|
... الملك ... كتابه لطلال عفيفي
|
في أواخر السبعينيات بان على شاشة الإصغاء فتاً أسمر , كان صوته دافئاً وعذباً ويسرق الإنتباه
من أول لحظه
مختلفاً كان في كل شيء : في أدائه الحر على المسرح وعينيه اللامعتين وبراءة ملامحه المجنونة.
لم يستغرق الأمر طويلاً حتى يجذب الفتى شباب جيله للإنتباه إليه والتعلق به , لكن الأمر إستغرق
سنوات ليصبح : الملك .
إسمه ( محمد منير أبو اليزيد ) , من النوبه , درس في كلية الفنون بالإسكندرية على ساحل البحر ,
قبل أن يواصل رحلته بالقطار إلى القاهرة .
كان ذلك في منتصف السبعينيات الأخير , والبلاد المصرية تعيش واحدةً من تحولاتها الكبرى .
كان عبد الناصر قد مات . و بدأ الإقتصاد المصري في فرض حاله إجتماعية ونفسية مختلفة , عُرفت
فيما بعد بال( إنفتاح ) إصطلاحاً , و رحل عبد الحليم حافظ ليبدأ نجم ( أحمد عدوية ) في الظهور ,
كانت الدولة المصرية قد تخلت عن دعاوي القومية العربية والطرح الإشتراكي مفسحةً الباب على
مصراعيه للأثرياء الجدد وثقافة السوق الحر , الأمر الذي صاحبه إنهيارات عنيفه على مستوى
البنية الثقافية المتقدمه والمستنيره ( لإعتماد هذه البنية سابقاً على الدولة الناصرية بشكل أعمى ) ,
لتتداعى بعدها السينما المصرية والمسرح والأحلام .
تحركت الدوله لتحقق كبرى صدماتها للوجدان الشعبي بالصلح مع إسرائيل في معاهدة أصبحت
من المرجعيات المهمة لمدارس الهرولة العربية اليوم . وكان الفساد يزكم الأنوف , والفقر ينشط في
زحفٍ صحراوي تجاه الطبقة الوسطى , إنهارت المؤسسة الأكاديمية , وهاجر المثقفون لتظهر
ثقافة : السح الدح امبو .
ويلمع نجم أحمد عدويه .
.........................................
.........................................
.................................
في عام من أواخر السبعينيات تلك نزل إلى الأسواق شريط بعنوان " بنتولد " من إنتاج شركه إسمها
" سونار " يديرها الدكتور " هاني ثابت " الذي يعد من مكتشفي الأصوات الغنائية المهمين ...
فهو الذي , وعبر شركته و أستديوهاته , ظهر جيل الثمانينيات الغنائي : حميد الشاعري . إيهاب توفيق.
علاء عبد الخالق . منى عبد الغني . و .. حكيم !!
خرج محمد منير الى العلن لتتخلى آلهة الحظ عن أحمد عدوية لصالح الفتى الأسمر .. ويبدو أن ظهور
منير في واحدة من القراءات قد لا يعد غير سوء طالع أصاب الطبيعي للغناء الشعبي في مصر ..
فعدوية رغم مصاحبة سطوعه لفترة الإنفتاح والإنحلال الثقافي في مصر المحروسه , إلا أن صوته يعد
واحداً من أجمل الأصوات في مصر , وقد ناله جانب من الظلم النقدي حيث أعتبر مجرد سوسه نخرت الفن
الغنائي ... ( وهي رؤية روَج لها نُقاد الفترة تلك نتيجة لغبن سياسي وثقافي لم يستطيعوا منه فكاكا ) .
وكان من تدشين محمد منير وخروجه على الساحة ما وضع الفنان أحمد عدويه بين فكي كماشه ! بين عبدالحليم
و محمد منير , فضاع بين الأرجل !
:::::::::::::::::::::::::::::::::::::
إستطاع محمد منير خلق جيل كامل من المستمعين , يتحلقون حول أغانيه ويهيمون شوقاً لسماع آخر ما يأتي به ,
خلق لنفسه جمهوره الخاص , من الطلبة والثقفين والعشاق ومحبي الموسيقى .
تمكن من كسر الشكل القديم في الحضور على المسرح . .. وفي إعتباري أن ما فعله مشابه لفعلة " نزار قباني "
في القصيدة .. فقد أنقذ " النوبي " الغناء العربي من إحتضاره , ذلك الغناء الذي لم يكن أكثر من تنويعات على
سلالم الموشحات القديمة منذ زمن الأندلس . ( غير غافلين في المقام ذاته عن ذكرالمرحو سيد درويش ) .
........................................
........................................
لقد أحيا منير الذائقة الشعرية في بر مصر , ( والبلاد المجاوره .. ) , صار شعر فؤاد حداد وأحمد فؤاد نجم
والأبنودي يجوب سواحل القلب , ومن قبل ومن بعد شعر صلاح جاهين , ثم نفض المغني الجديد ثياب صوته
عن شعر الفتية الصغار , عبد الرحيم منصور , وبهاء محمد و كوثر مصطفى لتشتعل الظاهرة المنيرية ,
و تتوهج .
كان محمد منير يتحرك في مساحة الوعد والبشارة التي إضمحلت بعد أن خبت أنفاس عبد الناصر
وموت عبد الحليم , وغياب سعاد حسني وصلاح جاهين عن المشهد ( في أول ترقيهما لسلم الإنتحار ) .
غامر الولد النوبي بوعي كامل لإنقاذ ما يمكن إنقاذه ( ولا أعرف كيف يلتم شمل المغامرة على الوعي ! ) .
في عام من أواخر السبعينيات تلك نزل إلى الأسواق شريط بعنوان " بنتولد " من إنتاج شركه إسمها
" سونار " يديرها الدكتور " هاني ثابت " الذي يعد من مكتشفي الأصوات الغنائية المهمين ...
فهو الذي , وعبر شركته و أستديوهاته , ظهر جيل الثمانينيات الغنائي : حميد الشاعري . إيهاب توفيق.
علاء عبد الخالق . منى عبد الغني . و .. حكيم !!
خرج محمد منير الى العلن لتتخلى آلهة الحظ عن أحمد عدوية لصالح الفتى الأسمر .. ويبدو أن ظهور
منير في واحدة من القراءات قد لا يعد غير سوء طالع أصاب التطور الطبيعي للغناء الشعبي في مصر ..
فعدوية رغم مصاحبة سطوعه لفترة الإنفتاح والإنحلال الثقافي في مصر المحروسه , إلا أن صوته يعد
واحداً من أجمل الأصوات في مصر , وقد ناله جانب من الظلم النقدي حيث أعتبر مجرد سوسه نخرت الفن
الغنائي ... ( وهي رؤية روَج لها نُقاد الفترة تلك نتيجة لغبن سياسي وثقافي لم يستطيعوا منه فكاكا ) .
وكان من تدشين محمد منير وخروجه على الساحة ما وضع الفنان أحمد عدويه بين فكي كماشه !
بين عبدالحليم و محمد منير ..
فضاع بين الأرجل .
:::::::::::::::::::::::::::::::
إستطاع محمد منير خلق جيل كامل من المستمعين , يتحلقون حول أغانيه ويهيمون شوقاً لسماع آخر ما يأتي به ,
خلق لنفسه جمهوره الخاص , من الطلبة والثقفين والعشاق ومحبي الموسيقى .
تمكن من كسر الشكل القديم في الحضور على المسرح . .. وفي إعتباري أن ما فعله مشابه لفعلة " نزار قباني "
في القصيدة .. فقد أنقذ " النوبي " الغناء العربي من إحتضاره , ذلك الغناء الذي لم يكن أكثر من تنويعات على
سلالم الموشحات القديمة منذ زمن الأندلس . ( غير غافلين في المقام ذاته عن ذكر المرحوم سيد درويش ) .
........................................
........................................
لقد أحيا منير الذائقة الشعرية في بر مصر , ( والبلاد المجاوره .. ) , صار شعر فؤاد حداد وأحمد فؤاد نجم
والأبنودي يجوب سواحل القلب , ومن قبل ومن بعد شعر صلاح جاهين , ثم نفض المغني الجديد ثياب صوته
عن شعر الفتية الصغار , عبد الرحيم منصور , وبهاء محمد و كوثر مصطفى لتشتعل الظاهرة المنيرية ,
و تتوهج .
كان محمد منير يتحرك في مساحة الوعد والبشارة التي إضمحلت بعد أن خروج عبد الناصر مسموماً
بالنكد والهزيمة وأخيراً الموت من المشهد الحياتي ....
فخرجت على الآذان فراشات صبية في ميلاد جديد و إحتمالات أكثر تفهماً ومتاخمة للشارع والناس العابرين
فيه من مصريين غلابه ومثقفين مهزومين , فتم إستقباله بصدر رحب و أمل أخير ..
.......................................
حصد منير نجاحه , كونه يحمل كل موبقات الكاريزما وسحرها الفعال :
مثقفيته , وتجديده ..
نوبيته السمراء , مع إنتماءه لمصر الأم ..
عيناه اللتين تلمعان بالعشق ..
قلبه الأخضر ..
وعبثه ومجونه ..
و أخيراً موسيقاه التي أضفت على كلا الشعراء الكبار حيوية ذات طابع عالمي , إذ دخل في توليفة منير وتركيبه
لأعماله الفنية موسيقون ألمان وسودانيون وآخرون من الجزائر ..
فأعاد تلحين وإنتاج أغان من التراث النوبي من شمال السودان وجنوب مصر , ومن الشام , و أعالي الجبال الأطلسية بالمغرب ..
غنى لبنات المدارس , والعاشقين الصباح ..
و للشيخ إمام , و الإسكندرية .
ولشادية , و ورده .
حتى تفرقت دماء صوته المحزون على قبائل العالمين .
....................................
يوشك محمد منير على بلوغ الخمسين من عمره ..
هنا أتذكر كيف كان آلاف الشباب في إنتظار مُحب ولحوح لظهوره على المسرح ...
كان ذلك بدار الأوبرا في مصر ..
و طال الإنتظار طويلاً ..
ثم فجأه ظهر المغني على المسرح في بنطلونه الجينز الأسود وفانلته البيضاء ..
لتنفجر القنبله ..
طفل نوبي أسمر على مشارف الخمسين ..
بلدوزر يكتسح كل ما تتوقعه ليحيلك إلى جمال أجمل .
غناء يونس القلب .
وصوت يعرف مجاهل الروح .
ثلاثون عاماً إلا قليلاً وهو يغني للجمهور ...
لكنه ما زال .. الملك
...................................
...................................
طلال عفيفي
|
|
|
|
|
|