|
|
 صفوة في بلد طيره عجم (٢) / من كان الأستاذ أحمد سليمان ؟
|
صفوة في بلد طيره عجم (٢)
من كان الأستاذ أحمد سليمان ؟
د. محمد بدوي مصطفى الشيخ
[email protected]
بمشاركة الدكتور صديق بدوي مصطفى
بسم الله الرحمن الرحيم وبه أستعين والصلاة والسلام على أشرف الخلق وخاتم النبيين، سيدنا محمد، النبي الأمي، وعلى آله وصحبه أجمعين
قال تعالى
وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِين الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعونَ
صدق الله العظيم
الإخوة الكرام والأخوات الكريمات في بلادنا الحبيبة،
عانق ثرى بلاد المليون ميل مربع عصر الجمعة المنصرمة الثلاثاء الموافق ٣ من شهر أبريل ٢٠٠٩ منارة من منارات السودان الوقادة، وأفل نجم من أنجم الدبلوماسية النيرة وشعلة مضيئة من شعل الفكر السودانيّ المعاصر مازالت تظل حياتنا الثقافية بأعمالها وحبها لفعل الخير ولأهل بلادنا الفتية. وارى ثرانا الحبيب رجلا والرجال قليل! هذا المقدام، الأستاذ المحامي أحمد سليمان، الذي رحل منا ونحن لوداعه منكسرون ونحن لفراقة محزونون. دعامة من دعائم ربوعنا الخالدة، صوت من أصوات السودان الجهورة، معلم من معالم تاريخنا المعاصر، مركز من مراكز الأدب والصحافة، كتاب من كتب التقنين والقانون، مايسترو فنون المحامة النبيلة، مرفأ لكل راجل، وسبيل لكل ظمأن، لقمة لكل جوعان وجائعة، منديل لكل باكٍ، صدر لمهضومي الحقوق، منبر لكل خطيب ورفيق لكل صديق وسائر.
سلوا أنفسكم إخوتي وأخواتي الكرام!
هل رقد يوما منعما تستخفه دمعة الباكي؟ هل أغمض عينيه يوما وهو يرى إمرأة سكلى؟ هل سكت يوما لقول الحق، والحق يقال؟ هل خشي في قول الشهادة الحقة لومة لائم؟ هل مشى حاسر الرأس عند كل جمال؟ هل صد باب منزله مسكرا له ممن أتوه من العشمى؟ هل دفر عاملا أن يعمل له، أوهجر قائلا سابا له؟ هل قهر يتيما؟ وهل نهر سائلا؟ هل أظهر غيظا على أحد؟ هل أبدى دمعا في حضور أحد؟ هل تجرس من ركلة السجان؟ هل تأووه من وخذة المهين له؟ هل سار وحده وأهله في ضيم ينادون عليه؟ هل بلغ الثريا نائما؟ هل مشاها خطا سائحا؟ وهل اهتدى مما أعتقد سهوة؟ هل ارتاد سموات العلوم مهجصا؟ هل تربص لأحد؟ هل عبس وجهه لأحد؟ هل قابل يوما أحدا، كاظما له غيظا؟ هل عاتبك يوما؟ هل تبرم يوما لأحد؟ هل هضم حق أحد؟ هل سلب مال أحد؟ هل استهذأ بأحد؟ هل تجاهل أحد؟ هل هضم حق أحد؟
لا ثم لا، ولاء ولا، ثم لم ولن ولا!
أحمد سليمان المحامي ظل ويظل في قلوبنا شعلة ولأوطاننا ركيزة. أعماله باقية ودعائمه خالدة. أليس هو الزكيزة الصامدة من ركائز فكرنا السوداني بعد الأستقلال؟ تارك البصمات في كل المحافل الأدبية، الصحفية، السياسية الوطنية والدولية. الأستاذ أحمد سليمان، زوج الأستاذة المربية الكريمة نعيمة بابكر ووالد الأستاذة سارة والأستاذة هدى أحمد سليمان (أبو السارة، البقرتو دارة). هذا السياسي المحنك، الدبلوماسي الفذ، الكاتب الضليع، الأب الرؤوف، الصديق المثالي، شيخ العرب المعطاء، رمز الوطنية الوضاء، ركيزة وعمود من أهم أعمدة تأسيس المناخ الحزبي في السودان، رائد ومجدد من رواد الحزب الشيوعي العربي، حيث ترجم إلينا فكرها وعلوم قيادتها المثقفة. لعلمكم، سيداتي وسادتي الكرام، فإن أول دائرة في الإنتخابات شارك فيها على الإطلاق أعضاء الحزب الشيوعي في الإنتخابات الديموقراطية بالسودان، حاز بها الأستاذ أحمد سليمان المحامي، وحدث ولا حرج.
هذا الرجل المقدام، الصحفي الناقد، العالم الحكيم، القانوي الجبار الذي نهل من منابعة كبار الأساتيذ كالدكتور منصور خالد والأستاذ المرحوم د. جوزيف قرنق؛ الوزير والحاكم العادل الذي تقلد مناصب كُثُرٌ، وأتى إلى أول منصب له كوزير للعدل من غياهب وظلمات السجون المريرة ذأئقا أشد مراررات التعذيب والهوان، لكن دون أن يحمل حقدا على أحد ودون أن يتبرم لمهمة أُوكلت إليه، عاملا بقلبه وذاده وحبه للخير وببشاشته المنقطعة النظير، باسما للشيخ ولليافع وللحبوبة ولست الفول وصاحب الدكان وللجار الجنب والجار النائي وللشحاذ وحتى للأطفال الصغار، كان شمسا تشرق في وجوههم، کانوا يحبوه وأيّ حبٍ، كما نحبه نحن ونأسى كل الأسى لفراقه؛ فألهمنا العلي القدير جزيل الصبر وأوقد فينا قيم الأستاذ الثرية لنكون بذوره إلى يوم "البعث".
هل تعرفونه أنتم سادتي الكرام؟ وهل تدرون ما قدم هذا المفكر للسودان؟ هل تسحضرون أنه تقلد أيضا مناصب متعددة في مناخ السودان الوزاري كوزير للصناعة ووزيرللإقتصاد والتجارة الخارجية ووزير للزراعة وزير للعدل؟ هل نسيتم كيف صال وجال ببقاع الدنيا في مهامه الدبلوماسية كسفير بحق وحقيقة؟ وهل تذكرون محطاته الدبلوماسية على سبيل المثال لا الحصر سفير السودان بموسكو، وبلندن بلاغوس. ومندوبا للسودان بالأمم المتحدة وسفير للسودان بواشنطن؟
ثم ماذا لماذا يا ترى يعجز اللسان عن الإسترسال في الذكرى، وتعجز الكلمات حصر الكنوز للعبرة ،وتنزف الدمعات، وتجف البسمات، وتبقى النكسات، وتنوء الفتوات في الحديث عنه؟
ألعجز في التعبير لترجمة القليل من آثار الأستاذ؟ أم لأن الذكرى الحالمة تؤرقه وتجعله من فُرط حاله حزينا أسفا؟
لا يتسع المجال إخوتي وأخواتي الكرام للتطرق لكل كبيرة وصغيره ونحن في عجالة "الصفوة" هذه، لنعدد ونقص ما خلّفه لنا الأستاذ الجليل من آثار وافرة يجهلها الكثير من أهل سوداننا الحبيب.کما ولا تسع هذه السانحة أن نرصد مؤلفاته منها الصحفية، التاريخية، السياسية والقانونية.
لكن كلنا هنا واقفين أمام الله شاهدين له صنعه داعين له بحسن المآب وسائلين أهل العلم والفكر والسياسة في بلادنا أن يعطوا كل ذي حق حقه وأن يكرموا الأستاذ وأعمالة بأقامة معهد باسمة لتلقين فكره وحفظ آثاره وآثار الرعيل الأول من رجالات الإستقلال والفكر في بلادنا. لقد أجحفنا في حقهم ولكن كما يقول حكماء بلادنا وشيوخ العرب بقرانا: "العترة بتصلح المشي".
رحل الأستاذ أحمد سليمان ورحل العلامة الريح العيدروس ورحل البرفيسير عبدالله الطيب والروائ العملاق الطيب صالح، ومن المفكريين رواد المؤتمر الوطني على سبيل المثال لا الحصر، د. بدوي مصطفى ويحى الفضلي ومحمود الفضلي ويوسف بدري والسيد علي الميرغني والسيد أحمد الميرغني والسيد عبدالرحمن المهدي وكثير من رجالاتنا الأفزاز تاركين لنا ولأهل السودان من عامة الناس ومن المفكريين والسياسيين والدبلوماسيين والعلماء زخيرة نعتز بها. لكن يجب أن نقدر كل هؤلاء حق التقدير ويقدر أيضا هذا الراحل الباقي، من بينهم، حق قدره ونوظف من أبناءنا في الجامعات والمعاهد العليا دراسات عن أعماله وفكره ناشدين بذلك رصد مكتبة وثائقية لأعمالهم وآثارهم الثرية في دار الوثقائق المركزية.
راح الأستاذ أحمد سليمان يا سادتي الكرام ومعه من الرعيل الأول، كما ذكرنا، الكثير من رجالات الاستقلال الذين أعطوا وما فتؤا. لكن من يعرفهم من أبناءنا الآن؟
فنحن د.محمد بدوي ود. صديق بدوي وكامل أسرة الأستاذ ومحبية ومريده وطلابه الذين تتلمذوا على يديه، نقول مكريين النداء لكل رجالات الوطن من السياسيين والدبلوماسيين ورواد الفكر في السودان ولكل حادب على مصلحته ورقيه وتقدمه أن توظف لهذا الرعيل الأول دراسات علمية وجامعية لرصد آثارهم الفكرية التي خلفوها لنا.
الا رحم الله، فاطر الأرض ورافع السموات العلى وبارئ الكون جلّه، الراحل الباقي الأستاذ أحمد سليمان المحامي وألهم أهله وأحبابه وطلابه في كل بقعة من بقاع الأرض، الصبر وحب الخير له وأعاننا وإياهم في تحقيق الخير لبلادنا الفتية ولبلوغ ضالاتنا المنشودة في الرقي بالسودان إلى أعلى الدرجات وجعله مركز علم ومعرفة وحضارة يشار إليه بالبنان في كل محفل عربي كان أم إفريقي أو عالمي وما التوفيق إلا من عند الله واعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله.
جزاكم الله عن الأستاذ وكامل أسرته خير الجزاء بتكبدكم لمشقه السفر والترحال وألهمنا وإياكم وافر الصبر والسلوان.
بلِّغوا والله على ما نقول وكيل.
إنتظروني في الحلقة القادمة!
(www.nihal.org) عميد تأسيس جامعة نهال الأوروبية بالسّودان
أستاذ اللسانيات والأدب بجامعة كونستانس (ألمانيا)
(www.mohamed-badawi.com)
|
|
 
|
|
|
|
محمد بدوي مصطفى
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست