|
جماليات الأداء وحميمية الكائنات في رواية دومير لـ(علاء شاموق)؛
|
كأنك استيقظت عند الفجر ووجدت نفسك في بيت العم سوماتو، في قرية نيبا ومع فجر يومك الأول بدأت رحلة الإكتشاف بصحبة الراوي، الذي هو (ربما)كائنات نيبا نفسها ـ كما يبدو لنا! عبر إيقاع حكي وديع كوداعة طبيعة القرية. ومن خلال قارب زمن طبيعي، تعاقبي، تتشيد عليه الرواية ـ دومير ـ إلا بما يستضمنه من من استرجاع عبر التذكُّر. وهو ككل زمان تعيشه أية قرية، ولكنك تفاجأ بحميمية الكائنات، بالعلاقات التي تقوم وتتحول عبر السرد بدءا من الرمزي الذي يبدو كما لو أنه الطبيعة ذاتها: حيث نرى أن القط والديك والعنزة، يستبطنون كل تفاصيل بنيات الحياة من خلال ممارساتهم و(ونساتهم). وإلى الوقائعي، الذي هو تواطؤات الناس مع ظروفهم بكافة مستلزماتها في نيبا. المكان والشخوص ينبتون عليك عبر بناء المشهد، من خلال الحكي، الحوار، المنولوج. ليصل الراوي إلى غايته ببراعة عبر تمزيج الرمزي بالوقائعي كعتبة أولى لتفكيك الحواجز الذهنية للقاريء أو ما يسمى بالعقبات الابستومولوجية ـ التي تنفي الديك، القط، الكلب والماعزة من المشاركة في صنع الأفكار: لتنبني الأمثولة عتبة فعتبة، ومن خلال ذلك تحدث عملية داخلية؛ تفكيك لأسطورة السلطة (تفكيك هنا بمعنى Deconstruction أي إعادة استنطاق النظام بعد تفرس ملامح مكوناته، بحسب المعنى الفوكوي ـ من ميشيل فوكو)؛ واكتشاف آليات عملها من تحت التحتي! فـ(لوماه قط السيد هورين المشاكس ـ يمنع قطة المزارع سوت عن أكل الفئران في بيت سيدها! وذلك لأنه يعرف موقعه كما يعرف كلب السيد جمانفيل، وضعه، وكما تعرف قطط المزارعين أيضا مواقعها (الطبقية)! الأمر الذي ينسحب على بقية الكائنات بالطبع!؛
وتتكشف لنا (ألاعيب) السلطة الأزلية؛ من خلال ممارسات الأعلى تجاه الأدنى، ومن خلال الاستقراب والإستقطاب، وعبر عمل المؤسسات، فالسيد جمانفيل يزيف الأوراق والمدرسة تدرس الطلاب الخرائط والتواريخ المزيفة! لتصل القوى المسيطرة في النهاية إلى هدفها. ونكتشف أيضا كيف تكون مقاومة الناس لعمل السلطة! بدءا من أضعف الإيمان؛ أو ما يسمى بـ(المقاومة السلبية) حيث يحلم عم سوماتو في غفواته بانهيار القصر، ويجد نفسه في قصر شبابيكه مفتوحة، ولكن النتيجة الساخرة هي أن لبنه الذي وضعه على النار ليدفأ قد فار وإندفق! ثم كيف يتم الاستعداد للمواجهة، وكيف يتم إحداث الثغرات ـ من قبل القوى المسيطرة ـ في عملية مواجهة هذه السلطة عبر نظريات "الجذرة والعصا"، وكيف تتم الهزيمة، ثم كيف يتم تشييء الناس في النهاية وإناسة الكلاب!؛ غير أن موزيك ـ الديك ـ لا ينطلي عليه أي شيء، من كل ذلك، لذلك كان هو أول ما/من حدس بمستقبل عم سوماتو ـ سيده، في ذلك الكابوس الذي لم يحكيه أبدا بعد أن تكاسلت العنزة جوتان عن الاستماع إليه. لنكتشف كابوسه ذلك في الواقع، بعد مصادرة أرض عم سوماتو عبر الألاعيب الأزلية إياها. وكأن الراوي يستبطن مقولة "لا يسمع لقصير أمراً" وهذه واحدة من البراعات التي لا تدانى في هذه الرواية. (ويمكن للبعض أن يذهب في هذه النقطة إلى تأويل شخصية موزيك، ديك عم سوماتو بأنها رمز للمبدع أو الفنان.. إلخ من التأويلات الممكنة لأننا نكتشف في النهاية أن محور المقاومة تركز في موزيك الديك، الذي ذهب إلى أعالي الجبال (ولابد من الإنتباه إلى الرمزيةهنا)، وبدأ يدرب الصغار على أساليب المقاومة ـ طويلة الأمد)؛
تقوم رواية دومير على لوحات سردية في غاية الجمال. اللغة بسيطة وأنيقة، وكثيرا ما تكون شاعرية دون أن تتخلى عن موضوعها أو سببية العلاقات أساس الحكاية. وهذا ما يؤكد مواهب الكاتب ويجعل منه حقيقياً في (دومير) كل شيء متماسك، لأنه مبني على السببية ـ بالمعنى العام، فلا يحدث أي شيء اعتباطاً، وإنما لأن هناك أشياء أخرى استدعت وجوده، حتى لو كانت هذه الأشياء أسطورية، لهذا هي قادرة على إفهامنا ما جرى في ذلك العالم بفن لا يشوبه التشويش؛
نقطة أخيرة؛ وهي متعلقة بحجم الرواية، وبالطبع هناك هواة التصنيف والمقاسات، الذين قد يحاججون في كونها رواية أم قصة طويلة! إنطلاقا من حجمها، ولكننا نرى أن مسألة الحجم هذه مسألة شكلية، ثم أن تعريف الرواية نفسه لم يستقر بعد على حال، وذلك طبعا لاختلاف المناهج النقدية واختلاف مفهوم الرواية نفسه من عصر إلى آخر. غير أن المهم ـ عندنا ـ هو أن يبني لنا الكاتب الشخصيات والحدث عبر الزمان والمكان من خلال السرد عبر اللغة ويكشف لنا آليات مجتمع ما. وهذا ما ينطبق على دومير. وبجدارة، لأنه، أي الكاتب، يقدم لنا تفاصيل عالم شاسع بأقل التكاليف. فما الداعي للتطويل إذن؟ إذا كانت موهبة الكاتب تمكنه من تقديم رؤيته وتفاصيل ذلك العالم الشاسع من خلال حجم كهذا؟!؛
الرواية منشورة في صفحة نادي القلم السوداني، بـ(سودانيزأونلاين)؛ http://www.sudaneseonline.com/cgi-bin/stories/story.cgi?id=23
وأرجو أن لا أكون قد أوغلت في ابتسارها بقراءتي العجلى هذه. وأستأذن الأخ علاء شاموق بأن يسمح لي بأن أقوم بتحريرها، حسب خبرتي المتواضعة في تحرير النصوص، وأقوم بإرسالها إليه، للمراجعة، فإن وافق على شكلها النهائي ليقوم بإرسالها إلى الأخ عادل عبد العاطي لإخراجها بالشكل المناسب. لأن ما يسمى (بسيمولوجيا النص)، لم يعد مسألة ثانوية في الكتابة الحديثة؛
أبكر آدم إسماعيل
|
|
|
|
|
|