|
القومية السودانية !!
|
القومية السودانية وعصبيات الهامش والشحن العرقي والجهوي بقلم أ- حسن مكي – الرأي- 14 مايو 2006 العام ماذا نعني بالقومية السودانية؟ وهل هناك قومية سودانية، أم أن ذاك مجرد مصطلح مصطنع ولكنه فارغ من المضمون، ماهي الخصائص الروحية والنفسية والاجتماعية المشتركة بين الجامعة السودانية؟. إذا كانت أمريكا التي صاغت عقدها الاجتماعي مع الثورة الأمريكية في عام 1765 هي سيدة العالم اليوم وتتحدث عن الشخصية الأمريكية والحضارة العولمية، الا يجوز للسودان الذي انجب كرمة ونبتة ومروي والمقرة وعلوة وسلطنة الفونج ودارفور، أن يقول أنه يملك شيئاً يسمي الذاتية السودانية والشخصية السودانية، وجماع ذلك القومية السودانية . وإذا تأخرت بعض مكونات السودان لأسباب جغرافية أو مناخية، أن تكون جزءا من هذه المسيرة التاريخية، هل ينفي ذلك وجود هذه المسيرة؟ هل ينتقص من كتاب الطبقات أنه لم يشر إلى بعض مكونات الهامش السناري ؟ هل اجرم سكان النيل الوسيط بابراز مقدراتهم الابداعية في الدفوف وكرمة ومروي من معابد ومدافن واهرامات ومدارس ولغات مكتوبة كالمروية وغيرها - هل جنوا علي عصبيات الهامش؟تطورت الحضارة السودانية ونمت في أطار مواعينها التاريخية، في أخذ ورد وتفاعل مع الحضارة الإنسانية حتى انتهت إلى صيغتها السنارية، واصبح اللسان العربي اداتها في التوصل مع ذاتها وربها وقيمها. وأصبحت لها خصوصياتها الثقافية المستمدة من بيئتها وشكل اللسان العربي والعامل القرآني رافدين مهمين في تكوين العقل السوداني حتى عند الذين حاربوه ورفضوه، وأصبح التناغم الانساني ليس في السودان فحسب ولكن في ثلثي افريقيا الممتدة بين المتوسط والأطلسي والبحر الأحمر والمحيط الهندي قائما على هذا التناغم، الذي تداخلت فيه الطرق التجارية مع طريق الحج مع قيام السلطنات والممالك، مما وحد العقل الافريقي والانسان الافريقي وبرزت مدارس صوفية افريقية، بايقاعاتها واورادها وطبولها وحقها وباطلها، ومر العقل الإفريقي والإنسان الإفريقي بتجارب وخبرات، كتجارة الرقيق والاستعمار والكنيسة والامبريالية والعولمة واضافت هذه التجارب والخبرات الكثير للثقافة السودانية سلبا وايجابا ولكن لا تزال الثقافة السودانية تكتسب حيويتها وتتجدد في ظل خصوصياتها الإسلامية، حيث في إطار هذه الخصوصية الإسلامية تتم ولادة العائلة بعقد الزواج وتقسم الثروة حسب مطلوبات الشريعة وتودع الحياة بصلاة الجنازة وطقوسها . عصبيات الهامش، التي تريد سوق الناس وجرهم في الاتجاه المعاكس، قد تطغى وقد تستنصر بالعدو ولكن لن تكسب الكثير ولن يكسب السودان بارغامه على التنكب من ثقافته ووراثات قلبه وضميره، لأن خبرات التراكم الثقافي والروحي والعقدي لن تغلب. وإن كبتت أو هضمت، سرعان ما تعود مزدهرة في إطار صحوة او ثورة او مهدية أو تجويد ديني أو بعث قومي . لقد دخل التتر بغداد وسحلوا وقتلوا وحرقوا الكتب، وجعلوا منها جسوراً لعبور خيلهم. ثم ما لبث التتر أن أصبحوا حماة للثقافة الإسلامية، التي جاءوا لاجتثاثها، لأنهم لم يملكوا مشروعا بديلا، لذا ملكتهم أوعية الثقافة الشاخصة الحاضرة بعمقها وبحسن استيعابها وتطويعها لقدرات الإنسان. وعصبيات الهامش السوداني على موعد مع الثقافة السودانية وقريبا يصبحوا جزءا من جندها وناديا من انديتها لأن من عبقرية الثقافة الإسلامية انها لا تلغي الخصوصية وإنما تثريها بالحوار والتفاعل والتطويع والمران . هل عصبيات الهامش السياسي مؤهلة لقيادة النهضة السودانية : سيتوقف هذا على قدرة هذه العصبيات على إدراك واستيعاب ماهو مشترك بين أهل السودان، فبدون النيل المائي، لن يكون هناك كبير جدوى لقدر كبير من التراب السوداني، ومن الممكن القول، ان هناك نيلاً ثقافياً أو نيلاً حضارياً، رضعت منه الشخصية السودانية ونمت كما ينمو الطفل على حليب أمه، فإذا أدركت عصبيات الهامش السياسي ثراء هذا النيل الثقافي وتعاطت معه واضافت إليه، فستجد موضعا في تاريخ الحضارة السودانية، وإن تجاهلت هذا النيل الثقافي وركبت موجة العنف والكراهية، فستكون مجرد موجة سالبة من الموجات الكثيرة التي مرت على الحضارة السودانية ثم بادت .يجوز استخدام العنف والقتال، في إطار مشروع اصلاح، يقوم على رؤية للتعليم والتربية كأداة للتطوير والتزكية، ومشروع اقتصادي من أجل العدالة والمساواة ومشروع تشريعي من أجل الحرية والإنسانية، ونضالية روحية وفكرية من أجل الحرية والإنسانية، ونضالية روحية وفكرية من أجل الانعتاق، ولكن لايجوز استخدام العنف والقتال في قفزة نحو الظلام أو لشيوع السلاح أو اختزال لاحساس بالضيق والكرب والثأرات أو لأن الآخر الذي يوظف السياسة يوفر السلاح والعتاد وما أبخس الوظيفة السياسية التي يكون ثمنها حمل السلاح ولاتكون مسنودة ببرنامج إصلاح .سلام الجنوب وسلام دارفور والقومية السودانية : من المأمول أن يكون سلام دارفور وسلام جنوب السودان رصيدين للقومية السياسية، ولن يقدح احد في حق الدارفوريين أو الجنوبيين أو أهل الشرق أو الشمال في القيادة والريادة والأبداع في أوعية القومية السودانية، وليتهم يتصدون لقضايا النهضة وقيادة حركة التاريخ السوداني، ولن يقود حركة التاريخ من يجهل تراتيبيات التاريخ وايقاعاته وتشكلاته . ومن غير المقبول ولا المعقول أن يتصدى لقيادة النهضة السودانية، من يجهل الكيمياء التأليفية للعقل السوداني أو المشترك لخصائص الجماعة السودانية، أو من يجاهر بالعداء للسان النهضة السودانية، أو من يقلل من قيمة الحرف القرآني، لأن اللسان السوداني المكتوب بالحرف القرآني، ازدهر بقوته الذاتية، حيث اتجه اليه الروح السوداني بملايينه، دون سياسات لغوية رسمية. وعبر عن نفسه في إطار هذا اللسان شعرا ونثرا وفنا، وجلس الانجليز على عرش السودان «57» عاماً «1898 - 1955م» وخرج اللسان السوداني القرآني اقوى مما كان عليه قبل 1898، ممثلا في مدارس الشعر والنثر والأدب، من البنا وأحمد محمد علي ومعاوية نور وعبدالله الطيب والبرعي والمحجوب وحضارة السودان والنهضة والكاشف وعائشة الفلاتية دعك من مدرسة المعهد العلمي والمسيد وحركات الاسلام السياسي .ازدهرت الثقافة الإسلامية واللغة العربية بقوتها الذاتية، فلا الشيخ البرعي أو البنا أو الحاردلو أو صلاح بمرسوم رئاسي أو سياسي والملايين من السودانيين يتجهون صوب اللغة العربية نتيجة لتفاعلات اقتصادية وحراك سكاني بينما بعض الصفوة سليل جامعة الخرطوم، تتحرك مختنقة في فضاء الردة اللغوية، لأنّها تسبح ضد تيار التاريخ مهدرة طاقاتها وقواتها وابداعاتها لأنها خاصمت القومية السودانية واوعية النهضة الجامعة والمسارات الكبرى التي تشكل العقل السوداني والأفق . تلاشي ثقافة الكراهية :ستتلاشى ثقافة الكراهية وتصبح مجرد صرخة في واد مع إنسياب العدالة الاجتماعية والحرية والمساواة وسيقبل السودان الجديد على الحرف القرآني واللغة كأداة توحيد وصمام أمان للمستقبل الذاتي والمصير الجمعي، والأجيال الجديدة لن تقبل بعقلية العوازل اللغوية وسياسات المناطق المقفولة والوصاية الثقافية - والحرف القرآني مكون اصيل من مكونات القومية الأفريقية، كما برز في نموذج غرب افريقيا التي تضم ثلث سكان القارة، مع الفدويين وأحمد بيلو ومع نكروما الذي أحيا اسم غانا بدلا من ساحل العاج، وتزوج من فتحية المصرية، وغانا هي دولة الحرف القرآني القديمة في غرب إفريقيا، لقد فهم ذلك حتي جوليوس نايريري الكاثيوليكي، الذي اتخذ السواحيلية لغة للخطابة والتــداول والسـواحيلية بنت عم العربية وسمى نفسه «المعلم» رمز القراءة والعلم ومفتاح الحضارة القرآنية. لماذا أحب الافارقة كلاي؟ ولم يحبوا غريمه لويس؟ ولماذا الافارقة يحسون بالمشترك مع اوباسنجو في زيه بطابعه الإسلامي / الافريقي وكامتداد ثقافي لدان فوديو، وأحمد بيلو.ليست القومية السودانية اختراعا جديدا أو مشروعا طارئا ولكنه نيل روحي فكري ثقافي اجتماعي، فكما لا يمكن إلغاء النيل المائي أو شطبه او تجاوزه، لكن يحسن ترويضه وتنسيقه ببناء السدود وتعديل المجرى هنا وهناك. فكذلك شأن القومية الســـــــــــــودانية التي ستظل معطاءة ومتوهجـــــة مثلها مثل حوض النيل والله أعلم
|
|
|
|
|
|