|
سياسيون سودانيون خلف بوابات الانفصال - بقلم الصحفي خالد الاعيسر
|
ورد هذا المقال في جريدة القدس العربي اليوم 08.09.2007
وهو الى الصحفي السوداني والصديق الذي يقيم بلندن خالد الاعيسر
وهو مقال جدير بالقراءة والتوقف لانه بثير اكثر من سؤال واكثر من علامة استفهام
كثرت في الآونة الأخيرة تصريحات لرموز وقياديين في الحركة الشعبية لتحرير السودان حول إمكانية تصويت الجنوبيين للانفصال في استفتاء تقرير المصير المزمع إجراؤه عام 2011 بحجة تعثر عملية التنمية بالأقاليم الجنوبية وهيمنة العرب علي الشمال بعد اتفاقية نيفاشا. لقد ولدّت هذه التصريحات حالة من الاستياء في أوساط الوحدويين من أبناء الشعب السوداني بشقيه الشمالي والجنوبي، وازدادت حالة الاحباط مع استهداف أهل الشمال المقيمين بالجنوب (الذين لا حول ولا قوة لهم باتفاق نيفاشا).. واستبيحت بعدهم أرض الجنوب من قبل مواطني دول الجوار الأفريقي علي حساب أبناء الشمال من التجار والرعاة والمزارعين الذين هم أبناء عمومة للجنوبيين منذ مئات السنين. إن مثل هذه الأفعال غير المسؤولة توسع الخلافات وتدق إسفيناً بين الوحدويين والانفصاليين، لا سيما لدي الذين يعيشون أفكاراً ترتبط ارتباطاً وثيقاً بثقافة الحرب. وفي خضم هذه المشاحنات ليس مستغرباً أن يتداعي المشككون في الوحدة لتضخيم الجدل بما يتماشي وأهداف استراتيجية دولية ترمي لانشطار السودان الي دويلات هزيلة. وقد عبر عن هذه اللونية، وفي مناسبات شتي القيادي البارز باقان أموم الأمين العام للحركة الشعبية، وسار علي نهجه مؤخراً النائب الأول لرئيس الجمهورية في حكومة الوحدة الوطنية ورئيس حكومة الجنوب سيلفا كير ميارديت عبر برنامج تلفزيوني سوداني، ولحق ركبهم في تصريح آخر البرلماني الجنوبي بيتر أدوك نيابا في حوار صحفي مع صحيفة (الصحافة) السودانية بتاريخ 28 اب (أغسطس) 2007 أكد خلاله فرضية تصويت الجنوبيين للانفصال. جل هذه المواقف تقدم خدمة مجانية لاعداء السودان، خاصة اذا أثمرت في خاتمة المطاف عزوفا فعليا عن الالتفاف حول برنامج الوحدة الطوعية التي من دونها يمكن أن تنزلق البلاد مرة أخري في مستنقع الحرب المدمرة. ما نريد لفت الانتباه اليه هو أن مثل هذه التصريحات غير المسؤولة لها ما بعدها، لاسيما أنها صدرت من شخصيات لها تأثيرها القوي علي الشارع السياسي الجنوبي، وأن أوجب أولويات هؤلاء تكمن في الوفاء لنصوص اتفاق نيفاشا (بعلاته!) مع الشمال للعمل علي جعل برنامج الوحدة الطوعية جاذبة فعلاً.. وقولاً (كأضعف الايمان)، إلا أن قياديي الحركة وبكل أسف لم يوفوا الشرط حقه، كما هو واضح من خلال الفترة التي قضوها في الحكم وتسيدوا عبرها الجنوب بنسبة مائة في المائة وبعضاً من الشمال، ولم يحققوا قيد أنملة من الوفاء للبرنامج المشترك في طريق الوحدة، ناهيك عن حالة الفساد التي تعانيها مؤسساتهم الخدمية والمالية والتي لم يسلم منها بعض من كبار المسؤولين والوزراء حسبما أوردت صحف سودانية. ان مثل هكذا أفعال، هي وحدها المسؤولة عن تعثر وبطء سير عملية التنمية. أما اذا كانت هذه التصريحات التي تخرج بين الفينة والأخري من باب دفن الرؤوس في الرمال فإن ذلك بمعطيات الواقع يصنف من باب سد الذريعة وهم وحدهم من يسأل عن بطء العملية التنموية وليس أبناء الشمال، وأهل الجنوب أدري ببواطن الأمور والدواعي التي دفعت قيادييهم للتستر خلف بوابات الانفصال!. وحري بنا القول ان اختزال القرار المصيري بوحدة السودان في أيدي قلة من الساسة السودانيين يدفع للقول إن ثنائية نيفاشا كانت ولاتزال فاقدة لجملة شروط أورثت البلاد دوامة تجاذبات بين الحزبين الحاكمين (المؤتمر الوطني في الشمال والحركة الشعبية في الجنوب)، منها علي سبيل المثال، ترسيم الحدود وانسحاب الجيش من الجنوب وتوزيع عائدات النفط وكانت أكبر هذه السوءات فقدان الإتفاق للاجماع الحقيقي للشعب السوداني بكل ألوان طيفه، فالسودانيون لم يستفتوا حوله قبل أن يستفتوا في نتائجه ومآلات الوحدة أو عدمها، الأمر الذي دفع المراقبين للشأن السوداني الي القول إن الحكومة في الشمال متواطئة مع أجندة خارجية هدفها من الاتفاق تحقيق الانفصال عبر سبل سلمية بدلاً عن فوهات البنادق، والغريب أن الحكومة المركزية تتعاطي مع فرضية الانفصال وكأنها أمر واقع ولكنها تراهن أن تكون الوحدة الطوعية خياراً جاذباً، الا أن هذا الخيار يتطلب العمل الجاد. وما رشح عن تجربة الثلاث سنوات الماضية غير مبشرٍ، لأن معدلات الانفاق في مشروعات التنمية بالجنوب ضئيلة جداً قياساً بالوضع في الشمال، مع العلم أن حكومة الجنوب تعتمد في ايراداتها علي النفط فقط بعد عزوف المانحين عن التمويل، والايرادات مع قلتها فإنها تهدر بفعل الفساد، لذلك فالخيار الطوعي لن يتأتي عبر الأهازيج والشعارات التي تبثها وسائل الاعلام من حين لآخر. واذا كانت الرغبة في الوحدة حقيقية فليست هناك ضرورة لأن تفتح الحركة الشعبية مكاتب لبعثات دبلوماسية مع الدول والحكومات والمنظمات الإقليمية والدولية، ناهيك عن إعداد سياسة دفاعية رسمية لتحويل الجيش الجنوبي الي قوة تنفيذية بإيعاز وإشراف مستشارين أمنيين بريطانيين وأمريكيين. ويجدر هنا اصطحاب التجربة العراقية فيما يخص أقليم كردستان الذي يتمتع بحكم ذاتي (ووضعه المشابه لوضع جنوب السودان)، هذا الموقف عبر عنه رئيس الإقليم مسعود البارزاني، حيث رفض وبشدة فكرة فتح مكاتب للتمثيل الدبلوماسي للإقليم بالخارج في ظل وجود سفارات تمثل الدولة العراقية، هذا بالاضافة الي ضم جيش البيشمركة الكردي الي الأجهزة الأمنية العراقية بعد سقوط صدام. إن عمليات الابتزاز السياسي التي تمارس من حين لآخر في السودان بدعاوي الانفصال توجب تغليب مصلحة الوطن من العناصر النزيهة والمتنفذة داخل حكومة الوحدة الوطنية مدعومة من التيارات السياسية والشعبية كافة، بما فيها المعارضة للدعوة الي منتدي يناقش قضية الفساد من جذورها وتأثيرها علي الوحدة ومحاسبة كل مارق يخرج عن آداب هذه المرحلة الحرجة من التاريخ أمام الشعب السوداني وتحديداً من ينهبون جهاراً نهاراً، والذين يجب أن يعاملوا باعتبارهم تهديداً رئيساً ومباشراً للأمن القومي السوداني الذي بانعدامه سيكون المآل هو التشرذم في أفضل الأحوال.
______________________________________________ المصدر
http://www.alquds.co.uk/index.asp?fname=today\07e15.htm...الاعيسر&storytitlec=
|
|
|
|
|
|