|
الشــــايقية..مرجع لكل من يبحث في قبائل الشايقية وتاريخها
|
الشــــايقية مرجع لكل من يبحث في قبائل الشايقية وتاريخها
تأليف و . نكــــولز ترجمة وتقديم وتعليق د . عبد المجيد عابدين مقدمة المترجم رأيت أنّ أنقل هذا الكتاب إلى قراء العربية ، وهو كتاب طبعه مؤلفه مستر نكولز سنة 1913م ، وصار منذ ذلك الوقت مرجعا لكل من يبحث في قبائل الشايقية وتاريخها. وقد جمع المؤلف فيه الروايات الوطنية التي يرويها الشايقية أنفسهم ، وقارن بينها وبين أقوال المؤرخين والرحالة الذين زاروا بلاد الشايقية أو تحدثوا عنها ، وقد تقبل بعض هذه الروايات ، وشك في بعضها . غير أنه مما يعيب الكتاب - في نظرنا - بعض أقوال جمح بها قلمه ، فأساء فيها الحكم أحياناً ، وأخطأته لباقة العبارة أحياناً أخرى . وقد علقنا على هذه الأقوال في مواضعها من هوامش الكتاب . أضف إلى ذلك أنّ الكتاب لم يتعرض لجوانب من تاريخ الشايقية ، كالبحث في أصل الشايقية ، وهذا موضوع شغل الذين كتبوا عن الشايقية بعد زمن تأليف هذا الكتاب . ونرى إتماماً للفائدة أنّ نعرض لأهم الآراء في هذا الصدد . وبين أيدينا أربعة آراء في أصل الشايقية ، نلخصها فيما يلي : 1- يرى ترمنجهام ( الإسلام في السودان ص 88 ) أنهم ربما كانوا أصلاً في البجة . ويعتمد في هذا على ما رواه المقريزي عن ابن سليم أسواني من أنّ الزنافج ، وهم فريق من البجة ، هاجروا في عصور قديمة إلى بلاد النوبة واستقروا هناك . احتفظوا بلغتهم الخاصة فلم تختلط بلغة النوبة . ثم لاحظ ترمنجهام أنّ جميع أسماء قبائل الشايقية تنتهي بالمقطع ( آب ) وهو مقطع لفظي مأخوذ من لغة البجة . وزعم ترمنجهام هذا ، في نظرنا ، لا ينهض به دليل . فإن انتهاء اسم القبيلة بمقطع من لغة البجة ليس دليلاً علي أنّ القبيلة بجاوية الأصل . ولا سيما إذا عرفنا أنّ هذا المقطع يدخل في أسماء كثير من القبائل العربية التي تسكن في أقاليم مختلفة من السودان . 2- ويرى ماكمايكل ( تاريخ العرب في السودان حـ 1 ص 213 وما يلي ) أنه من المحتمل أنّ يكون فريق من هذه القبيلة كان في الأصل من بقايا الجنود المرتزقة من الترك والألبان والبشناق الذين كانوا يؤلفون الحاميات والحرس في بلاد النوبة منذ غزو السلطان سليم العثماني ( 1517م ) وقد استقر عدد منهم في النوبة . وقد استبعد الباحثون اليوم هذا الرأي . فقد رده كراو فورد ( في مملكة الفونج في سنار صـ 44) ، فذكر أنّ هناك اعتراضاً قوياً ضد هذا الرأي ، وهو أنّ سليماً العثماني لم يغز هذه المنطقة ولم يقم عليها حراساً ولا حاميات . وأنّ المناطق التي قامت على حراستها فئات من هؤلاء ، وهي الواقعة بين الشلال الأول والثالث ، لم تنتج سلالة من السكان عندها من الخصائص ما نجده عند الشايقية . ورد الدكتور عوض ( السودان الشمالي ص 185 ) هذا الرأي بقوله : ( مما يؤسف له أنه ليست لدينا دراسة للشايقية بواسطة رجل من علماء الأجناس حتى نستطيع بالدراسة العلمية للمقاييــس ، وعلى الأخص مقاييـس النسبة الرأسية أنّ نحكم على وجه السبة بين الشايقية وأولئك الجنود الذين إذا كانوا حقيقة لهم نسب ألباني أو تركي أو بشناق ، فإنّ هذا كفيل برفع النسـب الرأسية . ومثل هذا الاختلاف يتنافى مع ما نعرفه من صفات الشايقية الجسدية ، كنحول الجسم والوجه وشكل العيون . أما بروز الأنف فمعروف لدى كثير من العرب حتى في السودان نفسه ) . 3- ويرى فرن ( وهو رحالة ألماني زار السودان في خلال سنتي 1840 - 1841م ) أنّ الشايقية ربما كانوا في الأصل طبقة من محاربي المصريين القدماء أو جماعة من سلالة المحاربين الثائرين الذين تحدث عنهم هيرودوت المؤرخ ، فذكر أنهم كانوا جنوداً في جيش فرعون ، ثم ثاروا ورفضوا العودة إلى مصر بعد أنّ هاجروا منها إلى الجنوب . وكان هذا في عهد أبسماتيك . وزعم هيرودوت أنّ عددهم كان مائتين وأربعين ألفاً على وجه التقريب . ويقول بلينيوش المؤرخ ( 70م ) أنهم فروا من وجه أسماتيك وسكنوا في مناطق قريبة من مروي القديمة (1) . ويؤيد فرن هذه النظرية بعدة ملاحظات : (1) موقع بلاد الشايقية قريباً من مروي القديمة التي حموها من غارات برابرة الجنوب . (2) والنزعة العسكرية المتأصلة في نفوس الشايقية . (3) وكونهم غير خاضعين لزعيم واحد ، بل كانوا دائماً يعيشون أحراراً في ظل ملوك صغار . ولعل الأسر الحاكمة فيهم تمثل طبقة السادة المصريين القدماء الذين لم يعترفوا بسلطان أحد سوى ملوك إثيوبيا . فلما زال ملكهم صاروا أمراء مستقلين كما حدث لقواد الإسكندر المقدوني بعد وفاته . (4) وعادة الشايقية في تقصير شعر رأسهم وتلك عادة مصرية تخالف العادة السائدة عند العرب والنوبيين . ويضيف ماكمايكل ملاحظة أخرى تؤيد نظرية فرن وهي ما شاهده الرحالة الفرنسي كايو من أنّ الشايقية في إقليم الجزيرة يقيمون نصباً على صورة إنسان يعيّن حدود الجهات التي غزوها . ويقول ماكمايكل : إنّ هذه العادة بلا شك مقتبسة من الفراعنة الذين كانوا يقيمون تمثالاً على حدود فتوحاتهم ( عوض 148 ، ماكمايكل 1 : 213 وما يليها ) . 5- وترى الروايــة الوطـنية التي يتداولها الشـايقية أنفسـهم أنهم من أصـل عربي . وهــذا الرأي لم يقم ضـده دليل قوى إلى الآن . فقد رأينا في الرأيين الأول والثانـي ضعفاً ظاهراً . أما الرأي الثالث (رأي الرحالة الألماني فرن) فإننا لا ننكر ما فيه من وجاهة ، وهو في الوقت نفسه لا يتنافى مع عروبة هذه القبيلة ، بل يؤيدها . فقد أشار فرن إلى هذه الطبقة من المحاربين الثائرين الذين هاجروا إلى الجنوب من مصر القديمة . والعلماء مختلفون في أصل هذه الطبقة . وقد رجحنا في بحثنا [ ميلاد سوبا ] الذي أشرنا إليه فيما سبق ، أنّ هذه الطبقة كانت من عرب الأراميين الذين كانوا يعملون في مصر جنوداً مرتزقة في عهد بسماتيك الثاني وكانوا قد عهد إليهم في محاربة المناطق الجنوبية (ص 2 - 4 ) . وعلي هذا يكون رأي فرن في الواقع مؤيداً للروايات الوطنية الشايقية ، إذ تكون القبيلة في الأصل ، من هؤلاء العرب الذين هاجروا من مصر الفرعونية بعد أنّ استقروا فيها فترة من الزمن عملوا فيها في جيش فرعون . ولسنا ننكر مع ذلك أنّ مجاورة الشايقية لعناصر إفريقية وحامية في موطنهم الجديد ، ودخول هجرات عربية جديدة بعد الإسلام في السودان واختلاط أصولهم بدماء عربية حديثة جاءت إليهم من الشمال أو الشرق - كل ذلك قد أحدث آثاراً في عاداتهم ولغاتهم على مر العصور ، ولكنهم فيما يظهر لم يسمحوا للسلالات الجنوبية بأن تمتزج بدمائهم ، لذلك احتفظوا بلون بشرتهم الذي يقرب من لون المولدين . الخرطوم في نوفمبر 1956م د. عبد المجيد عابدين
مقدمة المؤلف
كنت قصدت في بادئ الأمر إلى تأليف بحث واف عن تاريخ السودان الشمالي من العصر المسيحي إلى وقتنا هذا . وكان من برنامج هذا البحث أنّ يتألف من ثلاثة أقسام : الأول الممالك النوبية . الثاني : الفونج والشايقية . الثالث : السيطرة التركية . ولكن الزمن الذي أتيح لي لم يكن كافياً لتنفيذ خطتي هذه . ولذلك عقدت النية علي أنّ أحصر جهدي في القسم الثاني من البحث الآنف الذكر . وكانت النتيجة هي هذا الكتيب الذي أرجو أنّ يحقق فائدة كافية في تاريخ أشهر ركن من أركان السودان ، حتى يتسنى في المستقبل القيام بأبحاث أخرى مستمدة من الروايات التاريخية المسجلة عن هذه المنطقة . ولما كانت المخطوطات الوطنية قد أتلفت إتلافاً يكاد يكون تاماً في أثناء ثورة الدراويش (الثورة المهدية) ، لم يكن بين يدي المؤرخ إلا مادة يسيرة يستمد منها الباحث ، وألا يعتمد اعتمادا كبيراً على الملاحظات العابرة التي دونها الرحالة الذين زاروا هذه البلاد أو مروا قريباً منها . والروايات الوطنية التي لا تؤيدها الوثائق التاريخية ، لا يمكن الاعتماد عليها ، فهي تتطلب من الباحث غربلة وتمحيصاً . وذلك بسبب تلك الخيلاء التي هي غريزة متأصلة في أهالي السودان(*) . فكل فرد مواطن ، مهما يكن أصله الذي ينتسب إليه ، يحاول أنّ يثبت أنه ينحدر من أشرف جماعة عربية ، وأنّ قبيلته التي ينتمي إليها تتبوأ مكانة ممتازة ، وتلعب درواً كريماً في تاريخ السودان . وختاماً أقدم شكري الخالص للكابتن أ . س . جاكسون ، والكابتن ج . س . سايمس ، ومحمد بك السيد للمساعدة القيمة التي قدموها لي . و . نكولز الأبيض - كردفــــــان 1913م
الفصل الأول سقوط الممالك النوبية وقيام الفونج تعد الشايقية من أهم قبائل السودان الشمالي من وجهة النظر التاريخية . وترتبط هذه القبيلة بتاريخ السودان الشمالي ارتباطاً وثيقاً من القرن الخامس عشر إلى القرن التاسع عشر . ولا يعزى هذا الارتباط إلى الموقع الجغرافي وحده بل إلى ما يتصف به أفرادها من نزعات حربية ، وإقدام ، ومهارة واستبسال في الشؤون العسكرية . والشايقية هم أبناء شايق بن حميدان بن صبيح أبو مريخة وهو الذي تزعم رواياتهم ، أنه هاجر بالقبيلة من بلاد العرب إلى السودان . وهم ذوو قرابة وثيقة بقبائل الجميعاب والجوامعة وفروعها ، ويتصلون بالبديرية نوع اتصال وكلهم ينتمون إلى المجموعة الجعلية . وسيجد القارئ في الملحق الأول في آخر البحث ، جدولاً يوضح العلاقات بين القبائل التي تمثل جزءاً من الهجرات العربية الكبرى التي أحدثتها القبائل العربية المهاجرة إلى السودان من بلاد العرب عن طريق البحر الأحمر في غضون القرون : الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر الميلادي . دخلت هذه القبائـل السودان من طريق سواكن ومصوع ، واتجهت غرباً وجنوباً صوب نهر النيل . وتمسك البدو منهم بحياة البداوة فتنقلوا في البلاد الغنية الواقعة بين عطبرة والنيل الأزرق . أما القبائل الأكثر استقراراً فقد استوطنت البلاد الممتدة على ضفتي النيل بين الشلالين الرابع والخامس حيث شـغلوا حيزاً فاصـلاً بين المملكتين المسيحيتين في ذلك الحـين؛ مملكة علوه الجنوبية ، ومملكة مقرة الشمالية (2) . كانت هاتان المملكتــان ، حين قامتا في بادئ أمرهما ، قوتين عزيزتي الجانب ، متحدتين . لذلك وقفتا عقبة كأداء في سبيل الفتح الإسلامي للسودان . ولكنهما لم تلبث الخلافات الداخلية أنّ فتكت بوحدة كل منهما ، فانقسمت إلى عدة طوائف صغيرة متعادية متنابذة ، وذلك يعزى إلى الإهمال الذي عانته كل منهما على يد الكنيسة الكبرى التي دانوا لها ، وهي كنيسة الإسكندرية ، في خلال القرنين الثالث عشر والرابع عشر الميلادي ، كما يعزى إلى انتشار الإسلام السريع . ولهذا وقعت المملكتان فريسة سائغة في أيدي العرب . وسرعان ما التأمت روابط العرب في هذه المنطقة ، بحكم صلات القربى التي تجمع بينهم ، وبحكم روابط الدين المشترك . وفى بداية القرن السادس عشر الميلادي تحالفت القبائل العربية المتحدة بقيادة عبد الله جماع ، مع قبيلة الفونج الشبيهة بالزنوج (3) وكانت هذه القبيلة قد قدمت من الجنوب بقيادة ملكها عمارة دونقس ، وصارت ذات قوة ونفوذ في تلك المنطقة . تكاتفت جهود هذه القبائل المتحالفة على غزو مملكة علوه المسيحية (4) ، فغزوها وقضوا عليها (5) ووقعت حدودها ، من أربجي على النيل الأزرق إلى جبال قري (6) في أيدي العرب . ففي العقد الأول من القرن السادس عشر ، استولى الفونج على كل البلاد الواقعة في الجنوب بين النيل الأبيض وحدود الحبشة إلى نهر الرهد . في حين كان العرب الذين خضعوا للفونج سادة على منطقة وادي النيل الممتدة من نهر الرهد إلى الشلال الرابع . أما مملكة النوبة الشمالية ، فقد صارت في ذلك الوقت في مأزق حرج . فقد ظلت أعواماً طوالاً مشغولة في حروب مستمرة وخصومات مع قبائل البجــة في الشرق ، والفور في الغرب . ثم جاء الأتراك العثمانيون فغزوها بقيادة السلطان سليم الذي كان قد غزا كل المناطق الواقعة من أسوان إلى شلالات حنّك(7) واحتلها جميعاً. وخرجت مملكة النوبة الشمالية من ذلك كله مضعضعة قد أنهكتها المنازعات المستمرة ، وقسمها وأضعفشوكتها ذلك الصراع الداخلي الذي وقع بين أمرائها الكثيرين ، وبينهم وبين المسلمين حتى غزتها القبائل العربية المتحدة بقيادة مشايخ العبدلاب الذين كانوا يعملون لحساب سلطنة الفونج في سنار . وسقطت مملكة دنقلة ، وتهاوى معها آخر ما خلفته المسيحية في السودان .وأقبل أهالي هذه المملكة المنحلة على الإسلام ، وسمح لهم بالبقاء في بقاعها ، واندمجوا شيئاً فشيئاً في الغزاة حتى صار في الوقت الحاضر من أصعب الأمور أنّ يميز المرء بين النوبي والعربي . أضف إلى ذلك أنه ليس أحد من أهالي النوبة ، يعترف طواعية بأنه نوبي الأصل ، ولكنهم يتنافسون جميعهم في الدعوى بأنهم ينتمون إلى أشرف دماء في الحجاز (8) . على أنّ عدد الذين بقوا في تلك البقاع كان كبيراً ولا سيما في الشطر الشمالي من المملكة ، ويدلنا على هذا أنّ العرب من الغزاة والمهاجرين قد اصطنعوا لغة النوبة ، وأنّ اللسان النوبي لا يزال حياً إلى اليوم ، وأنّ ما يقرب من ثلثي مديرية دنقلة يتخذون النوبية لغة عامة بينهم . أما أولئك النوبيون الذين رفضوا أنّ يهجروا دينهم القديم ، فقد هربوا إلى جبال كردفان ودارفور حيث ارتدوا سريعاً إلى حالتهم الأولى من الوثنية والتوحش (9) . ولم يكد ينتهي القرن السادس عشر حتى كان وادي النيل كله من شلالات حنّك إلى نهر الرهد قد خضع لملك الفونج في سنار من طريق مشايخ العبدلاب في قَرّي . في ذلك الوقت كانت مملكة دنقلة قد تضعضعت وانقسمت إلى ثلاث دور رئيسية (جمع دار) ، وسميت على أسماء القبائل الكبرى التي سكنت فيها . وكانت كل دار منها منقسمــة إلى عدة رئاسات أو ممالك فرعية صغيرة كما يحلو لهم أنّ يسموها ، كل منها يرأسها أمير خاص أو ملك . 1- فأولى هذه الجماعات ، في أقصى الشمال ، هي التي أسميها ( دار الجوابره)(10) والجوابره هم أكثر القبائل عددا هناك - وهي تمتد من شلالات حنّك إلى حلة التيتي ، وتتضمن ممالك أرقو ، وجزيرة مقاصر والخنّاق . وكان أهالي هذا الإقليم خليطاً ، معظمهم من الجوابره والنوبة مع أثر من الكنوز(11) والمهاجرين المصريين . وهناك أيضاً قليل من العرب الذين ينتمون إلى جماعة البجة(12) الساكنة في الصحراء إلى جهة الشرق . غير أنّ الأسرة الحاكمة في أرقو كانت من الحاكماب (13) وهي قبيلة جعلية ، وأطلق على الملك الذي في أرقو وفى بِنّة (ملك الجزر) . وكانت عاصمته في أرقو ، وكان إلى حد كبير أقوى حاكم في الشطر الشمالي من الإقليم ، يعترف له سائر الأمراء بالسيادة والزعامة . 2- (( دار البديرية )) (14) وتمتد من (تيتي) إلى حدود دار الشايقية ، عند جبل الدجر (*) ، وكان لها أمراء يحكمون في الخندق ودنقلة العجوز وجزيرة تنقسي وأبكور ودَفـّـر . وكانت دنقلة العجوز أكبر ممالكهم ، وكانت سائر الممالك بمثابة إمارات تابعة لها . استوطن هذه البلاد البديرية والنوبة ، وسكنت مقاطعات كورتي وأمبكول قبيلة الطريفية التي تمت بصلة قرابة وثيقة إلى البديرية (أنظر الجدول في الملحق الأول) . 3- وتمتد ((دار الشايقية)) على طول ضفتي النهر من جبل الدجر إلى نهاية مسقط الشلال الرابع ، وتشمل ممالك أربعاً هي : حنك ، وكجبي ، ومروى ، و أمري . والمقاطعة كلها يسكنها عرب الشايقية ، وقليل من النوبة يعيشون معهم عيشة خضوع وإذعان ، وأهل دار الشايقية يختلفون عن أهالي سائر الدور في أنهم عندما يتهددهم عدو مشترك يبّون صفاً واحداً لمحاربته ، وقد طرحوا جانباً كل ما بينهم من أحقاد وخصومات ، وبادروا جميعاً إلى الانضواء تحت قيادة موحدة . هذا بالرغم من أنّ دارهم مقسمة إلى أربع ممالك منفصلة ، وأنّ ملوكها الأربعة طالما تنازعوا فيما بينهم ، ولكنهم حين يجّد الجد كلمتهم واحدة . وهنا يكمن السر في قوتهم . وقد عجزت ممالك دنقلة الأخرى عن تأليف جبهة متحدة ضد أي عدو مشترك ، فكانوا ينقسمون دائماً على أنفسهم ، ولهذا فمنذ أنّ ظهروا إلى حيز الوجود كانوا دائماً خاضعين لقوة أخرى أجنبية عنهم .
الفصل الثاني ضعف نفوذ الفونج في دنقلة في غضون القرن السابع عشر أصبح الشايقية قبيلة قوية ذات نفوذ وسلطان ، والحق أنهم صاروا من القوة بحيث استطاعوا في خلال النصف الأخير من هذا القرن أنّ يشقوا عصا الطاعة على سلطنة سنار وأنّ يتحدّوا العبدلاب والفونج جميعاً . وحانت لحظة الثورة على بلاط سنار ، عندما ثارت المتاعب والخلافات الداخلية في سنار . ونستدل على ذلك بالفقــرة الآتية التي اقتطفتها من مخطوط عربي كتبه المرحوم الشيخ إبراهيم الشايقي بعنوان (تاريخ السودان المختصر) : [ وحكم ( الملك بادي أبو دقن ) ستة وثلاثون عاماً ثم خلفه ابن أخيه أُنسه ود ناصر ، وفي عهده ، في سنة 1095هـ (1684م) وقعت مجاعة شديدة ، حتى أكل الناس لحم الكلاب وتعرف هذه السنة بسنة ((أم لحم))(15) . وقد هلكت جموع كبيرة من الناس وأمست البقاع كلها صحارى جرداء ، بسبب المجاعة وانتشار الجدري(16) . ((وظل هذا الملك يحكم في سنار حتى أدركته الوفاة سنة 1100هـ وكانت مدة حكمه اثنتي عشرة سنة )) . (( وخلفه ابنه الملك بادي الأحمر ، وكان هذا أول ملك من ملوك الفونج تخرج عن طاعته القبائل التابعة لحكمه ، فثار عليه الشيخ الأمين أرادب ود عجيب وسار إليه على رأس ألف رجل من الفونج وغيرهم ونصبوا ملكاً أخرا عليهم اسمه أولك ونادوا بعزل بادي الأحمر )) . كان النير الذي وضعه ((السلطان الأزرق)) في رقاب هؤلاء المحاربين المعتزين بأنفسهم أمراً ثقيلاً على نفوسهم ، وقد وجدوا الآن فرصة سانحة للتخلص منه ، فقام بينهم بطل محرر يتمثل في شخص عتمان ود حمد العمرابى الذي استطاعوا على يده أنّ يحققوا ما كانوا يصبون إليه ، ويضعوا دفعة واحدة حداً لهذه التبعية التي جعلت مركزهم شاقاً مهيناً . كان عتمان إبناً أمثل من أمّ مثلى ، كانت أمه عديله(*) فارسة شهيرة في تاريخ الشايقية ، فقد فاقت في الفروسية وفنون القتال جميع نظائرها من الرجال ، تركب في طليعة الجيش حين يتقدم إلى ميدان النزال . وتخوض قلب المعركة حين يحتدم القتال . وكان وجودها مع المحاربين ، وبسالتها في الحرب ، أكبر مشجع لهم على الاستماتة في القتال ، ولقد أحرزت لقبيلتها كثيراً من المعارك التي كان النضال فيها شديداً عنيفاً . يزعم البعض أنّ عديله قد سنت للشايقية سنة جديدة ، وهي ما رواه الرحالون ( كايو و وادنجتون وهانبرى )(17) عن موقعة كورتي من أنّ الشايقية من عاداتهم أنّ يجعلوا امرأة تركب في طليعة الجيش ، لتحرضهم على القتال ، وتعطى لهم الإشارة ببداية المعركة ، ولكنني أظن أنّ هذه العادة ترجع إلى أصول أقدم من هذا . وكانت عديله هي التي حرضت عتمان على إيواء أحد الهاربين من وجه الشيخ الأمين ود عجيب شيخ العبدلاب . وكان هذا اللآجىء الهارب قد فقد ثقة الشيخ ، وكانت عديله بذلك التحريض هي السبب في إشعال نار الحرب التي أدت إلى استقلال الشايقية . فعندما بلغ ود عجيب أنّ هذا الهارب قد أتخذ من عتمان ملجأ ، أرسل إلى عتمان رسولاً يخبره بين أمرين : إما أنّ يقتل الهارب أو أنّ يسلمه إليه فوراً ، وقد أجاب عتمان على رسالة الشيخ الأمين بجواب ينطوي على إهانة ، إذ رفض أنّ يقتل اللآجىء وأخبر ود عجيب بأنه إذا كان يريد هذا اللآجىء فليحضر بنفسه ليأخذه أنّ استطاع . وأيقن عتمان بالعواقب التي لا مفر من حدوثها والتي تترتب على هذا التحدي ، فرفع إلى جزيرة دُلقة(18) وتهيأ للقتال . ولم يتوان الشيخ ود عجيب في تجهيز جيشه فعسكر على شاطئ النيل أمام دُلقة وأرسل إلى الشيخ عتمان بالتسليم في مدة لا تزيد على خمسة أيام . كانت القوة التي تحت إمرة عتمان قليلة جداً ، فجعل يعرض خيله للشمس طوال اليوم ، ويعلفها علفاً جافاً ، ويصبغ جلودها كل يوم بلون مختلف من ألوان الأتربة والكلس ، ثم يرسلها لتشرب من النيل في وقت الغروب فتتراءى للعدو أسراباً مختلفة من الخيل . وبهذه الحيلة خدع ود عجيب ، وأوهمه أنّ لديه من القوة خمسة أضعاف ما كانت عليه في حقيقة الأمر ، ففزع ود عجيب فزعاً شديداً ، حتى أنه في اليوم السادس ، الذي كان مقرراً أنّ يحمل ود عجيب فيه على جيش عتمان ، أرسل إلى عتمان لمفاوضته ، وخشي عتمان أنّ يغدر ود عجيب بجيشه ، فعبر إليه بمفرده ، من طرف الجزيرة ، بعيداً عن مرأى معسكر العبدلاب ، ومضى حتى وصل إلى الشيخ ود عجيب وهو راكب جواده ، ولم يكن ود عجيب يتوقع هذا الصنيع من عتمان ، وكان ود عجيب حينئذ جالساً على الأرض يلعب (المنقلة) مع أتباعه ، (وهي نوع من لعبة الضامة ) . فلما نزل عتمان عن جواده عثرت قدمه بركاب السرج فبادر ود عجيب إلى أحد أتباعه ، وأسرّ قائلاً ((إن الله سلمه إلى أيدينا ، فأسرع إليه وأقتله)) . ولكن شايقياً من أصدقاء عتمان ، كان يجلس في مجلس ود عجيب ، وسمع ما قاله هذا ، فصرخ قائلاً باللهجة الشايقية : ((وحاةّ الرب شِرِك أم حبِيبة في رقِيبتَك طبّ)) ومعناها (أنج بنفسك قبل أنّ يقع فخ الطير في رقبتك) ، ولم يفهم العبدلاب ما قال الشايقي ، ولكن فهمه عتمان ، وسرعان ما قفز على صهوة جواده ومضى به مسرعاً إلى ضفة النهر ، وانطلق إلى النهر فشق عبابه ، هو والجواد ، حتى بلغ دُلقة . ولم يكن بد من أنّ يعمل عتمان للقضاء على جيش العبدلاب في وقت سريع ، فدعا رجاله جميعاً ، فجمعوا دوابهم ومعيزهم وماشيتهم ، وكل ما عثروا عليه من القش والحطب . فلما غربت الشمس ، عبر هو وجنوده وما معهم من الحيوان إلى شاطئ النيل بعيدأً عن مرأى معسكر ود عجيب . وجمعوا حيوانهم ، وربطوا على ظهر كل منها حزمة من القش والحطب وفى منتصف الليل ، عندما كان ود عجيب وجنوده نائمين ، سيقت هذه القطعان الكبيرة من الحيوان إلى مكان قريب من معسكر الأعداء ، وأشعلت النيران في القش والحطب ، فانطلقت القطعان مجفلة في اتجاه معسكر العبدلاب حتى توسطت الجنود النائمين ، فأحدثت بينهم ذعراً واضطراباً ، وأنطلق عتمان ورجاله خلف هذه الكتل المشتعلة وهم يتصايحون صيحات الحرب الرهيبة المفزغة . وأفلحت هذه الخدعة ، ولاذت جيوش العبدلاب بالفرار متفرقين متشتتين ، تاركين زعيمهم الشيخ الأمين ود عجيب ، وقد أنف أنّ يلوذ بالفرار ، ففرش فروته(19) في انتظار الموت ، ورآه عتمان على هذه الحال ، فوعده ، وهو شاهر سيفه ، أنّ يعفو عنه ، على أنّ يضمن استقلال الشايقية . وقطع ود عجيب له المواثيق بذلك ، وتأكد استقلال الشايقية ذلك الحين . هذه هي القصة كما يرويها الشايقية(20) ولكن ليس من اليسير أنّ نعرف مدى صحتها . ومن المحتمل أنّ تكون هذه الأحداث قد وقعت حوالي سنة 1690م أو قريباً من ذلك ، لأن ود عجيب قتله الملك بادي حوالي 1702م(21) ولأن الرحالة بونسيه(22) الذي كان في كورتي في يناير 1699م ، يخبرنا أنّ منطقة الشايقية لم تكن مأمونة للعبور فيها ، بسبب الثورة التي أعلنها الشايقية ضد ملك سنار ، ومن الجائز أنّ يكونوا في ذلك الحين يتذوقون أولى ثمار استقلالهم .
الفصل الثالث نهضة الشايقية مستهل القرن الثامن عشر ، نجد الشايقية ، قد نفضوا عن كواهلهم الولاء والتبعية لسلطنة سنار ، واستجمعوا قوتهم ، وتطلعوا إلى الشهرة ، وكان ذلك أحد العوامل الحاسمة في تاريخ السودان الشمالي ، في حين ظلت بقية ولاية دنقلة ، خاضعة لسلطنة الفونج . في ذلك الوقت انصرف أمراء الفونج إلى متاعب داخلية ، فكانت شغلهم الشاغل ، ويتضح هذا من الفقرة التالية التي ننقلها من المخطوطة آنفة الذكر : (( تم في ذلك الحين (أي في 1137هـ - 1713م) تولى بعده أي بعد بادي الأحمر ، ابنه [أونسه] فاتبع هواه واستسلم للهو واللعب وأفرط في ذلك حتى انتهي خبره إلى الفونج في الجنوب . . . فعزموا على عزله . . . وذهب عنه سلطانه وكان ذلك في سنة 1130هـ ، وذهبت معه سلطة الفونج وانتزعت من أيديهم )) . (( وفى سنة 1135هـ تولى العرش الملك بادي أبو شلوخ وكان آخر ملوك الصولة والشوكة ، فلم تكد تنتهي مدة حكمه حتى سيطر مشايخ (( الهمج )) على أزمة الحكم فصاروا جرياً وراء التقليد ، يعينون ملوك سنار ، ولكنهم من الوجهة العملية ، كانوا هم أصحاب السلطة والنفوذ فقد جمعوا كل سلطات المُلك في أيديهم )) . (( في هذه الفترة (1175هـ - 1762م) ضعفت قوة الفونج وأصبحت السيادة في أيدي الهمج ، وقد كان الشيخ محمد أبو لكيلك النفوذ الأقوى على الملك وقد قتل من زعماء الفونج عدداً كبيراً )) . ولما انصرف أمراء سنار انصرافاً تاماً إلى متاعبهم ومشاغلهم الداخلية وهزم الشايقية شيخ العبدلاب ، انصرم ذلك الخيط الضعيف الواهي من النفوذ الذي كان الفونج قد فرضوه على دنقلة من قبل ، ولم يكن هذا النفوذ قد استمر زمناً طويلاً من قبل أنّ يفلح الشايقية في تنصيب أنفسهم سادة على ولاية دنقلة بأسرها . ولعل (( ذلك الخيط الضعيف الواهي من النفوذ )) يحتاج إلى شيء من الإيضاح ، فكثير ما نقرأ لمؤرخي عصر الفونج ، وما رواه الفونج أنفسهم للرحالة الأجانب الذين زاروا بلادهم من أمثال بونسيه وبروس وكايو ، أخباراً تلقي في روع المرء أنّ الفونج كانوا ذوي السيادة المطلقة على السودان من شلالات حنك إلى حدود الحبشة منذ القرن السادس عشر إلى القرن التاسع عشر . وفي رأيي أنّ هذا الزعم ، بالنسبة إلى السودان الشمالي ، وولاية دنقلا بنوع خاص ، هو زعم خاطئ كل الخطأ ، فإن تلك الروايات التي أخبر بها الفونج على سبيل الفخر والمباهاة ، إنما تدلنا على عكس ما يفهم منها ، فهي دليل آخر على ذلك الغرور الجامح الذي عرف به الإفريقيون(*) (كذا !! ) فليس لدينا أي دليل على أنّ سيطرة الفونج على دنقلة كانت شيئاً خلاف ما زعموا من أخبار هي غاية في الضعف . أظن أنّ الباحثين قد وقفوا وقفة أطول مما ينبغي عند هذه الحقيقة المقررة ، وهي أنّ ولاية دنقلة قد أدت لسلطان سنار ، في خلال القرنين السادس عشر والسابع عشر ، وشطر من القرن الثامن عشر ، نوعاً من الجزية ( ونحن لا نعرف ما إذا كانت سنوية أو كانت تؤدي بانتظام ، وما هي قيمتها ) . وهذا فيما يبدو لي ، ليس دليلاً كافياً لإثبات السيادة المطلقة ، ولكنه يدل ببساطة على أنّ أمراء دنقلة قد أوجسوا خيفة من الأتراك العثمانيين ، وكان لهم كل الحق في ذلك ، فدفعوا لملوك سنار جزية بمحض إرادتهم ، حتى يجنوا ثما المودة والتفاهم الذي كان بين الفونج والسلطان سليم ، ذلك التفاهم الذي وطّد دعائمه الإمام السمرقندي بما قام به بين الطرفين من خدمات طيبة ، فإذا كان هناك إدعاء بأن دنقلة جزء من إمبراطورية الفونج ، فإن الدناقلة إنما أرادوا أنّ يأمنوا جانب العدوان التركي بما يقدمونه للفونج من مال هو بمثابة رشوة لهم . ليس لدينا دليل على أنّ أمراء الفونج قد تدخلوا ، أي نوع من التدخل ، في تولية أمراء دنقلة على اختلافهم ، أو أنّ أية خدمة عسكرية قد طلب إليهم أنّ يؤدوها ، ولا يشير أي مصدر من المصادر التاريخية إلى أنه كان للفونج أفراد أو عملاء يقيمون في أي قصر ملكي من قصور دنقلة على اختلافها ، أو أنّ ملوك الفونج قد تدخلوا في شؤون دنقلة الداخلية أو عاقبوا أحداً من الدناقلة لأنه رفض أداء الجزية . وهذا ، فيما أظن ، دليل كافٍ على أنّ دنقلة لم تكن يوماً ما جزءاً من إمبراطورية الفونج ، أضف إلى ذلك أنّ أمراء دنقلة حين كان الشايقية يهاجمونهم ، لم يطلبوا من الفونج معونتهم . لم يعزل الشايقية أمراءهم الوطنيين بل عينوا عمالاً في كل بلاط ، كانت مهمتهم أنّ يجبوا من كل أمير نصف إيراده(23) ، وأخذ جموع من فرسان الشايقية ، يطوفون البلاد من كورتي إلى حنك بقصد الإغارة والسلب فنهبوا وخربوا وأثاروا الرعب والفزع في نفوس الأهالي ، وكان من جراء التخريب الذي أحدثته هذه الجموع أنّ هاجرت جماعات هائلة من السكان إلى كردفان ودارفور وبربر . وقد وجد براون الذي زار دارفور في الفترة التي بين 1792م - 1798م ، جالية كبيرة من أهالي دنقلة في (( حلة حسن )) بالقرب من القبة ، وفى القبة أيضاً ، ويقول براون: (( معظم تجار القبة يفدون من نهر النيل ، والظاهر أنهم هم أول من اكتشفوا الطريق المباشرة التي تصل بين مصر ودارفور ، فمنذ سنوات عديدة ، كانت بلادهم التي نزحوا منها ، في دنقلة والمحس وحدود النيل كلها إلى سنار ، وهي بلاد - فيما يروي - أفضل من دارفور في جميع المميزات الطبيعية - كانت مسرحاً للتدمير وسفك الدماء ، فلم يكن فيها حكومة مستقرة ، وكانت الانقسامات الداخلية - على الدوام - تعمل على تمزيقها ، وغارات الشايقية وسائر القبائل القاطنة بين النيل والبحر الأحمر تلقى الرعب في نفوس الناس )) . وهناك جالية كبيرة من قبيلة الطريفية نزحت من كورتي وأمبكول وهي الآن تقطن في القبة ، كما أنّ هناك جماعة صغيرة في قرّي (( مديرية الخرطوم )) ، وفي كردفان كذلك كثير من البديرية والدناقلة وكان عدوان الشايقية قد أجلاهم عن دنقلة . ويروي كايو(24) أنّ حملة إسماعيل باشا ، حين بلغت مديرية بربر ، وجدت أربعمائة أسرة كانت قد لاذت بالفرار من دنقلة بسبب تعدى الشايقية عليهم . والظاهر أنّ الملك الوحيد من ملوك دنقلة الذي قاوم الشايقية هو ملك أرقو ، فقد عبأ جيشاً كثير العدد والجنود المغاربة ، وسار به إلى حدود الشايقية . ونشبت معركة عنيفة عند قاعدة جبل دجر ( دبكر ) ؟؟؟؟؟؟؟ ، وانهزمت جيوش ملك أرقو وقتل منها خلق كثير ، وعلى أثر ذلك اشتد نفوذ الشايقية في دنقلة ، وفي أثناء النصف الأخير من القرن الثاني عشر كانت دولة الفونج تنهار انهياراً حثيثاً . وأفلت العبدلاب من ربقة الفونج فلم يجدوا أمامهم سوى الشايقية يثيرون في نفوسهم الذعر والفزع ، إذ قامت عصائب الشايقية من الفرسان ، بتخريب البلاد الواقعة على الضفة الغربية من نهر النيل حتى واجهوا الحلفاية ، بل هاجموا الحلفاية ، ودحروا العبدلاب . ويحكى كايو(25) أنّ أهالي الحلفاية ، قبل وقوع غارات الشايقية ، كان عددهم تسعة آلاف ، وبعد وقوعها قل هذا العدد حتى كان في سنة 1822م ثلاثة آلاف أو أربعة آلافويقول بركهارت(26) : (( قبل أنّ يصل المماليك إلى دنقلة (سنة 1811م) ، كان المك نمر (ملك شندي) في حروب متواصلة مع عرب الشايقية الذين كانوا قد قتلوا كثيراً من أقربائه في المعارك ، كما أنهم أغاروا على بلاده عدة مرات ، في جموع كبيرة من الفرسان ، وتركوا كعادتهم كل الضفة الغربية للنهر خراباً بلقعاً )) . وبينما كان الشايقية منصرفون إلى تلك الحروب والحملات ، كان العبيد والأسرى من النوبيين يتعهدون أراضى الشايقية بالري والزراعة .ومن ثم كانت معظم المصطلحات اللغوية التي تتعلق بالساقية والزراعة عند الشايقية ، ولا تزال حتى اليوم ، مستمدة ، بوجه عام ، من اللغة النوبية . وفى خاتمة القرن الثامن عشر أصبح الشايقية أقوى قبيلة في السودان الشمالي ، تثير الرعب في جميع البلاد الممتدة من الحلفاية إلى حدود المحس . يقول كايو : (( بعد زوال مملكة سنار ، أصبح الشايقية جبابرة في نظر جيرانهم ، وقد عانى أهالي دنقلة وبربر والحلفاية ما عانوه على أيدي هؤلاء القوم الجسورين - قوم نشئوا محاربين نساءً ورجالاً )) .
الفصل الرابع المماليك ظل الشايقية أصحاب السيادة المطلقة من دنقلة حتى قدم المماليك من مصر فأحدثوا الصدمة الأولى في قوة الشايقية . كان محمد على قد عُين والياً على مصر في ربيع 1805م ، وأخذ منذ البداية في العمل على القضاء على المماليك أصولاً وفروعاً ، ومنذ هذا العام حتى عام 1811م ، عندما وقعت مذبحة القلعة الكبرى ، أخذت تتكرر مذابح المماليك في كل عام . وهرب عدد كبير منهم من تلك المذابح إلى بلاد النوبة ، فلحق بهم إبراهيم بن محمد على ، وهزمهم في وادي قوز تمنة(27) وهو في منتصف الطريق بين أسوان والدر . وبعد هذه المعركة ، انقسمت فلول المماليك إلى طائفتين إحداهما تحت إمرة إبراهيم بك وهو الذي كان قد هرب من مذبحة القلعة في القاهرة ، بأن قفز بحصانه من فوق شرفات القلعة إلى الخندق في أسفلها ، والأخرى بقيادة عبد الرحمن بك ، وهربوا جميعاً إلى الجنوب ، حتى بلغوا دنقلة ، وسارت إحدى الطائفتين على امتداد ضفة النهر الغربية يخربون البلاد في طريقهم ، أما الطائفة الأخرى فقد آثرت تقصير المسافة فشقت طريق الصحراء . والتقت الطائفتان مرة أخرى على ضفاف النيل بالقرب من شلالات حنك في سنة 1811م ، واحتشدوا حشداً واحداً بلغ عدده كما قدره بركهارت ، حوالي 300 من المماليك البيض ، وكثيراً من العبيد المسلحين ، ويقدر مجموع هذه القوة المحاربة بما يقرب من ستمائة رجل ، أما وادنجتون فقد قدر عددهم بضعفي هذا العدد على وجه التقريب ، وأراني أميل إلى قبول تقدير بركهارت . ولما بلغوا حنك وجدوا محمداً ( كاشف المحس ) ، في قتال مع الملك طنبل ملك أرقو ، الذي كان قد أحس بضغط جنود الكاشف عليه ، فأغلق على نفسه أبواب قصره الحصين القائم على جزيرة تُنبُس(28) . حاول محمد الكاشف أنّ يغري المماليك لكي ينحازوا إلى جانبه ضد الملك طنبل ، ولم يلبث أنّ اختلف المماليك فيما بينهم في الجانب الذي ينبغي أنّ يساندوه ، ومع ذلك فقد قر رأيهم أخيراً على أنّ يقفوا إلى جانب ملك أرقو فساروا إليه . وأحب محمد الكاشف أنّ يقتص من المماليك ، لجأ إلى محمد على باشا يستنجد به . كان يقيم في أرقو ، في ذلك الوقت ، محمد العدلانابي ، أحد نواب الشايقية ، فأخبره المماليك أنهم ليس في نيتهم أنّ يبقوا في دنقلة ، وإنما مروا بها في طريقهم إلى سنار التي عقدوا النية على السكنى بها ، وقد أحسن محمود العدلانابي وفادتهم ، وأهدى إليهم كثيراً من الخيول والجمال والعبيد والمؤن . يقول بركهارت(29) : (( بالرغم من أنّ هؤلاء الهاربين الغادرين لم يكونوا قد مكثوا في أرقو شهراً ، فقد قتلوا صاحب الفضل عليهم ، بحجة واهية ، وقتلوا معه عدداً كبيراً من أتباعه ، ثم بسطوا سلطانهم على البلاد وخربوا ممتلكات الشايقية ، استولوا على الإيراد ، وفى أثناء ذلك انضم أحد ملوك أسرة الزبير ، وهي الأسرة الحاكمة في أرقو ، إلى المماليك ضد الشايقية ، أما عم هذا الملك واسمه طنبل بن الزبير فقد سافر إلى مصر يطلب معونة من الرجال والسلاح لمحاربة الغزاة الطارئين الذين انضم إليهم فيلق آخر من الشايقية ، يربو عدده على ثمانين فارساً وهم الأعداء الألداء لقبيلة محمود العدلانابي ، ومنذ ذلك الحين اشتبك المماليك في حرب مستمرة مع الشايقية وقتل من الطرفين كثير من الأفراد )) . وأستقر المماليك في حلة مَرَّاغة ، وهي على بعد ثلاثة أميال من دنقلة العرضي الحالية ، واتخذوها عاصمتهم ، وبنوا لأنفسهم مباني منسقة جميلة . والظاهر أنهم لم يكونوا جميعاً سعداء في موطنهم الجديد إذ يخبرنا بركهارت أنّ (( كثيراً من المماليك ماتوا في الصيف الماضي من تأثير حمى (التيفود) ، التي تتفشى في دنقلة بانتظام في موسم الصيف وتقضي على عدد من سكانها ، وقد عجز المماليك عن تحمل الحرارة وهم في ملابسهم الصوفية الساخنة ، التي ما زالوا يلبسونها ، ولذلك أقاموا عدداً من الأطواف العائمة على الماء ، يقضون فيها زمن الصيف تحت ظلل من الحصر ، يتولى العبيد ترطيبها بالماء على الدوام ، أضف إلى ذلك أنّ الشايقية كانوا يلقون دائماً في نفوسهم الرعب والقلق بخيالتهم الجريئة المقتحمة )) .
ومع ذلك فالظاهر أنهم أفادوا البلاد التي حكموها بعض الشيء إذ علموا أهلها كثيراً من المعارف التي حسنت أساليب الزراعة بينهم ، ويقال أنّ زراعة القمح تعزى إليهم . ويزعم وادنجتون أنّ الجزء من البلاد الذي حكمه المماليك ، كان يُروى فيما يبدو بطريقة أحسن من تلك التي كانت متبعة في سائر المديرية ، كما أنّ سكانه كانوا أكثر تقدماً ومدنية ، ومع ذلك كانوا جُباة قساة يأخذون من الأهالي ثلث محصولهم ضريبة لهم . وقد امتد سلطانهم من حدود المحس إلى حلة الخندق في حين كانت بقية المديرية في أيدي الشايقية . كانت غارات الشايقية الذين مرنوا على النهب والسلب تصل إلي منطقة المماليك فتثير حفيظتهم فعقدوا النية على مهاجمتهم ، فسيروا حملة في يناير 1812م اتجهت من مَرَّاغة إلى دار الشايقية ، وبينما هذه الحملة تشق طريقها كانت فرقة من الشايقية قد عبروا الصحراء من مروي بطريق (( المحيلة )) ، وهاجموا أرقو استولوا عليها وأوقعوا خسائر بالغة في ما خلفه المماليك من أمتعة وممتلكات في مَرَّاغة . وعندما بلغ جيش المماليك خبر إغارة الشايقية على منطقتهم ، انقسموا إلى فرقتين ، فرقة كانت تحت إمرة إبراهيم بك ، رجعت إلى مَرَّاغة ، لتقاوم المغيرين من الشايقية في حين تقدمت الفرقة الأخرى بقيادة عبد الرحمن بك إلى دار الشايقية بمحاذاة الضفة اليسرى من نهر النيل ، ونشبت معركة في حلة (( حتانى )) بالقرب من جبل ((تماكه)) وهي لم تكن فيما يقال معركة فاصلة(30) ، وقد عاد المماليك بعدها إلى مَرَّاغة . وسواء أكانت المعركة فاصلة أو غير فاصلة ، فإن تأثيرها في الشايقية ، كان مثمراً ، إذ لم تلبث إغاراتهم على منطقة المماليك أنّ توقفت تماماً ، وبذلك استطاع المماليك أنّ ينصرفوا في حرية إلى بذل نشاطهم في تحسين البلاد التي استولوا عليها .
الفصل الخامس الغزو التركي في سنة 1820م تحولت الأحداث الجارية إلى وجهة مختلفة ، فيما يروى أنّ محمد علي كان يطمح إلى الاستيلاء على جميع شواطئ النيل وجزره ، وإلى السيطرة على كل الذين يشربون من ماء النيل من بلاد الحبشة إلى البحر الأبيض المتوسط . ففي ربيع 1820م عقد النية على السعي في تحقيق مطامحه هذه ، ولذلك جهز حملة تتألف من عشرة آلاف مقاتل مزودين باثنتي عشرة قطعة من المدافع لإخضاع القبائل التي تسكن وادي النيل ، وجعل قيادة جيشه لابنه الأصغر إسماعيل باشا الذي بلغ من العمر في ذلك الوقت اثنتين وعشرين سنة . غادرت الحملة القاهرة في مستهل الصيف ، وكان مماليك مراغة آنئذ قد نقص عددهم بتأثير الحروب والحمى حتى بلغ - على حد تقدير كايو - ثمانين رجلاً ، فما أنّ سمعوا بحملة القاهرة ، حتى جمعوا في شهر يونيو بقاياهم ، ومعهم عبيدهم المسلحون ، ونفضوا عن أقدامهم غبار مراغة ، وخرجوا يقصدون إلى شندي فاخترقوا من بلدة كورتي صحراء بيوضة . ولما علم الشايقية بخبر رحيلهم ، دبروا لهم كميناً بالقرب من كورتي ليقطع عليهم الطريق مباغتة ، ولكن المماليك كانوا أحرص منهم ، فتنبهوا إلى صنيع الشايقية ، وفاجئوهم في مكامنهم وأسروا منهم عدداً كبيراً ، وقتلوا هؤلاء الأسرى على الفور ثم مضوا في طريقهم إلى شندي(31) . ولم يكد المماليك يغادرون منطقتهم ، حتى بادر الشايقية إلى مباغتة البلاد التي كان المماليك قد استولوا عليها ، وجعلوا يعملون فيها نهباً وإحراقاً وتخريباً ، وأسروا عدداً من السكان ، وحملوهم إلى دار الشايقية لكي يزرعوا الأراضي ، ويساعدوهم على قتال الأتراك . ولم يكفوا عن ذلك ويرجعوا إلى دارهم إلا عندما وصل جيش إسماعيل باشا .وصل المماليك إلى شندي ، وعسكروا خارج المدينة ، وظلوا إلى أنّ أمرهم مك شندي ، وكان قد سمع بانتصارات إسماعيل باشا على الشايقية ، أنّ يرحلوا عن بلاده (32) ، فحينئذ تشتت شملهم ، ففريق اتجه إلى دارفور ، وفريق إلى البحر الأحمر ، وقليل منهم آثر العودة إلى مصر عن طريق الصحراء النوبية ، حيث يقال أنّ قبائل البشاريين قتلوهم في الطريق ، ومنذ ذلك الحين انزوى المماليك عن التاريخ ، ولم نسمع عنهم شيئاً . أما حملة إسماعيل باشا ، فقد كانت مجهزة بعشرة آلاف رجل معظمهم من الأتراك والألبان والمغاربة بقيادة عابدين كاشف وحسن دار وسلحدار وعمر كاشف ، ومعهم 1500 من البدو بخيلهم وجمالهم يقودهم خوجه أحمد ، وقد لحق به عند أسوان حشد كبير من عرب العبابده(33) . مضى إسماعيل وجيشه في طريقهم دون أنّ يعترض سبيلهم أحد حتى بلغوا دنقلة العرضي . كان أقوى ملوك الشايقية في ذلك الحين ، الملك شاؤس (ويحرف اسمه أحياناً فيسمى شاويش ) ، ملك العدلاناب ، وكانت عاصمتهم في مروي ، والملك صبير ملك الحنـّـكاب وكانت عاصمتهم حنك . وكان ملكان آخران أقل شأناً ، هما الملك مدني ملك كجبي ، والملك حمد ملك العَمْراب . فلما اقترب الأتراك من بلادهم ، تكتل الشايقية جميعاً ، تحت إمرة شاؤس وصبير وكان الأول قائدهم . يقول وادنجتون ، ( عندما وصل الباشا التركي إلى دنقلة ، أصدر أوامره إلى الشايقية بأن يعلنوا الخضوع لسلطان محمد على ، فأبدوا إليه الرغبة في أنّ ينصرفوا إلى زراعتهم وأنّ يدفعوا له الجزية ، فطلب الباشا أنّ يثبتوا له حسن نيتهم ، بأن يرسلوا إليه أسلحتهم وخيولهم ، فأعادوا عليه قولتهم الأولى ، فأجابهم الباشا بأن أباه قد أمره أنّ ينشئ منهم شعباً من الفلاحين لا شعباً من المحاربين ، وطلب إليهم مرة أخرى أنّ يسلموا الأسلحة والخيل) . حينئذ أجابوه في تحد قائلين (( أما أنّ تذهب لحال سبيلك أو تأتي فتحاربنا ، فسير الباشا جنوده إلى حدود بلادهم )) .كان أول دماء سفكت في حلة سَلقي حيث قتل الشايقية خمسة من العساكر الألبانيين . وبدأت المعركة بمناوشة وقعت قريباً من دنقلة العجوز حيث باغت فريق من الشايقية الخيالة إسماعيل باشا ، وبعض ضباطه ، وقليل من الجنود ، الذين كانوا قد انفصلوا عن الجيش الرئيسي ، ومع ذلك استطاعوا أنّ يصدوا الشايقية دون عناء .
واصل إسماعيل التقدم بمحاذاة الضفة اليسرى من النيل دون أنّ يلقى مقاومة ما حتى بلغ قريباً من كورتي ، وهنا يروى كايو نقلاً عن عابدين كاشف ثاني قواد الجيش التركي ، أنّ الشايقية قد مزقوا طليعة استكشافية تتألف من مائة من فرسان البدو ، فقتلوا منهم سبعين ، وجرحوا عشرين ، وفي هذه البقعة تجمع الجيش الرئيسي للشايقية لصد الغزاة . وبالقرب من المكان الذي تقوم فيه حلة كورتي الحالية ، وقعت معركة حامية الوطيس ، انتهت بهزيمة الشايقية . وكان في صفوف الشايقية فتاة ، تدعى مهيره بت الشيخ عبود (عكود) شيخ السواراب ، تركب جملاً مزداناً بالحلي والأدوات الفاخرة ، فأعطت إشارة البدء بالقتال بأن أطلقت الزغاريد ، فاندفع فرسان الشايقية يخوضون المعركة في قوة ومهارة . وكان هجومهم عنيفاً جداً حتى أنّ البدو والمغاربة الذين تألفت منهم طلائع الجيش التركي ، قد ارتدوا وهم مضطربو النظام إلى الجيش الرئيسي . ووافى عابدين كاشف للإنقاذ ومعه خيالته ، وشد على الشايقية ثلاث مرات سريعة متلاحقة ، حتى كبح جماحهم ، وحتى استطاع البدو والمغاربة أنّ يلموا شتاتهم ويصمدوا للمعركة من جديد ، وأصبحت نتيجة المعركة ، في لحظة من اللحظات ، موضع الشك بالنسبة للطرفين المتحاربين ، ولو أتيح للشايقية أنّ يتخذوا الأسلحة النارية ، ويعرفوا كيف يستخدمونها ، لدارت الدائرة على الأتراك . ولكن الشايقية كانوا في الواقع مسلحين بأشد أنواع السلاح بدائية ، فلدى كل منهم رمحان ، وسيف عريض النصل ، ودرع من جلود وحيد القرن ، وقليل من زعمائهم لبسوا أردية من الزرد ، وملكوا بعض الطبنجات . عند تلك اللحظة الفاصلة ، أشار إسماعيل باشا إلى الجيش الرئيسي فأطلقوا عدة طلقات نارية سريعة ، وكان لها آثار مميتة ، في حشود الأعداد المتلاصقة . ولم تعد النتيجة موضع شك ، فقد فر فرسان الشايقية في هلع ورعب ، أما المشاة منهم ، فقد انبطحوا على وجوههم ، ووضعوا دروعهم على رؤسهم يتقون بها طلقات العدو ، وابتهلوا إليه أنّ يرحمهم . وقد انجلت المعركة عن ستمائة قتيل وجريح من الشايقية ، تسعون في المائة منهم كانوا من المحاربين المشاة . وكان المشاة في جيش الشايقية يتألفون في معظمهم من النوبيين الذين أسرهم الشايقية في أثناء غاراتهم المتكررة على دنقلة ، وقد وقع عدد كبير من هؤلاء المشاة في يد إسماعيل ، فأرسلهم إلى قراهم . لقد حارب الشايقية بشجاعة وجسارة عظيمتين ، وحازوا إعجاب أعدائهم ، وقد وصف وادنجتون طريقتهم في القتال فقال : ((إن لديهم في الهجوم جرأة نادرة لا نظير لها ، يركبون إلى الأعداء ويواجهونهم مواجهة قريبة ، وقلوبهم تهفو إلى اللقاء ، في خفة وابتهاج كأنهم ذاهبون إلى احتفال أو عيد ، ويعلوا وجوههم السرور كأنهم يلقون أصدقاء اشتد بهم الشوق إلى رؤيتهم بعد طول غياب ، فإذا واجهوا العدو بادءوه بقولهم : [ السلام عليكم ] - سلام المنية التي توافي تلك الرماح والتي تعقب هذه التحية مباشرة ، وتتوالى الطعنات يعطونها ويأخذونها ، وعلى ألسنهم تتردد ألفاظ الحب والمودة ، هذا الازدراء للحياة ، وهذه السخرية بأشد الأشياء إخافة وإرهاباً ، هو صفة لازمة لهؤلاء القوم - إنه الشعب الوحيد الذي يتخذ من الأسلحة لُعباً يتلهى بها ، ومن الحرب رياضة محببة إلى نفسه ، لا تطلبون من أعدائهم شيئاً سوى التسلية ، ولا يخافون من الموت شيئاً سوى أنه راحة لأبدانهم . وفى هذا السبيل أتيح لهم من البواعث ما أكد عندهم ما توارثوه من شجاعة جرت مجرى الفطرة في نفوسهم ، فقد عاشوا رفاقاً ملازمين لخيلهم ، ورمحاهم في أيديهم ، ثم تغيرت حالهم ، فأجبروا على أنّ يتخلوا عن خيلهم للغرباء ، وأنّ يستبدلوا برماحهم زحافات لتسوية الأرض المزروعة ، ومقاصب لتشذيب الشجر ، وأرغموا على أنّ يسوقوا الثور حول الساقية بعد أنّ كانوا يطاردون العدو عبر الصحراء ، كان لديهم كثير من النوبيين الذين استوطنوا بلادهم ، واضطرهم الشايقية على أنّ يقوموا بجميع الأعمال الخاصة برى الأرض وزراعتها ، وكانوا ينظرون إلى النوبيين على أنهم دونهم كثيراً في المرتبة ، أما الآن فقد دعوا إلى أنّ يؤدوا بأنفسهم هذه الأعمال التي تعودوا أنّ ينظروا إليها على أنها أليق بالعبيد والخدم ، وصاروا لا يتوقعون من أحد معاملة أحسن مما كانوا قد تعودوا عليه من قبل ، لقد قُضى عليهم أنّ ينحدروا إلى العبودية دفعة واحدة ، بعد أنّ كانوا ، ليسوا أحراراً فحسب ، بل طغاة جبارين كذلك )) . ويقول كايو أنّ معظم المشاة في جيش الشايقية كانوا سكارى(*) ، وأنّ كثيراً منهم كانوا يلقون بأنفسهم في تهور واندفاع ، على بنادق الجنود الأتراك ، وقد حملوا في أيديهم أوعية الشراب المسكر ، وبدت على وجوههم علائم السرور كأنهم يشتركون في احتفال أو عيد .
وذكر وادنجتون أنّ خسائر الأتراك قد أسفرت عن جرح ضابط واحد وستة عشر جندياً ، وهذا قد يصدق على الأتراك أنفسهم ، أما عن حلفائهم من البدو والمغاربة فلا بد أنّ الخسائر بينهم كانت فادحة ، إذ أنهم هم الذين تحملوا معمعات القتال في هجوم الشايقية ، وقد قدر كايو عدد القتلى ثلاثين والجرحى ثمانين وربما كان هذا أقرب إلى الصحة . بعد انتهاء المعركة ، استسلمت قرى البلاد المحيطة ، للخراب والحرائق ، وارتكب الغزاة صنوفاً مروعة من الوحشية والفظاعة ضد الأعداء الذين كانوا قد قاوموهم في شهامة وبسالة . وأعلن إسماعيل باشا عن مكافأة قدرها خمسون جنيهاً لكل من يحضر له أذنين لأي شايقي قُتل في الحرب ، حتى يرسل ما يجمعه من الآذان المصلمْة إلى والده محمد علي شاهداً على نجاحه الباهر . وكان من أثر ذلك أنّ أصبح لا يقف الأمر عند تصليم آذان الذين قتلوا وجرحوا في ساحة القتال ، بل تعدى إلى هؤلاء الأبرياء الذين لم يشتركوا في المعركة ، ولم يلتمسوا ذلك في الرجال وحدهم بل في النساء كذلك ، والذين قاوموا منهم كانوا إذا لم يقتلوا فوراً تشوه أجسامهم بصورة مفزعة ، أما القتلى والجرحى فقد تركوا راقدين حيث كانوا ، تنهشهم سباع الطير وتتخذهم طعاماً لها . وفيما يلي نورد فقرة من كلام كايو ، وهي تلقى ضوءاً قاتماً على ما حدث بعد إنتصار الأتراك : (( هرب بعض الشايقية إلى أوطانهم ، ظانين أنّ أعداءهم سيبقون على الرجال العزل ولكن أملهم كان سراباً ، فقد انتشرت الجنود الثائرة الهائمة كالسيل الجارف ، تجلب معها ، حيث حلت ، الحرائق والسرقات والمذابح ، وحاول الباشا أنّ يضع حداً لتعدى هؤلاء المجانين ولكن في غير طائل ، ولا غرو أنّ كان الباشا مسؤولاً عن ذلك ، فهو الذي دفعهم أول الأمر إلى التمادي في ذلك ، حين أعلن لهم عن مكافأته لكل من يأتي بآذان الشايقية مصلمة ، فإذا كان بعض الأتراك قد دفعتهم مشاعر إنسانية ، فوهبوا الحياة لأحد من هؤلاء التعساء عاثري الحظ ، فلم تبلغ بهم الأريحية قط إلى الحد الذي جعلهم يدعون الأذنين ملكاً لصاحبها ، فقد سمعت رجلاً يونانياً ، كان طبيب الباشا ، يفتخر بأنه أهدى إلى أحد الجنود أذني فتاة كان قد وجدها مختبئة في حقل من الذرة ، ويعلن أنه أبقى على حياتها لأنه شعر نحوها بعاطفة ، وأنه ما كان يشعر بمثل هذه العاطفة إزاء النساء الأخريات اللائى يكبرنها سناً ، ولذلك كان يذبحهن دون تردد )) . ويؤيد ((جيوفاني فيناتي))(*) الذي صحب الحملة ، ما رواه كايو من ملاحظاته ، تأيداً كاملاً . إن الغيظ الذي ملأ نفوس الجنود الأتراك ، لما وجدوه من أعدائهم من المقاومة في شجاعة وبسالة ، ولتعطشهم إلى التخريب ، وطمعهم في المكافأة ، قد ساقهم إلى الغلو المفزع في التعدي وانتهاك الحرمات . لذلك لا غرابة في أنّ لا يقنعوا بانتصار واحد ، وأنّ يتمادوا ، وهم يحسون بروح معنوية عالية ، في النيل من خصومهم بكل الوسائل الممكنة ، وكانت كل الدلائل تنطق في وضوح وجلاء بهذه الحقيقة ، ويقول كايو (( فإن نصف الأهالي الذين التقينا بهم ، وكثير منهم من النساء ، كانوا محرومين إما من إحدى الأذنين أو كِلتيهما ، وكان آخرون منهم قد قطعت أطرافهم ، أضف إلى ذلك أننا التقينا في طريقنا بعظام وجثث وزرائب كانت طعمة للنيران )) . فالواقع أنّ الاضطهاد الذي حدث ، كان يقصد فيما يبدو إلى الإبادة والإفناء ، فالمنطقة كلها خُرِّبت ، وبذلك استحالت - في وقتها على الأقل - إلى إذعان مكتئب عابس . فبعد موقعة كورتي خضع واحد أو اثنان من صغار المشايخ الذين حكموا على الضفة اليسرى من النهر ، أما سائر الشايقية وجيوشهم فقد عبروا النهر بزعامة الملك شاؤس واجتمعوا عند جبل دجر حيث قرروا القيام بمحاولة عنيفة في سبيل الحرية ، قام الجيش التركي ، مصحوباً بأسطول يتألف من حوالي 150 سفينة ، فعبر إلى الضفة اليمنى من كورتي وتقدم تجاه جبل دجر ، وكان ذلك في الأسبوع الأول من ديسمبر سنة 1820م . واصطفت جنود شاؤس على منحدرات التل ، تحميهم قصور شاؤس وتحصيناته ، التي وصفها شاهد عيان بأنها كانت تلقى ظلالاً مظلمة على جانب التل . كان الموقع الذي اختاره شاؤس مناسباً إلى أقصى حد ، ولو لم يكن هنالك فرق بين الجيشين في نوع الأسلحة المستخدمة ، لكان من الجائز أنّ يضمن هذا الموقع لجنود شاؤس نصراً محققاً . ولكن الجموع من سكان القرى الذين ساقهم شاؤس إلى الميدان أو أغراهم بالاشتراك في الحرب ، لم يكونوا يمتلكون من الأسلحة إلا الرماح والدروع والسيوف ذات الحدين وكانوا في مقدمة الجيش قد تصدوا لرصاص الأتراك يتلقونه ويستنزفونه ، دون أنّ يقدموا على أية مقاومة إيجابية في لحظة الهجوم . أقام الباشا جيشه في مواجهة الأعداء ، ووضع القسم الأكبر من خيالته قبالة الأرض المكشوفة بين الجبل والنهر ، ودفع بمدفعيته قليلاً إلى الأمام . واندفع الأهالي المحاربون إلى الأمام ، وقد رفعوا أصواتهم بصيحات عالية ، ولوحوا برماحهم ، وألقى المشاة بأنفسهم على المدافع ، وما كان في أيديهم سوى الأسلحة التي أشرنا إليها ، فنُسِفوا نسفاً . يقول إنجليش ، أحد الضباط الأمريكيين ، وكان قد حارب في المدفعية التركية : (( كانت الشجاعة المستميتة التي اتصف بها هؤلاء القرويون التعساء ، تبعث على الدهشة ، فقد تقدموا أكثر من مرة تجاه فوهات المدافع ، وجرحوا بعض رجال المدفعية وهم يقومون بحشوها بالرصاص ، ولكنهم بعد أنّ أحسوا بآثار قليل من الطلقات النارية ، التي مزقت الخيل والناس أشلاء ، هربوا مذعورين ، تاركين عساكر المشاة وقد داسوهم ، وأخذ فرساننا يقذفوهم بالسيوف يصوبونها إلى أسفل حتى قتلوا مئات كثيرة منهم وهم يهمون بالفرار )) . (( وحين أقول : يصوبونها إلى أسفل ، فذلك لأن السيف الذي استعمله خيالتنا لم يكن يجدي فتيلاً ، فقد كان هؤلاء الأعداء من الحذق والمهارة في استخدام تروسهم بحيث استطاعوا أنّ يتفادوا كل ضربة صوبّت نحوها )) . (( وقد شاهدت في ميدان القتال تروساً كثيرة فيها ما لا يقل عن عشرة أو خمسة عشر من فلول السيوف كل منها ملقى على جثة الميت ، الذي حملها ، والذي كان من الواضح أنه قتل برصاصتين أو ثلاث نفذت إلى جسمه )) . (( وقد أخبرني الجنود أنّـهـم كانوا ، في كثير من الأحيان ، يضطرون إلى إفراغ قرابينتهم ( السلاح الناري ) ومسدساتهم في جسد رجل واحد قبل أنّ يسقط على الأرض صريعاً )) . ويحكى وادنجتون قصة رجل من الشايقية ، أصابته خمس رصاصات ومع ذلك ظل يقاتل ، ويصيح في وجوههم قائلاً أنّ في مقدورهم أنّ يطلقوا النار ولكن ليس في مقدورهم أنّ يصيبوه بأذى ، إلى أنّ تلقى جرحه المميت . وقد عزى هذا الاستبسال الخارق ، والحمية العسكرية إلى أنّ (فُقَرَا) (*) الشايقية قد أكدوا لجيوشهم أنّ سلاح الغزاة لن يؤثر في أجسامهم ، وكان هؤلاء (الفقرا) قد زودوا المحاربين بأكوام من التراب المبارك لكي ينثروه على أجسامهم فيحدث الأثر المطلوب ، ومن ثم تقدموا نحو صفوف أعدائهم الأتراك ، وهم في حالة المتهلل الراقص أقرب من حالة المحارب المقاتل ، تبدو على وجوههم سيماء الثقة المطلقة بالنفس ، والسخرية المفرطة بالأعداء . ولكنهم أدركوا ، بعد أنّ دارت رحى الحرب ، أنّ تلك التعاويذ التي أوصاهم مشايخهم بأن يعتمدوا عليها وأنّ يثقوا فيها ، قد خدعتهم خدعة كانت السبب في شقائهم وويلاتهم ، فأضمروا لفقرائهم شراً ، وعقدوا النية على أنّ ينتقموا منهم انتقاماً مريعاً ، فما كادت تنتهي المرحلة الأولى من المعركة ، حتى قبضوا على أسرة الفقرا كلها ، وهي أسرة الدويحية ، وقتلوهم عن أخرهم ، بل خربوا القرية التي كانت هذه الأسرة تقيم فيها ، وهي قرية شِبَة بالقرب من كريمة . كانت نتيجة هذه المعركة وبالاً على الشايقية ، ولجأوا إلى تلال أمري . وواصل الجيش التركي مطاردة الأعداء إلى أنّ بلغوا جبل البركل ، وهم ينهبون ويحرقون ويقتلون كل ما يصادفوه في طريقهم ، ويخربون البلاد بَعيدها وفسيحها ، وكان هذا التخريب الواسع النطاق مخيفاً مفزعاً ، حتى أنّ الرجال الذين طعنوا في السن ، والصبية الذين كانوا يديرون سواقيهم في سلام وهدوء ، لم يفلتوا من أيديهم ، بل مزقوا أجسامهم في حقولهم ، وتركت مع جثث حيواناتهم ، تبلى وتنتن في وسط مزارعهم المهجورة . وقد مرّ وادنجتون خلال هذه الديار ، بعد الذي أحدثه الجيش فيها ، بأسابيع قليلة ، ورسم لنا صورة بشعة مفزعة لما أصابها من الخراب والدمار . وبعد انتهاء المعركة بوقت قصير ، أعلن الملك صبير خضوعه للجيش التركي ، ويعزى هذا إلى السبب التالي : بعد أنّ دحر الأتراك الشايقية عند جبل دجر ، وقضوا على استحكاماتهم ، حاولت بنت الملك صبير ، واسمها (صافية) ، أنّ تشق لنفسه
الملحق الأول جدول قبائل الجعليين في السودان فيما يلي جدول مختصر لقبائل الجعليين في السودان ، وهو يبين العلاقات بين الشايقية والقبائل التي تمت إليهم بصلة القربى . هذه القبائل تسمى (( جعلية )) نسبة إلى جدهم (( إبراهيم جعل)) وهو من سلالة عبد الله بن عباس الهاشمي ، وقد لقب إبراهيم بجعل لأنه كان رجلاً كريماً حتى أشتهر بذلك(*) . أما ( أبو ديس ) الذي نجده على رأس القائمة في هذا الجدول ، فهو ابن قضاعة بن عبد الله حرقان بن مسروق بن أحمد اليمنى بن إبراهيم جعل . ومن الملاحظ أنّ لفظ (( جعليين )) لم يطلق في بادئ الأمر على قبيلة بعينها ، بل هو اصطلاح جامد لعدد كبير من القبائل لا تكاد تتصل بصلات وثيقة من القربى ، كما أطلق بصفة رئيسية على الذين سكنوا دنقلة وبربر والخرطوم وإقليم النيل الأبيض ، أما اليوم فإن اللفظ بوجه عام يستعمل للدلالة على ذرية (( ضُواب )) .
تعليقات على شجرة النسب الواردة في الجدول (1) (( الطريفي )) هو جد قبيلة الطريفية . (2) (( بدير )) هو جد قبيلة القريشاب . (3) (( عوض )) هو جد قبيلة العوضية . (4) (( قريش )) هو جد قبيلة القريشاب . (5) (( جابر )) هو جد قبائل الجوابره والجابراب . (6) (( حاكم )) هو جد قبيلة الحاكماب . (7) (( جمع )) هو جد قبيلة الجِمِع . (8) (( جامع )) هو جد قبيلة الجوامعة . (9) (( حامد )) هو جد قبيلتي الحمده والأحامد . (10) (( شايق )) هو جد قبيلة الشايقية . (11) (( )) هو جد قبائل الرباطاب والميرفاب والناصراب ، وعبد الرحماناب والفاضلاب والسريحاب . . . . .الخ . (12) (( ضياب )) هو جد قبائل الشاعديناب والمكابراب والزيداب والكتياب وقبائل أخرى كثيرة لا تحمل اسم (الجعليين) . (13) (( ضواب )) هو جد قبيلتي الجميعاب والجموعية .
الملحق الثاني (34) أبناء شايق وفروع الشايقية ليس في القوائم التي فحصتها قائمتان تتفقان في نسب أولاد شايق ، ومع ذلك فهي تتفق من حيث عدد الأبناء ، وهم اثنا عشر ، وتتفق كذلك في أسماء ثمانية منهم وهم : كادنقا ، أم سالم ، نافع ، شلوف ، حَوَش ، عون ، سوار ، مريس .وأسماء الثلاثة الباقية تختلف على النحو الآتي : (أ) قائمة الكابتن جاكسون تجعل الأسماء باعوض ، مرس ، شرنكو . (ب) رواية العمدة محمد على بليلو عمدة السواراب ، أنهم عدلان أو (صلاح) ومرزوق وحامد . (ج) رواية الشيخ محمد صالح أبو دوم من قبيلة الكادنقاب تجعلهم مرزوق ، صلاح ، شربِل . كان كادنقا هو الابن الأكبر ، ولكن الروايات تختلف بالنسبة إلى نظام تتابع الأبناء الباقين ، ولا أحسب أنّ الموضوع من الأهمية بحيث يستحق منا أنّ نفحص الروايات المتباينة التي ذكرت في القوائم المختلفة . (1) كان لكادنقا ، جد الكادنقاب ، ذرية قوامها ما يلي : (أ) صالح : جد الحنيكاب ، وقد أقام في أوسلي ، حزيمة ، مساوي ، القرير ، أمري (بمديرية دنقلة) ، شندي (بمديرية بربر) ، العيلفون (إقليم الخرطوم) . ويتفرع من الحنيكاب ( المحموداب والناصراب والقوتاب والشريشاب والحسناب والشلاليل ) . (ب) صلاح : (1) جد الصلاحاب الذين يسكنون في الزومة والدبيبة ومساوي (بمديرية دنقلة) ، وقوز البسابير (إقليم شندي بمديرية بربر) ، (2) وجد الأسوماب الذين يقيمون في قيلي (بمديرية الخرطوم) ، (3) وجد العدلاناب الذين يستوطنون حلفاية الملوك وأبو حليمة والجيلي (بمديرية الخرطوم) . ويتفرع العدلاناب إلى مروي وكجبي وأولاد على والمناوراب . (ج) حامد : جد الحامداب الذين يسكنون في الحامداب (بمديرية دنقلة) وفى كردفان حيث يعيشون بدواً رحلاً . (د) عبد الدايم : (ويعرف أيضاً باسم تُلبُن) وهو جد التابناب الذين يقيمون في جزيرة التُلّبُنَاب (بمديرية دنقلة) . (هـ) جورُم : جد الجورماب الذين يعيشون في تنقاسي والبركل (بمديرية دنقلة) وود البصل (بمديرية الخرطوم) . (و) زمام : جد الزماماب ، وهم يقيمون في مروي والبركل وتنقاسي . (ز) حُسين : جد الكروساب ، ويقيمون في الكرو (بمديرية دنقلة) . (ح) رغيم : جد الرغيماب ، ويقيمون في ود البصل (بمديرية الخرطوم) وكذلك في ------- (بمديرية دنقلة) . (ط) كوده : جد الكوداب ، ويسكنون في الكوداب ، وأبى دوم ، وقوز نفيسة (بمديرية الخرطوم) . (ي) مرزوق : (وروي أيضاً أنّه إبن شايق) وهو جد المرزوقاب الذين يقيمون في تنقاسي والكرو (بمديرية دنقلة) . (ك) شرنكو : جد الشرنكاب والغريراب الذين يقيمون في البركل (بمديرية دنقلة) . (ل) عيسى : جد العسياب الذين يعيشون في نوري والقرير (بمديرية دنقلة) . وهناك ولدان آخران من أمة سودانية أحدهما (فرج الله) جد الفرجلاب ( ويعرفون كذلك باسم الكراكرة) وهم يقيمون في الكُرو والزومة وبركل وجزيرة التلبناب (بمديرية دنقلة) ، والولد الثاني (فرج) جد الفرجاب الذين يسكنون في الكرو (بمديرية دنقلة) . (2) أم سالم : جدة قبيلة أم سالم التي تقيم في مديريتي النيل الأبيض وبربر ، وجدة اليعقوباب الذين يسكنون في مديرية سنار ، وذريتها من الذكور هم : (أ) بادي : جد البادياب الذين يقيمون في الزومة (بمديرية دنقلة) . (ب) كلشوم : جد الكلاشيم الذين يقيمون في الزومة (بمديرية دنقلة) . (ج) جاد : جد الجداب الذين يقيمون في أمري (بمديرية دنقلة) . (3) نافع : جد النافعاب الذين يقيمون في مديرية دنقلة وذريته من الذكور هم : (أ) غاسين : جد الغاسيناب ويسكنون في الجريف والدويم (بمديرية دنقلة) . (ب) ضيف الله : جد الضيفلاب ويسكنون في الحجير (بمديرية دنقلة) . (4) شلوف : جد الشلوفاب ويقيمون في مديرية دنقلة والقضارف بمديرية كسلا ، وذريته من الذكور هم : (أ) حاج محمد : جد (الحاج محمداب) ويقيمون في الجريف (بمديرية دنقلة) . (ب) علي : جد العلياب الذين يقيمون في القرير وكورتي (بمديرية دنقلة) . (ج) عمر الجار : جد البادياب الذين يقيمون في المَقَل (بمديرية دنقلة) . (5) حواش : جد الحواشاب ، ويقيمون في أبى دوم وتنقاسي (بمديرية دنقلة) ، والكوداب والكدرو (بمديرية الخرطوم) ، والبسابير (بمديرية بربر) وذريته من الذكور هم : (أ) مجن : جد المجناب في تنقاسي وأبى دوم (بمديرية دنقلة) . (ب) عقرب : جد العقرباب في أبى دوم (بمديرية دنقلة) . (6) عون : جد العونية الذين يقيمون في جلاس ، وكورتي ، والبرصة ، وجزيرة قنتي (بمديرية دنقلة) ، وإقليم شندي (بمديرية بربر) ، وذريته من الذكور هم : (أ) الغرباوي : جد العونية في قنتي والبرصه (بمديرية دنقلة) . (ب) زين الدين : جد الحسناب في إقليم شندي (بمديرية بربر) . (ج) دَوانة : جد الدواناب في إقليم شندي (بمديرية بربر) . (7) سوار : جد السواراب ، أقوى فروع الشايقية وأكثرها عدداً ، وهم يسكنون في القرير وحزيمة والأراك وأوسلي وكورتي (بمديرية دنقلة) ، وصحراء بيوضة ، وحجر العسل ، ومديسيسة ووادي بشارة (بمديرية الخرطوم) ، وواد حامد والزيداب وكبوشية (بمديرية بربر) ، وأولاده ستة هم : وصيف وجادات وهما من زوجته الأولى وحمد الله وحسن تَمَليك من زوجته الثانية ، وعايد ونمر من زوجته الثالثة . (أ) وصيف : جد الكافونقاب(*) والزليتاب والزراقنه من إقليم شندي (بمديرية بربر) وصحراء بيوضه . (ب) جادات : جد المشندل في صحراء بيوضه والقرير (بمديرية دنقلة) وحجر العسل ومديسيسة ووادي بشارة (بمديرية الخرطوم) . (ج) حمد الله : جد الحمدلاب في القرير والكُرَي (بمديرية دنقلة) وإقليم شندي (بمديرية بربر) والأزيرقاب (بمديرية الخرطوم) . (د) حسن تمليك : جد التمليك في الأراك وكوري وموره ، وتكر (بمديرية دنقلة) . (هـ) عايد : جد العايداب من القرير (بمديرية دنقلة) ووادي بشارة ( بمديرية الخرطوم ) وجد العطيّتلاب في وادي بشارة (بمديرية الخرطوم) . (و) نمر : جد العنيناب في حزيمة وأبى دوم قشابي ، وأبي كليوات (بمديرية دنقلة ) وحجر العسل (بمديرية الخرطوم)
|
|
|
|
|
|
|
|
|