|
في ذكري اغتياله الخامسة عشرة فرج فودة .. شهيد الفكر
|
في ذكري اغتياله الخامسة عشرة فرج فودة .. شهيد الفكر في ذكري اغتياله الخامسة عشرة فرج فودة .. شهيد الفكر كتب يقول «إن يفقد المرء حياته وهو يدافع عن حياة الوطن أشرف كثيرا من أن يعيش في ظل وطن ممزق» عندما وجدوا اسمه في لائحة اغتيالات جماعات التكفير كتب «إذا كان المستهدف أن نخاف فقد ضلوا السبيل، وإن كان المطلوب أن نغمد القلم فقد اخطأوا رقم الهاتف، فالموت أهنأ من العيش في ظل فكرهم وحكمهم ومنطقهم الغبي» عندما هاجمته بعض الأقلام الأصولية كتب معلقا «مادام رد فعلهم سباب وقذف وشتيمة، فمعني هذا أن منطقهم أعجز عن الرد وأهون من الحوار» ابراهيم جادالله الخلاف في الرأي لايفسد للود قضية لا تصدقوا هذا الكلام عندما يتحدث محترفي الخراب الفكري والانساني والإرهاب بكل أشكاله فالخلاف معهم في الرأي يفسد للود ألف قضية وربما يؤدي إلي إهدار الدم أو قطع الرقبة كما حدث مع إعلاميين وصحفيين ومفكرين كثيرين وجدوا أنفسهم في مواجهة مع الموت بسبب رأي كتبوه أو فكرة صرحوا بها، وليس نجيب محفوظ وفرج فودة ومحمد طه وأطوار بهجت إلا أسماء علي لائحة طويلة من المفكرين والإعلاميين المهددين منهم من قضي نحبه ومنهم من ينتظر، وقد كانت كلمات شبيهة بتلك جزءاً من معركة فكرية خاضها الكاتب والصحفي والمفكر المصري فرج فودة في بداية التسعينيات ضد تيارات عديدة تنتمي للإسلام السياسي المعتدل أو المتطرف. المعركة انتهت بطريقة درامية في الثامن من يونيو عام 1992 عندما قام أعضاء من الجماعة الإسلامية باغتيال فودة، كانت مصر وقتها تشهد تصاعداً مضطرداً في أعمال العنف والإرهاب، وكان اغتيال فودة يمثل نقلة نوعية في عمل الجماعات المتطرفة، حيث أصبح المفكرون والإعلاميون وكتّاب السيناريو الذين يجرأون علي الخوض في مسائل خلافية هدفاً لتهديدات بالتصفية والاغتيال. ومن بين عشرات الصحفيين الذين تعرضوا للتهديدات كاد مكرم محمد أحمد نقيب الصحفيين المصريين أن يفقد حياته بسبب محاولة اغتيال فاشلة قام بها منتسبون لتنظيم الجهاد. وإذا كانت موجة العنف والاغتيالات قد خفت حدتها في مصر مع نهاية التسعينيات، إلا أن المفكرين والصحفيين والمثقفين مازالوا دائماً في مرمي النار والتهديد، ولكنها نار تهدأ وتشتعل من حين لآخر، لتذكرنا دائماً بأن الاختلاف في الرأي مع المتطرفين يفسد للود ألف قضية وفي هذا الشهر يكون قد مر علي استشهاد الكاتب المصري الشهير فرج فودة خمسة عشر عاما كنت اقرأ كتاب "حتي لا يكون كلاما في الهواء" لشهيد الفكر و الكلمة الحرة الدكتور" فرج فودة". و أغوص بين ثنايا متنقلا من مقال إلي آخر، ووجدتني أشعر من جديد بنفس الأسي الذي شعرت به لحظة استشهاد مفكر كان من الممكن أن يقدم -أكثر مما قدم -، وأن يكتب ويجادل ويفيد -أكثر مما فعل -. ثمة حافز دفعني الي الكتابة عنه أو حوله أو انطلاقا منه، لأنني استمتع دوما بقراءته. بقوة حجاجه، و تماسك منطقه، وواسع علمه.فهو حقا كاتب يمتع ويغري ويفتح الذهن علي رؤية عقلانية كان يفتقدها الجو العام آنذاك في مصر و باقي الأقطار العربية الاخري. ففرج فودة يتقن اللعبة جيدا. انه يعرف حقا من أين تأكل الكتف. يجذب القارئ-و للوهلة الاولي- .بلطافة معاني ، و ومضات فكره ، و جرأة موقفه. كما يتبلور ذلك جليا في نقده للتيار الأصولي المتطرف، ولدعاة الانغلاق و الارهاب و الردة الحضارية. وهو النقد الذي حاول فرج فودة تأصيله داخل البيئة الثقافية والسياسية العربية و إن كنت قرأت مرات و مرات كتابه كنابه الصغير الحجم الوسع الفائدة وهو من بين المرجعيات القليلة التي فتحت لي أفاقا أوسع علي كتابة الجزء الثالث من رواية طويلة لي مواسم الضني ترصد التحولات المجتمعية التي واكبت بروز شركات الوهم التي سميت توظيف الأموال وهو كتاب «اللعبة» . و أعاود دائما قراءة كتبه و الاستطراد في متابعة معركته ضد التطرف و الانغلاق ، و الفتنة الطائفية، و تسييس الدين ،وتديين السياسة. .لقد اغتالت يد الارهاب فرج فودة ، و تصورت أنها بانهاء حياته قد أغلقت ملف واحد من أشجع الكتاب الذين تصدوا للارهاب و التسلط باسم الدين وحتي لايغلق ملف هذا المفكر، و حتي لايلف النسيان أفكاره المستنيرة، وحتي نستفيد من تجربته في مواجهة من يركبون شعارات الاسلام السمحة، ليقتلوا و يدمروا ويرهبوا ، و يعيثون في الارض فسادا نزكي عزيمة التذكر لسيرة هذا المناضل التنويري الجسور... الرجل الموقف؟ ولد فرج فودة بمصرعام 1945 بمحافظة دمياط ، و هو حاصل علي ماجستير العلوم الزراعية و دكتوراة الفلسفة في الاقتصاد الزراعي، من جامعة عين شمس 1981، عمل معيدا بكلية الزراعة بجامعة عين شمس، ثم مدرسا بكلية الزراعة ببغداد .ثم أخيرا خبيرا اقتصاديا في بعض بيوتات الخبرة العالمية من كتبه: الحقيقة الغائبة- قبل السقوط- حوار حول العلمانية -الارهاب- نكون أو لانكون - حتي لايكون كلاما في الهواء - الندير-الملعوب...اضافة الي كتب ومناظرات ومقالات أخري .اغتيل بالقاهرة علي يد متطرفين اسلاميين في 08061992 وعلي العكس تماما مما خمنه قاتلوه، فقد هزت جريمة اغتيال فرج فودة كل أركان المجتمع المصريالعربي . وخرجت الألاف لتشييع جنازته والتنديد بمقتله.فقد عهدت مصر الاغتيالات السياسية كما حدث مع رفعت المحجوب، و أنور السادات، و غيرهما كثير. و كانوا محسوبين علي السياسة . أما فرج فودة فقد كان رجل فكر و قلم ولم يسبق لمصر ان شهدت اغتيالات فكرية كما حدث معه يقول صلاح منتصر رئيس تحرير جريدة أكتوبر التي نشر بها فودة آخر مقالاته "..عندما سألو المتهم باغتيال فودة عن أسباب جريمته قال لهم بسبب مقالاته في مجلة أكتوبر تحت عنوان كلام في الهواء. و لا أظن أن هذا المتهم قد قرأ مقالا واحدا له،لأن مستوي تعليمه يدل علي أنه بالكاد يفك الخط ،و أنه اذا قرأ لا يفهم كثيرا كل معاني ما يقرأ و أن مترجما نقل اليه ما جعله يؤمن بأنه كافر و ملحد و زنديق. و أن اغتياله جاء في سبيل الله . وهو ما لا يكن بالقطع صحيحا و لا يملك بشر ان يقوله عن بشر.هكذا أقنعوا الذي أمسك بالمدفع و صوبه عليهحتي لا يكون كلاما في الهواء ص6 و مابعدها . أثارت كتابات فرج فودة جدلا واسعا ونقاشاكبيرا بين المثقفين والمفكرين و رجال الدين . و اختلفت حولها الآراء وتضاربت وتصاعدت حتي بلغت حدا كبيرا من العنف أدي في النهاية الي توقف الحوار واعلان القتل، فكانت الطلقات في مقابل الكلمات، و المدفع في مقابل القلم، و التكفير في مقابل التفكير .و كان من البديهي أن يختار أنصار التطرف و أصحاب القتل أقصر الطرق-الاغتيال- بعدا ان عجزوا عن المواجهة و فشلوا في الرد ،و قصروا في التصدي. وبعد أن أعياهم المنطق السليم، و أرهقهم العقل المستنير. و الغريب في الأمر أن الرجل كان علي علم بما يخبئه له المتطرفون الاسلاميون، فقد وجد اسمه ضمن قائمة الاغتيالات لدي إحدي الجماعات الارهابية . ولا غرابة كذلك أن هذا لم يثن شهيد الفكر و لم يجعله يتراجع أو ينحني و إنما زاده- كما يقول-اصرارا و صلابة و عشقا لوطنه . ذلك ماصرح به و قاله في غير ما موضع من كتبه و مقالاته وهاهو يتحدث عن ذلك في كتابه "الارهاب"يقول: " ما زلت اتذكر أحد ايام صيف عام1982عندما كنت أعرض مسودات كتابي قبل السقوط علي الأستاد الكبير ابراهيم طلعت في الاسكندرية تعليقه المختصر، بالتوفيق، ولكنك تضع نفسك أمام فوهة المدفع. وقد تذكرت قوله مرة ثانية، و أنا أتهيأ لاصدار كتابي "الارهاب " و كان تقديري أني وضعت بكتابته أمام فوهة المدفع. و ها هي السنوات تمر ويتوالي ما أصدرته من كتب و لم ينطلق المدفع بعد و لا يعنيني أن ينطلق.." ثم يضيف قائلا "...و اليوم الذي لا يصلني تهديد منهم والصباح الذي لا تكتحل عيناي فيه بهجوم من تياراتهم، دليل قصور في سعي و تقديري .فكم كانت جوانحي ترقص طربا و أنا أقرأ هذا كله، فمعناه واضح لديهم مفهوم لدي ، و دلالته أني قد أوجعتهم بما أكتب وأثيرهم بما أجتهد، و مادام رد فعلهم سباب و قذف و شتيمة فمعني ذلك أن منطقهم أعجز عن الرد و أهون من الحوار ..واذا كان الشئ بالشئ يذكر فلعل القارئ يتذكر أن اسمي كان ترتيبه الثالث في قوائم الاغتيالات التي ضبطت لدي تنظيم "الناجون من النار " كما يسمون انفسهم " الساعون الي النار كما أسميهم". ولو لم يحدث ذلك لشعرت بأسي شديد. فالشجاعة تقاس بعداء الجبناء و السمو يقاس بعداء الوضعاء و الرصاص هو التعبير العنيف عن منتهي الضعف ....أي حوار هذا الذي ينطق أحد اطرافه بالكلمات فيرد الطرف الأخر بالطلقات.اذا كان المقصود أن نتراجع فقد طلبوا المستحيل ،واذا كان المستهدف أن نخاف فقد ظلوا السبيل ،و اذا كان المطلوب أن نغمد القلم فقد اخطأوا رقم الهاتف، فالموت أهنأ من العيش في ظل فكرهم الغبي وحكمهم الغبي و منطقهم الغبي، و أن يفقد المرء حياته و هو يدافع عن حياة الوطن أشرف كثيرا من أن يعيش في ظل وطن ممزق، و أن يضحي المرء بالسنوات الباقية من عمره أشرف كثيرا من أن يقضيها تحت حكم من يفضلون ركوب الناقة علي ركوب السيارة-كما يذكر أحد أعضاء الجماعة في اسيوط - أو من يذهبون فرادي و جماعات لقضاء الحاجة في الخلاء-كما يفعل اعضاء الجماعة في المنيا-. المقبرة أهون، والاستشهاد افضل، و الجهاد ضدهم حتي يقضي الله امرا كان مفعولا هو الاختيار الصحيح و المريح..الارهاب ص 11 و ما بعدها هكذا اذن بجرأة و بسالة قل مثيلها يقف فرج فودة ضد التيار، و يعرض حياته للطوفان الكاسح ،متمسكا بموقفه مؤمنا بمبادئه، مناضلا من أجل و طنه. حتي وان دفع حياته ثمنا لحقه في الدفاع عن رأيه و فكره - وقد فعل- وهو في نقده و دفاعه ، وفي كره ،لا يعرف غير العقل و المنطق طريقا، و الحوار و النقاش سلاحا... وكلمة حق نقولها في حق هذا الرجل وهو أنه حتي و ان اختلفنا معه جملة أو تفصيلا، وسواء تبنينا مواقفه أو عارضناها فإنه يبقي علينا في كل الاحوال ان نقف احتراما لموقفه الجريء جرأته وشجاعته التي يندر اليوم التحلي بها. وللاقتراب أكثر من شخصية فرج فودة و لفهم أعمق دعونا ننصت لما قاله صلاح منتصر الذي عايشه و كان قريبا منه"... بالرغم أن فرج فودة كان ضخم الجثة يخيف منظره من لايعرفه فإن كل من اقترب منه انضم بسرعة الي قائمة محبيه،عندما كان يفاجأ برقة أسلوبه و أدبه ،و عفة لسانه، و رهافة مشاعره و براءة الطفل من داخله. مع قوة في الدفاع عن فكره و دلائل لا تنفد جمعها من التاريخ و رتبها في أرشيف عقله، وكانت قدرته عظيمة في استخراجها بخفة و عرضها برشاقة و اقحام محاوره بسهولة...كان من الكتاب الذين يضيفون عددا من القراء كل أسبوع بسبب الطعم الخاص الذي كانت تتميز به كتاباته. و أسلوبه المختلف الذي يصاحبه فكر محدد درس صاحبه طويلا امكان الوصول بسهولة و ثقة الي عقل القارئ في هدوء و قوة ، وكان منطقه يبدوا مترابطا لدرجة أني تصورت أنه من خريجي كلية الحقوق، و أنه درس القانون بل لفترة اعتقدت انه محام، و كم كانت المفاجأة عندما اكتشفت أنه درس الزراعة و لكنه كان عاشقا مدمنا للقراءة و الكتابة"نفس المرجع ص3. و ها هي شهادة رجل في حق صديقه و رفيق دربه انه الفنان "عادل إمام" الذي جمعته بفرج فودة الدراسة بكلية الزراعة، و جمعتهما- كخاصية مشتركة-الرغبة في التعبير عن أفكارهما واحد بقلمه و الآخر بفنه. يقول عادل امام في حوار مع مجلة " فن"العدد 129"..أنا لم أذهب الي أسيوط للتحاور معهم، فكيف أتحاور بالفكر مع من يمسك قنبلة...لقد قتلوا فرج فودة لأنه قوي الحجة، و فكر حر و مستنير.فأرادوا أن يسكتوا منطقه ليس بفكر مضاد و لكن بطلقات الرصاص التي مزقت جلده." وفي الاخير لا أجد غير ما قاله فرج فودة في كتابه"نكون او لا نكون ".إن ما أسجله في هذا الكتاب شديد الأهمية في تقديري لأنه يعكس واقع المعارك الفكرية التي نعيشها ،وهو سجل هام للأجيال القادمة أكثر من أهميته لجيلنا .لأنه وثيقة شرف لجيل أبائهم، و لعلهم لن يصدقوا أننا كتبناه و نحن غارقون في اتهام التكفير، و محاطون بسيوف الارهاب والتهديد. و يقينا سوف يكتب البعض من الأجيال القادمة ما هو أجرأ وأكثر استنارة. لكنه سوف يصدر في مناخ آخر أكثر حرية و انطلاقا وتفتحا . و لعله من حقنا عليهم ان نذكرهم أنهم مدينون لنا بهذا المناخ. وسوف يكتشفون عندما يقلبون أوراقنا و نحن ذكري أننا دفعنا الثمن....ويا أيها القارئ بعد زمان طويل اقرأ لنا و تعلم كيف يكون الانسان موقفا ، و كيف نحتنا عصر تنوير بأقلامنا. وكيف كانت الكلمات أقوي من الطلقات. و افهم معنا ما فهمناه من كلمة الله العلي القدير حين شاء أن تكون أولي كلماته في الانجيل " في البدء كانت الكلمة" وفي القرآن "اقرأ"... يأيها القارئ بعد زمان طويل . نفلا عن جريدة القاهرة عدد19 يونيو2007
|
|
|
|
|
|
|
|
|