حكى لي أحدهم أن أحد زملائه من ضباط الشرطة كان سليط اللسان و لا يبذل أي جهد في إسكات غيره بمسيخ الكلام.. لدرجة أن بقية زملائه كانوا يلقبونه بـ ( الفاتية ) .. و حدث أن تم تقل ذلك الضابط الذي كان أيضاً من صنف النواعم ـ حيث لم يغادر الخرطوم منذ تخرجه ـ إلى منطقة ولائية نائية أقل ما توصف بأنها خارج التغطية.. و بناء على وصية من زملائه و أهله لم يقصر ذلك الضابط في تجهيز مؤونته الغذائية التي تكفيه أثناء تغربه في تلك المنطقة البعيدة .. أكثر في التزود بالشعيرية التي يحبها حباً جماً و توكل على الحي الذي لا يموت و سافر .. عند وصوله للمنطقة و بإعتبار وظيفته تم منحه منزلاً من قطيتين بدون حوش و سخروا لخدمته ثلاثة من المساجين ـ المضامين كما يطلقون عليهم ـ من سكان المنطقة .. و بعد معاينة سريعة إختار أحدهم أن يكون طباخه الخاص و قام بتسليمه عهدة الغذاءات و أوصاه بأن يكثر له من الشعيرية .. الطباخ المسكين لم يكن قد رأى في حياته الشعيرية أو حتى سمع بها .. لكن إرضاءاً لمخدمه رأى أن يقوم بتجهيزها له كأول وجبة لتكون عربون علاقة طيبة بينهما .. و لأنه لا يعرف طريقة تجهيزها فقد قام كما يفعل كل الطباخين بتقشير البصل و تقطيعه و من ثم تحميره بالزيت ووضع قليل من الشرموط ثم ملايقته ببعض من الويكة ثم قام بوضع الشعيرية في تلك الحلة و تركها في النار حتى نضج ما بداخلها مع قليل من الإحتراق و مزيد من السبك و التلبك .. حينما عاد الضابط مرهقاً من عمله أتجه إلى حيث الحلة الرابضة في صمت .. قابله طباخه بإبتسامة بلهاء .. فتح الضابط غطاء الحلة .. تراجع خطوتين أو أكثر إلى الوراء .. رمق طباخه بنظرة أحسن منها كف .. حدق في الحلة مغتاظاً .. مصمص شفتيه في تأفف واضح ,,ثم قال بكل برود .. تستاهلي يا الشعيرية ..
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة