دعواتكم لزميلنا المفكر د.الباقر العفيف بالشفاء العاجل
|
قرشي عوض : عادل عبدالعاطــي وآفـــة التفكير الرغبوي
|
كتب الاخ الصديق قرشي عوض اليوم :
نقلا عن صحيفة الوفاق
عادل عبدالعاطي وآفة التفكير الرغبوي
قرشي عوض
يوم الخميس الماضي كتبنا مقالاً في هذه المساحة عن تعاطي كتاب الصحافة الالكترونية مع الشأن العام. وقد وجد المقال طريقه الى النشر عبر موقع «سودانيز اون لاين» على شبكة الانترنت. وقد أشرنا في ذلك المقال الى بعض السمات التي لا حظناها من خلال متابعتنا لتلك الكتابات ورأىنا فيها انها تركز انتقاداتها على المعارضة خصوصاً الحزب الشيوعي. وقلنا ان ذلك النقد ليس جذرياً وغير متساوق مع المطلوبات الوطنية الماثلة ويصدر عن عقلية منبتة عن الزمان والمكان. لأن نقد الحزب الشيوعي قد تجاوز سيكولوجية الديناصورات والفراكشن والمركزية الديمقراطية. والنقد الديمقراطي الان ينظر للماركسية من حيث ثنائيتها ودوغمائيتها المستمدة من الحداثة. بل أن التخطيط المركزي نفسه سمة من سمات المجتمع الصناعي ولهذا السبب غلبت صبغته على الفكر والتنظيم والادارة وان سمات المجتمعات الصناعية تتجلى أكثر في الماركسية لغياب الحرية، في حين استطاعت الرأسمالية لانها استصحبت معها الحرية ان تستوعب التحولات التي حدثت في نهاية القرن العشرين متمثلة في انتقال المجتمع الانساني من طوره الصناعي الى طور جديد العامل الحاسم فيه هو التقنية والمعلومات. وطرق تبادلها أصبحت هى العامل الحاسم في انتاج الثروة وبالتالي اصبحت للحرية والديمقراطية محددات نظرية وفكرية تعزز الالتزام الاخلاقي بها. انتقاد الحزب الشيوعي من هذه الزاوية يكون بتجاوزه وبناء تيار ديمقراطي قادر على الالتقاء مع روح العصر وينافسه على المجال العام، شأنه شأن المعارضة التقليدية الاخري. المعارضة الان تعتقل الجماهير بالاستلاب الروحي وغياب الوعي الديمقراطي. وهى بذلك تختلف عن حكومة الانقاذ التي تعتقل الشعب بالقهر. الحكومة لابد من ضرب احتكارها للمجال العام عبر المقاومة أما المعارضة فان المعركة معها فهى معركة تنوير وتنافس. وهذه معركة اذا كنا جادين فيها فانها تتطلب الحريات العامة التي يحميها الدستور ولا يمكن التراجع عنها كما تفعل الانقاذ حالياً. وبالتالي موقفنا من المعارضة التقليدية هو الموقف الديمقراطي الذي لا يستهدف اقصائها وانما منافستها، وعليه يمكن أن ننسق معها لاستعادة الديمقراطية. لانها تقبل بها فبعضها يراهن على الاستلاب الروحي في الوصول للسلطة مثل الطائفية، وبعضها تدفعه قلة الحيلة للقبول بالديمقراطية نسبة لانه لا يستطيع أن يعود مرة أخرى الى اساليب حرق المراحل واختصار الطريق مثل الحزب الشيوعي، وبعضها يسعى لتخليص الجماهير من حالة تغبيش الوعي حتى تدرك مصالحها مثل التيار الديمقراطي الذي تدعو له عدة جهات الآن. أما طريقة ازاحة كل القوى القديمة بضربة واحدة واستبدالها بقوة الحداثة والتنوير فانها طريقة صبيانية في التعامل مع السياسة هذا الى جانب طابعها غير الديمقراطي الشمولي، هذا الموقف العام هو الذي تأسست عليه حركة «حق» وعززته في مؤتمرها الثالث الذي صاغت توصياته في وثيقتها المعروفة في المجال العام باسم رؤية حق في واقع سياسي معقد وكانت ضمن أسباب اخرى قد قادت للانقسام الشهير لكن «حق» في جناحيها لم تغيب عن ناظريها المعركة الماثلة حيث حددنا نحن في الداخل ان المعركة الماثلة هى اسقاط الفاشية. وكذلك فعلت نفش الشئ مجموعة المرحوم الخاتم وكان الخلاف بيننا في هذا الشأن هو اننا كنا ننادي بضرب احتكار الاسلاميين للسلطة بينما ينادي التيار الآخر باستئصال شأفة حركة الاخوان المسلمين واقتلاعهم من جذورهم.
لكن ما هو أساسي الآن بالنسبة لي أن تقديم هدف مقاومة السلطة الفاشية القائمة في البلاد والنظر اليه باعتبار أنه المعركة الماثلة وتأجيل ما عداه من اختلافات بل الذهاب الى ضرورة العمل المشترك مع المعارضة التقليدية من أجل تنفيذه كان هو الواجب النضالي الأول والمقدم على ما سواه.
هذا الموقف المتسق مع ضرورة ترتيب الاولويات في العمل السياسي. رأى فيه صديقنا عادل عبدالعاطي عبر مقال رد به علينا في موقع سودانايل موقفاً متناقضاً. الى جانب اوصاف اخرى وصف بها خطابنا تفيد التقليل من قيمة ما ذهبنا اليه.
وعادل عبدالعاطي في موقفه منا كما تشير الى ذلك مقالته الاستعلائية لا يرد علينا بقدرما يعبر عن خصائصه الذاتية والتي يمكن اجمالها في جنوحه الى التفكير الرغبوي بامتياز.
والتفكير الرغبوي نقصد به احلال الرغبات الشخصية والتطلعات الفردية مكان حقائق الواقع الماثل. والتفكير الرغبوي بهذه الكيفية هو آفة من آفات الذهن الشمولي، وهو ذهن يتسم بالتفكك والتشويش وعدم القدرة على صناعة الافكار والنظر الى الاشياء في اطلاقها وادارة المعارك في حدها الأقصي اضافة الى سحق الخصم. وهى صفات تتناقض مع الذهن الديمقراطي الذي يتعامل مع النسبي والاحتمالي. وينظر الى المختلف نظرة تنافسية وليس نظرة عدمية تستوجب سحقه دون أن تحفل بأي دوافع انسانية.
وهكذا عادل عبدالعاطي يتبنى عملياً اللينية التي يرفضها نظرياً كما انه يقبل الليبرالية نظرياً ويجافيها عملياً. ورغم ذلك لا يستحي عادل رغم هذا التناقض البين في خطابه ان يصفنا نحن بالتناقض واننا نتعاطي مع السياسية بعقلية سوق الملجة.
ففي الوقت الذي ابديت فيه ملاحظاتي على بعض الكتابات على شبكة الانترنت اعتبر عادل موقفي هو في الاساس من مجرد الكتابة في الانترنت ليصفني بالتخلف عن التكنولوجيا وروح العصر.
لم يغب على عادل ما أقصده لكن هذه رغبته الدفينة وهى أن يكون موقفي معادي لاستخدام هذه الوسيلة الثورية لا لشئ سوى أنه يستطيع ان يرد علي بسهولة. لكن ما فات عليه ان مجمل البناء النظري لـ«حق» ينطلق من ان المجتمع الانساني قد انتقل الى طور التقنية والمعلومات وينصب عادل نفسه مدافعاً عن العاملين بالخارج في حين يعلم الجميع انني اقصد بعض الاقلام التي تخصصت في نقد المعارضة بدلاً عن النظام، وفي ظني انها بذلك تخوض للنظام معاركه حيث لا تستطيع الانقاذ.
ان تتهم الحزب الشيوعي بغياب الديمقراطية عن بنيته الداخلية في حين يستطيع عادل عبدالعاطي ان يقوم بهذه المهمة. فانت الذي تخدم النظام لا نحن الذين تزعم اننا نردد ترهات النظام عن المعارضة الخارجية. فالمعارضة الخارجية غالبيتها من التنظيمات التي توجه اليها سهامك الطائشة. كما أن المهاجرين انفسهم لديهم تحفظات على معارضة الخارج هى الان حديث المجالس في مدينة لا تعرف الاسرار.
وينصب عادل لنا محاكمة شكلية حول ما ذهبنا اليه بأن ظروف العمل المرهق جعلت المهاجرين لا وقت لهم للاتصال بالمجتمعات التي ذهبوا اليها كما أنهم لم يستطيعوا ان يتصلوا بمشاكل السودان ويعقد عادل مقارنة بين طبيعة العمل في الداخل والخارج ويتساءل اين تنتج المعرفة في الغرب أم في السودان؟ ليتوصل الى أن المهاجرين أعلم باحوال الغرب من الناشطين في الداخل.
حسناً واعود وأكرر انني لا أعني المهاجرين ولكني أعني الكتابات التي طالعتها علي شبكة الانترنت. وقد عقدت المقارنة بين ما يكتبون، وما توصل اليه الفكر الديمقراطي الانساني في التعاطي مع ذات الظواهر التي يتناولونها، وحاولت أن التمس لهم العذر بطبيعة العمل والمشغولية في تلك البلدان التي يعيشون فيها لا لشئ الا لأنني اصدر من موقع ديمقراطي متسامح ويحاول ان يجد العذر لمن يختلف معهم لا أن يسحقهم بالعبارات الاقصائية كما يفعل الاخ عادل والذي يصدر عن عقلية شمولية لا ترى في المختلف غير عدو وتجب ازاحته. ولم اقصد بما ذهبت اليه الاساءة لأحد من المهاجرين لكنها آفة التفكير الرغبوي.
وحينما لم يسعفه المقال الذي بين يديه لجاء عادل الى حوار لنا قديم نشرته صحيفة الخبر ونشر على الانترنت. وكنت قد وصفت فيه الحزب الشيوعي بأنه يعاني من «فجة الموت» وهى الحالة التي يستعيد فيها المريض صحته قبل أن يموت لأصف بها حالة الانتعاش التي بدأت تنتظم حياة الحزب الشيوعي لانني اعتقد ان الحزب علته الأساسية فكرية، وهذه العلة ستؤدي به، أخذ عادل هذه الجزئية من حديثي لا لشئ سوى انها تتوافق مع طريقة تفكيره الرغبوي ليظهرني بأنني متناقض وانا أصف الحزب الشيوعي بأنه متقدم علينا في التعاطي مع قضية الديمقراطية.
أولاً: ملاحظتي الأولى بل كل ملاحظاتي في الشأن العام انا أطرحها وعلى شفاهي ابتسامة الريبة والشك فيما قلت لأنني لا امتلك القول الفصل. ثم لأنني اتعامل مع السياسة باعتبار انها مجال قائم على النسبي والاحتمالي لانني أنطلق من أرضية ديمقراطية تنظر الى الاشياء في تحولها الدائم وليس هنالك حكم نهائي في السياسة وعليه يا صديقي عادل رغم انني لازالت اعتقد ان الماركسية لا تصلح كنظرية للتغيير الاجتماعي تعين البلاد على أن تندرج في المدينة المعاصرة لكنني في نفس الوقت لا أتوقف في حدود افكاري وانزلها مقام الحقائق. ومن هنا لا أستطيع أن اغض الطرف ولا مصلحة لي في ذلك عن النقد الذي تقوم به صحيفة الميدان لممارسات السلطة الفاشية كما أن الحزب الشيوعي رفض الاعتراف بقانون الاحزاب والذي يسعى حزبكم الليبرالي للتسجيل وفقه كما قلت لي أنت في زيارتك للخرطوم. كما أن الناشطين الشيوعيين في مختلف المجالات يمارسون نقد الاوضاع السياسية في البلاد ولم يتخلفوا عن أى معركة خاضتها الجماهير. اذاً يا عادل خطابي ليس متناقض ولكنه ليس اطلاقي يصدر حكمه على الناس والاشياء مرة واحدة والى الابد فنحن يا صديقي نوطن انفسنا فيما نرى أنه صحيح لكننا في ذات الوقت نقول للناس أحسنتم ان هم أحسنوا. وهذا موقف لا يوضح السقف الفكري الواطي لنا كما ذهب عادل ولكنه يفضح المواقف التي تدعي الديمقراطية والليبرالية في العلن وتمارس الاقصاء من خلال مواقفها العملية.
ويسألنا عادل اسئلة لا معقب عليها وهي طريقة تتناسب مع طريقته في التفكير لان ذهنه الشمولي تجري احكامه على نسق كن فيكن. وما على الناس الا أن يرضوا بما قضي ويسلموا تسليماً. عن رأىنا في الحزب الشيوعي والمعارضة التقليدية والمتمثل في الانخراط في مؤسسات النظام والتراجع عن القضايا الفعلية للجماهير والانكسار امام قوانين الدولة الانقاذية ومسك العصاية من النص واعلان الموقف ونقيضه والتخلي عن تصنيف النظام بأنه فاشي والتراجع عن مطلب اسقاط النظام.
لاحظ عادل عبدالعاطي يصف النظام بكل هذه الاوصاف ويسعى حزبه للتسجيل وفق قانون الاحزاب الذي اصدره النظام.
ولا يرى في ذلك أى تناقض كما أن الاحكام التي اصدرها على المعارضة يرغب السيد عادل في أن تنطبق عليها بمجرد أن ينطق بها. بينما أكبر الاحزاب المعارضة للنظام وأعني حزب الامة هو غير ممثل في مؤسسات النظام وبالنسبة لاحزاب المعارضة داخل مؤسسات النظام فانها تستغل هذه الامكانية لنقد سياسات النظام والمعلومات التي اعتمدت عليها المعارضة في مقاومة الزيادة في اسعار المحروقات والسكر أساساً وفرها الاستاذ سليمان حامد
ومع ذلك اداء المعارضة ضعيف لكن انتقادها بهدف تطويرها يختلف عن انتقادها بهدف استئصالها. واقصائها ويسألني عادل عن دوري واسهامي كرئيس لحركة حق في تحديد اليات وتكتيكات مواجهة النظام الفاشي.
وارد بأننا في حق لم نتصور لانفسنا دوراً يختلف عن دور المعارضة لاننا اخترنا العمل معها للأسباب التي اسلفناها وبالتالي دورنا متواضع جداً ضمن حركة جماهيرية تعاني من حالة جذر وهذا واقع لابد أن نقره ونتعامل وفق معطياته لأننا معنيين بالانجازات الفعلية لا الدعاية لانفسنا.
وفي هذا المضمار أنا يشرفني انني قد شاركت في اعتصام طلاب حق بالجامعة الاهلية عام 1996م من أجل توصيل الغذاء لجوعى بحر الغزال كما إنني لعبت دوراً متواضعاً في استعادة عدد من الاتحادات الطلابية من براثن النظام كما شاركت في ملحمة التسوية السياسية التي خاطب فيها الاستاذ الحاج وراق الجماهير في ميدان ابوجنزير رغم وعيد النظام كما إنني ساهمت في احياء الذكرى السنوية للاستاذ محمود محمد طه وهى أصلاً قد بدأتها دار التنوير التي كنت أتشرف بعضوية لجنتها التنفيذية كما إنني شاركت في معركة المحروقات والسكر مع بقية فصائل المعارضة وشاركت في معركة الصحفيين ضد المادة 130. وغير ذلك وهى أفعال متواضعة جداً لكنها حقيقة وليست دعاية مجانية من خلف البحار كما يفعل عادل ثم لا يجد في نفسه حرجاً من أن يصفنا بالهزيمة النفسية نحن الذين ننظر في عين الديكتاتورية وننازلها في الشوارع ونعود لمنازلنا في اطراف العاصمة بالمواصلات العامة. ويصف الاستاذ عادل الانقاذ بانها وحش على اقدام من ورق لانها تعبر عن مشروع يسعى ضد التاريخ ويقف بالضد من مصلحة المواطنين ويمكن هزيمتها بالاستناد الى الامكانات الكامنة في مشروع القوى الديمقراطية وأن سقفهم «ناس عادل» في تحقيق احلام الناس البسطاء يحده السماء ودون ذلك رؤوسهم أو تحقيق مطالب الناس البسطاء.
الم أقل لكم ان عادل يضع رغباته مكان معطيات الواقع؟ وهل من عاقل اليوم يستطيع القول ان الانقاذ اقدامها من ورق؟ الانقاذ يا سيدي اقدامها من نفط وان القائد الذي يخطط لكسب المعارك الفعلية لا الخطابية يسعى لمعرفة القدرات الفعلية لخصمه وهذا ما نقوم به في الداخل بقدرات متواضعة.
ولهذا السبب فان رؤوسنا نحن هى التي دون مطالب الجماهير لانها تقع تماماً تحت ظل سكين الانقاذ «وسلامة رقبتك يا يابا» فأين تجد الانقاذ عنقك انت وأمثالك لتجذه؟ في حين نعيش نحن في مدينة يذبح فيها الصحفيين وترمى جثتهم في قارعة الطريق كما حدث للمرحوم محمد طه محمد أحمد أو تدهسم العربات المسرعة ليسجل البلاغ ضد مجهول كما حدث لصديقنا المشترك خالد فتحي. لو كنت يا عادل معني بشئ آخر غير ذاتك لعرفت أن التواضع السياسي الذي تزمني به هو من أهم الصفات المطلوب توفرها في القائد السياسي ولعصمت نفسك من حالة الادعاء العريض التي تنتابك كلما اختلف معك أحد. والذي يدعو للرثا يا عادل هو ليس خطابي أنا ولكن ادعاءاتك العراض مع فعلك المعدوم في الساحة السياسية ومهما يكن الفعل القليل فانه انفع واجدى للناس من الكلام الكثير بلا فعل. وتناقض الفعل مع القول هو الآفة الأساسية للمثقف السوداني. وقبل أن تحاكم الاخرين تأكد انك تقف في وضع أفضل منهم. أما ان تكون دونهم فان ذلك حقاً يدعو للرثاء.
لكن يا عادل استوقفني وصفك للديمقراطية بانها شكلية في أكثر من موضع في مقالك. وفي اعتقادي ان الحد الفاصل بين الخطاب الديمقراطي والخطاب اللينيني الشمولي هو الحديث عن الديقمراطية الشكلية فالديمقراطية هى الديمقراطية لا توجد واحدة شكلية وأخرى غير ذلك. انها دعاوى الشموليين فهل يدعو عادل للديمقراطية الجديدة؟ عموماً هى تتناسب مع طابعه الشمولي والاقصائي.
|
|
|
|
|
|
|
|
|