صدر كتاب مع الشعراء للفيلسوف المصرى الراحل الدكتور زكي نجيب محمود في طبعته الاولى عام 1980 يقع الكتاب في 237 وفي تقديرى ان مطالعة هذا الكتاب فرض عين لكل مهتم بنظم الشعر او تذوقه يقول المؤلف في مستهل حديثه عن تجربة العقاد الشعرية: البصر الموحى إلى البصيرة، الحس المحرك لقوة الخيال المحدود الذى ينتهى إلى اللامحدود ـ ذلك هو شعر العقاد، بل ذلك هو الشعر العظيم كائنا من كان صاحبه
09-18-2009, 08:28 PM
بدر الدين الأمير بدر الدين الأمير
تاريخ التسجيل: 09-28-2005
مجموع المشاركات: 22968
يقول المؤلف عن طبيعة الشعر وصلتها بالأخلاق: أريد أن أبدأ حديثى هذا بما سوف أنتهى اليه اختصارا للطريق أمام من لا يصر على قراءة، هو ان الفنون ـ والشعر أحدها ـ لم تخلق لتخدم الأخلاق ، إلا ان يجىء ذلك بطريق غير مباشر ولا مقصود. والنقطة الاولى، التى أريد لها أن تكون الكيزة الأساسية في حديثى هذا لانها لو ظفرت منا بقبول ، لجاءت نتائجها تترى في جلا، هى الفوارق بين القيم العليا الثلاثة: قيم الحق والخير والجمال، فلئن جمع بينها انها معايير نجأ اليها طلبا للهدى فهي تعود فتفترق ـ ليكون لكل منها مجال خاص فأما قيمة الحق فمجالها العلوم، أو مايجرى مجرى العلوم من شئون الحياة العملية، وأما الخير فمجاله أفعال الإنسان الإرادية، ,اما الجمال فمجاله الفنون هي مجالات ثلاثة، وعليها قيم ثلاثة، تلتقى كلها في الانسان، لكنهامن اختلاف فيما بينهابحيث إذا اخطلت في ذهننا حابلها بنابلها، خرجنا من الخليط بحياة مطموسة المعالم لاالعلم فيها علم ولا الاخلاق أخلاق، ولا الفن فن. قيمة الحق تتميز من اختيها بأنه لا دخل للإنسان في اختيارها، فأمامه حقيقة واقعة كالشجر والحجر والماء والافلاك، وقد امده الباحثون عن تلك الحقيقة الواقعة بأقوال يزعمون له انها قوانين الأشياء، فما عليه ـ ليعرف أين الحق فيها واين الباطل ـ إلا أن يقيس القول بالواقع فلا حيلة له في الأمر، لانه مفروض عليه. وأما الأختان الأخريلن: قيمة الخير وقيمة الجمال فمختلفتان عن ذلك لأنهما مأخوذتان لا من علم الواقع كما يقع ـ بل هما مأخوذتان من عالم المكان ، فمبادىْ الأخلاق هي ما (يمكن) للفعل البشرى أن يصعد اليه، وسواء استطاع ذلك بالفعل أم لم يستطع ، فالمبادىء هناك أقامها الإنسان ـ أو اقيمت له ـ لتكون الهدف المنشود، وبدائع الفنون هي ما (يمكن) أن يلوذ به الإنسان من واقع كرية، وكذلك هي مايمكن أن يفسر لنا سلوك الإنسان. لكن هاتين القيمتين ، وان تشابهتا في التعلق بالمثل الاعلى، فهما تختلفان : فمهمة الأخلاق هي أن تقوم المعوج من سلوكنا، ومهمة الفنون ـ ومنها الشعر هي ان تفسر سلوكنا لا ان تقومه.
09-18-2009, 09:19 PM
بدر الدين الأمير بدر الدين الأمير
تاريخ التسجيل: 09-28-2005
مجموع المشاركات: 22968
يقول المؤلف في معرض تعليقه على شعر البارودى: والفعل والحركة هما اميز من ابرز ما يميز الشعر دون سائر الفنون فلئن كانت لوحة الرسام أو التمثال ـ يشغل حيزا من مكان، وتكفيه النظرة الواحد في اللحظة الواحدة لتلم بأطرافه كلها، فالشعر ـ كمالموسيقى ـ يملأ فترة من الزمن، فلابد من امتداد زمني، طال أو قصر، لقراءة القصيدة من الشعر، ولذلك كان انسب ما يناسب الشعر هو مايمتد على فترة من زمن أعنى حركة وفعلا تتطور اجزاؤه بحيث يستلزم طولا زمنيا لتمامه، إن عبقرية التصوير وعبقرية النحت هما في تجميد لحظة معينة في مكان ثابت، اما عبقرية الشعر ففي ابراز الفاعلية والنشاط الحركي الذى ينساب على سلسلة من لحظات متعاقبة.
09-18-2009, 10:03 PM
بدر الدين الأمير بدر الدين الأمير
تاريخ التسجيل: 09-28-2005
مجموع المشاركات: 22968
يقول المؤلف في حديثه عن ماالجديد في الشعر الجديد: واذا اتفقنا على ان الشكل أمر حيوى في الشعر ـ بل وفي كل فن آخر ـ بقى أن نقول كلمة آخيرة ،وهى أن مراعاة الشكل تقتضى أن أختار له مادة ذات صلابة وعناد وحتى يكون (للصياغة) معنى ومغزى لماذا ينحت المثال تمثاله من المرمر أو الجرانيت ولا ينحته من الطين أو من الخزف؟ الجواب هو انه بمقدار صلابة المادة التى تناولها الفنان تكون مهارته الفنية في تطويعهاوالإمساك بزمامها، عظمة الشعر الجاهلى هى صلابة مادته وحتى حين يبدو اللفظ منسابا فى سلاسة فالبراعة تكون في سيطرة الشاعر على مادة منزلقة رواغة ، فيسيطرة الفنان على مادة فنه اذ هو يصوغ تلك المادة في شكلها الذى اختاره لهاـ شرط جوهرى لا ارى من بدا وقد يقال بعد ذلك ـ دون أن يتغير الشرط ـ إن براعة الفنان هى في ان يخفي جهده المبذول في فرض تلك السيطره على مادته المشكلة .. فهل يدعى شاعر من ( الجدد) أن في مادته اللفظية مثل هذا العناد الذى يقتضيه المغالبة والتغلب ؟ كلا فالبناء من قش فقل ماشئت عن محتواه لكن تهافت البناء يقضى بحرمانه من الدخول في دولة الفن الخالد.
09-19-2009, 04:17 AM
بدر الدين الأمير بدر الدين الأمير
تاريخ التسجيل: 09-28-2005
مجموع المشاركات: 22968
يمضى بنا الدكتور زكى نجيب محمود بقوله: الأخلاق تأمر، والشعر يفسر، بماذا يأمرنا شعر المتنبى او شعر أبى العلا مع انهما الشاعرا اللذان وصفهما القدماء بأنهما حكيمان وبين الحكمة ومادى الأخلاق وشيجة وقربى، بماذا يأمرنا شعرهما ؟ انه لا يأمرنا بشىء ولكنه يزيدنا فهما لطبائع البشر. الشعر كاشف عما استتر من لواعج النفس وخلجاتها، لايفرق في ذلك بين خير وشر، انه يكشف الغطا عما لاتراه العين العابرة من طبائع الناس وانه لمن عجب ان هذا الإنسان في وسعه أن يعلوا إلى أسمى مدار الفضيلة كما في وسعه كذلك أن يسفل إلى أحط مهاوى الرذيلة ومهمة الشعر أن يغوص إلى الاعماق الخبيئة ليرى الرواسب على القاع، فيخرجها من حالة الشعور اللا شعور المبهم الغامض، الى حالة التصوير الواضح ليرى الإنسان نفسه كما هي، ان الشاعر إذ يصور لك فردا معينا، او حالة شعورية خاصة، من حب أو كره أو غضب فهو يقدم لك العام في الخاص وهذا هو موضع الاعجاز في جيد الشعر، إذ هو يقدم لك حالة مفردة ولكنها في الوقت نفسه تصلح نموذجا تفسر به سائر الحالات. الأخلاق تنهانا عن الرذيلة وتحضنا على الفضيلة، ما الشعر فيفتح اعيننا على منابع الرذيلة والفضيلة معا، فاذا كان عملنا بهذه الينابيع يقوّم سلوكنا من تلقاء نفسه بلا وعظ صريح كان ذلك هو الجانب الأخلاقى من الشعر
نواصل
09-19-2009, 01:53 PM
بدر الدين الأمير بدر الدين الأمير
تاريخ التسجيل: 09-28-2005
مجموع المشاركات: 22968
الشعر محايد يصور لك العبقرى والأبله على حد سواء، فهو كالشمس تشرق على الكائنات بغير تميز وانه لخطأ شائع بيننا أن يقال عن الشعر انه تعبير عن نفس صاحبه لكن هذا التعريف الضيق قد ينطبق على قلة قليلة من الشعر الغنائى، أما الشعر من الضروب الأخرى فلا شأن له بنفس صاحبة، لان نفس الشاعر من حيث هو فرد واحد ليس لها كل هذه الحظوة في حياة الناس ، وأقرب للصواب أن نقول أن الشاعر بعبقرية الفن في فطرته، يعطينا من نفسه الحالة الخاصة ، فاذا هى تصوير للانسان من حيس هو نوع بشرى متجانس الأفراد. وذا كان الشاعر يعبر عن نفسه هو، فكيف أمكن للشاعر المسرحى ـ مثلا ـ أن يسوق في مسرحية واحدة حشدا من الانفس المتباينةأفأى هذه الانفس تكون نفس الشاعر ؟ فى أى الاشخاص الذين صورهم شكسبير يعبر الشاعر عن ذاته ؟ أهو ترويلس العاطفى الساذج (في مسرحية) ترويلس) وكرسيدا) أم هو هكتور الفارس النبيل ؟ أم هو كاسندرا التى ترى العالم قاسيا لا رحمة فيه ؟ أ، الشاعر يقدم هؤلاء لا يقول عن احدهم أنه أخطأ أو أصاب وذلك لانه لم يكتب ليدعو إلى شىء بعينهوانما يكتب ليكون شاعرا. هن اخوات ثلاثة: العلوم والفنون ودنيا السلوك، العلوم قانونها الحق والفنون قانونها الجمال، ودنيا السلوك قانونها الخير، وعلى رؤوسهن تلتقى تفوم الحضارة كما يقوم المثلث على اضلعه الثلاثة ، تلتقى الأضلاع عند الرؤوس لكن واحد منهالايلغى واحدا.
09-19-2009, 03:03 PM
طلعت الطيب طلعت الطيب
تاريخ التسجيل: 12-22-2005
مجموع المشاركات: 5826
Quote: أعتقد انك كنت فى السابق قد فتحت حوار حول كتاب فى الشعر الجاهلى لطه حسين
طلعت الطيب ازيك ياخى وكل الاعوام انت بخيرين وزيادة تعرف ياطلعت لدى مجموعة من الكتب المقدسة التى تخصنى ومن اهمها في الشعر الجاهلى لطه حسين ذلك السفر العظيم ولكنى لم اقوم باستعراضه هنا . برضو دايرين دلوك فيما ذهب اليه زكى نجيب محمود
09-19-2009, 08:02 PM
بدر الدين الأمير بدر الدين الأمير
تاريخ التسجيل: 09-28-2005
مجموع المشاركات: 22968
في حديث المؤلف عن ديانة الشاعر يسرد لنا قول شاعر الهند وفيلسوفها العظيم طاغور: وفي الحديث عن حرية الروح، لابد لنا من التفرقة بين (النفس) و(الروح) فالنفس هى المناط بها مناشط الانسان الخاصة بالطبيعة الفردية المحددة الروح فهى التى نجاوز بها حدودنا الفردية لنواجه الحقيقة الكلية، أعنى (لإنسان الأسمى) ولئن كانت (النفس) تجد سعادتها في تقدير الفرد لذاته بغض النظر عما عداه فان سعادة الروح هى في إنكار تلك الذات الفردية من أجل توفيق ذات أسمى وأشمل، على أن إنكار الذات الفردية هنا لايعنى ـ من وجهة نظر طاغور ـ سحقها ووأدهاـ بل يعنى توجيهها نحو تحقيق مايراد تحقيقه، وهو أن يتلمس الفرد طريقه إلى الاتحاد مع المثل الاعلى الذى يضم في ذاته ضروب الكمال كلها، أى أن يسعى الفرد نحو حياة بين الإنسان اللامتناهى الخالد، فمن وجد ذاته محققة في (الكل) تكشف له الله الحق الذى كان خبيئا في نفسه عندما كان معزولا في فردية تباعد بينه وبين الآخرين . وفي عالم الفن خير مثال نسوقه للحرية التى تستشعرها النفس إذا ماتحررت من فرديتها الضيقة، فانظر إلى النشوة الفرحى التى تملؤك إذا مانظرت إلى شىء لا من حيث هو يخدم غرضا من أغراضك، بل من أجل ذاته فعندئذ لا يقيدك الصالح الفردى الشخصى الضيق، بل تنفك عنك هذه القيود، وتحس أنك قد علوت عن ذاتك ونظرت نظرة تنفذ إلى حقيقة الأشياء في ذواتها تلك هى النظرة الفنية للاشياء وللعالم، وكذلك (النفس) أو الذات الفردية، تصبح قادرة على التمتع بالأشياء تمتعا تمتع متنزه عن الغرض، ولذلك فهو نفسه التمتع الذى يصاحب الإبداع الفنى كما يصاحب النظرة الفنية لهذا الابداع.
نواصل مع طاغور
09-20-2009, 12:27 PM
بدر الدين الأمير بدر الدين الأمير
تاريخ التسجيل: 09-28-2005
مجموع المشاركات: 22968
إنك لتسمع الهندى الساذج بردد في صلاته هذه العبارة (ماخطيئتى) التى من أجلها أضطر إلى البقاء في جب هذا العالم ـ عالم الظواهر؟) وفى هذه العبارة تكمن روح الهند ودينها وفلسفتها جميعا وفيها كذلك تعبير عما يريده طاغور فلأن يحصر الإنسان نفسه في حدود نفسه فذلك معناه أنه قد القى بنفسه في سجن فردى ينعزل فيه عن (الحق )الاعلى ولو بقى في سجنه ذاك ألف ألف سنة يتناول الأشياء من هوامشها فلن يبلغ من الحياة وتدفعه موجة من اللذة هنا وموجة من الألم هناك فلن يبلغ من الحياة لبها وصميمها إن الهنود السذج الذين تسمعهم يرتلون في صلواتهم تلك العبارة أسلفناها: (ماخطيئتى)التى من أجلها أضطر إلى البقاء في جب هذا العالم (عالم الظواهر ؟) قد لايفهمون معناه وقد لايستطعون التعبير الصريح عن فحواها إذا ما سئلوا ماذا تريدون بهذا الدعاء فذلك بعيد عن إدراك سائق العربة الذى يترنم بتلك العبارة وهو في طريقه الى السوق وهو بعيد عن ادراك السماك الذى يتمتم بها وهو يعد خيوط شباكه لكن هل من شك في ان هذا وذاك وغيرهما يحسون في اعماقهم اصدء من معنى هي التى عرف مبدع هذه العبارة الاولى كيف يصوغها في لفظ صريح مفهوم ؟ هل من شك في أن أمثال هؤلا السذج يحسون في أعماقهم أن علة الشقاء كله في هذه الحياة الدنيا ليست هي في العو المادى ليست هي فى نقص مقعد أو منضدة أو ثوب أو زينة بقدر ماهى في انبهام هدف الحياة التى نحياها ولو تبين الإنسان هدف حياته الأسمى لاطمأن واساح ضميره ونظره كم من أعلام الرجال قد استبد بهم القلق مع وفرة المال وسطوة الجاه حتى لقد خلفوا وراءهم ماعندهم من مال وجاه وراحوا يبحثون عن ذلك الهدف المجهول وذا قلنا إنهم راحوا يبحثون عن حرية الروح التى يتحللون فيها من قيود نفس كانت تغلهم بقيودها ...وانما تتحقق تلك الحرية المنشودة بتحطيم الحواجز الفردية والانطلاق في عالم (الحق) الذى لاتفرقة فيه بين فرد وفرد لأنهم جميعا أجزاء من كل واحد وعندئذ لاتجد قيم الرجال قد تفاوتت بحثب ثرائهم أو نوع العمل الذى يؤدونه أو الأسرة التى انحدرو منها كأنهم السلع رصها التاجر على رفوفه حسب أثمانها بل تجد القيم روحية صرفا يكون الكل عندها سواء.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
بدر الدين الأمير
طلعت الطيب
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست