هافانا.. اغلق الكتاب , واقرأ !

دعواتكم لزميلنا المفكر د.الباقر العفيف بالشفاء العاجل
مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 12-13-2024, 03:55 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مكتبة مطر قادم محمد(مطر قادم)
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
02-15-2006, 07:45 PM

مطر قادم
<aمطر قادم
تاريخ التسجيل: 01-08-2005
مجموع المشاركات: 3879

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
هافانا.. اغلق الكتاب , واقرأ !

    هافانا.. أغلق الكتاب، واقرأ!
    خليل النعيمي




    لايعلمنا التاريخ متي يشيخ، لكننا نري اثاره.
    انه كالكائن لايدل علي نفسه بشكل 'مباشر'، وإنما عبر علاماته الفائقة الدقة.
    هذا ما كنت أفكر فيه، جالسا في بهو 'إنغلاتيرا هوتيل' الذي يعتبر من تراث الانسانية'، متبصرا في تلك العراقة الرثة التي تجثم علي القلب.
    المفارقة المعرفية الأولي هي التي تجعل العين دليلا للعقل (مع أنه هو الذي يسيرها!). فما نراه ليس مشهدا، فحسب، وانما هو تعليل وأثر. وما لم يفهم الكائن (وبخاصة، العربي المتمركز حول سيرته التاريخية) هذه المقولة البسيطة، فإنه سيظل أسير فكرة واحدة، يجترها حتي الدفن.
    هذه المرة، جئت إلي 'كوبا' بلا هدف، حتي ولا هدف الكتابة التي نحتمي بها عندما تداهمنا الحياة بسيلها الجارف.


    جئت أتمطي!



    أريد أن أمشي طليقا مثل جمل في حماد الجزيرة القديم. الشوك لايعوقه، ولا يغريه الحيلوان. يبحث عن الحميض المبثوث في القاع مثل در خاتل في التراب، لينتش منه النتشة الأخيرة، قبل ان يسوقه الرعاة نحو المراح.
    من جديد، تقودني قدماي، الي ساحة' آرماس '، حيث التقيت، فيها، قديما، بالرجل الرقاص. الرجل الذي يعزف بقدميه اليابستين علي اديم الأرض يعزف لحن حياته البائس، وكأنه يحط الأنشوطة حول عنقه الرقيق، وهو يبتسم، مثل من يموت وهو يسامح الذين اساؤوا اليه. يسامحهم كلهم.
    بلا ندم، فالعوز لايدمر سعادة الكائن، فحسب، وانما يدمر حتي طاقة الشر لديه. وإذ لم أجد 'أحدا'، سأجلس وحيدا ومكتئبا، مثل ذئب طريد. اجلس متبصرا! اريد أن أدرك، في هذه اللحظة العابرة، ما لم أدركه في حياتي 'المنهجية'، كلها! أيكون ذلك هو نفسه المستحيل؟ المستحيل الذي يغالب الممكن، باستمرار!
    ولأول مرة، يملؤني السؤال بالغثيان: عن أي شيء يبحث الكائن، إذن، عندما يكون وحيدا، وبإرادته، إن لم يكن من روح العالم؟ تلك التي لا وجود لها إلا في خيالاته! وأغرق في الصمت، مكتفيا بالاستماع الي موسيقي الشارع التي تقطع الوقت بأوتارها الرهيفة، مثلما يفعل عود قصب رقيق يعترض مجري السيل. تختلط الموسيقي بالعالم فيغدو عجينا، ليتني، مثل أمي، أعرف أخبزه.
    الأخضر لون الجزيرة، علي القصور القديمة، في هافانا، يبدو اللون مهجورا، مثل لون موت مرغم عليه! وحين تطل بعض الأزوال من نوافذها المكسرة، يحس الرائي بأن للقصور أشباحا! أشباح تقاوم العدم، وتتابع، رغم كل شيء، مصائرها المعبة بلا وجل.
    مع الأخضر الفاحم يتجاوز الوردي الباهت، مدلا، مرة اخري، علي الهجران. ألوان قاحلة، تشهد علي قسوة ما يسمي الحياة. الحظر الأمريكي المتعسف المفروض علي هذه الجزيرة منذ نصف قرن، تقريبا، هو الذي يمتص رحيقها. يجعل منها أية علي الوهن، وهي تفور بالأماني! حظر وحشي علي بقعة خلابة من الروض! ولأي سبب؟هل تذكرون؟
    ألوان من الاهمال والنكوص، تحكي قصة التردي التاريخي الذي أصاب كوبا، بسبب ايديولوجيات الاستعمار الحديث، بشقيه الشرقي والغربي. استعمار، لا 'وجود' للكائن الذي يقع بين مخالبه، بعد ان يحوله الي اداة، يمكن ان تستعمل حتي ضده (الكائن) هو بالذات. ومن ألوان الموت المبثوثة علي جدران هافانا، أقرأ موتا عربيا قادما، بدأت طلائعه تنخر في هياكل عالمنا الذي حسبناه (كنا نحسبه) محميا من الريح.
    الاستعمار القديم كان لديه 'وهم انساني' ولو بشكل مزيف وكريه. كان يكذب وهو يكاد أن يستحي من الكذب المصلحي الذي يتستر به. كان يتقدم في حقبة صاعدة من الوعي التاريخي الانساني، وله آمال لم يحقق الكثير منها. فهو في اللنهاية استعمار قبيح، حتي ولو أدعي التدين والاصلاح، اما الاستعمار الجديد، تحت اي شكل وصل، والامريكي خير مثال عليه، فهو بلا قلب، ولا وعي تاريخي لديه، ولا هدف له إلا تخضيع من يتعاملون معه، حتي ولو 'ندا لند'! فاحذروه يا أغبياء العالم!


    كلام الحجر



    حجر لو تكلم قال اعتبر بي هدني الدهر وامتلأت اصفرارا. بهت اللون في صفاحي كثيرا/ وغدا الوهج شحبة واغبرارا سقطت الشمس في المحيط، وأنا أترنم بهذه الكلمات 'اللامجدية'، جالسا علي جدار البحر، في مواجهة الحيطان المحتوتة من البؤس، حيطان هافانا التي تثير الشغف أكثر مما يثيره أهلها المهملون، الكائن يداري يأسه أحيانا بأكثر من حيلة، أما ما نسميه 'الجماد' فيظل عصيا علي التطويع، ولذا كان اسمه في العربية 'وصف' أكثر مما هو شيء آخر. وهو لايعني انه لايخجل، مثل أي بشر، من حالته الرثة عندما ننظر اليه.
    جالسا في قبة الكون، كانت تشغلني فكرة أساسية: كيف يري الكائن العالم؟ وبدأت اقتنع ان الرؤية أساس كل إدراك، وبالتالي كل فعل. وأن من لاير لايتطور! وكل ما عدا ذلك عبث وسخف.
    ماذا تفعل بك رؤية البؤس، الآن، وكنت بائسا، من قبل؟ تملؤك بالموت؟ تعيدك الي بؤس الجزيرة الذي دفنته علي جيلان الخابور الصامت، مثل قصر عتيق في هافانا؟ تبكي؟ ابك! لكن بؤس الانسانية لايجابه بالعبرة والنشيج. انظر! انظر، لكي لاتنسي بعد الانسانية المرعب، هذا. لتقول، من جديد، كلمات نشيدك القديم الي تستحقه الحياة، أخذا علي نفسك عهدا بألا تهادن، بألا تستوعب من أي جهة كانت، حتي ولو امتلكت الحقيقة.
    ما هذا الهدوء؟ ما هذا الصمت الغريب في الوجوه؟ ماذا تقول هذه الرؤوس المدفونة في فضاء مؤثث باللجة والبؤس؟ فضاء الحجر الذي يتكلم. كيف اتصرف حيالها؟ وبأية لغة أناغيها؟
    مرعب هذا المساء في هافانا. فغض الطرف!


    ابتسامة القمر



    رأيت القمر أخيرا فابتسمت. قمر يعلو هافانا بصمت. يقف فوقها مثل صورة مرسومة في الفضاء الهواء ساكن، والأضواء خافتة، والناس يمشون بهدوء. يجرون أجسادهم بعناء وكأنهم يريدون ان يناموا في المكان. وأقف بعيدا عنه، قمر صحرائي القديم، حين كنا نسري لنستقي الماء من عيون الجبل السرية، ونعود الي الفيء قبل سقوط القيظ. أقف في مساء هافانا البديع، وانا امشي.
    بقيت مخلصا لبؤسي، رغم افتراقي الطويل عنه، انه بؤس الطفولة الذي لايمحي! ولذا يظل اليتيم يتيما وحتي ولو صار أبا لعشرة أطفال.
    ذلك كله محتمل ومخيف! ان ينتج البؤس المادي غني روحيا! منذ البدء كان يجب ان يكون هذا هو مكاني!
    وأتذكر أن ثقافة المتوسط، غربا وشرقا، هي ثقافة البؤس بامتياز. حوله تمحورت أساطيرها. وخاض أبطالها المعارك في سبيل تحديه والتخلص منه. وعليه تأسست أديانها التوحيدية الثلاث، منطلقة، كلها، مما يسمي اليوم بالمشرق العربي: بابل، ومصر، وفلسطين، وأخيرا، شبه الجزيرة العربية. ثقافة قامت، منذ 'إبراهيم' عليه السلام، حول مفهوم الكائن البائس الذي عليه ان يقاوم مصيره بالكلام، والسيف، وان يضحي بنفسه، حتي، ليتخلص، ويخلص الآخرين، منه (موسي وعيسي، ومحمد، عليهم السلام)!
    ماالذي انكسر، ذات يوم، في هواك؟
    في شارع 'ترانزيتو'، يستحضر الكون نفسه من العدم. الكائنات البسيطة التي تبدو متوحشة من شدة بساطتها، تتطلع اليك، وانت تمشي مذهولا! شيخوختها البائسة لاتخفي اعراضها المملوءة بالقشف. وهي لاتتسول العطف منك. حتي ولو خيل اليك ذلك. انها تحتفي برؤية الغريبة، مسرورة لمروره، وكأنها لاتريده ان ينساها. احد من عالم اخر! عالم ما وراء البحار الذي غمرها بهمجيته، وهو يدعي العكس، مثل كل المستعمرين. لكأن الغريب نبي! ألا تدرك هذا؟ ألم يأتها المبشرون من وراء تلك البحار، ذات يوم؟ ولربما كان ذلك الكذب هو ثمن الانتصار المجيد الذي تحول الي موت!
    أعرف 'جبهة الكتابة'. جبهة الكائن الصغير الذي يملأ رأسه بالكون. يختلق المشاكل التي لم يعان منها، يوما، ليحلها، من أجل ألا تفيد أحدا اخر. احساس مريع، مثل هذا، ملأ نفسي، وأنا أري الي جاري الضامر الذي انكب علي دفتر صغير، يرتب فيه مقدمات المسألة، ولواحق حلولها اللامتناهية، جالسا، مثلي، في كافتيريا 'إنغلاتيرا هوتيل' الشهير! وهو ما لجمني، زمنا طويلا، عن القلم. الغريب، انه قام من جانبي، وخرج من المكان كالملسوع، منذ أن رآني ابدا الكتابة!
    إننا لا نكتب بلغة واحدة، ولكننا نفكر بها!
    في الليلة الثالثة، أبدل مكاني لأصبح في مواجهة القمر، من جديد، قمر كامنل التدوير. ضوؤه فضي ناصع. يتصدر الفضاء العلوي، بأبهة. يقول ل'هافانا': أنت لي! وأراني في البوادي القديمة، ماسكا ذيل فرسي الدهماء. غافيا وأنا أمشي خلف الظعون. والصوت يتردد من ذيل إلي ذيل: عند غياب القمر نمرح (من المراح، لا من المرح)! ويهزني الهازوز، برفق: لاتنم، يا خليل! يقول الرجل الراكب قدميه الحافيتين، لصق امرأته الطرية التي تلتهم المسافات بصمت! وفجأة ينطلق الصوت منها، قلقا: حمد، وصلنا، الوغد (أي الطفل) نام! قالت وهي تسندني من الوقوع في الفراغ. وافتح عيني، ولا أري سوي القمر، وبي رجفة من برد ليل الصحراء الخاتل في الجو! علام جئت، مرة اخري، الي هافانا؟ اختفي القمر، وعلي أن اختفي! ما هذا الهباء الأعظم؟ ما هذه الروعة؟


    ساحة آرماس



    علي حافة المحيط، أقف مذهولا من الفتنة والشموخ. آثار انسانية بليغة، لكنها متروكة للإهمال. لكأن المكان بلا رثاثة لايستحق ان يداس! جهود قرون عديدة أحسها تهتريء تحت قدمي، دون ان يعني ذلك احدا. اللعنة! واحسني ارتعش وأنا أتكتب ذلك. إنها متعة أن تكتب الحقيقة، تلك التي تعتقد انها كذلك. لكن ساحة آرماس، تنبيء بالعكس.
    في منتصف النهار، أجلس في الفضاء المواجه للقلعة. أدقق في غرائر الضوء، وأتملي أفانين النور المنطلق من الماء، قبل ان يحط علي الصخر. ضوء هاديء يخترق أوراق الشجر القليلة ليصل الي حيث اريد.
    أجلس صامتا وعنيدا. لا أريد أن ألوث نفسي بالارتباطات، ولا أن أقيد حرية بصري بالواقع. لاشيء يستحق أن ننتظر منه شيئا! الحياة إما أن تجرفنا، أو أن 'نستوعبها' نحن 'علي قد حالنا'، وفي الحالتين لا غالب ولامغلوب! هذه هي النقطة التي اريد الوصول اليها! ألا تسمع هذه الموسيقي في شوارع هافانا؟ انظر! انهم يجيئون بؤساء، ويرقصون فرحين!
    ونحن المثقلين بروحانية الشرق الكاذبة، والمتأثرين، بمادية الغرب الزائفة، نتحرك كالخارجين من القبر، توا! وأجدني، ألا حق، مذهولا، اهتزازات الأوراق المتناسقة، وكأني أري ازهار الشر تنبت في العراء!
    وأجلس، صامتا، منتظرا سيادة الحركة اللامحدودة، المتجاوزة بما لايقاس، حدود المنطق والمألوف! لكأن للجسد قانونا لايعرف التقليد. وهو وحده الذي يجعل الخلق تدور حواليه، مثل أحصنة غراف الجزيرة القديم. لا أحب المنطق السكوني البائس، وبخاصة عندما يتعارض مع تناسق الحركة وحيويتها! لماذا نقدس ما وجد ليدنس؟ لا! لا حرمة لأحد، ولا لشيء!
    جاء الصخابون الراكبون علي الأعمدة، بألوانهم الفاقعة، وحسوسهم العالية، وملأوا الكون الهاديء ضجيجا. أقوم. ابتعد. التعبير الفولكلوري عن الوجود، مثير للقرف. لايمكن للعالم الحقيقي ان يعبر عن نفسه ضجيجا. دعهم يمرون. بعد قليل، ستستعيد ساحة 'آرماس' هدوءها، ورؤاها. وتبدا الأحجار التاريخية بالتكلم، همسا. ويعود أصدقائي الحزاني الي عزفهم المنفرد بهدوء.


    الشوارع الخلفية



    تكتم الأنفاس هذه الوجوه الملوثة بالبؤس. لحسن الحظ أني تمرست بالبؤس صغيرا. لم يكن يخطر لي إلا هذه الأفكار، طيلة بعد ظهر اليوم، وأنا أمشي الشوارع الخلفية في هافانا عالم لايحتمل. ووجود يكاد ان يكون، في حد ذاته، جحيما. كيف يمكن ان توجد كائنات في وضع مزر كهذا علي الكوكب الأرضي؟ ولكن ما قيمة هذه الاسئلة التي تتكرر، كل يوم؟ كيف يمكن ان تسمي هذه الحياة؟ لا يتعبني المشي. تتعبني الرائحة. للقذارة، هذه، رائحة مجسدة، تتلبس الماشي، فتأسره! تخيط انفه عليها فلا يعود يعرف للهواء طعما. هذا ما كابدته في شوارع هافنا الخلفية المترعة بالرغوة والصنين. وأكثر من مرة، كنت مضطرا لحبس أنفاسي خلال مسافات طويلة من المشي، إلي أن اصير مجبرا علي الشهيق، تماما، كالغاطس تحت الماء. هذه هي المرة الرابعة التي امشي فيها هذه الشوارع المحشوة بالزنخ والقذارة. وفي كل مرة، اقطع علي نفسي عهدا بألا اعود. وفي اليوم التالي اخلف العهد، واعود، من جديد. لابد انني ابحث عن شيء ما. ولكن، اين تراني اعثر عليه؟
    الغني الفاحش، والبؤس المطلق، كلاهما يدمر الكائن! نظرية لاتحتاج الي برهان. لماذا؟ لأن المشاعر لاثمن لها، مع انها ذات منطق واضح. وهو ما يجعلنا نقف هنا، ولانقف هناك. ولقد تمحور الوضع البشري، منذ البدء، حول هذه المقولة، ولم يتجاوزها الي الآن. انه وضع بلا احتمال اخر. وهو ما يثير السخرية والاشمئزاز.
    اينما سرت في هافانا يصادفك التاريخ تاريخ غابر، نتساءل اليوم عن أهميته وجدواه. لكن ذلك ليس أكثر من كلام بلا معني! فهذا التاريخ العسفي، أو الذي كان كذلك، هو الذي صار يتحكم، الآن، بالحياة. وهو ما يثير القلق العميق في نفوسنا عندما نتصور ما يجري في عالمنا العربي، اليوم! لكأننا صرنا هنود العالم الحمر! ولأننا في الشرق الملاصق للغرب، فإن ذلك يسهل، كثيرا، عملية هضمهم لنا. فهم ليسوا مضطرين لركوب المحيطات من أجل الوصول الينا. ولم يعودوا يخشون الأوبئة والطواعين، كما كان يحدث في أسفارهم الطويلة. ولا أحد منا يرهبهم بمقاومة محتملة. وقد هيأوا عقولنا لاستقبالهم منذ عقود. وكيفوا عواطفنا تجاههم، حتي اختلطت علينا، وعليهم، الأمور. وليست 'صدمة الحضارة' التي نتشدق بها، منذ 'نزهة نابوليون الشرقية' إلا نكتة كونية! اولسنا مصدر ثقافة الغرب الروحية، وفي اصل ثقافته المادية ايضا؟
    اجلس، هذا الصباح، في ساحة 'سان خوان دي ديوس'، في قلب المدينة العتيقة، وكأنني في 'سوق ساروجة' الدمشقي. تحيط بي البيوت المهترئة التي تكاد ان تقع من مجرد النظر اليها. منها تخرج الظباء اللواتي كن خاتلات في مخابئهن المعتمة. ومنذ ان يبدأن المسير، يملأن الفضاء بأنوار اهتزازاتهن. لكأن هذه الأجساد العذبة لم تنشأ في مثل هذه البيوت الخربة. ومن قصورنا العربية تخرج 'الحنافيش' مثقلة بالشحم والنعاس! لا! هن لايقبلن، بالتأكيد، تبادل الأمكنة والأدوار. فليتحمل كل جسد خطيئته.


    الشجرة المباركة



    في ساحة 'آرماس' علي ضفة المحيط، في قلب هافانا القديمة (هافانا فييخا)، ستشرح السيدة العجوز، حارسة الشجرة المباركة.
    نصف الألفية، لي أضاليلها، وقد اعتبرت هذه الشجرة، من قبل اليونسكو، تراثا للإنسانية. ستشرح السيدة الهتماء لي تاريخ غرسها، وسيرورة نموها وكأنها امها التي ارضعتها. ستغريني بالاستماع الي شروحها الغامضة حول تلافيف جذورها، واعتدال اغصانها، وتدوير جذعها الجميل. وكنت افكر: ايكون هواء الجزيرة هو الذي يغرس كل هذا الجمال في كائناته اللامبالية؟ وستحكي لي عن القدس الملاصق لها. والذي يتبرك بلمس حيطانه الأهالي. وسأكون مضطرا الي الوقوف في صف طويل يبلغ عدة مئات من الأمتار لأصل بعد ساعات الي حذاء هذه الشجرة التي تبدو، بالفعل، غريبة، مثيرة للاهتمام.
    الشجرة المباركة: لاشرقية، ولاغربية. جذعها املس وصقيل. ولها تداوير مثل النهود الجميلة. وعيون برشاء مثل طحين الشعير. وفي اعلاها نبت اجش مثل اشعار البداة الذين لايعرفون الغسل. لكأنها فتاة هافانية حولتها الطبيعة الساحرة الي شجرة لاخفائها عن العيون. فجعلت من جدائلها أغصانا طليقة وهدباء. ومن أصابعها جذورا تهيم فوق الأرض بالعشرات. حولها، حول هذه الجذور، يدور الزائرون خطوة، خطوةالي ان يبلغوا اوج الدوخان، فيقعدون، رؤوسهم بين ايديهم، وعيونهم مملوءة بالضباب. لكأنهم يعتقدون، فعلا بألق الشجرة، وصنيعها. لماذا لا أدعهم في شغفهم يرتعون؟ وعندما استدير للخروج، ناشفا مثل عود من الحطب المشموس، ستوقفني السيدة ذات اللغدين الممصوصين من كثرة الكلام، ستوقفني متعجبة: ألم تبك؟


    علامة همنغواي!



    صار همنغواي، 'علامة تجارية'. يزور الفندق الذي سكن فيه. وكتب به 'لمن تقرع الأجراس'، ألوف السياح كل يوم، واسمهك 'امبوس موندوس هوتيل'. الأهالي والغرباء يؤمونه ليشاهدوا مخلفاته التي جعلوا منها متحفا.
    وفي باره الأخير، المفضل: 'فلوريديتا'، بالقرب من 'سنترال بارك'، يتزاحم الزوار للتصور مع تمثاله النصفي، القابع في زاوية معتمة من المكان. يتصنبعون امام العدسات، وبأيديهم شراب 'دياكيري'، الشراب الحليبي الثخين المصنوع من خلائط 'سرية' اعتني هو، نفسه مع نادل البار، بانجازها وتجريبها عليهما، اولا.
    وفي مطعمه الشهير: 'بوديغيتا ديل ميديو'، بالقرب من ساحة الكاتدرالية القديمة، لا مكان لك لتأكل، أو لتشرب كأسا. وعليك الانتظار في العراء، طويلا، إلي أن يحين دورك. في هذا المطعم الصغير، المحشور بين دور قديمة مهترئة، والتي تذكرني حيطانه الملوثة بالكتابات التي ابدعتها ايدي المعجبين، بمرسم الفنان 'جورج بهجوري' في 'إيل سان لوي'، بباريس. حيث كنا نتبادل الأنخاب والأقلام لنخط، كل علي هواه، علي جدرانه الضيقة التي كانت تأوينا برحابة، دعاباتنا، وأمانينا، وهمومنا، حتي صار وكأنه قلوبنا اجتمعت في جدار!
    علي مقاعد هذا المطعم الصغير، غير المريحة، تعاقب، تخليدا لذكري همنغواي، مشهورون، وكبار، من الجنسين. اذكر منهم: روبيرتو دي نيرو، ومحمد علي كلاي، وشعراء، ورسامون، وأواني مستطرقة، وحثالات من أمثالنا، همهم ان يلتقوا بوجه سريع الذوبان. هؤلاء جميعا، ترك كل منهم صورته وتوقيعه، وصحنه فارغا بعد ان التهم الطعام. الناس لايكفون عن التزلف الي هذه الآثار، ولا عن البحلقة في الحيطان، وهم يتابعون أكلهم بنهم. لكأن هذه الافرازات الانسانية تزيدهم شهية، ولاتعوقهم عن التمتع بالأكل الرديء الذي سيدفعون، مع ذلك، ثمنه غاليا. ثمن شهرة الآخرين. وسأفعل أنا، الآخر، مثلما يفعل الناس، تاركا توقيعي العربي، ضائعا في بحر من التواقيع، علي جدار في اخر الكون.


    ساحة الكاتدرال



    في ساحة الكاتدرال، أحب الجلوس صامتا، متمعنا في الحجر. وجوه السواح ملس، لا حفر فيها، ولا أثلام، علي العكس من سطوح الأحجار المبرية من كثرة المشي. آثار المطر القديم، المنهمر منذ قرون علي فضاء المدينة، يعطيها بعدا تاريخيا لامراء فيه، ويضفي علي الوجود جلالا. حتي الموسيقي العفوية، التي تأتيك من كل صوب، تحسها تتلاءم مع هذا المحيط اللامتناهي من المشاعر والرقوص، وتناسب هذا الوجود المطلق للحياة، أما الشجر العريق ذو الأوراق العريضة الخضر، فهو المتعة اللامرئية، مع انه لايخصنا؟ بلي! انه تاريخ الانسانية اللامحدود. انظر!
    من السهل أن تكتشف هنا، ان ثمة انسانية جائعة، واخري مبشومة من الغني، مثل ثعالب مصر في زمن كافور الإخشيدي. لكن هذا الاعتبار السياسي المحض لا يغير من العظمة التي تحيط بك شيئا. اينما سرت، هنا، فأنت في بؤرة الجمال. اغلق نافذة رأسك، وكن عينين، واذنين، وتمتع! فالحياة لاتحدها الاعتبارات المجردة، حتي ولاتلك التي كانت تسحرنا، من قبل!
    مايلزمك، هنا، والآن، هو أن تمد قدميك، بعد ان تشعل السيجار، وأن تنتظر بهدوء! ما مصيرك فيما يأتي من الوقت، ايها المتيم بالجماد؟ تتأمل. كيف يفعل الناس، هنا ليعيشوا! مجرد العيش كارثة. يحتالون، يمالئون، بعضهم قوادون، وبعضهم ذئاب. يشحذون، وهم يفعلون العكس. حيلة العيش لها تاريخ انساني عريق. وهم، هنا، لايشذون عن القاعدة، إلا بقدر ما يشذ الأطلسي عن المتوسط الصغير. يتاجرون بكل شيء، وبلاشي، حي ولو بقطعة مطاط. لامستحيل عندهم من أجل لقمة العيش. هم مستعدون لقلب الأرض لو طلبت منهم ذلك، مقابل بعض النقود! تتأمل ذلك، ويصيبك الرعب! انت، الآن، جراح في باريس، وكان يمكن لك ان تكون راعيا في بوادي الجزيرة الصهباء. الصدفة، وحدها، جاءت بك من هناك، الي هنا بلي! الصدفة العمياء اللامنطقية (حتي وان كان لها منطق لاندركه) هي التي فعلت ذلك. وهو ما يسميه 'ألبير امو' العبث. انه منطق اللاعدالة العادل، إذا شئت. ولكن، إحذر! احذر المنعطفات، فالتاريخ ليس خطا مستقيما.


    محيط الخوف



    دائما عندك الشوك الذي يخزك! شوك بؤسك القديم. وهو ما يحرك رغائبك واساك، ويجعل من العالم ساحة صراع بلا أمل. اريدك، الآن، أن تخترق هذا الحاجز الرهيب، ان تنظر الي البعيد عبرة. حاجز الطفولة التي لايمكن تحديه، بل نقده.
    تنسم هواء القارات، إذن، وذق طعم مآكلها التي لاتحصي. شم روائح اجسادها، وذب في محيطاتها اللامتناهية الأبعاد، إملأ عينيك بصور العالم الحية، وخبيء ملامح طفولتك المهترئة في الجيوب. حان أوان الانتقام. انتقام تلك الحقبة المرة التي لم تخلف في نفسك سوي طعم العسل. لماذا تركن، إذن، إلي المألوف؟ وتجابه العالم، وكأنك جئت لتحاربه




    وهو يستقبلك بمودة؟ من علمك هذا السلوك الفائق، وقد كان أبوك حكيما، وأمك صامتة؟ مم تخاف، بعد الآن، وقد عبرت محيط الخوف؟
    ترجف عضلات وجهك من الرعب، وتصطك اسنانك الكبيرة، وانت تري الي هذه المخلوقات البائسة تنتظر، في بحر من القذارة، مصائرها. حتي الكلاب، هنا، تشارك المخلوقات قدرها البائس! هاهي ذي تزحف بين قدميك، وكأنها تريد ان تشم، فقط، رائحة الأكل الذي اطعمته البارحة. مصائر لن يعطيها حتي الموت، نفسه، معي!

    في الساحة



    في ساحة 'سان فرنسيسكو'، حيث المحطة الرئيسية، في مقهي( هافنا، علي ضفاف المحيط، اجلس في باحة 'كافيه ديل اورينتي' الشرق)، متمتعا بضوء الشمس التي بدأت بتبديد الغمام من سماء هافانا. ساحة تتوسط عمارات محشوة بالتاريخ، وربما مات الكثيرون فوق احجارها عندما حل الغزاة، هنا، ذات يوم. مايوحي بهذا، هو الصمت المريب الذي ينبع من باطن الأرض. صمت تختزنه الأحجار الصم قبل ان تلقي به في وجهك الكئيب.
    في مواجهة هذه المقهي التاريخية، تتأبد الكنيسة الأولي في هافانا، مع مبشرها الواقف في العراء، حاملا صليبه الخشبي بيد، وبالاخري، يمسد علي كتف الفتي الهندي شبه العاري، والملتصق به، وكأنه يحتمي من 'هجمة الشيطان'! شيطان الاستعمار الذي يقوده المبشر، هذا، نفسه.
    هذا المقهي العريق، هو الآخر، أّمٌّه الكثير من الزعماء والمهشورين، وعلي رأسهم سلفادور أليندي، والملك خوان كارلوس، وشعراء ورسامون، صورهم معلقة علي جدارته. في هذه الساحة العريقة يتزاحم اليوم المهرجون، والنشالون، الكائنات الغريبة، التي تفعل كل شيء ليضحك السواح ذوو السحنات البلقاء الناشفة، والأنياب العبوسة، وهم يدورون فيها، وحولها، مثل ثيران ضالة. بأيديهم آلات تصويرهم الحديثة جدا، ليخلدوا بلقطة بائسة منها، كما يتخيلون، حقبة من تاريخ الانسانية العتيد!
    ما يثير الرعب في أحياء هافانا، ليس منظر البؤس البادي علي الوجوه، وإنما السأم! لكأنهم عرفوا نهاية الحياة، ولم يعودوا يأملون منها شيئا. لم يعودوا راغبين في متابعتها، مع انهم يصرون علي اللحاق بها بأي ثمن.
    ينظرون اليك بحياد مخيف، دون ان يبدو علي أي منهم انه يدرك ما تعانيه، وهو في ذلك علي حق. فغموض الحياة، الذي هو مصدر روعتها، يكمن، في الحقيقة، في انها تبدي عكس ما تخفي. وربما كان ذلك سبب التجائك الي الأحجار.


    المساء قبل الأخير


    في الشوارع الظلماء، أمشي وحيدا. رعب! وجوه، وهيئات شيطانية، وأجاسيد، تخرج، فجاءات، من العتمة والحواصير (حتي لا اقول البيوت، فهذا كثير علي مثل هذه المخابيء والارتصاصات). أزوال صامتة، وأشبحة من الألوان والخرق التي تمشي، وحدها، وكأنها علي موعد مع الشيطان. هيئات، حتي لا أقول مخلوقات، تدور حولك بهدوء، وتختفي، وكأنها اكتفت بالنظر العاتم في وجهك المرتاع. بعضها يلتص بجثتك، يكاد أن يلتصق به، وحتي يتداخل واياك. وبعضها يستزيرك بامعان وكأنه يحث عن شيء اضاعه في انحائك.
    من الرعب، اتابع السير معتدل القامة، ماشيا بأبهة، وكأني في عرض عسكري. لا التفت يمينا، ولا يسارا، مع اني اري الجهات، كلها، في آن. للخوف عيون لاتري! أسير مظلما (من أتي بي إلي مثل هذه الشوارع المخيفة؟!، انتظر ظهور الضوء الذي لابد أن ينبثق، ذات لحظة، من المجهول. لكنني سأنتظر طويلا، فهافانا لاتشعل انوارها باكرا.
    مطر خفيف بدا الهبوط، ليزيد الخوف بلة. مطر رذاذي كماء يسقط عبر ثقوب منخلل ضيق. من اين جاء هذا المطر في عتمة المساء؟ علي الوصول الي المحيط باسرع ما يمكن، وباقصر الطرق، أفكر، مرتبكا ومتخبطا، في خطواتي.
    هناك علي ضفاف الماء سأطمئن، حيث الأضواء، والمارة، والضجيج. واكتشف الي أي مدي يستحق الصوت معناه الأماني. انه بوقعه الآمر علي السامع، يجسد الكائنات: عدوة كانت ام صديقة، وينبيء عن الوجود. واحث السير متمارقا بين عشرات الأقدام المتسارعة، حولي عجبا! من اين تنبع هذه الأزوال؟
    ومن حيث لا أدري، احاط بي اثنان من العمالقة السود، وكأنهما نبغا من باطن الأرض! لابد انهما كانا يسيران قربي منذ امد طويل، دون ان اتمكن من الاحساس بوجودهما! لماذا؟ لأن الكائنات لاتحب أسباب الخوف. وكنت خائفا بلا سبب. اتابع.
    انحرفت، فجأة في الشارع المقاطع، وتابعت سيري، صمما! عتمة المساء الهافانية، وبخاصة في تلك الشوارع البائسة، المحشوة بالبشر والقشور، لن تدركها قبل ان تعيشها، مثل نشاط انساني اخر. ان تعيشها وحيدا بلا انيس! وادرك لمحا، لماذا يسمي العرب القدماء، الذين خبروا اهوال السفر الطويل والوحدة، هذا الكائن الضروري في الرحيل، كائن الدروب الموحشة الأنيس.
    لن اطيل. لانني ساتفاهم مع نفسي، سريعا، علي كل شيء، كما يحصل عادة اثناء عمل جراحي مستعص، وكبير اخيرا، هأنذا في الميناء! اوف! هو الآخر، معتم، وخلاء. لكنني سأحس بالأمان في احضانه.
    وسأصل سريعا مجلسي القديم في بار الميناء التاريخي: 'دوس هرمانوس'، الملاصق لكنيسة المبشرين القدامي، ذات الظلمة التي لايمكن اختراقها. وبالقرب منه: 'هافانا كلوب'، وهو المركز التاريخي لتصنيع 'الروم الكوبي' الفاخر، وتصديره الي ما وراء البحار. والذي اشرفت عليه، في البدء، عصابات المافيا الامريكية، الخبيرة بتسيير الامور واستغلالها.
    اتابع. اتابع. الآن بهدوء، وكأن ذلك الخوف لم يكن يخصني. ما اجمل الحياة بين وتيرتين.
    مرة اخري كنت اقصد 'كافيه ديل اورينتي'، في ساحة 'سان فرنسيسكو' غير القصية. بين ورود نافورتها الخلفية، ذات التشكيل الأندلسي، سأجلس. أجلس محتسيا (من الحسو) انفاسي. افكر فيما لم يكن يخطر لي، بعد، علي بال!


    حتي في هذا الجحيم وحيد؟


    هضاب. هضاب ومحيطات. هكذا تبدو هافانا وضواحيها المتناثرة تحت شمس العصير، عند أقدام الصليب، المسيح المشرقي، الذي يقف، كما في 'ريو دي جانيرو' فوق اعلي الهضاب. يلف عباءته المرعز، وهو ينظر الي العالم بمودة وتواضع، يكاد يسلم عليك! 'يجعلك تتبعه منذ ان تراه'، كما يقول 'لاغركفيست' في روايته الرائعة: 'باراباس'.
    من تحت أقدامه، تري 'هافانا فييخا'، كلها، وفي القلب منها، يشمخ 'الكابيتوليو' الشهير. وهو نسخة غير مزورة من 'الكابيتول' الامريكي المقابل له علي الضفة الأخري من المدينة. وفي الأفق القريب، تري 'هوتيل ناسيونالي'، الذي من شرفته، أعلن كاسترو انتصار الثورة، محاطا برفيقي نضاله: علي يمينه: تشي غيفارا، وعلي يساره: كاميي سيانفويغو، وقد كان، هذا الفندق، قبل ذلك، مرتعا للنخبة الاميركية. فيه كانوا يحطون الرحال: جون كينيدي، ومارلين مونرو، وفرانك سينناترا، وملوك المافيا، وعلي رأسهم 'آل كابوني'، وأساطين الجاز، مثل 'ديك إلينغتون'، و'آرمسترونغ'، كلهم، كانوا يلتقون هنا ليحتفوا بالجنس والموسيقي والحشيش.
    ماذا تري أيضا؟ العامل! لكأن الكرة الأرضية، كلها، تجمع، الآن في نقطة واحدة، هي هذه! اغلق الكتاب، واقرأ.

    ***

    معتم قلبي، كبنايات هافانا. كمداخلها السود المقشبة بالسماد ولكن، لم تراني احزن، والحياة صالة سفر؟ ثمة، دائما، ذاهبون، وايبون الأجدر بي ان اتمتع بهذه الصور الانسانية التي تمجد مرارة الحياة ألعوبة هي هذه! ومن لايلعبها يخسر، دائما! جرب!
    خلق الكائن للرحيل. منذ ولادته وهو يرحل. يرحل، دون توقف، في عمره، ومشاعره، وافكاره، ولبسه، وجنسه. لكن ذلك، كله، لم يمنع من الشعور بالغصة، عندما بدأت اغادر هافانا. 'غصة الحماد' القديمة، عندما كنت استفيق فجرا لأركب فرسي الدهماء الجميلة، لاحقا بالظعون. تداريني أمي، ما سكة برجلي العارية، مطمئنة، وهي تمشي الأرض علي قدميها الحافيتين، بصمت. لماذا تراني امتلأت بالعبرة، وأنا في التاكسي العتيق الأزرق، ماسحا شوارع هافانا بعيني الملوثتين بندي الفجر؟ لا! لاشيء يستحق الثواء. لم تريدني ان ابقي؟ والحياة لاتجيء. إنها تمضي.

    نقلا عن اخبار الادب العدد657

    (عدل بواسطة مطر قادم on 02-25-2006, 05:58 AM)

                  

02-16-2006, 03:39 AM

فيصل عباس
<aفيصل عباس
تاريخ التسجيل: 03-08-2004
مجموع المشاركات: 1345

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: هافانا.. اغلق الكتاب , واقرأ ! (Re: مطر قادم)

    مطر
    يا..........

    نقال
    ياجميل
    يا ممتع


    شكرا وبس
                  

02-16-2006, 07:55 AM

عبد الغفار عبد الله المهدى


للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: هافانا.. اغلق الكتاب , واقرأ ! (Re: مطر قادم)

    دوما تغوص فى اعماق بحار المعرفه لتنتشل منها لالىء الابداع
    وتنثرها لنا كما الرشاش فى بدايات شهر مايو فى سودانا والذى يزخ الينا بزرات المطر الؤلؤيه والتى تنعشنا بالدعاش وتباشير الخريف
    وصدق العم قادم عندما اطلق عليك مطر
    ولم اكن ببعيد عن الحقيقه عندما انادى عليك ابو الامطار هاطلة
    ولا ادرى ما هو وجه الشبه بين الامطار الشتويه والتى ظلت تهطل على مدى يومين فى القاهرة وبين هطولك الجميل هذا اهى رشاشات المطر تجعلك تهطل لنا بدرة من الدرر التى تعيش معها فى محرا التعبد الثقافى والذى تعيشه بعمق ودرايه
    مزيدا من الهطول يا ابو الامطار
    وشكرا على تلك الاتكاة الجميله
                  

02-25-2006, 04:32 AM

مطر قادم
<aمطر قادم
تاريخ التسجيل: 01-08-2005
مجموع المشاركات: 3879

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: هافانا.. اغلق الكتاب , واقرأ ! (Re: عبد الغفار عبد الله المهدى)

    الاخوة
    فيصل عباس
    عبد الغفار عبد الله
    هافانا مثل الاسطورة فى المخيلة وشحيحة المعلومات عنها لعدة اسباب وهذا الصحفى شد رحاله من باريس اليها فاتى بخبر يقين. ولكما تحياتى
                  

02-25-2006, 04:33 AM

مطر قادم
<aمطر قادم
تاريخ التسجيل: 01-08-2005
مجموع المشاركات: 3879

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: هافانا.. اغلق الكتاب , واقرأ ! (Re: عبد الغفار عبد الله المهدى)
                  

02-25-2006, 04:58 PM

مطر قادم
<aمطر قادم
تاريخ التسجيل: 01-08-2005
مجموع المشاركات: 3879

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: هافانا.. اغلق الكتاب , واقرأ ! (Re: مطر قادم)

    ومن اجل كتاب ادب الرحلات الممتع ارفع البوست
                  

03-05-2006, 05:05 PM

مطر قادم
<aمطر قادم
تاريخ التسجيل: 01-08-2005
مجموع المشاركات: 3879

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: هافانا.. اغلق الكتاب , واقرأ ! (Re: مطر قادم)

    *****
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de