|
كلمة الميدان العام الماضي عن انتفاضة مارس ابريل المجيدة
|
في الذكرى العشرين لانتفاضة مارس/أبريل المجيدة
رغم مرور عشرين عاماً على انتفاضة مارس أبريل، الا أن جذوتها لا زالت متقدة في ذاكرة شعب السودان وشعاراتها محفورة في وجدانه وشهداؤها في موضع القلب وحدقات العيون ودروسها الثرة ظلت شاخصة تلهم الوطنيين التجربة والعبرة وهم ما انفكوا يعملون في دأب النمل لانعتاق شعب السودان من حكم الرأسمالية الطفيلية المتأسلمة الذي يقف عقبة كؤوداً أمام مسيرة شعب السودان القاصدة لتنفيذ البرنامج الوطني الديمقراطي الذي يتجسد فيه الحل السياسي الشامل لأزمة الوطن ورفاهية شعبه.
فالانتفاضة التي أطاحت بنظام السفاح نميري وحكمه الفردي الفاسد المتسلط بعد مجالدة استمرت ستة عشر عاماً قدم فيها شعب السودان مختلف أنواع التضحيات من التشريد وحتى الموت رمياً بالرصاص وفوق أعواد المشانق – ولما يسترد بعد أنفاسه وعافيته، حتى سطت الجبهة القومية الاسلامية الظلامية على مكتسباته في الديمقراطية وحرية الرأي في غفلة من كل القوى السياسية وسامت شعبنا القهر والتنكيل والفقر.
إن أعظم دروس تلك الانتكاسة، ليس كيف يصنع المناضلون الوطنيون الثورة أو الانتفاضة بل أيضاً عليهم أن يتعلموا ويتقنوا ما هو أعقد من ذلك: كيفية المحافظة عليها. والويل كل الويل لمن يركن لحكم العادة الذي يورث الغفلة، ومن يستخف بالخصم ويتهاون في ردع وحسم العدو الطبقي خاصة عندما يكون في لؤم وقسوة وشراهة الرأسمالية الطفيلية السودانية المتأسلمة التي لا يجمعها جامع مع الاسلام والخلق الانساني القويم. ويشهد على ذلك ما يقارب الستة عشر عاماً من حكمها الذي خرب البلاد وأفقر الشعب وأذل المواطن وجعل من السودان ميداناً للاحتراب والنزاعات وعرضة للتدخل الأجنبي وربما ينتهي به المطاف ليصير محمية تحت الوصاية الأجنبية.
ما تؤكده دروس انتفاضة مارس أبريل، أن الحكم الديكتاتوري الشمولي لا تهمه مصلحة الشعب والوطن بأي مقدار، عكس ذلك فإنه مستعد لاراقة بحار من الدماء دفاعاً عن مصالح الفئة أو الطبقة التي يمثلها .. ولن يتردد للحظة في بيع السودان في دلالة عالمية أو اقليمية والتفريط في سيادته واستقلاله. وما ترحيل نميري الفلاشا في صفقة مالية مع الاستخبارات الأمريكية والإسرائيلية وغيرهما، وبيعه لأخصب أراضي السودان ومؤسساته الرابحة للملياردير خاشوقجي واستعداده اذا ما استمر به المقام لاقامة قواعد عسكرية أجنبية في البلاد .. وغيرهما الا قطرة من محيط الجرائم التي ارتكبها في حق الشعب والوطن. انها ذات الجرائم التي ترتكبها سلطة الانقاذ الاَن. فالنظامان وجهان لعملة واحدة. ولهذا لم تصب شعب السودان الدهشة عندما أعادت سلطة الجبهة القومية الاسلامية السفاح نميري الى البلاد واَوته ووفرت له كل سبل الراحة والحماية .. وكان طبيعياً جداً أن يذوب حزباهما في مستنقع واحد، اذ لا فرق بين أحمد وحاج أحمد ولن يضيف أحدهما للاًخر سوى المزيد من سخط الشعب وغضبه.
ان الوطنيين الذين عاشوا الانتفاضة وأسهموا في صنعها، وشابات وشباب السودان الذين كانوا في مقتبل العمر حين اندلعت الانتفاضة، نضجوا الاَن على نار هادئة واكتسبوا تجارب ثرة غنية في هذه الحقبة القاسية من حكم الانقاذ.
ان تلاقح التجربتين أثمر اجماعاً قومياً لم يشهده السودان من قبل على العديد من القضايا بينها:
الاجماع على فشل تجربة الحكم الشمولي وخاصة نظام الرأسمالية الطفيلية المتأسلمة والمتدثرة بالدين، والاصرار على مقاومته واسقاطه.
لا بديل للديمقراطية التعددية وحرية التعبير والعقيدة والرأي والصحافة وحق المواطنة القائم على المساواة في الحقوق صرف النظر عن الدين أو الجنس واللغة واللون والنوع.
مشاكل السودان القارة بتنوع أعرافه وثقافاته ومعتقداته وتخلف التنمية فيه لا يحلها فرد أو حزب أو تحالف ثنائي بين حزبين، بل يسهم فيها كل شعب السودان عبر من يختارهم ديمقراطياً في مؤتمر قومي جامع يضع البرنامج والحلول واَليات التنفيذ للحل السياسي الديمقراطي الشامل لأزمة الوطن.
كل هذا رهين بنضال شعب السودان من أجل الديمقراطية التعددية وتوحيد صفوفه وقدرته على الفعل بمثلما تجسد في ثورة أكتوبر وانتفاضة مارس أبريل وواضعاً في اعتباره ما حدث من متغيرات في الواقع ومستجدات العصر.
فيصل محمد خليل
|
|
|
|
|
|