دعواتكم لزميلنا المفكر د.الباقر العفيف بالشفاء العاجل
|
مقال فتحي الضو الذي منعت أجهزة الأمن نشره في (الأحداث) اليوم 5/3/ 2008 عن الهادي بشرى
|
بشري...والعودة (أم رماداً شحْ)!
فتحي الضـو
[email protected]
طالما أنها ماسكة بزمام السلطة، يحق لـ (المُتورِكين الجدد) التباهي بإنجازات عصبة الانقاذ ما شاء الله لهم أن يفعلوا، وقد تركت لهم المهمة أصلاً مقابل (حفنة مناصب)! ولكن بالقدر نفسه شعرت أن ثمة شاعر جاهلي أخذته بنا رأفة، فقال في عجز إحدي قصائده «عدد الحصي عدد التراب» كأنه كان يحاول مثلنا إحصاء شرورها، ومع ذلك تأملت ما أعتقد أنه أسوأ الظواهر التي رُزئنا بها في ظل (إعادة صياغة الانسان السوداني) فوجدت أن (النفاق السياسي والاجتماعي) هو الظاهرة التي إستشرت وعلت ولم يُعلي عليها...فأنت – يا هداك الله – تري القوم يُسرفون في الحديث عن (سيد فلان) الفاسد الذي أصبح هوايته إفساد أكبر قدر من الناس، ويقولون أنه كان رجلاً بسيطاً (يمد رجليه على قدر لحافه) كما المثل السوداني الدارج، أو أنه كان أشعثاً أغبراً يبحث عن قوت يومه بعرق جبينه، أو أنه كان نسياً منسياً.. ثمَّ يؤكدون بصوتٍ واحدٍ أنه في سنوات قلائل إنقلب حاله إلى النقيض تماماً، فإذا به وقد تطاول في البنيان حتي أصبحت عماراته المبثوثة بعدد السوام التي ورثها عن والده، وإقتني من السيارات المختلفة مثل مسبحة إنفرطت حباتها، ويتباري في مشربه ومأكله كأنه وليٌ حميم يحاول إستنكاه طعام وشراب أهل الجنة، ثم بعدئذٍ يقرر أن يأخذ زينته عند كل مليحة دون أن يفرط في عددٍ مما ذكر الكتاب، ولكنه إن شاء التحايل على الشرع بحث عما ملكت أيمانه كواعباً وأترابا، وقد يستطيب حياة الدعة والملذات فيلجأ إلى بدع الضلالة من (عرفي) و(متعة) و(مسيار) دون أن يمسه منهم نصب أو لغوب! في خضم تلك التراجيدكوميديا وبعد أن يلوك القوم الحسرة تلو الأخري، وتخرج الآهة تتبعها شقيقتها، ويضربون كفاً بكفٍ...فجأة يقبل سيادته من بعيد هاشاً باشاً تسبقه غمامة تظلله من حاسد إذا حسد ومن شر النفاثات في العقد، فيدرك مجلسهم ويلقي عليهم التحية المُفخّمة، فتردها ذات الألسن التي كانت تلوك في سيرته قبل حين..بتفخّيم أعظم منها، ويقفون وقفة رجل واحد كأنهم يودون خوض معركة حياة أو موت، ويمدون له أيديهم غبراء مكللة بكل سوء.. ثم يفسحون له في مجلسهم حتي يُضيّقوا على أنفسهم دون منٍ أو أذي، ويبدأون بعدئذ في التباري بذكر محاسنه حتي يكاد يتواري خجلاً، لكنه من فرط تواضعه تراه وقد إنتفخت أوداجه قليلا قليلا، وأصبح جسده اللحيم أرشق من فراشة على فننٍ، ثم يُحدق في فضاء أوسع من جلبابه، ويُداعب تلك الشعيرات التي نبتت على وجهه بسماد البؤساء، ورويدا رويدا يبدأ يُحلق في الهواء مزهواً...حتي تكاد تقسم بأنه ينوي أن يعرج للسماء في مهمة دنيوية عاجلة! التاريخ كما نعلم يصنعه المُدّعون والمتجردون، الاخيار والاشرار، الخونة والابطال، وهكذا دواليك، وبعيداً عن أي تصنيف مسبق.. كتب اللواء (م) الهادي بشري مقالاً (الرأي العام 28/2/2008) حكي فيه تداعياته بوقائع من تاريخ قريب لم يجف حبره بعد، بقوله «عندما عدت إلى البلاد لأول مرة بعد خمس سنوات في المعارضة» وكرر اللفظ مرة أخرى «فضلت العودة بسبب ما ذكرت وأوضحت خلال المؤتمر الصحفي في المطار قبل أيام» ولأن القارىء غير العليم بخبايا السطور قد يعتقد أن (العودة) المشار إليها تشبه تلك التي تتدوالها دوائر الهجرة في دول الخليج! ولأنها ليست كذلك رأينا توضيح حقائق قد تكون خافية على البعض، وحتى لا يعتقد الكاتب نفسه أن ما قاله أصبح أمراً مسلماً به، والجدير بالذكر أن الوقائع التي سيرد ذكرها سبق وان سطرناها في كتاب مرقوم صدر العام الماضي بعنوان (سقوط الأقتعة) ونعيد بعض فقراته للظامئين للمعرفة والباحثين عن كشف المستور، وللتدليل أيضاً على أن اللواء وكل مدعٍ أثيم لم يجرأوا على تكذيب صفحة واحدة من صفحاته التي ناهزت السبعمائة! وعليه نرى أن ما ظنه اللواء عودة ما هي إلا فعل مشين..غدر فيه بزملائه، وتنكر لشرف الجندية، وإبتذل النضال السياسي المشروع.. فما الذي حدث يومذاك؟! إنضم اللواء الهادي بشري لتنظيم القيادة الشرعية بعد تأسيسه في العام 1991 كواجهة عسكرية للتجمع الوطني الديمقراطي، وجاءت خطوة انضمامه بمبادرة من السيد مبارك الفاضل الذي توخي وجود كادر (إبن أنصار) في التنظيم الوليد..على حد تعبيره، وعن تلك البدايات قال عنه زميله الفريق (م) عبد الرحمن سعيد «الهادي الذي إنضم إلينا بواسطة مبارك الفاضل كان في البداية يعمل معنا بطريقة معقولة، وفي تقييمي لشخصيته، لاحظت انه كان يحترم كل من هو أكبر منه، والعكس تماماً مع من هو أدني منه، ولذلك كان (خميرة عكننة) بالنسبة لنا مع الآخرين، كان يختلق المشاكل دائماً مع التنظيمات التي تعمل في إطار التجمع الوطني الديمقراطي» وتلك شهادة رغم أنها جاءت متأخرة (ارجو ألا يحرجني قارىء ويقول لي وأين هو صاحب الشهادة نفسه) المهم عندي الآن أن شهادته تلك لا تصلح للمحللين السياسيين بقدر ما تصلح للمحللين النفسانيين، والذين يصلح لهم أيضاً وبالقياس نفسه وصف الكاتب لمناخ أول دعوة جاءته من اللواء الزبير محمد صالح نائب الرئيس «عند وصولي وجدت من ينتظرني عند الاستقبال، ليفيد بأن الغداء خارج العاصمة، وساتحرك في صحبته وولجت بوابة صغيرة لا تكاد تلفت النظر والموقع نفسه يبدو كحظيرة صغيرة مهجورة، وهناك تناولنا وجبة غداء كانت أقل بكثير من المستوي الذي كنت أتوقعه»! وهو إسقاط قد يشىء بدوافع القائل، ولولا أنه وجد ما تمناه بعدئذٍ في مغنم النظام لكنا قد آسيناه في إحباطاته تلك! لكن زميلهم أيضاً آنذاك العميد (م) عبد العزيز خالد الذي إنفصل لاحقاً عن القيادة الشرعية بسبب تفاقم المشاكل بينه وبينه المذكور، كان يري منذاك الوقت أنه كادر جبهوي مدسوس في وسط المعارضة، وإستند إلى حيثيات ثلاث، الأولي: أنه بعد شهور قليلة من إنضمامه قابل في العام 1991 دكتور نافع على نافع في روما مقابلة سرية، والثانية قال أنه غادر السودان يوم 29/6/1989 إلى المانيا أي قبل حدوث الانقلاب بيوم واحد، وهو نائب رئيس جهاز أمن السودان، في الوقت الذي كان فيه رئيس الجهاز نفسه اللواء محمد على حامد في مهمة أخري خارج البلاد، والثالثة أشار فيها إلى ما إعتبره دوراً غامضاً بين اللواء بشرى والجبهة القومية الاسلامية، وذلك أثناء ترؤس الأول لجنة تصفية جهاز أمن الدولة عقب إنتفاضة 1985 ولكن يبدو أن عبد العزيز نادى ولم يسمع حياً بحيثياته تلك، فغادر القيادة الشرعية إلى حيث وكره البديل (قوات التحالف)! عند انضمام اللواء الهادي للقيادة الشرعية وإختياره الاسكندرية مقراً له مع الفريق فتحي احمد على – طيب الله ثراه – لاحظ زملائه تردد كادرين من الأمن العاملين في السفارة السودانية بالقاهرة على منزله في الاسكندرية، وهما عوض أبنعوف وأبوبكر دمبلاب وقد أدمنا السفر للاسكندرية، وعندما فاحت الرائحة وأثير الأمر في إجتماع للقيادة الشرعية أقنع زملائه (الطيبين) بأنه يزمع إستغلال معرفته بهما لإختراق النظام فصدقوه، وقال الفريق عبد الرحمن مواصلاً ذات الشهادة المتأخرة «كان يعتقد بأن لهما ولاءاً خاصاً له، وكان ذلك سوء تقدير منه ونصحناه كثيراً لكنه كان دائما يقول بأنه هو المستفيد من تلك اللقاءات..والحقيقة كانت المعلومات عن التجمع قد وجدت طريقها إلى السفارة» أما العميد عبد العزيز فقد تأكدت شكوكه تماماً أوائل أبريل 1993 بعد إعتقال النظام لكوادر سرية قامت القيادة الشرعية بتدريبها تدريبات خاصة وسربت المجموعة الأولي للخرطوم، وقام اللواء الهادى بتسفير المجموعة الثانية في توقيت غريب، أُعتقلوا جميعاً بعد اسبوعين من وصلوهم وبعد أن إستدل الأمن منهم على الأوائل، وتعرضوا لتعذيب شديد بغية إنتزاع معلومات منهم! ثم أنظر – يا رعاك الله – كيف خطط ودبر اللواء لهروبه الذي أسماه ببساطة (عودة)! ويُذهلك أنه تمّ بصورة (جيمس بوندية) تصلح أن تكون فيلماً من أفلام الاثارة، فبحسب زميله صاحب الشهادة المتأخرة بدأ يختلق المشاكل مع زملائه تحت ستار رفضه لحق تقرير المصير، الذي قبلت به كل الاطراف، وعندما دعت اريتريا لما سُمي بإجتماع القوي الرئيسية الأربع، الأمة والاتحادي والحركة والتحالف، قال لزملائه تلك فرصة لانسلاخ القيادة الشرعية من التجمع، كأن القيادة يومذاك يقف جنودها على أعتاب الخرطوم! وعندما وسّعت اريتريا الدعوة وشملت كل المعارضين في مؤتمر أسمرا 1995 أُسقط الأمر في يده، فإختلق عُذراً إنسانياً وقال أنه سيسافر للاردن لعلاج إبنته، وانتهز فرصة وجوده هناك وإلتقي بعض سدنة بمعاونة رجل الآمن الاخر السفير على النميري، وعاد كأن شىء لم يكن. وانتظر ساعة الصفر ليس لسقوط النظام، ولكن من أجل سقوطه هو في حبائل النظام! إستمر السيناريو بزعم عودته إلى الاردن مرة أخرى لمواصلة علاج ابنته، وفي نفس الوقت إدعى ضيق ذات اليد، ويواصل زميله شهادته التى وثقنا لها «بذلنا جهوداً مع جهات كثيرة لتوفير تلك المبالغ المالية، وقمت بالاتصال بالأمير تركي بن عبد العزيز رئيس جهاز المخابرات السعودية، وشرحت له الأمر وطلبت منه التكرم بالموافقة على علاجها في المملكة، إلا أنه فاجأني بالقول بأن علاقتهم ليست جيدة مع الهادي، وذلك أثناء توليه منصب نائب رئيس جهاز أمن السودان، وأكد لي أن لديهم موقفاً منه، ولكنه أضاف بأنه لن يرفض لي طلباً، وبدلاً من العلاج في المملكة، فسوف يساهمون مالياً في علاجها في أي مكان آخر، وأرسل لي مبلغ خمسة آلاف دولار مشترطاً أن أتصرف فيها بطريقتي، وشكرته على ذلك وبدوري سلمتها للهادي وأخبرته بتفاصيلها»! تزامن ذلك مع المخطط...حيث تواري عن أنظار الفريق فتحي لبضعة أيام، واختفي في أحد فنادق الاسكندرية، وأعتري القلق الفريق فتحي الذي كان يراه كل يوم، ولم يكن يعلم بأنه سيلدغ من جحر مرتين، فقد كانت الأولي يوم أن باعه – على حد تعبيره – مدير مكتبه اللواء سيد الحسيني بثمن بخس للجهة التي كانت وراء إنقلاب يونيو 1989 وعندما إزدادت مخاوف الفريق فتحي، وخشى أن يكون قد حدث للمذكور أي مكروه، قام بتبليغ السلطات المصرية، وفتحوا الشقة فوجدوا العميد الهارب وقد ترك لهم أوراقهم السرية في ملف وضعه على طاولة بحيث لا تخطئه العين، وفي إيحاء بأنه غادرهم خالي الوفاض، إلا من الايمان بقضيته ومبادئه ووطنه! ويواصل الفريق شهادته «كان ذلك تمويهاً لأنه رجل أمن، ومن المؤكد أنه صوّر نسخاً من تلك الملفات وسلّمها للنظام، وخاصة أنه كان حاقداً على قوات التحالف والحركة الشعبية وآخرين في المعارضة»! وهل يستطيع أحداً أن يكذب الفريق المكلوم آنذاك، فتلك يقول عنها السياسيون (آليات) يمكن أن تذيب الحديد، ويقول عنها باعة الوهم أنها (عروق محبة) تجعل المحبوب طوع بنانك، وإن شئت فقد يأتيك كالخلافة التي تجرجر أذيالها! بالفعل إبتعث أهل النظام رسولاً بطائرة خاصة، كان على متنها السيد أحمد عبد الرحمن، ومن ثم إرتمى اللواء الهارب في احضان النظام الذي سخر منه يوم أن رمي لمعارضيه طعم المصالحة، فرد عليه في بيان للقيادة الشرعية صاغه بيده يوم 2/11/1992«إن مصالحة تقفز فوق أسباب الخلاف لا ينبغي أن يطلق عليها مصالحة، بل هي رضوخ لرغبة المستبد الظالم» ومؤكداً أن «هذا النظام لن يظفر منّا بقول أو فعل أو حتي إيماءة توحي بمهادنة أو مصالحة» وقال لصحيفة (أخبار السودان/أثينا 31/10/1991) تعليقاً على موقف القيادة الفلسطينية من النظام «إن بيع المواقف لم يعد لعبة صالحة حتي لدي الأطفال» ولا يدري المرء كيف قرأت عين اللواء أدباً أراق فيه حبراً دفيقاً وحياءًا كثيراً! وإلا فتأمل قوله في المقال المذكور من قبل أن تنبس شفة مضيفه بشىء «يا أخوي أنا جيت عشان أقيف في وجه الغزو الذي يستبطنه إعلان اسمرا (23يونيو1995) بإبطاله أو عرقلته أو صده مع الدولة إن تمّ تنفيذه..وبعد ذلك ننظر ونري!!» هل لاحظ أحدكم كيف رجم اللواء بالغيب، واستعان بعلم الباطن للتنبوء بغزو محتمل لتجمع في طور التخليق! وكيف أعتقد اللواء أن (عروق المحبة) قادرة على «إبطاله أو عرقلته أو صده» والواقع أن المبيد ذي القوة الثلاثية الفتاكة..كان تقلب سيادته في الوزارات والمناصب كتقلب المحبوب على نار الجوى! ثم أنظر – صبّرك الله – ما الذي سره في بداية جولته بعد ذاك الغداء المتواضع «رأيت ما لم أحسب أو أتصور يوماً أن أراه في بلادي..رأيت ثم رأيت نعمة تدخل السرور في قلب كل جندي أو مواطن خبر الحرب أو ذاق مرارتها وعاش أذاها (حديدية متحركة) وهي في مرحلة التصنيع الأخيرة حيث الطلاء الأخير قبل التعبئة، وكان يفتقر إليها جيشنا، كما يفتقر إلى كل عدة وعتاد ليقوم بمسؤولياته» وعندما يؤكد له مضيفه ذات الاحلام التي يتوارى خلفها الموت والدمار والهلاك بقوله: «يا سعادتك نحن في حالة إكتفاء ذاتي من كل أنواع الذخائر صغيرة وكبيرة، وغيرها من جميع الاسلحة الصغيره..شنو ليك؟! أرح نوريك!!» يُصدقه هو القول ويُعطيه صكاً علي بياض «يا أخوي اشوف شنو تاني!! يا زول أنا معاكم.. بعد الدانات دي ما داير أشوف حاجة» ونحن بعد هذا القول كفانا سادية بالقارىء، والحمد لله الذي جعلنا شهوداً (شافوا كل حاجة)! تلك ليست عودة يا سيدي..وإن شئت التمسك ببراءة الاختراع، نقول إنها (العودة أم رماداً شح)..تلك التي عافتها وأبتها نفس بنونة بت المك لشقيقها..فاهنأ بها من عودة، وطب نفساً، وقر عيناً في حظيرة الانقاذ.. سعادة اللواء معاش!!
|
|
|
|
|
|
|
|
|