعبية لتحريرالسودان العم مايكل شار الذى كان يتمنى ان يعود الى جوبا و هاهوذا قد عاد، وعزيزتنا اتونق قرنق مبيور صغرى كريمات والدها شديدة القرب من قلبه والتى لم ينساها فى خطبه التاريخيه فى مفاوضات السلام، والتى هى من اكثر الناس فقدا له.
    كان المساء مساء غير عادى وغير قابل للتكرار، المهاتما ( الروح العظمية ) فى طريقه الى صلوات المساء التى ستشهد مولده من جديد رغم انه قد ولد بالفعل كما هو موضح بجلاء فى شهادة ميلادة فى بروبندار – ولاية قجرات الهنديه- فى الثانى من اكتوبر 1869 ولكن مثله لا يولد مرة واحده بل ان ميلادة الحقيقى سيكون هذا المساء الثلاثين من يناير1948.
    كان البوليس الهندى يبحث عن مجموعة تنتوى الشر بالروح العظيمه وكانت المجموعه تسابق الزمن خوفا من الاخفاق والجسد النحيل والبالى لمها ندراس كرشماند غاندى وهو اسم مولده الموثق فى شهادة ميلاده هو المستهدف وهو جسد متعب من رحلة طويله وشاقة وقابل للفناء أما الروح العظيمه للمهاتما غاندى فلن يطالها احد بل هى فى طريقها الى الخلود الابدى ذلك المساء.
    صادف مولده فى بروبندار- قجرات – ازمنة صعبه تعيشها الهند وبعضها لا يزال!! عنوانها الفقر،البؤس ،الاميه وقبضة صارمه وقتها للمستعمرين البريطانين على مقاليد الامور، ولا ضوء فى نهاية النفق ورغم كل الظلام شق غاندى طريقه وعبر المحيط نحو الكليه الجامعيه بلندن ودرس القانون ونال رخصة المحاماة ثم عاد غافلا للهند وليس بغافل فى عام 1891 .
    فتح مكتبا للمحاماة فى بومباى دون ما نجاح يذكر وبعد عامين من ذلك فى 1893 حدث ما سيغير حياة المحامى الشاب وتاريخ الهند بكاملها. ولان الحياة تنتخب من تشاء من ذوى العزائم والارادات أخطأت شركه قانونيه تعمل فى الهند، وذات فرع ومصالح فى جنوب افريقيا، بالتعاقد مع المحامى الشاب كمستشارا قانونى لمكتبها فى مدينه ديربان، ويا له من خطأ لا يغتفر، لاحقا ستدفع الامبراطوريه التى لا تغيب الشمس عنها ثمن هذا الخطأ العظيم وسينتزع محامى مدينة بومباى الشاب، اغلى درة فى التاج البريطانى تم الاستيلاء عليها بالغصب والحديد والنار، الذى دفعت ثمنه اجساد الهنود المتعبه، ومع ذلك فان تلك الاجساد تستطيع ان تغيب شمس الامبراطوريه التى لا تغيب شمسها (ومحبى المهاتما من بنات وابناء شعب السودان على مر اجيال الامس واليوم يتوجهون بالشكر والتحيه !! لتلك الشركة على هذا الاختيار الذى صادف اهله والعاقبه للمستعمرين فى المسرات....). وصل المحامى الشاب الى جنوب افريقيا واصدم ضميرة الحى صدمة عنيفه ورأى بأم عينيه ان المهاجرين الهنود الذين تم جلبهم الى جنوب افريقيا يعاملون كجنس ادنى فى نظام الفصل العنصرى، فى ظل حرمان تام من الحقوق المدنيه والسياسيه وتعرض هو نفسه لمهانات عديده، و قذف به الى خارج القطار لانه اصر على الجلوس فى الدرجه الاولى ولان مكان الملونيين هو الدرجه الثالثة و.....و.....الخ تعرض لها فى الحياة اليوميه. ونسى محامى ديربان مهمته الاولى ( واللعنة على النقود للابد) وتزعم النضال من اجل الحقوق الاساسيه للمهاجرين الهنود فى جنوب افريقيا، واوفى مهمته حقها، غير عابئ او وجل، لاحقا قال المهاتما غاندى معتزا بسنوات نضاله فى جنوب افريقيا، غير متناسيا افضال الحياة وجنوب افريقيا علية ( انا ولدت فى الهند ولكننى صنعت فى جنوب افريفيا ).
    كان البوليس الهندى يسابق الزمن للحيلوله دون مجموعة ( نهرام قودسى) وكانت المجموعة تسابق البوليس والزمن للوصول الى الروح العظيمه وقامت بتجهيز كل ما يلزم المسدس سريع الطلقات......!! كان المهاتما فى طريقه الى صلوات المساء، وفى تلك الليلة على نحو اخص كان مثقل الضمير كثير الهموم والمخاوف، خائفاَ على الهند لا على نفسه وهو فى حزن طويل..... طويل نال منه اى ما نيل، دائم الاسى والاسف ان جاء استقلال الهند على حساب وحدتها وتفجر العنف الطائفى، بين الهندوس والمسلمين، صام المهاتما من اجل وقف العنف ومن اجل انصاف المسلمين وذكر ان الهند التى عرفها هى التى تجمع الجميع هندوسا ومسلمين وغيرهم، وبذل جهدا خارقا فى الحفاظ على وحدة الهند التى كانت مركز همه، غير عابئ بالمواقع فى السلطه الجديده كان مستعدا لان يكون على رأس الهند مسلما لينقذ راسها وجسدها من التشظى، قدم عدة اقتراحات من بينها ان يكون وكلاء الوزارات من المسلمين كل ذلك فى ظل تواطئ جماعتين من جماعات المثقفين الطامحه فى السلطه وتراها بلونيين اسود او ابيض كارهة لما عداهما من الوان، مضيقة افق الحياة المتسع دافعة الهند نحو رؤية ذات ظل قصير ( المؤتمر الهندى والرابطه الاسلاميه –نهرو وجناح ) خرجت من رحم الهند باكستان، ومن رحم باكستان بنغلاديش، ولا تزال كشمير فى رحم المجهول، ولايزال الاسى يعتصر المهاتما، وماتزال اموال الفقراء تذهب الى جيوب سباق التسلح. وظل المهاتما على موقفه ضد قيام دولة هندوسيه ومع علمانية الهند، وهو الهندوسى عند مولده المسجل والموثق فى بروبندار – قجرت وفى صورة هى الاكثر اشراقا فى صفحات المهاتما كثيرة الاشراق وحينما التهم العنف الطائفى الهندوس والمسلمين فى كلاكاتا واحده من اكبر المدن الهنديه، صام المهاتما ضد الحرق والقتل الذى لايعرف تميزا وهويه حتى توقفت المواجهات......(فعباد الله هل فينا من يصوم قبل الطوفان الذى سيشقنا عما قريب !!)
    فى 13 ينابر 1948 صام المهاتما غاندى مرة اخرى واخيرة ونجح فى جلب السلام بين الهندوس والمسلمين فى مدينة نيودلهى. عند ذلك المساء السرمدى فى 30 يناير 1948 كان المهاتما فى طريقه نحو صلاة المساء والمتطرفيين القوميين الهندوس يغلى مرجلهم ضيق الافق، والذى لا يتسع لتك الروح العظيمه وهم يرفعون الرايات والقيم الهندوسيه ضد صاحبها ومع ذلك فان المهاتما ذهب الى صلوات المساء، وهو الذى قال من قبل اننى عشت حياتى الاولى طفلا ولم اعرف الى اي الديانات انتمى فمن الهندوسيه والاسلام والمسحيه اخذت .......وكان افقه المتسع يستعصى هضمه على القوميين الهندوس، وهم الاغلبية ولسان حالهم يردد بان يشرب غيرهم كدرا وطينا بعد ان يوردو الماء صفوا ومالهم و تلك الروح العظيمه!!.
    عاش المهاتما عشرون عاما او يزيد قليلا فى جنوب افريقيا وبدأ اولها فى تدريس سياسه المقاومه السلبية التى الم بها من مصادر عديده ذكر بعضها فقد تأثر بالكاتب الروسى الكبير ليو تولستوى وتعاليم المسيح والكاتب الامريكى فى القرن التاسع عشر هنيرى ديفيد توريو، ومقالته المشهورة عن ( العصيان المدنى) وهو من قبل ذلك نهل من قيم وتراث الديانه الهندوسيه. وذكر المهاتما لاحقا، ان المقاومه السلبيه والعصيان المدنى اقل من ان توصفان طريقته ومسيرته ونهجه المتكامل وغاياته " نهج الحقيقة والحزم" وارض جنوب افريقيا التى وطأها المهاتما غاندى ستحبل (بالحقيقة و المصالحة). شارك المهاتما فى اثناء حرب البوير فى الصليب الاحمر وبعد الحرب عاد للدعوة الى الحقوق الاساسية للمهاجرين الهنود، وفى 1910 اسس مستعمرة تولستوى وهى مزرعة تعاونية للهنود بالقرب من مدينة ديربان وفى عام 1914 قدمت حكومة جنوب افريقيا تنازلات هامة لغاندى وحركته من ضمنها الاعتراف بالزواج الهندى والغاء بعض الضرائب، ولا بد ان المهاتما الذى لا يتورع عن حبه للعدالة، اينما كان وكانت خرج من هذه المعركة شديد الثقة بنفسه وبشعبه فى جنوب افريقيا وفى الهند البعيدة وشديد التذكر لمباراة قادمة ولملايين الهنود الذين ينهكهم الجوع و المرض فى شبة القارة الهندية التى منها اتى واليها يرجع، كان على موعد مع مأثرة انسانية كبرى بعد ان اسهم وساهم وزرع وحصد وتعلم الزراعة وكانت جنوب افريقيا تمرينا اوليا لما سياتى ، التى ستثمر مؤتمريين هنديين فى جنوب افريقيا وفى الهند وسينجب المؤتمر الهندى فى جنوب افريقيا، شخصيات كبيرة من رفاق مانديلا وكرست هانى امثال احمد كاثرادا رفيق سجن مانديلا الطويل واسماعيل،فاطمة مير ويوسف دادو الذى سيرحل فى اوربا وتقاتل جنازته وهى فى طريقها الى جنوب افريقيا وجي ناندو النقابى واول وزير مواصلات فى حكومة مانديلا الاولى والذى يعشق النساء والنضال وتحكى قصته تلك بطريقة عذبة زوجته الكندية، فى كتاب يؤرخ للسياسة و الحب.
    حزم المهاتما حقائبه وقضاياه وعاد راجعا الى الهند على موعد مع التاريخ وفقراء الهنود ليس فى مكتب محاماة فاشل فى بومباى بل فى محاكمة تاريخية للاستعمار ومرافعة ضمن المرافعات، الاكثر نجاحا على طول تاريخ التصدى للاستعمار الحديث، وماثرة قابلت القوة بالحقيقة والحزم كان ملهمها الاول قائد سياسى وروحى وعلمانى، دونما انفصام بين هذه المكونات وكان عاشقا للهند بمكوناتها المتعددة اثنا وديانات ونوعا ممثلا فى النساء الاكثر اصابة بالظلم فى المجتمع الهندى والانسانى، وكان ما خلف المهاتما بجنوب افريقيا امامه فى الهند.
    كان المهاتما فى طريقه لصلاة المساء الاخيرة، شق الطريق اليه نهرام قودسى وصديقه نارايان ابتى ويعاونه اخوه قوبل يملأ قلوبهما التعصب وضيق منظار الحياة مع اتسعاها وابعدا فتاة تكاد تحجب المهاتما عن مرمى النيران وان لم تبتعد سيفشلا فى مهمتهما،الزمن و البوليس يطاردانهما مع توتر فى الاعصاب وهم حضور عند الروح العظيمة.
    وصل المهاتما الهند، قادما من جنوب افريقيا يتمتع بثراء وغنى واسع بعد ان حصد التجارب ومقارعة الاستعمار، لا المال من جنوب افريقيا وكانت الحرب العالمية الاولى فى بدايتها تشد ثوب بريطانيا فى اتجاه، وغاندى سيشده فى الاتجاه المعاكس وبدا فى اختبار الارض الجديدة ممسكا بحبال الصبر و الحكمة ، الحقيقة و الحزم، شخص الداء وقدم الدواء ذو الجرعات الطويلة و الامبراطورية العجوز تحتفظ بافضل عقولها فى الهند تراقب نشاط المحامى الشاب ولديها تقارير مفصلة عن مواقفه فى جنوب افريقيا ويبدأ ( جرالحبل) غير المتكافىء بين طرفى القوة و الغطرسة و الحقيقة و الحزم تدرك عقول الممثلين للامبراطورية التى لا تغيب الشمس عنها، ان الارض تمور وتدور فيجيز برلمانها فى عام 1919 اعطاء سلطات طوارىء لمكافحة النشاط الثورى و النشاط الثورىفى الهند بطبعه وتاريخه الانسانى، لا يكافح وبموجب لائحة الطوارىء وفى اعظم اختبار لها ترتكب مجزرة ارمستار الشهيرة فى عام 1920 و مقابل القوة والغطرسة، يطرح غاندى الحقيقة بحزم وهو فى ريعان الشباب ممتلىء بالطاقات طرح حملة عدم التعاون مع السلطات الاستعمارية، و استقال المتعلمين من الوظائف العامة، قاطع الهنود المحاكم ، ارجعوا الاطفال من المدارس، واقفلت الشوارع باجساد مكدسة من البشر رافضين التحرك و الانفضاض، رغم الانقضاض و الضرب المبرح من البوليس وتم مقاطعة البضائع البريطانية وطرح غاندى حكم الهنود لانفسهم بأنفسهم وجرب لمس الامبراطورية العجوز فى اهم ادوات قهرها ودافع استعمارها الاقتصاد!! وطالب بوقف استغلال الريف الهندى ووقف تحطيم الصناعات البدائية الهندية وتدمير مرتكزات حياة القرية الهندية وهى قضايا الاغلبية الساحقة من المهمشين الهنود.
    اصبح المهاتما رمزا عالميا لثورة الهنود وعاش حياة روحية مليئة بالصلوات و الصيام وانتهت علاقته مع زوجته او كما قال هو "علاقنتا اليوم مثل الاخ واخته " ورفض تملك اى شىء على وجه الارض ولبس ملابس الطبقات الدنيا فى الهند التى بالكاد تستر جسده، واشتهر بها واشتهرت به مثل كوفية ابا عمار وعاش على لبن الماعز وقليل من عصير الفواكهه وبعض الخضروات احيانا واصبح فى نظر الهنود مقدس وسمى " الروح العظيمة" وارتفعت النفس فارتفعت المكانة " دخلوا الى الدنيا فقراء وكما دخلوا منها خرجوا" مقاومته السلمية دون عنف ترجع بعض جذورها الى تقاليد الديانة الهندوسية عميقة الجذور فى التربة الهندية، ارتبك البريطانيين واساطين مكرهم فى وزارة المستعمرات وقلم المخابرات وهم يحاولون التعامل مع ظاهرته وفى قمة ارتباكهم اعطاه زعماء المؤتمر الهندى المجموعة التى تزعمت الحركة على المستوى الوطنى اعطوه السلطة التنفيذية الكاملة بما فيها تسمية خليفته.
    لا يزال البحث مستمر حول فشل مؤتمر الخريجين فى بلادنا فى اكبر مهامه بناء دولة حديثة على الرغم انه راى الشعاع و النور الهندى مع بعد المسافة وفشل فى ان يقود حركة مستنيرة مرتبطة بوجود جماهيرى فاعل، لبناء دولة حديثة دون التمسح باستار البنى التقليدية للمجتمع السودانى وسيظل البحث قائم لا سيما وإن جمعية الاتحاد السودانى وحركة اللواء الابيض اولى الحركات السياسية ومنظمات المجتمع المدنى الحديثة، التى انتظمت سياسيا خارج البنى التقليدية وقاومت فى اتجاهين مطلقه سهمها الاول صوب الانجليز، وسهمها الثانى نحو توفير قيادة مستنيرة حديثة مرتبطة بوجود جماهيرى فاعل وهى قضية لا تزال مشرعة، مفتوحة للتداول فى دوائر الحداثة و الفكر ولا يزال على عبداللطيف،عبدالفضيل الماظ، عبيد حاج الامين و الاخرين ينتظرون الانصاف ورد الاعتبار فى ذكرى شرف المحاولة لا سيما انهم عند عودة المهاتما الى الهند كانت نيرانهم موقدة وخيولهم مسرجه وعلى عبداللطيف يطرح الاسئلة الكبرى –ان السودانيين ليسواجميعا بعرب ومن الاوفق و الاوقع مخاطبتهم كسودانيين ثم تاتى امرأة من اسيا البعيدة من اليابان، وتعرج على السودان لتحرر شهادة ميلاد جديدة لعلى عبداللطيف ومصادر الثورة السودانية ولا تزال الاسئلة قائمة تنتظر مزيدا من الاجابات.
    عند صلاة المساء الاخيرة اقتربت نيران العنف و التعصب من المهاتما الذى وقف دوما ضد العنف بالرغم من ان اعمال عنف عظيمة وقوى عديدة فى المجتمع الهندى كانت ترى ان السن بالسن و العين بالعين وان غاب حمورابى و البادىء اظلم واربكت هذه القوى خطط المهاتما غاندى احيانا وتكاثرت وتناسلت فى دربه الوعر، من كان يريد ان يوجه العنف ضد الانجليز او من كان يريد ان يصفى حسابات داخلية متعلقة بتركيبة المجتمع الهندى وعلى درب الاخيرة مضى نهرام قودسى شاقا طريقه نحو الروح العظيمة و المهاتما لا يحفل الا بصلوات المساء الاخيرة وهو العازف عن السلطة يعف عند المغنم ولا يخشى البريطانيين وجندهم، ممسكا بعصا السلطة المتمثلة فى نهوض ملايين الهنود خلفه لتحرير الهند مع ذلك النجاح اعترف المهاتما فى عام 1922 ان العنف يكاد يفشل المقاومة السلمية وفى نفس العام ادخل السجن ليخرج فى عام 1924 عام اللواء الابيض فى بلادنا خرج من السجن منسحبا من الحياة العامة مختصرا مهمته وطاقاته نحو توحيد المجتمعات المحلية ثم عاد رويدا رويدا فليس بامكانه الا النضال فحياته تكمن هناك وليس بالامكان تجنب خوض المعارك من اجل استقلال الهند ودعا مرة اخرى الى عصيان مدنى ودعا الشعوب الهندية لرفض دفع الضرائب فى عام 1930 و ستكون كلمة العصيان المدنى متداولة وورافة الظلال على ايام حكم عبود فى السودان تذكرة عبور نحو اكتوبر 1964. دعا المهاتما لرفض ضريبة الملح بالذات و انطلق فى حملته الشهيرة صوب البحر، مكان انتاج الملح وكان نفسه ملحا عظيما لارض الهند تبعته مئات الالاف فى مشهد ما يزال اسراَ ومؤثرا من احمد اباد من كل انحاء الهند وقرى( ومدن الملح) حتى المحيط واعتقل واطلق سراحه بعد وقت وجيز فى عام 1931 ومثلما قدمت التنازلات له فى جنوب افريقيا قدم البريطانيين التنازلات وشمسهم بدات تتجه نحو المغيب وفى نفس العام مثل المؤتمر الهندى، فى لندن، ذهب هذه المرة لا كطالب علم بل مطالبا باستقلال الهند، وممثلا لكل الهند بما تعنيه الهند من كلمة وحضارة وشعوب طلب منه البعض وهو يتاهب لللقاء الحكام البريطانيين فى ارضهم، ان يغير ملابسه ويلبس ملابس تليق بلندن رفض ذلك بحزم وتواضع جم ومثله بالطبع يدرك ان ملابس فقراء الهنود هى تذكرته نحو لندن وعند الصعود الى باب الطائرة تحتاج الى تذكرة صعود وكان يدرك ان المساومة شكلا احيانا تمتد الى الجوهر لم يتوصل لاتفاق مع السلطات البريطانية ومن المعروف فى السنوات اللاحقة ان ونستون تشرشل كان يمقت المهاتما غاندى الذى تحدى جبروته مرارا واثبت تفوقه الروحى وامتلاكه لناصية الحقيقة و الحزم، وعاد المهاتما الى الهند وعاد معه العصيان فى حملة جديدة، وفى 1932 اعتقل مرتين وصام عن الطعام مرات عديدة وطويلة كان صيامه ردا حازما للبريطانيين الذين للمفارقة يخشون موته الذى سوف يزلزل الارض تحت اقدامهم مثل ما يخشون حياته، التى لا محالة ستزلزل الارض هى الاخرى. يبدو لى إن هنالك صلة ما بين المهاتما و مقاومته السلميه و طريقة و نهج الاستاذ محمود محمد طه و قد طرحت هذه السؤال على عدد من الاخوان الجمهوريين الذين اكد بعضهم الصلة على نحو عام و هى قضية تستحق مزيد من التقصى الجاد.

    د. جون قرنق ..
    حضور في سونامي الغياب (3
    ملاحظات في دفاتر الستينيات
    ياسر عرمان
    لاحقا وبعد اكثر من ثلاثة عقود من رحيل المهاتما غاندى المناضل عبر صيامه قال بوبى ساندس عضو الجيش الجمهورى الايرلندى الصائم المضرب عن الطعام حتى الموت وعظامه تتفتت، و الجوع يحرق احشائه و القسيس يخاطبه بالرجوع عن اضرابه حتى تقبل روحه و إن لم تقبل فستظل تحوم فى ايرلندا حتى تتحرر، فى صيف عام 1981 كنت اتابع هيئة الاذاعة البريطانية وهى تنقل يوم بعد يوم معركة فريدة بطلها شاب استمد قوته من كل تاريخ الايرلنديين فى العناد ودفع به مرة واحدة فى مواجهة خصومه كان ذلك الفتى هو بوبى ساندس، المولود فى عام 1954 والذى رحل وعمره لم يتجاوز السابعة و العشرون وكتب فى مذكراته اثناء اضرابه عن الطعام، الذى استمر ستة وستون يوما وتابعته وسائل الاعلام يوما بعد يوم "كل الناس عليهم التمسك بالامل و ان لا يفتقده قلبهم و املى فى النصر النهائى لشعبى و هل يوجد امل اكبر من ذلك" جاء ذلك فى مذكراته التى كتبها حتى اليوم السابع عشر وواصل قائلاَ "إن الاكل الذى يتناوله الانسان ليس هو الذى يبقيه الى الابد" "إن قلبى ملىء بالمرارة لاننى اعلم اننى قد حطمت قلب امى المسكينة" " لقد وضعت كل الحجج فى الاعتبار و قد حاولت تجنب ما اصبح لا يمكن تجنبه" " لقد فرض على وعلى رفاقى لمدة اربع سنوات ونصف معاملة غير إنسانية" التعذيب الذى الحقته الشرطة ببوبى ساندس، كما ورد فى إفاداته العديدة وفى اشعاره، اخذ مكانة عميقة فى دواخله الانسانية، ولم أقرأ فى حياتى لشخص هزنى حديثه عن التعذيب مثل بوبى ساندس واصل قائلا فى مذكراته التى نشرت بعد رحيله الفاجع "لا يستطيعون تجريمنا و سرقة وإنتزاع هويتنا الحقيقة وفردانيتنا" " ليس بامكاننا تجريم نضالنا من اجل الحرية" "اذا لم يستطيعوا ان يحطموا رغبتك فى الحرية و التحرر فلن يتمكنوا من تحطيمك" فى اشعاره المؤثرة ومعاركه مع رجال الشرطة قال بوبى ساندس "إنهم جاءوا..... إنهم انفسهم لم يتغيروا" عاش بوبى ساندس حياته بحيوية حاول ان يدفع من روحه ومن جسده فاتورة قضية امن بها واصبحت مسألة استخدام الجسد فى القضايا التى يؤمن بها البشر مسار تساؤل و دراسة وعبر استيفن ماكوين فى مايو 2007 وهو بصدد إنتاج فيلم عن بوبى ساندس ان جسدك حينما يكون وسيلتك الوحيدة للاحتجاج مسألة تحتاج لدراسة ووقفة. وغض النظر عن الموقف من القضية الايرلندية الموقف الانسانى لبوبى ساندس يظل يستاثر الخيال ويلفت الانتباه.
    وسط إضرابه عن الطعام خلت احدى الدوائر البرلمانية فى منطقة بوبى ساندس وتم ترشيحه من السجن وكانت المفاجاة ان فاز و اصبح عضوا فى البرلمان البريطانى بوستمينستر من داخل سجنه ولم يتجاوز عمره سبع وعشرون عاماَ واعتقد الكثيريين إن فوزه بمقعد غالى ونادر فى البرلمان البريطانى العتيق سوف يجعله يفك إضرابه عن الطعام الذى كان بسبب مطالبه فى تحسين حياة المعتقلين من اعضاء الجيش الجمهورى و معاملتهم كمعتقلين سياسين لا كمجرمين و السماح لهم بالزيارات و ارتداء ملابس عادية وكانت المفأجاه ان واصل بوبى ساندس اضرابه، غير حافل بالبرلمان وما فتحه من افاق جديدة فى حياته، فى اليوم السادس و الستين(66) لاضرابه عن الطعام وبعد ان ساءت حالته الى اقصى حد واصبح يرقد على سرير مبلول من الماء خوفا على عظامه المهترئه بفعل اضرابه عن الطعام وبعد ان توسط العديدين فى ذلك اليوم و قبله، غاب بوبى ساندس عن الحياة مرة و الى الابد ذلك الانسان الجرىء و العنيد الى اقصى درجات العناد، ولم تغب روحه ابدا ولقد ظللت طوال السنوات التى تلت متابعتى لهيئة الاذاعة البريطانية وهى تنقل مباراة إضرابه عن الطعام، التى فى تقديرى المتواضع انتهت بفوز إنسانيته و انتمائه لقضيته غض النظر عن الموقف منها وما يزال يشدنى عناد بوبى ساندس وبطولته.
    كان المهاتما غاندى ينحدر من مراتب عليا فى التقسيم الطبقى الصارم للمجتمع الهندى، لكنه وقف مع فقراء الهند وشن هجوما عنيفا على البريطانيين ومحاولاتهم ترسيخ مبادىء التراتب الاجتماعى الاقتصادى الصارمة و الجائرة فى ان معا، وفى عام 1934 عاودت المهاتما عذابات روحه العظيمه، و استقال من العمل السياسى و اختار نهرو خليفة له وبديلا عنه وقام بحمله طويلةعلى طول الهند، مساندا الفقراء الهنود ولان القانون الثابت ان غاندى ليس بامكانه الابتعاد عن قضيه استقلال الهند وتحريرها وإن السياسة ماهى الا وسيلته فى ذلك وهو مناضل من اجل الحرية لا سياسى تقليدى وعاد فى عام 1939(والعوداحمد) وصام لاجبار حاكم ولاية راجاكوت لتخفيف حكمه الاتوقراطى على سكان الولاية " ما احوجنا الى الصوم الذى يبتغى مرضاة الله ومصالح العباد" واستجابت السلطات البريطانية و المهاتما ما يزال يفتل حبال الصبر الطويلة من الحقيقة و الحزم و بعزم اكيد ولان العدل غايته فميزا ن المهاتما لا يختل وعند ذاك العام يدخل هتلر اوربا جميعها فى الحرب العالمية الثانية و المهاتما لا يتردد فى اقتناص الفرصة نحو حلم طويل رواده من ديربان فى جنوب افريقيا وحتى راجاكوت وطرح شروطه للبريطانين بان وقوف الهند معهم فى الحرب و استخدام مواردها و ارضها و رجالها بشرط الالتزام التام باستقلال الهند الفورى، و المهاتما لا ياكل الفتات من الموائدهو الذى عاش على لبن ماعزته وما ينسجه من قماش بالكاد يستر جسده و البريطانيين عبثا يحاولون تقديم الفتات و يرفض ثم يرفض و تدخل اليابان الحرب و يواصل رفضه فى ثبا ت معززا شروطه فيدخل السجن من عام 1942 حتى عام 1944، كان النضال الهندى من اجل الاستقلال فى خواتمه وكانت حياة المهاتما نفسها تقترب من نهايتها ونحو ميلادها الجديد، كانت شمس بريطانيا تغيب و شمس المهاتما تداوم الاشراق و ستغيب الامبراطورية التى لا تغيب الشمس عنها و تصبح فصولها عادية،احيانا تحت الصفر، و يبقى درس المهاتما لا تغيب الشمس عنه و يقال إن نهرو اكبر تلاميذ المهاتما قد توقف فى بورتسودان و لاحقا سيؤسس رجال عظام على راسهم دكتور طه بليه مؤتمر البجا تيمنا بالمؤتمر الهندى فلهم منا تحية.
    وافق البريطانيين، غير مشكوريين على الخروج من الهند بشرط اتفاق المؤتمر الهندى و الرابطة الاسلامية، وقف غاندى فى اكثر مواضع تاريخه حزنا و مرارة ضد تقسيم الهند وراى ان الافضل للهندوس و المسلمين بناء هند موحدة لمصلحة الطرفين، قائمة على العدل وان تطلب ذلك ان يكون حاكمها الاول من المسلمين، تواطأ ضده الطرفان وطرح خيارات عديدة و لا حياة لنداءت المهاتما التى هى عظيمة مثل روحه، ثم يندلع العنف و القتل و الحرق الذى تصلى ناره الروح العظيمة فيتواصل صيامه و حزنه على احتراق الهند وبعد ان صام لوقف ازهاق الارواح فى نيودلهى و تمكن من ذلك بعد ان جاء الى مقر اقامته الهندوس و المسلمين وتناول كوب لبن ماعز و عصير برتقال فى اغلب الروايات. و بعد حين سيذهب المهاتما لصلوات المساء الاخيرة.
                  

07-11-2007, 10:30 PM

يحي ابن عوف
<aيحي ابن عوف
تاريخ التسجيل: 05-25-2002
مجموع المشاركات: 6335

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: فى الذكرى الثانية الى كل من عاش النضال ونهل من حب المناضل الراحل المقيم الدكتور جون قرنق (Re: يحي ابن عوف)



    سيبقى الدكتورقرنق حياً برؤياه وأفكاره ومبادئه
                  

07-12-2007, 03:30 AM

يحي ابن عوف
<aيحي ابن عوف
تاريخ التسجيل: 05-25-2002
مجموع المشاركات: 6335

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: فى الذكرى الثانية الى كل من عاش النضال ونهل من حب المناضل الراحل المقيم الدكتور جون قرنق (Re: يحي ابن عوف)


    في الذكرى الثانية لرحيل الدكتورقرنق :اوقدوا شموع الي كل ابناء السودان الجديد,
                  

07-12-2007, 04:17 AM

حيدر حسن ميرغني
<aحيدر حسن ميرغني
تاريخ التسجيل: 04-19-2005
مجموع المشاركات: 27703

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: فى الذكرى الثانية الى كل من عاش النضال ونهل من حب المناضل الراحل المقيم الدكتور جون قرنق (Re: يحي ابن عوف)




    مليون شمعة في ذكراه الثانية
                  

07-12-2007, 04:40 AM

يحي ابن عوف
<aيحي ابن عوف
تاريخ التسجيل: 05-25-2002
مجموع المشاركات: 6335

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: فى الذكرى الثانية الى كل من عاش النضال ونهل من حب المناضل الراحل المقيم الدكتور جون قرنق (Re: حيدر حسن ميرغني)


    عزيز حيدر حسن
    تحياتي
    د. جون قرنق القائد وزعيم لن ينسى الشعب السوداني المهمش اسمه لا بل لن تنسى إفريقيا وكل الأمم المغلوبة على أمرها دفاعه عن كرامته وإنسانيته وتضحيته بأغلى ما يملك في سبيل الوصول إلى مبتغاه وليهنأ قرنق في مرقده الذي طالما دافع عن كل ذرة من تراب السودان


                  

07-12-2007, 05:23 AM

النذير حجازي
<aالنذير حجازي
تاريخ التسجيل: 05-10-2006
مجموع المشاركات: 7170

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: فى الذكرى الثانية الى كل من عاش النضال ونهل من حب المناضل الراحل المقيم الدكتور جون قرنق (Re: يحي ابن عوف)

    الشقيق العزيز إبن عوف، تحياتي لك ولقمك الثر الرصين والمجد والخلود للشهيد الخالد د. جون قرنق
    سافرتُ للسودان ومنها إتجهتُ لمسقط رأس أهلى إلى ديار المناصير بالشمالية وشد ماسرني وجذبني هو إستماعي لرثاء الدكتور الراحل المقيم بصوت الربابة وتحصلتُ على نسخة من الشريط وإن شاء الله إن مكنني ربي سأقوم بإدراجه فى واحتك هذه - بعد موافقتك - وأكثر ماأعجبني فيه هو تحطيم للإستعلائيين - الفسدة الفجرة- من قولهم بأن جون قرنق لو دخل الخرطوم لن ندعه يتجاوز الحلفاية شمالاً، ورده ليهم بمقولته الواثقة الشهيرة:" بإنو ح يشرب القهوة فى المتمة بإذن الله"، فقد تحققت أمنيته وأكثر ، والآن يتغنى به الشمال بآلته الموسيقية العريقة، رغم أنوف الإستعلائيين من نسل إبليس اللعين الرجيم، ويمكرون والله خير الماكرين، ولم يمت من مات وقلبه متعلقاً بحب الوطن ولم يمت من مات من خلف وراءه فكراً مستنيراً يُضاء به فى غياهب الدجى. والمجد والخلود لإبن السودان البار الشهيد الدكتور جون قرنق، والعزاء للشعب السوداني فى هذا الفقد الجلل والعزاء للوطن الذى أنجبه ولن ينجب له خلفاً بمثل طهره ونبله وأصآلته.
                  

07-12-2007, 06:10 AM

يحي ابن عوف
<aيحي ابن عوف
تاريخ التسجيل: 05-25-2002
مجموع المشاركات: 6335

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: فى الذكرى الثانية الى كل من عاش النضال ونهل من حب المناضل الراحل المقيم الدكتور جون قرنق (Re: النذير حجازي)


    ولك الدكتور جون قرنق فى قلب الخرطوم

    الحبيب الغالى النذير حجازي لك التحية
    ليتك كونت معناحينما قدمه الى الخرطوم كونت ترى الالاف المؤلفه وهى تستقبله
    ليتك كونت معنا حينما كونا نخطط لفتح المكاتب الشعبية فى شمال السودان فوجئنابالجماهير
    قد فتحت المكاتب ورفعت اعلام الحركة فى كل مدينة وقرية من قرى شمال السودان وفى كل السودان
    تفضل من غير اذنبتنزيل الاغنية ولك الدكتور جون قرنق فى قلب الخرطوم دخل الخرطوم دخول الفاتحين بالرغم من انه دخلها اعزلا . احتفى به جميع
                  

07-12-2007, 06:57 AM

يحي ابن عوف
<aيحي ابن عوف
تاريخ التسجيل: 05-25-2002
مجموع المشاركات: 6335

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: فى الذكرى الثانية الى كل من عاش النضال ونهل من حب المناضل الراحل المقيم الدكتور جون قرنق (Re: يحي ابن عوف)


    فى الذكرى الثانية الى كل من عاش النضال ونهل من حب المناضل الراحل المقيم الدكتور جون قرنق
                  

07-12-2007, 03:34 PM

يحي ابن عوف
<aيحي ابن عوف
تاريخ التسجيل: 05-25-2002
مجموع المشاركات: 6335

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: فى الذكرى الثانية الى كل من عاش النضال ونهل من حب المناضل الراحل المقيم الدكتور جون قرنق (Re: حيدر حسن ميرغني)


    ياسر عرمان يكشف معلومات تنشر لاول مرة..!
    الخرطوم:سونا
    صحيفة الوطن

    الدكتور جون قرنق دي مبيور رئيس الحركة الشعبية والنائب الاول لرئيس الجمهورية شخصية سودانية تميزت بجوانب عديدة اثرت فيها محطات كثيرة بدءا ًبمولده حيث ولد الزعيم الراحل فى اسرة فقيرة فى قرية وانقلى الصغيرة بضاحية بور بجنوب السودان من اب وام كان وضعهم متواضعاً، ومن هذه القرية استطاع ان يترك اشعاعته على كل السودان وأن يصبح رجلاً عظيماً فى مسيرة السودان وتاريخه الحديث، اذ يعد الزعيم الراحل احد ابرز القيادات السودانية التى اسهمت فى تحقيق السلام فى السودان ووقف الحرب ، كما انه استطاع بقيادته الحكيمة للحركة الشعبية ان يحدث انقلاباً فكرياً ومعرفياً فى حركة الانانيا التى كانت تدعو للانفصال واتى بمشروع السودان الجديد الذى اصبح فيما بعد برنامج الحركة الشعبية ، وسمته حركة البان افريكانيزم فى تنزانيا بالوطنية والايمان بوحدة السودان واكتسب خلال تجربته فى الولايات المتحدة الامريكية تعليماً اكاديماً رفيعاً استخدمه فى التعامل بواقية مع ظواهر الحياة بجانب الايمان بالحقوق المدنية ، كان وحدويا وثابتاً. تميزت شخصية د. جون قرنق بدراسة الابعاد الاستراتيجية حيث لم يكن يخطىء فى الاستراتجيات وقاد الحركة الى تحالفات واسعة مع القوى السياسية فى الشمال إذ أنه لم يكن مغلقاً ايديلوجياً او شخصاً مطبوعاً ، قاد الحركة الشعبية فى رمال متحركة ومتغيرات إقليمية ودولية بالغة التعقيَد ومكَنها من الوصول الى السلطة وهو شخص جدلى يستطيع ان يرى النقطة الاساسية فى مختلف الاراء
    كما انه كان شخص فكه ويستطيع ان يصل الى منطقة وسطى مع معارضية وقد ظل دائما يرى في الكارثة جانباً ايجابياً د. جون قرنق فقده كل السودان وفقده جنوب السودان على نحو أخص بينما شكَل انحيازه لكل السودان وتجاوزه لكل التحيزات العرقية والدينية وحبه لشمال السودان الفقد الأكبر للشمال وهو شخص محب لشعب السودان .
    بمناسبة الذكرى الاولى لرحيل د.جون قرنق اجرت وكالة السودان للانباء حواراً مع الاستاذ ياسر عرمان نائب الامين العام للحركة الشعبية كشف فيه معلومات تنشر لاول مرة عن شخصية الزعيم الراحل وهذا الحوار جزءا من اصداره سيتم بثها كاملة ً حيث قال عرمان خلال هذا الحوار :
    شخصية الدكتور جون قرنق شخصية من الشخصيات المركبة بمعني أنها شخصية فيها جوانب عديدة ومتعددة وفي محطات عديدة ذات تأثير كبير في تكوين شخصيته. المحطة الأولى مولده : فى اعتقادى المحطة الاولى مولده ، فهو ولد في اسرة فقيرة في منطقة وانقلي من أب وام كان وضعهم متواضع والده مبيور وامه السيدة كاك تلك السيدة العظيمة التي انجبت شخص مثل الدكتور جون قرنق ، وبعد ذلك رغم نشأته كانت امامه تحديات ولكنه استطاع ان يتجاوز كل هذه التحديات المره بعد الأخرى وأن يصنع لنفسه شخص عظيم ومن قريته الصغيرة المتواضعة ان يترك اشعاعته على السودان على المنطقة التي حولنا ويمكن ان نقول بشكل عام في التاريخ الإنساني بحكم أن الإنسان يبدأ من منطقة ما ثم يترك تأثيراً واسعاً في كل المجتمع الإنساني , وبعد ذلك في نشأته هو درس في منطقة بحرالغزال وذهب مع احد أقاربه ولذلك هو لم يكن في شخصيته مغلق أتاحت له الفرصة ان يتعرف على بحرالغزال وهو ولد في منطقة بور ومن بعد ذلك ذهب إلى حدثين اثرا تأثيراً كبيراًَ في تكوين شخصيتة ذهب إلى شرق افريقيا وذهب إلى الانضمام للانانيا الأولى
    ارض الاحلام ولقاء الاصدقاء وتكوين نادى دار السلام وميلاد ARM و SPLM: درس في شرق افريقيا بالذات تنزانيا ، وتنزانيا كانت ارض احلام كبيرة في الستينيات وان كانت تمور بحركات التحرر الوطني الافريقية وكانت معقل من معاقل حركة البان أفريكانيزم (Pan Africanizim)التي تدعو لوحدة افريقيا وفي دراسته فى شرق افريقيا في تنزانيا بالذات التقي بشخصيات من اصدقائه اثرت تأثيراً عظيماً على مجري حياته المقبل على تفكيره فالانيانيا بحكم أنها عسكرية وحركة حرب عصابات تعتمد على العمل العسكري اسست لقناعته وايمانه بالعمل العسكري. فتنزانيا كانت الاتجاه الفكري في الستينات وحركات التحرير الوطني قد وسمته بالأنتماء لمدارس التحرر الوطنية في ذلك الوقت وكانت الدعوة لوحدة افريقيا فبدأ يسأل نفسه كيف يدعو لوحدة افريقيا ولايدعو لوحدة السودان
    وفي تنزانيا التقي شخصيات كبيرة ، التقي البروفسيور وولتر رودني من الكاربيي وهو من دعاة كبار لوحدة افريقيا واسس كتاب مشهور هو How europe under devolop africa كيف ساهمت اوربا في تخلف افريقيا) وولتر رودني جاء لتنزانيا من الولايات المتحدة الأمريكية بعد أن فرغ من دراسته الجامعية وحضر الدكتوراه وعمره 24 عاماً ولذلك كان استاذ لدكتور جون وفي نفس الوقت صديقه فقد كونا معاَ الجبهة الثورية الافريقية فى تنزانيا أو ما يسمونها بنادي دار السلام ، ونادي دار السلام كان به يوري موسفيني وأرياكاتيقايا صديق يوري موسفيني الذي شارك معه وأصبح وزيراًَ لاحقاً في حكومته ، وكان بها اعضاء من موزمبيق ومن انغولا ، واتفقوا في نادي دار السلام وفي الجبهة الثورية الأفريقية على ان يذهبوا إلى بلدانهم لتكوين حركات تحرر وطني فكون يوري موسفيني ال..ARM
    وكون د. جونق ال.. SPLMوكون صديقهم وولتر رودني حزب العمالي الثوري في نيوكيني واغتيل لاحقاً بروفسور وولتر رودني حينما ترشح للانتخابات في الكاريبي تم اقتياله ود. جون كان دائماً ما يذكر وولتر رودني
    الولايات المتحدة الأمريكية :- دكتور جون بعد ذلك ذهب إلى الولايات المتحدة الأمريكية والولايات المتحدة اثرت في تفكيره تأثيراً كبيرا لاسيما انه ذهب في الستينات وفي الولايات المتحدة اولاً تحصل على تعليم اكاديمي من الدرجة الأولى واصبح اكاديمياً مبرزاً والأمر الآخر حركة الحقوق المدنية وما يدور في امريكا - المجتمع الأمريكي متجمع متطور وهذا اعطاه قدرات وأمكانيات جديدة واستخدم حتى العلوم الأكاديمية ساعده البعد الأكاديمي في العمل مع السياسية فهو يتعامل مع السياسة بدراسة الأبعاد الموضوعية لكل حدث ولكل ظاهرة ولكل قرار يتخده دون أن يكون شخص مطبوع ومقفول يقفل ايريدولوجي ، تدريبه الأكاديمي قد اعطاه نوع من الواقعية أيضاً في التعامل مع ظواهر الحياة
    الانانيا وقصة الالتحاق بالقوات المسلحة على حساب حصة انانيا بحر الغزال ودور امانو لبور واسباب معارضته لاتفاقية اديس ابابا وموقف جوزيف لاقو منه ، وقصة تمرد الكتيبة104 -105 بقيادة كاربينو ومخططات الحركة : بعد ذلك كان في الانانيا لفترة قصيرة ثم جاء لاتفاقية اديس ابابا ، كان معارضاً لاتفاقية اديس ابابا لاشياء لاحقاً استطاع أن يحققها في اتفاقية نيفاشا ، ولكن الانانيا اثرت في تفكيره حيما جاء وهو خريج جامعة كان يفترض أن يعين موظف في الدرجات العليا في وزارة الثقافة والإعلام بعد اتفاقية اديس ابابا مع مدينق قرنق أول وزير للثقافة في أول حكومة لجوزيف لاقو ، مدينق قرنق من منطقة بور وكان يريد د. جون ومدينق قرنق كان من الشخصيات المعروفة في إعلام الانانيا في الخارج وفي لندن وفي مناطق كثيرة وكانت هنالك مجلة ليبرالية مشهورة تصدرها الأنانيا تسمى (Grass cregant) حزام الحشائش ، ولكن د. جون أصر أن يدخل القوات المسلحة فالقوات المسلحة كانت كوتات الانانيا تقسم انانيا بحرالغزال وانانيا اعالي النيل وانانيا الاستوائية وهو من اعالي النيل والفريق جوزيف لاقو كان لديه وجهة نظر معينة عن د. جونق قرنق وهو لم يكن يرضي عن الاتفاقية ولكن امانو لوبر واحد من الشخصيات التي معجب بها د. جون قرنق أيما اعجاب وهو قائد الانانيا في بحرالغزال واستوعب برتبة كبيرة في القوات المسلحة ، امانو لوبر عمل على استيعاب د. جون من خلال النسبة التي اعطيت لبحر الغزال فإستطاع أن يدخل القوات المسلحة لانها هي رغبته وكانت تخطيط طويل لانه في داخل حركة الانانيا تبلور خط أقرب إلى حركات التحرر الوطني كان في بدايته ثم وقعت الاتفاقية ثم جاء ذلك ، وكان هنالك خليه للعمل السري تضم ضباط الانانيا برئاسة البينو اكولوكول وزير في حكومة الجنوب الحالي كانت تضم كاربينو وسلفاكير واروك طون ووليام نون وشخصيات أخرى ولاحقاًَ كانت تريد أن تحدث اتفاضة في كل مدن الجنوب ولكن كاربينو انخرط في احداث بور في 16/5/1983م في الكتيبة 105 ، 104 د. جون كان ذهب لاثناء كاربينو عن التمرد في ذلك الوقت حتى يتم تحضير جيد في كل المدن ولكن كاربينو كان قد مضي شوطاً بعيداً فخرجو جميعاً وأسس الحركة الشعبية لتحرير السودان. د. جون يتميز بابعاد كثيرة في شخصيتة : اولاً : هو مفكر من الطراز الأول وهو الذي اتي برؤية السودان الجديد ، رؤية السودان الجديد د. جون مهتم بالتاريخ وقاريء جيد للتاريخ ويقرأ أيضاً تاريخ الأديان ولديه استشهادات كثيرة وهو يؤمن بأن السودان بلد قديم من حضارات وادي النيل القديمة وان حضارات وادي النيل القديمة وان السودان بلد وحدته تمتد من حضارات وادي النيل القديمة إلى يومنا الحالي وكذلك وحدة السودان يؤسسها على التنوع التاريخي في السودان على التنوع المعاصر في السودان والآن أكثر من 571 قبيلة واكثر من 500 لغة وهو يعتبر ان السودان افريقيا مصغرة وهو يؤمن أيمان قاطع بأن السودان مشروع عظيم وان هذا المشروع العظيم سيتحقق حيما يدرك السودانيين ضرورة الاعتراف ببعضهم البعض وحق الآخرين في ان يكونوا اخرين وهو جاء بمفتاح نظريته للسودان الجديد بسيط وهو يقول أن السودانيين قبل أن يكونوا عرب أو أفارقه ، مسلمين أو مسيحيين ، جنوبين أو شماليين يجب أن يكون سودانيين أولاً هذا هو مفتاح نظريتة ومدخله للسودان الجديد ثم لديه مدخل تاريخي حول أن هذه الارض منذ فجر التاريخ نشأت فيها حضارات وتعاقبت الحضارات في هذه الأرض وهى أرض عظيمة والتنوع المعاصر في السودان ولذلك هو كان داعية لوحدة السودان على اسس جديدة وهو شخص محب لشعب السودان إذا قلنا د. جون قرنق فقده كل السودان وفقده جنوب السودان على نحو أخص أقول أن شمال السودان فقد د. جون قرنق اكثر من أي منطقة آخرى لان انحيازه للجنوب اي شخص في الجنوب سيتطيع ان ينحاز إلى الجنوب بحكم أنه من الجنوب مثلما يمكن أن ينحاز إلى شخص لمنطقته ولكن انحيازه لكل السودان وتجاوزه لكل التحيزات العرقية والدينية وحبه لشمال السودان هو الشيء الأكبر انا كنت سعيد لان الدكتور جون قرنق رحل بعد أن رأي الملايين تستقبله في الساحة الخضراء فقد ردوا له الهدية بأفضل منها ، وقالوا له اننا أيضاً نبادلك الحب واننا نعرف ما هي الاشياء التي تدعو لها ، واستقابله في الساحة الخضراء الخبر الكبير في هذا الاستقبال ، أن الاستقبال تم في الخرطوم وليس جوبا وهو شخص قادم من جنوب السودان استقبله الملايين في شمال السودان هذا هو الحدث الحقيقي أن الملايين استقبلته في شمال السودان
    ثانيا لايخطيء في الاستراتيجيات مطلقاً : د. جون قرنق أيضاً شخص استراتيجي من الدرجة الأولى وهو لايخطيء في الاستراتيجيات مطلقاً ولكنه يمكن أن يخطيء في التكنيكات لكن ليس في الاستراتيجيات استراتيجية ثابتة وانا لدى شواهد عديدة وهو عسكري أيضاً هذه نقطة أخرى فى شخصية درس في فور ديني كلية المشاه في جورجيا وهو مخطط عسكري رفيع وهنالك شواهد عديدة على ذلك الفكاهة والقدرة على تجاوز المطبات : أيضاً الدكتور جون قرنق شخص يتمتع بمواهب أخرى فهو شخص فكه ولديه القدرة في المواقف الصعبة والمعقدة والمحزنة أن يحول كل الأمر بنكته وان يدخل قلوب الأخرين بسهوله وأيضاً لديه كاريزما فهو من القيادات التي جزء من طريقة قياداتها الكاريزما والقدرة , شخصيته ' شخصية باهرة وجاذبة تجعل منه زعيما في أي مجلس إذا دخل هذه القرفة فإنه يلفت النظر بالكاريزما التي يمتكلها , لديه عقل نافذ ود. جون قرنق ليس من النوع الذي يتوقف عند التحيزات العرقية والاثنية نحن عملنا معه نحن من شمال السودان كنا مقربين أيما قرب لديه وساعدنا كان استادنا فتح لنا دروب كثيرة واحبانياه واحببنا رغم اننا لاتربطنا روابط , لم نأت من منطقة جغرافية واحدة لم نأت من دين واحد لم نأت من مجموعة اثنية واحدة هذه حواجز تفرق بين البشر لكنه مطلقاً لم يهتم بهده الاشياء وأيضا في شخصية الدكتور جون قرنق داهية ولديه قدرة وسريع البديهة وهو شخص يستطيع أن يجيب بثقة كبيرة وبسرعة في مره من المرات وهو اتى من اديس ابابا وهو متهم بأنه ربيب الشيوعية بعد أن سقط نظام منقستو سألته صحافية فرنسية وهو خارج من مؤتمر صحفي فكانت تريد أن تواجهه فقالت له د. جون قرنق هل انت ماركسي فقال لها بسرعة لا أنا د. جون قرنق في رد سريع فضحكت بسرعة ، فحينما ذهب للقصر الجمهوري قال له الرئيس البشير د. جونق قرنق الشغل هنا في القصر صعب ماذي الغابة ، الغابة شغلها ساهل قال له سيدي الرئيس ما تبادلني انت امشي الغابة وخليني في القصر. وفي مره ذكر له الميرغني ان الدكتور فاروق احمد أدم كان عضو في الجبهة الاسلامية فحباه الله فأصبح اتحادياً ديمقراطياً فقال له يا مولانا انشاء الله ربنا يهديه مره أخرى ويكون حركة شعبية ، وهو يطلق الغفشات ويلطف الاجواء حتى الاجواء المعقدة. قرنق واحداث الانقلاب الفكرى والمعرفى فى الانانيا: النقطة الجوهرية أنه احدث انقلاب فكري ومعرفى , الانانيا الأولى كان رجالها قاطعين وكان فكرها يقوم على نظرية بسيطة مثلثة الابعاد انا سميتها المثلث الكولنيالي الاناينا تقول هنالك شمال هنالك جنوب ، هنالك عرب هناك افارقة ، هنالك مسلمين هنالك مسحينين لا يمكن أن يلتقوا لذلك يمكن ان يلتقو لذلك يجب فصل الجنوب هو جاء بنظرية السودان الجديد واحدث انقلاب فكري ومعرفي في تفكير الانانيا وقاد الحركة السياسية في الجنوب إلى تحالفات واسعة مع الحركة السيابسية في الشمال عبر نظرياته واضافاته الكبيرة. د.قرنق رجل التنمية: النقطة الاخري في شخصية الدكتور جون قرنق هو اقتصادي قرأ الاقتصاد الزراعي وهو الاقتصادي الوحيد الذي وصل الي مؤسسة الرئاسة في السودان الاخرين بهم من فيهم محامي وعسكري ومهن اخري ولكن هو كان اقتصادي وكانت لديه مشاريع كثيرة في التنمية فمثلا عندما ساله روبرت زوليك عن اولوياته قال اولويته هي الطرق فقد صمم 13 طريقا بنفسه في داخل جنوب السودان وبين الجنوب والشمال وهو يعتبر ان السودان لكي يندمج اقتصاديا ولكي يخلق علاقات ويلقي الاوهام ويخلق اتصالات بين الشعوب والقبائل المختلفة يجب ربطه بشكبة واسعه من الطرق والاتصالات النهرية والبرية والسكك الحديد وكان هذا حلمه والدكتور جون قرنق اصلا لم يكن تخصصه التخصص العسكري فالعسكرية جاءت لاحقه كأداة استخدمها ولكن تفكيره الرئيس يوسف والي قال هذه الملاحظة لاحد الوزراء انه يؤمن ان الدكتور جون قرنق ليس رجل حرب وهو رجل تنمية كان دائما يقول له انت تمتلك عقلية تنموية د. جون قرنق درس اقتصاد زراعي وهو مربوط بالتنمية وليس بالحرب انا شخصيا ادين له بالكثير بنقاشات جميله وعميقه وبرؤي نيره عن تاريخ السودان وبمحبه واسعه لشعوب السودان واستقل وحركات الهامش ,حركات الهامش قد خرجت من معطف الدكتور جون قرنق وهو قد عمل مع كل حركات الهامش في دارفور وفي شرق السودان وعند المناصير وفي جبال النوبة وفي النيل الازرق وهو شخص تمتاز شخصية بالثبات وهو رجل ثابت فى النزال وفى السلام وهو ايضا رجل فى ثباته يبحث عن المخارج والحلول وهو يستطيع في المواقف الصعبه مع خصومة ان يصل الي مناطق وسطي ويستطيع في المواقف الصعبة عندما تكون هنالك تيارات مختلفة في داخل الحركة الشعبية ان يحدد نقاط تجمع كل هذه التيارات مع بعضها البعض وهذه واحدة من عبقرياته وهو شخص جدلي يستطيع ان يري النقطة الرئيسية في كل نقاط عديدة وهو لديه مدرسة في كل الكوارث التي تحصل له دائما كان يري في الكارثة هنالك جانب ايجابي وهو دائما ينظر الي كي يمكنها ان تحول الكارثة الي منفعه تقلبها حتي تري الجانب الايجابي في هذه الكارثة ومثل مايقولون المزايا في طي البلايا وهو شخص يدخل القلب وتحبه وشخص لاينسي مطلقا ويترك فراغا عريضا في رحيله وكم كانت تحتاجه بلادنا ؟ حيما رحل وانا علي ثقة حتي الذين كانوا يكرهونه والذين كانوا يتخوفون منه كان يمكن ان يجدوا شخصا يصل معهم الي مساحات ونقاط التقاط لان هذه طريقه تفكيرة وهو يريد ان يلتقي انا شهدت مناقشة له معه حزب البعث العربي الاشتراكي انا كان وجهة نظري في البداية ان الدعوة لقومية عربية لاتتناسب مع السودان وهو كان يقول من حق العرب كقومية ان يدعو الي وحدة السودان ولكن عليهم ان لايتجاهلوا الاخرين ويدعو دعوة ديمقراطية مثلما يمكن ان يتوحدوا علي اساس عرقي ولذلك النوبة ولكن كل هذه التوحد علي اساس عرقي يجب ان يصب في مشروع ديمقراطي كبير لبناء السودان والانفتاح علي الاخرين فهو دائما يري الميزة في الاشكالية , اي اشكالية ينظر الي مافيها من ميزات ايضا وهذه تحتاج الي عقل عميق وواسع
    الايمان بالديمقراطية وعلاقاته الخارجية : اولا بالنسبة للديمقراطية د. جون قرنق عندما اسس الحركة الشعبية عندما بدات في عام 1983م واذا اردت ان تعرف الحركة الشعبية يجب ان تعرض الاناتيا الاولي الحركة الشعبية خرجت من معطف الانانيا الاولي ولكن في نفس الوقت الحركة الشعبية احدثت انقلاب فكري ومعرفي وسياسي علي الانانيا كما قلت لك بدعوتها بدلا من فصل الجنوب الي وحدة السودان ككل
    موضوع الديمقراطية في الثمانينيات وفي هذه الالفية حديث فيه ثورة من المفاهيم وهو كان مواكب لهذه الثورة في بداية الحركة الشعبية كان اميل الي طرح الي سودان اشتراكي ديمقراطي كان في بداية الحركة والتحولات التي حدثت فى الفكر الانسانى والبشرى كله والتغيرات التي حدثت بانهيار المعسكر الاشتراكي طورت للدكتور جون افكارة وفي نهاية الثمانينيات وبداية التسعينيات كان هو علي درجة كاملة من الوضوح بضرورة وجود تعددية ديمقراطية وتعددية سياسية ولكنه لم يفصل ذلك مطلقا من الديمقراطية الاجتماعية فهو دائما مع الهامش وهو منحاز للمهمشين في كل السودان ولذلك مع رؤيته الواضحة حول الدمقراطية التعددية وحقوق الانسان ايضا في قمة حقوق الانسان ينظر الي الحقوق الاجتماعية وهو قال هذا الكلام اكثر من مرة وهو دائما يري نفسه كمحارب من أجل الحرية وكان يري نفسه كداعية حقوق انسان كبير لانه كان يقول دائما ان الحقوق السياسية والثقافية تناضل من اجلها الحركة الشعبية تجعل كل من ينضم للحركة الشعبية هو ناشط في مجال حقوق الانسان
    الاستغلالية والبرغماتية في علاقاته الخارجية : د. جون قرنق تعامل مع العالم الخارجي بانفتاح وتعامل معه برؤية براغماتية ولكن هنالك ميزة ميزته وبعد كان شخص ذو استقلالية كاملة وكان يتعامل مع العالم الخارجي دون ان يفقد استقلاليته ودخل في مصاعب كثيرة ومع جهات عديدة نتيجة لاستقلاليته , الحركة الشعبية تحت قيادته استطاعت باستمرار ان تكون حركة مستقله مع تعاملها مع العالم الخارجي وهذه واحدة من مصائب حركات التحرر الوطني التي تعامل بالذات مع العمل العسكري وتعامل مع الخارج . - الاستقلالية :- وهو كان يستطيع ان يستغل كل التناقضات الاقليمية والدولية لينفذ الي المصالح الحقيقية والي مايريد ان يحققه من رؤية في المنطقة التي تحيط بنا وفي افريقيا عموما كانت لدية علاقات قوية مع حركات التحرر الوطني والبلدان التي وصلت فيها حركات التحرر الوطني الي السلطة لكن مع ذلك كانت لديه علاقات مع قوي محافظة مثل الرئيس الكيني دانيال اروب موي كانت تجمعه علاقاة صداقة وكان يري في موي دائما خصائص وثقافات المجتمع الافريقي وحكمة قادة المجتمعات الافريقية في التعامل معه في العالم الخارجي تعامل مع المجتمع الدولي في كل الاوقات وربطته علاقات قوية مع تجمعات عديدة ذات مصالح مختلفة ولكن باستمرار كان مدخله هو رؤيته للسودان الجديد الي كل هذه الدوائر وهو كان يجيد التعامل مع العالم الخارجية وكسب صداقة واحترام الكثيرين من رؤساء الدول ومن وشخصيات نافذة وهو ايضا كان شخص مثقف وذو قدرات عالية ويستطيع ان يطرح مثلما يطرح مع السلاطين في الغابات في الجنوب رؤيته يستطيع ان يطرح بنفس البساطه رؤيته لرؤساء وهيئات ومنظمات ويستطيع ان يكسب في الحالتين
    وعاش في رمال متحركة في الحركة الشعبية كانت هنالك متغيرات اقليمية ودولية ضخمة لكنه استطاع ان يحافظ علي وجوده كل هذه المتغيرات وليس من السهل ان تقود حركة مسلحة لمدة 21 عام وتكون في كل هذه تحقق علاقات سياسية وان تجد دعم لوجستي هذه ليست بالامر اليسير ولكن هو استطاع في احسن الظروف وفي اسوأ الظروف ان يكون ، دائما لديه صداقات وكانت لديه رسالة واضحة وحظي باحترام جهات عديدة تمثل ذلك في حضور الذين حضروا لتشييع الجثمان, تمثل ذلك في الصدي الكبير لرحيله وستري شخصيات عديدة من اصدقائه ستاتي لزيارة قبره في جوبا
    - الاهتمامات القراءة الرياضة الفن هو كان قاريء من الدرجة الاولي ظل يهتم بقضايا الاقتصاد لانه قاريء جيد للتاريخ ولدية دراية بتاريخ السودان وافريقيا وعمومه وبالذات في السودان تاريخ حضارات وادي النيل القديمة وكان معجب بهذه الفترة وكانت فترة بالنسبه له آثره وكان ايضا مهتم بالرياضه بشكل ما في السنوات الاخيرة كان يركز علي رياضة المشي وعلي رياضات جسمانية مختلفة يمارسها في المناطق التي يتواجد بها ويستمع للفنون ولدية صداقات مثل صداقته مع الاستاذ محمد وردي وهو شخص واسع ومتعدد ومتنوع القراءات .
                  

07-12-2007, 08:52 PM

يحي ابن عوف
<aيحي ابن عوف
تاريخ التسجيل: 05-25-2002
مجموع المشاركات: 6335

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: فى الذكرى الثانية الى كل من عاش النضال ونهل من حب المناضل الراحل المقيم الدكتور جون قرنق (Re: يحي ابن عوف)


    السؤال يتجدد في ذكري رحيله الزعيم الراحل :
    الدكتور جون قرنق.. أُغتيل أم رحل بفعل سوء الأحوال الجوية ؟!
                  

07-13-2007, 05:32 AM

يحي ابن عوف
<aيحي ابن عوف
تاريخ التسجيل: 05-25-2002
مجموع المشاركات: 6335

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: فى الذكرى الثانية الى كل من عاش النضال ونهل من حب المناضل الراحل المقيم الدكتور جون قرنق (Re: يحي ابن عوف)

    في القرن العشرين سطع نجم الراحل الدكتور جون قرنق زعيما عسكريا وسياسيا نابها بقيادته للحركة الشعبية محققا انتصارات جذب بها مؤيدين من مختلف فجاج أرض السودان المهمشة كلها ، وكما فلح أيما فلاح في كسب تعاطف المجتمع الدولي بتوفيقه في عرض قضيته التي كافح من اجلها مستغلا قدراته الهائلة ، ولا غرو في ذلك والراحل كان قبل شهرته العسكرية عالما اكاديميا فذا وعرف كيف يمزج بين الاكاديمية والواقعية ، باختصار الراحل الدكتور جون قرنق نتاج خلطة بين الاكاديمية والواقعية ، وبذات العبقرية العسكرية والسياسية سطع نجم الدكتور جون قرنق مرة اخري في بدايات القرن الواحد وعشرين بعزمه علي تحقيق السلام مختتما به رحلة حياته الطويلة بالاعمال التي لا يملك المرء حيالها إلا أن يعبر عن التقدير والاحترام ، فالايمان بالمبادئ والثوابت المعلنة تجبر حتي علي احترام وتقدير الخصوم .

                  

07-13-2007, 05:51 AM

يحي ابن عوف
<aيحي ابن عوف
تاريخ التسجيل: 05-25-2002
مجموع المشاركات: 6335

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: فى الذكرى الثانية الى كل من عاش النضال ونهل من حب المناضل الراحل المقيم الدكتور جون قرنق (Re: يحي ابن عوف)

    مرثية لبطل لم يمت
    ----------------
    الدكتور جون قرنق دي ما بيور
    ----------------------

    بقلم: ديرك أويا الفريد
    ----------------


    مدير مركز كوتو الثقافي
    -----------------

    مدخل فلسفي:

    الموت واقع وجودي لا مفر منه ، فقد حير البشرية. فارتبطت محاولتهم وسعيهم لإدراك كنهه منذ أقدم العصور والحضارات بطقوس وممارسات واعتقادات كثيرة حول الظاهرة - الموت ، فيبدو أن السواد الأعظم من البشرية رفض فكرة الموت حينذاك ، كنهاية وفناء للإنسان ، وحاولوا اختراق حاجز الزمن بمحاولة الاستمرارية والتسرمد من خلال أشكال متعددة: كالاعتقاد في حياة أخري ، خلق أثار لذاكرهم ، وأحيانا أو غالبا تأتي أهمية الزواج في بعض المجتمعات لضمان الاستمرارية عبر الأبناء والأحفاد وقهر فكرة الموت - الفناء . لعل الفكر هو أقدر علي الصمود واختراق المنيّة كما يقول جان توشار:" ...كم تسببت الأفكار بإراقة دماء ، ذلك أن الأفكار لا يمكن قتلها أو حبسها والأفكار ليست تجريدات في الأذهان ، إنها أفعال وأحداث . والأفكار الحسنة لا تفني ، أي ليس لها عمر وزمن ، إنها دائما مستقبلية . والناس يؤمنون بالأفكار ويموتون من أجلها .. وليس أخطر من الفكرة حين تتلبس صاحبها وتستولي عليه. وترابط الأفكار وتنظيمها يعني بالضرورة ترابط الأحداث والأشياء وتنظيمها . وكل شيء يتم بفعل الأفكار . إنها تنتج الأحداث التي هي منها كالغطاء أو الرداء. والأفكار هي ذلك الشهاب الذي يثقب عالم المستقبل ، عالم المجهول. إنها هي التي تحرك الناس والشعوب . ومن خصائص الأفكار إنها قاسية لا ترحم . وتاريخ الأفكار هو تاريخ المنعزلين المنفردين . وكل حدث أو فعل لا قيمة له إلا بالفكر الكامن وراءه ...."

    فجوة خبرية:

    بدأ الخبر كإشاعة: أن الطائرة المروحية للرئاسة اليوغندية التي كانت تقل الدكتور جون قرنق من يوغندا إلي الأراضي السودانية بنيو سايت قد اختفت في ظروف غامضة يوم 30 يوليو 2005 م ... تلقيت الخبر اليوم التالي ظهرا كإشاعة أيضا .. وطال الانتظار لسماع الخبر اليقين من الدوائر الرسمية - الرئاسة الجمهورية السودانية التي يعمل بها الدكتور كنائب أول منذ ثلاث أسابيع فقط.. تأخر تأكيد الخبر حتى بدأ تداوله في الفضائيات العالمية .. ومنذ تلك الليلة دخلت في أحاسيس غريبة ، حزنت حينا .. كذبت النبأ في نفسي رفضت فكرة موته .. وفي الليل الحالك هاتفني أصدقاء من أمريكا ، كينيا وبعض مدن السودان متسائلين أيضا عن صحة الأخبار المتداولة في وسائل الأعلام .. منذ ليلة الأحد رأيت في منامي أحلاما وكوابيس مفزعة .. حملتني الأفكار بعيدا ، لأصقاع نائية .. راودتني خلالها أربعة محطات مشهدية:

    المشهد الأول: " رحلة البحث عن قبر داخل القلب":

    في غمرة النضال الثوري في نيكاراغوا بأمريكا اللاتينية في حقب السبعينات أو الثمانينات من القرن المنصرم ، حيث كانت نيكاراغوا تحكمها طغمة عسكرية مستبدة ، لمع نجم شاعر كان يقاوم ذلك النظام بقصائده وأشعاره الثورية ، فكان جزاءه أن أغتال العسكر أخاه انتقاما منه .. لكن الحبر لم يجف من يراع الشاعر . عمل نادلا بالعاصمة في احدي الفنادق الفخمة التي يعمها أفراد تلك الطغمة العسكرية للهو والعربدة والليالي الحمراء المخملية . جاء يوم القصاص حين حضروا لقضاء عطلة الأسبوع بالفندق ، والشاعر كان النادل الذي سيخدمهم في تلك الليلة . قدم لهم الشراب والطعام وانتهز تلك السانحة المواتية وقتل علي مرأى من الضيوف والحضور أحد الجنرالات ، وعلي الفور تم تصفيته جسديا ودفن جثمانه في أحدي المقابر في بقعة بعيدة ..

    يشاء القدر أن تنجح ثورة السنتنستا لدانيال أورتيغا والناس فرحي بهذا التغير فتجئ ذكري الشاعر وكيف أنه ناضل وحيدا بقلمه بل بنفسه وأصبح أسما في تاريخ النضال النيكاراغوي .. وفي تلك التجليات قرر الشعب المحتفل أن يذهبوا سويا للبحث عن قبر هذا الشاعر المناضل .. قصدوا القبر علي الأقدام وهم يغنون بعض أشعاره ووصلوا إلي المكان ولم يجدوا القبر ، لان الجموع كانت غفيرة داسوا علي القبر بإقدامهم دون قصد ، فتلاشي ملامح ذلك القبر .. لكنهم أدركوا أن قبر ذلك الشاعر كان في قلب كل منهم .. فكيف يبحثون عن قبر خارج قلوبهم ؟!

    المشهد الثاني: " لقطة سينمائية" :

    في أحدي الأفلام الروسية الكلاسيكية ، يحكي أن شابا متحمسا ومشبعا بالماركسية والثورة في روسيا القديمة حينذاك أرسل من قبل قيادة الثورة البلشفية إلي ضاحية بعيدة ليعدّ الفلاحين ويعلمهم ماهية الاشتراكية .. غادر المدينة حتى وصل القرية بعد يومين … وفي اليوم التالي لوصوله جاءت برقية بان لينين قائد الثورة قد مات !! يا للهول !! ما العمل ؟!! قام الشاب غاضبا ومحبطا ومنكسرا بإشعال نار في أخشاب كبيرة وصاح في سكان القرية : " … هيا .. هيا استيقظوا .. كيف تنامون وقائد الثورة قد مات " .. تجمهر أهالي القرية حول النار في تلك الليلة الباردة ينظرون إلي هذا الشاب الذي أخبرهم أن لينين الزعيم قد مات !! وتساءل أهالي القرية : " وماذا تريد أن نفعل حيال ذلك ؟! " فتذكر الشاب أن القائد فعلا قد نالته يد المنيّة وعلي الحياة أن تستمر لطالما انه يعرف ماذا يجب أن يفعل في تلك المنطقة النائية .!!

    المشهد الثالث: "اللقاء الذي لم يتم":

    دعي معلم كبير .. والمعلم في الإرث الصيني التقليدي هو ذلك الرجل الهرم المسن ذو اللحية الطويلة البيضاء ، ذلك الزاهد الذي يعيش وحيدا علي جبل بعيد ، يتأمل في معني الحياة والإنسانية .. رجل ممتلئ بالحكمة وبعد النظر.. دعي تلميذا مبتدئا أن يأتي إليه عند التل.. فخرج التلميذ صباحا قاصدا المعلم ، وبينما هو في طريقه في ذلك الفجر رأي الشمس ترسل أشعتها الذهبية علي بقايا الندي علي أوراق الشجر تاركة بقعا ذهبية صغيرة منتشرة تلمع هنا وهناك .. أحس واستمتع بالنسيم الصباحي العليل المشبوب بالضباب ، رأي الطيور تغادر أعشاشها في يوم جديد ، رأي الحيوانات المفترسة في طريقها إلي مخابئها وعلي أفواهها بقايا دماء افتراس الليلة الماضية .. حتى إيقاع التلميذ ذلك الصباح كان مختلفا وجميلا .. فكله فرح وثقة ونشاط وحيوية .. صوت وقع أقدامه كان مموسقا وهو في تلك الرحلة الفاصلة للقاء المعلم الكبير .. فهنالك ظن انه سوف يتعلم منه اشياءا جديدة .. سيجد أجوبة وأسرارا لأسئلة كونية وإنسانية كان يبحث عنها في كل مكان.. وأخيرا وصل إلي أعلي التل .. ويا للمفاجأة !! لم يجد المعلم .. انتظر وانتظر .. لم يلح في الأفق شبح المعلم .. أنتظر اليوم بطوله .. لم يحضر .. بدأ الغضب يدب في أعصابه .. غضب وزمجر وتذمر .. وأخيرا عند الغسق وبعد عناء يوم طويل قرر أن يعود أدراجه إلي منزله في المدينة .. وهو في طريق عودته رأي طيور ذاك الصباح عائدة إلي أعشاشها ، رأي الشمس ترسل أشعتها الذهبية إلي الكون وعلي أوراق الشجر تاركة ألوان زاهية مختلفة عن منظر الصباح .. بدا يسمع زئير الحيوانات المفترسة في الغابات المجاورة وهي تستعد للافتراس بعد سدول الليل .. سمع صوت وقع أقدامه يشوبه الغضب والتعسف .. اختلف منظر الصباح وإيقاعه عن تلك الأمسية .. وأخيرا وصل إلي منزله في المدينة غاضبا .. وقال في نفسه : " لقد ضاع يومي هباء .." غير انه في لحظة بارقة أدرك أنه لم يضع يومه سدى، بل انه اكتسب يوما كاملا مليء بالتجارب الجديدة .. فقد عرف الصباح الجميل ، الندي ، أشعة الشمس، الطيور الجميلة وهو في طريقه للقاء المعلم الكبير في ذلك الصباح.. حتى تجربة المساء كانت ممتعة هي الأخرى: أشعة الشمس عند الغسق ، والطيور العائدة إلي أعشاشها ، وزئير الحيوانات المفترسة في المساء .. هنا فقط أدرك تماما انه عرف أشياء عن الكون ما كان سيعرفها لولا ذلك اللقاء - دعوة المعلم التي لم تتم .. !!



    المشهد الرابع: طقس إفريقي روحي وإيحائي:

    لساعات متأخرة من الليل وأنا أحاول سبر أغوار لغز الموت.. فلم أجد الإجابة الشافية .. ففي غياهب تلك التقاطعات - النعاس والتفكير ، توغلت عميقا في الثقافة الإفريقية ، مستلهما الطقوس الروحية ، حيث الشعائر الجنائزية التي أقامتها له روح الأسلاف والآلهة .. فكان راقدا في تابوته والصمت يلف المكان والمشاعل تضيء المكان الذي ينبعث منه الدخان ، والظلال من بين الأشجار لتظهر وجوه مألوفة لناس ماتوا منذ زمن بعيد - تلك الميتة الأسطورية التي تكتنفها الغموض والإلغاز … وجموع غفيرة جالسة في صمت علي الأرض ، وهو راقد في سكون في تابوته في منتصف المكان .. وعلي مقربة منه أبنائه وزوجته يجلسون علي الأرض في ثبات وتصميم وعزم ، أنظارهم تخترق المستقبل ، صامدون ، مصممون ، عازمون ، والزوجة - الأم تحتضن الأبناء في تماسك وتلاحم شديدين لسبر أغوار المستقبل .. تماسك عائلي ، تماسك علي المبادئ ، التماسك الذي تتطلبه الفجيعة .. وفي الحلبة الكبيرة يقف ثور أبيض (مابيور) ، أحضره (بنج بيط) - صاحب الحربة المقدسة لإقامة الطقس الجنائزي .. (بنج بيط) في ثقافة الدينكا هو ذلك الرجل المتدين علي الطريقة التقليدية ، ومشهود له بالأمانة والاستقامة والقدرة علي إقامة كافة الطقوس التي يحتاجها المجتمع مثل البركات ، العلاج ، المسامحة والغفران حتى إنزال اللعنات .. جاء اليوم لإقامة هذا الطقس الجنائزي الذي يقام دوما من أجل أن تستريح روح إي فقيد في سلام ، ولكي يرقد في سلام لابد من التطرق إلي : الأسئلة :" كيف مات الفقيد ؟! من كان وراء موته ؟! الآلهة أم الإنسان ؟! وعلي مقربة من الثور الأبيض بعض الطبول .. تقدم نحوها العازف واخذ الزوغم ( المضرب) وضرب أربعة ضربات قوية متتالية علي وجه الطبل الكبير ، فصاح رجل عجوز بأغنية مناحة حزينة بأحدي لغات تلك المنطقة ذات التباين الثقافي الشديد .. وهي أغنية تغني في مستهل الطقس الجنائزي .. ثلاث أبيات تغني في ظروف الموت كيفما كان سببه:

    هل طال السكون الآن علي البلاد؟!
    هل أثلج صدوركم الآن بموته ؟!
    هل ارتحتم الآن أيها الحاسدون ؟!

    فانبرت من الجموع المحتشدة امرأة عجوز مفجوعة تغني :

    " انفخوا البوق لنعبر عن هذه المأساة
    رباه .. لماذا لم توقف المنية ؟!
    أباه .. الخيرات والثروات بعدك
    من ذا الذي سيحافظ عليها ؟!

    بدأ كأن تلك الأغنية حركت المشاعر الحزينة للناس فبدأوا يتدفقون إلي حلبة الرقص راقصين .. وهنا في هذه اللحظة التاريخية التراجيدية تدخل (بنج بيط)– صاحب الحربة المقدسة وطلب من الجموع الصمت والكفء عن الرقص والغناء ، ومن النساء طلب عدم العويل قائلا : " دعونا نصلي من أجل روح الفقيد" .. ثم أطرق حينا .. فهو منذ سماعه نبأ رحيله منذ أسبوع ، امتنع من تناول الطعام والشراب ، لم يقترب من زوجته وأبنائه .. اعتكف بعيدا في الغابة يتعبد ويصلي ويناجي الآلهة أن تعطيه القوة والمنعة لهذه المهمة الخطرة التي سيقوم بها ذلك اليوم .. أطرق حينا ثم صلي مخاطبا الآلهة والرب مباشرة دون وسيط وبصوت هادي ووقور:

    يا أيها الرب الآلهة .. رب الأسلاف
    خالق السماء والأرض
    والمطر والزرع والخضر
    والشمس والقمر
    والليل والنهار
    خالق الحياة والموت
    لماذا عذبت هذا الشعب الفقير المسكين ؟!
    ففي كل يوم .. كل حين وبين الفينة والفينة
    يسقط الأبطال .. الواحد تلو الأخر
    دون إكمال المنال
    وأنت يا أيها الرب والآلهة لا تفعل شيئا سوي
    النظر إلينا ساكنا من علوك !!
    علي مدار نصف قرن من الزمان والدماء
    تسيل علي هذه الوديان
    والموت ينتشر في كل مكان
    من أجل واقع جديد مشرق
    من أجل كرامة الإنسان
    وفي خاتمة المطاف لا شيء
    سوي موت الولد ، البنت ، المر أة ، الرجل والشيخ
    موت الزرع والبقر
    وتصبح الأرض جدباء وجافة .
    وتعاد الكرة من جديد والمحصلة هي عينها
    موت البطل .. بطل جديد ..!!
    (صمت)
    بدأت تشع من عيني ونظرات (بنج بيط) شرارة من الغضب ، وواصل مخاطبا الآلهة الرب بصوت عالي مثل هدير الرعد:

    باسم الأسلاف وباسم هذا الشعب الحزين والمسكين
    أقول لكم يا أيها الرب الآلهة بكل صدق وتجرد من كل أكذوبة
    إنني غاضب وحانق .. كلنا غاضبون .. غاضبون جدا
    حزينين ومستاءين ..!!
    تعلم جيدا يا أيها الرب الآلهة .. أن السواد الأعظم من هذا الشعب
    جهلاء ، مرضي وفقراء
    ورغم ذلك أنجبوا هذا الرجل الفذّ .. هذا البطل المغوّار
    ليخلصهم ..
    وكانوا يحتاجونه حيا .. عقلا وبدنا يمشي بينهم
    يعلمهم ويقودهم حينا من الدهر
    حتى إذا ما قوي عودهم
    تأتي أنت لتأخذه حيث ما تشاء
    لكن ، أن تفعل ذلك الآن .. في هذا الزمان
    وهم لا يملكون خطوط الأشياء
    لا يسيطرون علي ناصية الأشياء
    فهذا هو الموت بعينه
    موت شعب ..!!

    (وفجأة صاح بصوت أكثر علوا يشبه الاحتجاج )

    تعبنا يا رب الآلهة .. يا رب الأسلاف
    تعبنا وتعبت نساءنا من إنجاب الإبطال
    ليكون مصيرهم الموت - اللغز
    تعبنا وتعبت نساءنا من إنجاب الأطفال
    لا ليحيوا بل ليموتوا
    فماذا تريد منا يا رب الأرباب
    قل لنا الآن في هذا المكان
    ماذا تريد ..؟!
    (صمت)
    ( وبصوت أكثر اعتدالا ووقارا وإدراكا .... واصل الصلاة):

    ما يغضبنا الآن ليس فقدانه ورحيله
    فهذه الأرض
    (يرشق الأرض بالحربة المقدسة البيضاء ، لتنتصب الحربة مستقيما تصدر منها اهتزازة من مقدمتها إلي جسم الحربة - العود النحيل الأملس في الأعلى )
    يمكن أن تنجب الملايين من الأفذاذ علي شاكلته
    ما أصابنا بالغضب الشديد المستمر هو
    القذارة ، الخيانة ، الكذب ، النفاق ، الرياء
    الزندقة ، الدهاء ، المكر ، الخبث والمدلسين في ربوع هذي البلاد !!
    ما يزعج ويقلق الكثيرون
    فيبتعدون وينشطرون ويحسون
    بعدم الثقة في العيش فيما بينهم ..!!
    ومصدر هذه الشرور هو الظلم ..!!
    الظلم الاجتماعي .. اضطهاد الإنسان لأخيه الإنسان !!
    أريد أن تجتمع هذه الذنوب والأحقاد المحتقنة في الصدور زمنا
    أن تدخل إلي جسم هذا الثور الأبيض – مابيور أمامنا.
    (اتسعت حدقتا عيون الثور ، وانتصبت أذنيه إلي الأعلى ، بحذر صدر منه صوت وصاحب الحربة المقدسة مواصلا ): الشرور من هذي الوديان ( بدأت القدم اليمني الأمامية للثور ترتجف) والشرور والأحقاد من الكثبان الرملية (القدم اليسري الخلفية للثور بدأت في الارتجاف) الشرور المنتشرة في السهول والمستنقعات ( بدأت القدم اليسري الأمامية للثور ترتجف) والجبال والمرتفعات ( بدأت القدم الأخيرة اليسري الخلفية للثور في الارتجاف) من البطانة والصحاري (ارتفع فجأة إلي أعلي ذيل الثور في شكل عصا مستقيم ثم بدأ في قمة الارتجاف) كل هذه الشرور التي تثقل وتعذب ضمير هذه الأمة (بدأ الثور في الهياج والتبول مثل النافورة) لتصفو ضمائر الناس ، وليعلو صوت الحق والعدل والاحترام بين الناس ( الثور كله صياحا وهياجا وتبولا) كل هذه الخطايا مجتمعة ارميها في جسم هذا الثور المسكين يا رب الأرباب (يسقط الثور صريعا وميتا بلا حركة .. والناس مرعوبين من هذا الطقس المهيب ...)

    صاحت أمرآة شجاعة بزغرودة طويلة شقت الصمت المهيب .. ثم تقدم (بنج بيط) صاحب الحربة المقدسة نحو التابوت المكسو بقماشين تداخلت فيها الألوان : الأحمر ، الأسود، الأبيض ، الأخضر ، فيما أختلف فقط اللون البنفسج - لون النبل والملك ونجمة صفراء ساطعة هادية علي صدره .. وقف (بنج بيط) صاحب الحربة و أطلّ بنظره عبر كوة مثل الشباك في التابوت مخاطبا إياه بصوت آمر .. " قم يا بطل وحدثنا .."

    فاستيقظ الزعيم من مماته وحاول متعبا النهوض .. فأحس أن جسمه مخدر ومثقل .. فجاء لمساندته من جوف التاريخ والزمن السحيق رجالات يبدو إنهم كانوا ذوي همم ورسالة في أيامهم الغابرة ، غير أن تواصلهم مع الآخرين ما زال باديا من خلال الأفكار النيّرة التي تركوها خلفهم : علي عبداللطيف ، دينق نيال - الأب ، جوزيف قرنق، عبدالخالق محجوب ، محمود محمد طه ، اميلكال قبريال ، شكا زعيم الزولو ، المفكر ديوب ، كومارا ميشل ، عبدالرحمن الكواكبي ، أستيفن بيكو ، جون كنيدي ، مالكولم أكس ، مهاتما غاندي ، مارتن لوثر كينج ، كوامي نكروما ، جاءوا وساعدوه علي النهوض والجلوس واتكأ علي التابوت حيث يمكن رؤية مقدمة وجهه من خلال الكوة بالتابوت .. أعطوه ماءا من قرع ، شرب منه قليلا وتنفس الصعداء .. ثم التفت إلي هؤلاء الجهابذة وابتسم برهة .. تلاشت الابتسامة من شفتيه حين رأي الجموع الغفيرة الحزينة حول المكان .. استدار برأسه وتفرّس في الوجوه الكثيرة في حركة استدارة Pan Right طويلة وكان يقف بين الفينة والأخرى يحدق في بعض تلك الوجوه ويبتسم ويومئ برأسه في إعجاب واعتزاز ، خاصة حينما رأي زوجته الجسورة وأبنائه ، ورفقاء النضال ، ورؤساء حكومات ، زعماء وممثلي منظمات دولية ، النساء ، الرجال ، الشباب والشابات ، الأطفال .. والأطفال العرايا – الشماشة والمهمشين ، حتى وصل إلي آخر وجه بين هذه الجموع المحتشدة .. لكنه فجأة وفي حركة استدارة يسارية أخري Pan Left ، استدار بسرعة متفحصا الوجوه مرة أخري ، وكأنه كان يبحث عن أتراب ، أعزاء ، أصدقاء ، زملاء دراسة جمعهم أيام التحصيل الأكاديمي ، أو مداولات وتفاوض في الشأن السياسي لم يكونوا بين الجموع... تجمدت نظراته في نقطة ما في الأرض مفكرا ، وكأنه كان يقول لنفسه في همس " ما أشبه الليلة بالبارحة" .. ثم ابتسم ابتساماته الصادقة ونظر إلي السماء التي تكسوها النجوم وضؤ القمر والدخان المتصاعد .. سأله (بنج بيط):" ماذا رأيت ؟! فأجاب :" رأيت اشياءا كثيرة .. رأت جموعا كبيرة تبكيني ... تبكي من أجلي أو بالأحرى تبكي نفسها وطموحاتها التي كانت ترى إنها يمكن أن تتحقق من خلالي .. سمعت أقوالا وكلمات قيلت عني.. سمات وخصال حميدة قيلت في حقي .. مثل الكريزما التي أتمتع بها ، مقدرتي الفائقة لدخول قلوب وعقول الناس بسرعة ، صبري ، مصداقيتي ، وطنيتي الصادقة ، تفانيّ ، حبيّ العظيم لتراب وشعب هذا الوطن ، ذكائي الشديد ، سرعة بديهتي ، روح الدعابة التي أتحلي بها ، حنكتي السياسية وأشياء أخري كثيرة ، غير إني أدري إنها صفات يمكنهم اكتساب أي واحدة منها ... فانا فقط عشت واقعي وحاولت أن أفهم هذا الواقع وأجد التحليل الدقيق والتفسير الواضح والعلاج الناجع والشافي لهذا الواقع .. فلهذا جاءت أفعالي وسلوكي منسجمة وأنا في خضم البحث عن الإجابات .. فقط لو أصبحنا صادقين وأمينين وحقيقيين نحترم ونقدر هذا الشعب ، يمكن أن نصل لمبتغانا ، ولخرجت كلماتنا صادقة تلمس أفئدة وعقول الجماهير ، ولاصبحت رؤيتنا ثاقبة تخترق الأزمان .. ابتسم ابتسامته المعهودة وواصل قائلا : " لكن الطريق أمامنا طويل ومضني ، وأخشى ما أخشي أن يخيب آمالا وتطلعات أحسستها لدي مئات الملايين ممن جاءوا يوما إليّ ، وقفوا تحت وطأة الشمس الحارقة اللاسعة لساعات طويلة لاستقبالي .. أخشي أن تذهب هذه التطلعات سدى.. تطلعات نحو إيجاد مكان آمن جميل يسع الجميع ، حيث العلم والمعرفة الحقيقية ، حيث السلام والاستقرار ، حيث الحرية والعيش الكريم والعمران ، حيث العدالة والمساواة والعافية.. كان ذلك اليوم من أجمل أيام حياتي ، حيث شعرت بعبق الجماهير وحبها الكبير للتغيير والسلام.. رأيت بين الجمع الغفير صبيا ممزق ورث الثياب متسلقا احدي الأعمدة الكهربائية في تلك الساحة ينادي وينادي وصوته يخترق كل الأصوات والتصفيق والصفير المدوي صائحا :" يا قاف ، راء ، نون، قاف.. يا قاف راء نون قاف ... نحن جوعي ، جوعي نحن يا قاف ، راء ، نون ، قاف !!" هذه صيحة استغاثة صادقة صادرة عن الملايين من أمثاله يتوقون لغد أفضل .. لعل هذه الأصوات والاستغاثات هي التي حملتني لأخوض الحرب كل هذه السنوات ... فيا له من شعب مبدع .." أشرق وجهه ولمعت في العتمة عيناه ، لكن سرعان ما أصاب هذا الإشراق وجوم وعبوس وقال :" يحزنني صعود مشاعر الحرب والكراهية والحقد والضغائن والبغض إلي السطح من جديد عند إعلان نبأ رحيلي .. فكم أحزنتني كثيرا مشاهد العنف المدني المصاحبة لمماتي ... أخشي أن لا يكون هذا هو الديدن ، وأن لا يصب جام الغضب والتهم علي الشماشة والمهمشين .. فالسؤال الكبير هو : "هل يمكن أيجاد مجتمع لا يضطر فيه طفل أو صبي في سن المدرسة أن يعيش في الشارع جاهلا وعدوانيا وحاقدا علي المجتمع ؟! هل يمكن توفير للمهمشين مساكن ملائمة حتى لا يسكنوا في مساكن تسمي عشوائية وهي في الحقيقة مساكن اضطرارية نتيجة لسياسات عشوائية ؟! " هذا هو التحدي الكبير الذي يجب أن نخوضه .. لكن للأسف الشديد سوف لا أكون معكم !! فاحذروا وميّزوا الخيط الرفيع الذي يفصل السودان الجديد من السودان القديم ... فالمفردات التي قد تستخدم للإفصاح عنهما قد تكون هي نفسها .. مثلا .. الوحدة .. فالسودان الجديد يريد وحدة التراب والأرض ، لكن علي أسس جديدة ، حيث الكل متساو في الحقوق والواجبات ، في التوزيع العادل للثروة والسلطة . فالسودان القديم يريد الوحدة أيضا ، لكن علي الأسس القديمة ، حيث هناك شخص أرفع وأسمى من الأخر ، ولغة وثقافة ومعتقد أفضل من أخريات .. أو تقال تنمية مستدامة وتذهب ثروات البلاد النفطية إلي جيوب الأفراد .. ويصبحون أقوياء فوق القانون لا تطاولهم يد المحاسبة والشفافية ، وهنا ينطبق المثل القائل ( حاميها حراميها ) . ففي جدلية السودان الجديد والسودان القديم تحتدم المعركة ، معركة البقاء .. يسعى كليهما لتحقيقه . فعلي السودان الجديد اليقظة والحذر والحيطة والعمل الدءوب والصمود علي المبادئ والمواثيق لإنارة الطريق الطويل .. فالسودان القديم له ألاعيبه وحيله ودهائه ومكره .. وأخشى في خضم الصراع و الاصطدام ورفض الآخرون التغيير ، يحترق السودان والمحصلة النهائية - سودان محترق ومنشطّر وأعتق من القديم .. (صمت وإحباط ) نعم هذه هي الحقيقة المرّة ، فاحذروا .." سأله (بنج بيط) قائلا :" وكيف مت .. فهناك روايات وشائعات تدور في المكان والتخوم " أجاب مبتسما :" حتى إذا كان الأمر تحطم المروحية التي كنت أقلها أو تلقيت طعنة بخنجر مسموم لبروتس ، أو استخدمت في موتي أدق الوسائل التكنولوجية التي لا تترك أثرا وتحيّر الألباب ، فالموت واحد .. نعم تعددت الأسباب والموت واحد.. أنظروا إلي الأمام .. سيروا إلي الأمام ، وخذوا من عبر الماضي دروسا وزادا للفكر لاختراق الغد البعيد .. فكونوا أوفياء علي العهود والمواثيق .. فعندما تصمت البندقية تبدأ معركة جديدة ، معركة التنفيذ ، معركة السلام ، معركة التنمية ، معركة التسامح وهي معارك أصعب وأشرس من معركة الحرب والبندقية ... ... أخشي أن لا يكون مماتي هو أخر مسمار في نعش الوحدة " .. قال هذا ورحل في سلام .. ساعده رفقاؤه الجهابذة بوضع جسمه بعناية وبطء في التابوت واختفوا في الظلام .

    وصاحب الحربة المقدسة (بنج بيط) واقف هناك .. الثور الأبيض - مابيور ميت علي الأرض ، والتابوت في مكانه والجمع يبحلق في الفضاء ، والدخان يتصاعد ، والمشاعل تضيء المكان هنا وهناك .. سأل (بنج بيط) صاحب الحربة المقدسة الآلهة قائلا :" ولكن لماذا أخذته منّا " فجاء صوت الآلهة قويا مجلجلا المكان : " إرادة الآلهة ليست هي إرادة الإنسان .. لأنني أحببته كثيرا .. أريده أنموذجا يحتذي .. نبراسا يضيء لا يطفأ نوره ليضيء لكم الطريق الطويل .. اختطفته سريعا حتى لا يتلوث ببراثن السياسة القذرة .. أردته بطلا نظيفا ومثاليّا ..."
    (صمت)

    بدأت حركة غريبة تحدث في جسم الثور الميت .. أولا تغير لونه إلي لون شاحب يميل إلي الأزرق ، وكأن أللعنة والشرور التي أصابت البلاد وتم جمعها وإدخالها في جسمه قد غيرت لونه إلي لون التسمم .. فبدأ الثور في الانتفاخ وحذر (بنج بيط) الجمع الغفير بالانسحاب من المكان ، لأن الشر داخل الثور يريد الخروج .. فإذا صادف أحد في طريقه سوف يصيبه بلعنة قاتلة .. بدأ الجمع بالانسحاب والمشهد المكتظ بالتلاشي .. الجمع ، الدخان ، والثور يزداد انتفاخا .. فأخذ (بنج بيط) الحربة المغروسة في الأرض وأحدث بها ثقبا في جسم الثور وبدا الشر يخرج في شكل دخان أسود كثيف وعازف الطبل يضرب علي الطبل ضربات قوية تحذيرية مع كل كلمة كانت تخرج من فم (بنج بيط) الذي كان يخاطب الآلهة.. قائلا:" يا رب الآلهة .. يا رب الأرباب .. يا رب الأسلاف .. إذا كان موت البطل بإرادتك فبدد في الهواء هذه الشرور المتصاعدة من الثور الآن .. إلا إذا كان موته يقف وراءه إنسان أريد الآن إن ينزل عليه هذا الدخان الكاتم الممتلئ شرا ليصيبه بلعنة أبدية هو ومن معه ، لعنة تنزل علي بيته وأهله وعشيرته وقومه جيلا بعد جيل حتى لا يذوقوا من الدنيا سوي العذاب الأليم والابتلاءات المتوالية .." وأخيرا تلاشي المشهد كليا .. الجمع ، الدخان ، صاحب الحربة ، الثور ، عازف الطبل ، المشاعل ، ولم يبق في مسرح الأحداث سوي التابوت في منتصف المكان يشع منه وميضا أبيضا وهاجا ، وأنا واقف أمامه ، فانهمرت السماء مطرا غزيرا وكأنها الدموع التي ذرفت وتذرف حزنا وكمدا لرحليه .. وتحول المكان إلي مكان أخر في قلب مدينة جوبا حيث ضريحه .. في أعلي نقطة تضاريسية في المدينة .. جوبا المكان الذي شهد يوم أن قرر أن يدخل الأدغال لخوض هذا النضال التحرري بدأها من بور مسقط رأسه وأخذ من تاريخ السادس عشر من مايو 1983 م تاريخ التحرير الذي امتد لعقدين من الزمان.. رأيت نفسي واقفا علي الضريح أضع إكليلا من الأزهار ومبتل بماء المطر.. فاستيقظت مذعورا من هذا الحلم والعرق يتقطر من جسمي في تلك الليلة من الليالي المفجعة لرحيله .. خطر بذهني علي الفور جملة قالتها ابنته في يوم التشييع :" أريد أن تكون ذكري والدي ظاهرة قوية .." فقلت في نفسي لتكون هذه الذكري قوية يجب:


    * أنتاج فيلم وثائقي عن حياة الزعيم الدكتور جون قرنق - مراحل حياته ، دراسته ، الحياة الاجتماعية والمهنية والنضالية ، آراءه وأفكاره ...

    * أقامة وإنشاء متحف يجسد شخصيته ، حيث يمكن وضع بعض من مقتنياته الشخصية - بذلته العسكرية ، كتبه ، رسائله الهامة ، أقلامه ، المنضدة التي كان يكتب عليها معظم أفكاره ، السرير الذي كان ينام عليه أيام النضال ، أسلحته وكل ما يمكن أن يحكي عن حياته الثرة .. يمكن أن يكون هذا المتحف جناح من متحف كبير يجسد نضال الجيش الشعبي لتحرير السودان.

    * إنشاء جامعة تحمل اسم الزعيم الدكتور جون قرنق دي مابيور .. جامعة مقتدرة للأذكياء والأفذاذ من الطلاب المبرزين أكاديميا ، فهو نفسه كان فذا وأكاديميا لامعا .. يمكن الاستعانة بجامعة كورنييل بأيواه بأمريكا ، فالأخيرة ما زالت تكن للزعيم د. جون قرنق الكثير من الاحترام والتقدير كألمع طالب درس بها .

    * إنشاء موقع الكتروني باسم الزعيم الدكتور جون قرنق به كل رسائله وخطاباته وخطبه السياسية .. التهاني والمراثي التي جاءت في الفترة القصيرة لحياته في الرئاسة الجمهورية .. يمكن جمع ذلك من الصحف اليومية .. الصور التي تجسد أحداث مختلفة من حياته .. ويمكن طرح نداء لمحبيه لتزويد هذا الموقع بالصوّر النادرة لديهم التي تحكي عن هذا الرجل العظيم .

    * إقامة تمثال أو نصب تذكاري له في كل مدن الجنوب وبقية مدن السودان الأخرى التي تري فيه مثالا لرجل عظيم ...وعلي أن يكون التمثال في منطقة واضحة في المدينة .. يمكن أن يراه الناس بسهولة .

    * إنشاء مكتبة أو مكتبات عامة تحمل اسمه د. جون قرنق فهو نفسه كان قارئا ممتازا ونهما ، كان يعتصر الكتب اعتصارا .. فقد تشكلت شخصيته علي الخلفية الواسعة للقراءة والإطلاع المستمر .. فما الإنسان إلا ما قرأ .

    * تأسيس أكاديمية عسكرية تحمل أسمه د. جون قرنق تدرس فيها فنون النضال والخطط الحربية علي أسلوبه .. وكيف كان يجمع الحرب مع التنمية معا ..

    وهكذا بحثنا عن قبره كما فعل الثوار مع الشاعر وأدركنا أن قبره في قلب كل منّا .. أرسلنا إلي بقاع بعيدة ونائية وسمعنا أنه رحل من ورائنا فأيقظنا الجميع صائحين لقد مات الزعيم ، وناسين انه حقا رحل ولكنه ترك بين أيدينا منهاج للعمل في مثل تلك البقاع البعيدة .. دعانا للقاؤه كما دعا المعلم الصيني تلميذه ، فجئنا ولم نجده ، فغضبنا ولكننا أدركنا إننا استفدنا من تجربة الرحلة .. فهل وعينا الدرس ؟ّ! أن نجعل الحلم حقيقة ؟ّ! فهلا نقيم له ذكري خالدة تليق بمقامه الكبير....!!
                  

07-15-2007, 06:30 AM

يحي ابن عوف
<aيحي ابن عوف
تاريخ التسجيل: 05-25-2002
مجموع المشاركات: 6335

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: فى الذكرى الثانية الى كل من عاش النضال ونهل من حب المناضل الراحل المقيم الدكتور جون قرنق (Re: يحي ابن عوف)

                  

07-29-2007, 05:22 AM

يحي ابن عوف
<aيحي ابن عوف
تاريخ التسجيل: 05-25-2002
مجموع المشاركات: 6335

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: فى الذكرى الثانية الى كل من عاش النضال ونهل من حب المناضل الراحل المقيم الدكتور جون قرنق (Re: يحي ابن عوف)

    فى الذكرى الثانية الى كل من عاش النضال ونهل من حب المناضل الراحل المقيم الدكتور جون قرنق
                  

07-29-2007, 05:41 AM

Tragie Mustafa
<aTragie Mustafa
تاريخ التسجيل: 03-29-2005
مجموع المشاركات: 49964

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: فى الذكرى الثانية الى كل من عاش النضال ونهل من حب المناضل الراحل المقيم الدكتور جون قرنق (Re: يحي ابن عوف)

    الاخ يحي ابن عوف
    التحيه لك وانت تواصل التوثيق لرحلة الزعيم الراحل.
    ولي تسأل يا يحي الا تعتقد ان تلفزيون جمهورية السودان يفترض
    عنده تسجيلات انضف للراحل المقيم في ايامه القليله بيننا؟؟
    اتمنى من الجركه الشعبيه ان تحصل عليها
    فهذه لحظات هي ملكا لاجيال قادمه ان نحدثهم عن عظمة القائد
    الملهم د.جون قرنق دي مبيور.
                  

07-29-2007, 06:23 AM

يحي ابن عوف
<aيحي ابن عوف
تاريخ التسجيل: 05-25-2002
مجموع المشاركات: 6335

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: فى الذكرى الثانية الى كل من عاش النضال ونهل من حب المناضل الراحل المقيم الدكتور جون قرنق (Re: Tragie Mustafa)

    لغالية العزيزة تراجي مصطفي
    لكى كل التقدير والسلام
    تلفزيون جمهورية حكومة السودان
    لوأ ستطاع أن يمحى تاريخ الحركة الشعبية لفعل
    كونت أحد منظمى لجنة استقبال الدكتور جون قرنق وكان معى أعضاء فى هذا الممبر
    يشهدوا على ما أقول كونا نلصق اللافتات اليوم فتختفى غدا كونا نوضع البرامج ولم تبس أو يتم التصديق عليها
    كما فعلت فى أحداث الاثنين الذى كتبت مسرحيته واخرجتها حكومة الخرطوم لتظهر الحركة الشعبية بالغول الذى سيبتلع الجميع

                  

07-29-2007, 09:57 AM

Najlaa El Mahi

تاريخ التسجيل: 07-17-2007
مجموع المشاركات: 434

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: فى الذكرى الثانية الى كل من عاش النضال ونهل من حب المناضل الراحل المقيم الدكتور جون قرنق (Re: يحي ابن عوف)

    التحية لك يا يحى ابنعوف
    نعم سنوقد شموعا ونزرع شجر المحبة والسلام ونرسى دعائم الفكرة
    حرية، ديمقراطية، مساواة، عدالة، سيادة حكم القانون
    بالعمل ليس الا ان اردنا احياء ذكرى هذا الرجل العظيم.
    نجلاء الماحى
                  

07-29-2007, 05:51 PM

يحي ابن عوف
<aيحي ابن عوف
تاريخ التسجيل: 05-25-2002
مجموع المشاركات: 6335

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: فى الذكرى الثانية الى كل من عاش النضال ونهل من حب المناضل الراحل المقيم الدكتور جون قرنق (Re: Najlaa El Mahi)

    العزيزه نجلاء الماحى
    تحياتي شكرآ علي المداخله الضافيه
    كانت عودة د. قرنق تمثل البداية مما يعني بدء مسيرة الانتقال من الحكم الفردي الاستبدادي الى الحكم الديمقراطي التعددي وهذه المسيرة في الحقيقة معركة شاقة تتطلب من احزابنا أن تكون مستعدة لمجابهة تحدياتها التي سيعتمد بقاء السودان موحدا على قدرة احزابنا في الاستجابة الصحيحة لها.
    فجوهر اتفاق السلام يتمثل في انهاء هيمنة المركز وازالة التهميش تحت نظام حكم لا مركزي يعطي الاقاليم أقصى درجات الاستقلالية في ادارة شؤونها بنفسها ويتمثل في التحول الديمقراطي واطلاق الحريات العامة وضمان واحترام حقوق الانسان وفق اعلان الحقوق الذي ورد في الاتفاق وضمن في الدستور الانتقالي

    استقبال الساحة الخضراء استفتاء على مفهوم السـودان الجـديد
                  

07-30-2007, 05:19 AM

يحي ابن عوف
<aيحي ابن عوف
تاريخ التسجيل: 05-25-2002
مجموع المشاركات: 6335

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: فى الذكرى الثانية الى كل من عاش النضال ونهل من حب المناضل الراحل المقيم الدكتور جون قرنق (Re: يحي ابن عوف)



    جون قرنق ..

    حضور في سونامي الغياب (4

    ملاحظات في دفاتر الستينيات

    ياسر عرمان

    فى لقاء صحفى نادر مع قوبل قودسى لابد لمثقفين كثر فى بلادنا يهمهم امر فجرها و ظلامها الذى سيشقها عما قريب من الاطلاع عليه واذا كانت العبرة بالنيات و لكل امرىء ما نوى وعلى قدر اهل العزم تاتى.... ففى ذلك اللقاء الصحفى الذىاجرى فى عام 2000، سئل قوبل قودسى شقيق نهرام قودسى بعد ان خرج من السجن و اعدم اخاه و صديقه ناريان وحكم هو بالسجن لمدة طويله لماذا قمتم باغتيال المهاتما غاندى؟ وكان فى ذلك الوقت قد بلغ من العمر عتيا (80عاما) وهو مع شقيقه من قبل قد اطلقا النار فى 30/يناير 1948 وانهيا حياة ماهنداس كارشماند غاندى، محامى الهند الشاب العجوز لحظة اطلاق النار عليه و اصاباه اصابة قاتلة و اخطاءا اغتيال المهاتما الروح العظيمة لا ن الروح العظيمة تبقى فى سفر الخلود.اجاب قوبل مدافعا عن اغتيال غاندى" ان غاندى منافق ظل حتى بعد مذابح الهندوس على يد المسلمين سعيدا وكلما إزدادت مذابح الهندوس ارتفع علم العلمانية عند غاندى" اقرأ صفحات الجرائد هذه الايام و ستجد اقلام لا تزال تسطر نفس الاجابات فى إنتباهاتها!! ثم سئل فى نفس الحوار هل هذا هو سبب إغتيال غاندى؟ اجاب " نعم لعدة اشهر ظل غاندى ينصح الهندوس بان لا يغضبوا من المسلمين ماهو نوع هذه الدعوة ضد العنف؟؟ إن مبادىء غاندى عن السلام ملفقة وفى اى بلد حر!!!! فان اى شخص مثله يجب إغتياله رسميا!!!!! لانه يشجع المسلمين لاغتيال الهندوس!!!!!!.

    حينما ادرك غاندى مكان الصلوات، كانت هنالك فتاة بالقرب منه تكاد تحجبه عن نهرام قودسى الذى كان يتحرق للحظة التى ينهى فيها مهمته بنجاح و اى مهمة تلك !! إنها بالقطع لا تصدر الا من عقل مهوس و قلب ملىء بالاحقاد حانت اللحظة واطلق قودسى النار فى ذلك المساء 30 يناير 1948 منهيا حياة ماهنداس كارشماند غاندى محامى بوبمباى الشاب الذى لم يحظى بالنجاح فى القضايا الصغيرة على ادراج مكتبه، وكسب قضية تحرير الانسان الهندى الكبرى من نير الاستعمار وحرر نفسه وروحه من ضيق افاقها فنمت شاهقة الى رحاب الانسانية، فاصبح "الروح العظيمة" (المهاتما) ولكن نهرام اصاب مهنداس كارشماند و اخطا المهاتما لان الروح العظيمة تبقى الى الابد. وكانت طلقات نهرام هى القابلة الثانية التى على يدها ولد المهاتما من جديد فمثله على موعد مع الميلاد مرتين وفى ولادته الثانية الابدية يسطع نجمه ويضىء طريق قديم جديد، طريق يلتقى فيه اركمانى العلمانى من وادى النيل و إسبارتا كوس محررالعبيد وصف طويل طويل من الباحثين عن خيرالانسانية وإنسجامها يضم الخليفة العادل عمر بن الخطاب يتمنى لواستقبل من امره ما استدبر ناشرا للخير والعدل ولا ينسى ابراهام لنكولن فى اسبوعه الاخير يخاطب حشدا ويعلن عن تصميمه لاتاحة الفرصة لفئات من السود الامريكان ليحق لهم التصويت!! وجون ويلكس بوث استمع ثم عاد بليل وبالكاد يتذكرالناس نهرام قودسى وجون ويلكس، لكن نارالمهاتما لا تزال حية عند كل طالب حق ومظلوم. قال نهرو فى خطاب تابينه للمهاتما ذلك الخطاب القصير الملىء بالصور و العبارات المؤثرة " إن المجد قدغادر و الشمس التى جلبت الدفء و الإشراق فى حياتنا قد غابت ونحن نقشعر فى الظلام و البرد" ثم يواصل " ان الرجل ذو النار المعروفة قد غيرنا نحن ايضا ومن ناره من تلك النار فان الكثيرين منا اخذوا شرارة و جزءا من لهيبها هى التى اعطتنا القوة للمضى فى الطريق الذى اخطته" " و لذى حينما نمجده فاننا ايضا نمجد انفسنا" " ان المهاتما قداصبح موجودا فى نفوس الملايين و الملايين" لاحقا وقبيل شنق نهرام و صديقه ناريان قال مبررا فعلته " ان غاندى سبب إنفصال باكستان وهو الذى دافع عن المسلمين و صام من اجل إنصافهم و إنه لم يقف مع الهندوس"!!! ومع ذلك قبل ان يذهب المهاتما الى اداء صلوات المساء الاخيرة كا ن قد طلب من قودسى موافاته من اجل الحوار ولكنه بدلا من الحوار مع الروح العظيمة قرر ان يطلق النار على مهاندراس كارشمان غاندى ولم يدرك مطلقا ان الروح العظيمة لا تموت بل تبقى فى سبيل الخير تسعى ملهمة الناس على الدوام.

    واعتبر إغتيال المهاتما غاندى ماسأه عالمية و انداحت صلوات المساء الاخيرة قبل اطلاق النار عليه من متطرف هندوسى الى نيويورك و استقبلت الجمعية العمومية و الامين العام للامم المتحدة المعزيين (كانت الجمعية العامة سرداق عزاء).

    وبعيد ذاك المساء وبعد إغتياله اجتاح العنف الدينى ولا يزال الهند و باكستان. والعنف الدينى والفقر صنوان ووجهان لعملة واحدة و لا يزال فقراء الهندوس يعتصرهم التراتب الطبقى المحكم و لا يزال بعضهم يفر بجلده الى الديانة البوذية و المسيحية للخروج من احكام التراتب الابدى الهندى وفى باكستان و بنغلاديش يجتاحهما العنف الدينى و الفيضانات وهم المسلمين بعضهم مع بعض!! بعض، و روح المهاتما تسافر عبر الازمنه و الامكنة مثل طيور مصطفىسيد احمد التى تعبر دون جواز سفر وكانت روحه حاضرة عند مارتن لوثر كنج، داعية الحقوق المدنية العظيم و مع مانديلا تطارده وحشة جزيرة روبن ولا يزال البحث عن خلاص الروح و العلمانية و إنسجام المجتمعات مع إختلاف الديانات و الاثنيات، لا تزال بضاعة لا غنى عنها فى البحث عن تناسق عالم اليوم. فى عام 1947 والهند تخرج زاهيه فى احتفال بهى باستقلالها كان الغائب الحاضر فى ذلك الاحتفال هو المهاتما غاندى اجدر مواطن هندى بحضور ذلك الاحتفال وكان غيابه رسالة احتجاج وحزن على تدهور العلاقات بين الهندوس والمسلمين وبلادنا ترجع الى منصة التكوين فى عام 2011 كما هو موضح بجلاء فى اتفاقية السلام والتى ببساطة الاشياء خاطبت معضلتين- الصراع حول السلطة- ومن الذى يحكم السودان بعد ان اجابت على كيفية حكم السودان، يتم ذلك عبر انتخابات حره ونزيهة وهى بمثابة الاستفتاء على حق تقرير المصير، شمالا فى اكبر خطوة للاجابة على سؤال الوحده الجاذبه!! والمعضله الاخرى- الوحدة الطوعيه لا القهرية- عبر الاستفتاء على حق تقرير المصير، والذين يتخوفون من ممارسة حق تقرير المصير فانهم سيرتكبون اسوأ واضل اخطائهم ان حاولوا عرقلة ممارسة حق تقرير المصير لاهل جنوب السودان وطريق جهنم ان تقف ضد ممارسة حق تقرير المصير وامامك خيارا وحيدا العمل للوحده على اسس جديده. وهم يتمسكون بكشمير فى غياب المهاتما واللهم وقينا من سيئات اعمالنا ومن شرور انفسنا.

    و تظل القضيتان اللتان انفق المهاتما حياته من اجلهما وحدة الهند من جهة و الدين و الحقوق الدستورية المتساوية من الجهة الاخرى، هى قضايا اليوم فى بلادنا. بالنسبة للحركة الشعبية و من يشاركونها الرؤية تبقى قضية تطوير مقاومة المهمشين فى اطار حركة سياسية تمتلك ادوات تنظيمية فاعلة و تتعامل مع قضايا اليوم باساليب اليوم لا الامس و تحسن التعامل مع الملايين من النساء و الشباب و المهمشين و كل طالب حق، اخذين فى الاعتبار، التغيرات الديمغرافية و القضايا الجديدة التى رفعتها الحركة فى برنامجها كقضايا النساء، الهامش، البيئة، ...الخ. استيعاب كل ذلك فى حركة حديثة و ذات اطر فاعلة تظل مهمة رئيسية، و تجربتا المهاتما غاندى و المؤتمر الوطنى الافريقى ( نموذج سويتو) فى نيل الحقوق عبر مقاومة جماهيرية واسعة هما الاقرب فى غياب العمل المسلح، اداة الحركة الشعبية لتحرير السودان ما قبل اتفاقية السلام.

    المكان شرق الاستوائية و الزمان خريف عام 1988 من القرن الماضى و الامطار تهطل بغزارة و نحن فى رحلة طويلة بدات عند الحدود السودانية الاثيوبية فى جبل رعد على امتداد نهر السوباط الذى يفصل! او يوحد! اثيوبيا و السودان، كانت تلك الرئاسة المتحركة لدكتور جون قرنق دىمبيور رئيس الحركة الشعبية لتحرير السودان والقائد العام لجيش الشعبى لتحرير السودان، كانت المرة الاولى التى اعمل فيها مباشرة تحت قيادته وفى رئاستة المتحركه وقد طلبنى للعمل معه من قيادة الحركة الشعبية بالنيل الازرق وهى المحطة الثانية التى عملت بها تحت قيادة القائد سلفاكير ميارديت، وصلنا بعد رحلة طويلة وعلاقة سيئة بين الطريق والامطار وعربات الرئاسة الى منطقة نرويجان على ضواحى وطرف مدينة كبويتا المحررة ، كان الجوء حارا ، السحب تتجمع بكثافة والشمس تلهب باشعتها المعسكر وكأن ذلك وحده لم يكفى فقد اصابتنى حمى الملاريا ولم تكن بالطبع هى المرة الاولى فى حياتى لكنها كانت مختلفة. فمن هم حولى يضايقهم لهيب الشمس ولسعات الهواء السخن ( سموما) وقد كنت فى طقس شتوى يحتاج الى غطاء وبطانيه و للملاريا طقوس مختلفة، وكان هنالك فتى صغير السن متعدد المواهب أتى الى الحركة الشعبية من ريف بحر الغزال، لم تصادفة مدينه سوى كبويتا بعد حين، كان يقوم على خدمتى و يطرح على اسئلة عديدة لم يرى الشمال مطلقا وشرع فى رؤية الجنوب لتوه وعالم المدن والمبانى الثابته من مدينة كبويتا!! وتدور- لديه اسئلته عن الحرب اسبابها ودوافعها ونتائجها وعن اعداء حقيقيين ومحتملين ومتوهمين وزائفين من اسئلة ( الجلابة ) جنس ام انس ام رجس ( حكومة الخرطوم) التى تصدر الشهداء وتستورد القتلى ( السودان الجديد ) الذى يردده جون قرنق صباح ومساء والذى يطرح اسئلة مثلما يقدم اجابات، كان ذلك الفتى يهتم بشكل خاص بمغزى ومبرر وجودى فى الحركة الشعبية واختلاف الالسن والالوان ويتعاطف معى بلاحدود لاسيما بعد اعتداء الملاريا غير المبررعلى واعتصر ذاكرتى لاتذكر اسمه الثانى واتعرض لخيانه، قال لى مجوك " يا بنج انا قمت بمبادلة قماش من ملابسى واتيت لك بلبن من التبوسه " او هكذا قال: وقلت له ان ذلك لا يفيدنى وطلبت منه البحث عن شاى فأجاب قائلا ان الشاى لا يوجد الا فى رئاسة المدفعية عند انييار ابيو احد ضباط الجيش الشعبى الشجعان والذى استشهد لاحقا ثم ذهب مجوك واتى بالشاى والسكر بعد مدة وجيزة ثم بدأ مسيرة البحث عن اناء يغلى به الشاى ولم يجد الا علبة صدئة واختلط الماء والشاى والسكر والصدا وكان ذلك اجمل شاى تناولته على الاطلاق فى حياتى ثم قال مجوك ان التحرير اتى بنا لمحلات لم يفكر حتى ابوك ( والده) فى زيارتها ، اضحكت عبارتة ادوارد لينو لسنوات اتت وبعد تناول الشاى نمت لنحو ساعتين ثم صحوت وكأن شئ لم يكن وتناهى لمسامع الدكتور جون قرنق مرضى. الذى كان ياخذ قسط من الراحة فى المعسكر فى انتظار اكتمال بعض الترتيبات ليغادر ورئاسته لكيالا بالقرب من مدينة توريت للاستيلاء عليها ولما علم اننى مصاب بالملاريا ارسل احد الضباط للاطمئنان علىِ وموافته اذا شعرت بقدرتى على ذلك، ذهبت الى الدكتور جون قرنق دىمبيور والذى كان من عاداته فى تلك السنوات العمل حتى الساعات الاولى من الفجر ومعه مولد كهربائى يضئ امكنه لم ترى النور منذ بدء الخليقه ونحن فى رحلتنا الطويله من جبل رعد الى كيالا وعلى طول الطريق استمتعت بنقاشات عديده ومثقفه مع الدكتور جون قرنق عن رؤيته لسودان الجديد وكان مهتما بتجارب حركة الطلبه التى ساهمت فى اسقاط نظام نميرى وبمحاولات متعثره قمنا بها لبناء جناح سياسى للحركة الشعبيه بعيد الانتفاضة واقترحنا تسميته ( جماعة الخبز والسلام والتحرر ) ثم تحدثنا فى ذاك اللقاء عن تاريح السودان فسألنى الدكتور جون قرنق وهو يتحدث عن علاقة السودان بحضارات وادى النيل القديمة وان حضارة وادى النيل تنتمى الى افريقيا وانسانها الاسود......الخ وعن ايمانة بتوحيد السودان على أسس جديدة لمصلحة كافة اهلة ثم سألنى هل قرأت للبروفيسر الشيخ انتا ديوب فاجبته بالنفى فتحدث مطولا عن الشيخ انتا ديوب وعن رؤيته لتاريخ افريقيا وكان ذلك من الموضوعات المفضلة فى نقاشاتنا لسنوات طويلة اتية وطلب منى الرجوع للمجلد الثانى لليونسكو حول التاريخ العام لافريقيا الذى تحصلت علية بعد عدة اشهر فى اديس ابابا وهكذا نمت وتوثقت علاقتى بكتابات الشيخ انتا ديوب.

    فى السنغال والتى ينحدر بعض سكانها من هجرات من قبائل نيلية هاجرت من نهر النيل وفروعه الى بلدان غرب افريقيا ولا زالت لغاتها والاسماء شديدة الشبهة واحيانا التطابق مع القبائل النيلية فى السودان ودكتور جون قرنق نفسه ينتهى أسمه ( بديوب) والذين راسلوه عبر البريد الالكترونى يجدونه فى عنوانه اسم ديوب.

    ولد العالم السنغالى الكبير البروفيسر الشيخ انتا ديوب فى ديسمبر 1923 فى منطقة ديوريل وهى منطقة تذخر بعلماء الاسلام والتاريخ الشفاهى ويهتم اهلها بالتاريخ والمؤرخين. ولد انتا ديوب وبلاده ترزح تحت وطأه الاستعما ر تدرج فى مراحل تعليمه الاولى بنجاح وتفوق ولان الدول الاستعماريه تحتاج لبعض المتعلمين وعلى نحو مبرمج ومعلوم وكم من متعلمين كثر خدموا الاستعمار وفق تلك البرمجة ولكن اخطأءت السلطات الاستعمارية مثل خطئها مع محامى بومباى الذى اتضح انه مهاتما وابتعثت انتا ديوب لباريس لنيل درجة الدكتوراه وكان مجال اهتمامه الفيزياء والكيمياء ومن المتوقع ان ينال درجته فى احدى تخصصاتها العلميه ولكنه متورط ومنغمس مثل سكان منطقته فى العلوم الاجتماعية والتاريخ وباريس ودوائرها الاكاديميه متورطه مثل بقيه اوربا فى المركزية الاوربيه التى ترجع العلوم والثقافة كنتائج للعقل الاوربى وما عداها دونيات لا يحفل بها فى الغالب ، يأخذ معظم الطلاب الافارقة قسمتهم من العلوم والتدريب كما ارادت اوربا دون الدخول فى المماحكات بل ان بعضهم لا يذهب بعيدا اكثر من التمتع باستهلاك منتجات التطور التكنولجى والثورة الصناعية المتسارعه ويتحرق للاندماج فى مجتمعه الجديد مظهرا ويبحر فى تمزيق جوهر الذات لتتوأم مع المدنيه والحضارة.

    كان انتا ديوب مختلفا ومتميزا وعنيدا لم يتعلق بأهداب اوربا بل كانت روحه وعقله الخاصين فى مصر القديمه تؤرق ذهنه مفارقات الحياة الانسانية والنظره الدونيه التى تلاحق الافارقة السود اينما حلو وكانهم اتوا من عالم غير عالم الانسان ولان انتا ديوب جريئا ولا يتورع فى ان يتحدى المسلمات وقد كان على موعد مع التاريخ. تاريخ قديم ينقب فيه وتاريخ جديد يصنعه تؤرقه أسئلة تطور الحضارة الانسانية والنظرة الدونيه التى لحقت بالانسان الافريقى الاسود كمستهلك للحضارة والمدنيه العالمية وغير مساهم ومنتج لها ظل انتا ديوب يردد حتى رحيلة ان مساهمة الافارقة السود فى الحضارة الانسانية العالمية اكبر مما هو معترف به وان الاعتراف بمساهمتهم مقدمة مهمه لتصالح الاجناس البشرية لبناء مستقبل متوازن على الارض وربما السماء وان الاعتراف المتبادل هو الذى سيبعدنا عن النظرة الدونية للاخرين والتفوق عند البعض الاخر وارث ثقافة العبيد والتى تستند على ان هنالك عبيد واحرار وان العبيد لا حضارة ولا ثقافة لهم، ومن الغريب ان الدارس اليوم لظاهرة العبودية سيجد انها شملت كل الاجناس من اسبارطه واثينا القديمة الى كافة الاجناس ولكن نواقصها الصقت بالانسان الاسود دون غيره حتى نحن فى الالفية الثالثة. ونحن السودانين معنين بهذه المسالة اكثر من الاخرين.
                  

07-30-2007, 07:14 AM

يحي ابن عوف
<aيحي ابن عوف
تاريخ التسجيل: 05-25-2002
مجموع المشاركات: 6335

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: فى الذكرى الثانية الى كل من عاش النضال ونهل من حب المناضل الراحل المقيم الدكتور جون قرنق (Re: يحي ابن عوف)

    يقول الدكتورقرنق القائد العظيم

    هكذا فإننا نقصد وحدة جديدة تقوم على ما أطلقت عليه "التنوع التاريخى" و"التنوع المعاصر". نحن نعتقد بأن الحكومات التى تعاقبت على الحكم فى الخرطوم منذ 1956 قد أقامت وحدة البلاد وتنميتها على أسس ضيقة وعلى تعريف منقوص للسودان استبعد حقائق أساسية فى واقع بلادنا. هذا الاستبعاد هو الذى تسبب فى الحرب، فالسودان كما نعلم، ومنذ 1956، يقوم على شوفينية اثنية ودينية، وأي شكل من الشوفينية يقود الى الفاشية فى كل مكان. مثلاً، الشوفينية الآرية العنصرية فى ألمانيا النازية، والفاشية فى إيطاليا، والشوفينية الاثنية فى جنوب أفريقيا فى شكل أبارتيد وهكذا. والحال دائماً، أن يفضى أي شكل من أشكال الشوفينية الى الفاشية وهذا ما حدث فى السودان، فظاهرة الجبهة الإسلامية ليست بمنقطعة مما سبقها.
    وتحضرني هنا واقعة طريفة لها صلة بهذا الموضوع. فعندما صعدت الى قمة الهرم ونزلت، قال لي المرشد المرافق: "الأهرام هى إحدى عجائب الدنيا السبع"، وقلت له "إنما عجائب الدنيا ثمان والمعجزة الثامنة لدينا فى السودان" فسألني :"وما هى؟" فأجبته "رجل معتوه اسمه الترابي" فهذا الرجل يعتقد بأنه شئ خارج هذا العالم، ولكن أوضاعنا هى التى أنتجته، فهو محصلة تراكم وذروة ما تمَّ حدوثه من قبله. وهكذا فهذه هى رؤيتنا. نحن نقاتل من أجل وحدة بلادنا ونرى هذه الوحدة شاملة للجميع، كل قوميات بلدنا من عرب وأفارقة، كل الأديان من إسلام ومسيحية ومعتقدات أفريقية، حتى نستحدث رابطة اجتماعية سياسية سودانية على وجه التحديد تنتفع من الحضارات الأخرى.
    ولأولئك الذين يميلون نحو منهج علم الرياضيات، إذا أردت أن أعرف السودان فسأقدمه فى شكل معادلة رياضية بسيطة كالآتي: س = (أ + ب + ج) حيث (س) هى السودان أو الهُوية السودانية وهى دالة مرتبطة بالمتغيرات أ، و ب، و ج. يمثل أ التنوع التاريخى، ويمثل ب التنوع المعاصر، وج تأثيرات الحضارات الأخرى علينا، فنحن لا نعيش فى جزيرة معزولة إنما فى مجتمع إنساني. أما المتغير الثابت (س) والذى يمثل الهُوية السودانية، فهو المحصلة النهائية لهذه المتغيرات أو المكونات.
    الخطأ الذى ارتكبناه فى السابق هو تقييد هذه المكونات وحصرها مما أفضى الى تشويه نمونا الطبيعي وإعاقته ودفعنا نحو الفاشية، وفى هذه الحالة فإن فاشية الترابي فى السودان تأخذ اسم الأصولية الإسلامية. نحن نحتاج لتمكين هذه الوحدة حتى نصبح دولة عظيمة، وشعباً عظيماً وحضارة عظيمة، ونتواصل مع الحضارات الأخرى، ومع الشعوب الأخرى خصوصاً شعوب وادى النيل والتى تجمعنا معها روابط تاريخية منذ الأزل. العالم يقترب من بعضه، وهو يتشكل من أسواق وتكتلات مثل الإتحاد الأوربي والذى يطلق عليه الأوربيون الآن "البيت الأوربي"، فى الولايات المتحدة وأمريكا الجنوبية يخلقون سوقاً واسعة، والشئ نفسه يفعلونه فى دول آسيا، فحتى أولئك الذين لا يجمع بينهم شئ مشترك أضحوا يقتربون من بعضهم البعض لكي يخلقوا لأنفسهم قوة تنافسية فى المجال العالمي، ونحن فى وادى النيل نتمتع بفرص أفضل، نسبة لما بيننا من روابط تاريخية تتيح لنا أن نؤسس مجتمعاً رحيباً. ولكن لكي يكون لنا نصيب فى بناء هذا النموذج فإنه من الضروري لنا فى السودان أن نرتب بيتنا من الداخل أولاً إذ لا يمكن، دون ذلك، أن نسهم وبيتنا فى حالة اضطراب.
    هذا هو التزامنا بالوحدة، قلنا ذلك فى عام 1983، ونقوله الآن، كما قلناه فى عام 1991 ونحن نمر بظروف عصيبة عندما انشق نفر على الحركة، رياك مشار وآخرون، واستغلتهم الحكومة فى الخرطوم لمصلحتها. رفع هؤلاء شعارات انفصال الجنوب واستقلاله وللتشديد على الأمر كونوا تنظيماً أطلقوا عليه اسم "حركة استقلال جنوب السودان". استغلت الجبهة الإسلامية بانتهازية هذا الموقف وحاولت أن تسحب البساط من تحت أرجلنا باستمالة السودانيين الجنوبيين بالإيحاء لهم بأنها مستعدة لمنحهم كل ما يطلبونه بما فى ذلك الاستقلال. هكذا نحن نعيش الآن حالة شاذة، فبينما نحن الوحدويون فى صدام مع حكومة الجبهة، نجد الانفصاليين "حركة استقلال جنوب السودان" فى تحالف مع الحكومة فى الخرطوم. هذه هى حقيقة وضعنا، وقد ارتبكت قواعدنا مما استوجب علينا الدعوة الى مؤتمر وطني ناقشنا فيه وتحاورنا حول مصير حركتنا لفترة استمرت عدة أيام. وبعد مداولات طويلة توصلنا الى قرار أكدنا فيه وحدة بلدنا. لذلك، حينما أتحدث عن وحدة السودان فأنا لا أنطق عن قناعة فحسب بل من تفويض قواعدنا فى المؤتمر الوطني الأول الذى عقدناه فى عام 1994".
    هذه هى الوحدة التى نقاتل من أجلها. كان من الصعوبة بمكان على الكثيرين، فى عام 1983، أن يفهموا مقصدنا. كان ذلك صعباً لأن العقول قد تكيفت وفقاً للماضي، وفقاً للتقاليد ووفقاً لما هو معروف فى وقته. ولكن، إن أردنا بناء سودان عظيم ومجتمع عظيم فهذا يستوجب أن يكون لنا تفكير جديد، فلا يمكن أن نستمر فى التفكير بالأسلوب القديم نفسه. فقد حصلنا على استقلالنا فى عام 1956، أي منذ واحد وأربعين عاماً، وشهدت هذه الفترة حربين، حرب الأنيانيا الأولى وحرب الأنيانيا الثانية، إضافة الى الحرب الحالية للحركة الشعبية والجيش الشعبي لتحرير السودان والتى انضمت لها باقي فصائل التجمع الوطني الديمقراطي. دامت الحرب الأولى لمدة سبعة عشر عاماً وتدخل الحرب الراهنة عامها الخامس عشر. هكذا فنحن نخوض حرباً مع أنفسنا لمدة واحد وثلاثين عاماً من عمر استقلالنا البالغ واحد وأربعين عاماً. هذا شقاء بالغ إذ ليس من المعقول أن يعرض شعب نفسه لمثله إلا إذا كانت هناك قضايا مصيرية يهددها خطر داهم. وهكذا، فإن هذا الشكل من السودان، القائم على الظلم وعدم العدالة وعلى الاستعباد، هو الذى أفرز الأزمة الراهنة. فالشوفينية، وإقامة وحدة السودان على أسس ومكونات محدودة، هى التى أوقعتنا فى أبارتيد نظام الجبهة الإسلامية الذى يعيشه شعبنا الآن. ويمكن للمرء أن يتخيل ويتصور بعين عقله أنه لو اتبعنا الاتجاه الصحيح فى عام 1956، وكان تطورنا طبيعياً خلال الواحد وأربعين عاماً الماضية، لكان لنا شأن آخر الآن، خصوصاً بما لدينا من موارد مائية، ومعدنية، وزراعية، ونفطية. وبنظام صحيح للحكم، وبقبولنا لأنفسنا سودانيين، وبخلق هذه الرابطة السودانية الاجتماعية السياسية، وبواحد وأربعين عاماً من التنميَّة، كان يمكننا أن نصبح الآن فى مصاف نمور شرق آسيا. ولكن قيدنا أنفسنا وقزمنا نمونا بتأسيس وحدتنا على الاستعباد والعزل.
                  

07-30-2007, 05:11 PM

يحي ابن عوف
<aيحي ابن عوف
تاريخ التسجيل: 05-25-2002
مجموع المشاركات: 6335

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: فى الذكرى الثانية الى كل من عاش النضال ونهل من حب المناضل الراحل المقيم الدكتور جون قرنق (Re: يحي ابن عوف)

                  

07-30-2007, 09:03 PM

يحي ابن عوف
<aيحي ابن عوف
تاريخ التسجيل: 05-25-2002
مجموع المشاركات: 6335

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: فى الذكرى الثانية الى كل من عاش النضال ونهل من حب المناضل الراحل المقيم الدكتور جون قرنق (Re: يحي ابن عوف)

                  

07-31-2007, 07:48 AM

يحي ابن عوف
<aيحي ابن عوف
تاريخ التسجيل: 05-25-2002
مجموع المشاركات: 6335

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: فى الذكرى الثانية الى كل من عاش النضال ونهل من حب المناضل الراحل المقيم الدكتور جون قرنق (Re: يحي ابن عوف)

    الإلتزام بالوحدة: رؤية السودان الجديد

    د. جون قرنق دى مابيور


    محاضرة فى القاهرة

    "جون قرنق: رؤيته للسودان الجديد، قضايا الوحدة والهُويَّة، ترجمة وتحرير د. الواثق كمير، تقديم د. محمد صبحي ود. ميلاد حنا، الشركة الإعلامية للطباعة والنشر، الجيزة، القاهرة 1998


    الوحدة فى التنوع

    أود أن أطرح رؤيتنا، رؤية الحركة الشعبية والجيش الشعبي لتحرير السودان، الطريق الذى نرى أنه سيقودنا الى الأمام. وأعتقد أنه نفس اتجاه التجمع الوطني الديمقراطي. وسمينا هذه الرؤيَّة رؤيَّة السودان الجديد. وهى ترتكز على تحليل علمي للأوضاع وتستند على تقويم متماسك لها فى واقعنا التاريخى والمعاصر معاً. وأنا لا أفتعل هذه الأشياء، فهي حقائق. هذا هو الموجود فعلاً ولا بدَّ من تأسيس السودان الجديد على الواقع وليس على الخيال. فى عام 1983 اجتمعنا فى الغابة، بعد حوادث بور، والبيبور، وفشلا، وأيوت، وكان السؤال الذى واجهنا هو: نقاتل من أجل ماذا؟ ما هو هدفنا؟...ومنذ اليوم الأول- وقد أشرنا الى ذلك فى مانفستو الحركة- وقفنا مع وحدة بلدنا. ولكن، كان هنالك تشويش إذ بدا لنا وقتها غريباً لحركة تنطلق من جنوب السودان أن تدعو لوحدة البلاد. ارتبك الجنوبيون وهم يتساءلون: ولكن، كيف نتحد مع الشماليين؟ فهم المشكلة. بينما تساءل الشماليون: كيف يأتي التحرير من الجنوب؟ ونحن نقول ولما لا؟ كما تشكك الشماليون فى معنى هذا التحرير، تحرير ممن "من منو؟" وقد رددنا بدورنا على ذلك: فهو ليس تحرير ممن بل تحرير من ماذا "من شنو؟" لذلك، أود أن أشدد من البداية على أن الحركة ظلت ثابتة على أهدافها الأربعة عشر عاماً الماضية، بالرغم من الاضطراب الذى يطرأ من وقت لآخر نتيجة لما يحدثه الخارجون على هذه الأهداف من بلبلة.

    الوحدة التى نتحدث عنها فى الحركة الشعبية، وأتمنى أن يكون هذا ما نتجه نحوه فى التجمع الوطني الديمقراطي، هى نوع جديد من الوحدة. لا يمكن أن نكون قد حملنا السلاح ودخلنا الأحراش فى عام 1983 لنأتي بوحدة تضطهدنا، فهذا ليس طبيعياً، ولم يك ممكناً أن نفعل ذلك. فالوحدة التى ننادى بها مختلفة تماماً، وهى ليست الوحدة نفسها التى يتحدث عنها الآخرون. هنا يكمن مصدر الخلط والتشويش. فلام أكول مثلاً، عندما تحدث الى راديو بى بى سى وطرح سؤالاً بلاغياً (طرحه لمجرد التأثير فى النفوس لا ابتغاء الحصول على جواب): "جون قرنق يتحدث عن الوحدة والبشير يتحدث عن الوحدة، فما هو الفرق بينهما؟" نقول له: هناك عالم من الفرق بين الاثنين، فالوحدة التى نعنيها تقوم على واقعين، أولهما أسميه الواقع التاريخى أو التنوع التاريخى، والثاني أطلق عليه التنوع المعاصر أو الواقع المعاصر. هذان التنوعان أو الواقعان يمثلان عناصر تكويننا وتشكلنا ولا بدَّ من تأسيس الوحدة عليهما. فالأساس الأول للوحدة هو التنوع التاريخى، فكتب العصور القديمة، بما فى ذلك الكتاب المقدس، زاخرة بذكر السودان، إن كان تحت اسم كوش أو السودان أو مصر، وأنا لا أختلق هذه الأشيا.
                  

07-31-2007, 09:01 PM

يحي ابن عوف
<aيحي ابن عوف
تاريخ التسجيل: 05-25-2002
مجموع المشاركات: 6335

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: فى الذكرى الثانية الى كل من عاش النضال ونهل من حب المناضل الراحل المقيم الدكتور جون قرنق (Re: يحي ابن عوف)


    د. جون قرنق ..
    حضور في سونامي الغياب (ألأخيرة)
    ملاحظات في دفاتر الستينيات
    ياسر عرمان
    فى القاهرة اقام الدكتور جون قرنق عشاء عمل لاحد القادة السياسين و فى المناقشة طلب منى الدكتور جون قرنق الادلاء برائى قبل ان يعلق وهى عادته مع كل من عمل معه يعطى المجال لمن معه اولا ثم ياخذ فرصته فى الاخير، و فى سياق تعليقى قلت ان مركز السلطة و مؤسسته الحاكمة منذ 1956 بمختلف من توالوا على الحكم فشلوا فى بناء دولة حديثة فى بلادنا. و تقع على عاتق زعماء مركز السلطة اذا كانوا جادين فى معالجة اخطاء الماضى، ان يقودوا التغير و التجديد مثل ما فعل ابراهام لنكولن وبغياب ذلك فان المهمشين فى خارج مؤسسة الحكم وغير المستفيدين عبر القوميات و الاديان سيغيرون المركز انفسهم، وإن لم يستطيعوا سوف يحاولون بناء مراكز جديدة. و قلت لضيفنا ان باستطاعته القيام بذلك. بعد انتهاء عشاء العمل علق الدكتور جون قرنق بحذاقة ساخرة على هذه النقطة بالذات اضحكتنى لوقت طويل وهانذا اليوم اضحك من جديد و شكرا للدكتور جون قرنق على ما اسداه الينا من مرح و كان( ريسا كيسا يجلب الهواء و المرح من قرونه).
    جاء والتر رودنى الى تنزانيا و هى فى ابهى لحظات احلامها الكبيرة حضورا و اشراقا، تصحو على ايقاعات الطبول الافريقية فى ستينيات القرن الماضى و تمور بمثقفين افارقة كبار و شباب فى قمة الحيوية و اللياقة لمباراة قادمة و مبارزة فكرية و سياسية و حروب تحرير ستاتى. كانت دار السلام قلعة من قلاع حركات التحرر الوطنى و لاسيما من الجنوب الافريقى الذى اكل و شرب الدهر على مستعمريه و هو يكابد الحياة بين ثنايا موت الابارتاتيد و الاستعمار القديم. فى تلك الازمنة من ازمنة دار السلام و احلامها التى تضرب عنان السماء شد اليها الكثيرين الرحال و شدتهم بسحرها و كان والتر رودنى بعد ان انهى مهمته بامتياز فى بريطانيا منجذب بقوة لحركات التحرر الوطنى الافريقية و محاولاتها تقوية مراكز السود و انصافهم فى المجتمعات المختلفة ووصل الى دار السلام فى 1968 و غادرها فى 1974 و قبل مجيئه كان قد وقف فى الكاريبى ضد تسلط اصوات مثقفى الطبقة الوسطى الكاريبيين و جلوسهم فى الابراج العاجية و لم يكتفى بالنشاط فى حرم الجامعة و اخذ مسالة تحرير السود الذين يعيشون اوضاع مزرية فى الكاريبى وفق مشروع ديمقراطى كقضية رئيسية و فى المدة الوجيزة التى امضاها محاضرا فى جاميكا تبادل معرفته بالتاريخ مع الكثير من قطاعات الجامايكيين و مثقفى الهامش المنبوذين بالاخص مع مجموعة الراس تافاريين و التى كانت تاخذ نموذجها من اثيوبيا البعيدة و امبراطورها هيلاسلاسى الذى يجسد لهم الحاكم الافريقى الاسود. و المفارقة ان جموع كبيرة من الاثيوبيين و الارتريين كانت ترى فى هيلاسلاسى صورة معاكسة و سلبية.
    فى المدة القصيرة التى امضاها والتر رودنى فى جامعة جاميكا بعد عودته من لندن و عقب مشاركته فى مؤتمر مونتريال للكتاب السود فى 1968 اصدرت الحكومة الجامايكية امرا بمنعه من العودة مرة اخرى مما ادى الى مظاهرات واسعة لاسيما فى كينغستون و فقد عدة اشخاص ارواحهم، لاحقا نشر الراس تفاريين نقاشاتهم مع والتر رودنى فى كتاب شهير اصبح قبله للناشطين فى حركات السود فى الكاريبى و استقر والتر رودنى فى تنزانيا و هى الفترة التى التقى فيها جون قرنق دى مبيور، يورى موسيفينى، ديفيد انيوتى،و اريا كاتقايا وعديدين من قادة و مثقفى حركات التحرر الوطنى فى الجنوب الافريقى و كونت المجموعة ما يسمى بنادى دار السلام او الجبهة الثورية الافريقية وهى احدى انشط جماعات ( البان افريكان) الاكثر جذرية فى دار السلام و كان والتر رودنى يؤمن طوال حياته بان المثقف يجب عليه ان يضع معارفه فى خدمة المتطهدين من اجل تحريرهم و فى هذه الفترة اصدرعمله الكبير الثانى و الاكثر شهرة و شعبية ( كيف ساهمت اوربا فى تخلف افريقيا او كيف عملت اوربا على تخلف افريقيا) وتعد فترة تنزانيا بالنسبة لرودنى الاقرب الى فترة المهاتما غاندى فى جنوب افريقيا فهى التى انتجت المفاهيم الاكثر جذرية فى اطروحات ردونى كما ساهم الدكتور والتر رودنى فى ترسيخ تقاليد فكرية جعلت من دار السلام حتى اليوم مركزا لمناقشة قضايا السياسة و التاريخ الافريقى و انخرط رودنى فى تلك الفترة فى المناقشات مع جماعات المثقفين التى كانت مهمومة بمناقشة قضايا الواقع الافريقى و كان ذو موقف صلد فى الدعوة لوحدة القارة الافريقية و فى مواجهة همومها المشتركة بشكل جماعى من القاهرة الى كيب تاون و قد اشتهر كواحد من منظرى جماعة ( البان افريكان) و من المتحدثين باسمها و الف عدد من المقالات و الاعمال ووجه انتقادات حارقة و لازعة لمدرسة الزعيم و المعلم الافريقى جوليوس نايريرى و كتب كتابه ( الحرب العالمية الثانية و الاقتصاد التنزانى) وهو يتأهب فى 1974 بالرجوع للكاريبى لتسجيل الفصل الاخير من رحلة حياته ذات المعانى و المضامين. فى تنزانيا انخرط الدكتور جون قرنق فى خلايا جماعات ( البان افريكان) الاكثر جذرية و من همومها الكبيرة فى وحدة افريقيا تمعن فى اسئلة القضية السودانية الشائكة و دعوة الاناينا الاولى الى فصل الجنوب و الانانيا كانت قاطعة فى رؤيتها و ترى الواقع فى ما يشبه المثلث الكولونيالى و إرثه - شمال جنوب،عرب افارقه، مسحيين مسلمين. و الانانيا لمن لا يعرف تاثيرها هى مؤتمر الخريجين فى جنوب السودان فمن معطف الانانيا خرجت الحركة السياسية الحديثة فى جنوب السودان و كبرى مدارسها مدرسة الكفاح المسلح و للتعرف بدقة على الحركة الشعبية لتحرير السودان لابد من قراءة فصول الانانيا و العودة الى الانانيا احداث و افكار و تجارب والى جنرالاتها على قوتلا، تافنيق، جوزيف لاقو، امانويل اوبور، جوزيف اكوان، جوزيف كوال اموم و غيرهم من قادة الانانيا العسكريين و السياسين،و حكومات الانانيا المتعددة من السياسين فى المنفى، و هنالك حاجة لدراسة اقتراب وليم دينق على نحو اخص من حركات الهامش و القوى السياسية السودانية فى ذلك الوقت المبكر و على خلفية القطيعة بين القوى السياسية فى الشمال و الجنوب. و جون قرنق دى مبيور الملتزم بوحدة افريقيا نفذ عبرها الى رؤية جديدة لتوحيد السودان تم ذلك على طول الطريق من السودان الى تنزانيا و الولايات المتحدة الامريكية و اذا اردت ان تلخص الدكتور جون قرنق فى عبارة موحية و موجزة فان الدكتور جون قرنق هو" رؤية السودان الجديد" فهو مشروع حياته الرئيسى و فى جوهره مشروع عالمى لتعايش الاعراق و الديانات فى مجتمع متصالح و فى انفصال الجنوب او وحدة السودان فى كلتا الحالتين يظل مشروع السودان قائما مع انحسار الجغرافية او تمددها فقضايا التعدد و التنوع يحفل بها الجنوب والشمال، الشرق و الغرب فمشروع السودان الجديد هو الحل فى حالتى الانفصال او الوحدة و هو وحده الذى يقدم الاجابات شمالا او جنوبا. ساهمت ايام تنزانيا و عمقت على نحو حاد نظرة الدكتور جون قرنق لقضيتى الوحدة و الانفصال و لاحقا توصل الى اجابات قلبت المسرح الفكرى السياسى السودانى الى الابد و قد قال يوريى موسيفينى احد المساهمين فى مرحلة تنزانيا فى نعيه للدكتور جون قرنق " برحيله فقدت افريقيا احد ابرز المفكريين الثوريين".
    بنهاية 1974 اختتم والتر رودنى صفحات تنزانيا الزاهرة و عاد الى الكاريبى ومابين حصوله على درجة الدكتوراه من لندن و عمره( 24) عاما و رجوعه الى غويانه ، جرت مياه كثيرة تحت الجسر ربما غمرت المياه الجسر نفسه فى بعض الاحيان عاد والتر رودنى و ليس من المهم كما يقول الليبيين " كم غاب بل ايش جاب" عاد مشبع بالتجارب و احرق مراكبه على شواطىء الكاريبى مثل الجنود و البحارة الفرنسيين الذين اشبعوا بهجة الثورة الفرنسية تمردا فى الكاريبى و اصبح رودنى احد الزعماء الكبار لمناهضة الحكم و شارك فى الندوات و الاعمال الجماهيرية منذ ان حط رحاله فى طول البلاد و عرضها و ساهم على نحو فاعل فى زيادة الوعى بقضايا التغيير و جعل الحياة مكان افضل بان يعاش و طرح قضايا جديدة من قبيل " سلطة الشعب" " و الديمقراطية متعددة الاثنيات" و لان حياة الانسان عابرة فى شمس الجسد الفانى منذ صقراط و مرورا بالحلاج و لان سلطات الكاريبى فى غويانه منتبهة لوالتر رودنى و افكاره التى تبث الشجاعة فى زمن الجوع.
    ففى 11 يوليو 1979 تلتهم النيران احد المكاتب الحكومية فى غويانه الجديدة ومع الدخان و السنة اللهب المتصاعدة التى التهمت المبنى و تجاوزته الى والتر رودنى نفسه يعتقل رودنى و سبعة من زملائه ووجهت له التهمة بحرق المبنى و تعرض لمحاكمات و مضايقات عديدة كانت النوايا مبيتة و مرتبة قبل حرق المبنى و بعدها وتعرض رودنى لمحاولة اغتيال نجى منها باعجوبة ولاحقا فى مساء 13 يونيو 1980 و فى قلب مدينة جورج تاون و على بعد عدة ازقة و شوراع من مكان ميلاد والتر رودنى الاول.
    و فى مكان غير بعيد من ميلاد والتر رودنى من مشهد تاريخى اخر بين الكاريبى و الولايات المتحدة و فى بورت اسبيان فى ترنداد و تباكو فى الكاريبى ولد استوكلى كارمايكل –كوامى تورو فى 1941 و انتقلت اسرته الى نيويورك فتغيرت حياته بالكامل مثلما تغيرت حياة جو اسلوفو الذى بدلا من ان يذهب والده الى الارجنتين قرر الذهاب الى جنوب افريقيا. درس استوكلى فى اميز ثانويات نيويورك –ثانوية نيويورك للعلوم – ودخل جامعة هاوارد و صعد فى موجات حركة الطلبة السود الناهضة كواحد من اشهر قادة حركة الحقوق المدنية فى الستينيات و من ضفاف الستينيات خرج الكثيرين و قد اصبح استوكلى رئيس لجنة الطلبة للتنسيق ضد العنف و بعدها اصبح واحدا من قادة جماعة( البلاك بانسر) الشهيرة وفى اخريات سنواته تحول الى داعية لحركة ( البان افريكان) و شارك بفاعلية فى مؤتمر المساواة العرقية و تزوج مبدعة جنوب افريقيا المعروفة مريم ماكبا و التى زارت السودان و يقال انه صحبها فى تلك الرحلة و ربطته صداقة قوية بكوامى نكروما و احمد سكيتورى و فعل شيئين مدهشين غير اسمه الى كوامى تورو لتخليد اصدقائه و حبهم لافريقيا و نضالاتهم ( نكروما و سكيتورى) و اخذ من اسميهما بالتساوى مكونا اسمه الجديد كوامى تورو!! كان صديقا لمارتن لوثر كنغ و مالكوم اكس و اليجا محمد رغم اختلافاته معهم فى كثير من القضايا و قد عرف بالتشدد مع غير قليل من الهواجس وكان خطيبا مفوها و ترك لاحقا (البلاك بانسر) التى اسسها دكتور هيو نيوتن صاحب السيرة المعقدة وبوبى استيلى، و اشتهرت الجماعة بدعوة السود للتسلح و الدفاع عن انفسهم و باعمال اجتماعية مثل اعداد وجبة سخنة لتلاميذ المدارس السود و قد ادمج عدد من قادة الحزب لاحقا فى المؤسسات الرسمية الامريكية و انزوى اخرين و هاجر استوكلى كارمايكل الى غينيا كوناكرى مع مريم ماكبا منذ 1969 و عاش و استقر فى افريقيا حتى وفاته و ترك بصمات واضحة فى حركة الحقوق المدنية و حركات السود الامريكية فى الستينيات ماتزال بعض امواجها تنداح و اشتهر برفعه لشعار " السلطة للسود او القوة للسود" وجه انتقادات عنيفة للقادة الاخرين لحركة الحقوق المدنية و اتهمهم بان اقصى امانيهم هى ايجاد خانة للرجل الاسود الى جانب مقعد الرجل الابيض و انه يسعون لدمج السو د فى التيار الرئيسى للطبقة الوسطى. كما تحدث عن " العنصرية المنظمة" و " العنصرية البنيوية" و " العنصرية المؤسسية" كان صديقا حتى رحيله للقس جيسى جاكسون المعاصر لكل زعماء حركة الحقوق المدينة و قد زاره جيسى جاكسون فى غينيا كوناكرى قبل اسبوع من رحيله بمرض السرطان فى 1998 وعمره 57 عاما و قال جيسى جاكسون " كان واحدا من ابناء جيلنا و الذى كان على الاستعداد للتضحية بحياته فى سبيل تغير امريكا و كان ملتزما بانهاء العنصرية فى بلادنا وقد ساهم فى إزالة تلك الجدران" و استوكلى بتشدده و هواجسه و قراراته المثيرة للجدل ظلت خطبه ذات سحر على جماعات الشباب حتى يومنا هذا.
    و فى ذلك المساء 13 يونيو 1980 كان والتر رودنى فى قلب مدينة جورج تاون قد انتهى من لقاءات عديدة فهو فى كامل الرضا من ازدياد المؤيدين لدعوته كان يدرك ان السلطات قد اضحت فى قمة ضيقها و لن تتوانى او تردد فى تدبير اى جريمة للتخلص منه و فجاءة فى ذلك المساء سمع دوى هائل لقنبلة و هى تنفجر و انقشع انفجارها و هى تغيب المفكر الثورى الدكتور والتر رودنى المتزوج من الدكتورة باتريشيا رودنى و لهما ثلاثة ابناء شاكا الذى اسماه على البطل الافريقى العظيم و ملك الزولو فى جنوب افريقيا و كاتى و عشة و ما تزال احلام تنزانيا فى قلب وعقل والتر رودنى بعد ان انقشعت قنبلة جورج تاون و لم تنل من احلامه فى التحرروالتغيروما يزال والتر رودن حاضرا عندالغياب مولودا عند الممات.فى نهاية يونيو 2005 و قبل مجيئه للخرطوم طلب منى الدكتور جون قرنق موافاته فى الحال بالعاصمة الارترية اسمرا من الخرطوم لمناقشة بعض القضايا و نحن منهمكين فى ترتيبات استقباله فى الخرطوم، قلت له "لماذا لا تدعو زوجة الدكتور والتر رودنى و ابنائه لزيارتك فى السودان بعد ان تنتظم المؤسسات الجديدة" سره ذلك الاقتراح و قبل ان يدلى باجابته لحق بوالتر رودنى مسرع الخطىء مسجلا ذكراه ضد مجهول. و تنشط احدى كريمات والتر رودنى لفك طلاسم البلاغ المسجل ضد مجهول فى اغتيال والدها الذى تقام احتفالات سنوية فى الكاريبى و خارجه لاحياء ذكراه.
    عند مرافقتى للقائد سلفا كير فى رحلته الثانية للقاهرة كنائب اول لجمهوريه السودان سألته عن مدى الدور الذى لعبه الدكتور جون قرنق فى التحضير لبدايات الحركه الشعبية لتحرير السودان ومتى التقاه للمرة الاولى؟ ومعروف عن سلفا كير ذاكرته الفتوغرافية وبدأ حديثه الذى استمر على مدى حوالى ساعتين ونصف الساعه هى زمن الرحلة بين الخرطوم والقاهرة مع مداخلات متقطعه ووجيزه منى ومن الوزير جوزيف دوير ذكر انه التقى بقرن مبيور اتيم فى نهايه الستينيات فى لوبنى شرق الاستوائيه على ايام حركة الانانيا الاولى والاهم انه ذكر بان جون قرنق كان ذو شعبيه داخل مثقفى الانانيا وعرف كداعية لاطروحات حركات التحرر الوطنى ومبشرا بأفكار جديده وبالطبع فإن ذلك كان ذو صلة بما كان يدور فى تنزانيا والولايات المتحده الامريكيه وما حدث لاحقا عند تأسيس الحركه الشعبية وقد شارك كل من جون قرنق و سلفا كير بفاعلية فى داخل مجموعات قوات الانانيا المستوعبة بعد اتفاقية 1972 تمهيدا لتاسيس الحركة الشعبية لتحرير السودان و هذه قضية سوف نتطرق لها فى موضع اخر غير هذه المقالة. و ذكر لى الدكتور جون قرنق فى احدى مناقاشاتنا انه فى نهاية سنوات الانانيا بدأ يتبلور تيار جديد اصبح يضع اسئلة كثيرة حول تكتيكات الانانيا و علاقاتها الخارجية و بعض اطروحاتها و قد كان هو نفسه ضمن هذا التيار وعدد عددا من شخوصه من بينهم الراحل جوزيف اكوان الذى اغتيل عشية اتفاقية اديس ابابا و امانويل اوبور الذى اغتيل بعد الاتفاقية بقليل، و ذكر لى ماكير بنجامين انه حينما كان طالبا فى جامعة الخرطوم و التقى بالبروفيسور بارى وانجى فى كمبالا بعد اتفاقية 1972 الذى كان وانجى رافضا لها، ان بارى وانجى قد طلب منه حين عودته للسودان ان يلتقى بالنقيب جون قرنق و الذى كان وقتها فى حامية بوسرى على اطراف واو و مضى قائلا " إن النقيب جون قرنق سوف يكون قائدنا فى حرب التحرير القادمة" !! و كل ذلك مرتبط بسنوات تنزانيا و قرنيل ايوا و إدراك جون قرنق مبيور اتيم للمهمه القادمة التى اداها على اكمل و احسن وجه و مع ان "الشمس مملكة الضياء و لكن النور ياتى من عيون الاوفياء" وشعبنا صاحب وفاءا عظيم وكم يسعد المرء ان الدكتور جون قرنق قبل رحلته الاخيرة قد شاهد فى الساحة الخضراء وفاء وحب شعبنا له، الذى اعطاه شهادة الدكتوراه مع مرتبة الشرف فى خدمة الشعب و التخرج من مدارسه و كنا حضور، ولم نراه مبتهجا ومتاثرا و اَسراَ مثل يوم الساحة الخضراء، و ما شد إنتباهه اكثر هوان ذاك اليوم كان يوما للتلاقى الوطنى بين اعراق ، اديان، سحنات، ثقافات، ونساء و رجال السودان و هو جوهر رؤيته التى تمتد زمانا من زمان الساحة الخضراء و بهائها الى مابعد ازمنة جبل البركل المقدس، ومكانا من حلفا الى نمولى،من الجنينة الى كسلا ولو اتيحت له الفرصة فى الساحة الخضراء لما تردد فى ترديد هذه الرسالة و لوزع على جميع الحاضرين ما يكفى من الامال و الاحلام . و بعد عامين من رحيله و ميلاده الذى يحتوى كل البلاد و يسمو كاسطورة من ازمنة الخلود و رواية لم يكتب فصلها الختامى بعد.
    فى الختام زهرة من اللوتس وورقة من البردى من نهر النيل للشيخ انتا ديوب. و نقول لوالتر رودنى ان احلام تنزانيا و نادى دار السلام لا تزال مشرقة و مضيئة، و لقرنق مبيور اتيم نوقد شمعة ثانية فى سونامى الغياب و الحضور الانيق و فى الموت و الميلاد الجديد.
    .
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de