دعواتكم لزميلنا المفكر د.الباقر العفيف بالشفاء العاجل
|
أشــخاص وأماكــن .. برائحــة النّعنــاع الطـازج
|
أماكن أستدعيها من الذاكــرة بحاسة الشّــم رفاعـة ود مــدني الخرطوم .. أم درمان .. الخرطوم بحــري كل ما يقع على شارع الخرطـوم بورتســودان بومبــاي سابقاً ( الآن موبــاي ) مـدراس المنامـــة الشارقة دبي .. و .. و وو ياااااه
وأشـخاص بروعـة الملائكة وتكوين البشـر . . وإيه الدنيا غير لمة ناس في خير أو لحظـة حـزن
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: أشــخاص وأماكــن .. برائحــة النّعنــاع الطـازج (Re: ناذر محمد الخليفة)
|
ناذر محمد الخليفة حتة واحدة ؟؟ يا للهناء والسرور
والله إنت معروف بالـ صنفرة الظاهرة على كلامك
ناذر بومبــاي .. هذه المدينة لا تنــام لا تنام أبداً مدينة كل شيئ معابــدالهندوس وكنائس المسيحين مســجد محمد علي يرقد داخل الماء الآن أرى امامي فندق ( أوبوروي تاور ) ناريمان بوينت
صبراً يا ناذر سأقول الكثير عن الهنـد
شكراً نبيلاً على المرور
| |
|
|
|
|
|
|
Re: أشــخاص وأماكــن .. برائحــة النّعنــاع الطـازج (Re: عاطف عمر)
|
عــاطف عمـر محمد صالح
أكيد هو إسمك الكامل .. فذاكرتي لا تلفظ الراوائع هيّجـت فيني الذكـرى وأنت تعرف ماذا تعني لى رفاعـة لعلك تقصـد أن تُثيـر لواعـجي
عاطف هـذه المدينـة كيف أرد لها الجميـل ؟ عشق كامل الدسم لتلك البقعـة وموقـن من عدم كفايتـه من أول بيت في ديم العوض ( المطاحن حالياً ) والتي لمست طخوم ( بانت ) وحتى آخـر منزل في ( ديم لطفي ) ومن ( الترعــة ) أقصى شمال ( الحلة الجديدة ) وحتى مشارف ( ودرحوم )
كم من الخُطــى مشيناها وكم من الملائكة قابلنا وكم وكم دعنـي أولاً أبتلع دهشـة حضـورك ثم دعنـي هنيهـة أخرى أرتّـب رفاعـة في دواخلي وسـآتيك حتمــاً
حاشية أنت نسيت الكثير منهم يا عاطف ولكنك ذكرت ما قد كنت سأنساهم
| |
|
|
|
|
|
|
Re: أشــخاص وأماكــن .. برائحــة النّعنــاع الطـازج (Re: ثابت محمد)
|
Quote: عــاطف عمـر محمد صالح
أكيد هو إسمك الكامل .. فذاكرتي لا تلفظ الراوائع
|
نعم هو كذلك
Quote: أنت نسيت الكثير منهم يا عاطف ولكنك ذكرت ما قد كنت سأنساهم |
هي تهمة لا ننكرها، فقد فعل بنا الزمان ما فعل . لكن الذاكرة لا تزال تحتضن ذكريات مدرسة رفاعة الأميرية ومدرسة رفاعة الثانوية ومن تعلمنا على أيديهم الكريمة ومن قاسمونا مقاعد الدراسة وأيامها ومن زاملونا في ما تلى من أيام ومن تفرقت من بعد ذلك خطانا وخطاهم. شخص يلح على ذاكرتي إلحاحاً غريباً النور محمد علي هل تذكره؟ وأيام رفاعة خوالد في الأعماق ، في إجازتي السابقة طلبت مني ( هديل ) كبرى كريماتي أن آخذهم في جولة لأعرفهم بالمدارس التي درست فيها . ليتك تعلم كم أبهجني ذلك الطلب الذي لبيته فوراً . بدءاً من روضة الحاجة ( فاطمة بت منقاش ) ، وما تبقى من المدرسة الغربية الإبتدائية ، وما كانت تعرف بالمدرسة الأميرية ، والمدرسة الثانوية . في كل موقع تأتي الذكريات شلالات لأيام حلوة وأيام كنا نعتقد أنها مرة ، أناس فارقوا حياتنا الزائلة وآخرون كان العهد بهم تلك الأيام وآخرون لا نزال نمشي معهم دروب الحياة المتعرجة الطويلة ، نختلف مع نظرتهم أحياناً ونتفق معهم أحايين أخرى وفي كل أحوالنا نحبهم ونعزهم . بعد رفاعة الثانوية كانت أيام جامعة الخرطوم ويالها من أيام-- ومحطة الإغتراب الطويلة التي أخذت من العمر ما يقارب نصفه الراشد .
ثابت هل تذكر طرفة ( رمضان قد ولَى فهات الكيس يا بلة ) ؟
محبتي
| |
|
|
|
|
|
|
Re: أشــخاص وأماكــن .. برائحــة النّعنــاع الطـازج (Re: عاطف عمر)
|
العزيـز عـاطف دعنا ( أنت .. وأنـا نُلملم الأمكنــة ) وسأغوص بمتعـة فى التفاصيـل
دكان عمك يوسف ( بزيانوس وطحنية ) دكان عم قيــلي ( سندوتشات أهل الداخليـة ) قهوة عم صديق تحرس موقف التاكسي برائحة الجوافـة المخلوطـة سينما رفاعـة
سيارتان تلفتان النظـر وتورثان الرهبة سيارة اللّـورد .. وأظنها أوبل قديمة سيارة الأستاذ الشاعرالهـادي آدم .. هدية من أم كلثـوم
ومن الأساتذة أبوعصاية .. عبد المنعم الحليبي .. الهادي آدم . النور كيمياء . حسن زاوية .. ترتار .. الوقيع جناح .. فتح الباب .. الجيلي الدرديري .. شعبة الإنجليزي كاملة .. أستاذي وصديقى عبدالرحيم محمد حامد
ومن الإخــوة كمال عثمان الحاج .. محمد أحمد النعمة ..
أما النور محمد علي فمرسوم في الذاكرة هكــذا : لون احمر وعيون خضراء وكيس تمباك من ( الشايقي ) وأحياناً يشق المقابر ( لمكان ما ) ويأتينا يضحك . . عاطـف رفاعــة مدينة عندما تدخلها تعلق رائحتها بذاكرتك قبل ملابسك
سأعود
| |
|
|
|
|
|
|
Re: أشــخاص وأماكــن .. برائحــة النّعنــاع الطـازج (Re: ثابت محمد)
|
الإثنيــن والخميس أيام لا أدري من حددها ليكتظ فيها سوق رفاعة كل أهل القُــرى المجاورة يشاركهم سكان المدينة ( متعة التّســوق ) خاصـة ســوق الشمس وسوق البهائم وسوق الحلب وتحت صهريج* رفاعة ( بنيمته ) الوارفة العتيقة تجد كل قارة أفريقيا تحتسي الشاي والقهوة اللغـة المشتركة هي الضحكة التي تفرفر في قلوبهم حتي تخنق عيونهم بالدمع ولا تسمع غير صوت المــودة كل ذلك في إستراحة ما بعد إكتساب المقسوم من الرزق إشارة بالرحيل ليفرح أطفال أرهقهم الإنتظار ومؤتمر لتأدية قسم العودة يوم السوق القادم
* هذا الصهريج أهدته الطبيعة الكرم في شكل ثقوب غير ضارة تهدي الجالسين الرزاز بمشاركة ( النيمـة ) الأم وما أجمل نهار رمضـان تحت تلك
| |
|
|
|
|
|
|
Re: أشــخاص وأماكــن .. برائحــة النّعنــاع الطـازج (Re: ثابت محمد)
|
أستاذنا عمر صديق ( النيسان ) رجل يحمل كل وداعة الدنيا وطيبتها عفوي صديق تماماً كاسمه كان مشرفاً على صفنا ( ثانية/ حافظ ) في مدرسة رفاعة الثانوية طلب مني في نهاية امتحانات الفترة الأولى أن أحضر له يوم الخميس بعد صلاة المغرب لمساعدته في رصد درجات الصف لأن النتيجة يجب أن تقدم يوم السبت . اعتذرت له لإرتباطي بمباراة كرة قدم مهمة - كنت أظن أيامها إنني لاعب مهم - قال لا ضير تعال يوم الجمعة بعد الصلاة ، قلت له حاضر نسيت يوم الجمعة موعده، وتذكرت الموعد بعد صلاة المغرب . جري على بيته ، لأول مرة أراه غاضباً كتلك الغضبة . ماذا تريد ؟؟؟ فاجأني بالقول نرصد الدرجات أجبت وأنا أصطنع الهدوء كان موعدنا بعد صلاة الجمعة ألا تذكر هكذا يستمر صوته العالي نعم ها أنذا آتيك الآن بعد صلاة الجمعة لأنك لم تقل لي بعد صلاة الجمعة مباشرة ً . هنا انفجرت كل شلالات الغضب بداخله وهم بضربي لولا استدراكه في آخر لحظة إنني في بيته . إكتفى فقط بالإستغناء عن خدمتي وطردني من بيته .
آه من شقاوة ذلك الزمان
إلتقيت في رفاعة قبل عامين بإبنه البكر الأستاذ صديق . مات على نفسه من الضحك عندما حكيت له هذه الطرفة .
ثابت محمد الجاك قرأت لك في بوست آخر ما فهمت منه أنك لا تزال ( عازباً ) إن صح فهمي فأشكرك أن أعطيتنا هامش ( للمناورة ) على الست حرمنا أنو ( دفعتنا لا يزالون عزاباً )
نواصل
| |
|
|
|
|
|
|
Re: أشــخاص وأماكــن .. برائحــة النّعنــاع الطـازج (Re: عاطف عمر)
|
عاطف ليس هروب يا صديقي العزيـز إنه الشجن عندما يمتلك الروح والدمعـة المالحـة من شدة العذوبة سأعود لرفـاعة كثيراً .. كثيراً جداً لو كانت تلك المدينة أنثي لوقعت المذابح تودداً وقرباناً
رغم ذلك هي رفاعـة ( أم ) بحضنٍ كبير وكنفٍ واسع يتسع لكل مايخطر ببالك .. لكنه لا يسع أشواقي لها
ولي مع ذلك ( الترتــار ) قصص وحكايا إنتظـرني عند منتصف القلب وتمام الشوق فإني موافيك بها لا محالة
ثابت
| |
|
|
|
|
|
|
Re: أشــخاص وأماكــن .. برائحــة النّعنــاع الطـازج (Re: ثابت محمد)
|
الحديث عن الهند لا نهاية له يا ثابت !!!!
إليك هذه المساهمة من كتاب كتبته بعنوان (ناذر يتذكر) به خلاصة تجربتي المعيقة التي قضيتها في الهند ..
عندما جئت للهند في الربع الأخير من عام ستة وتسعون وتسعمائة وألف ، سكنت مع مجموعة من أبناء دفعتنا في منزل واسع في منطقة شبه زراعية وتعج بمختلف الأشجار ، وكان المنزل يتكون من ثلاثة غرف وسطح وجراج ، بالإضافة لفناء ضيق قليلاً ينام به ليلاً خفير المنزل .. وقد جاء لزيارتنا في الأسبوع الاول لمجيئنا بعضاً من الجيران الهنود ، وبعد التعارف أخبرونا بضرورة إغلاق النوافذ جيداً قبل خروجنا إلى الجامعة صباحاً ، لأن المنطقة تعج بثعابين الكوبرا الهندية ، وربما يتسلل أحدهم داخل المنزل في غيابنا ! ...
وحقيقة اندهشنا وأصابنا الرعب لقولهم ذاك ، إذ أن جميعنا جاء من مدينة الخرطوم ، ولم نر ثعباناً طليقاً في حياتنا ، ناهيك عن ثعبان الكوبرا المخيف!، والغريبة أن جيراننا هؤلاء كانوا يخبروننا القصص تلك في برود واعتيادية ! ، إذ رووا لنا انه من الطبيعي لديهم رؤية ثعباناً أو إثنين يمرحان في حدائق منازلهم ، دون أن يلقيا له بالاً !! ، وكأن تلك الثعابين حيوانات منزلية أليفة كالقطط أو الأرانب !! ...
فسألناهم ماذا نفعل إذا رأينا أو قابلنا ثعباناً ؟ ، فأجابوا بكل بساطة :لا تفعلوا شيئاً فقط أجمدوا في أماكنكم ولا تتحركوا حتى وإن تسلق أرجلكم ، فإنه لا يؤذي أحداً إلا إذا ما شعر بالخطر !!! ...
إذاً فالمطلوب منا ألا نجعل ذلك المخلوق المخيف سيء السمعة يستشعر الخطر ، حتى وإن تسلق مضاجعنا وبدأ بالعبث في أجسادنا ! .. ولكن من منا يستطيع التجمد في مكانه حتى إنصراف الكوبرا ؟ ، ثم من يضمن لنا عدم استشعار ذلك الثعبان للخطر ! ، حتى وإن جمدنا ولم نولي الأدبار ؟! ...
إن تعامل الهنود الهندوس مع هذه المخلوقات السامة ، نابع من ديانتهم التي تقدس الثعابين ، كما أن لديهم خبرة أيضاً في التعامل معها ، بحيث باتوا لا يخشونها ولا تخشاهم ، وليس بعيداً عن الأذهان قصة رووها لنا من سبقونا ــ لا أدري مدى صدقيتها ــ عن الطالب العربي الذي كان يدرس في إحدى الجامعات الهندية في مجال له علاقة بالحيوانات (Zoology) .. وفي إحدى الأيام أقترب من قفص به نوع من الثعابين النافخة للسم ، ولعله كان ينوي الإمساك به لغرض ما ، إلا أن الثعبان عاجله بنفث السم في وجهه ، فخرج من المعمل فزعاً يبحث عن طبيب لعلاجه ، فرفضت جميع المستشفيات استقباله عندما علموا أنه أصيب بسم ثعبان ، لاعتقادهم أن ذاك غضب إلهي ! ، وإن اللعنة ستحل بهم إذا ما حاولوا علاجه ، وبدأ المسكين يلفظ أنفاسه الأخيرة قبل أن يصل إلى طبيب مسلم أو مسيحي ، فمات من أثر السم !! ...
وفي إحدى الأيام جئنا ليلاً إلى المنزل ، فوجدنا الخفير يبحث عن شيء بين الأشجار بيديه العاريتين في الفناء ، ولما سألناه ماذا يفعل ؟ ، أجابنا بهدوء شديد أن ثعباناً من نوع الكوبرا موجود هنا ، وأنه يبحث عنه لطرده ، فكدنا أن نموت رعباً وأسرعنا إلى داخل المنزل ، وأغلقنا جميع النوافذ والأبواب !! ...
وبعد هذه الحادثة بيومين أو ثلاثة ، خرجنا صباحاً إلى الكلية ، وتركنا صديقنا منتصر عبد الله بالمنزل ، وعندما عدنا عصراً لمحناه في السطح ، فأشار إلينا بالصعود بسرعة .. فأسرعنا الخطو بقلق معتقدين أن لصوصاً اقتحموا المنزل .. وعندما وصلناه كان يرتجف والدماء غائرة من وجهه ، والعرق يتصبب منه غزيراً ، رغم أننا في عز الشتاء !! ، ورويداً رويداً إستطاع التحدث ، فذكر لنا أنه أراد الخروج ظهراً وذهب إلى الجراج لإخراج موتره ، وعندما فتح الباب وهم بالدخول ، فوجئ بثعبان ضخم أمامه مباشرة ، يقف منتصباً يحدق في اتجاهه بحدة وتركيز ، بينما ذيله يلتف حول نفسه وحول البالوعة التي في منتصف الجراج ...
فتسمر في مكانه ولم يستطع حراكاً ، ليس عملاً بوصية جيراننا الهنود ، وإنما تجمد رعباً وفزعاً وهو يحدق في الثعبان ، والثعبان يحدق فيه أيضاً .. وظلا على هذا الوضع زمناً ليس بالقصير ، وفي النهاية مل الثعبان الوقوف ، ولملم أطرافه واختفى داخل البالوعة ، فنفض منتصر ذهوله وأسرع ناحية السطح في فزع ، وظل به حتى مجيئنا ...
ولما كانت تلك الرواية مخيفة ومفزعة ، فقد تناقشنا جدياً في الرحيل عن المنزل رغم أتساعه ورخص إيجاره .. وفعلاً اتصلنا ببعض أصدقائنا السودانيين ، نطلب منهم مساعدتنا في البحث عن منزل ...
ولكن حدثت لي مواجهة مباشرة مع أحد ثعابين الكوبرا عجلت برحيلي وحدي عن المنزل ، وتركت رفقائي وحدهم ليتدبروا أمورهم .. وفعلاً بعد أقل من أسبوع على انتقالي منهم ، رحلوا جميعاً عن المنزل وتفرقوا وتوزعوا على منازل السودانيين ريثما يجدوا منزلاً آخر ، وقد كلفنا هذا الهروب الجماعي أكثر من خمسمائة دولار عبارة عن مقدم المنزل ، تركناه لصاحبه دون أن نتأسف له ، أو نزرف دمعة على المبلغ ...
والذي حدث أنني عدت في أحد الأيام غافلاً إلى المنزل وأنا أقود دراجتي النارية ، وكانت الساعة حوالي العاشرة مساء والجو ممطراً قليلاً .. فدلفت إلى طريق ضيق عرضه حوالي المترين وعلى جانبيه الحشائش وأشجار جوز الهند ، وفجأة لمحت أمامي مع الإضاءة الخافتة التي تأتي من بعيد ، ما بدأ لي أنه خرطوش لري الحشائش ممتداً بعرض الممر الضيق ولونه كاحل السواد ، ومع تركيز أضواء الموتر عليه وارتفاع صوت المحرك ، انتفض ذلك الشيء والتف حول نفسه بسرعة مذهلة ! ، وانتصب نصفه العلوي واقفاً وهو يحدق تجاهي مع حركات متوترة ولسانه يبرز خارج فمه ، مصحوباً بفحيح رتيب مخيف ، كفيل بقذف الرعب في قلوب أشجع الشجعان !! ...
أصبت بهلع حقيقي مع سرعة وتحفز ثعبان الكوبرا ، وتجمدت الدماء في عروقي وأنا لازلت أقود دراجتي النارية ومتجهاً نحوه مباشرةً ، لدرجة أنني لم أدر كيف أوقف الموتر مع حالة الشلل المفاجئة التي غطت أطرافي .. إذ ضغطت على الفرامل بقوة ، ولكني في نفس الوقت كنت أجذب كابح البنزين لحده الأقصى ، مما نتج عنه إصدار المحرك صوتاً مزعجاً ومرتفعاً ، زاد من توتر الكوبرا وحدة فحيحها وحركتها المتحفزة ، وزاد أيضاً من ارتياعي وهلعي في تلك اللحظات ! ...
كم هو شعور مخيف حين يرى الإنسان دنو أجله أمامه !! ...
حين تتجمد الدقائق وينعدم الإحساس بالزمان والمكان والأبعاد !! ...
إذ دار في رأسي شريط قصير وفي أقل من الثانية الواحدة ، لكنه محتشد بتفاصيل كثيفة ، ربما قد تكلف زمناً مقداره ساعتان في الظروف العادية ، ولكن طبعاً لا يمكن أن نسمي مواجهة الموت على بعد اقل من ستة أمتار ظروفاً عادية !! ...
تذكرت أبي وأمي وأصدقائي فرداً فرداً .. أخوالي وأخواني وأقربائي ، ومشاهد سريعة عن حياتي قديماً ، وصور لجميع ذنوبي وخطاياي التي ارتكبتها ، ثم جاءت مشاهد قاتمة رأيت فيها نفسي ميتاً أمام حشد هائل ، ولكن لم يواروا جثماني الثرى .. بل رأيتهم يستعدون لإشعالي في محرقة عتيقة كعادة الهنود في وداع موتاهم !! ...
كل هذه المشاهد مرت ببرهة وميضة ، وأنا مندفع نحو ذلك المخلوق ، وعاجز تماماً عن التصرف وإيقاف الدراجة النارية !! ...
لا ادري كيف حدث ذلك ! .. المهم انه دون أي مقدمات توقف المحرك فجأة وهمدت حركته تماماً ، وكأنه كان يتفاعل أو يعبر بالضبط عما حاق بأعضائي الحيوية الداخلية ، ولكن ظل فانوسه الأمامي مسلطاً على الكوبرا القاتلة التي كانت على بعد حوالي ثلاثة أمتار فقط بعد توقف محرك الموتر !! ...
لا ادري كم مر من الزمن وأنا في حالة من التجمد وعيناي خارج محجريهما ، وعدت لا اسمع شيئاً سوي دقات قلبي وكأنها طبول بدائية قديمة من عصور سحيقة ، أضفى عليها فحيح الثعبان مزيجاً طقوسياً لا يوحي إلا بشيء واحد ...
الموت فقط ولا شيء سواه ، وبعده أصار إلى المحرقة كالجيفة !! ...
وبعد فترة طويلة مرت عجزت عن حسابها بدقة أو بتقريب ، بدأ ثعبان الكوبرا يتحرك بهدوء في مكانه ، ويبدو إن توتره واستشعاره للخطر قد زال مع جمودي الاضطراري ، وبدأ في الزحف بهدوء إلى داخل الحشائش حتى أختفى بينها ، وإني أكاد أجزم أنه لو كان تحرك ناحيتي بوصة واحدة لكنت سقطت على الأرض ميتاً دون شك ، بسبب سكتة قلبية أو ذبحة صدرية ، وذلك على أي حال أفضل لي من الموت بلدغة كوبرا ، لا أدري إن كانت مقدسة أو ذات قدرات إلهية كما يعتقد الهنود !! ...
وحتى بعد اختفائها بين الحشائش ، لم أستطع الحراك من مكاني على ظهر الموتر وأنا أبحلق في المكان الذي كانت فيه الكوبرا .. وبعد عدة دقائق انتفضت وكأنما أصحو من حلم مثير ، ثم حاولت إشعال المحرك فلم أنجح للتصلب الذي أعترى قدمي اليمنى ، فنزلت ببطء من على متنه ، وأدرت اتجاه الموتر للجهة المعاكسة ، ثم سرت به على هذه الحالة ببطء شديد دون أن أجرؤ على الإلتفات خلفي ، حتى وصلت أول الطريق حيث أشعلت المحرك بسرعة وانطلقت بالموتر بسرعة خيالية .. وبعد أن ذهبت من طريق آخر ، وصلت إلى المنزل وأنا أكاد أموت رعباً .. وفي اليوم التالي مباشرةً ذهبت إلى وكالة خدمات عقارية ، فوجدوا لي غرفة في الطابق الثاني من إحدى البنايات .. وافقت على إيجارها فوراً .. ولم ينقضي عصر ذلك اليوم ، إلا وكنت قد رحلت إليها مع متاعي وحاجياتي .. ولكن رحل معي خوفي وهواجسي من الثعابين ، وأستوطن معي ذات الغرفة ...
ولكن ذلك الرحيل لم يفلح أيضاً في إزالة الثعابين عن طريقي ، إذ عدت في إحدى الليالي إلى المنزل حوالي التاسعة مساء .. وفي الطريق بينما أنا أقود دراجتي النارية بسرعة شديدة على الشارع الرئيسي ، ظهر أمامي فجأة ثعباناً طوله حوالي المتر ، جاء منطلقاً بسرعة ، ويبدو انه كان يريد عبور الطريق إلى الجانب الآخر ، ولما كنت في حالة سرعة شديدة مع مباغتتي بسرعة وانطلاقة الثعبان ، لم أستطع التصرف سوى أن رفعت أرجلي بسرعة إلى أعلى ، فكان أن دهسته تحت الإطارات ، بحيث بدأ لي واضحاً الصوت الذي صدر جراء عملية الدهس ، مع إرتجافة بسيطة بجسم الموتر ...
فدخلت غرفتي خائفاً فزعاً ، وأنا أستحضر ذلك الفلم الهندي القديم ، الذي يحكي أن زوج الثعبان إذا ما قتل يأتي زوجه الأخر ، وينظر في عينيه فيجدهما سجلتا صورة قاتله ، ثم لا يهدأ لذلك الزوج بال حتى ينتقم من قاتل زوجه ، وكنت في حالة خوف وترقب بعد أن أغلقت جميع النوافذ في الغرفة .. وكلما أسمع صوتاً أو حركة مريبة بالخارج ، تزداد دقات قلبي ظاناً أن ذلك الصوت ما هو إلا زوج من دهسته ، أتى يبحث عن قاتل رفيقه للانتقام !! ...
وفي نهار إحدى الأيام كنا نتنزه أنا واحد أصدقائي في شوارع المدينة ، عندما شاهدنا ازدحاماً شديداً في حركة المرور وصخباً وضجيجاً ملفتاً للنظر .. ولما كنا نقود دراجة نارية ، فقد وصلنا إلى أول الإزدحام حيث شاهدنا منظراً أسطورياً بحق !! ...
إذ كان في منتصف شارع الإسفلت ثعباناً ضخماً من نوع (King Cobra) ، لونه رمادياً مائل للسواد ، كان يتلوى أمام الخلق بزهو وخيلاء !! ، والعجيب ما فعله الهنود في تلك اللحظة ، إذ كان بعضهم يبكون ويتضرعون أمامه ! ، والبعض يلقي بحبات الورد والحلوى تجاهه ! ، والبعض الآخر بدأ في الهمهمة وتلاوة الصلوات ! .. كل هذا ورجل المرور أوقف جل حركة الشارع من اجل ذلك الثعبان !! .. وفي النهاية جاء أحد الكهنة وأمسك به بحذر ، وأعاده إلى المكان الذي خرج منه !! ...
والمصيبة أن المكان الذي تركوا فيه ذلك الثعبان وانصرفوا ، هو عبارة عن حديقة جميلة على جانب الطريق !! ، كنا نأتي إليها في الأمسيات أحياناً للعشاء والسمر ، فجعلوا ذلك الثعبان حراً طريقاً يمرح داخلها ! ، فلم ألج تلك الحديقة بعد ذلك أبداً حتى مغادرتي الهند ...
وعندما ذهبت إلى أورنقباد لحضور المؤتمر العام ، ونزلت عند صديقي خضر عبد الوهاب ، وأراني دماء وبقايا الثعبان الضخم الذي قتلوه نهار ذلك اليوم ، تذكرت على الفور تلك الكوبرا التي واجهتها ، وكدت القي مصرعي خلالها لولا عناية الله ولطفه ، وهجعت للنوم وصورة دماء الثعبان مطبوعة في عقلي الباطني ، مما جعلني أنهض فزعاً وأنا أصيح وأصرخ بهستيريا شديدة ، ولم أنم بعدها حتى الصباح ...
والغريبة أنه حتى الآن رغم مغادرتي للهند واستقراري بالسودان ، لا زالت تنتابني المخاوف والهواجس من الثعابين ، رغم ندرتها بالخرطوم .. والمشكلة إنني بت مقتنعاً تماماً بصورة لا تقبل الشك ــ وربما أحتاج إلى زيارة طبيب نفساني للشفاء من ذلك الهاجس ــ أنني إذا جاء أجلي وتمت المشيئة ، لن أموت على فراشي كما يموت البعير ، بل نهايتي حتماً بأنياب ثعبان سام وقاتل ، فلا نامت أعين الجبناء !! ...
بقى أن أذكر أن هنالك إحصائية من جهاز رسمي بالهند ، تبين أن خمسة وخمسون ألفاً من الهنود يموتون (سنوياً) بسبب الثعابين !! ، وطبعاً هذه إحصائية رسمية ولكن مع معدل الجهل المرتفع ، وكثرة القرى ، وأتساع مساحة الهند ، وكثافة وتكتل سكانها في المناطق الزراعية ، تكون هذه فقط هي قمة جبل الجليد ...
صنفرة :
أرجو ألا أكون قد زحمت البوست بهذه المادة
| |
|
|
|
|
|
|
Re: أشــخاص وأماكــن .. برائحــة النّعنــاع الطـازج (Re: ناذر محمد الخليفة)
|
Quote: أرجو ألا أكون قد زحمت البوست بهذه المادة |
لا والله يا ناذر بالعكس .. الكوبرا هي المحسساك بضيق المكان
وسأبدأ من بومــباي نزلت تلك المدينة في شهر نوفمبر ( بــرد ومطر ) المطار sahara ناحية سانتا كروز والوقت عند بدايات الصباح الهندي أذكر أنه بعد سماعنا لإشارة كابتن الطائرة بربط الأحزمة ظللنا في جو المدينة خمس وأربعون دقيقة طيران أخرى لنصل للمطار ..هذه المدينة واسعة بشكل لا يصدق المطــار لا يبدو أنيقاً كمبنى ولكنه يعُـج بحركة كثيفة خرجت من صاله المطار في السادسة صباحاً وإتجهت فوراً لـ ( ناريمان بوينت ) الحجـز كان مؤكداً في الدور التاسع بفندق ( أوبروي تاورز ) كعـادتي لا أنسى جهاز التسجيل وأشرطة مصطفى سيد أحمد ،أبوعركي ، كابلي ، كوكب الشرق وفيروز هذه تلازمني في كل أسـفاري كان برفقتي صديق خليجي . دلفنا بهو الفندق الراقي الذي يضاهي أجمل فنادق الخليج مع إطـلالة الصباح كنتُ أحسُ بكثيرٍ من الإرهاق والتعب لطول السفرية الظهران المنامة بسيارتي الخاصة المنامة الشارقة ومن ثمّ الشارقة بومباي . علي طاولة الإسـتقبال كانت تقف تلك الـ ( باتريشا) بمجرد النظر إليها .. علقت رائحتها بثيابي قبل السلام والكلام . .
نواصل
| |
|
|
|
|
|
|
|