|
رندا حاتم تكتب للشرق القطرية عن الحرية
|
للمقيم رأى الحرية الحرية.. تلك الكلمة التى يسعى لها الكل بل ويتشدق بها البعض، هل الحرية تعنى الانعتاق؟ فالحرية بمفهومها الضيق والقاصر نعم تعنى الانعتاق، المسجون يبحث عن الحرية لينعتق من السجن، والمحتل يبحث عن الحرية ليتخلص من المستعمر، والمكبوت يبحث عن الحرية لينطق ويفعل كل ما قد حرم منه، تلك امثلة للحرية بمفهومها الضيق والمحدود، ولكنّ للحرية معاني اعمق من ذلك، فهى تتلخص فى مفهوم المرء وقناعاته، فحينما يكون المرء اسير فكرة تتوافق ومنهجه فى الحياة بل وترضى طموحة وغروره الذاتى هل سيبحث عن الانعتاق منها ام انها الحرية بالنسبة اليه؟ ام حينما يكون المرء مؤمنا بمنهج دينى او عقيدة روحية توفر له السلام النفسى والتصالح مع الذات هل يعتبر نفسه أسيرا أم حرا؟ وحينما يكون المرء عاشقا يدور كالكوكب السيار فى فلك محبوبة، هل يرى نفسه أسيرا أم حرا؟ ان ما نراه أسرا فى تلك النماذج هو قمة الحرية عند فاعلها.
وكذلك ايضا للمجتمعات التى يقطنها الفرد نظرتها وفهمها الخاص للحرية تلك النظرة العامة للحرية تبنى وفقا لمردود السلوك الفردي على المجتمع بأسره، فحينما يكون المرء متحررا من كل افكاره ومناهجه الحياتية.. وحينما يكون بلا لون فكرى ولا منهج واضح، وحينما يكون كائنا هلاميا يتشكل وفقا للقالب الذى يصب فيه يكون هنا السؤال هل هو أسير ام حر؟ حينما يكون المرء بلا عقيدة روحية ولا منهج دينى، يهيم فى فراغ نفسى يتسع ويتمدد، يتخبط فى ضياع ويسير كمن فقد بصره وبصيرته، هل هو أسير ام حر؟ حينما يكون الانسان منساقا وراء شهواته، منزلقا فى وحل اشباع الغرائز دون تمييز او حدود فاصلة هل هو أسير أم حر؟ حينما يكون المرء حبيبا لمحب يبتذله، يجود عليه بالحب وبالمقابل يسلبه كرامته وكبرياءه، حينما يكون حبه قيود تكبله وغمامة تحجب عنه الرؤيا فلا يرى انعكاسات صورته كما يحب ان يراها، هل هو أسير ام حر؟
وأحيانا ايضا قد يفرض علينا المجتمع قيودا لايمكن وضعها فى اطار الحرية بالمفهوم الفردى لها، فمثلا حينما تقيدنا عادات وتقاليد من صنع البشر ننشأ عليها ونغمض اعيننا عن خطئها او صحتها، حينما نتبعها ونقلدها بدون تفكير او تدبر، حينما تتحكم فى مسار حياتنا وفى اتخاذ قراراتنا هل هذا حرية أم أسر؟ حينما نحلم بأن نربى ابناءنا وننشئهم كما تربينا ونشأنا نحن، حينما نتذكر خطى آبائنا ومنهجهم فى كل موقف يتشابه وآخر حدث معنا من قبل ثم نطبق ردة الفعل تلك بشكل آلى دون التفكير ان كان هذا الفعل يصلح لهذا الزمان ام انه قد أكل عليه الدهر وشرب هل هذا حرية أم أسر؟ حينما يحدث معك امر مفرح او محزن ويأتيك صديق ليجاملك فقط لأنك قد جاملته من قبل فأصبح لزاما عليه ان يرد المجاملة وحسب، هل هذا حرية أم أسر؟ إذن الحرية شيء نسبي، تعرف وفقا لقناعة كل فرد ورؤاه فالذى اطلق عليه انا حرية من وجهة نظرى هو قمة الأسر عند فرد اخر والعكس صحيح، وما زلنا حتى الان نبحث عن اكتمال الحرية فى دواخلنا، علنا نوقد شعلة السلام مع أنفسنا ونضئ بها للآخرين. رندا حاتم الشرق 11ابريل 2007
|
|
|
|
|
|