سألتها عن حياتها , قالت لي انها مجرّد هراء ,انها حلقة مفرغة ادور حولها ,في هزيان ,لم تجدي معه كل محاولات التغيير ,ويحك يا امراة !! ومنذ متي كل هذا ؟ ...قالت لي قبل ان اولد !! لانني خلقت للعزاب , ........ويتوالي البوح مطرا , ومعه تسللّت دمعة يتيمة من عيني , وكأن القدر ,يبخل علي حتي بدمعة أزرف معاها كل همومي ,ولو أستطعت لملأت الارض عليك بكاءا
ما كل هذا الصمت الذي لا ينتهي وبرغم حاجتنا الي الصراخ ؟ عفوا انه سؤال ليس للاجابة , ولكن محاولة للهروب من هذا القبو المظلم ,الي شمس الحقيقة المجرّدة
هنالك اشياء كثيرة تدهشني , وتعجبني شكلا ,ولكن المضمون فراغ عريض لا يؤدّي الا العدم , وتعجبني الصدفة , وبأنانيّة مشروعة , أحاول ان امتلكها , فأنا من هواة جمع الاحجار الكريمة , ولكنني أصدم وأفاجأ بأنها تحوي في داخلها حجر لا يصلح الا للقذف به بعيدا في مزبلة التأريخ ,وكثيرة هي الصدمـــات والركـــلات التي ادمت مؤخّرة احلامي ودفعتني لتقيّأ الامنية من داخلي
أعود لجليستي المتـــــــــاهة حائرا , لماذا لم تحاولي ان ان تسلكي طريقا اخر عسي ولعل ان تهتدي خطــــاك الي الخــــــلاص , ؟؟تجيبني وهي تعبث ببضاعتها المتكوّمة ,(يا هذا ألا تدري بأن جميع الطرق في هذه البلدة دائرية ,تعيدك دائما لنقطة البــــداية ؟؟)نعم نعم أنه مشكل اخر يفرض نفسه علينا بقوّة ,......... وتتصارع الأخيلة والتسـاؤلات فيني ,واكبر علمي أنها تبحث عن منطق يبررها ,ويدلف الي داخـــل النفسية العميقة لها ,وانا أعلم أنني متضامن مع تلك الفتاه الحائرة , مع معرفتي انني لا املك لها ضرّا ولا نفعا , ولكني أحاول أن أشعرها بوجودي حولها وتسجيل لموقف معها يكسبني أرضية في حياتها ,وجليّة الامر انه تضامن في سلبـية ايجابية او العكس ,فرض علي هذا الموقف صيرورة حالتي الي مربع اليأس الذي يشدني اليه بقوّة احباطي وقلّة حيلتي ..
أتطلّع اليـــها والي عينيها الجميلتين , ألمح فيهما أنكســار قوي!و صلابة مفتّتة , ألمح أستسلاما وضعفا , وعندما تدرك بحسها الانثوي أنني أراقبها , وتلتقي العيون ,....تكسرني في لحظة وترميني حطاما . و أعود لأسألها , من اين لك كل هذه القوة ؟؟ تجيبني من تراكم ضعفي !! وكأنها أستلهمت كل هذه المتانة من هشاشة الاساس الذي ترتكز عليه ,لان التوقع يولد الحيطة والحزر ,وبالتالي فقدان المفاجأة لعنصر المباغتة , وخلوها من مركزية تأثيرها , لتصبح في المنتهي عادة ..مكررة نزع منها الانفـــــعال!!!
لا ادري ماذا أصنع . فأنا قرأت كل الكتب التي تختصّ بعلم النفس , وصادقت (فرويد..وهيجو ..وسارتر ..وكامي) و حفظت جميع الروايات الادبية والعاطفية , و أعتادت جميع دور السينما في العالم علي جلوسي عليها ,...ولكني لم أواجه مثل هذه الحالة العصيّة ,التي جمعت المتناغضات كلها واعادت اليا زكري متناغضة (بيمنديس) التي يقول فيها (ان جميع المحاميين كاذبين وانا محامي , هل انا صادق في هذه العبارة ام كاذب ؟) هذه الحالة التي جمعت الفشل والنجـــــاح ,الامـــل والاحبـــاط , القــوة والضعف , ومن قاعات الدراسة في جـــامعة الخرطوم الي دهاليز السوق العربي المتعفنة ,ومن صناعة الفكر الي صناعة الفقر , ومن اعادة صياغة الانسان السوداني الي محاولة تسليته وشغل وقته في ملاعب كرة القدم ودور السينما والمسرح ,من أعلي درجات السلّم التعليمي ,الي قمة الهاوية ...
نعم انها الظروف اللعينة السيئة , تبّا لها من حياة ,اللعنة علي هذه الاقدار الكريهة التي لم تنسج حولنا الا العفن تلك الاقدار التي دفعتها لرمي قلمها , وتمزيق قرطاسها الي اجزاء صغيرة ,لكي تصنع منها قراطيس لتعبئة التسالي !!!! يتزاحم الركاب في المحطة حول البص وينادي علي أحدهم ان اسرع بالصعود علي متن العربة لانني قد حجزت لك مكانا تجلس عليه وأمدّ لها يدي بورقة من فئة العشرة دينارات السودانية لاّخذ منها قرطاسة التسالي و أودعها قائلا (الي الملتقي يا ....عزيزتي سعدية ست الفول) وانطلق نحو الحافلة !!.