|
|
 زبدة اهل السودان
|
هفا قلبي.. وهشّت خطاي لتلبية دعوة منظمة الابيض الطوعية للتنمية والتعمير لحضور حفل افتتاح وحدة العناية المركزة وحضور ليلة تأبين الراحل ادريس حسين ادريس وحضور ورشة في اليوم التالي حول دور المنظمات في التنمية.
وكانت الدعوة على قلبي برداً وسلاماً لأنها من أهل الابيض (الأصل) اصطفاهم قلبي.. فاصطفوني. احبتهم نفسي.. فأحبوني.. سكنت لهم روحي فافسحوا لي في قلوبهم متسعاً لا يحد.
مدينة عندما اتجول فيها اتحاور مع شوارعها التي مشت بها خطاي.. وكانت قدراً أسعدني.. رغم ما حدث لوجهها الجميل، لا أراه مشهداً شائهاً لأنها ساكنة في خيالي بملامحها القديمة، تظل كما هي منذ اكثر من اربعين عاماً، او نصف قرن.. وقتها كانت زينة المدائن.. وظلت كذلك بأهلها الاوفياء مما جعلني دائم الفخر بأني أحمل هويتها وأنتمي الى قبيلة (ناس الابيض).. هوية تميزني رغم حصولي عليها بالانتماء، وليس بالميلاد.. وهم متسامحون لا يفرقون بين هذي وتلك.. يكفيهم ما يعرفونه عن حبي لها..ولهم.. هذه المدينة التي دائما ما (اتنبر) بأني لي فيها أهل واولاد حلة.. وأولاد مدرسة.. وأولاد دفعة.. ومجموعة طيبة من اهل الفن والرياضة والكشافة وأهل آفاق أخرى فسيحة انفساح الحياة.. ألفت شوارعها وأحيائها.. وريفها.. وضهاريها.. وكانت هي نقطة التحول في حياتي التي شكلت ملامح وجهي.. هذا الذي تعرفونني به ويعرفني به خلصائي وجلهم من هناك.
كانت فرصة لزيارة الابيض في مشارف الخريف.. هي ذات الطبيعة التي ناجاها العباسي والناصر.. موسم تهفو فيه النفوس الى الجمال.. إلتأم الجمع في صباح جمعة خريفية كردفانية السحنات والملامح.. إلتقى القوم وهم فرحون بإفتتاح وحدة عناية مركز بمستشفى الابيض لتوفير العناية اللازمة لمرضى كردفان والولايات وتخفيف العبء المادي الناجم عن اضطراهم للسفر للخرطوم.. تتكون الوحدة من قاعتين سعة كل قاعة 4سراير واحدة للنساء والأخرى للرجال، بكل ملحقاتها من مكاتب وسبل الراحة ومظلة مريحة خارج المبنى لمرافقي المرضى منحوها اسم الراحل ادريس حسين ادريس امين عام المنظمة بالخرطوم الذي رحل الى بارئه قبل عام.. وشهدت ليلة الوفاء مساء نفس اليوم لتأبينه بنادي الخريجين في الابيض.. كان ادريس من المؤسسين الأوائل للمنظمة وبذل جهده وماله ووقته، وشهد له الجميع بأنه كان يؤمن بأن صفاء النفوس وصدق التوجه وحسن النوايا هي الوازع والاساس المتين لنجاح اي عمل خيري.. كانت ليلة للوفاء أدارها ببراعة عضو المنظمة الأستاذ خالد بكراوي.
انجزت المنظمة للأبيض وريفها مركزاً متكاملاً لغسيل الكلى- وإسعافاً حديثاً- وقسماً للأشعة- وغرفة لإجراء العمليات الجراحية وغرفة للولادة ولم تنس جامعة كردفان فأهدتها معملاً لفحص التربة ومركزا لدراسات السلام والتنمية وحقلاً تطبيقياً للطاقة الشمسية ودلفت الى اصحاح البيئة والبحوث الزراعية والتعليم والمجال الاجتماعي والاعلامي ولا زال مطار الخرطوم حتى امس الاول يستقبل دعم ابناء الابيض العاملين في الخارج لمدينتهم الغراء.
استحضر قول جمال محمد احمد بأن السودان (سرة) افريقيا والابيض (سرة) السودان.. وأضيف.. أن أهلها زبدة اهل السودان يعلمٍون الآخرين كيف يكون الانتماء، وهناك العشرات من روابط المدن بالعاصمة.. يلتقي الاعضاء في دورها يلعبون الورق والنرد ويثرثرون بالحكي عن مدنهم وعندما ينجزون يقيمون ليلة يتباكون فيها ويذرفون دمع الفراق ويتقافزون ويرقصون.. ويتفرقون كل الى سبيله اما مدائنهم فتصبح محض ذكرى. والبعض لا يملك حتى داراً تؤويهم وتلم شملهم ويتصيدون المآتم والأفراح ليلتقوا وفي ذلك تكافل يمنحهم فرصة التلاقي، وبعض الذين يزعمون بأنهم على رأس هذه الروابط يملك بعضهم القصور في بلد لا يسأل فيه أحد من اين أتوا؟ ومن اين لهم هذا؟ والله يعطي من يشاء بغير حساب.
يشتكي اهل الابيض من تجاهل اهلها في الحكومة الاقليمية.. وكل واحد من ابناء المنظمة الذين عرفتهم أجد فيهم متطلبات الاستوزار من عفة ونزاهة وتجرد.. وهم مؤهلون لتشكيل حكومة ناجحة.. تسبقهم انجازاتهم وهم خارج السلطة.. ولكنها السياسة والقبيلية والجهوية.. ترى متى تتفتح بصيرتنا وتصفو قلوبنا ونفوسنا ونتعلم من منظمة الابيض الخيرية معنى الانتماء بلا كراسي وألقاب؟.
عندما هبطت الطائرة في مدرج مطار عروس الرمل.. بعد الاستقبال الحميمي اخذني موظف المراسم الى القصر وخصص لي غرفة (دستورية).. سرعان ما غادرتها لأهنأ بوجبة كردفانية بين اهلي في حي تقي واستأذنتهم لقضاء بقية وقت الرحلة القصيرة مع صديقيّ (البلوم) و(الحلاج)..صديقان من بين اصدقاء تطيب لي رفقتهما.. فهي رفقة للروح بين خدنيها.. يحلقان بي الى زمن مضى لا يعود.. كان كل شيء فيه من تبر.. والقلوب والنفوس من نفيس يفوق الذهب.. هناك يطيب السمر ويحلو الغناء والسماء تجبر الخاطر فتسح سحائبها درراً وبرداً وشجرة النيم امام منزل الفنان البلوم يحلو الجلوس تحتها وترطبها تحية الراكبين والسابلة من نساء ورجال واولاد مدارس واطفال يلقون إلى بلومهم وحلاجهم بالتحية اجلالاً وتقديراً.. ونحن في جاه الملوك نلوك.. في شجرة فاروق جيمس في الربع الاول.. التقى ناس الابيض واولاد الحلة والمدرسة والدفعة وينداح السلام.. ويطيب الأنس.. أرى انه قد افلح صديقي البلوم عندما اختار عروس الرمال منتجعاً خريفياً ليكون استراحة مبدع.. (يقوقي قدر ما الله يديه).
وبعدها يعود( ود بارا) ليجمل ليالي العاصمة بالطرب الكردفاني الاصيل.. انتظروه عائداً بجديد الأغاني من شعر الحلاج والقدال وكامل وابراهيم ادريس فالبستان دائما ما يهفو الى دوح جديدة تعطره، وتلونه، وتجمله.. ويبقى حال الدنيا حال نعد العدة مع اصدقاء القدال وكامل للنشوق الى دار "اللبيض فحل الديوم". للطرفة هناك طعم الرواء.. وللخضرة شرافة تنداح في النفوس وتكحل العيون.
\
السوداني العدد الاسبوعي الجمعه 31 يوليو
|
|
 
|
|
|
|
أحمد طه
محمد فضل الله المكى
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست