|
أجمل رجل غريق في العالم ...
|
ظنّه الأطفال لمّا رأوه ، أول مرة ، أنه سفينة من سفن الأعداء. كان مثلَ رعنٍ أسود في البحرِ يقترب منهم شيئا فشيئا. لاحظ الصبيةُ أنه لا يحمل راية ولا صاريًا فظنوا حينئذٍ أنه حوتٌ كبير، ولكن حين وصل إلى ترابِ الشاطئ وحوّلوا عنه طحالبَ السرجسِ و أليافَ المدوز و الأسماكَ التّي كانت تغطيهِ تبيّن لهم أنّه غريق. شرعَ الصبيةُ يلعبون بتلك الجثة يوارونها في الترابِ حينًا ويخرجونها حينًا حتّى إذا مرّ عليهم رجلٌ ورأى ما يفعلون نَهَرهم وسعى إلي القريةِ ينبه أهلها بما حدث. أحسّ الرجالُ الذين حملوا الميّتَ إلى أول بيتٍ في القرية أنه أثقل من الموتى الآخرين ، أحسّوا كأنهم يحملون جثّةَ حصانٍ وقالوا في ذات أنفسهم :"ربما نتج ذلك عن بقاء الغريق فترة طويلة تحت البحرِ فدخل الماءُ حتى نخاع عظامه. " عندما طرح الرجالُ الجثةَ على الأرضِ وجدوا أنّها أطولُ من قامة كلّ الرجال ، كان رأس الميتِ ملتصقًا بجدار الغرفة فيما اقتربت قدماه من الجدارِ المقابلِ ، وتساءل أحد الرجال عمّا لو كان ذلك ناتجًا عن أن بعض الغرقى تطول قاماتُهم بعد الموت. كان الميتُ يحمل رائحةَ البحر ، وكانت تغطيه طبقةٌ من الطين و الأسماك. لم يكن من الضرورة تنظيف الوجه ليعرف الرجال أن الغريق ليس من قريتِهم ، فقريتهم صغيرة لا تحوي سوى عشرين من البيوت الخشبية الصغيرة ، و كانت القرية نادرةَ التربة مما جعل النسوة يخشين أن تحمل الريحُ الأطفال ومنع ذلك الرجالَ من زرع ِ الأزهار ، أمّا الموتى فكانوا نادرين لم يجد لهم الأحياءُ مكانًا لدفنهم فكانوا يلقون بهم من أعلى الجرف.. كان بحرُهم لطيفًا ، هادئًا و كريمًا يأكلون منه. لم يكن رجالُ القرية بكثيرين حيث كانت القوارب السبعةُ التي في حوزتهم تكفي لحملهم جميعًا ، لذلك كفى أن ينظروا إلى أنفسهم ليعلموا أنه لا ينقص منهم أحد.. في مساءِ ذلك اليوم لم يخرج الرجال للصيدِ في البحر. ذهبوا جميعًا يبحثون في القرى القريبة عن المفقودين فيما بقتِ النسوة في القريةِ للعناية بالغريق …أخذن يمسحن الوحلَ عن جسده بالألياف ويمسحن عن شعره الطحالب البحرية ويقشّرن ما لصق بجلده بالسكاكين.. لاحظت النسوة أن الطحالب التي كانت تغطي الجثة تنتمي إلي فصيلة تعيش في أعماقِ المحيطِ البعيدة ، كانت ملابسه ممزقة وكأنه كان يسبح في متاهةٍ من المرجان. ولاحظت النسوة أيضا أن الغريقَ كان قد قابل مَلَكي الموتِ في فخرٍ و اعتزاز فوجهه لا يحمل وحشةَ غرقى البحرِ ولا بؤس غرقى الأنهار. وعندما انتهت النسوة من تنظيف الميّت وإعداده انقطعت أنفاسهن ، فهن لم يرين من قبل رجلاً في مثل هذا الجمال و الهيبة.. لم تجد نساء القرية للجثة، بسبب الطولِ المفرطِ ، سريرًا ولا طاولة قادرة على حملها أثناء الليل. لم تدخل رِجْلا الميتِ في أكبرِ السراويل و لا جسدُه في أكبرِ القمصان ، ولم تجد النسوة للميّت حذاءً يغطي قدميه بعد أن جربوا أكبر الأحذية. فقدت النسوة ألبابَهن أمام هذا الجسدِ الهائلِ فشرعن في تفصيل سروالا من قماشِ الأشرعة و كذلك قميصًا من “الأورغندي” الشفاف فذلك يليق بميّتٍ في مثل هذه الهيبة و الجمال.. جلست النسوة حول الغريق في شكلِ دائرةٍ بين أصابع كل واحدةٍ منهن إبرة وأخذت في خياطة الملابس ، كن ينظرن بإعجاب إلى الجثة بين الحين و الحين؛ بدا لهن أنه لم يسبق للريح ِ أن عصفت في مثل هذه الشدة من قبل ولا لبحر “الكاراييب” أن كان مضطربًا مثل ذلك المساء. قالت إحداهن ” أن لذلك علاقة بالميّت” ، وقالت أخرى ” لو عاش هذا الرجل في قريتنا لاشك أنه بنى أكبر البيوت وأكثرهن متانة ، لاشك أنه بنى بيتًا بأبواب واسعة وسقفٍ عالٍ وأرضيةٍ صلبة ولاشك أنه صنع لنفسه سريرًا من الحديد و الفولاذ ، لو كان صيادًا فلاشك أنه يكفيه أن ينادى الأسماك بأسمائها لتأتى إليه. ، لاشك أنه عمل بقوة لحفر بئرٍ ولأخرج من الصخور ماءً ولنجح في إنبات الزهر على الأجراف”.. أخذت كل واحدة منهن تقارنه بزوجها ، كان ذلك فرصة ثمينة للشكوى والقول أن أزواجهن من أكبر المساكين.. دخلت النسوة في متاهات الخيال. قالت أكبرهن:” للميّت وجه أحد يمكن أن يسمّى إستبان”. كان هذا صحيحًا..كفي للأخريات أن ينظرن إليه لفهم أنه لا يمكن أن يحمل اسمًا آخر ، أمّا الأكثر عنادًا والأكثر شبابا فقد واصلت أوهامها بأن غريقًا ممدّدًا بجانب الأزهار وذا حذاء لامع لايمكن إلا أن يحمل اسمًا رومنطقيًا مثل “لوتارو”. في الواقع ما قالته أكبرهن كان صحيحًا فلقد كان شكل الميت بلباسه مزريًا حيث كان السروال غير جيد التفصيل فظهر قصيرًا و ضيقًا ، حيث لم تحسن النسوة القياس وكانت الأزرار قد تقطعت وكأن قلب الميت قد عاد للخفقان بقوة.. بعد منتصف الليل هدأت الريحُ ، وسكت البحرُ ، وساد الصمتُ كل شيء . اتفقت النسوة عندها أن الغريق قد يحمل بالفعل اسم إستبان ، ولم تسُدْ الحسرة أية واحدة منهن: اللاتي ألبسن الميّتَ واللاتي سرحن شعره واللاتي قطعن أظافره وغسلن لحيته. لم تشعر واحدة منهن بالندم عندما تركن الجثة ممدّدة على الأرض ، وعندما ذهبت كل واحدة إلى بيتها فكرن كم كان الغريق مسكينًا وكم ظلت مشكلات كبر حجمه تطارده حتى بعد الموت ، لاشك أنه كان ينحني في كل مرة يدخل فيها عبر الأبواب .. لاشك أنه كان يبقي واقفا عند كل زيارة ، هكذا كالغبي، قبل أن تجد ربة البيت له كرسيا يتحمله…ولاشك أن ربةَ البيتِ كانت تتضرع للربّ في كل مرة ألا يتهشم الكرسي. وكان في كل مرة يرد عليها إستبان في ابتسامةٍ تعكس شعوره بالرضا لبقائه واقفا ..لاشك أنه ملّ من تكرر مثل هذه الأحداث ، ولاشك أيضا أن الناس كانوا يقولون له “ابق وأشرب القهوة معنا” ثم بعد أن يذهب معتذرا يتهامسون: “حمدا لله لقد ذهب هذا الأبله”. هذا ما فكرت فيه النسوة فيما بعد عطفًا على الغريق.. في الفجر، غطت النسوة وجه الميّت خوفًا عليه من أشعة الشمسِ عندما رأين الضعف على وجهه. لقد رأين الغريق ضعيفًا مثل أزواجهن فسقطت أدمع من أعينهن رأفة ورحمة ، وشرعت أصغرهن في النواح فزاد الإحساس بأن الغريق يشبه إستبان أكثر فأكثر.. وزاد البكاء حتى أصبح الغريق أكبر المساكين على وجه الأرض.. عندما عاد الرجال بعد أن تأكدوا من أن الغريق ليس من القرى المجاورة امتزجت السعادة بالدموع على وجوه النسوة. قالت النسوة: “الحمد لله ، ليس الميت من القرى المجاورة إذا فهو لنا!”..أعتقد الرجال أن ذلك مجرد رياء من طرف النسوة ، لقد أنهكهم التعب وكان كل همّهم هو التخلص من هذا الدخيل قبل أن تقسو الشمس وقبل أن تشعل الريح نارها. أعدّ الرجال نقالة من بقايا شراع وبعض الأعشاب التي كانوا قد ثبّتوها بألياف البحر لتتحمّل ثقل الغريق حتى الجرف وأرادوا أن يلفّوا حول رِجلي الجثّة مرساة لتنزل دون عائق إلى الأعماق حيث الأسماك العمياء وحيث يموت الغواصون بالنشوة ، لفوا المرساة حتى لا تتمكن التيارات الضالة من العودة به إلى سطح البحر مثلما حدث مع بعض الموتى الآخرين. ولكن كلّما تعجّل الرجال فيما يبغون كلّما وجدت النسوة وسيلة لضياع الوقت حيث تكاثر الزحام حول الجثة ؛ بعض من النسوة يحاول أن يلبس الميّت “الكتفيّة” حول كتفه اليمين لجلب الحظ حاول بعضٌ آخر أن يضع بوصلة حول رسغه الأيسر، وبعد صراع لغويّ وجسديّ رهيب بين النسوة شرع الرجال ينهرون ويصرخون :” مالهذه الوشايات والفوضى، ماذا تعلقن؟ ألا تعلمن أن أسماك القرش تنتظر الجثّة بفارغ الصبر؟ ما هذه الفوضى، أليس هذا إلا جثّة؟”.. بعدها رفعت امرأة الغطاء عن وجه الميّت فانقطعت أنفاس الرجال دهشة: “إنه إستبان!” لا داعي لتكرار ذلك لقد تعرفوا عليه. من يكون غيره، هل يظن أحد أن الغريق يمكن أن يكون السير والتر روليك على سبيل المثال؟ لو كان ذلك ممكنا فلاشك أنهم سيتخيلون لكنته الأمريكية وسيتخيلون ببغاء فوق كتفه وبندقية قديمة بين يديه يطلق بها النار على أكلة البشر..لكن الجثة التي أمامهم غير ذلك، إنها من نوع فريد! إنه إستبان يمتد أمامهم مثل سمكةِ السردين حافي القدمين مرتديًا سروال طفلٍ رضيع ، ثم هذه الأظافر التي لا تُقطع إلا بسكين. بدا الخجل على وجه الغريق ، ما ذنبه المسكين إذا كان طويلاً وثقيلاً وعلى هذا القدر من الجمال؟ لاشك أنه اختار مكانًا آخر للغرق لو عرف ما كان في انتظاره. قال أحد الرجال: “لو كنت محله لربطت عنقي بمرساة قبل أن اقفز من الجرف.. لا شك أنني سأكون قد خلصتكم من كل هذه المتاعب ومن جثتي المزعجة هذه.” أعد سكان القرية أكبر جنازة يمكن تخيلها لغريقٍ دون هوية. رجعت بعض النسوة اللاتي كن قد ذهبن لإحضار الزهور من القرى المجاورة برفقة أخريات للتأكد من صحة ما سمعن. عندما تأكدت نساء القرى المجاورة من شكل الغريق ذهبن لإحضار زهور أخرى ورفيقات أخريات حتى ازدحم المكان بالزهور وبالنساء.. في اللحظات الأخيرة تألّم سكانُ القرية من إرسال الغريق إلي البحر مثل اليتيم فاختاروا له أمًا وأبًا من بين خيرتهم وسرعان ما أعلن آخرون أنهم أخوته وآخرون أنهم أعمامه حتى تحول كل سكّان القرية إلى أقارب، وبينما كان الناس يتنافسون في نقل الجثمان فوق أكتافهم عبر المنحدر العسير المؤدّي إلى الجرف لاحظ سكان القرية ضيق شوارعهم وجفاف أرضهم ودناءة أفكارهم مقارنة بجمالِ هذا الغريق. ألقى الرجال بالجثة عبر الجرف دون مرساة لكي تعود إليهم كيفما تشاء ومسكوا أنفاسهم في تلك اللحظة التي نزل فيها الميت إلى الأعماق ، أحسوا أنهم فقدوا أحد سكّان قريتهم وعرفوا، منذ تلك اللحظة، أن ثمة أشياء كثيرة لابد أن تتغير في قريتهم.. عرفوا أن بيوتهم تحتاج إلى أبواب عالية وأسقف أكثر صلابة ليتمكن شبح إستبان من التجول في القرية ومن دخول بيوتها دون أن تضرب جبهته أعمدة السقف ودون أن يوشوش أحد قائلاً لقد مات الأبله.. منذ ذلك اليوم قرر سكّان القرية دهن بيوتهم بألوان زاهية احترامًا لذكرى إستبان.. سوف ينهكون ظهورهم في حفر الآبار في الصخور وفي زرع الأزهار عبر الأجراف لكي يستيقظ بحارةُ السفنِ المارةِ في فجرِ السنواتِ القادمةِ علي رائحةِ الحدائق ولكي يضطر القبطان للنزول من أعلى السفينةِ حاملاً اسطرلابه ونجمتَه القطبية و يقول مشيرًا إلي الجبلِ الذي ينشر زهورَه الورديةَ نحو الأفق وفي كلّ لغاتِ العالم: "أنظروا إلى هناك حيث هدوء الريح ِ وحيث ضوء الشمس...هناك هي قرية إستبان!".
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: أجمل رجل غريق في العالم ... (Re: Ibrahim Algrefwi)
|
... قصة ماركيز اعلاه " أجمل رجل غريق في العالم " ، قصة قديمة ، اعلاه ترجمة : محمد قصيبات مكتوبة سنة 1945 وهي قصة جميلة من اعذب القصص ، كانت ممتعة جداً في كثير من ونسات الشباب ، من قصص المقرر كما يحب ان يسميها صديق يخصني ، انقلها هنا واهديها الي قدامى المحاربين والاصدقاء الهاربين في كل بلاد الارض ، علها تنقلهم الي تلك الازمنة الغنية والاجواء الحية ، كما نهدى الاغنية بمناسبة شهر رمضان للاهل بالسعودية والبشاقرة و الي كل الاصدقاء من عضوية سودانيز اونلاين وقراءها الميامين بمثابة تحايا واعتذار للجميع ، كما نهدي الاغنية الي سفيان بشير وكافة الشعراء والصائمين و غرقى المياه الجميله .
| |
|
|
|
|
|
|
Re: أجمل رجل غريق في العالم ... (Re: عبدالوهاب علي الحاج)
|
مساء الخير ، وجدت هذا الكلام لماركيز في ويكبيديا يتحدث عن الواقعية السحرية وتعاطى القارئ الأوربي مع نصوصه في حوار مع صديقه بالينو ابوليو " García Márquez and his friend Plinio Apuleyo Mendoza discuss his work in a similar way, "'The way you treat reality in your books... has been called magical realism. I have the feeling your European readers are usually aware of the magic of your stories but fail to see the reality behind it...' :'This is surely because their rationalism prevents them seeing that reality isn't limited to the price of tomatoes and eggs "
شُكراً للكل علي التشجيع والتفاعل الفنان مع الغريق ، وعلي الصورة يا ايمن ، الصورة ، تشكر يا فنان علي الزيارة وعلي الدعم المستمر والناس وكل ما يستحق ، تصل تحياتي الي العزيز محمد الطيب يوسف ودكتورة نجاة وابوامنة وابوالزهور طبعاً... ، كما لن ننسى الأهل بالبشاقرة جنوب:)
| |
|
|
|
|
|
|
Re: أجمل رجل غريق في العالم ... (Re: سلمى الشيخ سلامة)
|
قرأت اجمل غريق وانا في الثانوي حين سلمني العزيز اسامة هاشم المقيم حاليا بلندن قصاصة ورق من مجلة عربية كانت بها هذه الرائعة ومن ذاك اليوم صافحت ماركيز الغريب يا اسامة لازلت احتفظ بتلك القصاصة حتى الآن !! شكر يا جريفاوي
| |
|
|
|
|
|
|
Re: أجمل رجل غريق في العالم ... (Re: حبيب نورة)
|
قرمبوز... ... غرقي... في ... ...المياه... .................. ............... .............. _________________ ماركيز من الصباح كده..؟؟ والله رمضان ده بركته عينه..
____________________________________ تعال يا عمك افطر معانا في الدار يوم وعازمك (ليمون)..
| |
|
|
|
|
|
|
Re: أجمل رجل غريق في العالم ... (Re: Ibrahim Sayed)
|
في زمن مضى التقيت استادنا الاديب فضيلي جماع بمنزل صديقه و خالي البروف عبدالله عبدالكريم بمدني , فلما عرف اني مصاب بداء القراءة سالني مادا تقرأ الان فقلت له اقرأ كتابات لحسين مروة ورواية ماركيز ليس لدى الجنرال من يكاتبه فقال لي طيب بعد ما تخلص رواية ماركيز كلمني عشان اديك قصة تانية له
...فكانت مجموعة قصصية من بينها اجمل غريق في العالم.
للدين مروا ولصاحب البوست رمضان كريم
والف تحية لاستادي فضيلي
ولماركيز نرفع القبعات .
| |
|
|
|
|
|
|
Re: أجمل رجل غريق في العالم ... (Re: متوكل بحر)
|
جابريل جارثيا ماركيز ريميديوس تستحم
وعندما يمشي الحال علي هواها، تنهض من فراشها في الساعة الحادية عشرة صباحا ثم تغلق علي نفسها الحمام عريانة لمدة ساعتين كاملتين تقضيهما في قتل عقارب أثناء مقاومتها لنعاس مديد ومن ثم تصب علي نفسها الماء بمغرفة من الصهريج.
لقد كان حدثا ممتدا في الزمان مبالغا في التدقيق والتحبيك، ثريا في التقلب في الأوضاع الاحتفالية حتي أن من لم يعرفها جيدا سيظن أنها كانت مستسلمة لعبادة محقة لذات بدنها.
وبالنسبة لها بالرغم من كل هذا كانت تلك الشعائر المتوحدة خالية من أي شهوانية وببساطة ليس إلا طريقة لقتل الوقت الي أن تشعربالجوع.
وفي أحد الايام عندما بدأت تستحم نزع أحد الاغراب قطعة قرميد من السقف، وبقي محبوس النفس أمام مشهد عريها المهول، شاهدت عيونه المحزونة عبر القرميد المنزوع ولم يحدث لها رد فعل من الخجل إنما من الانزعاج: صاحت في تحذير:
الحذر، الحذر. أنت ستهوي!
همس الغريب:
إنما فقط أريد رؤية حضرتك.
قالت هي:
آه حسنا! لكن خذ حذرك أن قطع القرميد مت هالكة.
كان في وجه الرجل الغريب تعبير أليم من الذهول، وبدأ في معركة صماء ضد دوافعه الغريزية حتي لا يفقد السراب.
حسبت ريميديوس الجميلة أنه كان يعاني من خوف انهيار القرميد، فاستحمت علي عجل خلافا لعادتها حتي لايستمر في خطر، وبينما كانت تصب علي نفسها الماء من الصهريج قالت له أنها مشكلة أن يكون السقف بهذه الحال، فهي تظن أن مهد الأوراق المتعفنة بسبب المطر هوالذي كان يودي الي ملء الحمام بالعقارب التبس الأمر علي الغريب فخلط تلك الثرثرة
بأسلوب لإخفاء الرضي والقبول حتي أنها عندما بدأت تتصبن وقع تحت إغراء التقدم خطوة الي الامام، تمتم:
دعيني أقم بتصبينك
قالت هي:
أشكر لك حسن مقصدك لكني أكتفي بيدي الاثنين.
رجاها الغريب:
ولاحتي ظهرك؟
قالت هي:
ستكون بطالة لم ير الناس قط يصبنون ظهورهم.
وبعد ذلك أثناء تجفيفها لجسمها توسل إليها الغريب بعيون تطفر منها الدموع أن تتزوجه اجابته في اخلاص أنها لن تتزوج مطلقا برجل علي هذه الدرجة من البلاهة حتي أنه يضيع ساعة تقريبا وأيضا يضيع الغداء، فقط ليري امرأة تستحم.
وفي النهاية عندما ارتدت ثوبها الخشن لم يستطع الرجل تحمل تيقنه من أنها ترتديه بالفعل، دون ارتداء أي ملابس داخلية تحته مثلما كان يشك الجميع، وأحس أنه وشم في يديه بالحديد المتوهج لذلك السر من ثم نزع قطعتين أخريين من القرميد لكي يهبط داخل الحمام. حذرته مذعورة:
إن السقف عال جدا. إنك ستقتل نفسك!
القرميدات المتهالكات تفتتن في دوي كارثه. ولم يكد يطلق الرجل صرخة رعب حتي تحطمت جمجمته، ومات دون احتضار علي الارضية الاسمنتية لقد تشمم الغرباء الذين استمعوا الي ضجيج الكارثة وأسرعوا لحمل الجثة في جلد الرجل الميت الرائحة الخانقة لرميديوس الجميلة.
لقد كانت تلك الرائحة ممعنة في اختراق الجسد حتي إن شقوق الجمجمة المحطمة لم يتدفق منها دم سائل عنبري مشرب بذلك العطر السري، ومن ثم أدركوا أن رائحة رميديوس الجميلة كانت تواصل تعذيبها للرجال فيما بعد الموت حتي حدود مسحوق عظامهم ومع ذلك فإنهم لم يربطوا ذلك الحادث المرعب بالرجلين الاثنين الآخرين اللذين ماتا فيما قبل في سبيل رميديوس الجميلة ولم ينقص حتي تلك اللحظة إلا ضحية واحدة جديدة حتي يصدق الغرباء وسكان ماكوندو القدماء أسطورة أن رميديوس بوين ديا كانت تشع تيارا مميتا وليس عبق الغرام، وقد تهيأت مناسبة التيقن من ذلك بعد بضعة شهور عندما ذهبت رميديوس الجميلة ذات مساء مع مجموعة من الصويحبات للتعرف علي المزارع الجديدة
| |
|
|
|
|
|
|
Re: أجمل رجل غريق في العالم ... (Re: هشام آدم)
|
. سلامات ياوليد وشكراً علي رابط البوست الجميل ، نفس السلامات تصل الي كاملة غير منقوصة الي الزميل خالد العبيد في استراليا "ونكون طالبينك قصة" والي العزيزة سلمي بامريكا كمان والي حبيب نورة في القاهرة ولن ننسى الاهل بالبشاقرة شمال :) ، وهاكم رابط رابط من امتع الحوارات وهو خاص بمركز دمشق للدراسات النظرية والحقوق المدنية-عادل سمارة : مع ماركيز :
يقول غارثيا:
لو وهبني الله حياة أطول لكان من المحتمل ألا أقول كل ما أفكر فيه، لكنني بالقطع كنت سأفكر في كل ما أقوله. كنت سأقيّم الأشياء ليس وفقاً لقيمتها المادية، بل وفقاً لما تنطوي عليه من معان. كنت سأنام أقلّ، وأحلم أكثر في كل دقيقة نغمض فيها عيوننا نفقد ستين ثانية من النور، كنت سأسير بينما يتوقف الآخرون. أظل يقظاً بينما يخلد آخرون للنوم، كنت سأستمع بينما يتكلم الآخرون. كنت سأستمتع بآيس كريم لذيذ بطعم الشكولاتة.
- سيدي غابرييل، إذا كنت نمت بأكثر مما قسم الله لك، فأنا أنام بأقل مما قسم لي، مثل ملايين من يراونك، أذكرك وسأتذكرك في صحوي وفي نومي. في نومي كي لا أهدر ساعات النوم فافقد نصف زمني المتاح. أكره أنا النوم، والوقت المهدور في الأكل وفي لبس الملابس، وفي النوم نفسه.
لكني لن اصمت حين يتكلم الآخرون، إلا إذا كانوا عمالا وعشاقاً ومحبين وثواراً، أما حين يتكلم غيرهم، وما أكثرهم وأكثر كلامهم، وأنا اشعر بشعورك الإنساني وأنت تحتضر، وقد أفعل مثلك حينما تحين، إذا تسنى لي موتاً ممتداً وليس مشتدا، برصاص الفاشيست، فلن استمع إلى هؤلاء.
لو أن الله أهداني بعض الوقت لأعيشه كنت سأرتدي البسيط من الثياب، كنت
سأتمدد في الشمس تاركاً جسدي مكشوفاً بل وروحي أيضاً.
يا إلهي... لو أن لي قليلاً من الوقت لكنت كتبت بعضاً مني على الجليد وانتظرت شروق الشمس.
اذا جاز لي أن أكسب وقتاً، سوف أنقش على الصخر، انني أحب كوبا التي احتوتك، وقاومت وها هي تصعد الجبل اليوم مع أميركا اللاتينية، أما سيد الموت فلم تعد حواسيب امبراطوريته العسكرية، لم تعد قادرة على اعتراض صواريخ أحذية منتظر الزيدي، آمل أن تكن ما زلت بوعيك حتى ترى ذلك المأفون يتقي حذاء منتظر بحذاء حقيقي هو نور المالكي. يقولون أن المحتل المأفون كذلك بونابرت حول قبعته إلى قذيفة وضربها باتجاه أحدم الجزار، فرد عليه الجزار بحذاء.
كنت سأرسم على النجوم قصيدة 'بنيدتي' وأحلام 'فان كوخ' كنت سأنشد أغنية من أغاني 'سرات' أهديها للقمر، لرويت الزهر بدمعي، كي أشعر بألم أشواكه، وبقبلات أوراقه القرمزية.
ما ابهاك وأنت تقاوم بالحب حتى آخر اللحظات، سوف تمضي وأنت تلثم الوردة والدم يسيل من ثقب ناعم أحدثه الورد وهو يقاوم بل يغازل شفتيك، شهيداً أنت إذن.
يا إلهي... إذا كان مقدراً لي أن أعيش وقتاً أطول، لما تركت يوماً واحد يمر دون أن أقول للناس أنني أحبهم، أحبهم جميعاً، لما تركت رجلاً واحداً أو امرأة إلا وأقنعته أنه المفضل عندي، كنت عشت عاشقاً للحب. كنت ساقول مثلك، لا بل إني اقولها للناس أحبكم جميعاً، لكنني ...
... ...
الرابط أدناه لتكملة الحوار :
http://www.dctcrs.org/s5827.htm
| |
|
|
|
|
|
|
Re: أجمل رجل غريق في العالم ... (Re: Ibrahim Algrefwi)
|
اجمل رجل غريق تعددت الترجمات والطبعات وماركيز واحد
مع مجموعة من القصص القصيرة بذات عنوانك يا قرمبا كانت من ضمن المجموعة القصة العجيبة ( ليلة الكروان ) وما ادراك ليلة الكروان نحنا القددت عيونا الكروانات في رواية اخرى ... انا كتبتا ليك هناك قبل ما اقراء ليك هنا اذن هوالشوق
| |
|
|
|
|
|
|
Re: أجمل رجل غريق في العالم ... (Re: Ibrahim Algrefwi)
|
ثمن عشرين قتيلاً
بزغ يوم الاثنين دافئاً و بلا مطر .. و كالطير فتح " أوريليو اسكوفار " طبيب الأسنان غير المؤهل و المبكر في يقظته , عيادته في الساعة السادسة .. ثم أخرج بعض أسنان صناعية مازالت مركبة في قالب المصيص من الدولاب الزجاجي, و وضع على المنضدة مجموعة أدوات رتبها حسب الحجم .. كما لو كانت للعرض .. و كان يلبس قميصاً مخططاً بلا ياقة, أقفل حول الرقبة بمشبك ذهبي, و بنطلوناً معلقاً بحمالة .. و كان مستقيم العود نحيل الجسم, لا تبدو عليه مسحة المهنة , و كانت هيأته أقرب إلى هيئة رجل أصم .. و لما فرغ من ترتيب الأدوات فوق المنضدة جذب المثقب إلى قرب كرسي الأسنان و جلس لصقل الأسنان الصناعية .. لقد بدا أنه لا يفكر في العملية التي يقوم بها, بيد أنه راح يواصل العمل و هو ينفخ كور الثقب بقدميه, حتى و هو لا يحتاج إلى ذلك . و عندما بلغت الساعة الثامنة توقف برهة لكي ينظر من النافذة إلى السماء, فرأى طائرين من الجوارح يجففان نفسيهما في الشمس على إفريز سطح البيت المجاور .. و ما لبث أن استأنف عمله متوقعاً أن يعود المطر إلى الانهمار قبل موعد الغداء .. إلى أن قطع عليه تركيزه صوت ابنه الحاد البالغ من العمر احدى عشرة سنة يناديه .. و لدى سؤاله قال له : - العمدة يريد أن يعرف إذا كان يمكن أن تخلع سنه .. - قل له انني غير موجود و أخذ يصقل سناً مذهبة .. ثم امسك بها على قيد ذراع و فحصها بعينين نصف مقفلتين .. و عندئذ انبعث صوت ابنه صائحاً من غرفة الانتظار الصغيرة : - العمدة يقول أنك موجود, لأنه يسمع صوتك!.. استمر الطبيب يفحص السن .. و لم يرد إلا بعد أن وضعها فوق المنضدة بجانب ما تمَّ إنجازه من الأسنان, إذ قال : - الأحسن أن يسمع .. و أدار الثقب من جديد .. ثم أخرج عدة قطع من " كوبري " من خزانة بها الأشياء التي عليه أن يتمها, و أخذ يصقل الذهب .. و لكن ابنه ناداه مرة أخرى .. فسأله ماذا يريد دون أن تتغير ملامح وجهه, فقال الصبي : - قال العمدة إنك إذا لم تخلع له السن, فسوف يضربك بالرصاص !.. و بدون ما أدنى تعجل, و بحركة جد هادئة, توقف عن تحريك الثقب, و دفعه على الكرسي, ثم جذب الدرج الأسفل للمنضدة عن آخره, فإذا به مسدس .. و قال لإبنه : - حسن .. قل له أن يدخل و يقتلني .. و دحرج الكرسي في مواجهة الباب .. و ظهر العمدة في المدخل و قد بدا خده الأيسر حليقاً, أما الخد الثاني فكان مورماً موجعاً, نبتت فيه لحية عمرها خمسة أيام, فقد شهد العمدة ليالي كثيرة من العذاب و المعاناة بدت آثارها في عينيه المتبلدتين .. أغلق الطبيب الدرج بأنامله, و قال بليونة : اجلس .. فقال العمدة : صباح الخير .. فرد الطبيب بنصف السلام و بينما كانت أدوات الخلع تغلي, مال العمدة برأسه على المسند حتى شعر بتحسن .. و كانت العيادة متواضعة : بها كرسي خشبي عتيق, و المثقب, و دولاب زجاجي به قناني خزفية .. و أمام النافذة ستار لا يعلو عن ارتفاع الكتف .. و عندما شعر العمدة باقتراب الطبيب, شد على عقبيه و فتح فمه .. و ما لبث " أوريليو اسكوفار " أن أدار رأس العمدة إلى ناحية الضوء .. و بعد أن فحص السن المصابة أقفل فك العمدة بضغطة محاذرة من أصابعه .. و قال : - لابد من الخلع بغير مخدر .. - و لماذا ؟ .. - لوجود خراج .. فنظر العمدة مواجهة, ثم قال : لا بأس ... قالها محاولاً أن يبتسم فلم يرد الطبيب على الابتسامة .. بل جاء بإناء الأدوات المعقمة إلى المنضدة و أخرجها من الماء بملقط بارد .. كلّ ذلك دون أن يتعجل في حركاته .. ثم دفع المبصقة بطرف حذائه و انتقل لغسل يديه في الحوض .. لقد فعل هذا كله دون أن ينظر على العمدة .. غير أن العمدة لم يرفع نظره عنه لحظة .. كان المعطوب " ضرس العقل " السفلي .. و ما لبث الطبيب أن وسع قدميه و أمسك الضرس " بالجفت " الساخن .. فتشبث العمدة بذراعي الكرسي ة شد على قدميه بكل قوته و هو يشعر بخواء بادر في كليته, بيد أنه لم يحدث أي صوت .. و لم يكن يتحرك من الطبيب سوى معصمه .. و دون ما ضغينة, بل برفق تشوبه المرارة, قال للعمدة : - الآن سوف تدفع ثمن قتلانا العشرين !.. شعر العمدة بقصف كقصف العظام في فكه, و امتلأت عيناه بالدموع .. بيد أنه لم يتنفس إلى أن شعر بخروج الضرس .. ثم رآه من خلال الدموع .. و قد بدا غريباً جداً عن الآلام التي كابدها إلى حد أنه عجز عن فهم هذا العذاب الذي تجرعه مدى الأيام الخمسة الفائتة .. و بينما انحنى فوق المبصقة عارقاً لاهثاً, فك أزرار كسوته الرسمية و مد يده إلى جيب بنطلونه يلتمس منديله .. فأعطاه الطبيب قطعة قماش نظيفة قائلاً : - امسح دموعك !.. فعل العمدة هذا .. كان يرتعد و بينما أخذ الطبيب يغسل يديه, كان هو يتطلع إلى السقف المتآكل الذي يتدلى منه عنكبوت و حشرات ميتة .. و ما لبث الطبيب أن عاد و هو يمسح يديه .. و قال له : - اذهب إلى فراشك .. و " غرغر " بماء مالح .. فقام العمدة, و سلم بتحية عسكرية فاترة, ثم اتجه إلى الباب باسطاً ساقيه, و دون أن يزرر سترته .. و عند الباب قال : إبعث الفاتورة .. - لك, أو لمكتب الحكومة ؟.. لم ينظر إليه العمدة, بل قال و هو يغلق الباب : هذا و ذاك سيان, لعنة الله !..
غابريل غارسيا ماركيز
| |
|
|
|
|
|
|
Re: أجمل رجل غريق في العالم ... (Re: naeem ali)
|
The Handsomest Drowned Man In The World
Gabriel Garcia Marquez
THE FIRST CHILDREN who saw the dark and slinky bulge approaching through the sea let themselves think it was an enemy ship. Then they saw it had no flags or masts and they thought it was a whale. But when it washed up on the beach, they removed the clumps of seaweed, the jellyfish tentacles, and the remains of fish and flotsam, and only then did they see that it was a drowned man
They had been playing with him all afternoon, burying him in the sand and digging him up again, when someone chanced to see them and spread the alarm in the village. The men who carried him to the nearest house noticed that he weighed more than any dead man they had ever known, almost as much as a horse and they said to each other that maybe he'd been floating too long and the water had got into his bones. When they laid him on the floor they said he'd been taller than all other men because there was barely enough room for him in the house, but they thought that maybe the ability to keep on growing after death was part of the nature of certain drowned men. He had the smell of the sea about him and only his shape gave one to suppose that it was the corpse of a human being, because the skin was covered with a crust of mud and scales They did not even have to clean off his face to know that the dead man was a stranger. The village was made up of only twenty-odd wooden houses that had stone courtyards with no flowers and which were spread about on the end of a desert like cape. There was so little land that mothers always went about with the fear that the wind would carry off their children and the few dead that the years had caused among them had to be thrown off the cliffs. But the sea was calm and bountiful and all the men fitted into seven boats. So when they found the drowned man they simply had to look at one another to see that they were all there
That night they did not go out to work at sea. While the men went to find out if anyone was missing in neighboring villages, the women stayed behind to care for the drowned man. They took the mud off with grass swabs, they removed the underwater stones entangled in his hair, and they scraped the crust off with tools used for scaling fish. As they were doing that they noticed that the vegetation on him came from faraway oceans and deep water and that his clothes were in tatters, as if he had sailed through labyrinths of coral. They noticed too that he bore his death with pride, for he did not have the lonely look of other drowned men who came out of the sea or that haggard, needy look of men who drowned in rivers. But only when they finished cleaning him off did they become aware of the kind of man he was and it left them breathless. Not only was he the tallest, strongest, most virile, and best built man they had ever seen, but even though they were looking at him there was no room for him in their imagination They could not find a bed in the village large enough to lay him on nor was there a table solid enough to use for his wake. The tallest men's holiday pants would not fit him, nor the fattest ones' Sunday shirts, nor the shoes of the one with the biggest feet. Fascinated by his huge size and his beauty, the women then decided to make him some pants from a large piece of sail and a shirt from some bridal linen so that he could continue through his death with dignity. As they sewed, sitting in a circle and gazing at the corpse between stitches, it seemed to them that the wind had never been so steady nor the sea so restless as on that night and they supposed that the change had something to do with the dead man. They thought that if that magnificent man had lived in the village, his house would have had the widest doors, the highest ceiling, and the strongest floor, his bedstead would have been made from a midship frame held together by iron bolts, and his wife would have been the happiest woman. They thought that he would have had so much authority that he could have drawn fish out of the sea simply by calling their names and that he would have put so much work into his land that springs would have burst forth from among the rocks so that he would have been able to plant flowers on the cliffs. They secretly compared hom to their own men, thinking that for all their lives theirs were incapable of doing what he could do in one night, and they ended up dismissing them deep in their hearts as the weakest, meanest and most useless creatures on earth. They were wandering through that maze of fantasy when the oldest woman, who as the oldest had looked upon the drowned man with more compassion than passion, sighed: 'He has the face of someone called Esteban It was true. Most of them had only to take another look at him to see that he could not have any other name. The more stubborn among them, who were the youngest, still lived for a few hours with the illusion that when they put his clothes on and he lay among the flowers in patent leather shoes his name might be Lautaro. But it was a vain illusion. There had not been enough canvas, the poorly cut and worse sewn pants were too tight, and the hidden strength of his heart popped the buttons on his shirt. After midnight the whistling of the wind died down and the sea fell into its Wednesday drowsiness. The silence put an end to any last doubts: he was Esteban. The women who had dressed him, who had combed his hair, had cut his nails and shaved him were unable to hold back a shudder of pity when they had to resign themselves to his being dragged along the ground. It was then that they understood how unhappy he must have been with that huge body since it bothered him even after death. They could see him in life, condemned to going through doors sideways, cracking his head on crossbeams, remaining on his feet during visits, not knowing what to do with his soft, pink, sea lion hands while the lady of the house looked for her most resistant chair and begged him, frightened to death, sit here, Esteban, please, and he, leaning against the wall, smiling, don't bother, ma'am, I'm fine where I am, his heels raw and his back roasted from having done the same thing so many times whenever he paid a visit, don't bother, ma'am, I'm fine where I am, just to avoid the embarrassment of breaking up the chair, and never knowing perhaps that the ones who said don't go, Esteban, at least wait till the coffee's ready, were the ones who later on would whisper the big boob finally left, how nice, the handsome fool has gone. That was what the women were thinking beside the body a little before dawn. Later, when they covered his face with a handkerchief so that the light would not bother him, he looked so forever dead, so defenseless, so much like their men that the first furrows of tears opened in their hearts. It was one of the younger ones who began the weeping. The others, coming to, went from sighs to wails, and the more they sobbed the more they felt like weeping, because the drowned man was becoming all the more Esteban for them, and so they wept so much, for he was the more destitute, most peaceful, and most obliging man on earth, poor Esteban. So when the men returned with the news that the drowned man was not from the neighboring villages either, the women felt an opening of jubilation in the midst of their tears 'Praise the Lord,' they sighed, 'he's ours' The men thought the fuss was only womanish frivolity. Fatigued because of the difficult nighttime inquiries, all they wanted was to get rid of the bother of the newcomer once and for all before the sun grew strong on that arid, windless day. They improvised a litter with the remains of foremasts and gaffs, tying it together with rigging so that it would bear the weight of the body until they reached the cliffs. They wanted to tie the anchor from a cargo ship to him so that he would sink easily into the deepest waves, where fish are blind and divers die of nostalgia, and bad currents would not bring him back to shore, as had happened with other bodies. But the more they hurried, the more the women thought of ways to waste time. They walked about like startled hens, pecking with the sea charms on their breasts, some interfering on one side to put a scapular of the good wind on the drowned man, some on the other side to put a wrist compass on him , and after a great deal of get away from there, woman, stay out of the way, look, you almost made me fall on top of the dead man, the men began to feel mistrust in their livers and started grumbling about why so many main-altar decorations for a stranger, because no matter how many nails and holy-water jars he had on him, the sharks would chew him all the same, but the women kept piling on their junk relics, running back and forth, stumbling, while they released in sighs what they did not in tears, so that the men finally exploded with since when has there ever been such a fuss over a drifting corpse, a drowned nobody, a piece of cold Wednesday meat. One of the women, mortified by so much lack of care, then removed the handkerchief from the dead man's face and the men were left breathless too He was Esteban. It was not necessary to repeat it for them to recognize him. If they had been told Sir Walter Raleigh, even they might have been impressed with his gringo accent, the macaw on his shoulder, his cannibal-killing blunderbuss, but there could be only one Esteban in the world and there he was, stretched out like a sperm whale, shoeless, wearing the pants of an undersized child, and with those stony nails that had to be cut with a knife. They only had to take the handkerchief off his face to see that he was ashamed, that it was not his fault that he was so big or so heavy or so handsome, and if he had known that this was going to happen, he would have looked for a more discreet place to drown in, seriously, I even would have tied the anchor off a galleon around my nick and staggered off a cliff like someone who doesn't like things in order not to be upsetting people now with this Wednesday dead body, as you people say, in order not to be bothering anyone with this filthy piece of cold meat that doesn't have anything to do with me. There was so much truth in his manner taht even the most mistrustful men, the ones who felt the bitterness of endless nights at sea fearing that their women would tire of dreaming about them and begin to dream of drowned men, even they and others who were harder still shuddered in the marrow of their bones at Esteban's sincerity. That was how they came to hold the most splendid funeral they could ever conceive of for an abandoned drowned man. Some women who had gone to get flowers in the neighboring villages returned with other women who could not believe what they had been told, and those women went back for more flowers when they saw the dead man, and they brought more and more until there were so many flowers and so many people that it was hard to walk about. At the final moment it pained them to return him to the waters as an orphan and they chose a father and mother from among the best people, and aunts and uncles and cousins, so that through him all the inhabitants of the village became kinsmen. Some sailors who heard the weeping from a distance went off course and people heard of one who had himself tied to the mainmast, remembering ancient fables about sirens. While they fought for the privilege of carrying him on their shoulders along the steep escarpment by the cliffs, men and women became aware for the first time of the desolation of their streets, the dryness of their courtyards, the narrowness of their dreams as they faced the splendor and beauty of their drowned man. They let him go without an anchor so that he could come back if he wished and whenever he wished, and they all held their breath for the fraction of centuries the body took to fall into the abyss. They did not need to look at one another to realize that they were no longer all present, that they would never be. But they also knew that everything would be different from then on, that their houses would have wider doors, higher ceilings, and stronger floors so that Esteban's memory could go everywhere without bumping into beams and so that no one in the future would dare whisper the big boob finally died, too bad, the handsome fool has finally died, because they were going to paint their house fronts gay colors to make Esteban's memory eternal and they were going to break their backs digging for springs among the stones and planting flowers on the cliffs so that in future years at dawn the passengers on great liners would awaken, suffocated by the smell of gardens on the high seas, and the captain would have to come down from the bridge in his dress uniform, with his astrolabe, his pole star, and his row of war medals and, pointing to the promontory of roses on the horizon, he would say in fourteen languages, look there, where the wind is so peaceful now that it's gone to sleep beneath the beds, over there, where the sun's so bright that the sunflowers don't know which way to turn, yes, over there, that's Esteban's village
| |
|
|
|
|
|
|
Re: أجمل رجل غريق في العالم ... (Re: Dalal Ezzaldin)
|
قصة غابريل غارسيا ماركيز عن مجموعة Strange Pilgrims الصادرة عن دار Jonathan Cape London 1993. ترجمة : علي سالم هذة هي القصة الثالثة من المجموعة أعلاة والتي تحتوي على أثنتي عشر قصة أنوي ترجمة البقية الباقية منها ، علماً بأن هذة المجموعة قد ترجمت الى العربية من قبل السيد صالح علماني بعنوان اثنتا عشرة قصة قصيرة مهاجرة ونُشرت الترجمة في طبعتها الاولى عام 1993 عن دار الأهالي للطباعة والنشر والتوزيع في دمشق ولا أدري عن أي لغة تمت . وهنا أحث الأخوة الأعزاء من القراء المتابعين لترجمات تصدر لأعمال نفس الكاتب مرتين أو ثلاث كما هو شائع ، أن يطلعوا على الترجمة الآنفة الذكر تجنباً للشبهة والإلتباس . ترجمة ماركيز من نوع السهل الممتنع ، فالجمل تختزن إيحاءات وصور لاتبدو للعيان للوهلة الأولى، و تكون صعوبة الترجمة مضاعفة إذا تمت عن ترجمة أخرى ، كما في حالتي أنا إذ أترجم عن الانكليزية لكوني أجهل الإسبانية تماماً . وعلى كل حال فالترجمة نوع من الإجتهاد قرباً أو بعداً عن روح الأصل . أتمنى كمترجم أن أكون قد وفقت بعض الشيء في نقل لمحة من لمحات ماركيز .
سبعة عشر إنجليزياً مسموماً
غابريل غارسيا ماركيز
الشيء الأول الذي لاحظتة السنيورة برودنثيا لينيرو عندما وصلت ميناء نابولي هو رائحتة التي ذكرتها برائحة ميناء ريوهاشا . وبالطبع لم تخبر أحداً بذلك ، لأن لاأحد من ركاب تلك الباخرة الخطية العجوز من طليان بوينس آيريس العائدين لرؤية وطنهم الأم ، لأول مرة منذ الحرب ، والذين تكاد الباخرة تفيض بهم ، كان سيفهم مغزى ملاحظتها هذة ، لكنها على أي حال ، رغم عمرها البالغ إثنان وسبعون عاماً ، ورغم السفرة الطويلة التي أستمرت لثمانية عشر يوماً متواصلة في بحار عاتية بعيداً عن أهلها وبيتها ، شعرت بأنها كانت أقل وحدة ، وأقل خوفاً ونأياً . كانت أضواء اليابسة قد برزت للعيان منذ الفجر . وكان المسافرون قد غادروا أسرّتهم في وقت أبكر من الوقت المعتاد ، مرتدين ثياباً جديدة ، وقلوبهم مثقلة بشكوك النزول على الشاطيء ، بحيث بدا لهم الأحد الفائت الذي أمضوة على متن السفينة وكأنة اليوم الوحيد الحقيقي في الرحلة كلها . كانت السنيورة برودنثيا لينيرو من القلائل الذين حضروا القداس . وخلافاً للثياب الشبيهة بثياب الحداد التي أرتدتها من قبل ، لتقوم بجولة حول السفينة ، أرتدت اليوم ثوباً من التُنك الأسمر الغليظ مزنراً بحبل القديس فرانسس ، و نعلين جلديين خشنين لايشبهان نعلي حاج ، فقط لانهما كانا جديدين تماماً . كانت تلك الثياب تمثل بادرة شكر مبكرة للرب تعبيراً عن العهد الذي قطعتة على نفسها أمامة بإرتداء مسوح الراهبات بقية حياتها لو حقق لها أمنيتها بالسفر الى روما لرؤية الحبر الأعظم ، و الآن تعتبر إن الرب قد أستجاب لها و بارك لها تلك الأمنية بالفعل . عند نهاية القداس أوقدت شمعة الى الروح القدس عرفاناً بالجميل على إلهامها الشجاعة التي مكنتها من تحمل أنواء البحر الكاريبي ، وصلت لكل طفل من أطفالها التسعة وأحفادها الأربعة عشر الذين كانوا يحلمون بها في تلك اللحظة بالذات ، في ليلة من ليالي ريوهاشا العاصفة . عندما صعدت الى سطح المركب بعد الفطور ، كانت الحياة قد تغيرت على ظهر السفينة . كان العفش مكوماً في صالة الرقص ، الى جانب جميع أنواع الحقائب السياحية التي إبتاعها الطليان في أسواق الأنتيل السحرية ، وفوق بار البهو جلس قرد من فصيلة المكاك جُلب من برنام بوكو داخل قفصة الحديدي . كان صباحاً رائعاً من صباحات أوائل أغسطس / آب . واحداً من صباحات تلك الآحاد الصيفية المثالية لفترة مابعد الحرب التي كان فيها الضوء يشبة إلهاماً يومياً . تقدمت السفينة الهائلة بتؤدة ، وبأنفاس متقطعة كأنفاس رجل مريض ، خلال الماء الساكن الشفاف . ولاح في الأفق الحصن الكئيب لأدواق أنجو ، وظن الركاب الذين تجمعوا على السطح أنهم تعرفوا من جديد على أماكنهم المألوفة ، فأخذو يشيرون اليها حتى قبل أن يكونوا قد رأوها تماماً ، وهم يصيحون فرحين بلهجاتهم الجنوبية . أما السنيورة برودينسيا لنيرو ، التي كسبت الكثير من الأصدقاء العجائز الأعزاء على المركب ، وكانت تتبرع برعاية الأطفال الذين يذهب آبائهم للرقص ، حتى انهم قامت بخياطة أحد أزرار بدلة الضابط الأول ، فقد وجدت ، لدهشتها ، ان جميع أصدقائها قد أصبحوا غرباء وبعيدين . وأحست بإن الروح الإجتماعية والدفء الإنساني اللذين سمحا لها بتجاوز مشاعر حنينها الاولى تحت حرارة المدار الخانقة قد أختفيا الآن . وهاهي تشهد بمجرد أن ظهر الميناء للعيان كيف تنتهي قصص الحب والصداقات الأبدية التي تُنسج في أعالي البحار. ظنت السنيورة برودنثيا لينيرو ، التي لم تكن معتادة على طبيعة الطليان المهذارة ، إن المشكلة لاتكمن في نفوس الآخرين بل في نفسها هي بالذات ، لأنها كانت الوحيدة التي تسافر بلا رفيق مع هذا الحشد العائد الى أرض الوطن . وفكرت وهي تشعر للمرة الأولى بذلك الألم المبرح الذي يصاحب إدراك المرء لغربتة المفاجئة بأن أي رحلة أخرى لابد أن تكون مثل هذة . أتكئت على الحاجز وأخذت تفكر بمخلفات الكثير من العوالم المنقرضة المترسبة في أعماق المياة . فجأة أفزعتها بصرخة مرعبة فتاة جميلة جداً تقف الى جانبها: 'Mamma mia' صرخت الفتاة مشيرة الى الأسفل ، ' أنظري هناك '
لقد كان رجلاً غريقاً . رأتة السنيورة برودنثيا لينيرو يطفو على ظهرة ، رجل ناضج ، أصلع ، ذو مهابة طبيعية نادرة ، عيناة المفتوحتان السعيدتان لهما لون السماء في الفجر . كان يرتدي بدلة سهرة كاملة مع صديري مقصب ، وحذاء جلد مفصل خصيصاً لة ، وفي طية سترتة كان ثمة زهرة يانعة . في يدة اليمنى كان يمسك علبة صغيرة مربعة ملفوفة بورق هدايا ، وأصابعة الحديدية الشاحبة متمسكة بمقدم السفينة ، وهو الشيء الوحيد الذي أتيح لة التمسك بة لحظة موتة .
' لابد انة سقط من حفلة عرس ' قال أحد ضباط السفينة ' يحدث هذا الشيء كثيراً في هذة المياة أيام الصيف ' .
لقد كان مشهداً عابراً ، لأنهم في تلك اللحظة بالذات كانوا يدخلون المرفأ ، حيث شرعت أمور أخرى أقل مأساوية تستحوذ على أهتمام الركاب . لكن السنيورة برودنثيا لينيرو ظلت تفكر بالرجل الغريق ، الرجل الغريق المسكين ، الذي كان ذيل سترتة الطويلة يتموج في فورة الماء الخارجة من تحت السفينة . تقدم قارب سحب عتيق ، حالما دخلت السفينة الى المرفأ ، وأقتادها من أنفها عبر متاهة من حطام مراكب عسكرية دُمرتها الحرب . وعندما شقت السفينة طريقها عبر غابة الهياكل الصدئة ،أخذ الماء يستحيل زيتاً ، وأصبحت الحرارة أشد حتى من حرارة ريوهاشا في الثانية بعد الظهر . وبرزت المدينة على الجانب الآخر من القنال الضيق ، متألقة تحت شمس الضحى بقصورها الخيالية وبيوتها العتيقة الملونة المكدسة فوق التلال . في هذة اللحظة إنبعثت من القعر المضطرب رائحة عفن شديدة ، ذكّرت السنيورة برودنثيا لينيرو برائحة السراطين النتنة المنبعثة من فناء دارها . وبينما كانت هذة المناورة تجري ، ميّز الركاب الذين كادوا يطيرون من الفرح أقاربهم وسط الحشد الذي تجمع على رصيف الميناء . و معظم هولاء الأقارب كن سيدات في خريف العمر ذوات صدور ضخمة ، يرتدين ثياب حداد سوداء تكاد تخنقهن ويملكن أكثر الأطفال جمالاً وعدداً في العالم . الى جانبهن كان يقف أزواج صغار الأجسام ، يقظون ، من النوع الخالد الذي يقرأ الصحف بعد فراغ الزوجات منها ، والذي يتلفع دوماً بثياب رسمية صارمة كثياب كتاب العدل ، رغم أنف الحرارة . في وسط هذا الهرج الكرنفالي قام رجل عجوز يرتدي معطفاً قذراً ولة وجه يتجاوز بؤسة حدود المواساة باخراج حفنة كبيرة من كتاكيت الدجاج الصغيرة من جيبية بكلتا يدية . وفي لحظة غطت الكتاكيت كامل الرصيف ، مهتاجة وموصوصة ، وبسبب كونها كتاكيت سحرية فقد نجا العديد منها وواصل جرية حتى بعد وطئها بأقدام الحشد الذي لم يكن منتبهاً لهذة المعجزة . قلب الساحر قبعتة ووضعها على الأرض ، لكن لاأحد من الواقفين عند الحاجز قذفة بقطعة نقد واحدة ، ولو على سبيل الإحسان . أفتتنت السنيورة برودنثيا لينيرو بغرابة هذا العرض العجيب الذي بدا وكأنة كان يقدم على شرفها ، لأنها الوحيدة التي قدرتة حق قدرة ، ونتيجة لإنشغلها بالعرض لم تنتبة للحظة التي أنزلوا فيها معبر النزول الذي أحتلة على الفور سيل بشري إنهال على السفينة بزخم مدو كزخم هجوم قرصاني . أصابها صوت الإبتهاج الجامح هذا ورائحة البصل الزنخة المنبعثة تحت وطأة القيظ من أفواة العديد من العوائل ، بالدوار ، ووجدت نفسها تُدفع هنا وهناك من قبل زمر من الحمالين المتنافسين على نقل العفش لحد تبادل اللطمات . وشعرت بأن الموت الشائن الذي كان يتهدد الكتاكيت الصغار على الرصيف كان يستهدفها هي أيضاَ ، فجلست على صندوق ثيابها الخشبي ذو الزوايا المعدنية المطلية غير آبهة بشيء ، وشرعت ترتل سلسلة من الصلوات الحميمة لحمايتها من الغواية والأخطار في هذة الأرض التي فقدت إيمانها . عندما أنحسر المد البشري وجدها الضابط الأول تجلس وحيدة في صالة الرقص المهجورة .
' لايسمح لأحد بالبقاء هنا الآن ' قال لها الضابط بود حقيقي . ' هل تسمحيلي في المساعدة بشيء ؟ ' .
قالت ' يجب علي إنتظار القنصل ' كان ذلك صحيحاً . فقبل يومين من إبحارها ، أرسل إبنها البكر برقية لصديقة قنصل نابولي ، راجياً منة ملاقاة والدتة في الميناء ومساعدتها في إتمام إجراءات الدخول لكي تواصل مسيرها الى روما ، ذاكراً لة أسم السفينة ووقت وصولها ، وإمكانية التعرف على أمة لأنها ستكون مرتدية مسوح القديس فرانسس عند وصول سفينتها الى المرسى . لقد كانت متمسكة جداً بهذة الترتيبات بحيث لم يجد القبطان بداً من تركها تنتظر لفترة أطول ، رغم إقتراب موعد غداء أفراد الطاقم ، الذين شرعوا فعلاً بوضع الكراسي على الطاولات و بدأوا بغسل الأرضية بجرادل الماء ، مضطرين لتحريك صندوق ثيابها عدة مرات لمواصلة العمل ، لكنها كانت تغير مكانها كلما طلبوا منها ذلك دون أن يطرأ أي تغيير على تعابير وجهها ، ودون أن تقطع صلواتها ، حتى أخرجوها أخيراَ من صالة الإستجمام وتركوها تجلس في وهج الشمس وسط قوارب الإنقاذ . وهناك وجدها الضابط الأول للمرة الثانية غارقة في عرقها داخل مسوح التوبة مرددة صلواتها دون أمل لأنها كانت تشعر بالخوف والحزن ، سلاحيها الوحيدين الذين كانت تدرأ بهما الإنخراط في البكاء .
قال الضابط وقد تبخرت من وجهة ملامح الود كلياُ ' من الغير المجدي بالنسبة لك الإستمرار في الصلاة ، فحتى الرب نفسة يذهب في أجازة أيام أغسطس'
ثم قال لها بأن نصف ايطاليا في هذا الوقت من العام تذهب الى الساحل ، خصوصاً أيام الأحد . و إن القنصل لم يذهب على الأرجح في أجازة ، نظراً لطبيعة عملة ، لكن من المؤكد إنة لن يفتح مكتبة حتى يوم الاثنين . إذن الشيء الوحيد المعقول هو النزول في فندق ، والنوم جيداً لليلة واحدة ، ثم الإتصال بة تلفونياً في اليوم التالي ؛ ولاشك أن نمرتة موجودة في دفتر التلفونات . لم تكن السنيورة برودنثيا لينيرو تملك أي خيار غير القبول بقرار الضابط الأول الذي ساعدها في إجراءات الهجرة والكمارك وتبديل النقود ووضعها في سيارة أجرة ، مقدماً للسائق تعليمات غامضة حول ضرورة أخذها الى فندق محترم .
شرعت سيارة الأجرة التي لاتزال تحمل آثار حياتها السابقة كعربة لنقل الموتى في السير مترنحة داخل الشوارع المهجورة . وظنت السنيورة برودنثيا لينورا للحظة إنها والسائق كانا آخر من بقي على قيد الحياة في هذة المدينة المهجورة التي تتدلى أشباحها من حبال الغسيل المنتشرة وسط الشارع ، لكنها فكرت أيضاً بأن الرجل أذا كان ثرثاراً ولايتوقف لحظة عن الكلام بقوة وحرارة ، كهذا السائق ، فلن يكون لدية الوقت الكاف للتفكير بإيذاء سيدة عجوز وحيدة جازفت بحياتها وتحملت أهوال المحيط من أجل رؤية الحبر الأعظم .
لاح لها البحر ثانية عندما وصلا الى نهاية هذة المتاهة من الشوارع . وواصلت سيارة الأجرة ترنحها على طول الساحل المهجور المشتعل المبقع بالعديد من الفنادق الصغيرة المطلية بألوان زاهية . لكن السيارة لم تتوقف أمام أي منها ، بل واصلت السير قدماً لتتوقف أمام فندق تلوح علية مسحة من الرصانة ، ينتصب داخل حديقة عامة فيها أشجار نخيل عالية ومصاطب خضراء . وضع السائق صندوق الثياب على الطوار المظلل ، و قال عندما شاهد التردد على وجة السنيورة برودنثيا لينورا ، بأن هذا الفندق من أكثر فنادق نابولي إحتشاماً .
رفع حمال وسيم ، طيب القلب صندوق الثياب على كتفية وتولى مهمة العناية بها . وقادها الى مصعد ذو باب حديدي مشبك أضيف بشكل مرتجل الى بئر السلم ، وأنطلق يغني بأعلى صوتة وباصرار مفزع لحناً لبوتشيني . لقد كانت البناية مهيبة ، وتحتوي على فندق مختلف في كل طابق من طوابقها التسعة المرممة حديثاً . فجأة ، وبنوع من الهلوسة ، شعرت السنيورة برودنثيا لينيرو داخل المصعد بأنها محصورة داخل قن للدجاج يصعد ببطء وسط اصداء فراغ السلم المرمرية ، ملتقطاً ومضات عابرة لنزلاء الطوابق الأخرى في شققهم وهم في أكثر لحظات غفلتهم حميمية ، بسراويلهم الداخلية الممزقة وصوت تجشئاتهم الفائحة بالحموضة . عندما وصلا الطابق الثالث توقف المصعد مرتجاً ، ثم توقف عامل الفندق عن الغناء ، وفتح باب المصعد الحديدي المشبك القابل للطي وأشار بحركة توقير مسرحية موضحاً للسنيورة برودنثيا لينيرو أنهما وصلا الى شقتها .
في الردهة شاهدت مراهقاً يجلس بتكاسل خلف مكتب خشبي مطعم بزجاج ملون ، ونباتات ظلية في أصص من النحاس . وأحبتة على الفور لأنة كان يشبة حفيدها الأصغر بخصلات شعرة الملائكية المجعدة . وأحبت أسم الفندق ، المحفورة حروفة على لوحة برونزية ، واحبت رائحة حمض الكاربوليك ، وأحبت أغصان السرخس المتدلية ، أحبت الصمت ، أحبت زهور الزنبق التي كانت تزين ورق الجدران . ثم خطت خارج المصعد ، وأنكمش قلبها عندما شاهدت مجموعة من السياح الأنكليز يرتدون بناطيل قصيرة وينتعلون صنادل خفيفة من النوع الذي يرتدية السياح على الشواطيء يغطون في النوم على صف طويل من الكراسي . كانوا سبعة عشر سائحاً ، يجلسون بشكل متماثل ، وكأنهم شخص واحد متكرر عدة مرات في ردهة للمرايا المتقابلة . مسحتهم السنيورة برودنثيا جميعاً بنظرة سريعة واحدة دون أن تفلح في تمييز أحدهما عن الآخر ، وكل مارأتة كان طابور من الركب الوردية الشبيهة بشرائح لحم خنزير معلقة في محل جزارة . فأحجمت عن التقدم خطوة ثانية نحو طاولة إستقبال الفندق ، وتراجعت الى داخل المصعد ، قائلة : دعنا نذهب الى طابق آخر ' .
قال عامل الفندق ' لكن هذا هو الفندق الوحيد الذي يحتوي على مطعم ' قالت ' لايهم '
أومأ العامل موافقاً ، وأغلق المصعد ، وشرع في غناء ماتبقى من الأغنية حتى توقفا عند الطابق الخامس . هنا بدا كل شيء أقل صرامة ، والمالكة كانت سيدة ذات سحنة ربيعية تتحدث الإسبانية بطلاقة ، ولم يكن ثمة أحد ينام القيلولة على الكراسي الموجودة في الردهة . لكن لم يكن هناك غرفة للطعام في الواقع ، ولحل هذة المشكلة كان الفندق متفقاً مع أحد المطاعم لتزويد زبائنة بالطعام لقاء أجر زهيد . وهكذا قررت السنيورة برودنثيا لينيرو المبيت لليلة واحدة ، بعد أن أقنعتها فصاحة سيدة الفندق ولطف شمائلها بالبقاء ، بنفس القدر الذي أقنعها أحساسها بالأرتياح لعدم وجود أنجليزي واحد أحمر الركبتين ينام في الردهة .
في الثالثة بعد الظهر أُغلقتْ الستائر في غرفة نومها ، وأمتصت العتمة الخفيفة داخل الغرفة الصمت البارد المنبعث من أيكة خفية ، وأصبح المكان مهيأً للبكاء . وحالما وجدت السنيورة برودنثيا لينيرو نفسها وحدها سارعت الى غلق الباب بالرتاج ، وتبولت للمرة الأولى منذ الصباح ، مطلقةً خيطاً مائياً رفيعاً متردداً ، جعلها تستعيد الإحساس بهويتها التي أضاعتها خلال الرحلة . ثم تمددت على جنبها الأيسر على السرير المزدوج الذي كان واسعاً جداً وموحشاً بالنسبة لإمرأة وحيدة ، وقامت بإطلاق سيل آخر من دموع طال إحتباسها .
لم تكن هذة هي المرة الاولى التي تغادر فيها ريوهاشا وحسب ، بل واحدة من المناسبات القليلة التي تركت فيها بيتها بعد زواج أبنائها ومغادرتهم للبيت ، تاركينها للعيش وحيدة مع خادمتين هنديتين حافيتين للعناية بجسد زوجها الغاط في غيبوبة أبدية . لقد أمضت نصف عمرها داخل غرفة النوم قبالة ذلك الحطام البشري العائد للرجل الوحيد الذي منحتة حبها ، والذي ظل غائباً عن الوعي قرابة الثلاثين سنة ، فوق حشية من جلد الماعز كانت تحتل السرير الذي شهد غرامياتهما الحميمة أيام الشباب .
وخلال شهر أكتوبر المنصرم ، فتح العليل عينية في ومضة صحو مفاجئة ، وتعرف على عائلتة ، وطلب منهم جلب مصور . وجلبوا مصوراً عجوزاً من الحديقة حاملاً كاميرتة ذات الردن الأسود ولوحة مغنيسيوم لإلتقاط الصور في البيت . وقام الرجل المريض بترتيب الصور بنفسة وقال ، واحدة لبرودنثيا من أجل الحب والسعادة التي منحتهما إياي في حياتي ، وألتُقطت هذة الصورة بأول ومضة للمغنيسيوم . ثم قال ' والآن صورتان أخريان لبنتي العزيزتين ، برودنثيا وناتاليا ' . والتقطت الصورتين. ' والآن صورتين أخريين لولدي ، اللذان أصبحا بحنانهما وسداد رأيهما مثالاً لجميع أفراد العائلة ' وهكذا دواليك حتى نفذ ورق التصوير وأضطر المصور الى أن يهرع الى بيتة لجلب المزيد منة . وفي الساعة الرابعة عندما أمتلأت الغرفة بدخان المغنيسيوم وبضجيج الحشد المؤلف من الأقارب والأصدقاء والمعارف الذين تدفقوا على المكان للحصول على نسخة من الصور أصبح الهواء داخل الغرفة غير صالح للتنفس ، وبدأ الرجل العليل يفقد الوعي فوق سريرة ، وأخذ يلوح للجميع مودعاً وكأنة يقوم بمسح نفسة من صفحة الوجود وهو يقف على حاجز سفينة .
لم يجلب موتة الراحة لقلب الأرملة كما كان يأمل الجميع . بل على العكس فقد سبب لها حزناً شديداً جعل أبنائها يجتمون ليروا كيف يمكن لهم مواساتها ، قالت لهم إنها ترغب بالسفر الى روما لمقابلة البابا ' سأذهب لوحدي وسأرتدي مسوح القديس فرانسيس ، لقد نذرت لة نذرا'ً
لم يبق لها من كل تلك السنين الطوال التي قضتها في السهر والرعاية غير الراحة والعزاء اللذان يمنحمهما البكاء . وعلى السفينة ، عندما أضطرت الى مشاركة أختين من الطائفة الكلاريسية * نفس الغرفة قبل أن تغادرا السفينة في مرسيليا ، كانت تقضي في الحمام وقتاً أطول من المعتاد ليتسنى لها البكاء دون رقيب . وبالنتيجة فقد كانت غرفة الفندق في نابولي المكان الوحيد المناسب الذي عثرت علية منذ مغادرتها لريوهاشا حيث يمكنها البكاء ماشاء لها ذلك حتى تتسلل الراحة الى قلبها . و كان يمكن أن تواصل البكاء حتى اليوم التالي، لولا مجيء صاحبة الفندق وقرعها الباب في السابعة ، موعد مغادرة القطار الى روما ، لتخبرها بأنها لن تجد ماتأكلة إن لم تنزل حالاً الى المطعم .
رافقها عامل الفندق . وفي هذة اللحظة كان نسيم منعش قد بدأ يهب من البحر، وعلى الشاطيء كان بعض السابحين لازالوا يتجولون تحت تحت شمس الصباح الشاحبة . تبعت السنيورة برودنثيا لينيرو عامل الفندق الذي سار بها في شوارع منحدرة ضيقة ذات أرض قاسية كانت تستيقظ للتو من قيلولة يوم الأحد ، لتجد نفسها داخل تعريشة مظللة تستقر تحتها طاولات مغطاة بقماش مقصب بخطوط حمراء وجرار أُنبتت فيها زهور ورقية . كان المطعم خالياً من الزبائن في تلك الساعة المبكرة من النهار وكان الوحيدون الذين شاركوها الطعام هم الخدم والخادمات وقس معدم كان يتناول خبزاً وبصلاً على طاولة سوداء . عندما دخلت شعرت بعيون الجميع تستقر على ردائها البني ، لكن ذلك لم يؤثر بها ، لأنها كانت تعرف بأن السخرية كانت جزء من كفارتها . من جانب آخر أثارت الخادمة إحساسها بالشفقة ، لأنها كانت شقراء وجميلة ، وتتكلم كما لو كانت تغني . وفكرت السنيورة برودنثيا لينيرو بأن الأوضاع في إيطاليا بعد الحرب كانت لابد سيئة جداً وإلا لما أضطرت فتاة مثلها للخدمة في مطعم . لكنها شعرت بالراحة تحت التعريشة المزهرة ، وأيقظت نكهة المرق المطهي بورق الكستناء المنبعثة من المطبخ إحساسها بالجوع الذي أجلتة متاعب و قلق ذلك اليوم . وأحست للمرة الأولى منذ زمن طويل بأنها لم تكن راغبة بالبكاء . ومع ذلك لم تتمكن من الأكل كما كانت تشتهي ، لأنها من ناحية لم تكن قادرة على التفاهم مع الخادمة الشقراء ، رغم ماأبدتة الأخيرة من حنان وصبر ، ومن ناحية أخرى لأن اللحم الوحيد المتوفر في المطعم هو لحم الطيور الصغيرة المغردة التي يربونها داخل الأقفاص في ريوهاشا . حاول القس الذي كان يلتهم طعامة في الزاوية ، والذي ترجم لها فيمابعد ، أن يفهمها بأن حالة الطواريء في اوربا لم تنته بعد ، وبأن وجود عدد قليل من طيور الغابات صالح للأكل يعد على الأقل معجزة بحد ذاتة . لكنها أبت أن تأكل و دفعت بالطعام بعيداً .
وقالت ' بالنسبة لي سيكون الأمر مثل إلتهام واحداً من أبنائي' .
وأنتهى بها الأمر الى تناول حساء من الشعرية ، وصحن من القرع المطبوخ مع شرائح صغيرة من لحم الخنزير المقدد الزنخة ، وقطعة خبز صلبة كالرخام . وبينما كانت تأكل، أقترب القس من طاولتها وطلب منها أن تشتري لة قدح من الشاي على سبيل الإحسان . كان قساً يوغسلافياً عاش شطراً من حياتة مبشراً في بوليفيا ، وكان ينطق الإسبانية بطريقة خرقاء ، معبرة . وبدا للسنيورة برودنثيا لينيرو مجرد شخص عادي لايحمل محياة أي أثر للإنغماس في الحياة الروحية ، مستدلة على ذلك من يدية المخزيتين وأظافرة المهشمة القذرة ، ورائحة البصل العنيدة في أنفاسة والتي بدت على الأرجح كجزءأً لايتجزأ من شخصيتة . لكنة كان يعمل في خدمة الرب ، على أي حال ، وكان من دواعي سرورها كذلك ، وهي على هذا البعد السحيق عن الوطن ، أن تقابل إنساناً تستطيع التحدث إلية . تحدثا على مهل ، غير منتبهين لضجة الفناء العالية التي أخذت تطوقهم عندما أخذ المزيد من الزبائن يشغل الطاولات الأخرى المجاورة . كانت السنيورة برودنثيا لينيرو قد توصلت الى إتخاذ قرار قاطع يتلخص في عدم حبها لايطاليا . ولايعود السبب في ذلك الى كون رجالها غير محتشمين بعض الشيء ، وهو أمر يعني الكثير ، أو لأنهم كانوا يلتهمون الطيورالمغردة ، وهو أمر لايمكنها قبولة ، بل بسبب عادتهم الشريرة في ترك الغرقى يطفون على الماء .
أما القس الذي كان قد طلب على حسابها كأساً من شراب الغرابا وقهوة ، فقد حاول أن يوضح لها سطحية رأيها بالإيطاليين ، لأنهم أسسوا خلال الحرب نظاماً فعالاً جداً للإنقاذ والتعرف على ضحايا الغرق الذين يُعثر عليهم طافين في خليج نابولي ودفنهم في رحم الأرض المقدسة . وختم القس حديثة قائلاً ' قبل قرون إكتشف الايطاليون بأن الحياة تُعاش مرة واحدة ، لذا ترينهم يفعلون مابوسعهم لكي يحققوا ذلك على أكمل وجة . لقد جعلهم هذا الإكتشاف حريصين وثرثارين ، لكنة طهرهم أيضاً من أدران القسوة ' .
قالت ' إنهم لم يبادروا حتى الى إيقاف السفينة ' .
قال القس ' مايفعلونة عادة هو الإتصال بسلطات الميناء عبر الراديو . سيكونون قد التقطوة الآن ودفنوة بإسم الرب ' .
بدّل النقاش مزاجيهما . وفي اللحظة التي أنهت فيها السنيورة برودنثيا لينيرو طعامها ، إنتبهت الى أن جميع الطاولات أصبحت مشغولة . وشاهدت على الطاولات القريبة ، سواح شبة عراة يلتهمون الطعام بصمت ، وبينهم بعض العشاق الذين كانوا يتبادلون القبل ولايأكلون . وفي الطاولات الخلفية ، القريبة من البار ، كان أبناء الحي يلعبون النرد ويحتسون نبيذاً شفافاً . وفهمت السنيورة برودنثيا لينيرو بأنها كانت تملك سبباً واحداً فقط لوجودها في هذا البلد الكرية.
سألتة 'هل تعتقد إن رؤية البابا ستكون صعبة جداً ؟ '
ورد القس قائلاً بأن لاشيء أسهل من ذلك في الصيف .لقد كان البابا في الفاتيكان في قلعة غوندولفو ، وفي أماسي الأربعاء كان يلقي بموعظة جماعية لجموع الحجاج الوافدين من شتى أنحاء العالم . وكان رسم الدخول زهيداً جداً : عشرون ليرة فقط .
سألتة 'وكم يتقاضى لقاء الإستماع الى إعترافات شخص ما ؟'
قال القس مفزوعاً ' الأب المقدس لايسمع الإعترافات ، عدا إعترافات الملوك طبعاً ' .
قالت ' لاأدري لماذا يحرم عجوز مسكينة من تلك المنة التي تجشمت لأجلها كل هذا العناء '
قال القس ' وبعض الملوك ، رغم كونهم ملوكاً ، يموتون من فرط الإنتظار . لكن أخبريني هل إن خطيئتك كبيرة الى الحد الذي يدعوك الى هذا السفر الطويل لوحدك لمجرد الإعتراف أمام قداسة البابا ' .
فكرت السنيورة برودنثيا لينورا قليلاً ، وشاهد القس إبتسامتها للمرة الاولى .
قالت ' ياأم الرب ، سأرضى بمجرد النظر الية ' . ثم أضافت بإشارة بدت نابعة من روحها ' إنة الحلم الذي أنتظرتة طوال حياتي ' .
في الحقيقة كانت لاتزال تشعر بالخوف والتعاسة ، وكل ماكانت تطلبة هو أن تغادر دون إبطاء المطعم ، وإيطاليا على السواء . ويبدو أن الراهب فكر بأنة لن ينال من هذة العجوز المخدوعة أكثر مما نال ، فقرر تركها متمنياً لها حظاً طيباً وذهب الى طاولة أخرى ليستجدي بإسم الإحسان كوباً آخراً من القهوة .
عندما خرجت من المطعم ، وجدت السنيورة برودنثيا لينيرو نفسها في مدينة أخرى مختلفة . أدهشتها أشعة شمس التاسعة ، وأخافها الحشد الصاخب الذي أحتل الشوارع وحرمها من سلوى التمتع بنسيم المساء . لقد شعرت بأن الحياة مستحيلة وسط كل هذة الدراجات النارية من نوع فيسبا التي كانت تهدر بجنون ، والتي يقودها رجال عراة الصدور مع نسائهم الجميلات الجالسات خلفهم ، المتشبثات بخصورهم . كانوا يجعلون الدراجات تثب فجأة ، وهم ينطلقون بها متمايلين وسط لحوم الخنازير المعلقة وبسطات البطيخ . كان جواً كرنفالياً ، لكنة بالنسبة للسنيورة برودنثيا لينيرو كان كارثياً . فظلّت طريقها ، ووجدت نفسها فجأة في شارع غير مناسب تجلس فية نسوة صامتات على عتبات بيوت متشابهة وامضة بمصابيح حمراء جعلتها ترتجف ذعراٌ . تبعها مسافة عدة بنايات رجل أنيق يرتدي خاتماً ذهبياً ثقيلاً ويضع ماسة في ربطة عنقة وقال لها شيئاً بالإيطالية ، ثم بالانكليزية والفرنسية . وعندما لم يستلم منها رداً ، أراها بطاقة بريدية من علبة إستلها من جيبة ، وبلمحة سريعة لتلك البطاقة شعرت إنها كانت تجوس في دروب الجحيم .
فرت فزعة ، وفي نهاية الشارع عثرت ثانية على البحر الشفقي وشمت نفس رائحة المحار المتفسخ العطنة الشبيهة برائحة ميناء ريوهاشا فأحست بالسكينة تعود الى قلبها المضطرب . وميزت ثانية نفس الفنادق الملونة الموجودة على طول الشاطيء المهجور ، و‘ تكسيات ‘ المآتم ، وماسة أول نجم يظهر في السماء الشاسعة . وفي الطرف القصي للخليج ، ميزت سفينتها التي أبحرت على متنها ، تجثم وحيدة وعملاقة عند رصيف المرفأ ، متوهجة بالأنوار في جميع طوابقها ، وشعرت بأنها لاترتبط بها بأي صلة . إنحرفت نحو اليسار عند المنعطف لكنها عجزت عن الإستمرار بسبب وجود حشد أوقفتة شرطة الكاربينيري. وكان هناك صف من سيارات الإسعاف يقف منتظراً بأبواب مفتوحة خارج بناية فندقها .
وقفت السنيورة برودنثيا لينيرو على أطراف أصابعها لتنظر من خلف أكتاف المتجمهرين ، وشاهدت السياح الانكليز ثانية . كانوا يُحملون الى الخارج على نقالات ، واحداً تلو الآخر ، وجميعهم بلا حراك وفي وجوههم تلوح سيماء من الجلال ولايزالون يشبهون رجلاً واحداً مكرراً عدة مرات في ثيابهم الأكثر رسمية التي أرتدوها لتناول العشاء ؛ وهي سراويل من الفلانيل ، وربطات عنق مزينة بخطوط مائلة ، وسترات داكنة اللون مطرزة على جيب الصدر بشعار النبالة العائد لترينيتي كوليج . عندما كانوا يخرجونهم ، كان الجيران الذين يراقبون المشهد من الشرفات ، و الناس الذين مُنعوا من الإقتراب ، يعدونهم في آن واحد كما لوكانوا موجودين في ملعب كرة قدم . لقد كانوا سبعة عشر . وضعوهم إثنين إثنين في سيارات الإسعاف التي إنطلقت بهم على صوت صفاراتها الحربية .
دخلت السنيورة برودنثيا لينيرو المصعد ، بعد أن صعقها ماشهدتة من أحداث ، وأنحشرت مع نزلاء الفنادق الأخرى الذين كانوا يهدرون بلغات عصية على الفهم . وبعد تفرقهم في جميع الطواق عدا الطابق الثالث ، الذي كان مفتوحاً ومضاءاً ، لكن لم يكن فية أحد خلف طاولة الإستقبال أو على كراسي الردهة حيث شاهدت الركب الوردية للانكليز السبعة عشر النائمين . علقت مالكة الطابق الخامس على الكارثة بعاطفة مشبوبة ، قائلة للسنيورة برودنثيا لينيرو بالإسبانية ' لقد ماتوا جميعاً . لقد سممهم حساء المحار الذي تناولوة على العشاء . تخيلي ، محار في أغسطس ! '
ناولتها مفتاح غرفتها ، ولم تعرها مزيد من الإهتمام وراحت تقول للضيوف الآخرين بلهجتها الخاصة ' نظراً لعدم وجود غرفة للطعام هنا، فكل من يذهب للرقاد هنا يصحو حياً ! ' .
أقفلت السنيورة برودنثيا لينيرو الباب بالمزلاجين ، وهي تشعر بغصة أخرى من الدموع الحبيسة تتجمع في حنجرتها . بعد ذلك دفعت بطاولة الكتابة الصغيرة وكرسي الجلوس وصندوق ثيابها تجاة الباب ليكونوا متراساً يصعب إختراقة من قبل فضائع هذا البلد الذي تحدث فية الكثير من الأشياء دفعة واحدة . ثم أرتدت منامتها الخاصة بالأرامل ، وتمددت على ظهرها في السرير ، وتلت سبعة عشر صلاةً للإنكليز السبعة عشر المسمومين .
_______________ * طائفة كلاريس الفقيرة : طائفة من الراهبات تتفرع عن طائفة القديس فرانسيس الأسيسي و تنتسب الى سيدة من طبقة النبلاء تدعى كلاريس أو كلير الأسيسية تركت كل جاهها ومالها وعاشت حياة متقشفة كرستها للعبادة وطلب المغفرة متأثرة بالقديس فرانسيس الأسيسي .
المترجم عن الموسوعة البريطانية الميسرة .
علي سالم
| |
|
|
|
|
|
|
|