دعواتكم لزميلنا المفكر د.الباقر العفيف بالشفاء العاجل
|
حكاية واحد صحبى من بحرى
|
لا أدرى سأكمل القصة أو لا أستطيع .. ليس لشيئ ولكن لمشاغل الدنيا التى ستنتهى حتمآ .. ولكن قصة صديقى الباقر لن تنتهى .. فهى سيرة الحياة كما طوعها هو أو كما سفهها إذا صح التعبير ..
سأبدأ من النهاية الحتمية وسأعود لترتيب الحياة .. ليس كلها ولكن كما كانت كذبة إسمها الباقر ..
عاد الباقر الى بحرى التى لم يعود لها من قبل كوطن .. عاد الى عائلته التى لم يرتبط بها يومآ .. قضى بينهم أجمل لحظات الإنتماء كطيف عاد من المجهول .. ودعهم ذاهبآ الى وطن آخر وضع فيه لبنة الإنتماء .. طريق عودته كان محطته الأولى أديس أببا .. تعطل هناك لآنه نسى "القرين كارد" فى بحرى ولم تسمح له شركة الطيران بالطيران .. فما كان له إلا أن يعود الى بحرى مرتان فى العام لأول مرة رغم إنها شهدت مولده .. عاد وحجز رحلة الغد .. وضع وثيقته فى جيبه ومتاعه فى أرض الحبش .. نام فى "الحوش" كرغبة أكيدة .. أيقظته والدته صباحآ فلم يستجب لآنه كان قد مات ..
سأعود لأصل الحكاية ....
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: حكاية واحد صحبى من بحرى (Re: salah awad allah)
|
Quote: إنته مش صاحب القطيه المقشوشه ومرشوشه الكانت بى هناك ولا أن غلطان ؟؟؟ |
هسة ده شنو يا صلاح .. وأنا زاتى مشبه عليك .. بولد من كوستى .. قيافة وفايت الناس مسافة .. أديب وفنان وبعثى مسلط ..
ياليت تساعدنى فى "لملمة" أفكار مشتتة أهاجها .. دون مناسبة الذى ذهب .. بدون سبب .. الباقر محى الدين
قصة الباقر بدون بداية .. من الممكن أن تكون مجمل قصص .. لكنه أيهم كان .. نفس البشاشة ونفس طيبة الأخلاق .. أسرع من ينسى الإساءة .. ويتخطى كل المواقف التى تستدعى الكرامة فهو كان يعلم بأنها لا "تستاهل" .. هذه الدنيا ..
سأحكى عنه بدون ترتيب ..
| |
|
|
|
|
|
|
Re: حكاية واحد صحبى من بحرى (Re: سيف الدين مصطفى كرار)
|
Quote: اهلا استاذ رافت بعد غياب |
مرحب يا سيف .. دايمآ مشرفنى بطلتك .. ومغرقنى بفضلك
تتذكر يا سيف .. وطبعآ ما بتكون جيلنا .. كان فى أنشودة مطلعها بقول: ليس الغريب غريب الشام واليمن .... إن الغريب غريب اللحد والكفن إن الغريب له حق لغربته .... على المقيمين في الأوطان والسكن
ده حال الباقر ولكنه كان غريب الشام واليمن وأُبحر ..
الباقر أتى إلينا كما أتى للدنيا .. زائرآ للإستجمام .. خمسة عشر يومآ إمتدت لأكثر من سبعة سنوات .. أصبح جزء من المجتمع ونسيجه .. كانه كان هناك منذ الأزل .. يحب الغناء .. ويحب الشعر .. أصبح من أميز لعيبة كرة القدم .. لم يفكر فى الدراسة أو العمل .. حلم حياته أن يصير "طيار" .. ولكنه فقط يحلم .. ضنكت الحياة عليه خاصة بعد أن بدأت تتبلور شخصياتنا ومن ولج الجامعات ومن ولج أروقة العمل .. بعد أن كان فراشة يتنقل من منزل الى آخر .. وكل أمهاتنا أصبحن له والدات .. كثر عليه الهمس .. من هو .. أين أهله .. ما مصيره .. ما هو مصدر دخله .. ؟؟؟
تبدلت حياته وظهرت ربكتها تحت نظرات اللوم وهمهمات الإدانة .. حاول خلق شخصية طالما شجعناه عليها وهى إحتراف لعبة كرة القدم .. التى أتقنها ولكنها لم تتعدى الهواية .. كانت فكرة غير صائبة لآنها تأخرت كثيرآ لتقدم عمره الرياضى .. وعطائه كان فى آخر أيامه .. والسهر الذى كان يعشقه ظهر جليآ فى أدائه الرياضى .. سجل فى فريق النادى الأهلى .. إنتظر الناس بإهتمام بالغ خاصة كان من أشهر لعيبة مدنى الباقرين .. باقر مارنجان وباقر الدباغة .. فترقب الباقر المرتقب .. وحضرنا مباراته التجريبية التى فشلت تمامآ .. إعتصر قلبى وأنا أنسحب خارجآ وأحد مشجعين الكرة يصيح ساخرآ "ده جايينا بعد ما شقاه العرقى"
إختفى الباقر تمامآ ولا يدرى أحد الى أين .. فعاد منهوك .. أعشى "لا يرى جيدآ ليلآ" يعد إصابته بمرض السحائى ..
سأواصل معك ومع الجميع فهى قصة كتاب الحياة التى لا توعد بأى شيئ ..
ذكرتنى هذه العبارة أغانى البلوز التى إشتهر بها الزنوج الأمريكان وهم يتلمسون فجر الحرية
to live for today and to love for tomorrow is awisdam of a fool because tomorrow is promised to no one
| |
|
|
|
|
|
|
Re: حكاية واحد صحبى من بحرى (Re: رأفت ميلاد)
|
الأخ الـحـبـوب الـحـبـوب، رأفـت مـيـلاد، تـحياتي ومـودتـي، *** - مـررت للتحـية والـمجاملة.
*** - انت شـنو حـكاية الـحيشان البقـت تقتل الناس?. قبل كـم اسـبوع زوج وزوجـته كانا فـي امان بـحـوش بيـتهما ووقعا في بـئـر السايفون وتـغـمدهـما اللـه برحـمته. جـئتنا انت بـخـبـر صـاحـبك رحـمه اللـه بعـد مانام فـي الـحوش!!!
*** - يعـني الناس بعد ده ماتنوم فـي الحيشان ولاشـنو?، والحـر ده ماعلاجـه الحـيشان!!!
لك مـودتي.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: حكاية واحد صحبى من بحرى (Re: محمد سنى دفع الله)
|
Quote: اها اتربعنا في ضلك البارد ده اصلوا انا بموت في الحكايات محبتي احكي |
السنى صديقى .. شوق عمر أهو أنت المغروض فيك هنا .. الباقر رؤيا تانية .. حاجة كدة زى زوربا اليونانى .. طيف عاش الدنيا كما تستحق .. مارس فيها كل حاجة بدون إسراف وذاق كل ضروبها.. تمتع بالشهد تمامآ وأيضآ بالحنظل منها .. لا بطر لا إستنكار وكل ذوق له متعته .. تشاركه أحيانآ الضحك من قلبك وأنت تبحث عن ماذا يُضحك ..
سافر الباقر العراق ثم مصر ثم العراق عن طريق سوريا ثم الكويت .. كان يبعث لى الرسائل فى رحلاته كأنى أرافقه .. عندما أستلم رسائله كنت أفتحها أمام الحضور وأشرع فى قرائتها بصوت مسموع للكل .. كانت متعة فى السرد تنبض بالحياة .. أتوقف بعد بعض العبارات شارحآ خلفياتها لتتضح الصورة كاملة للسامعين .. أصبح له أصدقاء لا يعرفهم يهتمون بأخباره ويداومون السؤال عنه ..
إنتشله أصدقائه وأهله بعد جهد من رحلة التحليق فى الأرصفة الخلفية التى لم يرو منها سوى الضياع .. لم يقاوم ليس لإقناع ولكنه يُرضى من يحبونه فهو يحب الجميع .. وكما قلت أمنيته كانت الطيران .. فهو يقاوم الإستقرار كطائر جامح .. قبل بعثة للعراق "فنىّ طيران" كأنه يرغب الجلوس بجانب أمنيته .. ذهب العراق .. وهام عشقآ بأهل العراق .. وقبل تخرجه بشهور ساءت العلاقات بين حكومة الخرطوم وحكومة بغداد .. فطرد صدام كل المبتعثين .. إصطادت حكومة القاهرة فى الماء العكر وإستوعبت جل المطرودين .. نقلة لم توائم الباقر .. فشقه بات فى العراق .. ومنهج المصريين صار يزعجه .. ومارس ضياع لم يعجبه ربما لأنه ليس إختياره .. فى أول عطلة أتى لى حازم أمره بالعودة الى العراق .. كتب لى من سوريا التى مكث بها بضعة أيام .. رسائله مقتطفات من رحلته وشبه السوريين بالمصريين بفرق التهذيب الذى ألبسه للسوريين .. وذلك فى وصفه للأبواب الخلفية ..
تسلل للعراق .. بعث لى من الكويت رسالة بوعد أخرى لم تصل .. علمت منها إنه غادر العراق ولم يلتحق بالمعهد لإكمال الدراسة .. كتب لى فقط: "قدموا لى شروط .. لم تكن غير أخلاقية ولكنها غير مقبولة" مكتفيآ بذلك ..
علمت قصته فى الكويت عندما قابلته ... أواصل معك عند بت حلتنا و حبيبى وليم أندريه
| |
|
|
|
|
|
|
Re: حكاية واحد صحبى من بحرى (Re: بكري الصايغ)
|
Quote: مـررت للتحـية والـمجاملة. |
بكرى الصايغ زاتو .. يا للهنا .. على البال يوميآ لكن اليوم بقى خرم إبره .. وصلتنى رسالتك من الحجة وكفارة شديد ياخ لامن أتصل .. سأتفرغ بعد 20 مايو .. أخوك متوعك الليلة .. وما تكلم زول الضهر شبك .. باين دخل الما بداوى .. وصلتنى الأمانة كاملة وبحضر فى ورقة بالنت إهداء لمكتبة إبراهيم عدلان القيمة .. Quote: انت شـنو حـكاية الـحيشان البقـت تقتل الناس?. قبل كـم اسـبوع زوج وزوجـته كانا فـي امان بـحـوش بيـتهما ووقعا في بـئـر السايفون وتـغـمدهـما اللـه برحـمته. جـئتنا انت بـخـبـر صـاحـبك رحـمه اللـه بعـد مانام فـي الـحوش!!!
*** - يعـني الناس بعد ده ماتنوم فـي الحيشان ولاشـنو?، والحـر ده ماعلاجـه الحـيشان!!! |
الباقر من أولاد بحرى وما قتله الحوش .. مكتوب ليه أن يحظى أهله بجسمانه الذى طالما أشتهوه ولم يجدوه .. فى كل مكان حط الباقر متاعه .. أرسل والده فى إثره شقيقه .. ليس لطلبه .. فقط ليراه ويعود .. شقيقه شخصية مغايرة .. هادئ عملى يقضى أيامه بدون ضجيج فى زيارة خفيفة ويعود .. لا لوم لا شكوى فهو الأصغر سنآ ..
كما ألتزمت بعدم الترتيب أحكى لك فترة من حياة الباقر لم أصادفه فيها وسمعت عنها هنا وهناك .. حكى لى عنها أجزاء إذا أتت المناسبة وليست "تراجيديا" .. بل مرحآ فهو لا يلعب دور الضحية ويجعل أحلك الأيام متعة وأجمل الذكريات .. عاش هائم فى الطرقات بلا مأوى .. داخل الخرطوم ولم يعبر الكبرى مرة واحدة الى بحرى حيث منزل والده الرحب .. ليس قطيعة فهو لا يعرق الحقد والقطيعة .. يذهب حيث تقذف به الأقدار .. وأصبح ساكنى الطرقات ملته كأنه نشأ معهم .. طور حياته بإقتناء دراجة قديمة وجعلها مسكن ومستودع لمتاعه .. ونصب عليها مظة تقيه من الشمس الحارقة بطريقة شرق آسيا .. فجرآ يكون جاهزآ فى "سوق الخضار" .. يعمل "عتالآ" .. فى تحضير سوق الخضار .. قال لى ضاحكآ كأنه يروى عن شخص آخر: "كنت أختار سوق اللحمة .. يضعوا بطانية على ظهرك ويحمل عليها فخذ البقرة كاملآ وأحيانآ نصف العجل .. "والجزارين" يدفعون جيدآ .. وبعدها تمر عليهم "ينفحوك" بأجود قطع اللحمة " .. كان لديه صديقة تسكن فى بيت تحت التشييد مع أطفالها .. يذهب لها بالغنيمة التى لا تحلم بها .. ينام لديها حتى يتم تحضير الطعام .. يأكل معها وأطفالها .. هذه وجبته الوحيدة .. و"نومته" الوحيدة ويغادر هائمآ مع أصدقاء لم يتنكر لهم عندما إستقر به الحال ..
أواصل ........
| |
|
|
|
|
|
|
Re: حكاية واحد صحبى من بحرى (Re: رأفت ميلاد)
|
Quote: to live for today and to love for tomorrow is awisdam of a fool because tomorrow is promised to no one |
الحبيب رأفت ازيك يالحبيب لينا زمن
ياسلام علي شخصية الباقر ..... حياة زي العصافير
احكي يا صديقي حياة انسان زي النسمه
الله يرحمه ويغفر اليه
مودتي
| |
|
|
|
|
|
|
Re: حكاية واحد صحبى من بحرى (Re: ناصر احمد الامين)
|
عزيزي الأخ رأفت، تسجيل حضور ومتابعة،
أخوك بحب الحكي الجميل الذي يعزفه صاحبه خاصة عندما تكون القصة واقعية وتجعل القاريء متشوقا يحلق بخياله مع أحداثها والتأمل في المعاناة التي لاقت الشخصية مدار القصة.. أحكي يا رأفت أحكي وستجدنا من المتابعين. والله يرحم صديقك الباقر.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: حكاية واحد صحبى من بحرى (Re: عزيز عيسى)
|
بت حلتنا صفية مشتاقين كتير .. معليش على التأخير جرى .. وما جايب Quote: الزول دة مقسومة ليه يموت في السودان يبدو ان علاقته بالوطن كانت كبيرة |
فعلآ حكمة ورحمة بوالديه .. علاقته بالوطن الكبير وربما بالكرة الأرضية وطيدة .. سريع الإستقرار ولا يحمل فى جوانحه غربة .. فكان هو الغريب عنا فى دنيتنا ..
أحكى لك قصته فى الكويت .. لم يحكيها لى هو .. جمعت أطرافها منه وهى يحكى عندما تحين المناسبة وغالبآ تكون طرفة أو دعابة .. وينتقل منها سريعآ فهو يعيش حاضره أكثر .. سمعت أطراف أخرى من آخرين وأنسج ترابطها من معرفتى به وطريقة تصرفاته التى تشبه الإندفاع فى قواميسنا ..
فى طريق العودة من العراق الى الوطن لزمه تأشيرة "ترانزيت" من الكويت .. حصل عليها بسهولة .. فراقت له فكرة جهنمية فسافر بالبر عن طريق "الآوتو ستوب" .. أُعتمدت تأشيرته فى الحدود وتخلف فى منطقة نائية فى الكويت .. واصل راجلآ هائمآ بدون تخطيط .. قادته قدماه لمزعة دواجن فى منطقة معزولة بها عاملين من شرق آسيا .. كان التفاهم صعب ولكنه كسب ودهما وشاطرهما الطعام والفراش ..
فى اليوم الثانى أتى صاحب المزرعة وعرف من الباقر قصته التى يحكيها بلا "رتوش" .. لا أدرى تفاصيل ولكن سمح صاحب العمل له البقاء فى المزرعة ويعمل بأجر .. غالبآ ضعيف لوجوده الغير قانونى ..
أتخيل الأمر لم يكن صعبآ على الباقر أن يستقر بالمزرعة .. فله قدرة على الإلفة وتوأمة الروح مع الزمان والمكان .. يكون قد رأى الطبيعة بعيون خضراء حتى لو كانت صحراء جرداء .. يكون وجد فى مرافقيه خير جليس ووجد فى روحيهما ما لا يراه البشر .. ويكون هو ولج قلبيهما لا محالة .. حتى الدجاج يكون أحبهم وأحبوه .. بقي الباقر وحده أبان عطلة إحدى الأعياد حيث ذهب الجميع لقضاء العطلة مع ذويهم فى الكويت .. إنقطع الماء عن المزرعة .. فجن جنون الباقر هلعآ على الدجاج .. وأشفق أن يراهم يموتون أمامه .. هام بدون دليل قاطعآ الأميال راجلآ حتى وصل قرية فى تلك النواحى .. إستأجر من ماله "تانكر" من الماء أصبح يأتى له يوميآ الى المزرعة .. بعد العطلة كانت كل الدواجن فى المزارع فى تلك النواحى قد نفقت عدا مزرعة الباقر .. سعد به صاحب المزرعة وعوضه ماله ومكافئة كبير .. وصارع له حتى حصل له على إقامة قانونية .. وأصبح الباقر مديرآ للمزرعة بوضع متميز ..
سأعود يا بت حلتنا بحصيلة الكويت
| |
|
|
|
|
|
|
Re: حكاية واحد صحبى من بحرى (Re: ابو جهينة)
|
حبيبنا ولى شوق كبير صورتك جميلة وذكرياتها عن شخصية إخترقت قلوب الكل .. لا يزال يطن فى إذنى هدير الهتاف مع ضرب الأرجل على الأرض قى "قراوند" كمبونى " ولى .. ولى .. ولى" ووليم يقفذ كالغزال الجامح فى أركان الملعب .. وهو أيضآ عاش كالنسمة وذهب كالنسمة
Quote: ياسلام علي شخصية الباقر ..... حياة زي العصافير
احكي يا صديقي حياة انسان زي النسمه |
طوال فترة وجوده فى الكويت إنقطعت عنى أخباره ورسائله .. وأنا أيضآ ذهبت إلى جدة وتزوجت وأنجبت .. أخذتنا الحياة .. وإهتمامات وأعباء جديدة .. أصبح لنا ماضى وتطل الذكريات فى كل لقاء يذكرنا بالزمان والمكان ..
أستقريت فى الديم وصارت لى حياة أخرى .. معارف وجيران وسياسة وسخط وأطفال يملآون الدنيا ضجيج .. طرق بابى .. وجدته أمامى بجسده الضخم وشعره الكثيف فى كل مكان .. رأسه .. حاجبيه وشاربه .. ومن بين كل ذلك تطل عيناه الصغيرتان تجعل وجهه فى برائة الأطفال .. تقالدنا بعنف بصمت أعاد لى شخصية كنت قد فارقتها تمامآ .. قال لى: " عطشاااااان" .. سبقته الى الداخل وأحضرت كوب من الماء .. جلجل ضاحكآ .. وقال: "ده شرابنا يا رأفت ؟" ..
دخلت الى الحمام لأنى قادم لتوى من عمل شاق .. وأبدلت ملابسى وعندما عدت إليه كان طفلاى متعلقان على أكتافه والأرترية حاضنة الأطفال جهزت له طعام وتناديه بإسمه المجرد .. خرجنا فى ليلة صاخبة وزرنا عدد من الأصدقاء .. لم أعلم الكثير عن رحلته فهو يعيش حاضره أكثر .. علمت بأنه عمل فى الكويت ومن مدخراته دفع الى معهد طيران فى أمريكا تكلفة الدراسة لمدة أربعة سنوات مع السكن والإعاشة كاملة متضمنة تذاكر السفر وتأشيرات الدخول .. وأسلم الباقى لوالده .. وأصبح كما ولدته أمه لا يملك شيئآ طليقآ كما هو .. لم أهضم مجمل القصة .. كنت أشعر بأننا تعدينا قدرة للبداية والعمر تسلل قليللآ .. لم أعكس له ذلك وإكتفيت باللحظة التى نحن فيها .. فهى خطوة تلائم الباقر .. هو ليس الرجل الذى يصير رجل أعمال ورائد مشاريع مستقبلية .. بل التفكير فى ذلك يخنقه .. هى خطوة ليحط رحاله فى مكان وزمن آخر .. سعدت بأنه دفع ما يؤمن له أربعة سنوات من العمر .. وربما تكون تغير فى ناموسه .. ولكن فى قرارة نفسى لم أكن مقتنعآ ..
عند ساعة الفراق كنت فرغت نفسى لمرافقته للمطار .. ولكن حتى اللحظة لا أعرف منزل والده فى بحرى .. طرق بابى قبل الرحلة بأربعة ساعات .. يحمل شنطة صغيرة على ظهره وذقن أشعس ولا يبدو عليه أى إستعداد للسفر .. طلب منى الخروج .. دعوته للدخول فالمطار لا يبعد كثيرآ .. قال "أريد الذهاب راجلآ .. فأنا أتيت من بحرى مشيآ .. أريد أن أطأ هذه الأرض كثيرآ فربما لن أعود لها .. رافقته دون جدال وكنت أتمنى أن نصل المطار ونتفارق .. سرنا فى صمت تام .. كان الطريق المؤدى للمطار من شارع أفريقيا طويلآ وقطعته لآول مرة فى حياتى راجلآ .. عند صالة المغادرة تقالدنا فى صمت .. وتسلل داخلآ بدون كلمة وداع ..
كانت هذه آخر مرة أراه .. ولم تبلغنى منه رسالة ..
أواصل ...
| |
|
|
|
|
|
|
Re: حكاية واحد صحبى من بحرى (Re: ناصر احمد الامين)
|
Quote: مرحبا برأفت
ليك زمن يا راجل ... ووحشه أكبر من الزمن
متابعين |
ألف مرحب بيك يا ناصر وليك وحشة كبيرة والله .. مشاغل الدنيايا ناصر وآسف على التأخير .. وما فضل الكتير
أواصل
مرت السنون وزان الشباب النضوج وكبر الصغار واضعين أقدامنا على أعتاب الكهولة .. إتصل بى محمد عبد الرحمن شاهد فتوتنا ورفيق الصبى والشباب من أمريكا عندما عثر علىّ على صفحات الإنترنت ووجد عنوانى وتلفونى .. بعد حديث شيق وتحدثنا عن كل شيئ .. سألته آملآ أن يكون لديه أخبار الباقر .. كأنه أشفق علىّ من خبر مباشر .. "أتذكر عندما كنا نلعب كرة القدم .. كان الباقر عندما يعدو أحيانآ يظهر عليه إجهاد ويدلك على صدره بكلتا يديه ؟ .. الباقر كان لديه شيئ فى القلب وهو لا يدرى طيلة هذه السنون " ثم إسطرد كأنه حزم أمره .. "لقد مات الباقر .."
أكاد أجزم بأن الباقر لم ير طبيب طيلة حياته ولم يتناول الدواء .. ولا أذكر رأيته يشتكى من مرض .. حتى إصابته بالسحائى لا نعرف تفاصيلها ..
محمد أيضآ لم يعطينى تفاصيلآ وافيه لأنه نفسه لم يقابله .. هو الذى حكى لى تفاصيل وفاته .. علمت منه أن الباقر إكتشف ضعف قلبه فى الولايات المتحدة .. وبما أنه غير مؤمن على نفسه لم يستطيع مقابلة تكاليف الجراحة .. ذهب الى كندا حيث مجانية العلاج ومكث بها حتى حصل على "القرين كارد" .. تقدم للعلاج وتقررت له عملية جراحية دقيقة بأمل نجاح غير كامل ..
حزم أمره على التجربة .. سفره للسودان لرؤية أهله قبل العملية فكانت روحه تطلب الرحمة له ولأهله
| |
|
|
|
|
|
|
Re: حكاية واحد صحبى من بحرى (Re: رأفت ميلاد)
|
كالعادة تغيب وتجيب عضم الكلام ، قرأت بداية الباقر وعرفته نهايته من خلال مقدمتك الفنانة عنه ، ليتك تعرفنا به أكثر وأكثر يا رأفت يا صاحبي في الانسانية . بالمناسبة مشتاق ليك عديل كدة
| |
|
|
|
|
|
|
Re: حكاية واحد صحبى من بحرى (Re: خضر حسين خليل)
|
Quote: عزيزي الأخ رأفت، تسجيل حضور ومتابعة،
أخوك بحب الحكي الجميل الذي يعزفه صاحبه خاصة عندما تكون القصة واقعية وتجعل القاريء متشوقا يحلق بخياله مع أحداثها والتأمل في المعاناة التي لاقت الشخصية مدار القصة.. أحكي يا رأفت أحكي وستجدنا من المتابعين. والله يرحم صديقك الباقر. |
عزيزى عزيز عيسى تحيات عطرة أثلج حضورك قلبى سأعيد بالخلاصة لديك هنا.. التى لم أحضرها بل من وحى مداخلات الأحباء .. وأختمها وترقيمها كما وصى حبيبنا الشقلينى محبتى
الى روح صديقى الباقر محى الدين .. ليست مرثية .. فهو لا يحب الرثاء والشفقة ولكنها ذكريات هاجت دون سبب .. ربما إتصال من نوع ما .. وربما هكذا يريد هو ..
1.
سأبدأ من النهاية الحتمية وسأعود لترتيب الحياة .. ليس كلها ولكن كما كانت كذبة إسمها الباقر ..
عاد الباقر الى بحرى التى لم يعود لها من قبل كوطن .. عاد الى عائلته التى لم يرتبط بها يومآ .. قضى بينهم أجمل لحظات الإنتماء كطيف عاد من المجهول .. ودعهم ذاهبآ الى وطن آخر وضع فيه لبنة الإنتماء .. طريق عودته كان محطته الأولى أديس أببا .. تعطل هناك لآنه نسى "القرين كارد" فى بحرى ولم تسمح له شركة الطيران بالطيران .. فما كان له إلا أن يعود الى بحرى مرتان فى العام لأول مرة رغم إنها شهدت مولده .. عاد وحجز رحلة الغد .. وضع وثيقته فى جيبه ومتاعه فى أرض الحبش .. نام فى "الحوش" كرغبة أكيدة .. أيقظته والدته صباحآ فلم يستجب لآنه كان قد مات ..
سأعود لأصل الحكاية ....
2.
الباقر أتى إلينا زائرآ فى مدينتنا للإستجمام .. خمسة عشر يومآ إمتدت لأكثر من سبعة سنوات .. أصبح جزء من المجتمع ونسيجه .. كانه كان هناك منذ الأزل .. يحب الغناء .. ويحب الشعر .. أصبح من أميز لعيبة كرة القدم .. لم يفكر فى الدراسة أو العمل .. حلم حياته أن يصير "طيار" .. ولكنه فقط يحلم .. ضنكت الحياة عليه خاصة بعد أن بدأت تتبلور شخصياتنا ومن ولج الجامعات ومن ولج أروقة العمل .. بعد أن كان فراشة يتنقل من منزل الى آخر .. وكل أمهاتنا أصبحن له والدات .. كثر عليه الهمس .. من هو .. أين أهله .. ما مصيره .. ما هو مصدر دخله .. ؟؟؟
تبدلت حياته وظهرت ربكتها تحت نظرات اللوم وهمهمات الإدانة .. حاول خلق شخصية طالما شجعناه عليها وهى إحتراف لعبة كرة القدم .. التى أتقنها ولكنها لم تتعدى الهواية .. كانت فكرة غير صائبة لآنها تأخرت كثيرآ لتقدم عمره الرياضى .. وعطائه كان فى آخر أيامه .. والسهر الذى كان يعشقه ظهر جليآ فى أدائه الرياضى .. سجل فى فريق النادى الأهلى .. إنتظر الناس بإهتمام بالغ خاصة كان من أشهر لعيبة مدنى الباقرين .. باقر مارنجان وباقر الدباغة .. فترقب الباقر المرتقب .. وحضرنا مباراته التجريبية التى فشلت تمامآ .. إعتصر قلبى وأنا أنسحب خارجآ وأحد مشجعين الكرة يصيح ساخرآ "ده جايينا بعد ما شقاه العرقى"
إختفى الباقر تمامآ ولا يدرى أحد الى أين .. فعاد منهوك .. أعشى "لا يرى جيدآ ليلآ" يعد إصابته بمرض السحائى ..
3.
الباقر من أبناء بحرى ولم يموت لآنه نام فى الحوش .. مكتوب ليه أن يحظى أهله بجسمانه الذى طالما أشتهوه ولم يجدوه .. فى كل مكان حط الباقر متاعه .. أرسل والده فى إثره شقيقه .. ليس لطلبه .. فقط ليراه ويعود .. شقيقه شخصية مغايرة .. هادئ عملى يقضى أيامه بدون ضجيج فى زيارة خفيفة ويعود .. لا لوم لا شكوى فهو الأصغر سنآ ..
كما ألتزمت بعدم الترتيب أحكى لك فترة من حياة الباقر لم أصادفه فيها وسمعت عنها هنا وهناك .. حكى لى عنها أجزاء إذا أتت المناسبة وليست دراما .. بل مرحآ فهو لا يلعب دور الضحية ويجعل أحلك الأيام متعة وأجمل الذكريات .. عاش هائم فى الطرقات بلا مأوى .. داخل الخرطوم ولم يعبر الكبرى مرة واحدة الى بحرى حيث منزل والده الرحب .. ليس قطيعة فهو لا يعرق الحقد والقطيعة .. يذهب حيث تقذف به الأقدار .. وأصبح ساكنى الطرقات ملته كأنه نشأ معهم .. طور حياته بإقتناء دراجة قديمة وجعلها مسكن ومستودع لمتاعه .. ونصب عليها مظة تقيه من الشمس الحارقة بطريقة شرق آسيا .. فجرآ يكون جاهزآ فى "سوق الخضار" .. يعمل "عتالآ" .. فى تحضير سوق الخضار .. قال لى ضاحكآ كأنه يروى عن شخص آخر: "كنت أختار سوق اللحمة .. يضعوا بطانية على ظهرك ويحمل عليها فخذ البقرة كاملآ وأحيانآ نصف العجل .. "والجزارين" يدفعون جيدآ .. وبعدها تمر عليهم "ينفحوك" بأجود قطع اللحمة " .. كان لديه صديقة تسكن فى بيت تحت التشييد مع أطفالها .. يذهب لها بالغنيمة التى لا تحلم بها .. ينام لديها حتى يتم تحضير الطعام .. يأكل معها وأطفالها .. هذه وجبته الوحيدة .. و"نومته" الوحيدة ويغادر هائمآ مع أصدقاء لم يتنكر لهم عندما إستقر به الحال ..
4.
الباقر رؤيا أخرى .. مثل زوربا اليونانى .. طيف عاش الدنيا كما تستحق .. مارس فيها كل حاجة بدون إسراف وذاق كل ضروبها.. تمتع بالشهد تمامآ وأيضآ بالحنظل منها .. لا بطر لا إستنكار وكل ذوق له متعته .. تشاركه أحيانآ الضحك من قلبك وأنت تبحث عن ماذا يُضحك ..
سافر الباقر العراق ثم مصر ثم العراق عن طريق سوريا ثم الكويت .. كان يبعث لى الرسائل فى رحلاته كأنى أرافقه .. عندما أستلم رسائله كنت أفتحها أمام الحضور وأشرع فى قرائتها بصوت مسموع للكل .. كانت متعة فى السرد تنبض بالحياة .. أتوقف بعد بعض العبارات شارحآ خلفياتها لتتضح الصورة كاملة للسامعين .. أصبح له أصدقاء لا يعرفهم يهتمون بأخباره ويداومون السؤال عنه ..
إنتشله أصدقائه وأهله بعد جهد من رحلة التحليق فى الأرصفة الخلفية التى لم يرو منها سوى الضياع .. لم يقاوم ليس لإقناع ولكنه يُرضى من يحبونه فهو يحب الجميع .. وكما قلت أمنيته كانت الطيران .. فهو يقاوم الإستقرار كطائر جامح .. قبل بعثة للعراق "فنىّ طيران" كأنه يرغب الجلوس بجانب أمنيته .. ذهب العراق .. وهام عشقآ بأهل العراق .. وقبل تخرجه بشهور ساءت العلاقات بين حكومة الخرطوم وحكومة بغداد .. فطرد صدام كل المبتعثين .. إصطادت حكومة القاهرة فى الماء العكر وإستوعبت جل المطرودين .. نقلة لم توائم الباقر .. فشقه بات فى العراق .. ومنهج المصريين صار يزعجه .. ومارس ضياع لم يعجبه ربما لأنه ليس إختياره .. فى أول عطلة أتى لى حازم أمره بالعودة الى العراق .. كتب لى من سوريا التى مكث بها بضعة أيام .. رسائله مقتطفات من رحلته وشبه السوريين بالمصريين بفرق التهذيب الذى ألبسه للسوريين .. وذلك فى وصفه للأبواب الخلفية ..
تسلل للعراق .. بعث لى من الكويت رسالة بوعد أخرى لم تصل .. علمت منها إنه غادر العراق ولم يلتحق بالمعهد لإكمال الدراسة .. كتب لى فقط: "قدموا لى شروط .. لم تكن غير أخلاقية ولكنها غير مقبولة" مكتفيآ بذلك ..
علمت قصته فى الكويت عندما قابلته ...
5.
قصته فى الكويت .. لم يحكيها لى هو .. جمعت أطرافها منه وهى يحكى عندما تحين المناسبة وغالبآ تكون طرفة أو دعابة .. وينتقل منها سريعآ فهو يعيش حاضره أكثر .. سمعت أطراف أخرى من آخرين وأنسج ترابطها من معرفتى به وطريقة تصرفاته التى تشبه الإندفاع فى قواميسنا ..
فى طريق العودة من العراق الى الوطن لزمه تأشيرة "ترانزيت" من الكويت .. حصل عليها بسهولة .. فراقت له فكرة جهنمية فسافر بالبر عن طريق "الآوتو ستوب" .. أُعتمدت تأشيرته فى الحدود وتخلف فى منطقة نائية فى الكويت .. واصل راجلآ هائمآ بدون تخطيط .. قادته قدماه لمزعة دواجن فى منطقة معزولة بها عاملين من شرق آسيا .. كان التفاهم صعب ولكنه كسب ودهما وشاطرهما الطعام والفراش ..
فى اليوم الثانى أتى صاحب المزرعة وعرف من الباقر قصته التى يحكيها بلا "رتوش" .. لا أدرى تفاصيل ولكن سمح صاحب العمل له البقاء فى المزرعة ويعمل بأجر .. غالبآ ضعيف لوجوده الغير قانونى ..
أتخيل الأمر لم يكن صعبآ على الباقر أن يستقر بالمزرعة .. فله قدرة على الإلفة وتوأمة الروح مع الزمان والمكان .. يكون قد رأى الطبيعة بعيون خضراء حتى لو كانت صحراء جرداء .. يكون وجد فى مرافقيه خير جليس ووجد فى روحيهما ما لا يراه البشر .. ويكون هو ولج قلبيهما لا محالة .. حتى الدجاج يكون أحبهم وأحبوه .. بقي الباقر وحده أبان عطلة إحدى الأعياد حيث ذهب الجميع لقضاء العطلة مع ذويهم فى الكويت .. إنقطع الماء عن المزرعة .. فجن جنون الباقر هلعآ على الدجاج .. وأشفق أن يراهم يموتون أمامه .. هام بدون دليل قاطعآ الأميال راجلآ حتى وصل قرية فى تلك النواحى .. إستأجر من ماله "تانكر" من الماء أصبح يأتى له يوميآ الى المزرعة .. بعد العطلة كانت كل الدواجن فى المزارع فى تلك النواحى قد نفقت عدا مزرعة الباقر .. سعد به صاحب المزرعة وعوضه ماله ومكافئة كبيرة .. وصارع له حتى حصل له على إقامة قانونية .. وأصبح الباقر مديرآ للمزرعة بوضع متميز ..
6.
طوال فترة وجوده فى الكويت إنقطعت عنى أخباره ورسائله .. وأنا أيضآ ذهبت إلى جدة وتزوجت وأنجبت .. أخذتنا الحياة .. وإهتمامات وأعباء جديدة .. أصبح لنا ماضى وتطل الذكريات فى كل لقاء يذكرنا بالزمان والمكان ..
أستقريت فى الديم وصارت لى حياة أخرى .. معارف وجيران وسياسة وسخط وأطفال يملآون الدنيا ضجيج .. طرق بابى .. وجدته أمامى بجسده الضخم وشعره الكثيف فى كل مكان .. رأسه .. حاجبيه وشاربه .. ومن بين كل ذلك تطل عيناه الصغيرتان تجعل وجهه فى برائة الأطفال .. تقالدنا بعنف بصمت أعاد لى شخصية كنت قد فارقتها تمامآ .. قال لى: " عطشاااااان" .. سبقته الى الداخل وأحضرت كوب من الماء .. جلجل ضاحكآ .. وقال: "ده شرابنا يا رأفت ؟" ..
دخلت الى الحمام لأنى قادم لتوى من عمل شاق .. وأبدلت ملابسى وعندما عدت إليه كان طفلاى متعلقان على أكتافه والأرترية حاضنة الأطفال جهزت له طعام وتناديه بإسمه المجرد .. خرجنا فى ليلة صاخبة وزرنا عدد من الأصدقاء .. لم أعلم الكثير عن رحلته فهو يعيش حاضره أكثر .. علمت بأنه عمل فى الكويت ومن مدخراته دفع الى معهد طيران فى أمريكا تكلفة الدراسة لمدة أربعة سنوات مع السكن والإعاشة كاملة متضمنة تذاكر السفر وتأشيرات الدخول .. وأسلم الباقى لوالده .. وأصبح كما ولدته أمه لا يملك شيئآ طليقآ كما هو .. لم أهضم مجمل القصة .. كنت أشعر بأننا تعدينا قدرة للبداية والعمر تسلل قليللآ .. لم أعكس له ذلك وإكتفيت باللحظة التى نحن فيها .. فهى خطوة تلائم الباقر .. هو ليس الرجل الذى يصير رجل أعمال ورائد مشاريع مستقبلية .. بل التفكير فى ذلك يخنقه .. هى خطوة ليحط رحاله فى مكان وزمن آخر .. سعدت بأنه دفع ما يؤمن له أربعة سنوات من العمر .. وربما تكون تغير فى ناموسه .. ولكن فى قرارة نفسى لم أكن مقتنعآ ..
عند ساعة الفراق كنت فرغت نفسى لمرافقته للمطار .. ولكن حتى اللحظة لا أعرف منزل والده فى بحرى .. طرق بابى قبل الرحلة بأربعة ساعات .. يحمل شنطة صغيرة على ظهره وذقن أشعس ولا يبدو عليه أى إستعداد للسفر .. طلب منى الخروج .. دعوته للدخول فالمطار لا يبعد كثيرآ .. قال "أريد الذهاب راجلآ .. فأنا أتيت من بحرى مشيآ .. أريد أن أطأ هذه الأرض كثيرآ فربما لن أعود لها .. رافقته دون جدال وكنت أتمنى أن نصل المطار ونتفارق .. سرنا فى صمت تام .. كان الطريق المؤدى للمطار من شارع أفريقيا طويلآ وقطعته لآول مرة فى حياتى راجلآ .. عند صالة المغادرة تقالدنا فى صمت .. وتسلل داخلآ بدون كلمة وداع ..
كانت هذه آخر مرة أراه .. ولم تبلغنى منه رسالة .. أو أخبار عن فترة حياته فى أمريكا ..
7.
مرت السنون وزان الشباب النضوج وكبر الصغار واضعين أقدامنا على أعتاب الكهولة .. إتصل بى محمد عبد الرحمن شاهد فتوتنا ورفيق الصبى والشباب من أمريكا عندما عثر علىّ على صفحات الإنترنت ووجد عنوانى وتلفونى .. بعد حديث شيق وتحدثنا عن كل شيئ .. سألته آملآ أن يكون لديه أخبار الباقر .. كأنه أشفق علىّ من خبر مباشر .. "أتذكر عندما كنا نلعب كرة القدم .. كان الباقر عندما يعدو أحيانآ يظهر عليه إجهاد ويدلك على صدره بكلتا يديه ؟ .. الباقر كان لديه شيئ فى القلب وهو لا يدرى طيلة هذه السنون " ثم إسطرد كأنه حزم أمره .. "لقد مات الباقر .."
أكاد أجزم بأن الباقر لم ير طبيب طيلة حياته ولم يتناول الدواء .. ولا أذكر رأيته يشتكى من مرض .. حتى إصابته بالسحائى لا نعرف تفاصيلها ..
محمد أيضآ لم يعطينى تفاصيلآ وافيه لأنه نفسه لم يقابله .. هو الذى حكى لى تفاصيل وفاته .. علمت منه أن الباقر إكتشف ضعف قلبه فى الولايات المتحدة .. وبما أنه غير مؤمن على نفسه لم يستطيع مقابلة تكاليف الجراحة .. ذهب الى كندا حيث مجانية العلاج ومكث بها حتى حصل على "القرين كارد" .. تقدم للعلاج وتقررت له عملية جراحية دقيقة بأمل نجاح غير كامل ..
حزم أمره على التجربة .. سفره للسودان لرؤية أهله قبل العملية فكانت روحه تطلب الرحمة له ولأهله
| |
|
|
|
|
|
|
Re: حكاية واحد صحبى من بحرى (Re: خضر حسين خليل)
|
Quote: كالعادة تغيب وتجيب عضم الكلام ، قرأت بداية الباقر وعرفته نهايته من خلال مقدمتك الفنانة عنه ، ليتك تعرفنا به أكثر وأكثر يا رأفت يا صاحبي في الانسانية . بالمناسبة مشتاق ليك عديل كدة |
أهلآ بيك كتير يا خضر الباقر خيال متأصل فى روحانياتنا .. حياة التحرر التى عاشها حلم فى كل حواسنا المكبلة يقيود الأعراف والمسلمات ., لكنه كشف زيفها وعرف نهايتها الحتمية .. فالصراع واللهث المضنى هو تلك الكذبة وليس الباقر ..
رحمه الله فلم يؤذى أحد
تحياتى
| |
|
|
|
|
|
|
Re: حكاية واحد صحبى من بحرى (Re: خالد المحرب)
|
Quote: الاخ رافت تحياتى يازول ياجميل طولنا من المنبر قلنا نسلم عليك من خلال هذا الباقر تحياتى وشكرا |
خالد المحرب ياخ والله جد مشتاقين .. ديمة على البال .. وطارين جلسات الطراوة وطلات الحلفاوى والملكة .. أيام أعادها الله .. شوفتك دى فى ميزان حسنات الباقر .. حتى ذكراه ما يجى منها إلا السمح ..
شوق ومحبة حبيبنا خالد
| |
|
|
|
|
|
|
Re: حكاية واحد صحبى من بحرى (Re: khatab)
|
خطاب حبيبنا مشتاقين كتير ياخ Quote: حكاية واحد صاحبنا
كلنا .. |
الباقر غريب عن دنيانا .. لكن ما غريب عن جوانا .. كان يهمس عليه الكثيرون بإنتقاد .. وداخلهم معه قلب وقالب .. فهو كشف لهم ليس مجهول ولكنه مخزون مهاب ممنوع ..
طلتك تفرح القلب يا حبيبنا خطاب
| |
|
|
|
|
|
|
|