|
Re: قوقازية في أتبرا ... (Re: ابو جهينة)
|
ترجل من التاكسي عند محطة السكة حديد و دفع الأجرة و هو يتحسس المبلغ المتبقي في جيبه ( ورقتين من فئة الخمسة و عشرين قرشا ( طرادتين ) و بضع قطع من العملة المعدنية .. تحسس علبة ( البرنجي ) في جيبه و جوازىْ السفر و علبة الثقاب. نظر إليها ، فرآها متجهمة الوجه تنظر حولها في قلق و إرتياب ، فهو لم يحدثها عن كل شيء هنا ، لذا تقبَلتْ واقع الحال بما يشبه الصدمة. وجودها معه هنا على تراب الوطن يملؤه بزهو متنامٍ ... ليلة الأمس إحتستْ معه بضع كاسات من ( مشروب العرقي ) ، ثم أمطرته بلغتها الروسية بسيل من الإحتجاج ، إحمرَ وجهها و صار كقطعة طماطم ناضجة و قالت : لم أكن أدري أن هناك مشروبا في الدنيا أسوأ من ( الفودكا ) الرخيصة في ( كييف ). عند محطة السكة الحديد .. تربض عربات القطار في صف طويل .. تسلل بحذر إلى عربة من عربات درجة (النوم) و ساعدها على تسلق السلم الخشبي للسرير العلوي ، ثم أغلق الباب بالمزلاج من الداخل ، و تمدد على السرير الأسفل .
| |
|
|
|
|
|
|
Re: قوقازية في أتبرا ... (Re: ابو جهينة)
|
راحت هي في سبات عميق واضعة الوسادة على رأسها. راح يستعرض أيامه الخوالي في أتبرا ،، الشوق يملؤه لهذه المدينة بعد غربة دامت ست سنوات و نيف... إيهي يا مدينة الحديد و النار .. كيف أنت الآن ؟ أين يا ترى زملاء الدراسة و رفقاء الحى ؟ سبح في ذكريات تفوح منها رائحة معطف والده المعطون بزيوت الورش ، و ليالي أتبرا تداهمها ( الكتاحة ) دون إستئذان.. عجلته ( الرالي ) و هو يجوب بها شوارع حى ( القيقر ) مرورا بشارع ( الرى ) حتى المكتبة القبطية و شوارع ( حى السودنة ) الهادئة لا يقطع وتيرة هدوءها غير صوت المياة المندفعة عبر الجداول الواسعة لتسقي الحدائق المسوَّرة
| |
|
|
|
|
|
|
Re: قوقازية في أتبرا ... (Re: ابو جهينة)
|
ثمار ( المسكيت ) ، كانت البديل للزونيا في الطريق المؤدي إلى ( حى العمال ) ، يهاجر إلي هناك مع أقرانه ( فرادى و مردوفين على العجلات ) أو إلى ( الداخلة ) لتمتليء الجيوب بالثمار الخضراء و الصفراء الجافة. ترى أين أنت يا ود سيد أحمد ؟ عندما رأى لأول مرة ( حجَة المَرَرُو .. ( الفول السوداني ) تحمل وليدها مربوطا خلف ظهرها أطلق ساقيه للريح و هو يصرخ ( و الله عندها راسين ). آخر عهده به كان في مدرسة الأقباط الثانوية و بيت الأستاذ ( باخوم ) القبطي و الذي كان يتلقى أحيانا ثمن الدروس الخصوصية ( دجاجة أو عتودأ حنيذا ). تململتْ زوجته و هي تهذي في السرير ، قام و تأكد من أنها لن تسقط على الأرض.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: قوقازية في أتبرا ... (Re: ابو جهينة)
|
لم يشعر بتحرك القطار فقد جرفته الذكريات. نظر من النافذة ، هاهي مدينة بحري تتوارى شيئا فشيئا ،، و الحنين إلى أتبرا يتزاحم في رأسه المثقل كضربات المعاول تتناغم مع دقات قلبه. شعر بالخوف ، فهو لم يشترِ التذاكر و يحتل رغم ذلك غرفة كاملة بدرجة ( النوم ) المخصصة لكبار موظفي الدولة و هيئة السكة الحديد. تذكر صديقه الذي كان والده مفتشا للتذاكر ،، و هو الذي شجعه للبعثة الدراسية و ساعده كثيرا عن طريق خاله المُتَنَفِذ في إتحاد العمال آنذاك. رنَتْ في أذنه أغنية لحسن خليفة العطبراوي تغنى بها في حفل زواج في حى ( أم بكول ) نزولا عند رغبة العريس المنتمي سرا للحزب الشيوعي ،، كان يرددها كثيرا في ( كييف ) ، حتى حفظتها ( ميزالونا ) زوجته عن ظهر قلب دون أن تعرف معانيها : ( نحن من نفر عمروا الأرض ... )
| |
|
|
|
|
|
|
Re: قوقازية في أتبرا ... (Re: ابو جهينة)
|
كم هي وفية هذه المرأة ،، وقفتْ إلى جانبه كثيرا ،، خصوصا عند أيامه الأولى و في دروس اللغة ، و أمدته بالمال عندما شح مورده ،، إقتسمتْ معه لقمتها. و هاهي تطرق المجهول معه بكل شجاعة ،، فهما لا يدريان إن كان سيوفق في إيجاد عمل أم لا ،، فقصة بابكر صديقه ماثلة أمامه ، و الذي تخرج من كلية علمية و نال الماجستير في تخصصه ،، ثم رجع للسودان و تسكع في شوارع الخرطوم يبحث عن عمل حتى حفيتْ قدماه ،، يشرب المنكر ليلا و يلعن الحكومة باللغة الروسية في بص ( أبو رجيلة ) و تارة في بيوت الأفراح مستأذنا الفنان بعد أن يقتلع منه المايكروفون و تارة في بيوت المآتم التي يدخل صيواناتها دون أن يتجشم عناء ( رفع الفاتحة ) مكتفيا بمصافحة أهل الميت متمتما بكلام مبهم غير معروف إن كانت بالعربية أم بالروسية ، ثم أخيرا تم تعيينه في وظيفة لا يدري حدود مسئولياتها في مكتب يعج بالملفات القديمة في وزارة الصناعة ، يحضر صباحا و يأكل الفول المصلح في صحن عميق.. تآكل معظم طلاؤه ، ثم يتجه لموقف الباصات متجها للكلاكلات يتقي شر أشعة الشمس بجريدة مشبعة بزيت الإفطار الصباحي يردد أغنية قوقازية بصوت أجش .. فأنطبعتْ شخصيته في أذهان سائقي الباصات و الكمسارية ، فكان ما أن ينطلق في الغناء حتى يقول السائق ضاحكا : يا ولد ما تاخد من الروسي الأسود دة ..
| |
|
|
|
|
|
|
Re: قوقازية في أتبرا ... (Re: ابو جهينة)
|
طافت به الذكرى في ميادين الكرة بالقرب من المدرسة الأميرية ،، و عبَقتْ خياشيمه رائحة الشواء في ميدان المولد ،، و صوت ( النوبة و المديح ) ينطلق كل ليلة .. تذكر بار ( تساكوتلس ) و هم ينهبون منه زجاجات ( الشري ) يوم مظاهرات أكتوبر التي إكتسحتْ المدينة حتى ( شاليهات حسن عربي في المقرن ) التي لم تسلم من نقمة الناس و تفريغ شحنات غضبهم المتنامي .. دوتْ في أذنيه صافرات الورش و البخار الذي تنفثه قطارات المناورة ،، و صخب العمال و هم يتدافعون بعجلاتهم عند مزلقان القطار المؤدي للسوق الكبير... عربات الكارو تزحم طرقات السوق الكبير. طالبات الكمبوني بزيهم الكحلي المميز. صف سينما الجمهورية و السينما الوطنية. الإشاعة التي إنطلقتْ بأن أحدهم سيدلق كمية من السم في صهريج الماء بحى ( الفكي مدني ) إنتقاما من بعض المسئولين ... ليل المدينة المغلف بحكاوي ( أبو جنزير ) .. الحقيقية منها و المُخْتلَقة...
| |
|
|
|
|
|
|
Re: قوقازية في أتبرا ... (Re: ابو جهينة)
|
سمع طرقا عنيفا على الباب و محاولة لفتحه من الخارج ، فأيقظ زوجته على عجل و تهيأ لمعركة مجهولة العواقب. فتح الباب و هو يرسم البراءة و الدهشة في آن واحد. قبل أن يشده العسكري من يده ، كان قد إستبق دهشته و عانق مفتش التذاكر : عمي باشري ، الحمد لله ال لقيتك. كان محظوظا للغاية ،، فالمفتش صديق حميم لوالده ،، يا جنا جيت متين؟ و ناس أبوك ما عندهم خبر ؟ عشرات الأسئلة إنطلقتْ من فم المفتش باشري .. فجلس يحكي له سنوات إغترابه في روسيا. ضحك العم باشري كثيرا ( قلبك قوي خلاص .. الشيوعيين علموك المجازفة ؟ ،، تركب مجانا كمان في درجة النوم ؟ يعني فقري و نُزَهي ) ..
سمح له بمواصلة الرحلة حتى الدامر بنفس الدرجة ، فالغرفة ( القَمَرة ) محجوزة لأحدهم من هناك حتى وادي حلفا.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: قوقازية في أتبرا ... (Re: ابو جهينة)
|
ترمق الأم ميزالونا من حين لآخر بشيء من الإمتنان .. فرغم عدم رضاها في دواخلها بهذا الزواج .. إلا أنها تشعر بأن الفتاة تحب إبنها و إلا لما جاءت تتبعه إلى هنا .. مكث فيهم أسبوعا مسترخيا يتلقى حفاوة الإستقبال .. ثم إستأذن أسرته و أخذ زوجته و إنطلق ليروي غليل حنينه من هذه المدينة التي أرضعته ..
| |
|
|
|
|
|
|
Re: قوقازية في أتبرا ... (Re: ابو جهينة)
|
في مراتع الصبا :
مر بالمدرسة الغربية ( الأولية ) من أسفل الجسر الحديدي .. هاهنا يا عزيزتي عرفنا طعم الزمالة في عمر مبكر .. تداعت إلى ذاكرته أيام ( خُرْتَاية الكتب ) المصنوعة من ( قماش الوزن عشرة و الدمورية ) .. و سندويتشات الفول من ( عم شناكة ) في سوق القيقر ترقد مستكينة مع الكراسات و الكتب.. و معلم الأجيال الأستاذ ( بدوي ) الذي كان ( يفش غبينته ) بأن يعض قلم التصحيح الأحمر بين أسنانه حتى ينكسر .. عرج بها إلى نهر أتبرا من جهة قشلاق البوليس .. هنا يا ميزالونا تعلمنا أن نسبح ( مع التيار و ضد التيار ) .. فالسباحة في هذا النهر المجنون هو كأن تجتازي مفازة دون دليل أو راحلة ..
| |
|
|
|
|
|
|
Re: قوقازية في أتبرا ... (Re: ابو جهينة)
|
و هنا يا عزيزتي غرق صديق عمري في غمرة هيجان النهر و نحن نتراهن على الغوص في ذلك الماء العكر .. ألا رحمك الله يا صديقي .. لا زلت أذكر صياحه و التيار يأخذه بعيدا و كأنه علق في شيء يسحبه إلى أسفل و نحن وقوفا لا حول لنا و لاقوة .. ثم خاصمْنا النهر طويلا .. نتحاشى حتى النظر إليه .. و ها هي يا عزيزتي المدرسة الأميرية الوسطى .. أترين كل هذه الميادين ؟ كلها شهدت ( شيطنتنا ) و لقاءات ( السداسي ) و تحديات ( الدافوري ) و دوري المدارس .. أما هذا الصرح .. فهو مدرسة أتبرا الثانوية الحكومية .. صومعة العلم التي أوَتْ مئات طالبي العلم من أبناء الشمال .. و هنا .. عاشت البلابل مع والدهم طلسم ناظر الثانوية .. أتذكرين تلك الأغنية ( غالين غلاوة ) و أنت تنطقينها ( قالين قلاوة ) .... إستهوتْ أتبرا الفتاة الروسية .. أحبتها .. و ألفتها .. و عشقتها .. فأرتاحت نفسه قليلا ... و هجدت هواجسه فقد كان يخشى أن تطلب العودة من أول يوم
| |
|
|
|
|
|
|
Re: قوقازية في أتبرا ... (Re: ابو جهينة)
|
ميزالونا تكتسي لون الأتبراوي :
رياح الخماسين المحملة بذرات تراب البطانة الحمراء جعلتْ من (ميزالونا) رويداً رويداً أشبه بقطعة من المعجنات تخرج للتو من فرن مايكرويف. أخذ لونها يأخذ لون البشرة ما بعد جلسة على (حفرة الدخان) .. تتسع عينا (ميزالونا) يوماً بعد يوم من أشياء بدائية تراها كل يوم و لكنها أشياء تنم عن ذكاء خارق و ألمعية ترقد في قاع الفطرة.. لقد خُلق هذا الشعب ليعيش هنا فقط .. على أديم هذه الأرض و تحت سديم نجيماتها.. هواؤها هو فقط الذي يضخ هذه البراعة في صدورهم و يبثها نمطاً مميزاً في شرايينهم .. أما خارج هذه الأرض سرعان ما يحتضرون ... فهم كالحيتان خارج مياهها ....
| |
|
|
|
|
|
|
Re: قوقازية في أتبرا ... (Re: ابو جهينة)
|
و لكن دون سابق إنذار جاءهم خبر بأن الخطيب قد تزوج في كوستي .. حتى لم يكلف نفسه عناء الحضور و الأعتذار .. تهامست النسوة وقتها بأن أمه لم تكن راضية عن هذه الخطوبة .. و قالت البعض بأنها قد إستعملت السحر لتبعده ، فقد كان تعلقه بسعاد كبيراً. لذا فقد تحزّمتْ أم سعاد و شمَّرتْ عن ساعديها لتبقى أيام العرس ذكرى باقية في سِفْر الأسرة .. حرمتْ ميزالونا نفسها من النوم حتى لا تفوتها شاردة أو واردة من طقوس الزواج .. فما أن تسمع زغرودة في ركن من أركان المنزل .. حتى تهرول مستفسرة بعين الدهشة و التساؤل.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: قوقازية في أتبرا ... (Re: ابو جهينة)
|
زغردتْ (أم الرَكَز) و هي تأتي ( بالقرمصيص ) .. فكانت ميزالونا أسرع من أم العروس لتتفحص هذا القماش المبهرج الناعم الملمس. تتنقل بين بيت زوجها و بين البيت الذي ( حبسوا ) فيه العروس لتهيئتها ... تتلقفها أعين الفضول و هي في مشاوير الذهاب و الإياب .. ( يا خواني قولوا للبنية تقعد في بكان واحد .. قبال العرس يبدا البنية بتقع من طولا .. ) .. تشفق عليها أم ود المرضي من هذه ( الشلهتة ) التي تعرف أن سببها الفضول.. ما فتيء (عبدالقادر) يجلب المشروب المسكر طيلة مكوث صديق صباه .. فإرتقى بالصنف ليجلبه في زجاجة يدسها في كم جلبابه الواسع الأيسر و هو يلقي بالتحية بيده اليمنى زيادة في التمويه على الحضور .. ثم ينسرب كالأفعى إلى ( المنضرة ) .. يضع الزجاجة خلف الكنبة .. ثم يدلف إلى المطبخ و يتناول كوبين في جيبه و يعود إلى مكمنه و هو يتحسس ( حقة الصعوط ) المصنوعة من الفضة..
| |
|
|
|
|
|
|
Re: قوقازية في أتبرا ... (Re: ابو جهينة)
|
يبتلع عبدالقادر كأسا و هو يقطب جبينه و يمط شفتيه : بت الكلب الليلة صنفها كاتول عديل ..
ثم بنصف عين يسأل ودالمرضي : عليك الله يا جنا كان ما حكيت لى عرسك كان كيف في الصقيعة ديك ؟ يتجاهله ود المرضي..
فيعاود عبدالقادر سؤاله : لا دلكة و لا حفرة دخان و لا جرتق .. دخلت على البنية سآآآآآآآآكت و ريحتكم فودكا فودكا ؟؟؟ إبتسم ود المرضي لثرثرة صديقه و هو يتناول قبضة من الفول السوداني ..
| |
|
|
|
|
|
|
Re: قوقازية في أتبرا ... (Re: ابو جهينة)
|
بحثتْ ميزالونا عن زوجها .. و لكن بحثها لم يَطُل .. فقد وجدته منبطحاً بجوار صديقه عبدالقادر .. بينما المشروب كالعادة يتوسطهما .. جلستْ متكئة على جنبه ..تبادلهما كأساً بكأس .. قال عبدالقادر و هو يبصق ( سفة ) لتخرج متناثرة عبر الباب : حليلنا نحن .. نسوانا ما نشوفن علا بالليل ريحتن ريحة تكل ..
مدَّتْ شقيقة ودالمرضي رأسها من الشباك : ميزالونا .. يلاكي ، العروس قاعدين يعلموها الرقيص .. ترجم لها زوجها .. فهبَّتْ واقفة و هي تكرع كأساً مترعة ثم تضع قبلة عجْلى على خد زوجها ..
أصْلَح عبدالقادر من طاقيته إلى الأمام و قال هو يشمر عن ساعده : الما عرس روسية حرم مدفون بالحيا ..
| |
|
|
|
|
|
|
Re: قوقازية في أتبرا ... (Re: ابو جهينة)
|
ثم أطلق ضحكته المجلجلة و هو ( يدردم ) سفة في بطن راحته و هو يتابع مشية ميزالونا بنظرة إعجاب مشوبة بالتحسر.
قال ود المرضي و هو يصلح من إتكاءته : تعرف يا عبد القادر .. البت دي وقفتْ معاى وقفة ما ساهلة أيام الغربة .. بحبها بجنون .. حب يمكن ما تتصورو قدر شنو و شكلو كيف .. لكن تصدق يا عبدالقادر .. مرات كدة بشتاق لحاجات كدة ضاربة في أعماق أعماقي .. حاجات مافي إلا عند السودانيات .. يعني في ونسة دقاقة كدة الواحد ما بيعرف ينزل لمفرداتا إلا بالدارجة بتاعتنا .. رغم إني بعرف اللغة الروسية كويس جداً .. لكن في حاجات كدة .. غايتو ما قادر أعبر ليك ..
نظر إليه عبدالقادر ملياً .. ثم (كتح) كأسه و هو يتحاشى إنزلاقة السفة مع السائل و قال و هو يقطب بين حاجبيه : عرس لى روسية خرْسا ولا بكْما .. أنا بنْضُم معاها ونسة دقاقا بطريقتي .. يا زول خلينا بلا مفردات بلا أعماق .. و الله فعلا البني آدم عينو التراب ما بتملاها.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: قوقازية في أتبرا ... (Re: ابو جهينة)
|
تسلل ودالمرضي إلى مكان تعليم رقيص العروس تاركاً عبدالقادر مع تحليقه بأدوات ( الكيف ) و أحلامه التي لازمته طوال عمره دون أن تتحقق.. وقف خلف أمه و خالته محنياً رأسه حتى لا يراه أحد.. كانت هناك تقف وسط الحلبة .. بقوامها البديع .. تحاول أن تجاري العروس في تمويج جسدها مع إيقاع الدلوكة و ( صفقات ) البنات و غناء المغنية بصوتها الذي يستحث العروس على الميلان و الدوران .. إتسعتْ عينا ودالمرضي دهشة و هو يرى هذه القوقازية الأصل تضبط موسيقى جسدها مع هذا الإيقاع الإفريقي الصاخب .. تضع يديها على صدغيها .. و ترمق العروس لتجاريها .. و تشجيع البنات يتعدى العروس ليدفعها للمزيد و ترمي بيديها إلى الخلف .. لتعود بنوبة من الضحك و قد إحمرَ وجهها بفعل المجهود و المشروب الذي يبدو أنه تفاعل من ( الكتمة ) في تلك الغرفة الضيقة ..
| |
|
|
|
|
|
|
Re: قوقازية في أتبرا ... (Re: ابو جهينة)
|
رجع ودالمرضي لصديقه ... و في رأسه تتزاحم مشاعر شتى .. أيمكن أن تعيش معه هنا إلى الأبد ..؟ ألن تتركه بعد أن تمل هذه البلد ؟ رجع بذاكرته إلى أيام الجامعة في ليننغراد .. كيف قابلها في بهو السكن الجامعي .. بوجهها المستدير الطفولي .. تقاسمتْ معه كل (روبل) معها .. علتْ شفتيه إبتسامة عندما تذكر يوماً من أيام ( الفَلَس ) .. و قد إحتسى نصف زجاجة فودكا وحيداً في غرفته الضيقة ..( و عندما عضه الجوع .. تذكر أن ليس معه ما يبتاع به أي طعام .. فقرر أن يتكوم على جوعه .. و يشرب بقية الزجاجة حتى يتخدر و ينام .. وقفتْ على شباكه حمامة مبللة بالماء ترتجف برداً .. نظر إليها فرأى فيها وجبة كاملة الدسم .. و هو الذي تعود على أكل الحمام من البرج الذي شيده أبوه أعلى سقف الحمَام و ملأه بالحَمَام.. دخل المطبخ على أطراف أصابعه و أتى بفتات الخبز و صار يرميه أمام الحمامة .. و هي تتقدم لتلتقطه بحذر .. تتقدم خطوة و تنفر مرتدة خطوتين .. حتى أتى بها إلى منتصف الغرفة و عاجلها بمسند الكنبة .. و قبل أن تكمل ( فرفرتها ) كانت قد دخلت في ( الحلة ) العامرة بماء ساخن .. نتف ريشها على عجل .. و أفرغ أحشاءها .. ثم وضعها لتموسق جوع بطنه الذي صار قاب قوسين أو أدنى من وجبة هنيئة .. كرع ( السليقة ) ثم ( قرقش ) الحمامة و مص عظامها .. و جلس يغني : ينوحن لى حماماتن .. همن عيني غماماتن .. عندما دخلتْ ميزالونا المطبخ و رأت ريش الحمامة صرخت و ولْوَلَوَتْ .. هجمتْ عليه تضربه براحة يدها على صدره و بطنه .. لم يعرف سبب ثورتها إلا بعد أن صالحته بعد خصام إمتد لعدة أسابيع .. فمعظم الروس لا يحبون أن تذبح الحمامة .. قال في سره : الحمام ال ضبحناهو في بيتنا .. لو جبنا ريشو هني يسوي ليهو مصنع مراتب و مخدات.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: قوقازية في أتبرا ... (Re: جمال الباقر)
|
الريس أبو جهينة...
الحنين إلى أتبرا كاد يصرعني, وأنا أتابع. واصل لاجفف الله مداد قلمك الذي ياخذنا عبر دهاليز الحروف إلى مدينة إمتزج حبها بدماءنا, وصار يجري معها في مجراها من العروق...
| |
|
|
|
|
|
|
Re: قوقازية في أتبرا ... (Re: معاوية المدير)
|
أهم حاجة الفى الحكى الزى ده ،،
المعيشة الحاضرة !
يعني يركبوا القطر ، تركب القطر ! ينزلوا تنزل !
يقدوا تقعد !
يسافروا تسافر معاهم !
ياسلام ياجلال ! واصل دفقك الحلو .
واصل أخوي .
| |
|
|
|
|
|
|
Re: قوقازية في أتبرا ... (Re: علي الكرار هاشم)
|
بعد إلحاح شديد من ( ميزالونا ) رضخ ( ود المرضي ) و نزل عند رغبتها بأن ( تتدخن ) و تجرب ( فعايل الدلكة ) .. أجلسوها على الحفرة و تلفحتْ ( بالشملة ) ... و عندما إشتد وطيس الدخان و إستعرتْ حرارة الخشب .. هبَّتْ واقفة ملقية بالشملة و وقفت كما ولدتها أمها ... ( ألحقوا غطن البنية ... ) صاحت ( بخيتة ) الملقبة بأم نفَسين ( فقد كانت تقوم بعمل إمرأتين في وقت واحد .. كررتْ القوقازية الهروب من فوهة الحفرة أكثر من مرة .. ثم رويدا رويدا إستسلمتْ لدغدغة العرق المنساب من جسدها ليداعب الخشب الملتهب جمرا .. و كلما أحدثتْ حبات العرق وشوشة على الجمر المتقد .. تفتح عينيها بإتساع ينم عن دهشة مشوبة بالخوف ... ثم تقوم بإحداث فتحة بأعلى الشملة لتراقب هروب الدخان .. فتسارع إحداهن إلى تغطيتها ... مرق ( ود المرضي ) إلى الزقاق حيث الحفرة ... صاح بالنسوة : يا جماعة هي براها من كترة الحوامة بقت زي الدوم ... تحدث إليها بلغتها : كفاية كدة فقالت و هي تسعل : ساونا و عطر ...تعال أجلس معي إنفجر ود المرضي ضاحكا قالت إحداهن : الرسول قالت ليك شنو ؟ فإنسحب و هو يُمْني نفسه بليلة خليط
| |
|
|
|
|
|
|
Re: قوقازية في أتبرا ... (Re: معاوية المدير)
|
Quote: الحنين إلى أتبرا كاد يصرعني, وأنا أتابع. واصل لاجفف الله مداد قلمك الذي ياخذنا عبر دهاليز الحروف إلى مدينة إمتزج حبها بدماءنا, وصار يجري معها في مجراها من العروق... |
تحياتي أخي معاوية
أتبرا مدينة شاملة ... لا تتزحزح عن تجاويف الذاكرة ابدا
مرورك يحفزني للإستزادة من جراب الذاكرة
دمتم ابدا
| |
|
|
|
|
|
|
Re: قوقازية في أتبرا ... (Re: Manal Mohamed Ali)
|
عند ابو جهينة الخبر اليقين
غبت من عطبره سنة 1988 وعدت سنة 2007
هل تريد ان اخبرك ما شاهدت sypmtom of cilnical death
ولم يبقى فقط سوى اطياف كالعهن المنفوش في اروقة الذاكرة
واصل تداعيك الحر لماذا لا تنقل هذا الابداع الي الصحف السيارة في السودان؟؟
| |
|
|
|
|
|
|
|